المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته: - أحكام الهجر والهجرة في الإسلام

[أبو فيصل البدراني]

فهرس الكتاب

- ‌أحكام الهجر في الإسلام:

- ‌تعريف الهجر والهجرة والهجران:

- ‌أقسام الهجر الظاهر:

- ‌مقاصد الإسلام في الهجر الإيجابي:

- ‌حكم الهجر بين المسلمين:

- ‌مُجمل مذاهب العلماء في التعامل مع زلات الإخوة في الله:

- ‌آثار الهجر المحرم:

- ‌كيفية زوال الهجر المحرم:

- ‌حكم بدء فساق المسلمين بالسلام ورده عليهم:

- ‌كيفية التأليف المشروع:

- ‌المُراد بالهجر الإيجابي الوارد في كلام السلف:

- ‌حكم هجر أهل المعاصي المستترين إيجابياً:

- ‌حكم هجر أهل البدع الدعاة وأهل الكفر وأصحاب الكبائر

- ‌حكم هجر المؤمن الصالح المؤذي هجراً جميلاً وقائياً:

- ‌هل كل بدعة يستحق صاحبها الهجر الإيجابي

- ‌هل هناك من أهل العلم من يرى حرمة هجر الكافر أو المرتد أو المنافق إيجابياً

- ‌هل المصلحة الشرعية معتبرة في الهجر الإيجابي

- ‌حكم هجر الوالدين:

- ‌حكم هجر الأقارب إيجابياً من أصحاب الكبائر والفواحش الذين لا يزالون مسلمين:

- ‌حكم صلة القريب الفاجر:

- ‌حكم صلة القريب الكافر:

- ‌كيف يُمكن الجمع بين من يقول أن هجر الأرحام الكفار والفساق مستحب وفي ذات الوقت يقول أن صلة القريب الفاجر والكافر مستحبة

- ‌كيفية مخالطة الفاسق الراجح شره على خيره:

- ‌هل صلة الفاسق الراجحة معاصيه على طاعته يعني اتخاذه صديقاً

- ‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته:

- ‌مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الهجر:

- ‌مذهب الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الهجر:

- ‌مذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الهجر:

- ‌خلاصة فقه الهجر على المذهب المختار:

- ‌إضاءة عامة حول فقه العزلة والخلطة:

- ‌أحكام الهجرة في الإسلام:

- ‌أنواع الهجرة عموماً:

- ‌تعريف الهجرة (الحسية ، المكانية ، الظاهرة)

- ‌أحكام الهجرة الحسية المكانية الظاهرة:

- ‌بواعث وغايات الهجرة:

- ‌حكم سفر المسلم لبلاد المشركين:

- ‌حكم إقامة المسلم في دار الكفر:

- ‌الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر:

- ‌حكم الهجرة من بلاد الكفر المحاربة لبلاد الكفر المسالمة للدين وأهله:

- ‌الهجرة من دار الفسق والبدعة مشروعة ولكنها لا تجب:

- ‌مناط إيجاب الهجرة:

- ‌حكم استئذان الوالدين في الهجرة الواجبة المتعينة:

- ‌الخلاصة في أحكام الهجرة:

- ‌إشكالات في باب الهجر والهجرة:

الفصل: ‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته:

عليه وسلم لقريش بالخصب وعلّل بنحو ذلك، فيحتاج من يترخّص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك" انتهى.

‌كيف يُمكن الجمع بين من يقول أن هجر الأرحام الكفار والفساق مستحب وفي ذات الوقت يقول أن صلة القريب الفاجر والكافر مستحبة

؟

لا يوجد تعارض بين من يقول أن هجر الأرحام الكفار والفساق مستحب وفي ذات الوقت يقول أن صلة القريب الفاجر والكافر مستحبة وذلك أن الفرق بينهما هو النية أي بمعنى أدق أن هجر الأرحام الكفار والفساق يكون مستحباً بحسب نية الهاجر فإن كانت هجرته لهم بسبب غيرته على محارم الله من أن تُنتهك وبسبب تخلف أقاربه عن السنة والالتزام بالدين فهو بهذه النية مأجور وإن كان ما ذهب إليه من هجرهم مفضولاً عند من يصل رحمه الفساق والكفار على الوجه الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما هجر الأقارب الكفار والفجار لغير الله أي بغير نية فجائز ماداموا على كفرهم وفسقهم ، وهجرهم لا يُعد من قطيعة الرحم كما قررنا إلا أن الهجر منوط بالمصلحة والفائدة، فإذا تحقق أو غلب على الظن أن الهجر أنفع للهاجر أو المهجور كان هو الأولى مع مراعاة بأن هجرهم لا يُسقط مشروعية صلتهم بالدعاء بظهر الغيب وكف الأذى عنهم والإحسان إليهم بالمال والنفقة ونحوه ، فإن لم يكن للهجران والمقاطعة هنا فائدة فليستمر المسلم استحباباً في مواصلة أقاربه الفساق وتذكيرهم بالله ومناصحتهم بين الفينة والأخرى وهذه الصلة يجب أن تقتصر على الواجب، دون الانبساط إليهم أو التوسع في إجابة دعوتهم، كما يجب الإعلان بكراهية ما هم عليه، وعدم مجالستهم أثناء غشيانهم المنكر، فإن ذلك كله محرم، والله أعلم.

‌كيفية مخالطة الفاسق الراجح شره على خيره:

الفاسق الراجح شره على خيره الذي ليس له حق عليك كوالدك أو قريبك فإن الخلطة به تكون محدودة وبقدر ما تُقدَم له من النصح حتى لا يسري داؤه إليك وقرناء السوء الذين تضر صحبتهم يُسن هجرهم وقيل يجب إلا لحاجة أو مصلحة راجحة.

‌هل صلة الفاسق الراجحة معاصيه على طاعته يعني اتخاذه صديقاً

؟

الاتصال بالفاسق وصلته وإجابة دعوته وحسن التعامل معه وإكرامه يكون من غير اتخاذه صاحباً ولا خليلاً.

‌حكم صحبة الفاسق ومصادقته:

من المعلوم أن الإنسان ميال إلى الاجتماع والاختلاط مع بني جنسه ولا يستغني عن التعامل معهم أتقياء كانوا أو فجاراً ، وهذا أمر لا حرج فيه ولا إثم ، والله تعالى خلق الإنسان مدنياً بطبعه يميل لمُخالطة الناس ومجالستهم ويتأثر بهم ويؤثر فيهم ، فالطبع لص والصاحب ساحب والفاسق المسلم الراجح خيره على شره لا بأس بمصاحبته ، وذلك لأن ترك صحبة الفاسق بشكل عام تتفاوت بحسب حال الهاجر وبحسب مقدار الفسق عند المهجور وحاله فقد تكون كلية ، وذلك مثل من كان مبتدئاً تائباً فإنه يُشرع له هجر الفساق كلياً بل قد يجب عليه أما من تمكن من الدين نوعاً ما فلا بأس بصحبته للفاسق الراجح شره على خيره بشرط الدعوة إلى الله

ص: 18

وعدم مشاركته في الإثم وذلك أن مخالطة الناس بشتى أجناسهم ومللهم لغرض الدعوة إلى الله والإصلاح مشروع إلا أن الفاسق الملي الراجح شره على خيره والمبتدع لا يُصاحب ولا يُجالس كما يُصاحب ويُجالس الأتقياء ولا ينبغي أن يكون لهم في القلب محبة الأتقياء، وينبغي عدم الإفراط في مخالطتهم لئلا يتأثر بهم المُخالط فيقلدهم أو يشاركهم في المعصية ، وعلى هذا فمن يُخالط العصاة وحتى الكفرة لنصحهم ووعظهم دون أن يتأثر بهم فمعاملته لهم خير من هجرانهم، فإذا غلب على الظن أنهم لا ينتصحون ولا يتعظون فالأفضل هو البعد عنهم، وينبغي التنبه إلى أنه لا يجوز مخالطة الفساق والمبتدعة حال فسقهم وبدعتهم وتصويب آراءهم تقية بل ينبغي الإنكار عليهم فإن لم ينتهوا فارقهم.

وهنا تنبيه المصاحبة الجبرية التي لا دخل للعبد فيها لا تدخل فيما قررناه كما قال تعالى في شأن الوالدين المشركين (وصاحبهما في الدنيا معروفا) وكذلك صحبة الزوجة الكتابية والجار الكافر بالحسنى وصحبة الصاحب المشرك بالحسنى في السفر والعمل. قال تعالى (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ).

وأما حكم مصادقة العصاة فلها تفصيل آخر ، والفرق بين المصاحبة والمصادقة أن المصادقة هي درجة أرفع من المصاحبة فالمصاحبة قد تشمل جميع الناس كافرهم ومؤمنهم بخلاف الصداقة كمصاحبة الولد المسلم التقي لوالده المشرك بالمعروف ونحو ذلك.

نعود إلى حكم مصادقة العصاة فالمعاصي على نوعين معاصي مكفرة كمن يشرك بالله أو يترك الصلاة تركاً كاملاً ونحو ذلك ، وهناك معاصي غير مكفرة وهي التي لا تُخرج الإنسان من الملة لكن يوصف فاعلها بأنه فاسق ومؤمن ناقص الإيمان كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك ما لم يستحلها فعقيدة أهل السنة والجماعة وإجماع السلف على عدم تكفير صاحب الكبيرة ما لم يستحلها.

إذا عُلم هذا فمصادقة الناس ينبغي حكمها على ما سبق فلا يجوز اتخاذ الكافرين أولياء أو مُخالطتهم مع الأنس بهم أو اتخاذهم أصدقاء وخلان أو تقديمهم على المؤمنين أو ومودتهم ومحبتهم أو نحو ذلك وهذا في حق عمومهم لكن يجب العدل معهم وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم بغير وجه شرعي ويجوز التعامل معهم بالبيع والشراء والقرض ونحو ذلك.

أما عصاة المؤمنين فتجب محبتهم بقدر ما معهم من إيمان وينبغي بغضهم بقدر ما معهم من فسق ومعصية ويجب تغليب محبتهم على بغضهم إذا كان خيرهم راجحاً على شرهم ، أما اتخاذهم أصدقاء فهم على قسمين: القسم الأول: هم من كان خيرهم راجح على شرهم وهؤلاء لا بأس بصداقتهم حينئذ وإن كان خلاف الأولى. والقسم الثاني: وهم من كان شرهم راجح على خيرهم وهؤلاء صداقتهم مما يُخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ، فحاملُ المسك إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة). أخرجه البخاري ومسلم. وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث: (إنما

ص: 19

مثل الجليس الصالح والجليس السوء

الحديث) قال: وفيه فضيلة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى.

وقد حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، والبعد عن رفقاء السوء، واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم، فقال له): انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. (وبحديث أبي داود:(الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وبحديث أحمد: (لا تصاحب إلا مؤمناً. (

وقال سبحانه وتعالى} وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ {.

قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم ، فإن صحبتهم كفر، أو معصية، إذ الصحبة –قلتُ يقصد الصداقة بالمصطلح الذي اصطلحته في هذه الرسالة-لا تكون إلا عن مودة. انتهى ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر -:(من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها، أما من أظهرها وجاهر بها: فالواجب أن يُقام عليه حدُّها، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، ولا تجوز صحبتهم، ولا مجالستهم، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً: فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً–قلتُ أيضاً يقصد صداقتهم لا مطلق المصاحبة -، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة.)" فتاوى إسلامية "(4/ 520).

وقد روى الدينوري فِي الْمُجَالَسَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَا تُوَاخِ الْفَاجِرَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَك فِعْلَهُ وَيُحِبُّ لَوْ أَنَّك مِثْلُهُ ، وَمَدْخَلُهُ عَلَيْك وَمَخْرَجُك مِنْ عِنْدِهِ شَيْنٌ وَعَارٌ ، وَلَا الْأَحْمَقَ فَإِنَّهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ لَك وَلَا يَنْفَعُك ، وَرُبَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَعَك فَضَرَّك ، فَسُكُوتُهُ خَيْرٌ مِنْ نُطْقِهِ ، وَبُعْدُهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ ، وَمَوْتُهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ ، وَلَا الْكَذَّابَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُك مَعَهُ عِشْرَةٌ ، يَنْقُلُ حَدِيثَك وَيَنْقُلُ الْحَدِيثَ إلَيْك ، وَإِنْ تَحَدَّثَ بِالصِّدْقِ لَا يُصَدَّقُ.

وَقِيلَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ مَنْ اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا إلَى أَحْمَقَ فَهِيَ خَطِيئَةٌ مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَارِمْ الْأَحْمَقَ فَلَيْسَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ الْهِجْرَانِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هِجْرَانُ الْأَحْمَقِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِي قَافِيَتِهِ: وَلَأَنْ يُعَادِيَ عَاقِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّقِ الْأَحْمَقَ لَا تَصْحَبْهُ إنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلَقِ فَهُوَ إنْ رَقَعْته مِنْ جَانِبٍ عَادَ مِنْ هَوْنٍ سَرِيعًا فَانْخَرَقَ

انتهى.

وبناءً على ما تقدم فصديق السوء يورد الإنسان المهالك ويضره أكثر مما ينفعه وفرق بين أن توالي ذلك الشخص وتحبه لأن معه وصف الإيمان وبين أن تصادقه

ص: 20