الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي نحو ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(1)
(2)
ا. هـ.
مفهوم الشرك في اللغة والاصطلاح:
1 - مفهوم الشرك لغة:
قال ابن فارس: «الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدلّ على مقارنة وخلافِ انفرادٍ، والآخر يدلّ على امتداد واستقامة.
فالأول: الشركة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، يقال: شاركت فلانًا في الشيء إذا صرت شريكَه، وأشركت فلانًا إذا جعلته شريكًا لك»
(3)
.
(4)
.
وقال أيضًا: «والشرك أيضًا الكفر، وقد أشرك فلان بالله فهو مشرك ومشركيّ»
(5)
.
(1)
ابن تيمِيَّة: (661 - 728 هـ)، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي. شيخ الإسلام في زمانه وأبرز علمائه. ولد بحرَّان بتركيا، ورحل إلى دمشق مع أسرته هربًا من غزو التتار. وتلقى العلم على والده وعلى مشايخ دمشق، آلت إليه الإمامة في العلم والعمل سنة (720 هـ). ينظر: تذكرة الحفاظ، الإمام الذهبي (4/ 1496 - 1498). ذيل العبر، الإمام الذهبي، (ص 84).
(2)
مجموع الفتاوى (9/ 59).
(3)
مقاييس اللغة:) 3/ 265).
(4)
الصحاح (4/ 1593 - 1594).
(5)
الصحاح (4/ 1593 - 1594).
وقال الفيروز آبادي: «الشِّرك والِشُّركة بكسرهما وضم الثاني بمعنى، وقد اشتركا وتشاركا وشارك أحدهما الآخر، والشِّرك بالكسر وكأمير: المشارك، والجمع أشراك وشركاء»
(1)
.
2 - مفهوم الشرك في الاصطلاح:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده، فإنه لم يعدل بالله أحد من المخلوقات في جميع الأمور، فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك»
(2)
.
ويقول ابن سعدي رحمه الله: «حقيقة الشرك أن يُعْبَد المخلوقُ كما يُعْبَد اللهُ، أو يعظَّم كما يعظَّم اللهُ، أو يصرَف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية»
(3)
.
3 - الفرق بين الشرك والكفر:
1 -
أما من جهة اللغة فإن الشرك يكون بمعنى المقارنة، أي: أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما عن الآخر. أما الكفر فهو بمعنى الستر والتغطية، فيكون الكفر بمعنى جحد الحق وستره.
قال ابن فارس: «الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية» ، إلى أن قال:«والكفر ضد الإيمان، سُمّي لأنه تغطية الحق، وكذلك كفران النعمة جحودها وسترها»
(4)
.
وأما من حيث الاستعمال الشرعي فقد يطلقان ويكونا بمعنى واحد، كما في قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ
(1)
القاموس المحيط) 2/ 1251).
(2)
الاستقامة (1/ 344).
(3)
تيسيرالكريم الرحمن لابن سعدي (499/ 2).
(4)
مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 191).
بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)} [الكهف].
وإذا أطلق أحدهما دخل الآخر في معناه.
كما قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون].
وقد يفرق بينهما، قال النووي
(1)
رحمه الله: «الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من
(1)
النووي: (631 - 676 هـ): هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن، النووي (أو النواوي) أبو زكريا، محيي الدين. من أهل نوى من قرى حوران جنوبي دمشق. علَّامة في الفقه الشافعي والحديث واللغة. من تصانيفه (المجموع شرح المهذب) و (روضة الطالبين)؛ و (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)[طبقات الشافعية للسبكي (5/ 165)؛ والأعلام للزركلي (99/ 185)؛ والنجوم الزاهرة (7/ 278)].
عقيدته ومنهجه: النووي رحمه الله: (له أغلاط في الصفات سلك فيها مسلك المؤولين وأخطأ في ذلك فلا يقتدى به في ذلك؛ بل الواجب التمسك بقول أهل السنة وهو إثبات الأسماء والصفات الواردة في الكتاب العزيز .... ) اللجنة الدائمة فتوى برقم (4264)(3/ 221) عن النووي رحمه الله: النووي ليس أشعريًّا صرفًا على أصولهم كلها؛ بل قد خالفهم في أصول كثيرة؛ منها:
1 -
دفاعه عن عقيدة السلف في أفعال العباد.
2 -
إثبات رؤية الله يوم القيامة.
3 -
دفاعه عن عقيدة السلف في حقيقة الإيمان وزيادته ونقصانه.
4 -
كلامه عن حكم مرتكب الكبيرة.
5 -
وكلامه في النبوات.
6 -
أول واجب على المكلف رد فيه على الأشاعرة (المجموع 1/ 24 - 25) ينظر: ترجمة الحافظ ابن حجر أيضًا فيها زيادة بيان وإيضاح (الباحث).
المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش، فيكون الكفر أعم من الشرك»
(1)
(2)
.
4 - أنواع الشرك:
والشرك نوعان:
الأول: شرك أكبر.
الثاني: شرك أصغر.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «أما الشرك فهو نوعان: أكبر وأصغر، فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو أن يتخذ من دون الله نِدًّا يحبه كما يحب الله»
(3)
.
تعريف الشرك الأصغر:
قال ابن سعدي رحمه الله: «هو جميع الأقوال والأفعال التي يُتوسلُ بها إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة، كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك»
(4)
.
وقال الشيخ عبد العزيز السلمان
(5)
رحمه الله: «هو كلّ وسيلة وذريعة يتطرّق بها إلى الشرك الأكبر»
(6)
.
(1)
شرح صحيح مسلم (2/ 71)، وينظر: حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد (302).
(2)
وكل كفرٍ شرك، وكل شرك كفر، وهو الذي عليه جماهير أهل العلم. أفاده القاسمي في محاسن التأويل، وانتصر له الألباني واحتجَّ بقصة أصحاب الجنتين في سورة الكهف في بحث نفيس في عشرة شرائط له (تسجيلية)
(3)
مدارج السالكين (1/ 368).
(4)
القول السديد (15).
(5)
الشيخ العلَّامة عبد العزيز بن محمد السلمان -هو العالم العلَّامة المفسر الأصولي الفقيه الفرضي الورع الزاهد الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن بن سلمان ولد في القصيم -بالمملكة عام (1337 هـ)، توفي عام (1422 هـ). نقلًا عن الموسوعة الحرة- بتصرف يسير.
(6)
الكواشف الجلية (321).
الشرك الخفي:
أما الشرك الخفي فلا يعد قسمًا ثالثًا مستقلًا وفي هذا الصدد يقول سماحة شيخنا الإمام ابن باز
(1)
رحمه الله: «وهناك شرك يقال له: الشرك الخفي
…
».
والصواب: أن هذا ليس قسمًا ثالثًا، بل هو من الشرك الأصغر، وهو قد يكون خفيًّا لأنه يقوم بالقلوب كما في هذا الحديث، وكالذي يقرأ ويرائي، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي، أو يجاهد يرائي أو نحو ذلك
…
وقد يكون خفيًّا وهو من الشرك الأكبر كاعتقاد المنافقين فإنهم يراؤون بأعمالهم الظاهرة وكفرهم خفي لم يظهروه
…
وبما ذكرنا يعلم أن الشرك الخفي لا يخرج عن النوعين السابقين: شرك أكبر وشرك أصغر»
(2)
.
تعريف الشرك الخفي:
وتعريفه: هو الوارد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجال عندي؟» .
قال: قلنا: بلى، قال:«الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل»
(3)
. يعني: الرياء.
(1)
ابن باز: (1330 - 1420 هـ)، هو أبو عبد الله، عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد آل باز. عالم وفقيه الأمة، والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد منذ عام (1395 هـ)، ثم أصبح مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية. وُلد بالرياض، ومن مؤلفاته المطبوعة: نقد القومية العربية؛ رسالة في نكاح الشِّغار؛ الجواب المفيد في حكم التصوير؛ رسالة في التبرُّج والحجاب؛ الشيخ محمد بن عبد الوهاب (دعوته وسيرته)؛ ثلاث رسائل في الصلاة. حاز جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام (1402 هـ). نقلا عن: الموسوعة العربية العالمية.
(2)
مجموع فتاوى العلَّامة عبد العزيز بن باز رحمه الله (1/ 46).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 30)، وابن ماجه (4204)، والبيهقي في الشعب (5/ 334)، وصححه الحاكم (4/ 329)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (30).
بيان مفهوم حقيقة الشرك الأكبر:
أما الشرك الأكبر: هو أن يجعل الإنسان للّه ندًّا في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته.
وقد جمع هذه الأنواع الثلاثة كلها حديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك» ، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» ، قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك»
(1)
.
وكما قال تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} [الإسراء].
يقول السمعاني
(2)
(3)
.
قال الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} [الرعد: 33].
يقول القرطبي رحمه الله: «أصل الشرك المحرم اعتقاد شريك لله تعالى في إلهيته، وهو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية»
(4)
.
يعرف المقريزي الشرك الأكبر بنحو من تعريف القرطبي فيقول: «فمن أحب غير الله تعالى وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا
(1)
أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86).
(2)
السمعاني: الإمام الحافظ الكبير الأوحد الثقة، مُحدِّث خراسان، أبو سعد عبد الكريم بن الإمام الحافظ الناقد أبي بكر محمد بن العلَّامة مفتي خراسان أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار، التميمي السمعاني الخراساني المروزي، صاحب المصنفات الكثيرة. ولد بمرو سنة ست وخمسمائة. سير أعلام النبلاء (256/ 20)
(3)
تفسير السمعاني (121/ 2).
(4)
المفهم (6/ 615).
يغفره الله»
(1)
ا. هـ.
فالخوف والرجاء والذل والحب والخوف كلها من أعمال العباد، وتوحيد الألوهية إنما هو: توحيد الله بأفعال العباد.
ويؤكد ابن كثير تعريفه للشرك بنفس المعنى بعبارة مختصرة فيقول: «الشرك الأعظم [أن]
(2)
يُعبَد مع الله غيره»
(3)
.
كما قال تعالى: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا
…
لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: 96 - 98].
ويقول سبحانه: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)} [الأنعام].
يتبين مما سبق من تعريف أهل العلم للشرك، أن الشرك في عبادة الله هو الشرك الأكبر والأعظم الذي لا يغفره الله أبدًا لمن مات مشركًا.
وإذا أردنا أن نتأمل حقيقة الخطب الجلل المترتب على الشرك الأكبر، فلنتدبر دعاء خليل الرحمن عليه السلام وتضرعه وإلحاحه على ربه أن يباعده ويجافيه عن الشرك هو وبنيه، ولقد بوَّب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه «التوحيد» ما يدل على ذلك فقال في الباب الرابع: باب الخوف من الشرك، وذكر هذه الآية:
وإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن ومن هو في قدره ومكانته ودرجته ورتبته، إنه كان أمة، وكان قدوة، اختصه الله تعالى بهذا الوصف، كما قال تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)} [النحل].
(1)
تجريد التوحيد (ص: 10).
(2)
أضاف الباحث (أن) بين المعكوفين حتى يستقيم الكلام.
(3)
تفسير ابن كثير (2/ 512).
وكما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)} [النحل].
خامسًا: بيان عواقب الشرك الأكبر وما يترتب عليه من أحكام.
لما كان الشرك الأكبر أظلم الظلم ويترتب على المتلبس به أحكام شرعية عظيمة الخطب، وذلك حفظًا لضرورة الدين، وصيانة لجناب التوحيد، وتحذيرًا للعباد من عواقبه الوخيمة وما يترتب عليه من شر محض في الدنيا، وخلود أبدى سرمدي في النار يوم التناد، كان بيان أهم تلك الأحكام واجب البيان، ومن أهمها وأبينها وأجلها ما يلي:
1 -
الشرك محبط لجميع الأعمال بالكلية قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزمر].
وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} [المائدة].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} [البقرة].
وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)} [التوبة].
والآيات في هذا الشأن أكثر من أن تحصى ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
2 -
والكافر متى لقي ربه مشركًا كافرًا فليس له مطمع ولا أمل في أن تناله المغفرة أبدًا، وهذا مما يدل على خطورة الشرك وخطورة الوقوع فيه والتلبس به.
فمن مات على الشرك فلا يدخل تحت الوعد بالمغفرة المترتب على مشيئة أرحم الراحمين والتي يدخل تحتها أصحاب سائر الكبائر والموبقات والذين ماتوا دون توبة، جل في علاه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء].
وسبحانه: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 48].
وبمفهوم المخالفة إن لم ينتهوا عن الكفر فلن يغفر لهم ما قد سلف.
وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} [النساء: 168 - 169].
3 -
أن صاحبه محرم عليه الجنة وهو مخلد في النار.
فالشرك الأكبر يوجب لصاحبه الخلود في النار، خلودًا دائمًا أي: على وجه التأبيد، ويحرم عليه الجنة ابتداءً وانتهاءً والعياذ بالله، ودلائل التنزيل في الكتاب العزيز والسنة المطهرة على ذلك كثيرة معلومة ومتوافرة، بل هي من الأحكام القطعية الدلالة المعلومة من دين الإسلام بالضرورة، ومن ذلك:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)} [البينة].
وقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار»
(1)
.
4 -
والشرك يبيح دم المشرك وماله.
(1)
أخرجه البخاري (1238)، ومسلم (92)، واللفظ لمسلم.
وهذا حكم من أحكام الشريعة الثابتة بدلالة الكتاب والسنة مع مراعاة ضوابطه ولوازمه الشرعية، في ضوء أحكام الشريعة الغراء.
يُقال ذلك حتى لا يغتر أحد من السفهاء حدثاء الأسنان سفهاء العقول والأحلام ويتجرأ على إراقة الدماء وسفكها واستحلالها بنفسه بسوء فهمٍ للنصوص أو محاولة لي عنقها تبعًا للهوى واتباعًا للشيطان وحزبه، فإن مما عُلِمَ من دين الله بالضرورة: أن إقامة الحدود أمر منوط بالسلطان.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلَّا بحق الإسلام وحسابهم على الله»
(1)
.
ولقد اتفق أهل العلم على أن إقامة الحد أمر مختص بالسلطان أو نائبه.
وما عليه أهل السنة: أن إقامة الحدود حق للإمام لا غير، ولا يجوز لأحد كائنًا من كان أن ينازعه فيه.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «وقسْمة الفيء، وإقامة الحدود؛ إلى الأئمة ماضٍ، ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم» . اهـ
(2)
.
يقول القرطبي رحمه الله: «لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص
(1)
أخرجه البخاري (25)، ومسلم (20).
(2)
من أصول السنة لأحمد بن حنبل رواية عبدوس بن مالك العطار (30) وينظر: عند اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 160).
فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود
(1)
.
ويقول ابن رشدالحفيد
(2)
رحمه الله: وأما من يقيم هذا الحد-أي: جلد شارب الخمر- فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود
(3)
.
ومن حجج هؤلاء عدم وجود محاكم شرعية تقيم الحدود.
وفي ذلك يقول سماحة شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: جوابًا عن سؤال فيمن يُجافي المستأمنين، فذكر أنهم يحالون للمحكمة الشرعية، فسئل عما لو لم تكن هناك محاكم شرعية؟
(4)
. اهـ.
(1)
القرطبي (2/ 245، 264).
(2)
ابن رشد الحفيد: (ت 595 هـ). محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، ويلقب بالحفيد تميزًا له عن جده أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الذي يميز بالجد، فقيه مالكي، فيلسوف، طبيب من قرطبة. ولد سة (520 هـ). عني بكلام أرسطو وترجمته إلى العربية وزاد عليه زيادات كثيرة، اتهم بالزندقة والإلحاد فنفي إلى مراكش وأحرقت بعض كتبه، ومات بمراكش سنة (595 هـ) ودفن بقرطبة. من تصانيفه: فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، وتهافت التهافت، في الرد على كتاب تهافت الفلاسفة للغزالي وبداية المجتهد ونهاية المقتصد. ينظر: ترجمته في (تاريخ قضاة الأندلس (1/ 111)؛ الديباج المذهب (1/ 284 (.
(3)
بداية المجتهد (2/ 233).
(4)
نقلًا عن (فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة)(ص 67 - 68) لمحمد بن حسين بن سعيد.
والواقع الأليم الذي تعيشه الأمة الآن خير شاهد على ذلك، فإن فئة من الشباب، حدثاء أسنانُهم سفهاء عقُولُهم، نصبوا أنفسهم ولاة أمر على العباد، ومنحوا أنفسهم صلاحية ومهام السلطان أو صلاحية الإمامة العظمى في المسلمين، فكل جماعة لها قوة وشكيمة في بقعة من الأرض تعطي لنفسها تلك الصلاحيات، وتقيم الحدود على أن لها الولاية الشرعية والإمامة العظمى، وأنها مخولة بإقامة الحدود والتعزيرات، فحصل من جراء ذلك مفاسد عظيمة مشهودة للعيان.
5 -
والمشرك تحرم مناكحته.
يقول تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} الآية: [البقرة: 221].
ويقول تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].
قال ابن كثير رحمه الله: «تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات، والاستمرار معهن»
(1)
. ا. هـ
6 -
والمشرك يحرم أكل ذبيحته.
يقول تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الآية [الأنعام: 121]. ويستثنى من ذلك أهل الكتاب، فحرائر نسائهم إن كن عفيفات طاهرات غير محاربات، وذبائحهم، حلال لأهل ملتنا.
يقول سبحانه: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية [المائدة: 5].
7 -
من مات مشركًا فإنه لا يرث ولا يورث بل إن ماله يفيء إلى بيت مال المسلمين، لحديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»
(2)
.
(1)
ابن كثير (8/ 94).
(2)
أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614).
8 -
من مات مشركًا فلا يغسَّل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يستغفر له، ولا يترحم عليه، ولا يقبر في مقابر المسلمين، قال سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا
…
عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ
…
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)} [التوبة: 113 - 114]، وقال سبحانه:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)} [التوبة].
9 -
المشرك يُحرم نعمتي الأمن والاهتداء، ويقرر هذه الحقيقة قول الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام].
والظلم هنا هو الشرك كما مر معنا في آية لقمان، وبمفهوم المخالفة فالذين خالطوا إيمانهم بشرك ليس لهم الأمن وليسوا بمهتدين.
وقوله سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [آل عمران: 151].
(1)
.
1 -
والمشرك المتلبّس بالشرك ظن بربّه ظن السوء كما قال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 99).
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)} [الفتح].
قال ابن القيم رحمه الله: «فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الإشراك، فإنهم ظنّوا به ظنّ السوء حتى أشركوا به، ولو أحسنوا به الظنّ لوحّدوه حقّ توحيده»
(1)
.
(2)
.
11 -
والشرك يفسد العقول، فالمشركون من أفسد الناس عقولًا، وقد قال الله فيهم: {وَقَالُوا لَوْ
…
كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ
…
نَعْقِلُ مَا كُنَّا
…
فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ
…
(10)} [الملك].
تأَمّل في نبات الأَرض وانظر
…
إلى آثار ما صَنع المليكُ
عيونٌ من لُجَينٍ فاتراتٌ
…
على أَحداقها ذهبٌ سَبِيك
على قُضُب الزَّبَرْجَدِ شاهدات
…
بأَنَّ الله ليس له شريكُ»
(3)
،
(4)
ا. هـ.
وبذلك ينتهي الفصل الأول- والحمد لله رب العالمين.
(1)
المرجع السابق (1/ 99).
(2)
إغاثة اللهفان (1/ 101).
(3)
الأبيات لأبي نواس، وينظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/ 943).
(4)
وينظر: عرفة بن طنطاوي، عناية الإسلام بتربية الأبناء كما بينتها سورة لقمان، (ص: 531) وما بعدها، رسالة ماجستير تحت الطبع، الجامعة الإسلامية العالمية -القاهرة-.