المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌18 - كتاب إحياء الموات ‌ ‌بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ - معرفة السنن والآثار - جـ ٩

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

‌18 - كتاب إحياء الموات

‌بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

ص: 7

12168 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا؟ فَقَالَ: «إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلِمَوَاتِ مَالِكٌ، فَمَنْ أَحْيَاهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا أُبَالِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يُعْطِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ، وَعَطَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ يَتِمَّ لِمَنْ أَعْطَاهُ مِنْ عَطَاءِ السُّلْطَانِ» .

12169 -

قُلْتُ: وَمَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْتَ؟

12170 -

قَالَ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ

ص: 7

12171 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»

⦗ص: 8⦘

.

12172 -

قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مُرْسَلٌ

ص: 7

وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .

12173 -

وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ

ص: 8

12174 -

وَرَوَاهُ أَبُو الْأَسْوَدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» . وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ. وَقَدْ أَخْرَجْتُهُمَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ

ص: 8

12175 -

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى: «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ» . فَإِنَّمَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنْ مَكْحُولٍ فِي مُنَازَعَةٍ جَرَتْ بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي السَّلَبِ. فَقَالَ حَبِيبٌ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِلْأَبَدِ، وَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهَ بَعْضَهُ، فَسَمِعَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِذَلِكَ، فَقَالَ لِحَبِيبٍ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ وَتَأْخُذُ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِكَ، فَإِنَّمَا لَكَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِكَ، وَحَدَّثَهُمْ بِذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَأَعْطُوهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَبَاعَهُ حَبِيبٌ بِأَلْفِ دِينَارٍ.

12176 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مَكْحُولٍ وَمَنْ فَوْقَهُ، وَرَاوِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ مَجْهُولٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ

ص: 8

12177 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» .

12178 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَ مَعْنَاهُ.

12179 -

قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ، فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12180 -

وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ:«فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ» .

12181 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: وَلَا يُتْرَكُ ذَمِّيٌّ يُحْيِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهَا لِمَنْ أَحْيَاهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ

ص: 9

12182 -

وَرُوِيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ الرَّبِيعُ مِنْ

⦗ص: 10⦘

كِتَابِ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ، وَعَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي» .

12183 -

هَكَذَا وَقَعَ فِي سَمَاعِنَا.

12184 -

وَرَوَاهُ فِي الْقَدِيمِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ

ص: 9

‌إِقْطَاعُ الْمَوَاتِ وَإِحْيَاؤُهُ

ص: 11

12185 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ النَّاسَ الدُّورَ، فَقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إِذًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ»

ص: 11

12186 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَقْطَعَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ، وَقَالَ:«أَيْنَ الْمُسْتَقْطَعُونَ مُنْذُ الْيَوْمِ»

⦗ص: 12⦘

.

12187 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: وَالْعَقِيقُ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ: أَيْنَ الْمُسْتَقْطَعُونَ بِقَطْعِهِمْ؟

ص: 11

12188 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ:«كُنْتُ أَنْقِلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي»

ص: 12

‌بَابُ الْحِمَى

ص: 13

12189 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرِهِ

ص: 13

12190 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ»

⦗ص: 14⦘

.

12191 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ

ص: 13

12192 -

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ تَرْعَى فِيهِ» .

12193 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالنَّقِيعُ بَلَدٌ لَيْسَ بِالْوَاسِعِ الَّذِي إِذَا حُمِيَ ضَاقَتِ الْبِلَادُ بِأَهْلِ الْمَوَاشِي حَوْلَهُ

ص: 14

12194 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْرَ مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

12195 -

وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا حِمَى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ إِلَّا عَلَى مِثْلِ مَا حَمَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فِي حِمَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حَمَى مَنْ حَمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَأَمَرَ أَنْ يُدْخَلَ الْحِمَى مَاشِيَةً مِنْ ضِعْفٍ عَنِ النُّجْعَةِ مِمَّنْ حَوْلَ الْحِمَى.

12196 -

قَالَ: وَقَدْ حَمَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرُ رضي الله عنه أَرْضًا لَمْ يُعْلَمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمَاهَا، وَأَمَرَ فِيهَا بِنَحْوِ مِمَّا وَصَفْتُ

ص: 14

12197 -

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ الزَّاهِدُ رضي الله عنه قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ: هُنَيُّ عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ لَهُ: " يَا هُنَيُّ، ضُمَّ جَنَاحَكَ لِلنَّاسِ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، وَرَبَّ الْغَنِيمَةِ، وَإِيَّاكَ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ

⦗ص: 15⦘

، فَإِنَّهُمَا إِنْ تُهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الْغَنِيمَةِ وَالصَّرِيمَةِ يَأْتِينِي بِعِيَالِهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَكَ؟ فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَايْمُ اللَّهِ، لِعَلَى ذَلِكَ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلَادِهِمْ، قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا ".

12198 -

قَوْلُهُ: وَلَوْلَا الْمَالُ، إِلَى آخِرِهِ، لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بَعْدَهُ فِي حِكَايَةِ الشَّافِعِيِّ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.

12199 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ فِي مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ: إِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنْ مَنَعْتَ لِأَحَدٍ مِنْ أَحَدٍ، فَمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا وَأَسْلَمَ أَوْلَى أَنْ تُمْنَعَ لَهُ. وَهَكَذَا كَمَا قَالُوا: لَوْ كَانَتْ تُمْنَعُ لِخَاصَّةٍ، فَلَمَّا كَانَتْ لِعَامَّةٍ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَظْلَمَةٌ.

12200 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: وَلَمْ يَظْلِمْهُمْ عُمَرُ، وَإِنْ رَأَوْا ذَلِكَ، بَلْ حَمَى عَلَى مَعْنَى مَا حَمَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَجْلِ الْحَاجَةِ دُونَ أَهْلِ الْغِنَى. وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.

12201 -

قَالَ: وَإِنَّمَا نَسَبَ الْحِمَى إِلَى الْمَالِ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْغَزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَكْثَرِ مَا عِنْدَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى الْحِمَى، وَقَدْ حُمِلَ الْحِمَى خَيْلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِبِلَ الضَّوَالِّ، وَمَا فَضُلَ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَمِنْ ضِعْفٍ عَنِ النُّجْعَةِ مِمَّنْ قَلَّ مَالُهُ، وَكُلُّ هَذَا وَجْهٌ عَامُّ النَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي مَعْنَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ

ص: 14

12202 -

ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ

⦗ص: 16⦘

قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ، عَنِ الثِّقَةِ أَحْسِبُهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ مَوْلًى لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ عُثْمَانَ فِي مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، إِذْ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَكْرَيْنِ، وَعَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْفَرَاشِ مِنَ الْحَرِّ، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا لَوْ قَامَ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يُبْرِدَ ثُمَّ يَرُوحُ، ثُمَّ دَنَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: انْظُرْ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَامَ عُثْمَانُ فَأَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنَ الْبَابِ، فَإِذَا لَفْحُ السُّمُومِ، فَأَعَادَ رَأْسَهُ حَتَّى حَاذَاهُ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: بَكْرَانِ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ تَخَلَّفَا، وَقَدْ مَضَى بِإِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُلْحِقَهُمَا بِالْحِمَى، وَخَشِيتُ أَنْ يَضِيعَا فَيَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلُمَّ إِلَى الْمَاءِ وَالظِّلِّ وَنَكْفِيَكَ، فَقَالَ: عُدْ إِلَى ظِلِّكَ، فَقُلْتُ: عِنْدَنَا مَنْ يَكْفِيكَ، فَقَالَ: عُدْ إِلَى ظِلِّكَ، فَمَضَى، فَقَالَ عُثْمَانُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْقَوِيِّ الْأَمِينِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا "، فَعَادَ إِلَيْنَا فَأَلْقَى نَفْسَهُ

ص: 15

12203 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " كَانَ الرَّجُلُ الْعَزِيزُ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا انْتَجَعَ بَلَدًا مُحْصَنًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى جَبَلٍ إِنْ كَانَ، أَوْ بَسَرَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَبَلٌ، ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ، وَوَقَفَ لَهُ مَنْ يَسْمَعُ مُنْتَهَى صَوْتِهِ بِالْعُوَاءِ، فَحَيْثُ بَلَغَ صَوْتُهُ حِمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَيَرْعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ، وَيَمْنَعُ هَذَا مِنْ غَيْرِهِ لِضُعَفَاءِ سَائِمَتِهِ، وَمَا أَرَادَ قُرْبَهُ مَعَهَا.

12204 -

فَنَرَى أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ أَعْلَمُ: «لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . لَا حِمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصِّ، وَأَنَّ قَوْلَهُ:«لِلَّهِ» لِلَّهِ كُلُّ مَحْمِيٍّ وَغَيْرُهُ، وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَحْمِي لِصَلَاحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا لِمَا يَحْمِي لَهُ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمْلِكْ مَالًا إِلَّا مَا لَا غِنَى بِهِ وَبِعِيَالِهِ عَنْهُ وَمَصْلَحَتِهِمْ، حَتَّى صَيَّرَ مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مَرْدُودًا فِي مَصْلَحَتِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَا لَهُ إِذَا حَسُنَ فَوْتُ سَنَةٍ مَرْدُودًا فِي مَصْلَحَتِهِمْ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي

⦗ص: 17⦘

سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّ مَالَهُ وَنَفْسَهُ كَانَ مُتَفَرِّغًا لِطَاعَةٍ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ.

12205 -

قَالَ الْمُزَنِيُّ رحمه الله: مَا رَأَيْتُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُوجِبِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كْتُبِهِ مَا يُوجِبُهُ الشَّافِعِيُّ لَحُسْنِ ذِكْرِهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ص: 16

‌بَابُ مَا يَكُونُ إِحْيَاءً

ص: 18

12206 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .

12207 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَجِمَاعُ الْعِرْقِ الظَّالِمِ، كُلَّمَا حَفَرَ أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى ظُلْمًا فِي حَقِّ امْرِئٍ بِغَيْرِ خُرُوجِهِ مِنْهُ

ص: 18

12208 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْأَرْضِ فَهُوَ لَهُ، وَعَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ مِنِّي» .

12209 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّ مَنَ أَحْيَا مَوَاتًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ، وَأَنَّ الْإِحْيَاءَ لَيْسَ هُوَ بِالنُّزُولِ، وَلَا مَا أَشْبَهُهُ، وَأَنَّ الْإِحْيَاءِ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ هُوَ الْعِمَارَةُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ

ص: 18

12210 -

وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ

⦗ص: 19⦘

، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ النَّاسَ الدُّورَ، فَقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زُهْرَةَ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إِذًا؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ مِنْهُمْ حَقُّهُ»

ص: 18

12211 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا، وَأَنَّ عُمَرَ أَقْطَعَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ»

ص: 19

12212 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمَدِينَةُ بَيْنَ لَابَتَيْنِ تُنْسَبُ إِلَى أَهْلِهَا صِنْفٌ مَعْمُورٌ، وَالْآخَرُ خَارِجٌ مِنْ ذَلِكَ، فَأَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَارِجَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الصَّحْرَاءِ، اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الصَّحْرَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إِلَى حَيٍّ بِأَعْيَانِهِمْ لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ كَمِلْكِ مَا أَحْيَوْا "

ص: 19

12213 -

قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَ النَّاسُ يَحْتَجِرُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ»

ص: 19

12214 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، قَامَ

⦗ص: 20⦘

بِفِنَاءِ دَارِهِ فَضَرَبَ بِرِجْلَيْهِ، وَقَالَ: " سَنَامُ الْأَرْضِ، إِنَّ لَهَا سَنَامًا، زَعَمَ ابْنُ فَرْقَدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَنِّي لَا أَعْرِفُ حَقِّي مِنْ حَقِّهِ، لِي بَيَاضُ الْمَرْوَةِ، وَلَهُ سَوَادُهَا، وَلِي مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا، قَالُوا: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ:«لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا أَحَاطَتْ بِهِ جِدَرَاتُهُ، إِنَّ إِحْيَاءَ الْمَوَاتِ مَا يَكُونُ زَرْعًا أَوْ حَفْرًا أَوْ يُحَاطُ بِالْجِدَرَاتِ» .

12215 -

كَذَا أَتَوْا بِهِ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ إِحْيَاءَ الْمَوَاتِ. إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ.

12216 -

ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ مِثْلُ إِبْطَالِهِ التَّحْجِيرَ بِغَيْرِ مَا يُعْمَرُ بِهِ مِثْلُ مَا يُحْجَرُ

ص: 19

12217 -

وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيِّ الْغَسَّانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ: ضَرَبَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِرِجْلِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: " سَنَامٌ، إِنَّ لَهَا سَنَامًا، زَعَمَ ابْنُ فَرْقَدٍ أَنِّي لَا أَعْرِفُ حَقِّي، لِي مَا اسْوَدَّ مِنَ الْمَرْوَةِ، وَلَهُ مَا أَبْيَضَّ مِنْهَا، أَوْ لِي مَا أَبْيَضَّ مِنَ الْمَرْوَةِ، وَلَهُ مَا اسْوَدَّ مِنْهَا، الشَّكُّ مِنَ الشَّافِعِيِّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ:«كَذَبَ، لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا أَحَاطَتْ عَلَيْهِ جُدْرَانُهُ»

ص: 20

‌بَابُ مَا لَا يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ

ص: 21

12218 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " مَا كَانَ ظَاهِرًا الَّذِي يَكُونُ فِي الْجِبَالِ تَنْتَابُهُ النَّاسُ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْطِعَهُ أَحَدًا بِحَالٍ، وَالنَّاسُ فِيهِ شُرَّعٌ، وَهَكَذَا النَّهَرُ، وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ، وَهَذَا كَالنَّبَاتِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ، وَكَالْمَاءِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ

ص: 21

12219 -

أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَأْرِبَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْأَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَهُ مِلْحَ مَأْرِبَ، فَأَرَادَ أَنْ يُقْطِعَهُ، أَوْ قَالَ: اقْطِعْهُ إِيَّاهُ، فَقِيلَ لَهُ:«إِنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ» ، فَقَالَ:«فَلَا إِذًا» .

12220 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12221 -

وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالِ

ص: 21

12222 -

وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ: نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، عَنْ سُمَيِّ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شَمِيرٍ، عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ قَالَ:" قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَقْطَعْتُ الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرِبَ، فَقَطَعَهُ لِي، فَلَمَّا وَلَّيْتُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ، فَرَجَعَ عَنْهُ". أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ قَيْسٍ الْمَأْرِبِيُّ، فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ

ص: 22

12223 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبُرِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ.

12224 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ الْبَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْغَازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا ثَوْرٌ يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي خِدَاشٍ

⦗ص: 23⦘

، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَزَوَاتٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ ".

12225 -

قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: وَسَأَلْتُ عَنْهُ مُعَاذًا، فَحَدَّثَنِي قَالَ: حَدَّثَنِي حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12226 -

قَالَ عَمْرٌو: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فَحَدَّثَنَا بِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ.

12227 -

لَفْظُ حَدِيثِ السُّلَمِيِّ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ: حَبَّانُ بِالنَّصْبِ، وَفِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ بِالْخَفْضِ

ص: 22

‌مَقَاعِدُ الْأَسْوَاقِ

ص: 24

12228 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ فِي السُّوقِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .

12229 -

قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نُبَايِعُ الرَّجُلَ الْيَوْمَ هَاهُنَا، وَغَدًا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى

ص: 24

‌إِقْطَاعُ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ

ص: 25

12232 -

قَدْ مَضَى حَدِيثُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ» .

12233 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ فَذَكَرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ

ص: 25

‌بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ

ص: 27

12235 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ

12236 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» ، لَفْظُ حَدِيثِ الْمُزَنِيِّ.

12237 -

قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ.

12238 -

قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ:«لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ»

⦗ص: 28⦘

. وَأَخْطَأَ فِيهِ الْكَاتِبُ فِي كِتَابِ: إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، فَقَالَ:«مَنْ مَنَعَ فُضُولَ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَهَذَا الْكِتَابُ مِمَّا لَمْ يُقْرَأْ عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ لِغَيَّرَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ حَمَلَهُ الرَّبِيعُ، عَنِ الْكِتَابِ عَلَى الْوَهْمِ.

12239 -

وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ إِنَّمَا هُوَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12240 -

وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

12241 -

وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ ذَكَرَهُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ، فَدَخَّلَ الْكَاتِبُ حَدِيثًا فِي حَدِيثٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

12242 -

وَمَعْنَاهُ مَوْجُودٌ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 27

حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّصْرِ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عز وجل، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ فَاقْتَطَعَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَنَّهُ أَعْطَى بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ:«الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي مَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ»

⦗ص: 29⦘

. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ.

12243 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَالِكَ الْمَالِ أَوْلَى أَنْ يَشْرَبَ بِهِ وَيُسْتَقَى، وَإِنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِي فَضْلَهُ عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ» ، وَفَضْلُ الْمَاءِ الْفَضْلُ عَنْ حَاجَةِ مَالِكِ الْمَاءِ

ص: 28

12244 -

وَهَذَا أَوْضَحُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي الْمَاءِ، وَأَثْبَتُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رَوَى، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُمْنَعُ نَقْعُ الْبِئْرِ» .

12245 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ هَذَا جُمْلَةً نُدِبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا فِي الْمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ مَاءٍ بِبَادِيَةٍ يَزِيدُ فِي عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَيْلٍ أَوْ نَهَرٍ بَلَغَ مَالِكُهُ مِنْهُ حَاجَتَهُ لِنَفْسِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزَرْعِ، إِنْ كَانَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ فَضْلِهِ عَنْ حَاجَتِهِ مِنْ أَحَدٍ يَشْرَبُ بِهِ أَوْ يَسْقِي ذَا رُوحٍ، خَاصَّةً دُونَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، زَادَ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ: الْبِنَاءَ، إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ مَالِكُ الْمَاءِ

ص: 29

12246 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُمْنَعُ نَقْعُ الْبِئْرِ» . مَوْصُولًا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، مَوْصُولًا

ص: 29

12247 -

وَرُوِّينَا فِي تَرْتِيبِ سَقْيِ الْمَاءِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي السَّيْلِ الْمَهْزِوَزِ أَنْ يُمْسَكَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ»

ص: 30

12248 -

فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ قاَلَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مَاِلِكٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِيهِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ:«أَنَّهُ سَمِعَ كُبَرَاءَهُمُ يَذْكُرُونَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ لَهُ سَهْمٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَاصَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَهْزِوَزِ السَّيْلِ الَّذِي يَقْتَسِمُونَ مَاءَهُ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمَاءَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، لَا يَحْبِسُ الْأَعْلَى عَنِ الْأَسْفَلِ» .

12249 -

وَإِذَا اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ الْمِئْتَاءِ إِلَى مَا أَحْيَوْهُ

ص: 30

12250 -

فَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِيِّ

⦗ص: 31⦘

، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَدَارَأْتُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 30

12251 -

وَرُوِّينَا، فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " فِي رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرِيدِهَا فَذُرِعَتْ، فَوُجِدَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: خَمْسَةَ أَذْرُعٍ، فَقَضَى بِذَلِكَ "

ص: 31

12252 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ جَوَانِبِهَا لِأَعْطَانِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ»

ص: 31

12253 -

وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا: «حَرِيمُ بِئْرِ الْعَادِيَّةِ خَمْسُونَ

⦗ص: 32⦘

ذِرَاعًا، وَحَرِيمُ بِئْرِ الْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا». قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: وَحَرِيمُ قَلِيبِ الزَّرْعِ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ

ص: 31

12254 -

وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُضَارُّوا فِي الْحَفْرِ» . وَذَلِكَ أَنْ يَحْفِرَ الرَّجُلُ إِلَى جَنْبِ الرَّجُلِ لِيُذْهِبَ بِمَائِهِ

ص: 32

‌بَابُ مَنْ قَضَى فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ لِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ

ص: 33

12255 -

ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ فِيهِ فَصْلًا طَوِيلًا، وَذَكَرَ فِيهِ فِي الْجَدِيدِ: مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

ص: 33

12256 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَمْنَعْ

⦗ص: 34⦘

أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.

12257 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: خَشَبَهُ، مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا قَرَأَهُ الْمُزَنِيُّ عَلَيْنَا: خَشَبَهُ، وَهُوَ الصَّوَابٌ.

12258 -

قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَجَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: خَشَبَةً، بِالتَّنْوِينِ

ص: 33

12259 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدَكُمْ جَارُهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ فَلَا يَمْنَعْهُ» . فَلَمَّا حَدَّثَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ نَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ سُفْيَانَ.

12260 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاتِّصَالِهِ وَمَعْرِفَةِ رِجَالِهِ، وَهُوَ يَلْزَمُ لُزُومَ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ الِانْفِرَادِ، وَيَقُولُ

⦗ص: 35⦘

، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِهِ لِمَعْنَى ضَرُورَةِ الْجَارِ، مِثْلَ مَعْنَى مَا أَمَرَ بِهِ مَنْ أَنْ لَا يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ.

12261 -

ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ الضَّرُورَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ رَجُلًا بِالْمَدِينَةِ فِي خَشَبٍ، أَوْ قَالَ فِي خَشَبَةٍ، يَغْرِزُهُ، أَوْ قَالَ: يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ فَمَنَعَهُ، فَأَثْبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ.

12262 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَضَى لَهُ عَلَى جَارِهِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً أَوْ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ.

12263 -

قَالَ أَحْمَدُ: مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، كَأَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ إِسْنَادَهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ

ص: 34

وَقَدْ رَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ يَحْيَى أَخْبَرَهُ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنْ بَنِي الْمُغِيرَةِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَغْرِزَ الْآخَرُ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ، فَلَقِيَا مُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّ، وَرِجَالًا كَثِيرًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا:«نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ لَا يَمْنَعَ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ» ، فَقَالَ الْحَالِفُ: أَيْ أَخِي، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُقْضَى لَكَ عَلَيَّ، وَقَدْ حَلَفْتُ فَاجْعَلْ أُسْطُوَانًا دُونَ جِدَارِي، فَفَعَلَ الْآخَرُ فَغَرَزَ فِي الْأُسْطُوَانَةِ خَشَبَةً قَالَ لِي عَمْرٌو: فَأَنَا نَظَرْتُ إِلَى ذَلِكَ. أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ

ص: 35

12264 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،: أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا لَهُ مِنَ الْعُرَيْضِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَكَلَّمَ فِيهِ

⦗ص: 36⦘

الضَّحَّاكُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَدَعَا ابْنَ مَسْلَمَةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ:«لِمَ تَمْنَعُ أَخَاكَ مَا يَنْفَعُهُ، وَهُوَ لَكَ نَافِعٌ؟ تَشْرَبُ بِهِ أَوَّلًا وآخِرًا وَلَا يَضُرُّكَ» ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا، فَقَالَ عُمَرُ:«وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ، وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ»

ص: 35

12265 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ فِي حَائِطِ جَدِّهِ رَبِيعٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَأَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنْ يُحَوِّلَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْحَائِطِ هِيَ أَقْرَبُ إِلَى أَرْضِهِ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُمَرَ، فَقَضَى عُمَرُ، أَنْ «يَمُرَّ بِهِ، فَمَرَّ بِهِ» .

12266 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَأَحْسِبُ قَضَاءَ عُمَرَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي مَنَعَ فِيهَا الضَّرَرَ، وَاسْتَثْنَاهَا لِهَذَا مِنَ الْحُكْمِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ إِذَا جَاءَتِ الضَّرُورَاتُ، فَحُكْمُهَا مُخَالِفٌ حُكْمَ غَيْرِ الضَّرُورَاتِ

12267 -

قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا الْقَضَاءُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ عَلِيٌّ، وَالْقِيَاسُ مَعَ عَلِيٍّ، فَتَرَكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ.

12268 -

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي الْخَلِيجِ، وَالرَّبِيعِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ خَالَفَهُ، وَقَدْ يَجِدُ مَنْ يَدَعُ الْقَوْلَ بِهِ عُمُومًا فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ فَيَتَوَسَّعُ بِهِ فِي خِلَافِهِ

ص: 36

12269 -

وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، وَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلَى نَخْلِهِ فَيَتَأَذَّى بِهِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَهُ

⦗ص: 37⦘

فَأَبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى قَالَ:«فَهِبْهُ لِي وَلَكَ كَذَا وَكَذَا» ، أَمْرٌ رَغَّبَهُ فِيهِ، فَأَبَى فَقَالَ:«أَنْتَ مُضَارٌّ» ، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ:«اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ»

ص: 36

12270 -

وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي شَبِيهٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا رَأَيْتُ أَبْخَلَ مِنْكَ إِلَّا الَّذِي يَبْخَلُ بِالسَّلَامِ» وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَلْعِ عَذْقِهِ.

12271 -

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قِصَّةٍ لِأَبِي لُبَابَةَ شَبِيهَةٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، حَتَّى ابْتَاعَهُ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ بِحَدِيقَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْقَلْعِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

12272 -

وَأَمَّا حَدِيثُ الْخَشَبِ فِي الْجِدَارِ، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ لَمْ نَجِدْ فِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُعَارِضُهُ، وَلَا تَصِحُّ مُعَارَضَتُهُ بِالْعُمُومَاتِ.

12273 -

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ فِي الْقَوْلِ بِهِ، وَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي مُخَالَفَتِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

ص: 37

‌بَابُ الْوَقْفُ

ص: 38

12274 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ مَلَكَ مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ اشْتَرَاهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ مَالًا لَمْ أُصِبْ مِثْلَهُ قَطَّ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ:«حَبِّسِ الْأَصْلَ وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ»

ص: 38

12275 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو

⦗ص: 39⦘

الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ مِنْ خَيْبَرَ مَالًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَعْجَبَ إِلَيَّ أَوْ أَعْظَمَ عِنْدِي مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهُ وَسَبَّلْتَ ثَمَرَهُ» . فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ ثُمَّ حَكَى صَدَقَتَهُ بِهِ.

12276 -

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ.

12277 -

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا

ص: 38

12278 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْمَرَهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ فَقَالَ:«إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» . قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ ".

12279 -

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَحَدَّثْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا

⦗ص: 40⦘

. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ.

12280 -

وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ» فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ ".

12281 -

وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ، وَاحْبِسْ أَصْلَهُ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ» .

12282 -

وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا شَرَطَهُ عُمَرُ فِي كِتَابِ صَدَقَتِهِ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

12283 -

وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:«لَوْلَا أَنِّي ذَكَرْتُ صَدَقَتِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ نَحْوَ هَذَا، لَرَدَدْتُهَا» ، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، لَا تَثْبُتُ بِهِ حُجَّةٌ، وَمَشْكُوكٌ فِي مَتْنِهِ، لَا يَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ مَعَ مَا رُوِّينَا فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَوْلَا ذِكْرِي إِيَّاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمْرُهُ إِيَّايَ بِحَبْسِ أَصْلِهَا، وَقَوْلُهُ:«لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ» ، لَرَدَدْتُهَا، لَكِنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِي الْوَقْفِ نَسِيتُ سُؤَالَ مَا شَرَعَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى رَدِّهَا، وَالْأَشْبَهُ بِعُمَرَ إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنَّهُ لَعَلَّهُ أَرَادَ رَدَّهَا إِلَى سَبِيلٍ آخَرَ مِنْ سُبُلِ الْخَيْرِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي ذَكَرْتُهَا لَهُ

⦗ص: 41⦘

، وَأَمَرَنِي بِمَا شَرَطْتُ فِيهَا لَرَدَدْتُهَا إِلَى سَبِيلٍ آخَرَ إِذْ لَمْ يَتَحَدَّدْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ إِلَى رَدِّهَا إِلَى مِلْكِهِ، وَلَا زَهَادَةَ فِي الْخَيْرِ، بَلْ كَانَ يَزْدَادُ عَلَى مَرِّ الْأَيَّامِ حِرْصًا عَلَى الْخَيْرَاتِ، وَرَغْبَةً فِي الصَّدَقَاتِ وَزَهَادَةً فِي الدُّنْيَا.

12284 -

وَلَا يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا عَنْ عُمَرَ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي تَسْوِيَةَ الْأَخْبَارِ عَلَى مَذْهَبِهِ مَا أَشْرْنَا إِلَيْهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي انْقَادَ لَهَا أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي، وَتَرَكَ بِهَا قَوْلَ مَنْ خَالَفَهَا، وَاللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ، وَتَبِعَهَا أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي بَعْضِهَا، إِلَّا أَنَّهُ شَرَطَ فِي لُزُومِهَا الْقَبْضَ.

12285 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَالصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي يَقُولُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ، الْوَقْفُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى نَقْلِ خَبَرِ الْخَاصَّةِ، وَصَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي قَائِمَةٌ عِنْدَنَا، وَصَدَقَةُ الزُّبَيْرِ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَصَدَقَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَائِمَةٌ، وَصَدَقَةُ عُثْمَانَ، وَصَدَقَةُ عَلِيٍّ، وَصَدَقَةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَدَقَةُ مَنْ لَا أُحْصِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَأَعْرَاضِهَا، وَصَدَقَةُ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بِمَكَّةَ، وَصَدَقَةُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَصَدَقَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالرَّهْطِ مِنْ نَاحِيَةِ الطَّائِفِ، وَمَا لَا أُحْصِي مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا تُبَعْنَ وَلَا تُوهَبْنَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَعْرَاضِهَا.

12286 -

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَنْصَارِ تَصَدَّقُوا صَدَقَاتٍ مُحَرَّمَاتٍ مَوْقُوفَاتٍ، وَقَدْ وَرِثَ كُلَّ مَنْ سَمَّيْنَاهُ وَرَثَةٌ فِيهِمُ الْمَرْأَةُ الْغَرِيبَةُ الْحَرِيصَةُ عَلَى أَخْذِ حَقِّهَا مِنْ تِلْكِ الْأَمْوَالِ، وَعَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِمُ الدُّيُونُ الَّتِي يَطْلُبُ أَهْلُهَا أَمْوَالَ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونُهُمْ لِيُبَاعَ لَهُ فِي حَقِّهِ، وَفِيهِمْ مَنْ يُحِبُّ بَيْعَ مَالِهِ فِي الْحَاجَةِ، وَيُحِبُّ بَيْعَهُ لِيَنْفَرِدَ بِمَالٍ لِنَفْسِهِ، وَيُحِبُّ قَسْمَهُ، فَأَنْفَذَ الْحُكَّامُ مَا صَنَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، وَمَنَعُوا مَنْ طَلَبَ قَسْمَ أُصُولِهَا، أَوْ بَيْعَهَا، مِنْ ذَلِكَ بِكُلِّ وَجْهٍ. وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا.

12287 -

وَفِيهِ جَوَابٌ عَمَّا قَالَ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ فِي الْوَقْفِ وَأَنْ لَيْسَ فِي

⦗ص: 42⦘

بَقَاءِ حَبْسِ عُمَرَ إِلَى غَايَتِنَا هَذِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ نَقْضُهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانُوا خَاصَمُوا فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِمَا شَرَطَ عُمَرُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَحْبِيسِهِ، وَلَا بِمَا رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ» ، وَجَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ لَغْوًا، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَتَّبِعُ الْآثَارَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

12288 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ لِي قَائِلٌ: إِنَّمَا رَدَدْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ بِأُمُورٍ. قُلْتُ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِإِطْلَاقِ الْحُبُسِ. فَقُلْتُ لَهُ: الْحُبُسُ الَّتِي جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِطْلَاقِهَا، هِيَ غَيْرُ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَهِيَ بَيِّنَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل قَالَ اللَّهُ عز وجل:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 103] فَهَذِهِ الْحُبُسُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونَهَا فَأَبْطَلَ اللَّهُ شُرُوطَهُمْ فِيهَا، وَأَبْطَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبْطَالِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِيَّاهَا، وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا نَتَجَ فَحْلُ إِبِلِهِ ثُمَّ أَلْقَحَ فَأُنْتِجَ مِنْهُ، فَهُوَ حَامٍ، أَيْ قَدْ حَمِيَ ظَهْرُهُ فَيُحَرَّمُ رُكُوبُهُ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْعِتْقِ لَهُ، وَيَقُولُ فِي الْبَحِيرَةِ، وَالْوَصِيلَةِ عَلَى مَعْنًى يُوَافِقُ بَعْضَ هَذَا، وَيَقُولُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ لَا يَكُونُ لِي وَلَاؤُكَ، وَلَا عَلَيَّ عَقْلُكَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَيْضًا فِي الْبَهَائِمِ، وَقَدْ سَيَّبْتُكَ، فَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِلْكَ الْبَحِيرَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِ إِلَى مَالِكِهَا، وَأَثْبَتَ الْعِتْقَ، وَجَعَلَ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ السَّائِبَةَ، وَلَمْ يَحْبِسْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، عَلِمْتُهُ، دَارًا، وَلَا أَرْضًا تَبَرُّرًا بِحَبْسِهَا، وَإِنَّمَا حَبَسَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ

12289 -

ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ عُمَرَ فِي التَّحْبِيسِ، وَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُبُسَ الَّتِي أَطْلَقَ غَيْرُ الْحُبُسِ الَّتِي أَمَرَ بِتَحْبِيسِهَا

⦗ص: 43⦘

.

12290 -

وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَحِيرَةِ: رِوَايَةُ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ شُرَيْحٍ: «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» ، لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: قَوْلُ شُرَيْحٍ عَلَى الِانْفِرَادِ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حَبْسٌ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوَ وَهَبَهَا لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ بَاعَهُ إِيَّاهَا فَحَابَاهُ، أَيَجُوزُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: أَفَهَذَا فِرَارٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُ، وَقَبْلَ وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ، قِيلَ: وَهَكَذَا الصَّدَقَةُ يَتَصَدَّقُ بِهَا صَحِيحًا، وَقَبْلَ وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ فِي الْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَفِي الْمَرَضِ.

12291 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ يَزْعُمُ أَنَّهُ إِذَا تَصَدَّقَ بِمَسْجِدٍ لَهُ جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعُدْ فِي مِلْكِهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ

ص: 39

12292 -

وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَنْ أَبْطَلَهَا بِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى بْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ»

ص: 43

12293 -

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَمَّا أُنْزِلَتِ الْفَرَائِضُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ قَالَ: «لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ» .

12294 -

وَقَدْ أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضِعْفِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ، عَنْ أَخِيهِ.

12295 -

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ الْحَافِظُ، فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْهُ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَخِيهِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ

12296 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَالَّذِي يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ هَاهُنَا، يَطْعَنُ فِي رِوَايَتِهِ حَدِيثُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ، عَنْ قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَ رَوَى

⦗ص: 44⦘

مَا يُشْبِهُ قَوْلَهَ، عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ إِلَّا عَنْ شُرَيْحٍ صَارَ غَيْرَ مَطْعُونٍ فِي حَدِيثِهِ مُعَمًّى فِيهِ، إِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْخِلَافِ لِرِوَايَةِ أَهْلِ الثِّقَةِ، عَلَى أَنَّهُ، إِنْ صَحَّ، كَانَ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَ الْحُبُسِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.

12297 -

وَقَوْلُ شُرَيْحٍ: «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» ، إِنَّمَا حَمَلَهُ عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ مُسْتَفْتِيًا فِي زَمَنِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ حِينَ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَحَدٌ، وَلَوْ ظَهَرَ قَوْلُهُ لِمَنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ نَعْجِزْ عَنْ مُنْكِرِينَ إِيَّاهُ، وَعَمَلُهُمْ بِالتَّحْبِيسِ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْإِنْكَارِ إِلَى مَنْ عَقَلَ عَنْهُمْ، وَخَالَفَ هَوَاهُ

ص: 43

‌تَمَامُ الْحَبْسِ بِالْكَلَامِ دُونَ الْقَبْضِ

12298 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: «لَمَّا سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَالِهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْبِسَ أَصْلَ مَالِهِ، وَيُسَبِّلَ ثَمَرَهُ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِجَازَةِ الْحَبْسِ، وَعَلَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَلِي حَبْسَ صَدَقَتِهِ وَيُسَبِّلُ ثَمَرَهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَلِيهَا غَيْرُهُ» .

12299 -

قَالَ: وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: حَبِّسْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلْ ثَمَرَهَا، اشْتَرَطَ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُهُمَا، وَعَلَيْهِ مِنَ الْخَبَرِ دَلَالَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ إِنْ كَانَ عُمَرُ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ الْحَبْسِ، أَفَيُعَلِّمُهُ حَبْسَ الْأَصْلِ وَيُسَبِّلُ الثَّمَرَ، وَيَدَعُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدَيْهِ إِلَى مَنْ يَلِيهَا عَلَيْهِ وَلِمَنْ حَبَسَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِذَلِكَ كَانَ هَذَا أَوْلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ. وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِهِ.

12300 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْمُتَصَدِّقُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلِي فِيمَا بَلَغَنَا صَدَقَتَهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَلَمْ يَزَلْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَلِي صَدَقَتَهُ يَتَّبِعُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، وَلَمْ تَزَلْ فَاطِمَةُ تَلِي صَدَقَتَهَا حَتَّى لَقِيتِ اللَّهَ.

12301 -

أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، وَعُمَرَ رضي الله عنهم، وَمَوَالِيهِمْ.

12302 -

وَلَقَدْ حَفِظْنَا الصَّدَقَاتِ عَنْ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، لَقَدْ حَكَى لِي عَدَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِمْ، وَأَهْلِيهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَلُونَ صَدَقَاتِهِمْ حَتَّى مَاتُوا، يَنْقُلُ ذَلِكَ الْعَامَّةُ مِنْهُمْ، عَنِ الْعَامَّةِ، لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ

⦗ص: 46⦘

.

12303 -

وَإِنَّ أَكْثَرَ مَا عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ مِنَ الصَّدَقَاتِ لَكَمَا وَصَفْتُ لَمْ يَزَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ السَّلَفِ يَلُونَهَا حَتَّى مَاتُوا، وَإِنَّ نَقْلَ الْحَدِيثِ فِيهَا كَالتَّكَلُّفِ، وَإِنْ كُنَّا قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُ. ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهَا، وَجَعَلَهَا شَبِيهَةً بِالْعِتْقِ.

12304 -

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي صَدَقَةِ فَاطِمَةَ، وَعَلِيٍّ، فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْعَطَايَا

ص: 45

‌رُجُوعُ الْمُتَصَدِّقِ فِي الصَّدَقَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَرُجُوعُهَا إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ، وَغَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ

ص: 47

12305 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ،. . . . انْقَطَعَ الْحَدِيثُ مِنَ الْأَصْلِ

12306 -

وَتَمَامُهُ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ حَائِطِي هَذَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قِوَامَ عَيْشِنَا، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمَا، ثُمَّ مَاتَا فَوَرِثَهُ ابْنُهُمَا بَعْدَهُمَا ".

12307 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ، وَجَعَلَ مَصْرِفَهُ حَيْثُ يَرَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى أَنْ يَضَعَهُ فِي أَبَوَيْهِ، ثُمَّ مَاتَا فَوَرِثَهُ ابْنُهُمَا بَعْدَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 47

12308 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، أَوْ سَمِعْتُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَدَنِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِعَبْدٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ وَجَبَتْ صَدَقَتُكَ، وَهِيَ لَكَ بِمِيرَاثِكَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ.

12309 -

وَالدِّلَالَةُ عَلَى رُجُوعِهِ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَالدِّلَالَةِ عَلَى رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

12310 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ وَقَفَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ إِذَا حَجَّ بِالْمَدِينَةِ فَنَزَلَ دَارَهُ.

12311 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: أَنَسٌ تَصَدَّقَ بِدَارِهِ عَلَى وَلَدِهِ، وَعُمِّرَ، قَالَ: حَتَّى بَلَغَ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ، فَقَدْ يَجُوزُ إِذَا كَانَ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَصَارَ يَمْلِكُ سُكْنَى دَارِهِ: أَنْزَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَمَا يُنْزِلُ غَيْرَهُ

12312 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ حَكَى الشَّافِعِيُّ فِي مَسَائِلِ حَرْمَلَةَ، عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَحْبِسُ دَارَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَيَسْتَثْنِي مِنْهَا لِنَفْسِهِ بَيْتًا لِسَكَنِهِ مَا عَاشَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ الشَّافِعِيُّ

⦗ص: 49⦘

.

12313 -

وَفِيمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عُمَرَ حَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارَهُ، وَكَانَ يَسْكُنُ مَسْكَنًا مِنْهَا

ص: 48

‌بَابُ الْهِبَةِ

ص: 50

12314 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النَّحْلِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَغَيْرِ الْمُسَبَّلَةِ:" فَهَذَهِ الْعَطِيَّةُ تَتِمُّ بِأَمْرَيْنِ: إِشْهَادِ مَنْ أَعْطَاهَا، وَقَبْضِهَا بِأَمْرِ مَنْ أَعْطَاهَا، أَوْ قَبْضِ غَيْرِهِ لَهُ مِمَّنْ قَبْضُهُ لَهُ قَبْضٌ ".

12315 -

وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي عَائِشَةَ، وَبِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ

ص: 50

12316 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: " إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ

⦗ص: 51⦘

نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ، وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَاقْسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ، إِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنِ الْأُخْرَى؟ قَالَ: ذُو بَطْنٍ بِنْتُ خَارِجَةَ، أُرَاهَا جَارِيَةً "

ص: 50

12317 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِّيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:" مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا، فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ: مَالِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا، وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ: هُوَ لِابْنِي، قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ، مَنْ نَحَلَ نُحْلَةً لَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى يَكُونَ إِنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ "

ص: 51

12318 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ:«مَنْ نَحَلَ وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نَحْلَهُ، فَأَعْلَنَ بِهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ وَلِيَهَا أَبُوهُ»

ص: 51

12319 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِّيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ:«لَا نِحْلَةَ إِلَّا نِحْلَةً يَحُوزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَالِدِ، فَإِنْ مَاتَ وَرِثَهُ»

⦗ص: 52⦘

.

12320 -

قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فَشُكِيَ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ فَرَأَى أَنَّ الْوَالِدَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ إِذَا كَانُوا صِغَارًا.

12321 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَفِيمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إِلَّا مَقْبُوضَةً»

12322 -

وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ،

12323 -

وَرُوِّينَا عَنْ مُعَاذٍ وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُجِيزَانِهَا إِلَّا مَقْبُوضَةً

ص: 51

‌بَابُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى

ص: 53

12324 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا، لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً تَقَعُ فِيهِ الْمَوَارِيثُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ

ص: 53

12325 -

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ

⦗ص: 54⦘

، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا تَكُونُ الْعُمْرَى حَتَّى يَقُولَ: لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَإِذَا قَالَ: هِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَقَدْ قَطَعَ حَقَّهُ فِيهَا "

ص: 53

12326 -

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيمَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَهِيَ لَهُ بَتْلَةً، لَا يَجُوزُ لِلْمُعْطِي فِيهَا شَرْطٌ وَلَا ثُنْيَا ".

12327 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ، زَادَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: لَا أُعْطِي عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، فَقَطَعَتِ الْمَوَارِيثُ شَرْطَهُ.

12328 -

قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَعُقَيْلٌ، وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَجَمَاعَةٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى.

12329 -

وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ، مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَذْكُرْهَا أَصْلًا، مِنْهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ

ص: 54

12330 -

وَخَالَفَهَمُ الْأَوْزَاعِيُّ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ

⦗ص: 55⦘

، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ يَرِثُهَا مَنْ يَرِثُهُ مِنْ عَقِبِهِ» .

12331 -

وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعُرْوَةُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ،

12332 -

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ

ص: 54

12333 -

وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي الْعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» . وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ.

12334 -

وَكَانَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ يَذْهَبُ إِلَى ظَاهِرِ مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَيَجْعَلُ الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا إِذَا أَعْمَرَهَا مَالِكُهَا الْمُعْمَرَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ.

12335 -

وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ: " لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ، فَإِنَّمَا أَعْطَاهَا بِسَبَبٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكَ السَّبَبُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ أُعْمِرَهَا، وَلَا لِعَقِبِهِ.

12336 -

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْقَدِيمِ: وَمَنْ أَعْطَى مَا يَمْلِكُهُ الْمُعْمِرُ وَحْدَهُ رَجَعَ عِنْدَنَا إِلَى مَنْ يُعْطِيهِ.

12337 -

ثُمَّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ وَقَفَ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ، فَذَهَبَ فِيمَا نَرَى

⦗ص: 56⦘

.

12338 -

وَدَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ إِلَى جَوَازِ الْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ، وَأَنَّهَا تَكُونُ لَهُ حَيَاتَهُ وَلِوَرِيثِهِ إِذَا مَاتَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَلِعَقِبِهِ إِذَا قَبَضَهَا الْمُعْمَرُ.

12339 -

وَاحْتَجَّ بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ طَارِقًا قَضَى بِالْمَدِينَةِ بِالْعُمْرَى، عَنْ قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ: قَضَى بِالْعُمْرَى لِلْوَارِثِ

ص: 55

12340 -

وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:«فِي امْرَأَةٍ أَعْمَرَتْ حَائِطًا لَهَا ابْنًا لَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَتُوُفِّيَتْ بَعْدَهُ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى طَارِقٍ فَدَعَا جَابِرًا، فَشَهِدَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَى لِصَاحِبِهَا» ، فَقَضَى بِذَلِكَ طَارِقٌ، كَانَ ذَلِكَ الْحَائِطُ لِبَنِي الْمُعْمَرِ حَتَّى الْيَوْمِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ فَذَكَرَهُ. وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ

ص: 56

12341 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ يَعْنِي الْحَرْبِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ

⦗ص: 57⦘

، عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، لَا تُعْمِرُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيَاتَهُ وَلِعَقِبِهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ

ص: 56

12342 -

وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَمْسِكُوا أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُعْمِرُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَبَعْدَ مَوْتِهِ»

ص: 57

12343 -

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِ: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُعْمِرُوهَا شَيْئًا، فَإِنَّكُمْ مَنْ أَعْمَرْتُمُوهُ شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ

ص: 57

12344 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ

⦗ص: 58⦘

، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُعْمِرُوا، وَلَا تُرْقِبُوا، فَمَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَوْ أُرْقِبَهُ فَهُوَ سَبِيلُ الْمِيرَاثِ»

ص: 57

12345 -

وَرُوِّينَا عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الْعُمْرَى جَائِزَةٌ» .

12346 -

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا»

ص: 58

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا فَهُوَ لِمُعْمَرِهِ مَحْيَاهُ، وَمَمَاتَهُ، وَلَا تُرْقِبُوا، فَمَنْ أُرْقِبَ شَيْئًا فَهُوَ لِسَبِيلِهِ» . وَهَذِهِ رِوَايَةُ مَعْقِلٍ الْجَزْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ

ص: 58

12347 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْعُمْرَى لِلْوَارِثِ»

ص: 58

12348 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَحُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ: إِنِّي وَهَبْتُ لِابْنِي نَاقَةً حَيَاتَهُ، وَإِنَّهَا تَنَاتَجَتْ إِبِلًا، فَقَالَ ابْنُ

⦗ص: 59⦘

عُمَرَ: «هِيَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ» ، فَقَالَ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ بِهَا فَقَالَ: «ذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا» .

12349 -

قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«أَضْنَتْ وَاضْطَرَبَتْ» . قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: صَوَابُهُ ضَنَتْ يَعْنِي تَنَاتَجَتْ

ص: 58

12350 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: " حَضَرْتُ شُرَيْحًا قَضَى لِأَعْمَى بِالْعُمْرَى، فَقَالَ لَهُ الْأَعْمَى: يَا أَبَا أُمَيَّةَ، بِمَا قَضَيْتَ لِي؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: لَسْتُ أَنَا قَضَيْتُ لَكَ، وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَضَى لَكَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ:«مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ»

ص: 59

12351 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نُخَالِفُ هَذَا، وَحَجَّتُنَا فِيهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ مَكْحُولًا يَسْأَلُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعُمْرَى، وَمَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ:«مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى شُرُوطِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَفِيمَا أَعْطَوْا» .

12352 -

فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا أَجَابَهُ الْقَاسِمُ فِي الْعُمْرَى بِشَيْءٍ، وَمَا أَخْبَرَهُ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ عَلَى شُرُوطِهِمْ

⦗ص: 60⦘

.

12353 -

قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَمْ يَقُلْ لَهُ إِنَّ الْعُمْرَى مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الَّتِي أَدْرَكَ النَّاسَ عَلَيْهَا.

12354 -

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاسِمُ سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَلَوْ سَمِعَهُ مَا خَالَفَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

12355 -

وَقَالَ فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، بَعْدَمَا بَسَطَ الْكَلَامَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: وَلَا يَشُكُّ عَالِمٌ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ مِمَّا قَالَهُ نَاسٌ بَعْدَهُ، قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونُوا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بَلَغَهُمْ عَنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّهُمْ لِنَاسٌ لَا نَعْرِفُهُمْ

12356 -

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا يَقُولُ الْقَاسِمُ: قَالَ النَّاسُ، إِلَّا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ، فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنَكُمْ بِهَا، فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ.

12357 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ، فَإِذَا قِيلَ لَكُمْ: تَتْرُكُونَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَالنَّاسِ: أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ؟ قُلْتُمْ: لَا نَدْرِي مَنِ النَّاسُ الَّذِينَ يَرْوِي هَذَا عَنْهُمُ الْقَاسِمُ، فَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْقَاسِمِ: رَأَى النَّاسُ، حُجَّةً عَلَيْكُمْ فِي رَأْيِ أَنْفُسِكُمْ، فَهُوَ عَنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً أَبْعَدُ

ص: 59

‌بَابُ عَطِيَّةِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ

ص: 61

12358 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يُحَدِّثَانِهِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهَ، أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَأَرْجِعْهُ» . هَذَا حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ.

12359 -

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي زَكَرِيَّا: سُفْيَانُ أَوْ مَالِكٌ، شَكَّ أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ

⦗ص: 62⦘

: وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَذَكَرَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ص: 61

12360 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ نَحَلَ ابْنًا لَهُ عَبْدًا، وَالصَّوَابُ أَنَّ أَبَاهُ نَحَلَ ابْنًا لَهُ عَبْدَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ، فَقَالَ:«كُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا قَالَ: «فَارْدُدْهُ»

ص: 62

12361 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، حَدَّثَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنَحَلْتَ كُلَّ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَأَرْجِعْهُ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

⦗ص: 63⦘

. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.

12362 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ سَمِعْتُ فِيَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا فِي الْبِرِّ إِلَيْكَ سَوَاءً؟» قَالَ: بَلَى قَالَ: «فَأَرْجِعْهُ» .

12363 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ.

12364 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثُ النُّعْمَانِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا: حُسْنُ الْأَدَبِ فِي أَنْ لَا يُفَضِّلَ رَجُلٌ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فِي نُحْلٍ، فَيَعْرِضَ فِي قَلْبِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَمْنَعُهُ مِنْ بِرِّهِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ قُلُوبِ الْآدَمَيِّينَ جُبِلَ عَلَى الْإِقْصَارِ عَنْ بَعْضِ الْبِرِّ إِذَا أُوثِرَ عَلَيْهِ.

12365 -

وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نَحْلَ الْوَالِدِ بَعْضَ وَلَدِهِ، دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ، مِنْ قِبَلَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ، كَانَ يُقَالُ: إِعْطَاؤُكَ إِيَّاهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِكَ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَرْجِعْهُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«فَأَرْجِعْهُ» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْوَالِدِ رَدَّ مَا أَعْطَى الْوَلَدَ، وَأَنَّهُ لَا يُحْرَجُ بِارْتِجَاعِهِ فِيهِ.

12366 -

قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَشْهِدْ غَيْرِي» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ

ص: 62

12367 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُشْهِدُ عَلَى نُحْلٍ نَحْلَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ:«أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَهُ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟» قَالَ: بَلَى قَالَ: «فَلَا إِذًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنًّى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

12368 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ فَضَّلَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ بِنُحْلٍ، وَفَضَّلَ عُمَرُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بِشَيْءٍ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَفَضَّلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَلَدَ أُمِّ كُلْثُومٍ

ص: 64

‌الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ

ص: 65

12369 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إِلَّا الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ» .

12370 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَلَوِ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لَزَعَمْتُ

⦗ص: 66⦘

أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِمَنْ يَسْتَثِيبُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ لَا يَسْتَثِيبُ، وَقُبِضَتِ الْهِبَةُ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

12371 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِرُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فَأَرْجِعْهُ» .

12372 -

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ فِي رُجُوعِ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يُرْوَى مَوْصُولًا مِنْ جِهَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَمْرٌو ثِقَةٌ

ص: 65

12373 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» .

12374 -

قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي اسْتِثْنَاءِ الْوَالِدِ يُؤَكِّدُهُ مُرْسَلُ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، وَالْحَدِيثُ الْمَوْصُولُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَحَدِيثُهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ رُجُوعِ غَيْرِهِ يُؤَكِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»

ص: 66

12375 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ، وَهَمَّامٌ، وَشُعْبَةُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» . قَالَ هَمَّامٌ: قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا نَعْلَمُ الْقَيْءَ إِلَّا حَرَامًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُعْبَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ شُعْبَةَ. وَأَخْرَجَا حَدِيثَ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ.

12376 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ» ، يَقْطَعُ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِيهَا عَلَى غَيْرِ مِنَ اسْتَثْنَاهُ، وَمَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَيَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ.

12377 -

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الصَّدَقَاتِ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» . يَقْطَعُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي لَوْ كَانَ بِخِلَافِهِ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ، فَيُشْبِهُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ هَذَا أَنَّهُ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ تَصْحِيحُ مَذْهَبِهِ بِمَذْهَبِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ

ص: 67

‌مَنْ قَالَ: لَهُ الرُّجُوعُ إِذَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ

ص: 68

12378 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ:«مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الثَّوَابَ، فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِنْ لَمْ يُرْضَ مِنْهَا»

ص: 68

12379 -

وَرَوَاهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ فَذَاكَ لَهُ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يُرِيدُ ثَوَابَهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا إِنْ لَمْ يُرْضَ مِنْهَا

ص: 68

12380 -

وَغَلَطَ فِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى فَرَوَاهُ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ

⦗ص: 69⦘

سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ وَهَبَ هِبَةً، فَهُوَ أَحَقُّ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» . وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، كَمَا ذَكَرْنَا

ص: 68

12381 -

وَقِيلَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ» .

12382 -

وَهَذَا الْمَتْنُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَلْيَقُ، فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَلَا يَبْعُدُ مِنْهُ الْغَلَطُ.

12383 -

وَالصَّحِيحُ رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ.

12384 -

فَالْحَدِيثُ فِي هَذَا يَرْجِعُ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

ص: 69

12385 -

وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْهِبَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ عُرْوَةَ

⦗ص: 70⦘

، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا»

ص: 69

12386 -

وَحَدِيثُ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقْحَةً فَأَثَابَهُ مِنْهَا بِسِتِّ بَكَرَاتٍ، فَسَخِطَهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ:«لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ قُرَشِيٍّ، أَوْ أَنْصَارِيٍّ، أَوْ ثَقَفِيٍّ، أَوْ دَوْسِيٍّ»

ص: 70

‌صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْوَاجِبَةُ

ص: 71

12387 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ: «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَصَدَّقَتْ بِمَالِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَأَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ» .

12388 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَحْدَهُ: وَأَخْرَجَ إِلَيَّ وَالِي الْمَدِينَةِ

⦗ص: 72⦘

صَدَقَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَأَمَرَ بِهَا فَقُرِئَتْ عَلَيَّ، فَإِذَا فِيهَا: تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَسَمَّى مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ.

12389 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَلَمْ يُسَمِّ عَلِيٌّ وَلَا فَاطِمَةُ مِنْهُمْ غَنِيًّا وَلَا فَقِيرًا، وَفِيهِمْ غَنِيٌّ

ص: 71

12390 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ كَانَ يَضَعُهَا النَّاسُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ، أَوْ قِيلَ لَهُ: فَقَالَ «إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ» .

12391 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ تَطَوُّعًا. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي. . . فَانْقَطَعَ مَتْنُ الْحَدِيثِ مِنَ الْكِتَابِ، وَإِسْنَادُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُنْقَطِعٌ.

12392 -

وَهُوَ بِتَمَامِهِ مَوْصُولًا، فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَلَمْ أَحْفَظْهُ، وَحَفِظَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ

ص: 72

12393 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِكَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: " أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالًا، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا، وَأَنَا بِخَيْرٍ وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ ذَلِكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلَا تُتْبِعْهُ حِسَّكَ» . لَفْظُ حَدِيثِ شُعَيْبٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

12394 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ: إِنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى أَحَدٍ، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَأْخُذُهَا، وَيَأَخُذُ الْهَدِيَّةَ، وَقَدْ يَجُوزُ تَرْكُهُ إِيَّاهَا عَلَى مَا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ وَأَثَابَهُ تَحْرِيمًا

⦗ص: 74⦘

.

12395 -

وَيَجُوزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، كَيْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ يَدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّدَقَاتِ مِنَ الْعَطَايَا، هِبَةٌ لَا يُرَادُ ثَوَابُهَا، وَمَعْنَى الْهَدِيَّةِ، يُرَادُ ثَوَابُهَا

ص: 73

12396 -

وَاسْتُدِلَّ فِي قَبُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ، بِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِيهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْبَيْتَ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ:«أَلَمْ أَرَ بُرْمَةَ لَحْمٍ؟» فَقُلْتُ: ذَلِكَ شَيْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ:«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

ص: 74

12397 -

وَأَخْرَجَا حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، أَكَلَ مِنْهَا، وَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا "

ص: 74

‌بَابُ اللُّقَطَةِ

ص: 75

12398 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي، وَأَبُو زَكَرِيَّا الْمُزَكِّي، وَأَبُو سَعِيدٍ الزَّاهِدُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ

⦗ص: 76⦘

، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:«اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا»

ص: 75

12399 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ:«اعْرِفْ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا» . فَقَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» قَالَ: فَضَالَّةُ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «فَمَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا، وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ.

12400 -

وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ رَبِيعَةَ، مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ

⦗ص: 77⦘

ذِكْرَ التَّعْرِيفِ عَلَى مَعْرِفَةِ وِكَائِهَا وَعِفَاصِهَا، مِنْهُمْ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ.

12401 -

وَقَالَ أَحَدُهُمَا: «فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا، وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا» .

12402 -

وَقَالَ الْآخَرُ: «ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» .

12403 -

وَبِمَعْنَاهُمَا رَوَاهُ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَارْدُدْهَا إِلَيْهِ»

ص: 76

12404 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اللُّقَطَةِ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَوَاءً:«يُعَرِّفُهَا سَنَةً، ثُمَّ يَأْكُلُهَا، مُوسِرًا كَانَ، أَوْ مُعْسِرًا إِنْ شَاءَ» .

12405 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِلَّا أَنِّي لَا أَرَى أَنْ يَخْلِطَهَا بِمَالِهِ، وَلَا يَأْكُلَهَا، حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى عَدَدِهَا، وَوَزْنِهَا، وَظَرْفِهَا، وَعِفَاصِهَا، وَوِكَائِهَا، فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا عَرَّفَهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَتْ دَيْنًا فِي مَالِهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ يَجِدُهَا بِالْمَهْلَكَةِ تَعْرِيفٌ، إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَهَا، فَهِيَ لَهُ، وَمَتَى لَقِيَ صَاحِبَهَا عَرَّفَهَا لَهُ.

12406 -

وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ، وَلَا الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُمَا تَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَضَالَّةُ الْغَنَمِ وَالْمَالِ لَا تَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا.

12407 -

وَأُلْحِقَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ، وَالْبَقَرُ وَمَا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِضَوَالِّ الْإِبِلِ

ص: 77

12408 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، «وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَهُوَ أَيْسَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ كَأَيْسَرِهِمْ، وَجَدَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةٌ، أَوْ ثَمَانُونَ دِينَارًا أَنْ يَأْكُلَهَا» .

12409 -

وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِائَةً، أَوْ ثَمَانِينَ دِينَارًا، وَلَيْسَ فِيمَا زَعَمْتُمْ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ مُوسِرًا مِنَ الصَّدَقَةِ، وَلَا يُعْطِيَ مُعْسِرًا عِشْرِينَ دِينَارًا، فَكَأَنَّهُ يَشُكُّ فِي مِائَةٍ، أَوْ ثَمَانِينَ، وَالصَّحِيحُ مِائَةٌ

ص: 78

12410 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ فِي غَزْوَةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا، فَأَخَذْتُهُ، فَقَالَ لِي زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ: اطْرَحْهُ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهِمَا قَالَ: فَقَضَيْنَا غَزَاتَنَا ثُمَّ حَجَجْتُ فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَلَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِي: إِنِّي وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِي:«عَرِّفْهَا حَوْلًا» . فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فَعُدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ:«احْفَظْ عِدَّتَهَا، وَوِعَاءَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» . قَالَ سَلَمَةُ: لَا أَدْرِي أَقَالَ: ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ عَرِّفْهَا، أَوْ قَالَ: حَوْلًا. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ

⦗ص: 79⦘

12411 -

قَالَ شُعْبَةُ: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ: عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا

ص: 78

12412 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ أَبَاهَ أَخْبَرَهُ: " أَنَّهُ نَزَلَ مَنْزِلَ قَوْمٍ بِطَرِيقِ الشَّامِ، فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ثَمَانُونَ دِينَارًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:«عَرِّفْهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، واذْكُرْهَا لِمَنْ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ سَنَةً، فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَشَأْنَكَ بِهَا» . هَذَا مَوْقُوفٌ

ص: 79

12413 -

وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، مَرْفُوعًا فِي قِصَّةٍ أُخْرَى، وَهِيَ: أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَجَدَ عَبِيَةً، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ عُرِفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِذَلِكَ»

ص: 79

12414 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّهُ وَجَدَ دِينَارًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ، فَلَمْ يُعْتَرَفْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْرَمَهُ»

⦗ص: 80⦘

.

12415 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلِيبَةِ بَنِي هَاشِمٍ.

12416 -

وَقَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْإِذْنَ بِأَكْلِ اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيُّ.

12417 -

قَالَ أَحْمَدُ: أَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فَقَدْ مَضَى، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ يَشُكُّ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ، ثُمَّ أَقَامَ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ.

12418 -

وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ، فَلَمْ يُعْتَرَفْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ.

12419 -

وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ اشْتَرَى بِهِ طَعَامًا، ثُمَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ تَنْشُدُ الدِّينَارَ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ: إِذَا غُلَامٌ يَنْشُدُهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَدَائِهِ.

12420 -

وَالْأَحَادِيثُ فِي اشْتِرَاطِ الْمُدَّةِ فِي التَّعْرِيفِ أَكْثَرُ، وَأَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ.

12421 -

وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَنْفَقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي حَدِيثِهِمَا مَا دَلَّ عَلَيْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 79

12422 -

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ

⦗ص: 81⦘

، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِيمَا يُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ، أَوِ الْقَرْيَةِ الْمَسْكُونَةِ؟ قَالَ:«عَرِّفْ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ نَاعِتُهُ، فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهِ إِلَيْهِ»

ص: 80

12423 -

وَأَمَّا حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، فَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمَوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ أَبَا الْعَلَاءِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلْيُعَرِّفْهُ، وَلَا يَكْتُمْ، وَلَا يُغَيِّبْ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»

ص: 81

12424 -

وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ

⦗ص: 82⦘

اللَّهِ قَالَ: حَدِيثَانِ حُدِّثْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي قَدْ صَدَّقْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ.

12425 -

قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ، عَنِ الْجَارُودِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَسْفُرٍ، وَفِي الظَّهْرِ قِلَّةٌ، فَتَذَاكَرُوا الظَّهْرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَدْرِي مَا يَكْفِيكُمْ مِنَ الظَّهْرِ قَالَ:«مَا يَكْفِينَا؟» قَالَ الْجَارُودُ: نَمُرُّ عَلَيْهِنَّ فِي الْجُرْفِ، فَنَسْتَمْتِعُ بِظُهُورِهِنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا، ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ، فَلَا تَقْرَبَنَّهَا» قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا "

ص: 81

12426 -

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَحُدِّثْتُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي اللُّقَطَةِ، أَوِ الضَّالَّةِ، شَكَّ الْجُرَيْرِيُّ قَالَ:«أَنْشِدْهَا وَعَرِّفْهَا، وَلَا تَكْتُمْ، وَلَا تُغَيِّبْ، فَإِنْ وَجَدْتَ صَاحِبَهَا فَأَدِّهَا، وَإِلَّا فَإِنَّهُ مَالُ اللَّهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ» .

12427 -

ظَنَّ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا نَاسِخٌ، وَلَا مَنْسُوخٌ، وَلَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّالَّةِ وَاللُّقَطَةِ لِافْتِرَاقِ مَعْنَاهُمَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

ص: 82

12428 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَهُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ هُزَيْلًا، يَقُولُ: " رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، أَتَاهُ رَجُلٌ بِصُرَّةٍ مَخْتُومَةٍ، فَقَالَ: قَدْ عَرَّفْتُهَا، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، قَالَ:«اسْتَمْتِعْ بِهَا» .

12429 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلُنَا، إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فَلَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا، وَهَكَذَا السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا كُلَّهُ، وَرَوَوْا حَدِيثًا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَذَهَبَ

⦗ص: 83⦘

صَاحِبُهَا، فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَنْ صَاحِبِهَا، فَإِنْ كَرِهَ فَلِي، وَعَلَيَّ الْغُرْمُ.

12430 -

ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا نَفْعَلُ بِاللُّقَطَةِ.

12431 -

فَخَالَفُوا السُّنَّةَ فِي اللُّقَطَةِ، وَخَالَفُوا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي يُوَافِقُ السُّنَّةَ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ ثَابِتٌ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي عَنْ عَامِرٍ، وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ بِعَيْنِهِ.

12432 -

يَقُولُونَ: إِنْ ذَهَبَ الْبَائِعُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا مَتَى جَاءَ

ص: 82

12433 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً، فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «عَرِّفْهَا» قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ قَالَ: «زِدْ» قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ قَالَ: «لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا، وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا» .

12434 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: ابْنُ عُمَرَ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اللُّقَطَةِ، وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ: لَا يَأْكُلُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ.

12435 -

قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ، وَغَيْرُهُمْ

ص: 83

‌الضَّالَّةُ

ص: 84

12436 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِّينَا، عَنِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَمُرُّ بِالْجُرُفِ فَنَجِدُ إِبِلًا، فَنَرْكَبُهَا، فَقَالَ:«ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ»

⦗ص: 85⦘

.

12437 -

وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ

ص: 84

12438 -

وَرُوِّينَا، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ» .

12439 -

وَكُلُّ ذَلِكَ، إِذَا أَرَادَ الِانْتِفَاعَ بِهَا، فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ رَدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا

ص: 85

فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «إِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ بَعِيرًا، وَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَأْخُذُهُ لِيَأْكُلَهُ، فَلَا وَهُوَ ظَالِمٌ»

ص: 85

12440 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِّينَا، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» .

12441 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: فَإِنْ كَانَ لِلسُّلْطَانِ حِمًى، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِ الضَّوَالِّ مُؤْنَةٌ تَلْزَمُهُ فِي رِقَابِ الضَّوَالِّ، صَنَعَ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، تَرَكَهَا فِي الْحِمَى حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهَا، وَمَا تَنَاتَجَتْ فَهُوَ لِمَالِكِهَا.

12442 -

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ حِمًى، وَكَانَ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهَا، وَكَانَتِ الْأُجْرَةُ تَعَلَّقُ فِي رِقَابِهَا غُرْمًا، رَأَيْتُ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، إِلَّا فِي كُلِّ مَا عُرِفَ أَنَّ صَاحِبَهُ قَرِيبٌ فَيَحْبِسُهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ

ص: 85

12443 -

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

⦗ص: 86⦘

إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ، يَقُولُ:«كَانَتْ ضَوَالُّ الْإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلًا مُؤَبَّلَةً تَنَاتَجُ، لَا يَمَسُّهَا أَحَدٌ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا، وَتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ تُبَاعُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، أُعْطِيَ ثَمَنَهَا»

ص: 85

‌إِذَا جَاءَ مَنْ يَعْرِفُ اللُّقَطَةَ

ص: 87

12444 -

قَدْ رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ اللُّقَطَةِ:«فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا، فَعَرَفَ عِفَاصَهَا، وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ» .

12445 -

وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ حَمَّادٌ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12446 -

وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12447 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي زَادَهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَتْ بِالْمَحْفُوظَةِ.

12448 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِيَ مَعْنَاهَا فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَفِي حَدِيثِهِ عَنْ رَبِيعَةَ، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ

ص: 87

12449 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " أُفْتِي الْمُلْتَقِطَ إِذَا عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوَزْنَ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ بَاطِلًا أَنْ يُعْطِيَهُ، وَلَا أُجْبِرُهُ فِي الْحُكْمِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهَا كَمَا تَقُومُ عَلَى الْحُقُوقِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا»

⦗ص: 88⦘

، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يُؤَدِّيَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا مَعَ مَا يُؤَدِّي مِنْهَا، وَلِيَعْلَمَ إِذَا وَضَعَهَا فِي مَالِهِ أَنَّهَا اللُّقَطَةُ دُونَ مَالِهِ ".

12450 -

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَدَلَّ عَلَى صَدْقِ الْمُعْتَرِفِ، وَهَذَا الْأَظْهَرُ، ثُمَّ اعْتَذَرَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ:«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» ، وَهَذَا مُدَّعٍ، وَقَدْ يَدَّعِيهَا عَشْرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَيَصِفُهَا كُلُّهُمْ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ.

12451 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ مَكَّةَ:«وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ» .

12452 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» .

12453 -

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ يَعْنِي لُقَطَةَ الْحَرَمِ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا» .

12454 -

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلْحَدِيثِ عِنْدِي وَجْهٌ إِلَّا مَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاجِدِهَا مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا الْإِنْشَادُ أَبَدًا، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّهَا.

ص: 87

12455 -

وَفِي هَذَا الْمَعْنَى: حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» .

12456 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جُعْلِ الْآبِقِ شَيْءٌ

ص: 88

إِنَّمَا هُوَ عَنِ

⦗ص: 89⦘

ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَا:«جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْآبِقِ يُوجَدُ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ» .

12457 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَمَنْ أَسْنَدَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ.

12458 -

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي جُعْلِ الْآبِقِ دِينَارٌ، قَرِيبًا أُخِذَ أَوْ بَعِيدًا.

12459 -

وَهَذَا إِنَّمَا رُوِيَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَارِثُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ

ص: 88

12460 -

وَأَمْثَلُ شَيْءٍ رُوِيَ عَنْهُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ:" أَصَبْتُ غِلْمَانًا أَبَّاقًا بِالْعَيْنِ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ "، قُلْتُ: هَذَا الْأَجْرُ، فَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ:«أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنْ كُلِّ رَأْسٍ» .

12461 -

وَهَذِهِ حِكَايَةُ حَالٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَرَفَ شَرْطَ مَالِكِهِمْ، جُعِلَ لِمَنْ رَدَّهُمْ، فَحَكَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 89

‌الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ

ص: 90

12462 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَ بِهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ:«مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟» قَالَ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً، فَأَخَذْتُهَا، فَقَالَ لَهُ عَرِيفِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ قَالَ:«كَذَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ قَالَ عُمَرُ: «اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ»

⦗ص: 91⦘

.

12463 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ: «وَنَفَقَتُهُ عَلَيْنَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَلَكَ وَلَاؤُهُ، أَيْ نُصْرَتُهُ وَالْقِيَامُ بِحِفْظِهِ

ص: 90

فَأَمَّا الْوَلَاءُ الْمَعْرُوفُ، فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُعْتِقِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

12464 -

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ: أَبُو جَمِيلَةَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يَقُومُ بِحَدِيثِهِ الْحُجَّةُ.

12465 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ: فَإِنْ ثَبَتَ كَانَ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 91

‌حُكْمُ الطِّفْلِ مَعَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ

ص: 92

12467 -

أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُ الْإِبِلُ بَهِيمَةً جَدْعَاءَ جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ:«اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»

⦗ص: 93⦘

.

12468 -

رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ عَنْهُ، عَنْ مَالِكٍ، مُخْتَصَرًا

ص: 92

وَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ» .

12469 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمِصْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، يَذْكُرُهُ بِمَعْنَاهُ

12470 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» . هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْخَلْقَ، فَجَعَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يُفْصِحُوا بِالْقَوْلِ فَيَخْتَارُوا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، الْإِيمَانَ، أَوِ الْكُفْرَ، لَا حُكْمَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، إِنَّمَا الْحُكْمُ لَهُمْ بِآبَائِهِمْ.

12471 -

ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ حَكَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَالْوَلَدُ تَبَعٌ لَهُ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ.

12472 -

ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَبْلُغْ فِيهَا، وَالْبُلُوغُ هُوَ الِاحْتِلَامُ أَوِ الْإِنْبَاتُ أَوْ مُرُورُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ عَنْ حُكْمِ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ حُكْمَ الْأَطْفَالِ حُكْمَ الْآبَاءِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا اللِّسَانُ، وَإِعْرَابُ اللِّسَانِ عَنْهَا هُوَ أَنْ يَعْقِلَ بِشَيْءٍ بِالِاخْتِيَارِ وَالتَّمْيِيزِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْبَالِغِ، وَلَا بُلُوغَ إِلَّا بِالَّذِي وَصَفْنَاهُ

ص: 93

12473 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ - يَحْتَلِمَ - «. . .» الْخَبَرَ

⦗ص: 94⦘

.

12474 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَسْلَمَ وَهُوَ فِي حَدِّ مَنْ يَبْلُغُ، فَعُدَّ ذَلِكَ إِسْلَامًا.

12475 -

وَقِيلَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهُ: إِنَّمَا قَالَ النَّاسُ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلِيٌّ، بِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَغَيْرِهِ

ص: 93

12476 -

قَالَ أَحْمَدُ: أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:«أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»

12477 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّلَاةُ قَدْ تَكُونُ مِنَ الصَّغِيرِ، وَالْحَجُّ، وَقَدْ أَشْرَفَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ مِنْ هَوْدَجٍ، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» .

12478 -

وَقَدْ رَأَيْنَا الصَّغِيرَ يَرَى الصَّلَاةَ، فَيُصَلِّي وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ عَارِفٍ بِالْإِيمَانِ، فَعَلَى ذَلِكَ كَانَ أَمْرُ عَلِيٍّ رضي الله عنه، كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَدِيجَةَ يُصَلِّيَانِ، فَفَعَلَ فَعْلَهُمَا كَمَا يَرَى الصَّبِيُّ أَبَوَيْهِ يُصَلِّيَانِ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ يَعْقِلُ تَكْلِيفَ الصَّلَاةِ، وَلَا الْإِيمَانَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ لِعَلِيٍّ بِخِلَافِ حُكْمِ أَبَوَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ.

12479 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ لَيْسَ يَجُوزُ أَنَّ يَبْلُغَ فِيهِ بِالِاحْتِلَامِ، فَإِنَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ

⦗ص: 95⦘

.

12480 -

وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً.

12481 -

وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا صَارَتِ الْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَحُكْمُ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ يُخَالِفُ حُكْمَ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 94

‌19 - كِتَابُ الْفَرَائِضِ

ص: 97

‌بَابُ الْفَرَائِضِ

⦗ص: 100⦘

12482 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] الْآيَةَ

⦗ص: 101⦘

.

12483 -

وَقَالَ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] الْآيَةَ.

12484 -

وَقَالَ: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 11] الْآيَةَ.

12485 -

وَقَالَ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] الْآيَةَ.

12486 -

وَقَالَ: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] الْآيَةَ. مَعَ آيِ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا.

12487 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: «فَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى، إِنَّمَا أَرَادَ مِمَّنْ سَمَّى لَهُ الْمَوَارِيثَ فِي كِتَابِهِ خَاصًّا مِمَّنْ سَمَّى؛ وَذَلِكَ أَنْ يَجْتَمِعَ دِينُ الْوَارِثِ وَالْمَوْرُوثِ، وَأَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ وَالْمَوْرُوثُ حُرَّيْنِ مَعَ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا» . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ

ص: 99

12488 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ.

ص: 101

12489 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ:" إِنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ وَلَا جَعْفَرٌ قَالَ: فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبنَا مِنَ الشِّعْبِ ".

12490 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ الدِّينَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ

ص: 102

12491 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» .

12492 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَلَمَّا كَانَ بَيِّنًا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مَالًا، وَأَنَّ مَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَبًا أَوْ غَيْرَهَ مِمَّنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، وَكَانَ لَوْ أُعْطِيَهَا مَلَكَهَا سَيِّدُهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنِ السَّيِّدُ بِأَبِ الْمَيِّتِ وَلَا وَارِثٍ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، فَكُنَّا لَوْ أَعْطِينَا الْعَبْدَ بِأَنَّهُ أَبٌ، إِنَّمَا أَعْطَيْنَا السَّيِّدَ الَّذِي لَا فَرِيضَةَ لَهُ، فَوَرَّثْنَا غَيْرَ مَنْ وَرَّثَ اللَّهُ

⦗ص: 103⦘

.

12493 -

فَلَمْ نُورِّثْ عَبْدًا، لِمَا وَصَفْتُ، وَلَا أَحَدًا لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْقَتْلِ، حَتَّى لَا يَكُونَ قَاتِلًا

ص: 102

12494 -

وَذَلِكَ، أَنَّهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ»

12495 -

قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مُرْسَلٌ.

12496 -

وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12497 -

وَرَوَاهُ أَيْضًا غَيْرُهُ عَنْ عَمْرٍو، كَذَلِكَ

ص: 103

12498 -

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ شَيْئًا مِنَ الدِّيَةِ»

ص: 103

12499 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا:«لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ عَمْدًا وَلَا خَطَئًا شَيْئًا» .

12500 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَسْمَعِ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ قَاتِلَ الرَّجُلِ عَمْدًا لَا يَرِثُ مَنْ قَتَلَ مِنْ دِيَةِ الْمَالِ شَيْئًا، ثُمَّ افْتَرَقَ النَّاسُ فِي الْقَاتِلِ خَطَأً، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَرِثُ

⦗ص: 104⦘

مِنَ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.

12501 -

وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَا يَرِثُ قَاتِلُ الْخَطَأِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا مَالٍ، وَهُوَ كَقَاتِلِ الْعَمْدِ.

12502 -

وَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ فَلَا يَرِثُ عَمْدًا، وَلَا خَطَأً شَيْئًا، أَشْبَهُ بِعُمُومٍ أَنْ: لَا يَرِثُ قَاتِلٌ مَنْ قَتَلَ.

12503 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا

ص: 103

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَطِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ:«لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ، الْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَمَالِهِ، وَهُوَ يَرِثُ مِنْ دِيَتِهَا وَمَالِهَا، مَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، فَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ وَمَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ قَتَلَ صَاحِبَهُ خَطَأً وَرِثَ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ» .

12504 -

قَالَ: وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ

12505 -

قَالَ عَلِيٌّ: مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّائِفِيُّ ثِقَةٌ

⦗ص: 105⦘

12506 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيثُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12507 -

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ

12508 -

وَمَنْ يَقُولُ بِأَحَادِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 104

12509 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَهُ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ أَبَاهُ مَمْلُوكًا، وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا؟ قَالَ:«يُشْتَرَى مِنْ مَالِهِ فَيُعْتَقُ، ثُمَّ يُرْفَعُ إِلَيْهِ مَا تَرَكَ» .

12510 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا. أَوْرَدَهُ فِيمَا لَزِمَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي خِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ.

12511 -

قَالَ: وَنَقُولُ نَحْنُ: مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ هُمْ: إِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ.

12512 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْجَدِّ: وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَنْهُ قَبْلِنَا أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ.

12513 -

ثُمَّ قَالَ فِي خِلَالِ كَلَامِهِ: وَإِلَى الْحُجَّةِ ذَهَبْنَا فِي قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُ

⦗ص: 106⦘

12514 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ دَلَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى اتِّبَاعِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْفَرَائِضِ، بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ»

ص: 105

12515 -

فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ رحمه الله قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَشَدُّهُمْ حَيَاءً، أَوْ أَصْدَقُهُمْ حَيَاءً، عُثْمَانُ، شَكَّ يُونُسُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ»

ص: 106

12516 -

وَرُوِّينَا، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ:«مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ»

ص: 106

12517 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:«لَوْلَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَتَبَ الْفَرَائِضَ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا سَتَذْهَبُ مِنَ النَّاسِ» .

12518 -

قَالَ أَحْمَدُ: فَلَمَّا وَجَدْنَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَفْرَضَ أَصْحَابِهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَجَدْنَا مَنْ جَعَلَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ فِي الْفَرَائِضِ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَذَكَرَ عَالِمُ قُرَيْشٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ عَنْهُ قَبِلَ أَكْثَرَ الْفَرَائِضِ، دَأَبْتُ أَنْ أُخَرِّجَ مَا بَلَغَنَا مِنْ مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْفَرَائِضِ عَلَى

⦗ص: 107⦘

تَرْتِيبِ مَسَائِلِهَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رحمه الله، ثُمَّ شَوَاهِدِ قَوْلِهِ فِيمَا قَدْ أَخْرَجْنَاهَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

⦗ص: 108⦘

، فَمِنْهَا:

ص: 106

‌بَابُ مِيرَاثِ مَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُ

ص: 108

12519 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُلُّ قَوْمٍ يَتَوَارَثُونَ، إِلَّا مَنْ عُمِّيَ مَوْتُ بَعْضِهِمْ قَبْلَ

⦗ص: 109⦘

بَعْضٍ فِي هَدْمٍ، أَوْ حَرْقٍ، أَوْ قِتَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَتَآلِفِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرِثُ بَعْضًا، وَلَكِنْ يَرِثُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَنْ يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنَ الْأَحْيَاءِ، كَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عُمِّيَ مَوْتُهُ قَرَابَةٌ»

ص: 108

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ:«أَنَّهُ وَرَّثَ نَفَرًا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» .

12520 -

أَوْرَدَهُ فِيمَا خَالَفَ الْعِرَاقِيُّونَ عَلِيًّا.

12521 -

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ.

12522 -

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، أَنَّهُمَا أَمَرَا بِذَلِكَ زَيْدًا

⦗ص: 110⦘

. وَمِنْهَا:

ص: 109

‌بَابُ لَا يُحْجَبُ مَنْ لَا يَرِثُ

ص: 110

12523 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ: «الْمُشْرِكُ لَا يَحْجِبُ، وَلَا يَرِثُ» ،

12524 -

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «يَحْجِبُ وَلَا يَرِثُ»

12525 -

وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي مَذْهَبِ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ فِي الْمَمْلُوكِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ وَالْقَاتِلِينَ، مِثْلَ ذَلِكَ

ص: 111

12526 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمَمْلُوكُونَ يَحْجِبُونَ وَلَا يَرِثُونَ» .

12527 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا، بَلْ يَقُولُونَ بِقَوْلِ زَيْدٍ: لَا يَحْجِبُونَ وَلَا يَرِثُونَ

ص: 111

12528 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ:«لَا يَحْجِبُ مَنْ لَا يَرِثُ»

⦗ص: 112⦘

. وَمِنْهَا:

ص: 111

‌بَابُ حَجْبِ الْوَرَثَةِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَمَنْ لَا يَرِثُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ

12529 -

وَالْمُزَنِيُّ ذَكَرَ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَأَخْبَارُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ مَنْقُولَةٌ فِي آخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ.

12530 -

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِمَامُ، فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ مَعَانِي هَذِهِ الْفَرَائِضِ، وَأُصُولَهَا كُلَّهَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ، فَتَفْسِيرُ أَبِي الزِّنَادِ عَلَى مَعَانِي زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.

12531 -

قَالَ: «وَمِيرَاثُ الْأُخْوَةِ لِلْأُمِّ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى شَيْئًا، وَلَا مَعَ الْأَبِ، وَلَا مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ شَيْئًا»

⦗ص: 113⦘

.

12532 -

قَالَ: «وَمِيرَاثُ الْأُخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ، وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ الذَّكَرِ، وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا» . وَقَالَ ذَلِكَ فِيهِمْ إِذَا كَانُوا لِلْأَبِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنْ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ أَحَدٌ.

12533 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَمِيرَاثُ الْجَدَّاتِ: أَنَّ أُمَّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ شَيْئًا، وَأَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ، وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا.

12534 -

قَالَ: وَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ بِرَحِمِهِ تِلْكَ شَيْئًا، وَلَا تَرِثُ الْجَدَّةُ أُمُّ أَبِ الْأُمِّ، وَلَا ابْنَةُ الْأَخِ لِلْأُمِّ، وَالْأَبِّ، وَلَا الْعَمَّةُ أُخْتُ الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِّ، وَلَا الْخَالَةُ، وَلَا مَنْ هُوَ أَبْعَدُ نَسَبًا مِنَ الْمُتَوَفَّى مِمَّنْ سَمَّى فِي كِتَابِهِ لَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِرَحِمِهِ تِلْكَ شَيْئًا

ص: 112

12535 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: 12] أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، فَقَالَ:«مِنْ أُمِّهِ» .

12536 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَقُولُ: قَرَأْتُ عَلَى سَعْدٍ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ:«أُخْتٌ لِأُمِّهِ»

ص: 113

12537 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْتَى فِي الْكَلَالَةِ، فَقَالَ:«أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمَنَ الشَّيْطَانِ، هُوَ مَا دُونَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ» ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، قَالَ:«إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ» .

12538 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعَبَّاسُ بْنُ

⦗ص: 114⦘

الْفَضْلِ الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، فَذَكَرَهُ.

12539 -

وَهَكَذَا قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا

12540 -

قَالَ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ

ص: 113

12541 -

وَرُوِّينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ مَرِضَ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي وَلِي أَخَوَاتٌ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْكَلَالَةِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176] الْآيَةَ

ص: 114

12542 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «أَنَّ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ،

12543 -

وَأَبُوهُ كَانَ - يَعْنِي جَابِرًا - قَدْ قُتِلَ بِأُحُدٍ». فَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، فَأَحَدُ الشَّرْطَيْنِ فِي الْكَلَالَةِ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ، وَأَخَذَ الشَّرْطَ الْآخَرَ مِنْ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.

12544 -

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله: وَفِيهِ وَجْهٌ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ نَفْسِ الْآيَةِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنِ انْتَظَمَهُ اسْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُدْعَى وَلَدًا، فَالْوَالِدُ سُمِّيَ وَلَدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَلَدَ الْمَوْلُودَ، وَالْمَوْلُودُ سُمِّيَ وَلَدًا؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ

⦗ص: 115⦘

.

12545 -

وَهَذَا كَالذُّرِّيَّةِ، وَهِيَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَالْوَلَدُ ذُرِّيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ ذُرِئُوا، أَيْ خُلِقُوا، وَالْأَبُّ ذُرِّيَّةٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ ذُرِئَ مِنْهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا.

12546 -

فَعَلَى هَذَا قَدْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176] أَيْ وِلَادَةٌ فِي الطَّرَفَيْنِ مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَحَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، فَقَالَ:«يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ» ، يُرِيدُ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْفِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ.

12547 -

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَاسْمُ الْكَلَالَةِ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ تَكَلَّلَ النَّسَبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُخْوَةَ إِنَّمَا يَتَكَلَّلُونَ الْمَيِّتَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَيَلْقَوْنَهُ مِنْ نَوَاحِيهِ، وَالْوَلَدُ وَالْوَالِدُ إِنَّمَا يَأْتِيَانِهِ مِنْ تِلْقَاءِ النَّسَبِ، وَيَجْتَمِعَانِ مَعَهُ فِي نِصَابِهِ وَعَمُودِهِ.

12548 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، نَحْوَ قَوْلِ زَيْدٍ فِي الْجَدَّةِ لَا تَرِثُ مَعَ ابْنِهَا

ص: 114

12549 -

وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ:«أَوَّلُ جَدَّةٍ أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُدُسًا مَعَ ابْنِهَا، وَابْنُهَا حَيٌّ» .

12550 -

تَفَرَّدَ بِهِ هَكَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ

⦗ص: 116⦘

،

12551 -

وَإِنَّمَا رُوِيَ مُنْقَطِعًا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي مُوسَى

ص: 115

‌بَابُ الْمَوَارِيثِ

ص: 117

12552 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ

⦗ص: 120⦘

ثَابِتٍ، أَنَّ مَعَانِي هَذِهِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولَهَا كُلَّهَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فَتَفْسِيرُ أَبِي الزِّنَادِ عَلَى مَعْنَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:

12553 -

«يَرِثُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا هِيَ لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ النِّصْفَ، فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَرِثَهَا زَوْجُهَا الرُّبُعَ، لَا يُنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.

12554 -

وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا إِذَا هُوَ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ الرُّبُعَ، فَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ، وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ الثُّمُنَ»

ص: 119

12555 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: «وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ وَلَدِهَا إِذَا تُوُفِّيَ ابْنُهَا، أَوْ ابْنَتُهَا فَتَرَكَ وَلَدًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ تَرَكَ اثْنَيْنِ مِنَ الْأُخْوَةِ فَصَاعِدًا، ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا، مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ أَوْ مِنْ أُمٍّ، السُّدُسُ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفِّي وَلَدًا، وَلَا وَلَدَ ابْنٍ، وَلَا اثْنَيْنِ مِنَ الْأُخْوَةِ فَصَاعِدًا، فَإِنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ كَامِلًا، إِلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ فَقَطْ، وَهُمَا أَنْ يُتَوَفَّى رَجُلٌ، وَيَتْرُكَ امْرَأَتَهُ وَأَبَوَيْهِ، فَيَكُونُ لِامْرَأَتِهِ الرُّبُعُ، وَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ، وَهُوَ الرُّبُعُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَأَنْ تُتَوَفَّى امْرَأَةٌ، وَتَتْرُكَ زَوْجَهَا، وَأَبَوَيْهَا فَيَكُونَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلِأُمِّهَا الثُّلُثُ مِمَّا بَقِيَ، وَهُوَ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ»

ص: 120

12556 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: " وَمِيرَاثُ الْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِمْ، أَوْ وَالِدَتِهِمْ، أَنَّهُ إِذَا تُوُفِّيَ رَجُلٌ أَوِ

⦗ص: 121⦘

امْرَأَةٌ، فَتَرَكَ ابْنَةً وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ، كَانَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ، فَإِنَّهُ لَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَيَبْدَأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَكَهُمْ بِفَرِيضَةٍ، فَيُعْطَى فَرِيضَتُهُ، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْوَلَدِ بَيْنَهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

12557 -

قَالَ: وَمَنْزِلَةُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ كَمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ، ذَكَرُهُمْ كَذُكُورِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَإِنَاثِهِمْ، يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ، وَيُحْجَبُونَ كَمَا يُحْجَبُونَ، فَإِنِ اجْتَمَعَ الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الِابْنِ، فَكَانَ فِي الْوَلَدِ ذَكَرٌ، فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَلَدِ ذَكَرٌ وَكَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْبَنَاتِ، فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِبَنَاتِ الِابْنِ مَعَهُنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَتِهِنَّ، أَوْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُنَّ، فَيُرَدُّ عَلَى مَنْ بِمَنْزِلَتِهِ، وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ بَنَاتِ الْأَبْنَاءِ فَضْلًا إِنْ فَضَلَ فَيَقْسِمُونَهُ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلَدُ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً، وَتَرَكَ ابْنَةَ ابْنٍ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَهُنَّ السُّدُسُ تَتِمَّةُ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ذَكَرٌ هُوَ بِمَنْزِلَتِهِنَّ، فَلَا سُدُسَ لَهُنَّ، وَلَا فَرِيضَةَ، وَلَكِنْ إِنْ فَضَلَ فَضْلٌ بَعْدَ فَرِيضَةِ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ لِذَلِكَ الذِّكْرِ وَلِمَنْ بِمَنْزِلَتِهِ مِنَ الْإِنَاثِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَطْرَفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ "

ص: 120

12558 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: «وَالْأُخْوَةُ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ، وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى شَيْئًا، وَلَا مَعَ الْأَبِ، وَلَا مَعَ الْجَدَّاتِ لِلْأَبِ شَيْئًا، وَهُمْ فِي كُلِّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لِلْوَاحِدِ

⦗ص: 122⦘

مِنْهُمُ السُّدُسُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا، فَرَضَ لَهُمُ الثُّلُثُ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوَاءِ»

ص: 121

12559 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: «وَمِيرَاثُ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ، وَلَا مَعَ وَلَدِ الِابْنِ الذَّكَرِ، وَلَا مَعَ الْأَبِ شَيْئًا وَهُمْ مَعَ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ، مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى جَدًّا، أَبَا أَبٍ يَخْلُفُونَ، وَيُبْدَأُ بِمَنْ كَانَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ، كَانَ لِلْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ بَيْنَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، إِنَاثًا كَانُوا أَوْ ذُكُورًا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَبًا، وَلَا جَدًّا أَبَا أَبٍ، وَلَا ابْنًا، وَلَا وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، (وَلَا ابْنًا ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى) فَإِنَّهُ يُفْرَضْ لِلْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْأَخَوَاتِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا فَرِيضَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَخَوَاتِ، وَيُبْدَأُ بِمَنْ شَرَكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ. فَمَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنَ الْأُخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، إِلَّا فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ قَطُّ لَمْ يَفْضُلْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ، فَاشْتَرَكُوا مَعَ بَنِي أُمِّهِمْ، وَهِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ، وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا، وَأُخْوَتَهَا لِأُمِّهَا، وَأُخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَكَانَ لِزَوْجِهَا النِّصْفُ، وَلِأُمِّهَا السُّدُسُ، وَلِابْنَيْ أُمِّهَا الثُّلُثُ، فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَيَشْتَرِكُ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ، مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ، فَيَكُونُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو أُمِّ الْمُتَوَفَّى»

ص: 122

12560 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ

⦗ص: 123⦘

: «وَمِيرَاثُ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنْ بَنِي الْأُمِّ وَالْأَبِ، كَمِيرَاثِ الْأُخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ سَوَاءٌ، ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَشْتَرِكُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي شَرَكَهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ. فَإِذَا اجْتَمَعَ الْأُخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَالْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ، فَكَانَ فِي بَنِي الْأُمِّ وَالْأَبِ ذَكَرٌ، فَلَا مِيرَاثَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُخْوَةِ لِلْأَبِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ إِلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً، وَكَانَ بَنُو الْأَبِ امْرَأَةً وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ لَا ذَكَرَ فِيهِنَّ، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ، وَيُفْرَضُ لِبَنَاتِ الْأَبِ السُّدُسُ تَتِمَّةَ الثُّلُثَيْنِ. فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الْأَبِ أَخٌ ذَكَرٌ، فَلَا فَرِيضَةَ لَهُمْ، وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ بَنِي الْأَبِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ امْرَأَتَيْنِ، فَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْإِنَاثِ فُرِضَ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَلَا مِيرَاثَ مَعَهُنَّ لِبَنَاتِ الْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ مِنْ أَبٍ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِئَ بِفَرَائِضِ مَنْ كَانَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ، فَأَعْطُوهَا، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضْلٌ كَانَ بَيْنَ بَنِي الْأَبِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ»

ص: 122

12561 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: " وَمِيرَاثُ الْأَبِ مِنَ ابْنِهِ أَوِ ابْنَتِهِ إِذَا تُوُفِّيَ أَنَّهُ: إِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا ذَكَرًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرٍ، فَإِنَّهُ يُفْرَضُ لِلْأَبِ السُّدُسُ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى وَلَدًا ذَكَرًا، أَوْ وَلَدَ ابْنٍ ذَكَرٍ، فَإِنَّ الْأَبَ يُخْلَفُ، وَيُبْدَأُ بِمَنْ شَرَكَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَوْنَ فَرَائِضَهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ فَأَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ لِلْأَبِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُمُ السُّدُسُ فَأَكْثَرَ مِنْهُ، فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ فَرِيضَةً

⦗ص: 124⦘

.

12562 -

قَالَ: وَمِيرَاثُ الْجَدَّاتِ أَنَّ الْأُمَّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ شَيْئًا، وَهِيَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ يُفْرَضُ لَهُ السُّدُسُ فَرِيضَةً، فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْجَدَّتَانِ لَيْسَ لِلْمُتَوَفَّى دُونَهُمَا أُمٌّ وَلَا أَبٌ ". قَالَ أَبُو الزِّنَادِ:«فَإِنَّا قَدْ سَمِعْنَا إِنْ كَانَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ هِيَ أَقْعَدُهُمَا كَانَ لَهَا السُّدُسُ، وَزَالَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. وَإِنْ كَانَتَا مِنَ الْمُتَوَفَّى بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ كَانَتِ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ هِيَ أَقْعَدُهُمَا فَإِنَّ السُّدُسَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» .

12563 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ وُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْجَدَّتَيْنِ.

12564 -

وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ زَيْدٍ.

12565 -

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ زَيْدٍ

ص: 123

12566 -

وَرُوِّينَا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ:«كَانَ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ يُوَرِّثَانِ الْقُرْبَى مِنَ الْجَدَّاتِ السُّدُسَ، وَإِنْ كُنَّ سَوَاءً فَهُوَ بَيْنَهُنَّ» .

12567 -

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُطْلَقَةً، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْ زَيْدٍ مُفَسِّرَةً

ص: 124

12568 -

وَبِالْإِسْنَادِ الَّذِي مَضَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ:«فَإِنْ تَرَكَ الْمُتَوَفَّى ثَلَاثَ جَدَّاتٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ دُونَهُنَّ أُمٌّ وَلَا أَبٌ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُنَّ ثَلَاثَتَهُنَّ، وَهُنَّ أُمُّ أُمِّ الْأَبِ، وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ» قَالَ: «وَلَا تَرِثُ الْجَدَّةُ أُمَّ أَبِ الْأُمِّ وَلَا الْجَدَّاتُ الْأُمَّ شَيْئًا» .

12569 -

وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَزَادَ فِيهِ:«وَلَوْ عَاشَ النَّاسُ وَرِثَ مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْجَدَّاتِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ» . أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُرَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، فَذَكَرَهُ

ص: 125

12570 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَلِيًّا «كَانَا يُوَرِّثَانِ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ، اثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَوَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ» .

12571 -

وَرَوَاهُ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.

12572 -

وَأَمَّا مَا نَقَلَ الْمُزَنِيُّ مِنْ أَنِّ لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ مَا بَقِيَ فَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَثَابِتٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ

ص: 125

12573 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ، يَقُولُ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ، وَأُخْتٍ؟ فَقَالَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي، فَسَلْ عَنْهَا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ

⦗ص: 126⦘

بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهِ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» قَالَ: فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَأَخْبَرَنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ آدَمَ.

12574 -

فَفِي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ فِي آيَةِ الْكَلَالَةِ، الْمُرَادُ بِهِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ

ص: 125

12575 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي ابْنَتَيْنِ، وَبَنَاتِ ابْنٍ، وَبَنِي ابْنٍ:«لِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِبَنِي الِابْنِ دُونَ الْبَنَاتِ» ،

12576 -

وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَخَوَاتِ، وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ".

12577 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا، إِنَّمَا يَقُولُ النَّاسُ: لِلْبَنَاتِ، أَوِ الْأَخَوَاتِ الثُّلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ فَلِبَنِي الِابْنِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ، أَوْ لِلْأُخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. أَوْرَدَهُ إِلْزَامًا فِيمَا خَالَفَ الْعِرَاقِيُّونَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ

ص: 126

‌بَابُ الْعَصَبَةِ

ص: 127

12578 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم: " إِذَا تَرَكَ الْمُتَوَفَّى ابْنًا فَالْمَالُ لَهُ، فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، فَإِنْ تَرَكَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا لِلصُّلْبِ، وَتَرَكَ بَنِي ابْنٍ، وَبَنَاتِ ابْنٍ نَسَبَهُمْ إِلَى الْمَيِّتِ وَاحِدٍ، فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ.

12579 -

وَإِذَا تَرَكَ ابْنًا، وَابْنَ ابْنٍ، فَلَيْسَ لِابْنِ الِابْنِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَرَكَ ابْنَ ابْنٍ وَأَسْفَلَ مِنْهُ ابْنُ ابْنٍ، وَبَنَاتُ ابْنٍ أَسَفَلَ، فَلَيْسَ لِلَّذِي أَسْفَلُ مِنَ ابْنِ الِابْنِ مَعَ الْأَعْلَى شَيْءٌ.

12580 -

كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ شَيْءٌ

12581 -

قَالَ: وَإِنْ تَرَكَ أَبَاهُ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَلَهُ الْمَالُ، وَإِنْ تَرَكَ أَبَاهُ، وَتَرَكَ ابْنًا فَلِلْأَبِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلِابْنِ، وَإِنْ تَرَكَ ابْنَ ابْنٍ، وَلَمْ يَتْرُكِ ابْنًا، فَابْنُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ "

ص: 128

12582 -

أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ مَعَانِيَ هَذِهِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولَهَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ فَتَفْسِيرُ أَبِي الزِّنَادِ عَلَى مَعَانِي زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

⦗ص: 129⦘

:

12583 -

قَالَ: «الْأَخُ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنَ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.

12584 -

وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنَ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ.

12585 -

وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ ابْنِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.

12586 -

وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِّ.

12587 -

وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ، وَالْعَمُّ أَخُو الْأَبِ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنَ ابْنِ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ.

12588 -

وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ عَمِّ الْأَبِ أَخِي أَبِي الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِّ.

12589 -

وَكُلُّ شَيْءٍ تَسْأَلُ عَنْهُ مِنَ مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا، فَمَا سُئِلْتَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَانْسِبِ الْمُتَوَفَّى، وَانْسِبْ مَنْ تَنَازَعَ فِي الْوَلَايَةِ مِمَّنْ عَصَبَهُ، فَإِنْ وَجَدْتَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَلْقَى الْمُتَوَفَّى إِلَى أَبٍ لَا يَلْقَاهُ مَنْ سِوَاهُ مِنْهُمْ إِلَّا إِلَى أَبٍ فَوْقَ ذَلِكَ فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لِلَّذِي يَلْقَاهُ إِلَى الْأَبِ الْأَدْنَى دُونَ الْآخَرِينَ، وَإِذَا وَجَدْتَهُمْ كُلَّهُمْ يَلْقَوْنَهُ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ يَجْمَعُهُمْ، فَانْظُرْ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ.

12590 -

وَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ فَقَطْ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ لَهُ دُونَ الْأَطْرَافِ، وَإِنْ كَانَ الْأَطْرَافُ ابْنَ أُمٍّ وَأَبٍ. فَإِنْ وَجَدْتَهُمْ مُسْتَوِيِينَ يَتَنَاسَبُونَ فِي عَدَدِ الْآبَاءِ إِلَى عَدَدٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَلْقَوْا نَسَبَ الْمُتَوَفَّى، وَكَانُوا كُلُّهُمْ بَنِي أَبٍ أَوْ بَنِي أَبٍ وَأُمٍّ، فَاجْعَلِ الْمِيرَاثَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ.

12591 -

وَإِنْ كَانَ وَالِدُ بَعْضِهِمْ أَخَا وَالِدِ ذَلِكَ الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَكَانُ وَالِدُ مَنْ سِوَاهُ إِنَّمَا هُوَ أَخُو وَالِدِ ذَلِكَ الْمُتَوَفَّى لِأَبِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لِبَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ بَنِي الْأَبِ، وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ أَوْلَى مِنَ ابْنِ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ

⦗ص: 130⦘

.

12592 -

وَأَوْلَى مِنَ الْعَمِّ أَخِي الْأَبِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ»

ص: 128

12593 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ، فَذَكَرَ تَرْتِيبَ الْعَصَبَاتِ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا مُخْتَصَرًا، وَفِي آخِرِ ذَلِكَ:«وَكَانَ زَيْدٌ إِذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَرُدَّ عَلَى ذِي سَهْمٍ، وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمَوَالِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوَالِي فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ»

ص: 130

12594 -

وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَصْحَابِهِ: بَنُو عَمٍّ أَحَدُهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ: «لِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ سُدُسُهُ، ثُمَّ هُوَ شَرِيكُهُمْ فِي بَقِيَّةِ الْمَالِ»

ص: 130

12595 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: امْرَأَةٌ تَرَكَتِ ابْنَيْ عَمِّهَا أَحَدُهُمَا زَوْجُهَا، وَالْآخَرُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ:«لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ»

ص: 130

12596 -

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»

⦗ص: 131⦘

. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ وُهَيْبٍ

ص: 130

12597 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أُخْبِرْتُ عَنْهُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ لِيَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7]: «نُسِخَ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْفَرَائِضِ»

ص: 131

‌مِيرَاثُ الْجَدِّ

ص: 132

12598 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ مَعَانِيَ هَذِهِ الْفَرَائِضِ وَأُصُولَهَا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَمَّا التَّفْسِيرُ، فَتَفْسِيرُ أَبِي الزِّنَادِ عَلَى مَعَانِي زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

12599 -

قَالَ: " وَمِيرَاثُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَ أَبٍ دِنْيَا شَيْئًا، وَهُوَ مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ، وَمَعَ ابْنِ الِابْنِ يُفْرَضُ لَهُ السُّدُسُ، وَفِيمَا سِوَى ذَلَكَ مَا لَمْ يَتْرُكِ الْمُتَوَفَّى أَخًا أَوْ أُخْتًا مِنْ أَبِيهِ يَخْلُفُ الْجَدُّ، وَيُبْدَأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَكَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ، فَيُعْطَى فَرِيضَتَهُ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ السُّدُسُ، فَأَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ لِلْجَدِّ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلِ السُّدُسُ فَأَكْثَرَ مِنْهُ فَلِلْجَدِّ السُّدُسُ.

12600 -

وَمِيرَاثُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ مَعَ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَنَّهُمْ يَخْلُفُونَ وَيُبْدَأُ بِأَحَدٍ إِنْ شَرَكَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَرَائِضِ فَيُعْطَى فَرِيضَتَهُ فَمَا بَقِيَ لِلْجَدِّ وَالْأُخْوَةِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْسَبُ أَنَّهُ أَفْضَلُ لِحَظِّ الْجَدِّ الثُّلُثُ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ، وَلِلْأُخْوَةِ أَمْ يَكُونُ أَخًا، وَيُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ فِيمَا حَصَلَ لَهُمْ وَلَهُ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، أَوِ السُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ فَارِعًا، فَأَيُّ ذَلِكَ مَا كَانَ أَفْضَلَ لِحَظِّ الْجَدِّ أُعْطِيَهُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ الْأُخْوَةِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، إِلَّا فَرِيضَةً وَاحِدَةً تَكُونُ قِسْمَتُهُمْ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ،

12601 -

وَهِيَ: امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ، وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا، وَأُمَّهَا وَجَدَّهَا، وَأُخْتَهَا لِأَبِيهَا، فَيُفْرَضُ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، ثُمَّ يُجْمَعُ سُدُسُ الْجَدِّ وَنِصْفُ الْأُخْتِ فَيُقْسَمُ أَثْلَاثًا، لِلْجَدِّ مِنْهُ الثُّلُثَانِ، وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثُ.

12602 -

وَمِيرَاثُ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ مَعَ الْجَدِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِخْوَةٌ لِأُمٍّ وَأَبٍ كَمِيرَاثِ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ سَوَاءٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَإِنَاثِهِمْ،

12603 -

فَإِذَا اجْتَمَعَ الْأُخْوَةُ مِنَ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَالْأُخْوَةُ مِنَ الْأَبِ، فَإِنَّ بَنِي أَلْأُمِّ وَالْأَبِ يُعَادُونَ الْجَدَّ بِبَنِي أَبِيهِمْ، فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ

⦗ص: 135⦘

.

12604 -

فَمَا حَصَلَ لِلْأُخْوَةِ بَعْدَ حَظِّ الْجَدِّ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَنِي الْأُمِّ وَالْأَبِ خَاصَّةً دُونَ بَنِي الْأَبِ، وَلَا يَكُونُ لِبَنِي الْأَبِ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَنُو الْأُمِّ وَالْأَبِ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تُعَادِي الْجَدَّ بِبَنِي أَبِيهَا مَا كَانُوا فَمَا حَصَلَ لَهَا وَلَهُمْ شَيْءٌ كَانَ دُونَهُمْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ نِصْفَ الْمَالِ كُلِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلَهُمْ فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْفَضْلُ يَكُونُ بَيْنَ بَنِي الْأَبِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ "

ص: 134

12605 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: أَخَذَ أَبُو الزِّنَادِ هَذِهِ الرِّسَالَةَ مِنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمِنْ كُبَرَاءِ آلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَذَكَرَ رِسَالَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَفِيهَا:

12606 -

«إِنِّي رَأَيْتُ مِنْ نَحْوِ قَسْمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رضي الله عنه بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ إِذَا كَانَ أَخًا وَاحِدًا ذَكَرًا مَعَ الْجَدِّ، قَسَمَ مَا وَرِثَا بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ.

12607 -

فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ أُخْتٌ قَسَمَ لَهَا الثُّلُثَ، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ مَعَ الْجَدِّ قَسَمَ لَهُمَا الشَّطْرَ، وَالْجَدَّ الشَّطْرَ.

12608 -

فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ أَخَوَانِ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ لِلْجَدِّ الثُّلُثَ.

12609 -

فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ حَسِبْتُ يَنْقُصُ الْجَدَّ مِنَ الثُّلُثِ شَيْئًا ثُمَّ مَا خَلُصَ لِلْإِخْوَةِ مِنْ مِيرَاثِ أَخِيهِمْ بَعْدَ الْجَدِّ، فَإِنَّ بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ دُونَ بَنِي الْعَلَّةِ،

12610 -

فَلِذَلِكَ حَسَبْتُ نَحْوًا مِنَ الَّذِي كَانَ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنه

⦗ص: 136⦘

يَقْسِمُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأَبِ، وَلَمْ يَكُنْ يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْأَبِ مَعَ الْجَدِّ شَيْئًا، ثُمَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، يَعْنِي يَقْسِمُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْوَةِ نَحْوَ هَذَا»

ص: 135

12611 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي الْجَدِّ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ:«يُورَّثُ مَعَ الْإِخْوَةِ»

ص: 136

12612 -

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ:«أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ أَبًا، وَأَسْقَطُوا الْإخْوَةَ مَعَهُ» .

12613 -

ثُمَّ ذَكَرَ تَرْجِيحَ قَوْلِ مَنْ شَرَّكَ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي الْمَبْسُوطِ

ص: 136

12614 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:«أَنَّهُ كَانَ يُشَرِّكُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْوَةِ حَتَّى يَكُونَ سَادِسًا» .

12615 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا، أَمَّا صَاحِبُهُمْ فَيَقُولُ: الْجَدُّ أَبٌ، فَيُطْرَحُ الْإِخْوَةُ.

12616 -

وَأَمَّا هُمْ، وَنَحْنُ فَنَقُولُ بِقَوْلِ زَيْدٍ: يُقَاسِمُ الْأُخْوَةَ، مَا كَانَتِ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ، وَلَا يَنْقُصُ مِنَ الثُّلُثِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ

ص: 136

12617 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَهُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ

⦗ص: 137⦘

الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:«كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُشَرِّكُ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ، فَإِذَا كَثُرُوا أَوْفَاهُ السُّدُسَ» .

12618 -

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا مَا قَالَ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ

ص: 136

12619 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَجْعَلُ الْأَكْدَرِيَّةَ

⦗ص: 138⦘

مِنْ ثَمَانِيَةٍ، لِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ».

12620 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا، وَلَكِنَّهُمْ يُرِيدُ بَعْضَ الْعِرَاقِيِّينَ يَقُولُونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: يَجْعَلُهَا مِنْ تِسْعَةِ أَسْهُمٍ، لِلْأُمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْجَدِّ سَهْمٌ، وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، ثُمَّ يُقَاسِمُ الْجَدُّ الْأُخْتَ، فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ

ص: 137

12621 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسُفْيَانَ، عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ أَظُنُّهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي جَدٍّ وَأُخْتٍ وَأُمٍّ:«لِلْأُخْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْأُمِّ سَهْمٌ، وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ» .

12622 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا، إِنَّمَا يَقُولُونَ بِقَوْلِ زَيْدٍ: يَجْعَلُهَا مِنْ تِسْعَةٍ، لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُخْتِ سَهْمَانِ.

12623 -

وَهَذِهِ الْآثَارُ إِنَّمَا أَوْرَدَهَا الشَّافِعِيُّ إِلْزَامًا لِلْعِرَاقِيِّينَ فِي خِلَافِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ.

12624 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ: وَلَا أَعْلَمُ لِلْجَدِّ فِي السُّنَّةِ فَرْضًا إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلَّ الثَّبْتِ

ص: 138

12625 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا رَوَاهُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ عُمَرَ نَشَدَ لِلنَّاسِ:" مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَضَى فِي الْجَدِّ بِشَيْءٍ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنَا شَهِدْتُهُ: أَعْطَاهُ الثُّلُثَ، قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، قَالَ: لَا دَرَيْتَ ".

12626 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخَطِيبُ الِإِسْفَرَايِينِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَحْرٍ الْبَرْبَهَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.

12627 -

وَكَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ بِأَنَّ رَاوِيهِ عَلِيُّ بْنُ جُدْعَانَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، أَوْ بِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُثْبِتْ سَمَاعَهُ مِنْ عِمْرَانَ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِي إِسْنَادِهِ

ص: 139

12628 -

وَهَذَا أَوْلَى فَقَدْ رَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ شَيْخًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ ابْنِي مَاتَ، فَمَا لِي مِنْ مِيرَاثِهِ؟ فَقَالَ:«لَكَ سُدُسٌ» . فَلَمَّا أَدْبَرَ دَعَاهُ، فَقَالَ:«لَكَ سُدُسٌ آخَرُ» ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ:«لَكَ السُّدُسُ الْآخَرُ طُعْمَةً» . حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فَذَكَرَهُ.

12629 -

إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ......

ص: 139

12630 -

وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: " أَيُّكُمْ يَعْلَمُ مَا وَرَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَدَّ؟

⦗ص: 140⦘

قَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: «أَنَا، أَنَا وَرَّثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السُّدُسَ» قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، قَالَ: لَا دَرَيْتَ، فَمَا تُغْنِي إِذًا ". أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ يُونُسَ، فَذَكَرَهُ.

12631 -

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَبْيَنُ فِي الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَشْهَدْ سُؤَالَ عُمَرَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الشَّافِعِيُّ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ، لِذَلِكَ قَالَ: لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلَّ الثَّبْتِ.

12632 -

وَإِسْنَادُ الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَ الْإِرْسَالِ صَحِيحٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ: أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ ......

ص: 139

12633 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ جُلَسَاءَهُ:" أَيُّكُمْ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَدِّ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، أَعْطَاهُ السُّدُسَ قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، قَالَ: لَا دَرَيْتَ قَالَ: أَيُّكُمْ أَيْضًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ قَالَ: مَهْ؟ قَالَ: أَعْطَاهُ الثُّلُثَ قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، قَالَ: لَا دَرَيْتَ، ثُمَّ سَأَلَ أَيْضًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: مَهْ؟ قَالَ: أَعْطَاهُ النِّصْفَ قَالَ: مَعَ مَنْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ: لَا دَرَيْتَ، ثُمَّ سَأَلَ أَيْضًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَعْطَاهُ الْمَالَ كُلَّهُ، فَلَمَّا تَوَلَّى زَيْدٌ الْفَرَائِضَ، أَعْطَاهُ مَعَ الْوَلَدِ الذُّكُورِ السُّدُسَ، وَمَعَ الْأُخْوَةِ الثُّلُثَ، وَمَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ النِّصْفَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَهُ جَعَلَ لَهُ الْمَالَ "

⦗ص: 141⦘

.

12634 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا قَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عِيسَى الْمَدَنِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الثُّلُثِ، وَالسُّدُسِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَعِيسَى غَيْرُ قَوِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ......

ص: 140

‌الْعَوْلُ

......

ص: 142

12635 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ:«أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَعَالَ الْفَرَائِضَ، وَكَانَ أَكْثَرُ مَا أَعَالَهَا بِهِ الثُّلُثَيْنِ» ......

ص: 142

‌بَابُ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ

......

ص: 143

12636 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»

⦗ص: 144⦘

. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ.

12637 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: وَبِهَذَا نَقُولُ: فَإِنِ ارْتَدَّ أَحَدٌ عَنِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَرِثْهُ مُسْلِمٌ، بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَطَعَ اللَّهُ الْوَلَايَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ ......

ص: 143

12638 -

وَذَكَرَ احْتِجَاجَ مَنْ خَالَفَهُ فِي الْمُرْتَدِّ بِمَا رُوِيَ، «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَتَلَ الْمُسْتَوْرِدَ، وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .

12639 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ.

12640 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَ هَذَا.

12641 -

وَرَوَاهُ سِمَاكٌ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْرَصِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُسْتَوْرِدِ، وَأَمْرِ عَلِيٍّ بِقَتْلِهِ وَإِحْرَاقِهِ بِالنَّارِ قَالَ فِيهَا: وَلَمْ يَعْرِضْ لِمَالِهِ.

12642 -

وَرَوَاهُ أَيْضًا الشَّعْبِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، دُونَ ذِكْرِ الْمَالِ.

12643 -

وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ حَدِيثَ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ

⦗ص: 145⦘

جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِخَصْمِهِ ثَابِتًا، وَاعْتَذَرَ فِي تَرْكِهِ بِظَاهِرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» ،

12644 -

كَمَا تَرَكَ وَتَرَكُوا قَوْلَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، مِنْهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ:«لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» . وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ......

ص: 144

12645 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ " يَسْأَلُهُمَا عَنْ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ، فَقَالَا: لَبَيْتِ الْمَالِ ".

12646 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِيَانِ أَنَّهُ فَيْءٌ.

12647 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَرِوَايَةُ الْحُفَّاظِ مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَمْرٍو الْقَطَّانِ جَمِيعًا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ.

12648 -

فَمَنِ ادَّعَى كَوْنَ قَوْلِهِ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» ، هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا رُوِّينَاهُ مَنْقُولًا عَلَى الْمَعْنَى، فَلِسُوءِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَسَانِيدِ، وَلِمَيْلِهِ إِلَى الْهَوَى، فَرُوَاةُ مَا ذَكَرْنَاهُ حُفَّاظٌ أَثْبَاتٌ.

12649 -

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي رِوَايَاتِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِذَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهَا مَا يُؤَكِّدُهُ، وَانْفَرَدَ مَنْ رَوَاهُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِرِوَايَتِهِ، وَرِوَايَةُ الْحُفَّاظِ بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

12650 -

وَأَمَّا رِوَايَةُ هُشَيْمٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ حَكَمَ الْحُفَّاظُ بِكَوْنِهِ غَلَطًا، وَبِأَنَّ هُشَيْمًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَرِوَايَتُهُ عَنْهُ مُنْقَطِعَةٌ ......

ص: 145

12651 -

أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ

⦗ص: 146⦘

مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الْخُزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ» .

12652 -

قَالَ عَلِيٌّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: لَمْ يَحْفَظْ.

12653 -

قَالَ عَلِيٌّ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا هُشَيْمٌ لَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ مِنَ الزُّهْرِيِّ ......

ص: 145

‌بَابُ الْمُشَرَّكَةِ

......

ص: 147

12654 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قُلْنَا فِي الْمُشَرَّكَةِ، زَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَيَشْرَكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حُكْمَهُ صَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا "

⦗ص: 148⦘

.

12655 -

وَحَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ......

ص: 147

12656 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: سَمِعْتُ سِمَاكَ بْنَ الْفَضْلِ الْخَوْلَانِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ:«شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَشْرَكَ الْأُخْوَةَ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَعَ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ» ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَقَدْ قَضَيْتَ عَامَ أَوَّلَ بِغَيْرِ هَذَا. قَالَ: كَيْفَ قَضَيْتُ. قَالَ: «جَعَلْتَهُ لِلْأُخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ شَيْئًا» قَالَ: «تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا» ......

ص: 148

12657 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَزَيْدٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا:«لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَأَشْرِكُوا بَيْنَ الْأُخْوَةِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْأُخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ» ، وَقَالُوا: مَا زَادَهُمُ الْأَبُ إِلَّا قُرْبًا " ......

ص: 148

12659 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ شَرَّكَ»

⦗ص: 149⦘

.

12660 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَنَحْنُ نَقُولُ يُشَرِّكُ، وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ، وَيَقُولُونَ: لَا يُشَرِّكْ

12661 -

قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ ......

ص: 148

12662 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ:«أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ» .

12663 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ،

12664 -

وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ،

12665 -

وَالصَّحِيحُ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَوَهْبٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ شَرَّكَ بَيْنَهُمْ،

12666 -

وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ لَمْ يُشَرِّكْ

12667 -

وَالصَّحِيحُ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى التَّشْرِيكِ

12668 -

وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ.

12669 -

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ شَرَّكَ ......

ص: 149

‌بَابُ مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ

......

ص: 150

12670 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقُلْنَا: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ، وَوَلَدُ الزِّنَا، وَرِثَتْ أُمُّهُ حَقَّهَا فِي كِتَابِ

⦗ص: 151⦘

اللَّهِ عز وجل، وَإِخْوَتُهُ لِأُمِّهِ حُقُوقَهُمْ، وَنَظَرْنَا مَا بَقِيَ، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَوْلَاةً عَتَاقَهُ كَانَ مَا بَقِيَ مِيرِاثًا لِمَوَالِي أُمِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا، كَانَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ».

12671 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، قَالَ: وَكَانَتْ حَامِلًا، فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا، فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمِيرَاثِ، أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عز وجل لَهَا ......

ص: 150

12672 -

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ......

ص: 151

12673 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، أَنَّ زَيْدًا قَالَ:«لِأُمِّهِ الثُّلُثُ، وَلِأَخِيهِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فَلِبَيْتِ الْمَالِ»

12674 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ ح.

12675 -

وَأَخْبَرَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فَذَكَرَاهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

⦗ص: 152⦘

.

12676 -

وَرُوِّينَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

12677 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِنَا فِيهَا إِلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذَا كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا وَلَاءَ لَهَا رَدُّوا مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِهِ عَلَى عَصَبَةِ أُمِّهِ، وَقَالُوا: عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتُهُ، وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِرِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ، وَأُخْرَى لَيْسَتْ يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ ......

ص: 151

12678 -

قَالَ أَحْمَدُ: الرِّوَايَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ، أَظُنُّهُ أَرَادَ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ رُؤْبَةَ التَّغْلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّصْرِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَرْأَةُ تُحْرِزُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ، عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» .

12679 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطُّوسِيُّ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ التَّغْلِبِيُّ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ

⦗ص: 153⦘

.

12680 -

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ النَّصْرِيِّ، فِيهِ نَظَرٌ.

12681 -

قَالَ أَحْمَدُ: فَلَمْ يُثْبِتِ الْبُخَارِيُّ، وَلَا مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ لِجَهَالَةِ بَعْضِ رُوَاتِهِ ......

ص: 152

12682 -

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي لَيْسَتْ مِمَّا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ، فَأَظُنُّهُ أَرَادَ حَدِيثَ مَكْحُولٍ، قَالَ:«جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا» .

12683 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

12684 -

وَقَدْ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ وَلَيْسَ بالْمَشْهُورِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ......

ص: 153

12685 -

وَفِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَخٍ لِي مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: لِمَنْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ؟ فَقَالَ: " قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ قَالَ: «هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ، وَمَنْزِلَةِ أُمِّهِ» ......

ص: 153

12686 -

وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ عَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ»

⦗ص: 154⦘

.

12687 -

وَهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَفْظُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ أَسَانِيدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ......

ص: 153

‌بَابُ مِيرَاثِ الْمَجُوسِ

......

ص: 155

12688 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقُلْنَا:«إِذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ، وَابْنَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أُمِّهِ، نَظَرْنَا إِلَى أَعْظَمِ النَّسَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ، وَأَلْقَيْنَا الْآخَرَ، وَأَعْظَمُهَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ، وَإِذَا كَانَتْ أُمٌّ أُخْتًا وَرَّثْنَاهَا بِأَنَّهَا أُمٌّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالْأُخْتُ قَدْ تَزُولُ، وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَنَازِلِ» .

12689 -

قَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ يَرِثُ بِأَدْنَى الْأَمْرَيْنِ، وَلَا يَرِثُ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ.

12690 -

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.

12691 -

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ

12692 -

وَالرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ ضَعِيفَةٌ ......

ص: 155

‌مِيرَاثُ الْخُنْثَى

......

ص: 156

12693 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْخُنْثَى: «يَرِثُ وَيُوَرِّثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» .

12694 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ ......

ص: 157

12695 -

وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ ضَعِيفٌ، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ سُفْيَانَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ قُبُلٌ وَدُبُرٌ قَالَ:«يُوَرَّثُ مِنْ حَيْثِ يَبُولُ» .

12696 -

الْكَلْبِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَلَا بِأَبِي صَالِحٍ هَذَا ......

ص: 157

12697 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ زِيَادًا أَوِ ابْنَ زِيَادٍ سَأَلَهُ عَنِ الْخُنْثَى، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ:«يُوَرَّثُ مِنْ أَيِّهِمَا بَالَ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ:«نَعَمْ، وَإِذَا بَالَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَرِثَ مِنْ أَيِّهِمَا سَبَقَ» ......

ص: 157

‌بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ

......

ص: 158

12698 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مَا جَاءَ عَنِ السَّلَفِ انْتَهَيْنَا بِهِ إِلَى فَرِيضَتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلَيْنَا شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا نُنْقِصَهُ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ، وَالْآخَرُ: أَنْ لَا نَزِيدَهُ عَلَيْهِ، وَالِانْتِهَاءُ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ هَكَذَا ".

12699 -

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَرُدُّ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ مَنْ يَسْتَغْرِقُهُ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلَا نَرُدَّهُ عَلَى زَوْجٍ، وَلَا زَوْجَةٍ.

12700 -

وَقَالُوا: رُوِّينَا قَوْلَنَا هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

12701 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْنَا لَهُمْ، أَنْتُمْ تَتْرُكُونَ مَا تَرْوُونَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي أَكْثَرِ الْفَرَائِضِ، لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَكَيْفَ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِيمَا تَتْرُكُونَ؟ قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنَا قَوْلَ اللَّهِ تبارك وتعالى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقُلْنَا: مَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ كُنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمُوهَا. قَالُوا: فَمَا مَعْنَاهَا؟. قُلْنَا: تَوَارَثَ النَّاسُ بِالْحَلِفِ وَالنُّصْرَةِ، ثُمَّ تَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ

⦗ص: 161⦘

12702 -

قَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ.

12703 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَنَزَلَ قَوْلُهُ: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ، وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا مُطْلَقًا هَكَذَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ يَرِثُ أَكْثَرَ مِمَّا يَرِثُ ذَوو الْأَرْحَامِ، وَلَا رَحِمَ لَهُ؟ أَوَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ الْبَعِيدَ يَرِثُ الْمَالَ كُلَّهُ، وَلَا يَرِثُ الْخَالُ، وَالْخَالُ أَقْرَبُ رَحِمًا مِنْهُ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ أَنَّهَا عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

12704 -

قَالَ: وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَوَارَثُونَ بِالرَّحِمِ، وَتَقُولُونَ خِلَافَهُ، تَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَخْوَالَهُ، وَمَوَالِيَهُ، فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ دُونَ أَخْوَالِهِ، فَقَدْ مَنَعْتَ ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ قَدْ تُعْطِيهِمْ فِي حَالٍ، وَأُعْطِيتَ الْمَوْلَى الَّذِي لَا رَحِمَ لَهُ الْمَالَ

12705 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى قَوْلِهِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدَّمَ تَوْرِيثَهُمْ عَلَى الْمَوْلَى، وَهُمْ يُقَدِّمُونَ الْمَوْلَى ......

ص: 160

12706 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:«كَانَ عُمَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُوَرِّثَانِ الْأَرْحَامَ دُونَ الْمَوَالِي»

12707 -

قَالَ: «وَكَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ» .

12708 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسُوا يَقُولُونَ بِهَذَا، يَقُولُونَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُ فَرَائِضَ مُسَمَّاةٍ، وَلَا عَصَبَةً وَرَّثْنَا الْمَوَالِيَ

⦗ص: 162⦘

12709 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَكَذَا رَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ......

ص: 161

12710 -

وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَيَّانَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، فَأُتِيَ فِي ابْنَةٍ وَامْرَأَةٍ وَمَوْلًى، فَقَالَ:«كَانَ عَلِيٌّ يُعْطِي الِابْنَةَ النِّصْفَ، وَالْمَرْأَةَ الثُّمُنَ، وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ عَلَى الِابْنَةِ» .

12711 -

فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مَوْصُولَةٌ عَنْ عَلِيٍّ، بِخِلَافِ مَا قَالُوا،

12712 -

وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، بِخِلَافِ مَا قَالُوا ......

ص: 162

12713 -

وَإِنَّمَا رُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِهِمْ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ قَطَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ:«رَأَيْتُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَرَّثَهَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَى الِابْنَةَ نِصْفًا، وَالْمَوَالِيَ النِّصْفَ» .

12714 -

وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَمُنْقَطِعَةٌ، وَالرِّوَايَةُ الْمَوْصُولَةُ عَنْ عَلِيٍّ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي زَعْمِهِمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدْ خَالَفُوا زَيْدًا، وَخَالَفُوا الْبَدْرِيِّينَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ، وَتَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَعَ الْمَوَالِي ......

ص: 162

12715 -

وَالَّذِي رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ شَدَّادٍ فِي عَتِيقِ ابْنَةِ حَمْزَةَ حِينَ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَةَ حَمْزَةَ، «فَأَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ النِّصْفَ، وَابْنَةَ حَمْزَةَ النِّصْفَ» . حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ

⦗ص: 163⦘

.

12716 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ رُوِيَ فِي ثَابِتِ بْنِ الدَّحْدَاحَةِ ......

ص: 162

12717 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَأَلَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الدَّحْدَاحِ وَتُوُفِّيَ:«هَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ نَسَبًا فِيكُمْ؟» . فَقَالَ: «لَا، إِنَّمَا هُوَ أَتَى فِينَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِيرَاثِهِ لِابْنِ أُخْتِهِ» .

12718 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ، رَفَعَهُ.

12719 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ.

12720 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثَابِتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ

12721 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَتْلُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

12722 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا نَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ فِيمَا يُثْبِتُ أَصْحَابُنَا فِي بَنَاتِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ

12723 -

وَقَدْ قِيلَ: نَزَلَتْ بَعْدَ أُحُدٍ فِي بَنَاتِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ.

12724 -

وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ أَمْرِ ثَابِتِ بْنِ الدَّحْدَاحَةِ ......

ص: 163

12725 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةً، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ، يَعْنِي الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ ".

12726 -

وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا بَعْدَ أَنْ قُتِلَ أَبُوهُ شَهِيدًا يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ هُنَّ أَخَوَاتُ جَابِرٍ ......

ص: 164

12727 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ جَابِرٍ «فِي امْرَأَةِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، حِينَ جَاءَتْ بِابْنَتِهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَشَكَتْ إِلَيْهِ أَخْذَ عَمِّهَا مَالَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْمَوَارِيثِ» .

12728 -

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ......

ص: 164

12729 -

وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ الْكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» .

12730 -

فَقَدْ كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ، وَيَقُولُ: لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ قَوِيُّ ..

ص: 164

12731 -

وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي غُلَامٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ أَصْلٌ، أَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ:«اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» .

12732 -

وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ وَمُنْقَطِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا

⦗ص: 165⦘

.

12733 -

وَعَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ.

12734 -

وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَالَ الَّذِي لَا يَكُونُ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى لَا يَعْقِلُ بِالْخُؤُولَةِ، فَخَالَفُوا الْحَدِيثَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي الْعَقْلِ.

12735 -

فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ كَانَ يَعْقِلُ بِالْخُؤُولَةِ، ثُمَّ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

12736 -

أَوْ أَرَادَ خَالًا يَعْقِلُ بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوِ اخْتَارَ وَضْعَ مَالِهِ فِيهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ ......

ص: 164

12737 -

كَمَا رُوِيَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ مِنْ نَخْلَةٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ شَيْئًا وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا، وَلَا حَمِيمًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ» ......

ص: 165

12738 -

وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ فِي رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ تُوُفِّيَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ وَارِثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ادْفَعُوهُ إِلَى أَكْبَرِ خُزَاعَةَ» ......

ص: 165

12739 -

وَعَنْ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا عَبْدًا لَهُ هُوَ أَعْتَقَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِيرَاثَهُ» .

12740 -

فَكَأَنَّهُ لَمَّا صَارَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنْ يَضَعَهُ فِي رَحِمِهِ، كَمَا رَأَى فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَضْعَهُ فِيمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

12741 -

وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي تَوْرِيثِ الْعَمَّةِ الثُّلُثَ، وَالْخَالَةِ الثُّلُثَ، فَإِنَّمَا رُوِيَ بِأَسَانِيدَ مُنْقَطِعَةٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِرَاوِيَةٍ مَوْصُولَةٍ، وَأُخْرَى مُرْسَلَةٍ ......

ص: 166

12742 -

أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْمِهْرَجَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ كَانَ قَدِيمًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ مَرْسَا قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ، قَالَ:«يَا يَرْفَأُ، هَلُمَّ الْكِتَابَ» ، لِكِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ فِي شَأْنِ الْعَمَّةِ يَسْأَلُ عَنْهَا وَيَسْتَخِيرُ فِيهَا، فَأَتَاهُ بِهِ يَرْفَأُ فَدَعَى بِتَوْرٍ أَوْ قَدَحٍ فِيهِ الْمَاءُ، فَمَحَى ذَلِكَ الْكِتَابَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:«لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ لَأَقَرَّكِ، لَوْ رَضِيَكِ اللَّهُ لَأَقَرَّكِ» ......

ص: 166

12743 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهَ، كَثِيرًا يَقُولُ: " كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «عَجَبًا لِلْعَمَّةِ، تُورَثُ وَلَا تَرِثُ»

12744 -

هَكَذَا أَوْرَدَهُمَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَرَوَاهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا ......

ص: 166

12745 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ إِلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا» .

12746 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، فَذَكَرَهُ بِمِثْلِهِ.

12747 -

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ......

ص: 167

12748 -

وَهَذَا نَظِيرُ مَا رُوِيَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:«إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ......

ص: 167

‌20 - كِتَابُ الْوَصَايَا

ص: 169

‌مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا

......

ص: 171

12751 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْفُتْيَا، وَمَنْ حَفِظْنَا عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامَ الْفَتْحِ:«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» . وَلَا يَرْوونَهُ إِلَّا عَمَّنْ حَفِظُوهُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقَوْا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي، فَكَانَ هَذَا نَقْلَ عَامَّةٍ عَنْ عَامَّةٍ، وَكَانَ أَقْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَيْنِ نَقْلُ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ عَلَيْهِ مُجْتَمِعِينَ ".

12752 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَرَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ، حَدِيثًا لَيْسَ مِمَّا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ بَعْضَ رِجَالِهِ مَجْهُولُونَ ......

ص: 172

12753 -

وَإِنَّمَا أَرَادَ حَدِيثَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ: حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ، يَقُولُ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:«قَدْ أُعْطِيَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَذَكَرَهُ.

12754 -

وَحَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّامِيِّينَ، لَا بَأْسَ بِهِ.

12755 -

وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: فَذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى ......

ص: 173

12756 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .

12757 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَاسْتَدْلَلْنَا بِمَا وَصَفْتُ مِنْ عَامَّةِ نَقْلِ أَهْلِ الْمَغَازِي، عَلَى أَنَّ الْمَوَارِيثَ نَاسِخَةٌ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ، وَالزَّوْجَةِ، مَعَ الْخَبَرِ الْمُنْقَطِعِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِجْمَاعِ الْعَامَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ......

ص: 173

12758 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا:«نَسَخَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» .

12759 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا أَنَّ طَاوُسًا، وَقَلِيلًا مَعَهُ قَالُوا: نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، وَمَنْ يَرِثُ، وَثَبَتَتْ لِلْقَرَابَةِ غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ، فَمَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ ......

ص: 174

12760 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، انْقَطَعَ الْحَدِيثُ مِنَ الْأَصْلِ.

12761 -

وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا حَكَاهُ فِي الرِّسَالَةِ مِنْ مَذْهَبِ طَاوُسٍ فِي الْوَصِيَّةِ.

12762 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:«إِنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ قَبْلَ الْمِيرَاثِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْمِيرَاثُ نَسَخَ مَنْ يَرِثُ، وَبَقِيَتِ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ لَا يَرِثُ فَهِيَ ثَابِتَةٌ، فَمَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ» .

12763 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَلَمَّا احْتَمَلَتِ الْآيَةُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ طَاوُسٌ، وَجَبَ عِنْدَنَا عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ طَلَبُ الدَّلَالَةِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ طَاوُسٌ، أَوْ مُوَافَقَتِهِ ......

ص: 174

12764 -

«فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ فِي سِتَّةِ مَمْلُوكِينَ كَانُوا لِرَجُلٍ، لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَأَعْتَقَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَجَزَّأَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

12765 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَتْ دَلَالَةُ السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بَيِّنَةً بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْزَلَ عِتْقَهُمْ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةً، وَالَّذِي أَعْتَقَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبِيُّ إِنَّمَا يَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْعَجَمِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُمُ الْوَصِيَّةَ.

12766 -

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَوْ كَانَتْ تَبْطُلُ لِغَيْرِ قَرَابَةٍ، بَطَلَتْ لِلْعَبِيدِ الْمُعْتَقِينَ ......

ص: 175

‌تَبْدِيَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ

......

ص: 176

12767 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ قِسْمِ الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]،

12768 -

وَ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]

12769 -

فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَعْقُولُ فِيهِمَا، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ، إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ ".

12770 -

قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافٌ عَلِمْتُهُ فِي أَنَّ ذَا الدَّيْنِ أَحَقُّ بِمَالِ الرَّجُلِ فِي حَيَاتِهِ بِمَا لَهُ مِنْهُ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، وَكَانَ أَهْلُ الْمِيرَاثِ، إِنَّمَا يَمْلِكُونَ عَنِ الْمَيِّتِ مَا كَانَ الْمَيِّتُ أَمْلَكَ بِهِ، كَانَ بَيِّنًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي حُكْمِ اللَّهِ.

12771 -

ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ: أَنَّ الدَّيْنَ مُبَدًّى عَلَى الْوَصَايَا، وَالْمِيرَاثِ.

12772 -

قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ فِي، تَبْدِيَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ ......

ص: 176

12773 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» .

12774 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ تَثْبِيتِهِ لِتَفَرُّدِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَدْ طَعَنُوا فِي رِوَايَاتِهِ ......

ص: 176

12775 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَأْمُرُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ؟ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فَقَالَ:«كَيْفَ تَقْرَءُونَ، الدَّيْنُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، أَوِ الْوَصِيَّةُ قَبْلَ الدَّيْنِ؟» . قَالُوا: الْوَصِيَّةُ قَبْلَ الدَّيْنِ. قَالَ: «فَبِأَيِّهِمَا تَبْدَءُونَ؟» قَالُوا: بِالدَّيْنِ قَالَ: «فَهُوَ ذَلِكَ» .

12776 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي أَنَّ التَّقْدِيمَ جَائِزٌ

⦗ص: 178⦘

[باب] الوصية بالثلث وأقل من الثلث

12777 -

أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: جاءني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله قد بلغني من الوجع ما ترى وأنا ذو مال لا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا» فقلت فالشطر؟ قال: «لا» [ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]]: «الثلث والثلث كبير أو كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعله في فيّ امرأتك» .

[قال]: فقلت: يا رسول الله أأخلف بعد أصحابي؟

قال: «إنك لن تخلف فتعمل عملاً صالحاً إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك إن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» .

لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول [صلى الله عليه وسلم] بمكة.

أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك

⦗ص: 179⦘

.

12778 -

وبهذا الإسناد حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان بن عيينة قال حدثني الزهري فذكره بإسناده نحوه إلا أنه قال: مرضت عام الفتح مرضاً أشرفت منه على الموت فأتاني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعودني وقال: «عملاً صالحاً تريد به وجه الله» .

12779 -

أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.

وسفيان خالف الجماعة في قوله عام الفتح.

12780 -

الصحيح رواية مالك وإبراهيم بن سعد ومعمر ويونس عن الزهري في حجة الوداع.

12781 -

أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: قول النبي [صلى الله عليه وسلم] لسعد أغنى عما قال من بعده في الوصايا وذلك أن بيناً في كلامه أنه إنما قصد اختيار أن يترك الوصي ورثته أغنياء فإن تركهم أغنياء أجزت له أن يستوعب الثلث.

12782 -

قال: / وقول النبي [صلى الله عليه وسلم]«الثلث والثلث كبير أو كثير» .

يحتمل الثلث غير قليل وهو أولى معانيه به لأنه لو كرهه لسعد لقال له غض منه.

12783 -

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال الحسين بن محمد فيما أخبرت عنه أخبرنا محمد بن سفيان حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي في قوله عز وجل: {وإذا حضر القسمة} إلى قوله: {وليخش الذين تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}

⦗ص: 180⦘

12784 -

قَالَ: قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ مَنْ حَضَرَ، فَلْيَحْضُرْ بِخَيْرٍ، وَلْيَخَفْ أَنْ يُحْضَرَ حِينَ يَخْلُفُ هُوَ أَيْضًا بِمَا حَضَرَ غَيْرَهُ ......

ص: 177

12788 -

فَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ» .

12789 -

وَكَذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ

ص: 180

12790 -

وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ:«هُمَا وَلِيَّانِ، وَلِيُّ يَرِثُ وَوَلِيُّ لَا يَرِثُ، فَأَمَّا الَّذِي يَرِثُ فَيُعْطَى، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَرِثُ فَلْيَقُلْ مَعْرُوفًا» .

12791 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، فَذَكَرَهُ

⦗ص: 181⦘

، وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ

ص: 180

12792 -

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، عَارِمَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ، وَلَا وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَا، وَهُمَا وَالِيَانِ، وَالٍ يَرِثُ، وَذَاكَ الَّذِي يُرْزَقُ، وَوَالٍ لَا يَرِثُ، فَذَاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ ". أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، فَذَكَرَهُ

ص: 181

12793 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ:«أَنَّهُ قَسَمَ مِيرَاثَ أَبِيهِ، وَعَائِشَةُ حَيَّةٌ، فَلَمْ يَدَعْ فِي الدَّارِ مِسْكِينًا، وَلَا ذَا قَرَابَةٍ إِلَّا أَعْطَاهُمْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ» .

12794 -

قَالَ الْقَاسِمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:«مَا أَصَابَ، لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ يُرِيدُ الْمَيِّتَ أَنْ يُوصِيَ» .

12795 -

وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ:«عَمِلَ بِالْكِتَابِ، هِيَ لَمْ تُنْسَخْ»

ص: 181

12796 -

وَرَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] قَالَ: قِسْمَةُ الثُّلُثِ "

⦗ص: 182⦘

12797 -

وفي رواية أخرى قال: ذاك من الثلث عند الوصية.

12798 -

وفي رواية أخرى قال: إذا مات الميت فقد وجب الميراث لأهله.

12799 -

وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال نسختها الفرائض.

12800 -

وفي رواية أخرى: هي منسوخة.

12801 -

وقاله أيضاً عكرمة.

12802 -

وقال أبو صالح: كانوا يرضخون (

) حتى نزلت الفرائض.

12803 -

وقال الضحاك: هي منسوخة.

12804 -

ويذكر عن عطاء أنه قال: هي منسوخة نسختها آية الميراث.

12805 -

وكذا قال أبو مالك.

12806 -

وفي حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في هذه الآية: كان يرخص للأولياء أن يرضخوا لهؤلاء إذا حضروا قسمة المواريث بالشيء ثم نسخ هذا بالوصية والمواريث وترك الرضخ لهم عند القسمة.

12807 -

وقال في قوله: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية

⦗ص: 183⦘

ضعافا خافوا عليهم} كان الناس قبل هذه الآية إذا حضروا ميتاً قالوا له أوص لفلان بكذا ولفلان بكذا حتى يذهب عامة ماله وتبقى عياله بغير شيء فكره الله لهم ذلك فانتهى الناس بعد نزول هذه الآية وصارت الوصية إلى الثلث لا يزاد عليه.

ص: 181

‌الْوَصِيَّةُ وَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ

ص: 184

12808 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ رحمه الله، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ»

⦗ص: 185⦘

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

ص: 184

12809 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ يُوصِي بِالْوَصِيَّةِ، وَلَهُ مَالٌ يُوصِي فِيهِ يَأْتِي عَلَيْهِ لَيْلَتَانِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ.

12810 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: يُحِبُّ هَذَا الْقَوْلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى جَعَلَ أَمْرَهُ صلى الله عليه وسلم الرَّشِيدَ الْمُبَارَكَ الْمَحْمُودَ الْمَدْنَى وَالْعَاقِبَةَ.

12811 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَصِيَّةِ: أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَا حَقُّ امْرِئٍ. . . .» يَحْتَمِلُ مَا لِامْرِئٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ.

12812 -

وَيَحْتَمِلُ: مَا الْمَعْرُوفُ فِي الْأَخْلَاقِ إِلَّا هَذَا، لَا مِنْ وَجْهِ الْفَرْضِ

⦗ص: 186⦘

[باب] الوصية فيما زاد على الثلث

12813 -

أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: وسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] تدل على أن لا يجوز لأحد وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلا الثلث إلا أن يتطوع الورثة فيجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم.

12814 -

قال أحمد قد مضى في هذا المعنى حديث عمران بن حصين في عتق المماليك.

وروينا عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:

«إن الله أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم»

⦗ص: 187⦘

.

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس - هو الأصم - حدثنا العباس بن محمد أخبرنا محمد بن عبيد حدثنا طلحة. فذكره.

12815 -

وطلحة بن عمرو غير قوي.

إلا أنه قد روي بإسناد شامي عن معاذ بن جبل كذلك مرفوعاً.

12816 -

قال أحمد: وهكذا إذا أوصى لمن لا يجوز له الوصية من الورثة لم يجز إلا بإجازة سائر الورثة.

12817 -

وقد روينا عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس وقيل: عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: «لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة» .

12818 -

وروي ذلك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً

12819 -

وليسا بالقويين.

ص: 185

‌الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ، وَمَنْ أَحَبَّ الْإِكْثَارَ مَعَ الِاسْتِرْخَاصِ وَمَنْ أَحَبَّ الِاسْتِطْرَادَ

ص: 188

12820 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِكْثَارُهَا، وَاسْتِرْخَاصُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ»

ص: 188

12821 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ قَطَنٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ

ص: 188

12822 -

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الرِّقَابِ، أَيُّهَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ:«أَكْبَرُهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»

12823 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو أَحْمَدَ الْمِهْرَجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ: «أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفُسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» .

12824 -

وَهَذَا مُرْسَلٌ.

12825 -

وَقَدْ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْصُولًا.

12826 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مُخَرَّجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

12827 -

قَالَ فِي الْقَدِيمِ: وَبِهَذَا نَقُولُ: لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبِأَنَّهُ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَالِهِ، فَكُلُّ مَا كَثُرَ ثَمَنُهُ، فَهُوَ أَكْثَرُ لِتَقَرُّبِهِ. وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.

12828 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: وَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُعْطِيَهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ.

12829 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا الْقَوْلُ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَحَدِيثُ أُمِّ مَعْقِلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَمَلِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ

⦗ص: 190⦘

في سبيل الله وهلك فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]: «فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله» .

12830 -

تفرد بوصل حديثها محمد بن إسحاق بن يسار عن عيسى بن معقل بن أبي معقل عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أم معقل.

12831 -

وروي ذلك في حديث بكر بن عبد الله عن ابن عباس في امرأة قالت لزوجها أحجني على جملك فلان فقال: ذلك حبيس في سبيل الله وإنه أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكر ذلك له فقال: «أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله» .

12832 -

غير أن هذا يخالف الأول في بعض القصة.

12833 -

وقد أعرض عنها البخاري ومسلم فلم يخرجاهما في الصحيح والله أعلم.

12834 -

وروي عن ابن عمر أنه كان يذهب إلى مثل هذا.

12835 -

أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله: وإذا قال الرجل ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث أراه الله فليس له أن يأخذ لنفسه منه شيئاً.

12836 -

ثم ساق الكلام إلى أن قال: واختار للموصي إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يغني كل واحد منهم دون غيرهم.

12837 -

ثم ساق الكلام إلى أن قال: وأحب له

⦗ص: 191⦘

إن كان له رضعاً أن يعطيهم دون جيرانه لأن حرمة الرضاع تقابل حرمة النسب.

ثم أحب له أن يعطي جيرانه الأقرب منهم فالأقرب وأقصى الجوار منتهى أربعين داراً من كل ناحية.

ثم أحب له أن يعطيه أفقر من يجد وأشده تعففاً واستتارا.

12838 -

قال أحمد: قد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك في قصة أبي طلحة وقوله للنبي [صلى الله عليه وسلم]: إن أحب أموالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.

فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: «إني أرى أن تجعلها في الأقربين» .

12839 -

وفي رواية أخرى: «اجعلها في فقراء قرابتك» .

12840 -

وروينا عن عائشة قالت يا رسول الله إن لي جارتين فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك باباً» .

12841 -

وروى أبو داود في المراسيل عن إبراهيم بن مروان الدمشقي عن أبيه عن هقل بن زياد عن الأوزاعي عن يونس عن ابن شهاب قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: «أربعين داراً جاراً» .

قال فقلت لابن شهاب وكيف أربعين داراً؟

قال: أربعين عن يمينه وعن يساره وخلفه وبين يديه.

أخبرناه أبو بكر محمد بن محمد الطوسي أخبرنا أبو الحسين النسوي حدثنا أبو علي اللؤلؤي حدثنا أبو داود فذكره

⦗ص: 192⦘

.

12842 -

وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ فِي ذَلِكَ بِإِسْنَادَيْنِ غَيْرِ قَوِيَّيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْصُولًا

ص: 189

‌نِكَاحُ الْمَرِيضِ

ص: 193

12844 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ يَقُولُ:«أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ فِي شَكْوَاهُ أَنْ يُخْرِجَ امْرَأَتَهُ مِنْ مِيرَاثِهَا، فَأَبَتْ، فَنَكَحَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ نِسْوَةٍ، وَأَصْدَقَهُنَّ أَلْفَ دِينَارٍ، كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ، فَأَجَازَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَشَرَّكَ بَيْنَهُنَّ فِي الثُّمُنِ» .

12845 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرَى ذَلِكَ صَدَاقَ مِثْلِهِنَّ

ص: 193

12846 -

زَادَ أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنِي، أَنَّ

⦗ص: 194⦘

مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «زَوِّجُونِي، لَا أَلْقَى اللَّهَ وَأَنَا أَعْزَبُ»

ص: 193

12847 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، أَنَّ شُرَيْحًا «قَضَى فِي نِكَاحِ رَجُلٍ نَكَحَ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَجَعَلَ الْمِيرَاثَ وَالصَّدَاقَ فِي مَالِهِ»

ص: 194

12848 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ أَبِي رَبِيعَةَ «نَكَحَ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَجَازَ ذَلِكَ» .

12849 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَسَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ

12850 -

هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي الْإِمْلَاءِ، وَحَدِيثُهُ عَنْ سَعِيدٍ، وَحْدَهُ، أَتَمُّ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.

12851 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِيَ فِي إِبَاحَةِ نِكَاحِ الْمَرِيضِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ

ص: 194

12852 -

وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ مُعَاذٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «زَوِّجُونِي؛ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ أَعْزَبَ»

ص: 194

‌الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ

ص: 195

12853 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِالْعِتْقِ وَوَصَايَا غَيْرِهِ، فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْتِينَ: يُبْدَأُ بِالْعِتْقِ، ثُمَّ يُجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ فِي الْوَصَايَا، وَلَسْتُ أَعْرِفُ فِي هَذَا أَمْرًا يَلْزَمُ مِنْ أَثَرٍ ثَابِتٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ "

ص: 195

12854 -

قَالَ أَحْمَدُ: رُوِّينَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ:«مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ يُبْدَأَ بِالْعِتَاقَةِ فِي الْوَصِيَّةِ»

ص: 195

12855 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ثُمَّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ:«أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْعِتَاقَةِ قَبْلَ الْوَصَايَا»

ص: 195

12856 -

وَرُوِّينَا، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ:«تَحَاصُّوا» .

12857 -

وَهَذَا عَنْ عُمَرَ، مُنْقَطِعٌ.

12858 -

وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ

ص: 195

‌صَدَقَةُ الْحَيِّ عَنِ الْمَيِّتِ

ص: 196

12859 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: " وَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَعَمَلِهِ ثَلَاثٌ: حَجٌّ يُؤَدَّى عَنْهُ، وَمَالٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ عَنْهُ، أَوْ يُقْضَى، أَوْ دُعَاءٌ ".

12860 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ جَوَازُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَنِ الْمَيِّتِ

ص: 196

12861 -

وَأَمَّا الصَّدَقَةُ: فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ» ، فَتَصَدَّقَ عَنْهَا. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

⦗ص: 197⦘

. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ هِشَامٍ

ص: 196

12862 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ:" خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، وَحَضَرَتْ أُمُّهُ الْوَفَاةَ بِالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهَا: أَوْصِ قَالَتْ: فَبِمَ أُوصِي؟ إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ، فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدٌ ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»، فَقَالَ سَعْدٌ: حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا، لِحَائِطٍ سَمَّاهُ ". أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا شَافِعٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، فَذَكَرَهُ.

12863 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ، فَإِنَّ اللَّهَ نَدَبَ الْعِبَادَ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ.

12864 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ أَخْبَارٌ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ

ص: 197

12865 -

وَثَبَتَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ". أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ

⦗ص: 198⦘

، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، فَذَكَرَهُ. وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ

ص: 197

12866 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ أُمَّهُ أَرَادَتْ أَنْ تُوصِيَ، ثُمَّ أَخَّرَتْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُصْبِحَ فَهَلَكَتْ، وَقَدْ كَانَتْ هَمَّتْ بِأَنْ تُعْتِقَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَيَنْفَعُهَا أَنْ أَعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أُمِّي هَلَكَتْ فَهَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَعْتِقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»

12867 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ:«نَعَمْ، أَعْتِقْ عَنْهَا» .

12868 -

وَهَذَا مُرْسَلٌ

12869 -

وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا

ص: 198

12870 -

وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، فِي وَصِيَّةِ

⦗ص: 199⦘

الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا، فَأَعْتَقْتُمْ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ» .

12871 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَقَدْ أَعْتَقَتْ عَائِشَةُ عَنْ أَخِيهَا، وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ

12872 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرْجُو أَنْ يُوصِلَ اللَّهُ إِلَى الْمَيِّتِ خَيْرَ الْعِتْقِ، وَالْأَجْرَ فِيهِ، وَلَا يَنْقُصَ حَظَّ الْحَيِّ، وَالْعِتْقُ لَيْسَ كَغَيْرِهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَالْحَيُّ هُوَ الْمُعْتِقُ، فَلَا أَمْرَ مِنَ الْمَيِّتِ

ص: 198

‌الْوَصِيَّةُ لِلْقَرَابَةُ

ص: 200

12873 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَوْصَى فَقَالَ: ثُلُثُ مَالِي لِقَرَابَتِي، فَالْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ، وَكَانَ أَقْرَبُ قَرَابَتِهِ، وَأَبْعَدُهُمْ فِيهَا سَوَاءً، وَإِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ صُيِّرَ إِلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ، ذَوِي قَرَابَتِي، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ،

12874 -

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي دُخُولِ بَنِي الْأَعْمَامِ فِي الْأَقْرَبِينَ بِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ حَيْثُ جَعَلَ أَرْضَهُ لِلَّهِ عز وجل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ» ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَانَا مِنْ بَنِي أَعْمَامِهِ "

ص: 200

‌الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ

ص: 201

12876 -

رَوَى مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْوَضْعِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ وَصِيَّةٌ»

⦗ص: 202⦘

. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَذَكَرَهُ.

12877 -

قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: وَهَذَا مُنْكَرٌ، لَا يَرْوِيهِ عَنْ عَاصِمٍ، غَيْرُ حَجَّاجٍ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، غَيْرُ مُبَشِّرٍ

ص: 201

‌الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ

ص: 203

12878 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَلِلْمُوصِي أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ» . قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

ص: 203

‌وَلِيُّ الْيَتِيمِ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا

12879 -

قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6].

ص: 204

12881 -

وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ فَقِيرٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَلَهُ يَتِيمٌ:«كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَاذِرٍ، وَلَا مُتَأَثِّلٍ» .

12882 -

وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ قَوْلِهِ

ص: 204

12884 -

وَرُوِّينَاهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:«فَإِنْ أَيْسَرَ قَضَى، وَإِنْ أَعْسَرَ كَانَ فِي حِلٍّ» .

ص: 205

12885 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عُبَيْدَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، أَنَّهُمْ قَالُوا:«يَقْضِيهِ»

ص: 205

12886 -

وَرُوِّينَا، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ:«لَا يَقْضِيهِ»

ص: 205

12887 -

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:" لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] عَزَلُوا أَمْوَالَهُمْ، عَنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَجَعَلَ الطَّعَامُ يَفْسَدُ، وَاللَّحْمُ يُنْتِنُ، يَعْنِي: مَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] قَالَ: فَخَالَطُوهُمْ ".

12888 -

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالْوَصَايَا مِنْ كِتَابِ السُّنَنِ

ص: 205

‌بَابُ الْوَدِيعَةِ

12889 -

قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]

ص: 206

12890 -

وَثَبَتَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ "

ص: 206

12891 -

وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ «جَعَلُوا الْوَدِيعَةَ أَمَانَةً»

ص: 207

12893 -

وَرُوِّينَا فِي الْمَغَازِي، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ،» وَأَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِمَكَّةَ، حَتَّى يُؤَدِّيَ عَنْهُ الْوَدَائِعَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ "

ص: 207

12894 -

وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا حَكَى عَنْ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ:«فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، أَنَّهُمْ يَتَحَاصُّونَ الْغُرَمَاءَ، وَأَصْحَابَ الْوَدِيعَةِ بِالْحِصَصِ»

12895 -

وَعَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَطَاءٍ، مِثْلَ ذَلِكَ.

12896 -

وَعَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَ ذَلِكَ.

12897 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ تُعْرَفِ الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ، أَوْ إِقْرَارٍ مِنَ الْمَيِّتِ، وَعُرِفَ لَهَا عَدَدٌ أَوْ قِيمَةٌ، كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ كَغَرِيمٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَوْدَعُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: قَدْ هَلَكَتِ الْوَدِيعَةُ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ

ص: 207

كِتَابُ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

ص: 209

‌21 - كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

ص: 211

‌بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

⦗ص: 212⦘

12898 -

قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ. . .} [الأنفال: 41]

12899 -

وَقَالَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] إِلَى قَوْلِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ. . .} [الحشر: 7]

⦗ص: 213⦘

12900 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا.

12901 -

ثُمَّ يُفَرَّقُ الْحُكْمُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تبارك وتعالى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي فِعْلِهِ، فَإِنَّهُ قَسَّمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ

12902 -

وَالْغَنِيمَةُ: هِيَ الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ.

12903 -

وَالْفَيْءُ: هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ

12904 -

فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُرَى عُرَيْنَةَ، الَّتِي أَفَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ، يَضَعُهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل.

ص: 211

12905 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُمَرُ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصَةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَلِيتُهَا بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ سَأَلْتُمَانِي أَنْ أُولِّيَكُمَاهَا، فَوَلَّيْتُكُمَاهَا، عَلَى أَنْ تَعْمَلَا فِيهِ بِمِثْلِ مَا وَلِيَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَلِيَهَا بِهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ وَلِيتُهَا بِهِ

⦗ص: 214⦘

، فَجِئْتُمَانِي تَخْتَصِمَانِ، أَتُرِيدَانِ أَنْ أَدْفَعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفًا؟ أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً؟ أَتُرِيدَانِ غَيْرَ مَا قَضَيْتُ بِهِ بَيْنَكُمَا أَوَّلًا، فَلَا وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ أَكْفِيكُمَاهَا ".

12906 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ لِي سُفْيَانُ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِيهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قُلْتُ: كَمَا قَصَصْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

12907 -

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، مُخْتَصَرًا.

12908 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ: لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، يُرِيدُ مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُوجِفِينَ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَةِ.

12909 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنْ يُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ

ص: 213

12910 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ»

ص: 214

12911 -

قَالَ: وَسَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَنْشُدُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: " أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، أَسَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» قَالُوا: نَعَمْ

ص: 215

12912 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يُنَاشِدُ عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدًا قَالَ سُفْيَانُ: وَأَشُكُّ فِي سَعْدٍ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» قَالُوا: اللَّهُمَّ «نَعَمْ» .

12913 -

وَرَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَهُمْ، وَذَكَرَ عَبَّاسًا، وَسَعْدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ طَلْحَةَ. وَهُوَ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

12914 -

وَكَذَلِكَ قَالَهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

12915 -

وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، يَشُكُّ فِي ذِكْرِ طَلْحَةَ.

12916 -

وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ فَذَكَرَ طَلْحَةَ وَسَعْدًا

ص: 215

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ

⦗ص: 216⦘

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ أَهْلِي، وَمُؤْنَةِ أَهْلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» .

12917 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ

ص: 215

12918 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ جَاءَ فِي مَالِ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا» ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَأْتِهِ، فَجَاءَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَعْطَانِي حِينَ جَاءَهُ ".

12919 -

قَالَ الرَّبِيعُ: بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ، حَدَّثَنِي غَيْرُ الشَّافِعِيِّ، مِنْ قَوْلِهِ:«لَوْ جَاءَنِي» .

12920 -

أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ

ص: 216

‌سَهْمُ الصَّفِيِّ

ص: 217

12922 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:«كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيَّ، إِنْ شَاءَ عَبْدًا، وَإِنْ شَاءَ أَمَةً، وَإِنْ شَاءَ فَرَسًا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ»

ص: 217

12923 -

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنْ سُئِلَ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالصَّفِيِّ؟ قَالَ:«كَانَ يَضْرِبُ لَهُ بِسَهْمٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ» .

12924 -

وَالصَّفِيُّ: يُؤْخَذُ لَهُ رَأْسٌ مِنَ الْخُمُسِ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.

12925 -

قَالَ أَحْمَدُ: كَذَا وَجَدْتُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ «مِنَ الْخُمُسِ» ، وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْغَنِيمَةِ، لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ، وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

12926 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ

⦗ص: 218⦘

عِنْدَنَا، عَلِمْتُهُ، وَلَمْ يَزَلْ يُحْفَظُ مِنْ قَوْلِهِمْ، أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَفِّيِّ الْغَنِيمَةِ

ص: 217

12927 -

قَالَ أَحْمَدُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ الْعِرْبَاضِ، عَنْ أَبِيهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ وَبَرَةً مِنَ الْفَيْءِ فَقَالَ:«مَا لِي مِنْ هَذِهِ إِلَّا مَا لِأَحَدِكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فِيكُمْ، فَرُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ» .

12928 -

وَفِي هَذَا مِمَّا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ سَهْمَهُ.

12929 -

وَفِي قَوْلِهِ: «إِلَّا مَا لِأَحَدِكُمْ» ، يُرِيدُ سَهْمَ الْفَارِسِ إِنْ كَانَ فَارِسًا، وَسَهْمَ الرَّاجِلِ إِنْ كَانَ رَاجِلًا

ص: 218

‌بَابُ الْأَنْفَالِ

ص: 219

12930 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ» ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَهَا الثَّانِيَةَ، فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقُمْتُ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا بَالُكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟» فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَاهَا اللَّهِ، إِذَنْ لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَدَقَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلَمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ ".

12931 -

قَالَ مَالِكٌ: الْمَخْرَفُ النَّخْلُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

⦗ص: 223⦘

.

12932 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا، وَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْدَمَا قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الرَّجُلَ

ص: 222

12933 -

وَاحْتَجَّ فِي الْقَدِيمِ بِرِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» .

12934 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، فَذَكَرَهُ. وَزَادَ: فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ يَعْنِي يَوْمَ حُنَيْنٍ عِشْرِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ

ص: 223

12935 -

وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ ابْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، فَذَكَرَهُ

ص: 223

12936 -

وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟» قَالُوا: سَلَمَةُ قَالَ: «لَهُ سَلَبُهُ»

ص: 224

12937 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ: فِي الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ طَلِيعَةً لِلْكُفَّارِ، فَنَظَرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ عَلَى بَعِيرِهِ، قَالَ إِيَاسُ: قَالَ أَبِي: فَاتَّبَعْتُهُ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ، وَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَّا مِنْ أَسْلَمَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ وَرْقَاءَ، فَتَقَدَّمْتُ حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ وَرِكِ الْجَمَلِ، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنِخْ، فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ إِلَى الْأَرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيْفِي، فَضَرَبْتُ رَأْسَهُ فَنَدَرَ، ثُمَّ جِئْتُ بِرَاحِلَتِهِ أَقُودُهَا قَالَ: فَاسْتَقْبَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّاسِ، فَقَالَ:«مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟» قَالُوا: ابْنُ الْأَكْوَعِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ.

12938 -

وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ بَعْدَمَا قَتَلَ الرَّجُلَ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ فِي الْإِقْبَالِ أَوِ الْإِدْبَارِ

ص: 224

12939 -

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِحَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرِو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ مَدَدِيًّا

⦗ص: 225⦘

قَتَلَ رَجُلًا مِنَ الرُّومِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، فَأَرَادَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْ يُخَمِّسَ السَّلَبَ، فَقُلْتُ:«قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ»

ص: 224

12940 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ، وَأَنَّ مَدَدِيًّا كَانَ رَفِيقًا لَهُمْ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ فِي طَرَفِ الشَّامِ قَالَ: فَجَعَلَ رُومِيٌّ مِنْهُمْ يَشُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ، وَسَرْجٍ مُذَهَّبٍ، وَمِنْطَقَةٍ مُلَطَّخَةٍ بِذَهَبٍ، وَسَيْفٍ مُحَلًّى بِذَهَبٍ قَالَ: فَجَعَلَ يَفْرِي بِهِمْ قَالَ: فَتَلَطَّفَ لَهُ الْمَدَدِيُّ حَتَّى مَرَّ بِهِ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ، ثُمَّ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ سِلَاحَهُ قَالَ: فَأَعْطَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَحَبَسَ مِنْهُ قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِهِ كُلَّهُ، أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ» فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي قَدِ اسْتَكْثَرْتُهُ قَالَ عَوْفٌ: فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ. فَقُلْتُ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ قَالَ عَوْفٌ: فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِخَالِدٍ:«لِمَ لَمْ تُعْطِهِ؟» فَقَالَ: قَدِ اسْتَكْثَرْتُهُ. قَالَ: «فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ» . قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَمْ أُنْجِزْ لَكَ مَا وَعَدْتُكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:«يَا خَالِدُ، لَا تَدْفَعْهُ إِلَيْهِ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي أُمَرَائِي؟» . قَالَ الْوَلِيدُ: فَلَقِيتُ ثَوْرَ بْنَ يَزِيدَ، فَحَدَّثْتُهُ بِهَذَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوٍ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ

⦗ص: 226⦘

. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ

12941 -

وفى هذا دلالةٌ عَلَى أَنَّ قَبْلَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، كَانَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يُخَمِّسُ، وَحِينَ رَجَعَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ صَدَّقَ عَوْفًا، وَلَمْ يَرَ اعْتِذَارَ خَالِدٍ بِالِاسْتِكْثَارِ عُذْرًا فِي التَّخْمِيسِ، ثُمَّ لَمَّا جَاوَزَ عَوْفٌ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَائِهِمْ، وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُقُوطِ حِشْمَةِ الْأَمِيرِ غَضِبَ وَأَمَرَهُ بِمَنْعِهِ إِيَّاهُ عَلَى طَرِيقِ التَّأْدِيبِ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهِ إِيَّاهُ مِنْ بَعْدُ، وَقَدْ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَلَمْ يُخَمِّسْهُ. وَلَمْ يُنْصِفْ مَنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا، أَوْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَهَلَّا عُدَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي كَانَتْ بِالْأَمْوَالِ، ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا، كَمَا فَعَلَ فِي غَيْرِ هَذَا مِمَّا خُولِفَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ، وَالَّذِي يَعْلُقُ مِنْ بَعْدُ فِي قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ:«كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو، فَغَنِيمَةُ بَدْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَصِّ الْكِتَابِ، يُعْطِي مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ، وَقَدْ قَسَمَ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَشْهَدُوهَا، ثُمَّ نَزَلَتِ الْآيَةُ بَعْدَ بَدْرٍ، وَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، فَصَارَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَثْخَنَهُ، وَجَرَحَهُ الْآخَرُ بَعْدَهُ، فَقَضَى بِسَلَبِهِ لِلْأَوَّلِ.

12942 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ، فَعَارَضَنَا مُعَارِضٌ، فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَا أُرَانِي إِلَّا خَامِسَهُ قَالَ: فَخَمَّسَهُ.

12943 -

وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: السَّلَبُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَفِيهِ الْخُمُسُ.

12944 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي

⦗ص: 227⦘

شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَلِيلَ السَّلَبِ وَلَا كَثِيرَهُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي خُمُسِ السَّلَبِ عَنْ عُمَرَ لَيْسَتْ مِنْ رِوَايَتِنَا.

12945 -

قَالَ أَحْمَدُ: هِيَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَصْرِيِّينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.

12946 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَهُ رِوَايَةٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي زَمَانِ عُمَرَ تُخَالِفُهَا

ص: 225

12947 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُسَمَّى شِبْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ قَالَ:«بَارَزْتُ رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَنَفَّلَنِيهِ سَعْدٌ» .

12948 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أبو العباس، أخبرنا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، فَذَكَرَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: شِبْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ.

12949 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا كَثِيرٌ.

12950 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي قَاتِلِ مَرْحَبٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَتَلَهُ عَلِيٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَتَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.

12951 -

وَذَهَبَ الْوَاقِدِيُّ إِلَى: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ ضَرَبَ سَاقَيْ مَرْحَبٍ فَقَطَعَهُمَا، وَلَمْ يُجْهِزْ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَيْفَهُ وَدِرْعَهُ وَمَغْفِرَهُ وَبَيْضَتَهُ، فَكَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ دِرْعُهُ، وَمَغْفِرُهُ، وَبَيْضَتُهُ، وَكَانَ عِنْدَ آلِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ سَيْفُهُ

⦗ص: 228⦘

.

12952 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الْوَاقِدِيُّ فَذَكَرَهُ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ

ص: 227

‌الْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ النَّفَلِ

ص: 229

12953 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرًا، فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ

ص: 229

12954 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنَا فِي سَرِيَّةٍ إِلَى نَجْدٍ، فَأَصَابَ سَهْمُ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا بَعِيرًا»

ص: 229

12955 -

وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَوَرْدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَهُمْ»

ص: 229

12956 -

وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّ أَمِيرَهُمُ نَفَّلَهُمْ بَعِيرًا بَعِيرًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ غَنِيمَتَهُمْ، وَمَا حَاسَبَهُمْ بِالَّذِي أَعْطَاهُمْ صَاحِبُهُمْ» .

12957 -

وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ

12958 -

. وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَصَحُّ

ص: 230

12959 -

فَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَ رِوَايَتِهِمْ، «وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَهُمْ مِنْ إِبِلٍ جَاءُوا بِهَا بَعِيرًا بَعِيرًا»

ص: 230

12960 -

وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ:«كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ» .

12961 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ، كَمَا قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

12962 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ فِي النَّفَلِ فِي الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثَ فِي وَاحِدَةٍ، وَالرُّبُعَ فِي الْأُخْرَى.

12963 -

وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَفَّلَ نِصْفَ السُّدُسِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفَلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ، وَأَكْثَرُ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنْفَالٌ

⦗ص: 231⦘

، فَإِذَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُنَفِّلَ فَنَفَّلَ، فَيَنْبَغِي لِتَنْفِيلِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ غَيْرَ مَحْدُودٍ

ص: 230

12964 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الدَّقَّاقُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَبُو وَهْبٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ الرُّبُعَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْقَوْمُ فِي الْبَدْأَةِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ»

ص: 231

12965 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَفِّلُ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ» .

12966 -

وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يُؤَمِّرُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ عَلَى الدُّرُوبِ، فَكَانَ إِذَا قَدَّمَ السَّرِيَّةَ أَمَامَهُ يُنَفِّلُهَا الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَكَانَ إِذَا رَدَّهَا خَلْفَهُ، وَهُوَ مُنْصَرِفٌ يُنَفِّلُهَا الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ.

12967 -

رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ عَنْهُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، دُونَ قِصَّةِ مُعَاوِيَةَ

⦗ص: 232⦘

. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ

ص: 231

12968 -

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ فِي مَبْدَئِهِ الرُّبُعَ، وَإِذَا قَفَلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ»

12969 -

رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، دُونَ قَوْلِهِ: بَعْدَ الْخُمُسِ.

12970 -

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَنْفَرِدُ بِإِسْنَادِهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَدْ غَلَطَ فِيهِ، فَإِنَّمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرُهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ.

12971 -

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ مَكْحُولٍ عَنْهُ.

12972 -

وَحَدِيثُ حَبِيبٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُنَفِّلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ مَا يَأْتُونَ بِهِ، إِذَا بَعَثَهُمْ إِلَى مَوْضِعٍ فِي الْبَدْأَةِ أَوْ فِي الرَّجْعَةِ.

12973 -

وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بَعْدَ الْخُمُسِ، أَيْ بَعْدَ أَنْ يُفْرِدَ الْخُمُسَ، ثُمَّ يُنَفِّلُ مِنَ الْخُمُسِ، وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَدُلُّ عَلَى التَّنَفُّلِ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْ نَافِعٍ قَدْ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا،

12974 -

وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، يُخَالِفُهُ

ص: 232

12975 -

وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةَ النَّفَلِ سِوَى قِسْمَةِ عَامَّةِ الْجَيْشِ، وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ كُلُّهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبٍ.

12976 -

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُخَمِّسُ الْخُمُسَ، ثُمَّ يُنَفِّلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُنَفِّلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ

ص: 233

12977 -

وَقَدْ رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ فَرِيضَةُ الْخُمُسِ فِي الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ. . . .} [الأنفال: 41] تَرَكَ النَّفَلَ الَّذِي كَانَ يُنَفِّلُ، وَصَارَ ذَلِكَ إِلَى خُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ اللَّهِ، وَسَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ". أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، فَذَكَرَهُ

⦗ص: 234⦘

.

12978 -

وَرُوِّينَا فِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

ص: 233

12979 -

وَرُوِيَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّهُ قَالَ:«مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ يُنَفَّلُونَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ»

ص: 234

‌الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ النَّفَلِ

ص: 235

12980 -

أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا، فَقَالَ لَهُمْ قَبْلَ اللِّقَاءِ: مَنْ غَنِمَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَذَلِكَ لَهُمْ عَلَى مَا شَرَطَ، لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَزَوْا

12981 -

وَذَهَبُوا فِي هَذَا إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» ، وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْخُمُسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

12982 -

وَلَمْ أَعْلَمْ شَيْئًا ثَبَتَ عِنْدَنَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا

ص: 235

12984 -

وَرَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» ، ثُمَّ ذَكَرَ تَنَازُعَهُمْ، وَنُزُولَ الْآيَةِ فِي الْأَنْفَالِ، وَقِسْمَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْغَنِيمَةَ بَيْنَهُمْ.

12985 -

وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي بَعْثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ:«مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ»

⦗ص: 236⦘

.

12986 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ إِلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قِسْمَةِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ، وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضَعُ سَهْمَهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 235

‌بَابُ تَفْرِيقِ الْخُمُسِ

ص: 237

12987 -

احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي قِسْمَةِ مَا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَالِ أَوْ سَبْيٍ بِالْآيَةِ.

12988 -

وَقَالَ: أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ مَدِينَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ» .

12989 -

وَهَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ عَنْهُ.

12990 -

وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، فَذَكَرَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَرْيَةً، بَدَلًا مِنْ: مَدِينَةً. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

ص: 239

12991 -

حَدَّثَنَا بَعْضُ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِمَامَ فِي الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ، وَتَعَلَّقَ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ»

ص: 239

12992 -

أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:«قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ» ، فَذَكَرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى سَهْمِهِمْ

⦗ص: 240⦘

.

12993 -

وَرَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَسَدٍ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا

12994 -

زَعَمَ هَذَا الشَّيْخُ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْسِمُ جَمِيعَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَإِنَّمَا وَقَفَ نِصْفَهَا، وَقَسَمَ نِصْفَهَا.

12995 -

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قِسْمَةُ الْأَرَاضِي بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ مِنْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ مَا هُوَ مَشْهُورٌ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْمَغَازِي، وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ حُصُونِ خَيْبَرَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، وَيُسَيِّرُهُمْ، فَفَعَلَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكَ، فَنَزَلُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ، وَلَا رِكَابٍ.

12996 -

هَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي

ص: 239

12997 -

وَرُوِّينَا، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ:«كَانَ خَيْبَرُ بَعْضُهَا عَنْوَةً، وَبَعْضُهَا صُلْحًا»

ص: 240

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ»

⦗ص: 241⦘

.

12998 -

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَرْضِ السَّوَادِ، وَنَحْنُ نُذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، حَيْثُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ.

12999 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ خَالَفَ عُمَرَ فِي أَمْرِ تَرْكِهِ الْقِسْمَةَ بِلَالٌ، وَمَنْ كَانَ بِالشَّامِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

13000 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَخَالَفَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي فَتْحِ مِصْرَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ طَلَبَ اسْتِطَابَةَ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ، كَمَا فَعَلَ مَعَ بَجِيلَةَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ، لِمَا كَانَ يَرَى فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَحِينَ لَمْ يَطِبْ بِهِ بِلَالٌ نَفْسًا قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ أَرِحْنِي مِنْ بِلَالٍ وَأَصْحَابِهِ

13001 -

وَلَوْلَا قِيَامُ الْحُجَّةِ بِمَا رَوَى هُوَ، وَرَوَوْا مِنْ قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، لَكَانَ لَا يَطْلُبُ اسْتِطَابَةَ قُلُوبِهِمْ لِمَا رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَعَارَضَهُمْ بِمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِسْمَتِهَا دَلَّ أَنَّ أَمْرَ خَيْبَرَ فِيمَا تَرَكَ مِنْ قِسَمْتِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّهُ فُتِحَ صُلْحًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 240

‌بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالرِّجَالِ الْبَالِغِينَ

⦗ص: 243⦘

13002 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُمْ، أَوْ يَقْتُلَ، أَوْ يُفَادِيَ، أَوْ يَسْبِيَ.

13003 -

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].

13004 -

فَجَعَلَ لَهُمُ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُسَارَى بَدْرٍ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَفَدَاهُمْ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَقَوْمُهُ أَهْلُ الْيَمَامَةِ حَرْبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ص: 242

13005 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَادَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ» .

13006 -

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا.

13007 -

وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنِّ الْفِدَاءَ، مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، إِنَّمَا هُوَ عِنْدِي فِي تَفْسِيرِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ بِرِوَايَةِ أَوْلَادِهِ عَنْهُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ

ص: 243

13008 -

ثُمَّ قَدْ رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ:" دَفَعَ الْحَجَّاجُ أَسِيرًا إِلَى ابْنِ عُمَرَ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: " لَيْسَ بِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ. . . .} [محمد: 4] إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]

⦗ص: 244⦘

".

13009 -

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ، بَدَلَ الْحَجَّاجِ، وَقَالَ: عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ إِصْطَخْرَ

13010 -

وَفِي هَذَا مِنِ ابْنِ عُمَرَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عِنْدَهُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَكَيْفَ تَكُونُ مَنْسُوخَةً وَقَدْ عَلَّقَهَا بِغَايَةٍ فَقَالَ:{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]

ص: 243

13011 -

وَرُوِّينَا، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي مَعْنَاهُ:«حَتَّى لَا يَكُونَ دِينٌ إِلَّا الْإِسْلَامُ» .

13012 -

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ «يَعْنِي نُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم»

ص: 244

13013 -

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:" يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَرَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِمَامًا مَهْدِيًّا، وَحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَ {تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] ".

13014 -

وَرَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يُوشِكُ أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. . . . فَذَكَرَهُ

ص: 244

13015 -

وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ»

⦗ص: 245⦘

.

13016 -

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَسْمِ فِي الرَّجُلِ يَأْسِرُ الرَّجُلَ فَيُسْتَرَقُّ، أَوْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِدْيَةُ قَوْلَيْنِ، (أَحَدُهُمَا): أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِمَنْ أَسَرَهُ.

13017 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يُخَالِفُهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ، كَمَا يَكُونُ سَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ أَشَدُّ مِنْ قَتْلِهِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ.

13018 -

قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ إِلَّا مَا رَوَى مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ:

ص: 244

حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، فَذَكَرَهُ.

13019 -

وَهَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 245

‌سَهْمُ الْفَارِسِ

ص: 246

13020 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ، وَلِلْفَارِسِ بِسَهْمٍ»

ص: 246

13021 -

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ رِوَايَةَ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، بِإِسْنَادِهِ هَذَا:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ» .

13022 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ

⦗ص: 247⦘

.

13023 -

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو أُسَامَةَ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَسُلَيْمِ بْنِ أَخْضَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ

13024 -

وَقَدْ وَهِمَ فِيهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، فَقَالَ:. . . . لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا.

13025 -

وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهُمَا، وَعَنْ غَيْرِهِمَا، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، كَمَا ذَكَرْنَا

ص: 246

13026 -

وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» .

13027 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: كَأَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا، يَقُولُ: لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا، فَقَالَ: لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا

⦗ص: 248⦘

13028 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَقْدِمَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى أَخِيهِ فِي الْحِفْظِ

ص: 247

وَرُوِيَ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ سِهَامَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ، مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» .

13029 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ يَعْنِي رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ.

13030 -

فَأَخَذْنَا بِحَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَلَمْ نَرَ لَهُ خَبَرًا مِثْلَهُ يُعَارِضُهُ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّ خَبَرٍ إِلَّا بِخَبَرٍ مِثْلِهِ.

13031 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَالَّذِي رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ بِإِسْنَادِهِ فِي عَدَدِ الْجَيْشِ، وَعَدَدِ الْفُرْسَانِ، قَدْ خُولِفَ فِيهِ، فَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ، وَأَهْلِ الْمَغَازِي، أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ، وَهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، وَبَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، وَأَهْلِ الْمَغَازِي، أَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ مِائَتَيْ فَرَسٍ، فَكَانَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ رَاجِلٍ سَهْمٌ.

13032 -

وَقَدْ أَخْرَجْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي كِتَابِ السُّنَنِ.

13033 -

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: أَصَحُّ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَأَرَى الْوَهْمَ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ، أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةِ فَارِسٍ، وَإِنَّمَا كَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ

ص: 248

13034 -

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ ذَكَرَ أَيْضًا

⦗ص: 249⦘

حَدِيثَ شَاذَانَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:«غَزَوْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ فَأَسْهَمَ لِفَرَسِي سَهْمَيْنِ، وَلِي سَهْمًا» .

13035 -

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي هَانِئُ بْنُ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ، حَدَّثَنِي حَارِثَةُ بْنُ مُضَرِّبٍ، عَنْ عُمَرَ

ص: 248

13036 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُعِدُّوا لِعَدُوِّهِمْ مَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، لَمْ يَخُصَّ عَرَبِيًّا دُونَ هَجِينٍ

13037 -

وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي لُحُومِ الْخَيْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الْهَجِينِ وَالْعَرَبِيِّ.

13038 -

وَقَالَ: «تَجَاوَزْنَا لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ، وَالرَّقِيقِ»

ص: 249

13039 -

وَقَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ، وَلَا فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ» ، فَجَعَلَ الْفَرَسَ مِنَ الْخَيْلِ.

13040 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَضَّلَ الْعَرَبِيَّ عَلَى الْهَجِينِ، وَأَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ

13041 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَرْوِ ذَلِكَ إِلَّا مَكْحُولٌ مُرْسَلًا، وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ

ص: 249

13042 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَّبَ الْعَرَبِيَّ، وَهَجَّنَ الْهَجِينَ» .

13043 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ هُوَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ الْأَقْمَرِ مُرْسَلٌ

⦗ص: 250⦘

13044 -

قَالَ: فَهَذَانِ خَبَرَانِ مُرْسَلَانِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَهِدَ مَا حَدَّثَ بِهِ

ص: 249

13045 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَرَاذِينَ الْهَجِينِ:«وَالْهَجِينُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ بِرْذَوْنًا، وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ»

ص: 250

13046 -

أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ، حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

ص: 250

13047 -

وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ شَبِيبَ بْنَ غَرْقَدَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

13048 -

قَالَ شَبِيبٌ: فَرَأَيْتُ فِيَ دَارِ عُرْوَةَ سَبْعِينَ فَرَسًا مَرْبُوطَةً. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ

⦗ص: 251⦘

13049 -

وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ»

ص: 250

‌مَنْ قَالَ: لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ

13050 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ: وَلَيْسَ فِيمَا قُلْتُ مِنْ أَنْ لَا يُسْهَمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ خِلَافٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 252

13051 -

وَفِيهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَةٌ أَشْبَهُهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا مَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، " أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٍ فِي ذِي الْقُرْبَى ".

13052 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، سَهْمَ صَفِيَّةَ أُمِّهِ.

13053 -

وَقَدْ شَكَّ سُفْيَانُ، أَحَفِظَهُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى سَمَاعًا؟ وَلَمْ يَشُكَّ سُفْيَانُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ عَنْ يَحْيَى، هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ حَفِظَ عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنَا بِالْحَدِيثِ وَبِمَا بَعْدَهُ أَبُو زَكَرِيَّا، وَأَبُو بَكْرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، فَذَكَرَاهُ

⦗ص: 253⦘

.

13054 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَاهُ مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَرِّعِ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، مَوْصُولًا

ص: 252

13055 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِالْإِجَازَةِ: وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلٌ:«أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ» . وَلَوْ كَانَ كَمَا حَدَّثَ مَكْحُولٌ، أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنَ فَأَخَذَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كَانَ وَلَدُهُ أَعْرَفَ بِحَدِيثِهِ، وَأَحْرَصَ عَلَى مَا فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

13056 -

قَالَ فِي الْقَدِيمِ: وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْخَفَّافُ، عَنِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَخِيهِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ وَافَى بِأَفْرَاسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ

ص: 253

13057 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ الزُّبَيْرِ:«أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَفْرَاسٍ، فَلَمْ يُقْسَمْ إِلَّا لِفَرَسَيْنِ» .

13058 -

وَهَذَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَالْعُمَرِيُّ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ

ص: 253

13059 -

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْسِمُ إِلَّا لِفَرَسَيْنِ» .

13060 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ

ص: 253

‌الْأَجِيرُ يُرِيدُ الْجِهَادَ

13061 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ قِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ وَتُطْرَحَ الْإِجَارَةُ، أَوِ الْإِجَارَةِ، وَلَا سَهْمَ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: يُرْضَخُ لَهُ

13062 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ قِيلَ: يُسْهَمُ لَهُ إِنْ قَاتَلَ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ إِنِ اشْتَغَلَ بِالْخِدْمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.

13063 -

وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ، حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْأَجِيرِ.

ص: 254

13064 -

أَحَدُهُمَا: مَا ثَبَتَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ، وَأَحُسُّهُ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ إِغَارَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْفَزَارِيِّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا صَنَعَ هُوَ فِي قِتَالِهِمْ قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رِجَالَتِنَا سَلَمَةُ» . قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، فَذَكَرَهُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمُ عَنْ إِسْحَاقَ

ص: 254

13065 -

وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: مَا رُوِّينَاهُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ فِي سَرِيَّةٍ قَالَ: فَالْتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِينِي، وَأُجْرِي لَهُ سَهْمُهُ، فَوَجَدْتُ رَجُلًا، فَلَمَّا دَنَا الرَّحِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَا أَدْرِي السُّهْمَانَ، وَمَا يَبْلُغُ سَهْمِي، فَسَمِّ لِي شَيْئًا كَانَ السَّهْمُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَسَمَّيْتُ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَلَمَّا حَضَرَتْ غَنِيمَتُهُ أَرَدْتُ أَنْ أُجْرِيَ لَهُ سَهْمَهُ، فَذَكَرْتُ الدَّنَانِيرَ، فَجِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ لَهُ أَمْرَهُ، فَقَالَ:«مَا أَجِدُ لَهُ فِي غَزْوَتِهِ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا دَنَانِيرَهُ الَّتِي سَمَّى» .

13066 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، أَنَّ يَعْلَى بْنَ مُنَبِّهٍ، قَالَ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغَزْوِ وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَيْسَ لِي خَادِمٌ، فَالْتَمَسْتُ أَجِيرًا يَكْفِينِي، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ

ص: 255

‌السَّرِيَّةُ تُبْعَثُ مِنَ الْعَسْكَرِ

13067 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُشْرِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صَاحِبَهُ فِيمَا غَنِمُوا

13068 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُمْ جَيْشٌ وَاحِدٌ كُلُّهُمْ رَدَّ لِصَاحِبِهِ، قَدْ مَضَتْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَغَنِمَتْ بِأَوْطَاسٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَأَكْثَرُ الْعَسْكَرِ بِحُنَيْنَ، فَشَرَكُوهُمْ، وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 256

13069 -

وَذَكَرَ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَرُدُّ عَلَى الْجَيْشِ سَرَايَاهُمْ»

ص: 256

13070 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فَقَالَ: «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، يَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، تَرُدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدَتِهِمْ»

⦗ص: 257⦘

.

13071 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ: وَلَوْ كَانَ قَوْمٌ مُقِيمِينَ بِبِلَادِهِمْ، فَخَرَجَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، فَغَنِمُوا لَمْ يُشْرِكْهُمُ الْمُقِيمُونَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْهُمْ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ السَّرَايَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَتَغْنَمُ، فَلَا يُشْرِكْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ

ص: 256

‌الْمَدَدُ يَلْحَقُ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ

ص: 258

13072 -

ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ حَجَّاجٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: " أَمَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَعَلَيْهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَجَاءُوا وَقَدْ غَنِمُوا، فَكَتَبَ عُمَرُ:«إِنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» . أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ.

13073 -

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْآيَةِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ. . . .} [الأنفال: 41]، فَجَعَلَ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ غَنَمِهَا، وَجَعَلَ فِيهَا خُمُسًا لِمَنْ سَمَّى، ثُمَّ

⦗ص: 259⦘

سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى سَعْدٍ فِي جَيْشٍ لَحِقَ بِهِ بَعْدَمَا غَنِمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ، إِنْ جَاءُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْقَتْلَى.

13074 -

قِيلَ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مُرْسَلًا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ

ص: 258

13075 -

وَقَدْ رَوَى قَيْسٌ، عَنْ طَارِقٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:«الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» .

13076 -

فَحَدِيثُ طَارِقٍ أَصَحُّهُمَا، وَأَشْبَهُهُمَا فِي الْقِيَاسِ،

13077 -

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَتَمَّ مِنْ هَذَا

ص: 259

13078 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْرَزِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَمِيلٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ، ح

13079 -

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِي سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا فَتَحَ خَيْبَرَ قَالَ: فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْهِمَ لَهُمْ شَيْئًا "

⦗ص: 260⦘

.

13080 -

وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمَعْنَاهُ، وَأَتَمَّ مِنْهُ.

13081 -

وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ مَحْفُوظٌ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ

ص: 259

‌التَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ

ص: 261

13082 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ شَعْرَةً مِنْ بَعِيرٍ فَقَالَ:«مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ، وَلَا مِثْلُ هَذِهِ الْوَبَرَةِ» . أَخْبَرَنَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ

ص: 261

13083 -

وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، وَبُدَيْلٍ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بُلْقِينَ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ:«لِلَّهِ وَاحِدٌ، وَلِهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ، يَعْنِي الْجَيْشَ، فَإِنْ رُمِيتَ بِسَهْمٍ فِي جَنْبِكَ، فَاسْتَخْرَجْتَهُ، فَلَسْتَ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ»

ص: 261

13084 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِي، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ:«لِلَّهِ خُمُسُهَا، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِلْجَيْشِ»

⦗ص: 262⦘

قَالَ: قُلْتُ: فَمَا أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: «لَا، وَلَا السَّهْمُ تَسْتَخْرِجُهُ مِنْ جَنْبِكَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ»

ص: 261

‌الْقَوْمُ يَهَبُونَ الْغَنِيمَةَ

ص: 263

13085 -

ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَأَلَهُ هَوَازِنُ الْهِبَةَ لِذَرَارِيِّهِمْ قَالَ لَهُمْ: «أَمَّا نَصِيبِي وَنَصِيبُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَكُمْ، وَأَنَا مُكَلِّمٌ لَكُمُ النَّاسَ» ، فَسَأَلَهُ النَّاسَ، فَأَعْطَوْهُ، إِلَّا عُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ، فَقَالَ: لَا أَتْرُكَ حِصَّتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنْتَ عَلَى حِصَّتِكَ» ، فَوَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ امْرَأَةٌ عَوْرَاءُ مِنْهُمْ ".

13086 -

وَذَكَرَ حَدِيثَ عَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.

13087 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ.

13088 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مَالِكِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مَالِكِينَ مَا سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى هَوَازِنَ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُمْ بِمِلْكٍ.

13089 -

ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْغَنِيمَةَ لِلْجَيْشِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَكَهُمْ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ

⦗ص: 264⦘

.

13090 -

قَالَ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ عَطِيَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَقْرَعَ وَأَصْحَابَهُ، أَنْ تَكُونَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ.

13091 -

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُمُسِ: «هُوَ لِي، ثُمَّ هُوَ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَبْعَدِينَ، أَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ، وَقَالُوا: يُعْطِي غَنَائِمَنَا قَوْمًا تَقْطُرُ دِمَاؤُهُمْ مِنْ سُيُوفِنَا.

13092 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا: أَيُعْطِيهِمْ خُمُسَ غَنَائِمِنَا، وَفِينَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا؟.

13093 -

قَالَ: وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ فِي خَمُسِ الْغَنِيمَةِ إِذَا مُيِّزَ مِنْهَا: نَحْنُ غَنِمْنَا هَذَا، وَيُرِيدُونَ أَنَّ سَبَبَ مَا مَلَكَ ذَلِكَ بِهِمْ

ص: 263

13094 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْأَقْرَعَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ» .

13095 -

فَقَوْلُهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَذَلِكَ لَهُمْ، عَلَى ذَلِكَ غَزَوْا، وَذَهَبُوا فِي هَذَا إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ:«مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» ، وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْخُمُسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

13096 -

وَلَمْ أَعْلَمْ شَيْئًا ثَبَتَ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 264

13097 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ:«فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ قَدْ نَزَلَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ الْتَقَى النَّاسُ بِبَدْرٍ، نَفَّلَ كُلَّ امْرِئٍ مَا أَصَابَ» ، ثُمَّ ذَكَرَ نُزُولَ الْآيَةِ وَالْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ

ص: 265

13098 -

وَرُوِيَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» ، ثُمَّ ذَكَرَ تَنَازُعَهُمْ وَنُزُولَ الْآيَةِ فِي الْأَنْفَالِ، وَقِسْمَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْغَنِيمَةَ بَيْنَهُمْ.

13099 -

وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي بَعْثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ.

13100 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ إِلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِي قِسْمَةِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ صَارَ الْأَمْرُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مِنْ حِصَّةِ الْقِتَالِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضَعُ سَهْمَهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ وَهُوَ

ص: 265

13102 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، أَتَيْتُهُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ إِخْوَانُنَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، أَرَأَيْتَ إِخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، أَوْ مَنَعْتَنَا، وَإِنَّمَا قَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

13103 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْسِبُهُ دَاوُدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ

⦗ص: 267⦘

.

13104 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ مَعْنَاهُ.

13105 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ، أَنَّ يُونُسَ، وَابْنَ إِسْحَاقَ رَوَيَا حَدِيثَ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: حَدَّثَنَاهُ مَعْمَرٌ كَمَا وَصَفْتُ، فَلَعَلَّ ابْنَ شِهَابٍ رَوَاهُ عَنْهُمَا مَعًا.

13106 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، كَمَا رَوَاهُ مُطَرِّفٌ، إِلَّا أَنَّ مُطَرِّفًا، وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، كِلَاهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ضَعِيفٌ.

13107 -

وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا قَالَ مُطَرِّفٌ.

13108 -

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ

ص: 266

13109 -

أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ»

⦗ص: 268⦘

. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ

ص: 267

13110 -

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَزَادَ قَالَ:«وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسِ شَيْئًا» . أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، فَذَكَرَهُ بِزِيَادَتِهِ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ.

13111 -

وَاسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِرِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ.

13112 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْإِكْلِيلِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ.

13113 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ

ص: 268

13114 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

⦗ص: 269⦘

، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ جِئْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ، لَا يُنْكَرُ فَضْلُهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، أَرَأَيْتَ إِخْوَانَنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ:«إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» ثُمَّ شَبَّكَ يَدَيْهِ، إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى

ص: 268

13115 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أُخْبِرْنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ:«قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ أَحَدًا مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلَا بَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا»

ص: 269

13116 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، يَعْنِي مِثْلَ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، وَزَادَ «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ»

ص: 269

13117 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، هَكَذَا لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ» وَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَبَنِي نَوْفَلٍ "

⦗ص: 270⦘

.

13118 -

هَكَذَا قَالَهُ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ

ص: 269

13119 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ ذَا الْقُرْبَى الَّذِينَ جَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا مِنَ الْخُمُسِ، بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، دُونَ غَيْرِهِمْ "

ص: 270

13120 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَيْسَ لِذِي الْقُرْبَى مِنْهُ شَيْءٌ: فَإِنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ: " مَا صَنَعَ عَلِيٌّ فِي الْخُمُسِ؟ فَقَالَ: «سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهِ خِلَافُهُمَا، وَكَانَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى رَأَيًا خِلَافَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا» .

13121 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ عَلِمْتَ أَبَا بَكْرٍ قَسَمَ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ، وَقَسَمَ عُمَرُ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا، وَفَضَّلَ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ، وَقَسَمَ عَلِيٌّ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا وَسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ؟

13122 -

قَالَ: نَعَمْ.

13123 -

قُلْتُ: أَفَتَعْلَمُهُ خَالَفَهُمَا مَعًا؟ قَالَ: نَعَمْ.

13124 -

قُلْتُ: أَوَتَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَا تُبَاعُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ، وَخَالَفَهُ عَلِيٌّ؟

13125 -

قَالَ: نَعَمْ.

13126 -

قَالَ: أَوَ تَعْلَمُ عَلِيًّا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْجَدِّ؟ قَالَ: نَعَمْ.

13127 -

قُلْتُ: فَكَيْفَ جَازَ لَكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَكَ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رَأَى غَيْرَ رَأْيِهِمَا فَاتَّبَعَهُمَا، وَبَيِّنٌ عِنْدَكَ أَنَّهُ قَدْ يُخَالِفُهُمَا فِيمَا وَصَفْنَا وَفِي غَيْرِهِ؟ قَالَ: فَمَا قَوْلُهُ: سَلَكَ بِهِ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟

⦗ص: 271⦘

13128 -

قُلْنَا: هَذَا كَلَامُ جُمْلَةٍ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ.

13129 -

قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ صَنَعَ فِيهِ عَلِيٌّ، فَذَلِكَ يَدُلُّنِي عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ

ص: 270

13130 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أُخْبِرْنَا، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ حَسَنًا، وَحُسَيْنًا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ سَأَلُوا عَلِيًّا بِقِسْمٍ مِنَ الْخُمُسِ، قَالَ:«هُوَ لَكُمْ حَقٌّ، وَلَكِنِّي مُحَارِبُ مُعَاوِيَةَ، فَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ» .

13131 -

رَوَاهُ فِي الْقَدِيمِ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرٍ.

13132 -

قَالَ فِي الْجَدِيدِ: أَخْبَرْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: صَدَقَ، هَكَذَا كَانَ جَعْفَرٌ يُحَدِّثُهُ، أَفَمَا حَدَّثَكَهُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: فَمَا أَحْسِبُهُ إِلَّا عَنْ جَدِّهِ.

13133 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: أَجَعْفَرٌ أَوْثَقُ وَأَعْرَفُ بِحَدِيثِ أَبِيهِ، أَوِ ابْنُ إِسْحَاقَ؟

13134 -

قَالَ: بَلْ جَعْفَرٌ

13135 -

ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ فِيهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنَّ الْكُوفِيِّينَ، قَدْ رَوَوْا فِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ شَيْئًا أَفَعَلِمْتَهُ؟

13136 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ: نَعَمْ.

13137 -

وَرَوَوْا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، مِثْلَ قَوْلِنَا.

13138 -

قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟

ص: 271

13139 -

فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ

⦗ص: 272⦘

مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، وَرَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ كِلَاهُمَا، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيتُ عَلِيًّا عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي حَقِّكُمْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنَ الْخُمُسِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ:«أَمَّا أَبُو بَكْرٍ رحمه الله، فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَخْمَاسٌ، وَمَا كَانَ فَقَدْ أَوْفَانَاهُ، وَأَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينَاهُ حَتَّى جَاءَهُ مَالُ السُّوسِ وَالْأَهْوَارِ» ، أَوْ قَالَ:«الْأَهْوَازِ» ، أَوْ قَالَ:«فَارِسَ» أَنَا أَشُكُّ، يَعْنِي الشَّافِعِيَّ. فَقَالَ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ، أَوْ حَدِيثِ الْآخَرِ، فَقَالَ: فِي الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ تَرَكْتُمْ حَقَّكُمْ، فَجَعَلْنَاهُ فِي خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يَأْتِيَنَا مَالٌ، فَأُوَفِّيكُمْ حَقَّكُمْ مِنْهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: لَا تُطْعِمْهُ فِي حَقِّنَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ، أَلَسْنَا أَحَقَّ مَنْ أَجَابَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَفَعَ خَلَّةَ الْمُسْلِمِينَ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَالٌ فَيَقْضِينَاهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ مَطَرٍ وَالْآخَرِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَكُمْ حَقٌّ، وَلَا يَبْلُغُ عِلْمِي إِذَا كَثُرَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ كُلُّهُ، فَإِنْ شِئْتُمْ أَعْطَيْتُكُمْ مِنْهُ، بِقَدْرِ مَا أَرَى لَكُمْ، فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إِلَّا كُلَّهُ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَا كُلَّهُ "

ص: 271

13140 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْبَرِيدِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: " اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالْعَبَّاسُ، وَفَاطِمَةُ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، «إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَفِّيَنَا حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَاقْسِمْهُ حَيَاتَكَ كَيْ لَا يُنَازِعَنِي أَحَدٌ بَعْدَكَ، فَافْعَلْ؟» قَالَ: فَفَعَلَ، فَقَسَمْتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَلَّانِيهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى كَانَتْ آخِرُ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ عُمَرَ، فَإِنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَعَزَلَ حَقَّنَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ

⦗ص: 273⦘

، فَقُلْتُ: بِنَا عَنْهُ الْعَامَ غِنًى، وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ لَمْ يَدْعُنِي إِلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ، فَلَقِيتُ الْعَبَّاسَ بَعْدَمَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، أَحَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا دَاهِيًا "

13141 -

هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَصَرَهُ

ص: 272

13142 -

وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ:«هُوَ لَنَا، أَعْطَانَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ عَزَمَ عَلَيْنَا أَنْ يُنْكِحَ مِنْهُ أَيِّمَنَا، وَيَقْضِي عَنْ غَارِمِنَا، فَأَبَيْنَا إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَيْنَا كُلَّهُ، وَأَبَى عَلَيْنَا» .

13143 -

وَرَوَاهُ عَنْبَسَةُ، عَنْ يُونُسَ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِقُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَسَمَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

13144 -

قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْهُ: قَالَ: فَكَيْفَ يَقْسِمُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى؟ وَلَيْسَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُتَوَاطِئَةً

⦗ص: 274⦘

.

13145 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ. هَذَا الْحَدِيثُ يُثْبِتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ، وَعُمَرُ حَتَّى كَثُرَ الْمَالُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِي الْكَثْرَةِ.

13146 -

وَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ: إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مَنْصُوصًا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُبَيَّنًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ فِعْلِهِ، أَلَيْسَ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا بَعْدَهُ، وَتَعْلَمُ أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّبَاعُهُ.

13147 -

قَالَ: بَلَى.

13148 -

قُلْتُ: أَفَتَجِدُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَفْرُوضًا فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مُبَيَّنًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَفْعَلُهُ بِأَثْبَتِ مَا يَكُونُ مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا ثِقَةُ الْمُخْبِرِينَ بِهِ، وَاتِّصَالُهُ، وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَهْلُ قَرَابَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الزُّهْرِيُّ مِنْ أَخْوَالِهِ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ مِنْ أَخْوَالِ أَبِيهِ، وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ابْنُ عَمِّهِ، وَكُلُّهُمْ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي جَذْمِ النَّسَبِ، وَهُمْ يُخْبِرُونَكَ مَعَ قَرَابَتِهِمْ، وَشَرَفِهِمْ أَنَّهُمْ مُخْرَجُونَ مِنْهُ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ مَخْصُوصٌ بِهِ دُونَهُمْ، وَيُخْبِرُكَ جُبَيْرٌ أَنَّهُ طَلَبَهُ هُوَ وَعُثْمَانُ، فَمَنَعَاهُ، فَمَتَى تَجِدُ سُنَّةً أَثْبَتَ بِفَرْضِ الْكِتَابِ، وَصِحَّةِ الْمُخْبِرِ، وَهَذِهِ الدَّلَالَاتُ مِنْ هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي لَمْ يُعَارِضْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعَارِضٌ بِخِلَافِهَا. ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا.

13149 -

وَجَرَى فِي خِلَالِ كَلَامِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ يَعُولُ عَامَّةَ بَنِي الْمُطَّلِبِ، وَيَتَفَضَّلُ عَلَى غَيْرِهِمْ

ص: 273

13150 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ، فَأَخَذَ مِنْهُ جَارِيَةً، فَأَصْبَحَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ

⦗ص: 275⦘

، قَالَ خَالِدُ لِبُرَيْدَةَ: أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا؟ قَالَ: وَكُنْتُ أَبْغَضُ عَلِيًّا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَحِبَّهُ، فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدٍ، فَذَكَرَهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ بُنْدَارٍ

13151 -

وَبُنْدَارٌ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَبُنْدَارٌ لَقَبُهُ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِلَقَبِهِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ أَبْوَابِ غَزْوَةِ الطَّائِفِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ

13152 -

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ فِي تَوْلِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُ حَقَّهُمْ مِنَ الْخُمُسِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ هَذَا السَّهْمَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إِلَى رَأْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ قَرَابَتِهِ، ثُمَّ سَقَطَ حُكْمُهُ لِمَوْتِهِ، كَمَا سَقَطَ حُكْمُ سَهْمِ الصَّفِيِّ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُسَوِّي الْأَخْبَارَ عَلَى مَذْهَبِهِ، لَمَا اسْتَحَلَّ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَخْذَ جَارِيَةٍ مِنْهُ، وَالْوقُوعَ عَلَيْهَا، وَلَمَا عَذَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَلَمَا احْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

13153 -

وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ اسْتَدَلَّ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا السَّهْمُ لَهُمْ عَلَى

⦗ص: 276⦘

جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، مَا جَازَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطِيَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَلَمْ يُفَكِّرْ فِي نَفْسِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا بُعِثَ مُبَيِّنًا لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِكِتَابِهِ، عَامًّا أَوْ خَاصًّا.

13154 -

وَلَيْسَ هَذَا أَوَّلَ عُمُومٍ وَرَدَ فِي الْعُمُومِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خاصٌّ دُونَ عَامٍّ.

13155 -

ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْبَيَانِ حَتَّى ذَكَرَ عِلَّتَهُ، فَقَالَ مَا رُوِّينَا عَنْهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ.

13156 -

وَقَدْ أَعْطَى جَمِيعَ مَنْ أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ مُرَادُونَ بِذِي الْقُرْبَى، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، لَا نَعْلَمُهُ حَرَمَ مِنْهُمْ أَحَدًا.

13157 -

وَقَدْ نَقَلْنَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ، وَتَشْبِيهُهُ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَقَطَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَا حُجَّةٍ بِقَوْلِ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ، حِينَ زَعَمَ أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ رُفِعَ بِرَفْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يَكُونُ جَوَابًا عَنْ جَمِيعِ أَسْئِلَتِهِمْ، مَنْ أَرَادَ الْوقُوفَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ص: 274

13158 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ:«فَيُعْطَى جَمِيعُ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى حَيْثُ كَانُوا، وَيُعْطَى الرَّجُلُ سَهْمَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ سَهْمًا» .

13159 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: غَنِيُّهُمْ، وَفَقِيرُهُمْ، ذَكَرُهُمْ، وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُمْ أُعْطُوا بِاسْمِ الْقَرَابَةِ.

13160 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: وَيُفَرَّقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ عَلَى مَنْ سَمَّى اللَّهُ، عَلَى الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينَ، وَابْنِ السَّبِيلِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمُهُ

⦗ص: 277⦘

.

13161 -

وَقَدْ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَاضِيًا، وَصَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا فِي سَهْمِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُرَدُّ عَلَى السُّهْمَانِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ مَعَهُ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.

13162 -

قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَضَعُهُ الْإِمَامُ حَيْثُ رَأَى عَلَى الِاجْتِهَادِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.

13163 -

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَضَعُهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ

13164 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ أَمْرٍ حَصَّنَ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، مِنْ سَدِّ ثَغْرٍ، أَوْ إِعْدَادِ كُرَاعٍ، أَوْ سِلَاحٍ، أَوْ أَعْطَاهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ، نَفْلًا عِنْدَ الْحَرْبِ، وَغَيْرِ الْحَرْبِ، إِعْدَادًا لِلزِّيَادَةِ فِي تَعْزِيزِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَا صَنَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ، وَنَفَلَ فِي الْحَرْبِ، وَأَعْطَى عَامَ خَيْبَرَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَهْلَ حَاجَةٍ وَفَضْلٍ، وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ، نَرَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كُلَّهُ مِنْ سَهْمِهِ.

13165 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَقَالَ قَوْمٌ: سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ يَقُومُ فِيهِ مَقَامَهُ

ص: 276

13166 -

وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جَمِيعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، " أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا أَطْعَمَ اللَّهُ نَبِيًّا طُعْمَةً فَهُوَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، فَذَكَرَهُ

⦗ص: 278⦘

.

13167 -

إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ لِلَّذِي يَلِي مِنْ بَعْدِهِ» ، فَلَمَّا وُلِيتُ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَتْ: أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَجَعَتْ.

13168 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ جَمِيعٍ َإِنَّمَا اعْتَذَرَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» .

ص: 277

13169 -

وَبِهِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَيْثُ جَعَلَ سَهْمَ الرَّسُولِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ كَانَتْ تَوْلِيَتَهَا لِلَّذِي يَلِي بَعْدَهُ، يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 278

13170 -

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، " أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ تَسْأَلُهُ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى لَهُمْ حَيَاتِي، وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِي» . وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، الْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ، وَأَبُو صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ضَعِيفٌ، وَهَذَا يُخَالِفُ جَمِيعَ مَا رُوِيَ صَحِيحًا فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ

ص: 278

‌بَابُ تَفْرِيقِ مَا أُخِذَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ غَيْرِ الْمُوجَفِ عَلَيْهِ

ص: 279

13171 -

ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْقَدِيمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ عَنْهُ حَدِيثَ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ:«فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، أَنَّ لَهُمُ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مِثْلَ أَعْرَابِ الْمُهَاجِرِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي كَانَ يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ» .

13172 -

قَالَ عَلْقَمَةُ: وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ هُوَ ابْنُ هَيْصَمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ

⦗ص: 280⦘

. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، وَغَيْرِهِ

ص: 279

13173 -

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ ابْنِ الْيَمَانِ، عَنْ صَفْوَانَ، وَحَدِيثَ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ الْفَيْءُ قَسَمَهُ مِنْ يَوْمِهِ، فَأَعْطَى الْأَعْزَبَ حَظًّا وَالْآهِلَ حَظَّيْنِ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ الرُّوذْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ جَمِيعًا، عَنْ صَفْوَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ

ص: 280

13174 -

وَذَكَرَ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ شَبَابَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:«أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَقْسِمُ الْخُمُسَ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ»

ص: 280

13175 -

قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي قُرَّةَ قَالَ:«قَسَمَ لِي أَبُو بَكْرٍ كَمَا قَسَمَ لِسَيِّدِي»

⦗ص: 281⦘

.

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي آخَرِينَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ دُونَ حَدِيثِ أَبِي قُرَّةَ.

13176 -

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ عُمَرَ فِي الْمَمَالِيكِ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ

ص: 280

13177 -

وَأَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيتُهُ فِي أَنَّ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ، وَلَا لِلْأَعْرَابِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُسَاوِي بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا أُفَضِّلُ عَلَى نَسَبٍ، وَلَا سَابِقَةٍ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: " أَتَجْعَلُ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ، كَمَنْ إِنَّمَا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ كُرْهًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:«إِنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغٌ، وَخَيْرُ الْبَلَاغِ أَوْسَعُهُ» . قَالَ: وَسَوَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلِمْنَاهُ.

13178 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ، ثُمَّ ذَكَرَ حُجَّتَهُ فِي ذَلِكَ

ص: 281

13179 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ

⦗ص: 282⦘

مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «مَا أَحَدٌ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

ص: 281

13180 -

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَقَالَ:«لَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي بِسُرَّ وَحِمْيَرَ حَقَّهُ»

ص: 282

13181 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ، مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ أَحَدٌ يُعْطِي بِمَعْنَى حَاجَةٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ الَّذِينَ يَغْزُونَ إِلَّا وَلَهُ حَقٌّ فِي مَالِ الْفَيْءِ أَوِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْلَى مَعَانِيهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ:«لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ مُكْتَسِبٍ» .

13182 -

قَالَ: وَالَّذِي أَحْفَظُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْأَعْرَابَ، لَا يُعْطُونَ مِنَ الْفَيْءِ

13183 -

ثُمَّ سَاقَ كَلَامَهُ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَهْلُ الْفَيْءِ كَانُوا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْزَلٍ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَأَهْلُ الصَّدَقَةِ بِمَعْزَلٍ عَنِ الْفَيْءِ

13184 -

وَرَوَاهُ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

13185 -

وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ

⦗ص: 283⦘

.

13186 -

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أَنْ لَا يُصَابَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ وَبِالصِّنْفَيْنِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ.

13187 -

وَقَدْ أَعَانَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي خُرُوجِهِ إِلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ بِمَا أَتَى بِهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ مِنْ صَدَقَةِ قَوْمِهِ، فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، إِذْ كَانَتْ بِالْقَوْمِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَالْفَيْءُ مِثْلُ ذَلِكَ

ص: 282

‌الْعَطَاءُ الْوَاجِبُ مِنَ الْفَيْءِ لِلْبَالِغِ الَّذِي يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ

ص: 284

13188 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي، ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي»

⦗ص: 285⦘

.

13189 -

قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَكَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْمُقَاتِلَةِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

ص: 284

‌رِزْقُ الْوَالِي

ص: 286

13190 -

رُوِّينَا، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ، إِنِ احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ» . أَخْبَرَنَاهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فَذَكَرَهُ

ص: 286

13191 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ

⦗ص: 287⦘

حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ»

ص: 286

13192 -

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ حَدِيثَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ عُمَرَ قِيلَ لَهُ فِي أَمَةٍ مَرَّتْ، فَقَالَ:" إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي، إِنَّهَا مِنْ مَالِ اللَّهِ، وَقَالَ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْتَحِلُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: بِمَا تَحِلُّ لِي، اسْتَحَلَّتْ مِنْهُ حُلِيَّائِي، حُلَّةُ الشِّتَاءِ، وَحُلَّةُ الْقَيْظِ، وَمَا أحْجُجُ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ، وَقُوتِي وَقُوتُ عِيَالِي كَقُوتِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَلَا مِنْ فُقَرَائِهِمْ، ثُمَّ أَنَا بَعْدُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُصِيبَنِي مَا أَصَابَهُمْ ".

13193 -

وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَرُوِّينَا فِيهِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ

ص: 287

13194 -

وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّهُ لَمَّا اسْتُخْلِفَ عَبَرَ إِلَى السُّوقِ، فَقَالَ عُمَرُ:" أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: السُّوقَ. قَالَ: قَدْ جَاءَكَ مَا يَشْغَلُكَ عَنِ السُّوقِ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَشْغَلُنِي عَنْ عِيَالِي؟. قَالَ: تُفْرَضُ بِالْمَعْرُوفِ "

ص: 287

13195 -

فَذَكَرُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْفَاقَهُ فِي سَنَتَيْنِ وَبَعْضٍ أُخْرَى ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَوَصِيَّتُهُ بِرَدِّهَا مِنْ مَالِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَقَوْلُ عُمَرَ:«رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ تَعَبًا شَدِيدًا»

ص: 288

‌التَّعْجِيلُ بِقِسْمَةِ مَالِ الْفَيْءِ إِذَا اجْتَمَعَ

ص: 289

13196 -

أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: " أَنَّهُ لَمَّا قُدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمَا أُصِيبَ الْعِرَاقُ قَالَ لَهُ صَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ: أَنَا أُدْخِلُهُ بَيْتَ الْمَالِ، قَالَ: " لَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لَا يُؤْوَى تَحْتَ سَقْفِ بَيْتٍ حَتَّى أَقْسِمَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ، وَوُضِعَتْ عَلَيْهِ الْأَنْطَاعُ، وَحَرَسَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا مَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، أَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَخَذَ بِيَدِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ كَشَفُوا الْأَنْطَاعَ عَنِ الْأَمْوَالِ، فَرَأَى مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، رَأَى الذَّهَبَ فِيهِ، وَالْيَاقُوتَ، وَالزَّبَرْجَدَ، وَاللُّؤْلُؤَ يَتَلَأْلَأُ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِيَوْمِ بُكَاءٍ، وَلَكِنَّهُ يَوْمُ شُكْرٍ وَسُرُورٍ، فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا ذَهَبْتُ حَيْثُ ذَهَبْتَ، وَلَكِنَّهُ مَا كَثُرَ هَذَا فِي قَوْمٍ قَطُّ

⦗ص: 290⦘

إِلَّا وَقَعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقِبْلَةِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ مُسْتَدْرَجًا، فَإِنِّي أَسْمَعُكَ تَقُولُ:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. . . . .} [الأعراف: 182]، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ، فَأُتِيَ بِأَشْعَرِ الذِّرَاعَيْنِ دَقِيقِهِمَا، فَأَعْطَاهُ سِوَارَيْ كِسْرَى، فَقَالَ: الْبَسْهُمَا، فَفَعَلَ، فَقَالَ: قُلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: قُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ وَأَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ، أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَعْضَ ذَلِكَ بَعْضًا، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي أَدَّى هَذَا لَأَمِينٌ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَنَا أُخْبِرُكُ، أَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ، وَهُمْ يُؤَدُّونَ إِلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا رَفَعْتَ رَفَعُوا قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ فَرَّقَهُ "

ص: 289

13197 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا أَلْبَسَهُمَا سُرَاقَةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِسُرَاقَةَ وَنَظَرَ إِلَى ذِرَاعَيْهِ:«كَأَنِّي بِكَ قَدْ لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى» . قَالَ: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إِلَّا سِوَارَيْنِ

ص: 290

13198 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ: " أَنْفَقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَهْلِ الرَّمَادَةِ حَتَّى وَقَعَ مَطَرٌ، فَتَرَحَّلُوا، فَخَرَجَ عُمَرُ إِلَيْهِمْ رَاكِبًا فَرَسًا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَتَرَحَّلُونَ بِظَعَائِنِهِمْ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ خَصَفَةَ: أَشْهَدُ أَنَّهَا انْحَسَرَتْ عَنْكَ، وَلَسْتَ بِابْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَيْلَكَ، ذَلِكَ لَوْ كُنْتُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِي، أَوْ مَالِ الْخَطَّابِ، إِنَّمَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ عز وجل "

ص: 290

‌بَابُ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَرَضِينَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ

13199 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الدُّورُ وَالْأَرْضُونَ مِمَّا تَصَالَحُوا عَلَيْهِ، وَقْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ تُسْتَغَلُّ، وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ غَلَّتَهَا فِي كُلِّ عَامٍ.

13200 -

قَالَ: وَأَحْسِبُ مَا تَرَكَ عُمَرُ رضي الله عنه مِنْ بِلَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ هَكَذَا، أَوْ شَيْئًا اسْتَطَابَ أَنْفُسَ مَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَرِكَابٍ فَتَرَكُوهُ، كَمَا اسْتَطَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْفُسَ أَهْلِ سَبْيِ هَوَازِنَ، فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ

⦗ص: 292⦘

.

13201 -

قَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْ حَقِّهِ وَعَوَّضَ امْرَأَةً مِنْ حَقِّهَا بِمِيرَاثِهَا مِنْ أَبِيهَا، كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا قُلْتُ.

13202 -

وَيُشْبِهُ قَوْلُ جَرِيرٍ عَنْ عُمَرَ: لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قَسَمَ لَكُمْ، أَنْ يَكُونَ قَسَمَ لَهُمْ بِلَادَ صُلْحٍ مَعَ بِلَادَ إِيجَافٍ، فَرَدَّ قَسَمَ الصُّلْحِ، وَعَوَّضَ مِنْ بِلَادِ الْإِيجَافِ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ

ص: 291

‌بَابُ تَعْرِيفِ الْعُرَفَاءِ وَعَقْدِ الْأَلْوِيَةِ

13203 -

أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا. . . .} [الحجرات: 13] "

ص: 293

13204 -

قَالَ: وَرَوَى الزُّهْرِيُّ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ عَلَى كُلِّ عَشْرَةٍ عَرِيفًا: "

ص: 293

13205 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: : " وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُهَاجِرِينَ شِعَارًا، وَلِلْأَوْسِ شِعَارًا، وَلِلْخَزْرَجِ شِعَارًا، وَعَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَلْوِيَةَ عَامَ الْفَتْحِ، فَعَقَدَ لِلْقَبَائِلِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً، حَتَّى جَعَلَ فِي الْقَبِيلَةِ أَلْوِيَةً، كُلُّ لِوَاءٍ لِأَهْلِهِ، وَكُلُّ هَذَا لِيَتَعَارَفَ النَّاسُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، فَتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَعَلَى الْوَالِي كَذَلِكَ: ". ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.

13206 -

وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْآثَارِ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ

ص: 293

13207 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: : " جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ: «يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ» ، وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ:«يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ» ، وَشِعَارَ الْأَوْسِ:«يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ» ، وَسَمَّى خَيْلَهُ «خَيْلَ اللَّهِ» .

13208 -

وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ

ص: 294

‌إِعْطَاءُ الْفَيْءِ عَلَى الدِّيوَانِ

ص: 295

13209 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ. فَقَالَ:«بِمَنْ تَرَوْنَ أَنْ أَبْدَأَ؟» فَقِيلَ لَهُ: ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ، فَالْأَقْرَبِ بِكَ. قَالَ:«بَلْ أَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»

ص: 299

13210 -

وَأَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا كَثُرَ الْمَالُ فِي زَمَانِهِ، أَجْمَعَ عَلَى أَنْ يُدَوِّنَ الدَّوَاوِينَ، فَاسْتَشَارَ، فَقَالَ:«بِمَنْ تَرَوْنَ أَنْ أَبْدَأَ؟» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ابْدَأْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِكَ

⦗ص: 300⦘

.

قَالَ: «ذَكَرْتُمُونِي، بَلْ أَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، فَبَدَأَ بِبَنِي هَاشِمٍ

ص: 299

13211 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصِّدْقِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَحْسَنَ اقْتِصَاصًا لِلْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ قَالَ: " أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ قَالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِيهِمْ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ". فَإِذَا كَانَتِ السِّنُّ فِي الْهَاشِمِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْمَطْلَبِيِّ، وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَطْلَبِيِّ قَدَّمَهُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ. فَوَضَعَ الدِّيوَانَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَاهُمْ عَطَاءَ الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ عَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ فِي جِذْمِ النَّسَبِ. فَقَالَ:«عَبْدُ شَمْسٍ أُخْوَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ نَوْفَلٍ» ، فَقَدَّمَهُمْ، ثُمَّ دَعَا بَنِي نَوْفَلٍ يَتْلُونَهُمْ، ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ عَبْدُ الْعُزَّى، وَعَبْدُ الدَّارِ، فَقَالَ فِي بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى:«أَصْهَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ» . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «هُمْ حِلْفٌ مِنَ الْفُضُولِ، وَفِيهِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . وَقَدْ قِيلَ: ذَكَرَ سَابِقَةً فَقَدَّمَهُمْ عَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ دَعَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَتْلُونَهُمْ، ثُمَّ انْفَرَدَتْ لَهُ زُهْرَةُ فَدَعَاهَا تَتْلُو عَبْدَ الدَّارِ، ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ بَنُو تَيْمٍ وَمَخْزُومٍ، فَقَالَ فِي تَيْمٍ:«إِنَّهُمْ مِنْ حِلْفِ الْفُضُولِ وَالْمُطَيَّبِينَ، وَفِيهِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . وَقِيلَ: ذَكَرَ سَابِقَةً، وَقِيلَ: ذَكَرَ صِهْرًا، فَقَدَّمَهُمْ عَلَى مَخْزُومٍ، ثُمَّ دَعَا مَخْزُومًا يَتْلُونَهُمْ

⦗ص: 301⦘

. ثُمَّ اسْتَوَتْ لَهُ سَهْمُ، وَجُمَحُ، وَعَدِيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَقِيلَ:«ابْدَأْ بَعَدِيٍّ» . فَقَالَ: «بَلْ أَقِرُّ نَفْسِي حَيْثُ كُنْتُ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ نَصَلَ، وَأَمْرُنَا وَأَمْرُ بَنِي سَهْمٍ وَاحِدٌ، وَلَكِنِ انْظُرُوا بَنِي جُمَحَ، وَسَهْمٍ» . فَقِيلَ: قَدِّمْ بَنِي جُمَحَ، ثُمَّ دَعَا بَنِي سَهْمٍ، كَانَ دِيوَانُ عَدِيٍّ وَسَهْمٍ مُخْتَلِطًا كَالدَّعْوَةِ الْوَاحِدَةِ. فَلَمَّا خَلَصَتْ إِلَيْهِ دَعْوَتُهُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً عَالِيَةً، ثُمَّ قَالَ:«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْصَلَ إِلَيَّ حَظِّي مِنْ رَسُولِهِ» ، ثُمَّ دَعَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ".

13212 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ الْفِهْرِيَّ لَمَّا رَأَى مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ قَالَ: أَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُدْعَوْا أَمَامِي؟ فَقَالَ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، اصْبِرْ كَمَا صَبَرْتَ، أَوْ كَلِّمْ قَوْمَكَ، فَمَنْ قَدَّمَكَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ أَمْنَعْهُ، فَأَمَّا أَنَا وَبَنُو عَدِيٍّ فَنُقَدِّمُكَ إِنْ أَحْبَبْتَ عَلَى أَنْفُسِنَا. قَالَ: فَقَدَّمَ مُعَاوِيَةَ بَعْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، فَفَصَلَ بِهِمْ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. وَشَجَرَ بَيْنَ سَهْمٍ وَعَدِيٍّ شَيْءٌ فِي زَمَانِ الْمَهْدِيِّ فَافْتَرَقُوا، فَأَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ فَقُدِّمُوا عَلَى سَهْمٍ وَجُمَحَ، لِلسَّابِقَةِ فِيهِمْ.

13213 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا فُرِغَ مِنْ قُرَيْشٍ قُدِّمَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ كُلِّهَا لِمَكَانِهَا مِنَ الْإِسْلَامِ

13214 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّاسُ عِبَادُ اللَّهِ، فَأَوْلَاهُمْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا أَقْرَبُهُمْ

⦗ص: 302⦘

لِخَيْرَةِ اللَّهِ لِرِسَالَاتِهِ، وَمُسْتَوْدَعِ أَمَانَتِهِ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَخَيْرِ خَلْقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

13215 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الدَّارِمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدَوِّنَ الدَّوَاوِينَ، وَيَضَعَ عَلَى قَبَائِلِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ دِيوَانٌ اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ.

13216 -

قَالَ أَحْمَدُ: فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ أَصْلُ قُرَيْشٍ فِي أَقَاوِيلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَبَنُو هَاشِمٍ يَجْمَعُهُمْ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّالِثُ، وَسَائِرُ قُرَيْشٍ، بَعْضُهُمْ يَجْمَعُهُمُ الْأَبُ الرَّابِعُ عَبْدُ مَنَافٍ، وَبَعْضُهُمُ الْأَبُ الْخَامِسُ قُصَيُّ، وَهَكَذَا إِلَى فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ، فَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْبِدَايَةُ بِبَنِي هَاشِمٍ، لِقُرْبِهِمْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

13217 -

فَإِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ

13218 -

وَإِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ فِي الْعَطِيَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى

ص: 300

13220 -

وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: «رَبَّوْنَا صِغَارًا وَحَمَلُونَا كِبَارًا» .

13221 -

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ التَّوَارِيخِ أَنَّ هَاشِمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرِو بْنِ لَبِيدِ بْنِ حَرَامٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَوَلَدَتْ لَهُ شَيْبَةَ الْحَمْدِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ هَاشِمٌ وَهُوَ مَعَهَا، فَلَمَّا أَيْفَعَ وَتَرَعْرَعَ خَرَجَ إِلَيْهِ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، فَأَخَذَهُ مِنْ أُمِّهِ، وَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، وَهُوَ مُرْدِفُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَقِيلَ: عَبْدٌ مَلَكَهُ الْمُطَّلِبُ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ فَقِيلَ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.

13222 -

وَحِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ آذَاهُ قَوْمُهُ وَهَمُّوا بِهِ، فَقَامَتْ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، مُسْلِمُهُمْ، وَكَافِرُهُمْ دُونَهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوهُ.

13223 -

فَلَمَّا عَرَفَتْ سَائِرُ قُرَيْشٍ أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَكْتُبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ، وَلَا يُبَايعُوهُمْ، وَعَمَدَ أَبُو طَالِبٍ فَأَدْخَلَهُمُ الشِّعْبَ، وَأَقَامَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ، حَتَّى جَهِدَ بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ جَهْدًا شَدِيدًا.

13224 -

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ أَرْسَلَ عَلَى صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ الْأَرَضَةَ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهَا اسْمًا لِلَّهِ إِلَّا أَكَلَتْهُ، وَبَقِيَ فِيهَا الظُّلْمُ وَالْقَطِيعَةُ وَالْبُهْتَانُ، وَأَخَبَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولُهُ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، وَاسْتَنْصَرَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ عَلَى قَوْمِهِ، وَقَامَ هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ فِي جَمَاعَةٍ ذَكَرَهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي بِنَقْضِ مَا فِي الصَّحِيفَةِ وَشِقِّهَا.

13225 -

فَلَمَّا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فِي الْعَطِيَّةِ، وَأَخْبَرَ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُوَافَقَةِ، فَلِذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ رضي الله عنه، حِينَ وَضَعَ الدَّوَاوِينَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَعْطِيَةِ، وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَنَوْفَلٍ

⦗ص: 304⦘

.

13226 -

وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْبِدَايَةُ بِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ قَبْلَ بَنِي نَوْفَلٍ؛ لِأَنَّ هَاشِمًا، وَالْمُطَّلِبَ، وَعَبْدَ شَمْسٍ كَانُوا أُخْوَةً لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَنَوْفَلٌ كَانَ أَخَاهُمْ لِأَبِيهِمْ، وَأُمُّهُ وَاقِدَةُ بِنْتُ حَرْمَلٍ.

13227 -

وَأَمَّا عَبْدُ مَنَافٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى، وَعَبْدُ الدَّارِ بَنُو قُصَيٍّ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَخِرَةً، وَالْبِدَايَةُ بَعْدَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِنَّمَا وَقَعَتْ بِبَنِي عَبْدِ الْعُزَّى، لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبِيلَةَ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى. قَالَ: وَفِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ

ص: 303

13228 -

وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي غُلَامًا حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ، وَإِنَّ لِي حُمُرَ النَّعَمِ» .

13229 -

وَبَلَغَنِي أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ: حِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ، لِأَنَّهُمْ غَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي طِيبٍ يَوْمَ تَحَالَفُوا، وَتَصَافَقُوا بِأَيْمَانِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ وَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَيْنَ عَبْدِ الدَّارِ، فِيمَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنَ السِّقَايَةِ وَالْحِجَامَةِ، وَالرِّفَادَةِ، وَاللِّوَاءِ، وَالنَّدْوَةِ، فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ تَبَعًا لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ.

13230 -

وَقَدْ سَمَّاهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، فَقَالَ: الْمُطَيَّبُونَ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، هَاشِمٌ، وَالْمُطَّلِبُ، وَعَبْدُ شَمْسٍ، وَنَوْفَلٌ، وَبَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَبَنُو تَيْمٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ.

13231 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ حِلْفٌ مِنَ الْفُضُولِ

ص: 304

13232 -

وَرُوِّينَا، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ

⦗ص: 305⦘

: «لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمُرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ» .

13233 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَكَانَ سَبَبُ الْحَلِفِ فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ التَّوَارِيخِ، أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَظَالَمُ بِالْحَرَمِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَعَوْا إِلَى التَّحَالُفِ عَلَى التَّنَاصُرِ، وَالْأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، فَأَجَابَهُمَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَعْضُ الْقَبَائِلِ مِنْ قُرَيْشٍ، سَمَّاهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ: بَنُو هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ.

13234 -

فَسَمَّوْا ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ، تَشْبِيهًا لَهُ بِحِلْفٍ كَانَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ حَرِّهِمْ عَلَى مِثْلِ هَذَا، شَهِدَهُ رِجَالٌ يُقَالُ لَهُمْ: فَضْلٌ، وَفُضَالٌ، وَفُضَيْلٌ، وَفَضَالَةُ.

13235 -

وَقِيلَ: قَامَ بِهِ رِجَالٌ يُقَالُ لَهُمْ: فَضْلٌ، وَفَضِيلٌ، وَفُضَيْلٌ، وَالْفُضُولُ: جَمْعُ فَضْلٍ.

13236 -

وَالَّذِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ، قَدْ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَحْسِبُهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُطَيَّبِينَ هُمُ الَّذِينَ عَقَدُوا حِلْفَ الْفُضُولِ.

13237 -

قَالَ: وَأَيُّ فَضْلٍ يَكُونُ فِي مِثْلِ التَّحَالُفِ الْأَوَّلِ، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم:«مَا أُحِبُّ أَنْ أَنْكُثَهُ، وَإِنَّ لِي حُمُرَ النَّعَمِ» . وَلَكِنَّهُ أَرَادَ حِلْفَ الْفُضُولِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمُطَيَّبُونَ

13238 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَأَمَّا السَّابِقَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سَابِقَةَ خَدِيجَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ

⦗ص: 306⦘

.

13239 -

أَوْ سَابِقَةَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ، وَصَبَرَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ، وَبَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَكَانَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ.

13240 -

وَهُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ.

13241 -

وَأَمَّا زُهْرَةُ، فَإِنَّهُ كَانَ أَخًا لِقُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، وَمِنْ أَوْلَادِهِ، مِنَ الْعَشَرَةِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.

13242 -

وَأَمَّا تَيْمٌ، فَإِنَّهُ كَانَ أَخًا لِكَلِابِ بْنِ مُرَّةَ.

13243 -

وَأَمَّا مَخْزُومٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَخًا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَخْزُومُ بْنُ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ، إِلَّا أَنَّ الْقَبِيلَةَ اشْتَهَرَتْ بِمَخْزِومٍ، فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ.

13244 -

وَإِنَّمَا قَدَّمَ بَنِي تَيْمٍ عَلَى بَنِي مَخْزُومٍ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ، وَالْفُضُولِ.

13245 -

وَقِيلَ: ذَكَرَ سَابِقَةً، وَأَرَادَ سَابِقَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَجُلٍ حُرٍّ أَسْلَمَ، وَصَبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ طَلْحَةُ تَيْمِيًّا، وَكَانَ مِمَّنْ تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.

13246 -

وَأَبُو بَكْرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ.

13247 -

وَطَلْحَةُ هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ.

13248 -

وَأَرَادَ بِالْمُصَاهَرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي بَنِي تَيْمٍ، مِنْ جِهَةِ عَائِشَةَ امْرَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَبِيبَةِ حَبِيبِ اللَّهِ.

13249 -

وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَخًا لِمُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ

⦗ص: 307⦘

.

13250 -

وَأَمَّا سَهْمٌ، وَجُمَحُ، فَإِنَّهُمَا ابْنَا عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ، إِلَّا أَنَّ الْقَبِيلَةَ اشْتَهَرَتْ بِهِمَا فَنُسِبَتْ إِلَيْهِمَا.

13251 -

وَإِنَّمَا قَدَّمَ بَنِي جُمَحَ قِيلَ: لِأَجَلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيِّ، وَمَا كَانَ مِنْهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ إِعَارَةِ السِّلَاحِ، وَقَوْلِهِ حِينَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَكَلَدَةُ مَا قَالَا:«فَضَّ اللَّهُ فَاكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ» ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ قَصْدًا إِلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ.

13252 -

فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْمَهْدِيِّ أَمَرَ الْمَهْدِيُّ بِبَنِي عَدِيٍّ، فَقُدِّمُوا عَلَى بَنِي سَهْمٍ وَجُمَحَ، لِلسَّابِقَةِ فِي بَنِي عَدِيٍّ.

13253 -

وَهِيَ سَابِقَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَمَا كَانَ لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ بِإِسْلَامِهِ.

13254 -

وَهُوَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.

13255 -

وَإِنَّمَا أَخَّرَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فِي الْعَطَاءِ، لِبُعْدِ نَسَبِهِ، لَا لِنُقْصَانِ شَرَفِهِ فِي نَفْسِهِ.

13256 -

وَهُوَ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَهْيَبَ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ

ص: 304

‌22 - كِتَابُ الصَّدَقَاتِ

ص: 309

‌بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

13260 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].

13261 -

فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ مَنْعُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَا لِمَنْ وَلِيَهُمْ تَرْكُ ذَلِكَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.

13262 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا عَامًا لَا يَأْخُذُهَا فِيهِ

ص: 311

13264 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، وَقَالَ: عَنَاقًا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ: عِقَالًا

13265 -

وَرَوَاهُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ:«عَنَاقًا»

13266 -

وَكَذَلِكَ قَالَهُ مَعْمَرٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَالزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ

⦗ص: 313⦘

، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقِيلَ عَنْهُمَا: عَنَاقًا، وَقِيلَ: عِقَالًا

ص: 312

13267 -

وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، أَخَذَا الصَّدَقَةَ مُثَنَّاةً، وَلَكِنْ كَانَا يَبْعَثَانِ عَلَيْهَا فِي الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ، وَالسِمَنِ وَالْعَجَفِ، وَلَا يَضْمَنَانِهَا أَهْلَهَا، وَلَا يُؤَخِّرَانِهَا عَنْ كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا كُلَّ عَامٍ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "

ص: 313

‌فَرْضُ الصَّدَقَاتِ

⦗ص: 318⦘

13268 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ.

13269 -

فَأَحْكَمَ اللَّهُ تبارك وتعالى فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ أَكَّدَهَا فَقَالَ: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مَا كَانَتِ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً

ص: 314

13270 -

قَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثِ الصُّدَائِيِّ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِيهَا بِقَسْمِ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا نَبِيِّ مُرْسَلٍ حَتَّى قَسَمَهَا»

ص: 318

13271 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الطِّيبِيِّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ فِيهِ: ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ، وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ، أَوْ أَعْطَيْنَاكَ حَقَّكَ» .

13272 -

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَالَ:«أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ» لَمْ يَشُكَّ

ص: 318

13273 -

وَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ:«أَيُّمَا صِنْفٍ مِنْ هَذَا أَعْطَيْتَهُ أَجْزَأَكَ» .

13274 -

وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ عَطَاءٍ وَعُمَرَ، وَلَيْثٌ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 319

13275 -

وَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ:«إِذَا أَعْطَاهَا صِنْفًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ» .

13276 -

وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ مِثْلُهُ وَقِيلَ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

ص: 319

13277 -

وَقَالَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: «ضَعْهَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عز وجل» .

13278 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَا تَخْرُجُ صَدَقَةُ قَوْمٍ مِنْهُمْ مِنْ بَلَدِهِمْ، وَفِي بَلَدِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا

ص: 319

13279 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ:«فَإِنْ أَجَابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» .

13280 -

وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَقَالَ:«صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» .

13281 -

وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ

⦗ص: 320⦘

. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، وَغَيْرِهِ

ص: 319

13282 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ:«اللَّهُمَّ نَعَمْ» . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ

ص: 320

13283 -

أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَضَى:«أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إِلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ، فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إِلَى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ»

ص: 320

13284 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الِاخْتِلَافِ: وَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي نَقْلِ

⦗ص: 321⦘

الصَّدَقَاتِ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ طَاوُسًا رَوَى، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ:«ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهَا مِنْكُمْ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ»

ص: 320

13285 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ ذِمَّةِ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلَّ سَنَةٍ، وَكَانَ فِي سُنَّتِهِ أَنْ يُؤْخَذَ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ مِنَ الْمَعَافِيرِ» . فَلَعَلَّ مُعَاذًا، لَوْ أُعْسِرُوا بِالدَّنَانِيرِ، أَخَذَ مِنْهُمُ الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا عِنْدَهُمْ.

13286 -

وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الدِّينَارَ لِعَرَضٍ، فَلَعَلَّهُ جَازَ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ طَعَامًا وَغَيْرَهُ مِنَ الْعَرْضِ بِقِيمَةِ الدِّينَارِ، فَأَسْرَعُوا إِلَى أَنْ يُعْطُوهُ مِنَ الطَّعَامِ لِكَثْرَتِهِ عِنْدَهُمْ، فَيَقُولُ: الثِّيَابُ خَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَأَهْوَنُ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ كَبِيرَةً فِي الْمَحْمَلِ لِلثِّيَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَالثِّيَابُ بِهَا أَغْلَى مِنْهَا بِالْيَمَنِ.

13287 -

وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِمَا رُوِيَ مِنْ، قَضَاءِ مُعَاذٍ فِي الْعُشْرِ وَالصَّدَقَةِ.

13288 -

قَالَ: وَمُعَاذٌ إِذْ حَكَمَ بِهَذَا كَانَ مِنْ أَنْ يَنْقِلَ صَدَقَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَةِ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ أَكْثَرُهُمْ أَهْلُ الْفَيْءِ أَبْعَدُ.

13289 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِهِمْ، آخُذُهَا مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ، وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ.

13290 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَاوُسٌ: لَوْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاذٍ شَيْءٌ لَمْ نُخَالِفْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَطَاوُسٌ يَحْلِفُ، مَا يَحِلُّ بَيْعُ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، وَلَا بَعْدَ أَنْ تَقْبَضَ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنِ احْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ مُعَاذًا بَاعَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالثِّيَابِ، كَانَ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

13291 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

⦗ص: 322⦘

.

13292 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ بِصَدَقَاتٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ فَهُمَا وَإِنْ جَاءَا بِمَا فَضَلَ عَنْ أَهْلِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمَدِينَةُ أَقْرَبَ النَّاسِ نَسَبًا وَدَارًا مِمَّنْ يَحْتَاجُ إِلَى سَعَةٍ، مِنْ مُضَرَ وَطَيِّئٍ مِنَ الْيَمَنِ،

13293 -

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ حَوْلَهُمُ ارْتَدَّ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ، وَيَكُونُ بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ حَقٍّ، هُمْ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِمْ،

13294 -

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ يَأْمُرُ بَرَدِّهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،

13295 -

وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ نَصِيرُ إِلَيْهِ.

13296 -

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ عُمَرَ كَانَ يَحْمِلُ عَلَى إِبِلٍ كَثِيرَةٍ إِلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ. قُلْتُ: لَيْسَتْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ مِنَ الْإِبِلِ، وَأَكْثَرُ فَرَائِضِ الْإِبِلِ لَا يَحْمِلُ أَحَدًا

ص: 321

13297 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَظُنُّهُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ:«كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ»

ص: 322

13298 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ الدَّارِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَهُ:

13299 -

أَرَأَيْتَ الْإِبِلَ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُ عَلَيْهَا عُمَرُ الْغُزَاةَ وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ؟

13300 -

قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهَا إِبِلُ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانَ بَعَثَ بِهَا مُعَاوِيَةُ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ

⦗ص: 323⦘

13301 -

قُلْتُ: وَمِمَّنْ كَانَتْ تُؤْخَذُ؟

13302 -

قَالَ: مِنْ جِزْيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَتُؤْخَذُ مِنْ صَدَقَاتِ بَنِي تَغْلِبَ فَرَائِضُ عَلَى وُجُوهِهَا، فَبِيعَتْ بِهَا إِبِلٌ جِلَّةٌ، فَنَبْعَثُ بِهَا إِلَى عُمَرَ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا"

ص: 322

13303 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: " بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ بِعَطَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَتَبَ إِلَى وَالِي الْيَمَامَةِ أَنْ يَحْمِلَ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ يُتِمُّ بِهَا عَطَاءَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَالُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوهُ، وَقَالُوا: أَتُطْعِمُنَا أَوْسَاخَ النَّاسِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ لَنَا أَنْ نَأْخُذَهُ أَبَدًا؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ فَرَدَّهُ، وَقَالَ:«لَا يَزَالُ فِي الْقَوْمِ بَقِيَّةٌ مَا فَعَلُوا هَكَذَا» .

13304 -

قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، وَمَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَتَكَلَّمُ؟

13305 -

قَالَ: أَوَّلُهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي رِجَالٍ كَثِيرٍ.

13306 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُهُمْ: لَا يَصْلُحُ لَنَا، أَيْ: لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، وَنَحْنُ أَهْلُ الْفَيْءِ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي الصَّدَقَةِ حَقٌّ، وَمِنْ أَنْ لَا يُنْقَلَ عَنْ قَوْمٍ إِلَى غَيْرِهِمْ.

13307 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِهَا مِنْ أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ، وَلَعَلَّهُمُ اسْتَغْنَوْا، فَنَقَلَهَا إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ دَارًا وَنَسَبًا

ص: 323

‌بَيَانُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ

13308 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْفَقِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، زَمِنًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ، سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا. وَالْمِسْكِينُ: مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ يَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، وَلَا يُغْنِيهِ، سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ.

13309 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَقَوْلُهُ فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ: الْفُقَرَاءُ الزُّمَنَاءُ الضِّعَافُ، الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ، لَا يُخَالِفُ هَذَا، فَقَدْ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ، الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ، فَالزَّمَانَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ.

13310 -

وَقَالَ فِي كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ: سَائِلًا كَانَ، أَوْ مُتَعَفِّفًا.

13311 -

قَالَ الْمُزَنِيُّ: هَذَا أَشْبَهُ.

13312 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا، أَوْ مِسْكِينًا، فَأَغْنَاهُ وَعِيَالُهُ كَسْبُهُ، أَوْ حِرْفَتُهُ، فَلَا يُعْطَى فِي وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ شَيْئًا لِأَنَّهُ غَنِيُّ بِوَجْهٍ

ص: 324

13313 -

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ، أَخْبَرَاهُ

⦗ص: 325⦘

: أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِيهِمَا وَصَوَّبَ، فَقَالَ:«إِنْ شِئْتُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ» .

13314 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صِحَّةً وَجَلَدًا، يُشْبِهُ الِاكْتِسَابَ، فَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مَعَ الِاكْتِسَابِ الَّذِي يَسْتَغْنِيَانِ بِهِ أَنْ يَأْخُذَا، وَلَا يَعْلَمُ أَمُكْتَسِبِينَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا بَعْدَ إِذْ عَلَّمْتُكُمَا أَنْ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا مُكْتَسِبٍ فَعَلْتُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ: أَعْطِنَا فَإِنَّا ذَوَا حَظٍّ، بِأَنَّا لَسْنَا غَنِيَّيْنِ، وَلَا مُكْتَسِبَيْنِ كَسْبًا يُغْنِي

ص: 324

13315 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَيْحَانِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: «لَا تَصْلُحُ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ» .

13316 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُفِعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعْدٍ غَيْرُ ابْنِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:«سَوِيٍّ»

ص: 325

13317 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةً سَوِيٍّ»

⦗ص: 326⦘

.

13318 -

وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ فِي رَفْعِهِ، وَقِيلَ: عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: «وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» ، وَقِيلَ:«وَلَا لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ» . وَالْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ، وَأَصْلُهَا: مِنْ شِدَّةِ فَتْلِ الْحَبْلِ.

13319 -

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

13320 -

وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ: قُوَّةُ الِاكْتِسَابِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ.

13321 -

جَاءَ مَنْ يَدَّعِي تَسْوِيَةَ الْأَخْبَارِ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَزَعَمَ أَنْ لَيْسَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا مَحَالَةَ حَرَامٌ لَهُ، بَلْ حَلَالٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ، فَيُرْدِفُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ مَا بِهَا» ، فَتَجَرَّدَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطِي لَهُ حَالَةً لَا يَحِلُّ لَهُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَيَكُونُ قَدْ قَالَ بِبَعْضِ مَا قَالَ.

13322 -

ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: «وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» ، فَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهَا لِلْقَوِيِّ الْمُكْتَسِبِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ الَّتِي بِهَا يَجِبُ الْحَقُّ فِيهَا، وَلَا تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ إِذَا كَانَتْ فِيهِ جِهَةٌ يَجِبُ لَهُ فِيهَا الْحَقُّ فِيهَا، فَلَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي إِلَيْهِ بَيَانُ الشَّرْعِ، وَعَنْ قَوْلِهِ تُؤْخَذُ الْأَحْكَامِ:«لَا حَظَّ لَهُ فِيهَا» ، وَلَا يُطْلِقُ ذَلِكَ.

13323 -

ثُمَّ أَوْرَدَ أَخْبَارًا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا مَنْ سَأَلَهُ الصَّدَقَةَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الزَّمَانَةِ، وَنَحْنُ لَا نَعْتَبِرُ الزَّمَانَةَ، وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا اعْتَبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ.

13324 -

وَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُغْنِيهِ، وَيُغْنِي عِيَالَهُ، أَوْ حِرْفَةٌ تَكْفِيهِمَا، فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَعْنَى الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا شَيْئًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 325

13325 -

وَالَّذِي ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ: «رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ، أَوْ فَاقَةٌ، حَتَّى تَكَلَّمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ

⦗ص: 327⦘

ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ، فَقَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ فَهُوَ سُحْتٌ».

13326 -

فَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ رِيَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ فِي حَمَالَةٍ، فَقَالَ:«إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ» ، فَذَكَّرَهُنَّ

ص: 326

13327 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْإِيَادِيُّ الْمَالِكِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ النَّصِيبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ عَادَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِ بَيْتٍ، مَا أُرَانِي أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَمُوتَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ لَهُ:«انْطَلِقْ فَهَلْ تَجِدُ مِنْ شَيْءٍ؟» قَالَ: فَذَهَبَ، فَجَاءَ بِحِلْسٍ وَقَدَحٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذَا الْحِلْسُ كَانُوا يَفْتَرِشُونَ بَعْضَهُ وَيَلْبَسُونَ بَعْضَهُ، وَهَذَا الْقَدَحُ كَانُوا يَشْرَبُونَ فِيهِ، فَقَالَ:«مَنْ يَأْخُذُهُمَا مِنِّي بِدِرْهَمٍ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ:«هُمَا لَكَ» ، ثُمَّ دَعَا الرَّجُلَ، فَقَالَ:«اشْتَرِ بِدِرْهَمٍ طَعَامًا لِأَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِدِرْهَمٍ فَأْسًا، ثُمَّ ائْتِنِي» ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ:«انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، فَلَا تَدَعْ فِيهِ شَوْكًا، وَلَا حَاجًا، وَلَا حَطَبًا، وَلَا تَأْتِنِي خَمْسَ عَشْرَةَ» فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ

⦗ص: 328⦘

فَأَصَابَ عَشْرَةً، فَاشْتَرَى طَعَامًا بِخَمْسَةٍ وَكِسْوَةً بِخَمْسَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ عز وجل لِي فِيمَا أَمَرْتَنِي بِهِ، فَقَالَ:«وَهَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي وَجْهِكَ نَكْتُ الْمَسْأَلَةِ» ، ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ ".

13328 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الْمُخَرَّجُ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ، يُوَافِقُ حَدِيثَ ابْنِ الْخِيَارِ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَصْلُحُ بِالْفَقْرِ لِمَنْ لَهُ كَسْبٌ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ، وَيُوَافِقُ حَدِيثَ قَبِيصَةَ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَصْلُحُ لِمَنْ حَمَلَ حَمَالَةً فِي دَمٍ أَوْ لَزِمَهُ غُرْمٌ فِي مَالٍ، إِلَّا أَنَّهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَأَى فِي الرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَهُ قُوَّةً عَلَى الْكَسْبِ، فَأَمَرَهُ بِهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْفَاقَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، وَأَبَاحَهَا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، وَذَلِكَ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْكَسْبِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، فَتَكُونُ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بِالْحَاجَةِ.

13329 -

وَفِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ تَنْبِيهٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْفَاقَةِ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فَاقَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُغْنِيهِ وَيُغْنِي عِيَالَهُ، وَلَا كَسْبَ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا تَتَحَقَّقُ فَاقَتُهُ.

13330 -

وَأَبَاحَ لَهُ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَائِحَةِ تُصِيبُ مَالَهُ فَتَجْتَاحَهُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ عِيَالِهِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، فَقَدْ أَصَابَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، فَلَمْ يُجِزْ لَهُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ بِالْفَاقَةِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ كَسْبٌ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ أَوْ مَالٌ، فَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا لَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ فَلَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ

ص: 327

13331 -

وَالَّذِي ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَالٌ يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ» فَقِيلَ: وَمَا الْغِنَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» .

13332 -

تَفَرَّدَ بِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ

ص: 329

13333 -

وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَحَدٍ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ عَدْلُهُ مِنَ الذَّهَبِ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ» .

13334 -

وَهُوَ إِنْ صَحَّ لَمْ يُخَالِفْ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الِابْتِدَاءِ مَا يُغْنِيهِ، فَدَخَلَ فِيهِ الْكَسْبُ وَالْمَالُ بِوُقُوعِ الْغِنَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، ثُمَّ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْغِنَى فَسَّرَهُ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا

ص: 329

13335 -

أَلَا تَرَاهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا» . وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا

ص: 329

13336 -

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: قِيلَ: وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغَي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ قَالَ: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» .

13337 -

وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْغِنَى وَهِيَ الْكِفَايَةُ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِيهِ خَمْسُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِيهِ أَرْبَعُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ كَسْبٌ يُدِرُّ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، وَلَا عِيَالَ لَهُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ

ص: 330

13338 -

وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَرَدَ قَوْلُهُ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» . فَقَدْ يَكُونُ كَثِيرَ الْعِيَالِ وَلَا كَسْبَ لَهُ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ فَيَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي عِيَالَهُ

ص: 330

13339 -

وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، وَرَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَكْفِي فُقَرَاءَهُمْ» .

13340 -

فَاعْتَبَرَ الْكِفَايَةَ، فَالِاعْتِبَارُ بِهَا فِي حَالَتَيِّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَقَسْمَهَا، ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَلَّى أَخْذَهَا عَامِلٌ دُونَهُ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ

ص: 330

13341 -

أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ

⦗ص: 331⦘

الشَّافِعِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ، فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ:«مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا اللَّبَنُ؟» ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ، فَإِذَا بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا، فَأَدْخَلَ عُمَرُ إِصْبَعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ ".

13342 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا يَأْخُذُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ غِنَائِهِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُوسِرًا إِنَّمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ

ص: 330

13343 -

قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ قَالَ:«لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ عُمَالَتِهِمْ»

ص: 331

13344 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَسْتِيُّ بِمَرْوَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الشَّمِيطِ قَالَ أَبِي، وَالْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ زُهَيْرٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِنَّ لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا - يَعْنِي عَلَى الصَّدَقَةِ - حَقًّا؟ فَقَالَ: «لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ عُمَالَتِهِمْ»

ص: 331

13345 -

وَأَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ، فَتُصِدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ، فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ "

⦗ص: 332⦘

.

13346 -

قَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا.

13347 -

وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:. . . . . . . . فَذَكَرَ مَعْنَاهُ مَوْصُولًا. أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى السُّكَّرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. . . . . . . . فَذَكَرَهُ.

13348 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي مُتَقَدِّمِ الْأَخْبَارِ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ مُسْلِمُونَ أَشْرَافٌ مُطَاعُونَ يُجَاهِدُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْوَى الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَلَا يَرَوْنَ مِنْ شَأْنِهِمْ مَا يَرَوْنَ مِنْ ثَبَاتِ غَيْرِهِمْ.

13349 -

فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَجَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ، فَأَرَى أَنْ يُعْطَوْا مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ مَا يُتَأَلَّفُونَ بِهِ سِوَى سُهْمَانِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ.

13350 -

وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا السَّهْمَ خَالِصًا لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ

ص: 331

13351 -

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» . يَعْنِي بِالْخُمُسِ: حَقَّهُ مِنَ الْخُمُسِ، وَقَوْلُهُ:«مَرْدُودٌ فِيكُمْ» يَعْنِي: فِي مَصْلَحَتِكُمْ

ص: 332

13352 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ ابْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبَهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنَ الْخُمُسِ» .

13353 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُمْ مِثْلُ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ وَأَصْحَابِهِمَا، وَلَمْ يُعْطِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ، وَقَدْ كَانَ شَرِيفًا عَظِيمَ الْغِنَاءِ حَتَّى اسْتُعْتِبَ فَأَعْطَاهُ

ص: 333

13354 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ:«أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةَ مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ» .

13355 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،. . . . فَذَكَرَهُ. وَزَادَ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ أَوْ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:

[البحر المتقارب]

أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ

بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ

فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ

يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ

وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا

وَمَنْ يُخْفَضِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ

قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ

ص: 333

13356 -

ثُمَّ أَرْدَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ بِأَنْ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ فُلَانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْ مُسْلِمٌ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ فُلَانًا فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْ مُسْلِمٌ» ، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ دُونَ ذِكْرِ مَعْمَرٍ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ

ص: 334

13357 -

ثُمَّ أَرْدَفَهُ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ، وَهُوَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُهُ وَهُوَ مُحْتَفِزٌ يَأْكُلُ مِنْهُ أَكْلًا ذَرِيعًا» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ

⦗ص: 335⦘

.

13358 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَلَى حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ: وَلَمَّا أَرَادَ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مِنْهُ شَيْءٌ حِينَ رَغِبَ عَمَّا صَنَعَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَأَعْطَاهُ عَلَى مَعْنَى مَا أَعْطَاهُمْ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ رَأَى؛ لِأَنَّهُ لَهُ خَالِصًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى التَّقْوِيَةِ بِالْعَطِيَّةِ، وَلَا نَرَى أَنْ قَدْ وَضَعَ مِنْ شَرَفِهِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَعْطَى مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ النَّفَلَ وَغَيْرَ النَّفَلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، وَلَكِنَّهُ أَعَارَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أُرَاهُ سِلَاحًا، وَقَالَ فِيهِ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ كَانَتْ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: غَلَبَتْ هَوَازِنُ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ صَفْوَانُ: بِفِيكَ الْحَجَرُ، فَوَاللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ، وَأَسْلَمَ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ كَأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي إِسْلَامِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

13359 -

فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا رَأَيْتُ أَنْ يُعْطَى مَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ لِلِاقْتِدَاءِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

13360 قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ هَذَا السَّهْمُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ سَهْمَهُ حَيْثُ رَأَى فَقَدْ فَعَلَ صلى الله عليه وسلم هَذَا مَرَّةً، وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ رِجَالًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى فَلَا يُعْطِي أَحَدٌ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَعْطَى أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ السُّهْمَانِ إِنْ كَانَ مَذْهَبًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 334

13361 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ سَهْمٌ، وَالَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ: «أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، أَحْسِبُهُ قَالَ

⦗ص: 336⦘

بِثَلَاثِ مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ، فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ، وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا».

13362 -

قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مِنْ إِعْطَائِهِ إِيَّاهَا غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ يَكَادُ أَنْ يَعْرِفَ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ، فَإِمَّا زَادَهُ لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا صَنَعَ، وَإِمَّا أَعْطَاهُ لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَا يَثِقُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ.

13363 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَنْ تَنْزِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ النَّازِلَةِ.

13364 -

ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ مِمَّا كَانَ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ مِنِ امْتِنَاعِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الرِّدَّةِ وَغَيْرِهَا لَمْ أَرَ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَرَأَيْتُ أَنْ يُرَدَّ سَهْمُهُمْ عَلَى السُّهْمَانِ مَعَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيًّا أَعْطُوا أَحَدًا تَأَلُّفًا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ - فَلَهُ الْحَمْدُ - الْإِسْلَامَ عَنْ أَنْ يُتَأَلَّفَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ.

13365 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَوْلُهُ: فِي الرِّقَابِ يَعْنِي الْمُكَاتَبِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 335

13366 -

قَالَ أَحْمَدُ: رُوِّينَا عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] قَالَ: «الْمُكَاتَبِينَ» .

13367 -

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ.

13368 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْغَارِمُونَ صِنْفَانِ: صِنْفٌ دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي

⦗ص: 337⦘

غُرْمِهِمْ لِعَجْزِهِمْ، وَصِنْفٌ دَانُوا فِي حَمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عَرُوضٌ تَحْمِلُ حَمَالَاتِهِمْ أَوْ عَامَّتَهَا، وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ وَتُوَفَّرُ عَرُوضُهُمْ كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنَ الْغَارِمِينَ حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ

ص: 336

13369 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ:" نُؤَدِّيهَا عَنْكَ، أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْكَ إِذَا قَدِمَ نَعَمُ الصَّدَقَةِ، يَا قَبِيصَةُ، الْمَسْأَلَةُ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ حَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ أَوْ تَكَلَّمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ بِهَ حَاجَةً أَوْ فَاقَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، فَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ ". أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو زَكَرِيَّا قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ.

13370 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قُلْتُ فِي الْغَارِمِينَ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ» يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ لَا الْغَارِمِينَ.

13371 -

وَقَوْلُهُ: «حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» ، يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَقَلَّ اسْمِ الْغِنَا، وَبِذَلِكَ نَقُولُ، وَذَلِكَ حِينَ يَخْرُجُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ

⦗ص: 338⦘

.

13372 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا.

13373 -

وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ.

13374 -

قَالَ: وَابْنُ السَّبِيلِ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَيَعْجِزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ إِلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ.

13375 -

وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ، رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِيِّ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ: وَهُوَ لِمَنْ مَرَّ بِمَوْضِعِ الْمُصَدِّقِ مِمَّنْ يَعْجِزُ عَنْ بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ إِلَّا بِمَعُونَةِ الْمُصَدِّقِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ كَانَ أَوْ غَيْرِهِمْ إِذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا.

13376 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 337

13377 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" صَدَقَتُكَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي رَحِمٍ لِثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ "

ص: 338

13378 -

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» . أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا

⦗ص: 339⦘

بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.

13379 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ مِنْ وَالِدَيْهِ وَأَوْلَادِهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ لَمْ يُعْطِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ شَيْئًا لِاسْتِغْنَائِهِ بِهِ

ص: 338

13380 -

وَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: «لَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَالِدٍ حَقٌّ فِي صَدَقَةٍ مَفْرُوضَةٍ» .

13381 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ

ص: 339

13382 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرُوِّينَا، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَجْزِئُ عَنَّا أَنْ نَجْعَلَ الصَّدَقَةَ فِي زَوْجٍ فَقِيرٍ وَابْنِ أَخٍ أَيْتَامٍ فِي حُجُورِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَكَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» .

13383 -

وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ زَكَاتِهَا إِلَى زَوْجِهَا إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا.

13384 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانُوا مِنْ غَيْرِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمُ الْخُمُسُ عِوَضًا مِنَ الصَّدَقَةِ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ شَيْئًا. قَالَ: وَهُمْ أَهْلُ الشِّعْبِ وَهُمْ صَلِبِيَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ.

13385 -

قَالَ: وَلَا يَحْرُمُ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، إِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْمَفْرُوضَةُ. وَذَكَرَ حِكَايَةَ أَبِي جَعْفَرٍ: إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَذَكَرَ

⦗ص: 340⦘

صَدَقَةَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَذَكَرَ قَبُولَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ وَقَدْ مَضَى جَمِيعُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَاتِ.

13386 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ عَنْهُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَوَالِي، يَعْنِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْطَوْنَ مِنَ الْخُمُسِ مَعَ مَوَالِيهِمْ بَدَلًا مِنَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا شَيْءَ لَهُمْ، وَإِنَّمَا الْخُمُسُ لِلصَّلِبِيَةِ دُونَ الْمَوَالِي.

13387 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّلِبيَةَ وَالْمَوَالِي فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ عَلَى مَوَالِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ الْخُمُسُ وَالْمَوَالِي وَالصَّلِيبَةُ فِيهِمْ سَوَاءٌ، وَكُلُّهُمْ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ سَوَاءٌ.

13388 -

غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَ النَّاسَ قَبْلَنَا أَعْطُوا الْمَوَالِيَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطَوْا

ص: 339

13389 -

قُلْتُ: وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ حَدِيثَا أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا نُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: لَا، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:«إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ

⦗ص: 341⦘

. وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مَيْمُونٍ أَوْ مِهْرَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 340

‌بَابُ مِيسَمِ الصَّدَقَةِ

ص: 342

13390 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْقَدِيمِ: بَلَغَنِي، أَنَّ حُمَيْدًا الطَّوِيلَ ذَكَرَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:«أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ»

ص: 342

13391 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الصَّقْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«رَأَيْتُ فِيَ يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمِيسَمَ وَهُوَ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مَعْرُوفٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنِ الْوَلِيدِ وَأَخْرَجَا حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي دُخُولِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ يَسِمُ شَاءً فِي آذَانِهَا، فِيمَا يَحْسِبُ

ص: 342

13392 -

وَرُوِّينَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «نَهَى عَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ»

ص: 343

13393 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ. أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ، وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ» .

13394 -

رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ الْحَمَّالِ، عَنْ حَجَّاجٍ

ص: 343

قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأصَمُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ:«إِنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ» فَقَالَ: «أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟» فَقَالَ أَسْلَمُ: مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ قَالَ: «إِنَّ عَلَيْهَا مِيسَمَ الْجِزْيَةِ» .

13395 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَسِمُ وَسْمَيْنِ: وَسْمَ جِزْيَةٍ، وَوَسْمَ صَدَقَةٍ، وَبِهَذَا نَقُولُ

13396 -

قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَاهُ بِطُولِهِ فِي كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ

ص: 343

13397 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُؤْتَى بِنَعَمٍ كَثِيرَةٍ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ، وَأَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ فِي الظَّهْرِ لَنَاقَةً عَمْيَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «ادْفَعْهَا إِلَى أَهْلِ

⦗ص: 344⦘

الْبَيْتِ يَنْتَفِعُونَ بِهَا» قَالَ: فَقُلْتُ: وَهِيَ عَمْيَاءُ؟ قَالَ: يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنَ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ هِيَ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟» قَالَ: فَقُلْتُ: بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: «أَرَدْتُمْ وَاللَّهِ أَكْلَهَا» ، فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَنُحِرَتْ قَالَ: وَكَانَتْ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ، فَلَا يَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلَا طَرِيفَةٌ إِلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إِلَى حَفْصَةَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ قَالَ: فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنَ اللَّحْمِ فَصُنِعَ، فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ ". وَهَذَا فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِجَازَةً، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.

13398 -

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَزَلِ السُّعَاةُ يَبْلُغُنِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَسِمُونَ كَمَا وَصَفْتُ وَلَا أَعْلَمُ فِي الْمِيسَمِ عِلَّةً، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَعْلُومًا فَلَا يَشْتَرِيهِ الَّذِي أَعْطَاهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَرَجَ مِنْهُ للَّهِ عز وجل.

13399 -

كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي فَرَسٍ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَآهُ يُبَاعُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ، وَكَمَا تَرَكَ الْمُهَاجِرُونَ نُزُولَ مَنَازِلِهِمْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهَا لِلَّهِ

ص: 343

13400 -

أَخْبَرَنَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:«لَا تَبْتَعْهُ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ»

ص: 345