الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِفْتَاح الْجنَّة فِي الإحتجاج بِالسنةِ
…
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمد لله وَبِه ثقتي، وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى.
اعلموا - يَرْحَمكُمْ الله - أَن من الْعلم كَهَيئَةِ الدَّوَاء. وَمن الآراء كَهَيئَةِ الْخَلَاء. لَا تذكر إِلَّا عِنْد دَاعِيَة الضَّرُورَة، وَأَن مِمَّا فاح رِيحه فِي هَذَا الزَّمَان وَكَانَ دارسا بِحَمْد الله تَعَالَى مُنْذُ أزمان، وَهُوَ أَن قَائِلا رَافِضِيًّا زنديقا أَكثر فِي كَلَامه أَن السّنة النَّبَوِيَّة وَالْأَحَادِيث المروية - زَادهَا الله علوا وشرفا - لَا يحْتَج بهَا، وَأَن الْحجَّة فِي الْقُرْآن خَاصَّة، وَأورد على ذَلِك حَدِيث:"مَا جَاءَكُم عَنى من حَدِيث فاعرضوه على الْقُرْآن، فَإِن وجدْتُم لَهُ أصلا فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَردُّوهُ" هَكَذَا سَمِعت هَذَا الْكَلَام بجملته مِنْهُ وسَمعه مِنْهُ خلائق غَيْرِي، فَمنهمْ من لَا يلقِي لذَلِك بَالا. وَمِنْهُم من لَا يعرف أصل هَذَا الْكَلَام وَلَا من أَيْن جَاءَ. فَأَرَدْت أَن أوضح للنَّاس أصل ذَلِك، وَأبين بُطْلَانه، وَأَنه من أعظم المهالك.
فاعلموا رحمكم الله أَن من أنكر كَون حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم قولا كَانَ أَو فعلا بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوف فِي الْأُصُول حجَّة، كفر وَخرج عَن دَائِرَة الْإِسْلَام وَحشر مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى، أَو مَعَ من شَاءَ الله من فرق الْكَفَرَة. روى الإِمَام الشَّافِعِي
رَضِي الله عَنهُ يَوْمًا حَدِيثا وَقَالَ إِنَّه صَحِيح فَقَالَ لَهُ قَائِل: أَتَقول بِهِ يَا أَبَا عبد الله؟، فاضطرب وَقَالَ:"يَا هَذَا أرأيتني نَصْرَانِيّا؟ أرأيتني خَارِجا من كَنِيسَة؟ أَرَأَيْت فِي وسطي زناراً؟ أروي حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أَقُول بِهِ".
وأصل هَذَا الرَّأْي الْفَاسِد أَن الزَّنَادِقَة وَطَائِفَة من غلاة الرافضة ذَهَبُوا إِلَى إِنْكَار الِاحْتِجَاج بِالسنةِ والاقتصار على الْقُرْآن وهم فِي ذَلِك مختلفو الْمَقَاصِد، فَمنهمْ من كَانَ يعْتَقد أَن النُّبُوَّة لعَلي وَأَن جِبْرِيل عليه السلام أَخطَأ فِي نُزُوله إِلَى سيد الْمُرْسلين صلى الله عليه وسلم، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا، وَمِنْهُم من أقرّ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالنُّبُوَّةِ وَلَكِن قَالَ: إِن الْخلَافَة كَانَت حَقًا لعَلي فَلَمَّا عدل بهَا الصَّحَابَة عَنهُ إِلَى أبي بكر رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ قَالَ هَؤُلَاءِ المخذولون - لعنهم الله - كفرُوا حَيْثُ جاروا وَعدلُوا بِالْحَقِّ عَن مُسْتَحقّه، وكفَّروا - لعنهم الله - عليا رضي الله عنه أَيْضا لعدم طلبه حَقه فبنوا على ذَلِك رد الْأَحَادِيث كلهَا لِأَنَّهَا عِنْدهم بزعمهم من رِوَايَة قوم كفار فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون، وَهَذِه آراء مَا كنت أستحل حكايتها لَوْلَا مَا دعت إِلَيْهِ الضَّرُورَة من بَيَان أصل هَذَا الْمَذْهَب الْفَاسِد الَّذِي كَانَ النَّاس فِي رَاحَة مِنْهُ من أعصار.
وَقد كَانَ أهل هَذَا الرَّأْي موجودين بِكَثْرَة فِي زمن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فَمن بعدهمْ، وتصدى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة
وأصحابهم فِي دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم للرَّدّ عَلَيْهِم، وسأسوق إِن شَاءَ الله تَعَالَى جملَة من ذَلِك وَالله الْمُوفق.
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه فِي الرسَالَة وَنَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل: قد وضع الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم من دينه وفرضه وَكتابه الْموضع الَّذِي أبان جلّ ثَنَاؤُهُ أَنه جعله علما لدينِهِ. بِمَا افْترض من طَاعَته وَحرم من مَعْصِيَته وَأَبَان من فضيلته. بِمَا قرن بَين الْإِيمَان بِرَسُولِهِ الْإِيمَان بِهِ فَقَالَ تبارك وتعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} وَقَالَ عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} فَجعل كَمَال ابْتِدَاء الْإِيمَان الَّذِي مَا سواهُ تبع لَهُ الْإِيمَان بِاللَّه ثمَّ بِرَسُولِهِ مَعَه. قَالَ الشَّافِعِي: فَفرض الله على النَّاس اتِّباع وحيه وَسنَن رَسُوله، فَقَالَ فِي كِتَابه:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، مَعَ آي سواهَا ذكر فِيهِنَّ الْكتاب وَالْحكمَة. قَالَ الشَّافِعِي: فَذكر الله الْكتاب وَهُوَ الْقُرْآن، وَذكر الْحِكْمَة، فَسمِعت من أرضاه من أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ يَقُول: الْحِكْمَة سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} فَقَالَ بعض أهل الْعلم: أولو الْأَمر: أُمَرَاء سَرَايَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، {فَإِنْ تَنَازَعْتُم} : يعْنى اختلفتم فِي شَيْء، يَعْنِي - وَالله تَعَالَى أعلم - هم وأمراؤهم الَّذين أُمروا بطاعتهم، {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} : يعْنى - وَالله تَعَالَى أعلم - إِلَى مَا قَالَ الله وَالرَّسُول ثمَّ سَاق الْكَلَام إِلَى أَن قَالَ: فأعلمهم أَن طاعةَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم طاعتُه فَقَالَ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} وَاحْتج أَيْضا فِي فرض اتِّبَاع أمره بقوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَقَوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وَغَيرهَا من الْآيَات الَّتِي دلّت على اتِّبَاع أمره، وَلُزُوم طَاعَته فَلَا يسع أحدا رد أمره لفرض الله طَاعَة نبيه.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد إحكامه هَذَا الْفَصْل: وَلَوْلَا ثُبُوت الْحجَّة بِالسنةِ لما قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي. خطبَته بعد تَعْلِيم من شهده أَمر دينهم: "أَلا فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب، فَرب مبلّغ أوعى من سامع"، ثمَّ أورد حَدِيث: "نضر الله امْرَءًا سمع منا حَدِيثا
فأداه كَمَا سَمعه، فَرب مبلغ أوعى من سامع " وَهَذَا الحَدِيث متواتر كَمَا سأبينه. قَالَ الشَّافِعِي: فَلَمَّا ندب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى اسْتِمَاع مقَالَته وحفظها وأدائها دلّ1 على أَنه لَا يَأْمر إِن يؤدَّى عَنهُ إلَاّ مَا تقوم بِهِ الْحجَّة على من أدَّى إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يؤدَّى عَنهُ حَلَال يُؤْتى وَحرَام يجْتَنب وحدّ يُقَام، وَمَال يُؤْخَذ وَيُعْطى ونصيحة فِي دين وَدُنْيا.
ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا ألفيَنَّ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي مِمَّا أمرت بِهِ أَو نهيت عَنهُ يَقُول: لَا أَدْرِي2 مَا وجدنَا فِي كتاب الله اتَّبعنَا" أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم، وَمن حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حرّم أَشْيَاء يَوْم خَيْبَر مِنْهَا الْحمار الأهلي وَغَيره، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:"يُوشك أَن يقْعد الرجل على أريكته يحدث بحديثي فَيَقُول بيني وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ حَلَالا استحللناه، وَمَا وجدنَا فِيهِ حَرَامًا حرمناه، أَلا وَإِن مَا حرَّم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل مَا حرَّم الله"، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا خبر من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَمَّا يكون بعده من رد المبتدعة حديثَه فَوجدَ تَصْدِيقه فِيمَا بعده، ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن شبيب بن أبي فضَالة
1 - فِي "الرسَالَة" للْإِمَام الشَّافِعِي "وحِفظِها وأداِئها امْرَءًا يُؤَدِّيهَا، والمرء وَاحِد دلّ" الخ، انْظُر الرسَالَة ص55
2 -
فِي سنَن أبي دَاوُد "لَا نَدْرِي" والأريكة – بِوَزْن مَدِينَة -: السرير
الْمَكِّيّ: "أَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه ذكر الشَّفَاعَة فَقَالَ رجل من الْقَوْم: يَا أَبَا نجيد إِنَّكُم تحدثونا بِأَحَادِيث لم نجد لَهَا أصلا فِي الْقُرْآن، فَغَضب عمرَان وَقَالَ للرجل: قَرَأت الْقُرْآن؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَهَل وجدت فِيهِ صَلَاة الْعشَاء أَرْبعا وَوجدت الْمغرب ثَلَاثًا والغداة رَكْعَتَيْنِ وَالظّهْر أَرْبعا وَالْعصر أَرْبعا؟ قَالَ: لَا: قَالَ. فَعَن من أَخَذْتُم ذَلِك، ألستم عَنَّا أخذتموه وأخذناه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ أوجدتم فِيهِ من كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَفِي كل كَذَا بَعِيرًا كَذَا وفى كل كَذَا درهما كَذَا. قَالَ: لَا. قَالَ فَعَن من أَخَذْتُم ذَلِك؟ ألستم عَنَّا أخذتموه وأخذناه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ وَقَالَ: أوجدتم فِي الْقُرْآن: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أوجدتم فِيهِ فطوفوا سبعا واركعوا رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام، أَو وجدْتُم فِي الْقُرْآن: لَا جلب وَلَا جنب وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام؟ أما سَمِعْتُمْ الله قَالَ فِي كِتَابه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قَالَ عمرَان: فقد أَخذنَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَشْيَاء لَيْسَ لكم بهَا علم.
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والْحَدِيث الَّذِي روى فِي عرض الحَدِيث على الْقُرْآن بَاطِل لَا يَصح، وَهُوَ ينعكس على نَفسه بِالْبُطْلَانِ، فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن دلَالَة على عرض الحَدِيث على الْقُرْآن، انْتهى كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل الصَّغِير. وَهُوَ
الْمدْخل إِلَى دَلَائِل النُّبُوَّة، وَقد ذكر الْمَسْأَلَة فِي الْمدْخل الْكَبِير وَهُوَ الْمدْخل إِلَى السّنَن بأبسط من هَذَا فَقَالَ: بَاب تَعْلِيم سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وفرضِ اتباعِها، قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} قَالَ الشَّافِعِي: "سَمِعت مَن أَرضى مِن أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ يَقُول: الْحِكْمَة سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم".
ثمَّ أخرج بأسانيده عَن الْحسن وَقَتَادَة وَيحيى بن أبي كثير أَنهم قَالُوا: "الْحِكْمَة فِي هَذِه الْآيَة السّنة"، ثمَّ أورد بِسَنَدِهِ عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ:"أَلا إِنِّي أُوتيت الْكتاب وَمثله مَعَه، أَلا إِنِّي أُوتيت الْقُرْآن وَمثله، أَلا يُوشك رجل شبعان على أريكته، يَقُول: عَلَيْكُم بِهَذَا الْقُرْآن فَمَا وجدْتُم فِيهِ من حَلَال فأحلُّوه، وَمَا وجدْتُم فِيهِ من حرَام فحرِّموه، أَلا لَا يحل لكم الْحمار الأهلي وَلَا كل ذِي نَاب من السبَاع وَلَا لقطَة مَال معاهد" الحَدِيث، ثمَّ أورد من طَرِيق آخر عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب قَالَ:"حرم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَشْيَاء يَوْم خَيْبَر من الْحمار الأهلي وَغَيره فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: يُوشك أَن يقْعد الرجل مِنْكُم على أريكته يحدث بحديثي فَيَقُول: بيني وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ حَلَالا استحللناه وَمَا وجدنَا فِيهِ حَرَامًا حرَّمناه، وَإِنَّمَا حرَّم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل مَا حرَّم الله".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، قلت: وَأخرجه أَيْضا الْحَاكِم، ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنِّي قد خلفت فِيكُم شَيْئَيْنِ لن تضلوا بعدهمَا أبدا: كتاب الله وسنتي، وَلنْ يفترقا حَتَّى يردا عليَّ الْحَوْض" أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك، وَأورد بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس:"أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد تركت فِيكُم مَا إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تضلوا أبدا: كتاب الله وسنتي" أخرجه الْحَاكِم أَيْضا، وَأورد بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن عُرْوَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خطب فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ:"إِنِّي قد تركت فِيكُم مَا إِن اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تضلوا أبدا، أَمريْن اثْنَيْنِ: كتاب الله وَسنة نَبِيكُم. أَيهَا النَّاس اسمعوا مَا أَقُول لكم تعيشوا بِهِ" وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن وهب قَالَ: سَمِعت مَالك بن أنس يَقُول: "الزم مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع: أَمْرَانِ تركتهما فِيكُم لن تضلوا مَا تمسكتم بهما: كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عليه وسلم"، وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ: "صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم ثمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب فَقَالَ قَائِل: يَا رَسُول الله كَأَنَّهَا موعظة مودِّع فَمَاذَا تعهد إِلَيْنَا؟ قَالَ: أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة، وَإِن تأمّر عَلَيْكُم عبد
حبشِي كَأَن رَأسه زبيبة، فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم بعدِي فسيرى اخْتِلَافا كثيرا، فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين تمسكوا بهَا: وعضوا عَلَيْهَا بالنواجذ: وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور، فَإِن كل محدثة بِدعَة، وكل بِدعَة ضَلَالَة"، قلت: هَذَا الحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سِتَّة لعنهم الله وكل نَبِي مجاب الدعْوَة: الزَّائِد فِي كتاب الله، والمكذب بِقدر الله المتسلط بالجبروت ليذل بذلك من أعز الله ويعز من أذلّ الله، والمستحلّ لحرم الله والمستحلّ من عِتْرَتِي مَا حرم الله، والتارك لسنتي" قلت أخرجه أَيْضا الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِن لكل عمل شِرة1 وَلكُل شرة فَتْرَة2 فَمن كَانَت فترته إِلَى سنتي فقد اهْتَدَى، وَمن كَانَت إِلَى غير ذَلِك فقد هلك" وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من أَحْيَا سنتي فقد أَحبَّنِي، وَمن أَحبَّنِي كَانَ معي فِي الْجنَّة"، قلت: أخرجه أَيْضا التِّرْمِذِيّ. وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله عليه الصلاة والسلام: "الْقَائِم بِسنتي عِنْد فَسَاد أمتِي لَهُ أجر مائَة شَهِيد"، قلت: أخرجه أَيْضا الطَّبَرَانِيّ، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب
1 - النشاط وَالرَّغْبَة
2 -
أَي سُكُون وتقليل
بَيَان وُجُوه السّنة: قَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه: وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من ثَلَاثَة أوجه، أَحدهَا: مَا أنزل الله فِيهِ نَص كتاب فسن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. بِمثل نَص الْكتاب. وَالثَّانِي: مَا أنزل الله فِيهِ جملَة كتاب فَبين عَن الله معنى مَا أَرَادَ بِالْجُمْلَةِ، وأوضح كَيفَ فَرضهَا عَاما أَو خَاصّا، وَكَيف أَرَادَ أَن يَأْتِي بِهِ الْعباد. وَالثَّالِث: مَا سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَص كتاب، فَمنهمْ من قَالَ جعله الله لَهُ. بِمَا افْترض من طَاعَته وَسبق فِي علمه من توفيقه لرضاه أَن يسن فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَص كتاب. وَمِنْهُم من قَالَ لم يسن سنة قطّ إِلَّا وَلِهَذَا أصل فِي الْكتاب كَمَا كَانَت سنته، كتبيين عدد الصَّلَاة وعملها على أصل جملَة فرض الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ مَا سنّ فِي الْبيُوع وَغَيرهَا من الشَّرَائِع، لِأَن الله تَعَالَى ذكره قَالَ:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} فَمَا أحل وَحرم فَإِنَّمَا بيَّن فِيهِ عَن الله كَمَا بَين فِي الصَّلَاة وَمِنْهُم من قَالَ: بل جَاءَتْهُ بِهِ رِسَالَة الله فأثبتت سنته بِفَرْض الله تَعَالَى وَمِنْهُم من قَالَ: ألْقى فِي رُوعه كل مَا سنّ وسنته الْحِكْمَة الَّتِي ألقيت فِي رُوعه عَن الله تَعَالَى. انْتهى بِلَفْظِهِ.
ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ على الْمِنْبَر: يَا أَيهَا النَّاس إِن الرَّأْي إِنَّمَا كَانَ من
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لِأَن الله تَعَالَى كَانَ يرِيه، وَإِنَّمَا هُوَ منا الظَّن والتكلف. وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن الشّعبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقْضِي بِالْقضَاءِ وَينزل الْقُرْآن بِغَيْر مَا قضى فيستقبل حكم الْقُرْآن وَلَا يرد قَضَاءَهُ الأول. وَاحْتج من ذهب إِلَى أَنه لم يسن إِلَّا بِأَمْر الله إِمَّا بِوَحْي ينزله عَلَيْهِ فيتلى على النَّاس، أَو برسالة ثَابِتَة عَن الله أَن افْعَل كَذَا بقوله صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي قصَّة الزَّانِي:"لأقضين بَيْنكُم بِكِتَاب الله" ثمَّ قضى بِالْجلدِ والتغريب وَلَيْسَ التَّغْرِيب فِي الْقُرْآن، وَبِمَا أخرجه الشَّيْخَانِ عَن يعلى بن أُميَّة:"أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ بالجعرانة1 فَجَاءَهُ رجل عَلَيْهِ جُبَّة متضمِّخ2 بِطيب وَقد أحرم بِعُمْرَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رجل أحرم بِعُمْرَة فِي جُبَّة بَعْدَمَا تضمخ بِطيب؟ فَنظر إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَاعَة ثمَّ سكت فَجَاءَهُ الْوَحْي فَأنْزل الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه} ِ ثمَّ سرى3 عَنهُ فَقَالَ: "أَيْن الَّذِي سَأَلَني عَن الْعمرَة آنِفا؟ أما الطّيب الَّذِي بك فاغسله ثَلَاث مَرَّات، وَأما الْجُبَّة فانزعها ثمَّ اصْنَع فِي عمرتك مَا تصنع فِي حجك".
ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن طَاوس "أَن عِنْده كتابا من
1 - هُوَ مَوضِع قريب من مَكَّة وَهُوَ فِي الْحل وميقات الْإِحْرَام
2 -
التضمخ: التلطخ بالطيب وَغَيره والإكثار مِنْهُ
3 -
أَي زَالَ وكشف
الْعُقُول نزل بِهِ الْوَحْي وَمَا فرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صَدَقَة وعقول1 فَإِنَّمَا نزل بِهِ الْوَحْي". وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن حسان ابْن عَطِيَّة قَالَ: "كَانَ جِبْرِيل عليه السلام ينزل على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالسنةِ كَمَا ينزل عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ يُعلمهُ إِيَّاهَا كَمَا يُعلمهُ الْقُرْآن" أخرجه الدَّارمِيّ، وَأخرج بِسَنَدِهِ من طَرِيق الْقَاسِم ابْن مخيمرة عَن طَلْحَة بن فَضِيلَة قَالَ: "قيل لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي عَام سَنَة2 سعّر لنا يَا رَسُول الله، قَالَ:"لَا يسألني الله عَن سُنَّة أحدثتها فِيكُم لم يَأْمُرنِي بهَا، وَلَكِن اسألوا الله من فَضله" وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن الْمطلب بن حنْطَب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا تركت شَيْئا مِمَّا أَمركُم الله بِهِ إِلَّا وَقد أَمرتكُم بِهِ، وَلَا تركت شَيْئا مِمَّا نهاكم الله عَنهُ إِلَّا وَقد نَهَيْتُكُمْ عَنهُ، وَأَن الرّوح الْأمين قد نفث فِي رُوعي أَنه لن تَمُوت نفس حَتَّى تستوفي رزقها فَاتَّقُوا الله وأجملوا فِي الطّلب" قَالَ الشَّافِعِي: وَلَيْسَ تعدو السّنَن كلهَا وَاحِدًا من هَذِه الْمعَانِي الَّتِي وضعت باخْتلَاف من حكيت عَنهُ من أهل الْعلم وكل مَا سنّ فقد ألزمنا الله تَعَالَى اتِّبَاعه، وَجعل فِي اتِّبَاعه
1 - جمع عقل: وَهُوَ الدِّيَة وَأَصله أَن الْقَاتِل كَانَ إِذا قتل قَتِيلا جمع الدِّيَة من الْإِبِل فعقلها بِفنَاء أَوْلِيَاء الْمَقْتُول أَي شدها فِي عقلهَا ليسلمها إِلَيْهِم ويقبضوها مِنْهُ، فسميت الدِّيَة عقلا بِالْمَصْدَرِ.
2 -
السّنة: الجدب يُقَال أخذتهم السّنة إِذا أجدبوا وأقحطوا
طَاعَته، وفى العنود1 عَن اتِّبَاعه مَعْصِيَته الَّتِي لم يعْذر بهَا خلقا وَلم يَجْعَل لَهُ من اتِّبَاع سنَن نبيه مخرجا.
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَاب مَا أَمر الله بِهِ من طَاعَة رَسُوله صلى الله عليه وسلم، وَالْبَيَان أَن طاعتَه طاعتُه قَالَ الله تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} وَقَالَ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} قَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه:. فأعلمهم أَن بيعةَ رَسُوله بيعتُه وَأَن طاعتَه طاعتُه فَقَالَ: {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ، قَالَ الشَّافِعِي:" (فِيمَا بلغنَا وَالله تَعَالَى أعلم) 2 نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل خَاصم الزبير فِي أَرض فَقضى النَّبِي صلى الله عليه وسلم بهَا للزبير وَهَذَا الْقَضَاء سنة من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا حكم مَنْصُوص فِي الْقُرْآن. أخرج الشَّيْخَانِ عَن عبد الله بن الزبير: "أَن رجلا من الْأَنْصَار خَاصم الزبير فِي شراج الْحرَّة3 الَّتِي يسقون بهَا النّخل فَقَالَ الْأنْصَارِيّ:
1 - فِي بعض النّسخ: وَفِي العتو وَمَا هُنَا مُوَافق لما فِي الرسَالَة
2 -
الزِّيَادَة من الرسَالَة
3 -
الشراج مسيل المَاء من الْحزن إِلَى السهل واحده شرج. والحرة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء من الأَرْض الصلبة الغليظة، وَالْجمع حرات وبالمدينة حرتان: حرَّة واقم وحرة ليلى وَقيل هِيَ أَكثر من حرتين وَالله أعلم.
سرِّح المَاء يمرّ فَأبى عَلَيْهِ الزبير فاختصما إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اسْقِ يَا زبير ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك، فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله أَن كَانَ ابْن عَمَّتك، فتلوّن وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا زبير اسْقِ ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر"، فَقَالَ الزبير: وَالله إِنِّي لأحسب أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي ذَلِك {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الْآيَة". وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله، وَمن عَصَانِي فقد عصى الله"، وَأخرج البُخَارِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: "جَاءَت مَلَائِكَة إِلَى نَبِي الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَائِم فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه نَائِم، وَقَالَ بَعضهم: إِن الْعين نَائِمَة وَالْقلب يقظان، فَقَالُوا: إِن لصاحبكم هَذَا مثلا فاضربوا لَهُ مثلا، فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه نَائِم، وَقَالَ بَعضهم إِن الْعين نَائِمَة وَالْقلب يقظان، فَقَالُوا: مثله كَمثل رجل بنى دَارا وَجعل فِيهَا مأدبة وَبعث دَاعيا فَمن أجَاب الدَّاعِي دخل الدَّار وَأكل من المأدبة، وَمن لم يجب الدَّاعِي لم يدْخل الدَّار وَلم يَأْكُل من المأدبة فَقَالُوا: أوِّلوها لَهُ: يفقهها، فَقَالَ بَعضهم: إِنَّه نَائِم وَقَالَ بَعضهم: إِن الْعين نَائِمَة وَالْقلب يقظان، فَقَالُوا: فالدار الْجنَّة، والداعي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَمن أطَاع مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فقد أطَاع الله وَمن عصى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله،
وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم فرق بَين النَّاس"، وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كل أمتِي يدْخلُونَ الْجنَّة إِلَّا من أَبى، قَالُوا يَا رَسُول الله وَمن يَأْبَى؟ قَالَ: من أَطَاعَنِي دخل الْجنَّة وَمن عَصَانِي فقد أَبى". قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله: وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} إِلَى قَوْله {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، أخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان فِي قَوْله {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} قَالَ يطبع الله على قُلُوبهم: قَالَ الشَّافِعِي: وَأمرهمْ بِأخذ مَا أَتَاهُم والانتهاء عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ فَقَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات1 للحُسن المغيِّرات خلقَ الله تَعَالَى فَبلغ ذَلِك امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم يَعْقُوب فَجَاءَت فَقَالَت: إِنَّه بَلغنِي أَنَّك قلت كَيْت وَكَيْت، فَقَالَ: مَالِي لَا ألعن من لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي كتاب الله، فَقَالَت: لقد قَرَأت مَا بَين اللَّوْحَيْنِ فَمَا وجدته قَالَ: إِن كنت قرأتيه
1 - الْوَاشِمَات: جمع واشمة من الوشم. وَالْمُسْتَوْشِمَات: جمع مستوشمة وَهِي الَّتِي تسْأَل وتطلب ذَلِك، وَالْمُتَنَمِّصَات جمع متنمصة من التنمص وَهُوَ نتف الشّعْر من الْوَجْه، وَالْمُتَفَلِّجَات: جمع متفلجة وَهِي الَّتِي تفعل الْفرج بَين أسنانها لِلْحسنِ
فقد وجدتيه أما قرأتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قَالَت: بلَى قَالَ: فَإِنَّهُ نهى عَنهُ، قَالَ الشَّافِعِي: وَأَبَان أَنه يهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فَقَالَ: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ هـ} قَالَ الشَّافِعِي: وَكَانَ فَرْضه على من عاين رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمن بعده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَاحِدًا فِي أَن على كلٍّ طاعتُه، ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن مَيْمُون بن مهْرَان فِي قَوْله:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قَالُوا: الرَّد إِلَى الله: إِلَى كِتَابه، وَالرَّدّ إِلَى الرَّسُول صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم إِذا قبض: إِلَى سنته. ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي دَاوُد عَن أبي رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا أَلفَيْنِ أحدا مُتكئا على أريكة يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي مِمَّا أمرت بِهِ أَو نهيت عَنهُ فَيَقُول: لَا نَدْرِي مَا وجدنَا فِي كتاب الله اتبعناه" قَالَ الشَّافِعِي وَفِي هَذَا تثبيت الْخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وإعلامهم أَنه لَازم لَهُم، وَإِن لم يَجدوا فِيهِ نصا فِي كتاب الله. ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ حَدِيث أَبى دَاوُد أَيْضا عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ: "نزلنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَيْبَر وَمَعَهُ من مَعَه من أَصْحَابه، وَكَانَ صَاحب خَيْبَر رجلا مارداً مُنْكرا، فَأقبل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد ألكم أَن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا
نِسَاءَنَا؟ فَغَضب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: يَا ابْن عَوْف اركب فرسك ثمَّ نَاد أَن اجْتَمعُوا للصَّلَاة، فَاجْتمعُوا فصلى النَّبِي عليه الصلاة والسلام ثمَّ قَامَ فَقَالَ: أيحسب أحدكُم مُتكئا على أريكته لَا يظنّ أَن الله لم يحرم شَيْئا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآن أَلا إِنِّي وَالله قد أمرت ووعظت ونهيت عَن أَشْيَاء إِنَّهَا لمثل الْقُرْآن أَو أَكثر، وَإِن الله عز وجل لم يحل لكم أَن تدْخلُوا بيُوت أهل الْكتاب إِلَّا بِإِذن، وَلَا ضرب نِسَائِهِم، وَلَا أكل ثمارهم إِذا أعطوكم الَّذِي عَلَيْهِم".
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَاب بَيَان بطلَان مَا يحْتَج بِهِ بعض من رد الْأَخْبَار من الْأَخْبَار الَّتِي رَوَاهَا بعض الضُّعَفَاء فِي عرض السّنة على الْقُرْآن. قَالَ الشَّافِعِي: احتجَّ على بعض من رد الْأَخْبَار بِمَا رُوي أَن النَّبِي عليه الصلاة والسلام قَالَ: "مَا جَاءَكُم عني فاعرضوه على كتاب الله فَمَا وَافقه فَأَنا قلته وَمَا خَالفه فَلم أَقَله". فَقلت لَهُ. مَا روى هَذَا أحد يثبت حَدِيثه فِي شَيْء صَغِير وَلَا كَبِير وَإِنَّمَا هِيَ رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول، وَنحن لَا نقبل مثل هَذِه الرِّوَايَة فِي شَيْء.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَشَارَ الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى مَا رَوَاهُ خَالِد بن أبي كَرِيمَة عَن أَبى جَعْفَر: "عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه دَعَا الْيَهُود فَسَأَلَهُمْ فحدثوه حَتَّى كذبُوا على عِيسَى عليه السلام، فَصَعدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَر فَخَطب النَّاس فَقَالَ: "إِن الحَدِيث
سيفشو عني، فَمَا أَتَاكُم يُوَافق الْقُرْآن فَهُوَ عني، وَمَا أَتَاكُم عني يُخَالف الْقُرْآن فَلَيْسَ عني" قَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالِد مَجْهُول، وَأَبُو جَعْفَر لَيْسَ بصحابي، فَالْحَدِيث مُنْقَطع. وَقَالَ الشَّافِعِي وَلَيْسَ يُخَالف الحَدِيث الْقُرْآن، وَلَكِن حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يبين معنى مَا أَرَادَ خَاصّا وعاما: وناسخا ومنسوخا ثمَّ يلْزم النَّاس مَا سنّ بِفَرْض الله فَمن قبل عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعَن الله قبل.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوي الحَدِيث من أوجه أُخر كلهَا ضَعِيفَة، ثمَّ أخرج من طَرِيق ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن الْأصْبع بن مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور أَنه بلغه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الحَدِيث على ثَلَاث: فأيما حَدِيث بَلغَكُمْ عني تعرفونه بِكِتَاب الله فاقبلوه، وَأَيّمَا حَدِيث بَلغَكُمْ عني لَا تَجِدُونَ فِي الْقُرْآن مَوْضِعه وَلَا تعرفُون مَوْضِعه فَلَا تقبلوه، وَأَيّمَا حَدِيث بَلغَكُمْ عني تقشعر مِنْهُ جلودكم وتشمئز مِنْهُ قُلُوبكُمْ وتجدون فِي الْقُرْآن خِلَافه فَردُّوهُ" قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذِه رِوَايَة مُنْقَطِعَة عَن رجل مَجْهُول.
ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ من طَرِيق عَاصِم بن أبي النجُود عَن زر بن حُبَيْش عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهَا تكون بعدِي رُوَاة يروون عني الحَدِيث فاعرضوا حَدِيثهمْ على الْقُرْآن، فَمَا وَافق الْقُرْآن فَحَدثُوا بِهِ
وَمَا لم يُوَافق الْقُرْآن فَلَا تَأْخُذُوا بِهِ". قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا وهم وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد بن عَليّ مُنْقَطِعًا1، قَالَ بِسَنَدِهِ من طَرِيق بشر بن. نمير عَن حُسَيْن بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّه سَيَأْتِي نَاس يحدثُونَ عني حَدِيثا فَمن حَدثكُمْ حَدِيثا يضارع الْقُرْآن فَأَنا قلته، وَمن حَدثكُمْ حَدِيثا لَا يضارع الْقُرْآن فَلم أَقَله" قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف لَا يحْتَج بِمثلِهِ، حُسَيْن بن عبد الله بن ضميرَة قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَبشر بن. نمير لَيْسَ بِثِقَة. ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ من طَرِيق صَالح بن مُوسَى عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ مني أَحَادِيث مُخْتَلفَة فَمَا أَتَاكُم مُوَافقا لكتاب الله وسنتي فَهُوَ مني، وَمَا أَتَاكُم مُخَالفا لكتاب الله وسنتي فَلَيْسَ مني" قَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ صَالح بن مُوسَى الطلحي وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بحَديثه، قلت: وَمَعَ ذَلِك فَالْحَدِيث لنا لَا علينا، أَلا ترى إِلَى قَوْله:"مُوَافقا لكتاب الله وسنتي".
ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يحيى بن آدم عَن ابْن. أبي ذِئْب عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
1 - عبارَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه هَكَذَا: "هَذَا وهم، وَالصَّوَاب عَن عَاصِم عَن زيد عَن عَليّ بن الْحُسَيْن مُرْسلا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم اهـ"
قَالَ: "إِذا حدثتم عني حَدِيثا تعرفونه وَلَا تُنْكِرُونَهُ قلته أَو لم أَقَله فصدِّقوا بِهِ فَإِنِّي أَقُول مَا يعرف وَلَا يُنكر، وَإِذا حدثتم عني حَدِيثا تُنْكِرُونَهُ وَلَا تعرفونه فَلَا تصدّقوا بِهِ فَإِنِّي لَا أَقُول مَا يُنكر وَلَا يعرف". قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ ابْن خُزَيْمَة: "فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث مقَال لم نر فِي شَرق الأَرْض وَلَا غربها أحدا يعرف خبر ابْن أبي ذِئْب من غير رِوَايَة يحيى بن آدم وَلَا رَأَيْت أحدا من عُلَمَاء الحَدِيث يثبت هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة". قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ مُخْتَلف على يحيى بن آدم فِي إِسْنَاده وَمَتنه اخْتِلَافا كثيرا يُوجب الِاضْطِرَاب، مِنْهُم من يذكر أَبَا هُرَيْرَة، وَمِنْهُم من لَا يذكرهُ وَيُرْسل الحَدِيث. وَمِنْهُم من يَقُول فِي مَتنه:"إِذا رويتم الحَدِيث عني فاعرضوه على كتاب الله"، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه:"ذِكرُ أبي هُرَيْرَة فِيهِ وهم". ثمَّ أخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْحَارِث بن نَبهَان عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْعَرْزَمِي عَن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا بَلغَكُمْ عني من حَدِيث حسن لم أَقَله فَأَنا قلته". قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا بَاطِل، والْحَارث والعرزمي مَتْرُوكَانِ، وَعبد الله بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة مُرْسل فَاحش، قَالَ: وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة مَا يضاد بعض هَذَا.
ثمَّ أخرج من طَرِيق أبي معشر السندي عَن سعيد
المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا أَلفَيْنِ أحدا مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الحَدِيث من حَدِيثي فَيَقُول: اتل عليَّ قُرْآنًا، مَا أَتَاكُم من خير عني قلته أَو لم أَقَله فَأَنا أقوله، وَمَا أَتَاكُم عني من شَرّ فَإِنِّي لَا أَقُول الشَّرّ"، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: صدرُ هَذَا الحَدِيث مُوَافق للأحاديث الصَّحِيحَة فِي قبُول الْأَخْبَار، وَقَوله:"قلته أَو لم أَقَله" فِي هَذِه الْأَحَادِيث مَالا يَلِيق بِكَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا يشبه المقبول.
ثمَّ أخرج من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن سلمَان بن عَمْرو مولى الْمطلب عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا حدثتم عني مِمَّا تعرفُون فصدقوا، وَمَا حدثتم عني مِمَّا تنكرون فَلَا تصدقوا، فَإِنِّي لَا أَقُول الْمُنكر وَلَيْسَ مني"، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا مُنْقَطع، قَالَ: وأمثلُ إِسْنَاد رُوي فِي هَذَا الْمَعْنى مَا رَوَاهُ ربيعَة عَن عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد عَن أبي حميد أَو أبي أسيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث عني تعرفه قُلُوبكُمْ وتلين لَهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون أَنه مِنْكُم قريب فَأَنا أَوْلاكم بِهِ، وَإِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث عني تنكره قُلُوبكُمْ وتنفر مِنْهُ أَشْعَاركُم وَأَبْشَاركُمْ وترون أَنه مِنْكُم بعيد فَأَنا أبعدكم مِنْهُ". ثمَّ أخرج من طَرِيق بكير عَن عبد الْملك بن سعيد عَن ابْن عَبَّاس بن سهل عَن أُبي قَالَ: "إِذا بَلغَكُمْ عَن رَسُول
الله صلى الله عليه وسلم مَا يُعرف وتلين لَهُ الْجُلُود فقد يَقُول النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْخَيْر وَلَا يَقُول إِلَّا الْخَيْر" قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: وَهَذَا أصح - يَعْنِي أصح من رِوَايَة من رَوَاهُ عَن أبي حميد أَو أبي أسيد - وَقد رَوَاهُ ابْن لَهِيعَة عَن بكير بن الْأَشَج عَن عبد الْملك بن سعيد عَن الْقَاسِم بن سُهَيْل عَن أبي بن كَعْب قَالَ ذَلِك بِمَعْنَاهُ فَصَارَ الحَدِيث الْمسند معلولا، وعَلى الْأَحْوَال كلهَا حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الثَّابِت عَنهُ قريب من الْعُقُول مُوَافق لِلْأُصُولِ لَا يُنكره عقلُ من عقلَ عَن الله الْموضع الَّذِي وضع بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من دينه وَمَا افْترض على النَّاس من طَاعَته، وَلَا ينفر مِنْهُ قلب من اعْتقد تَصْدِيقه فِيمَا قَالَ واتباعه فِيمَا حكم بِهِ، وكما هُوَ جميل حسن من حَيْثُ الشَّرْع جميل فِي الْأَخْلَاق حسن عِنْد أولي الْأَلْبَاب. هَذَا هُوَ المُرَاد مِمَّا عَسى يَصح من أَلْفَاظ هَذِه الْأَخْبَار.
ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "إِذا حدثتكم بِحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم تَجدوا تَصْدِيقه فِي الْكتاب أَو هُوَ حسن فِي أَخْلَاق النَّاس فَأَنا بِهِ كَاذِب"، وَأخرج عَن عَليّ:"فَإِذا حدثتم عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئا فظُنوا بِهِ الَّذِي هُوَ أهْدى وَالَّذِي هُوَ أهنأ وَالَّذِي هُوَ أتقى". قلت: والمعوَّل عَلَيْهِ فِي معنى الحَدِيث المورد أَن تثبت مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام الشَّافِعِي مِمَّا سبق أَن السّنة الثَّابِتَة لَيست منافرة
لِلْقُرْآنِ بل معاضدة لَهُ، وَإِن لم يكن فِيهِ نَص صَرِيح بلفظها فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يفهم من الْقُرْآن مَالا يفهمهُ غَيره، وَقد قَالَ لما سُئِلَ عَن الحُمُر:" مَا أنزل فِيهَا شَيْء إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة الجامعة، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} " فَانْظُر أَخذ حكمهَا من أَيْن؟ وَقَالَ ابْن مَسْعُود فِيمَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم: "مَا من شَيْء إِلَّا بُين لنا فِي الْقُرْآن وَلَكِن فهمنا يقصر عَن إِدْرَاكه، فَلذَلِك قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} " فَانْظُر هَذَا الْكَلَام من ابْن مَسْعُود أحد أجلاء الصَّحَابَة وأقدمهم إسلاما.
قَالَ بَعضهم: السّنة شرح لِلْقُرْآنِ، وَقد ألف ابْن برَّجان كتابا فِي معاضدة السّنة لِلْقُرْآنِ: أخرج الشَّافِعِي. وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق طَاوس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنِّي لَا أحل إِلَّا مَا أحل الله فِي كِتَابه، وَلَا أحرم إِلَّا مَا حرم الله فِي كِتَابه" قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا مُنْقَطع، وَكَذَلِكَ صنع صلى الله عليه وسلم وَبِذَلِك أَمر. وافترض عَلَيْهِ أَن يتبع مَا أُوحِي إِلَيْهِ ونشهد أَن قد اتبعهُ وَمَا لم يكن فِيهِ وَحي فقد فرض الله فِي الْوَحْي اتِّبَاع سنته، فَمن قبل عَنهُ فَإِنَّمَا قبل بِفَرْض الله، قَالَ الله تَعَالَى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَوله "فِي كِتَابه" إِن صحت هَذِه اللَّفْظَة فَإِنَّمَا أَرَادَ فِيمَا أُوحِي إِلَيْهِ، ثمَّ مَا أُوحِي إِلَيْهِ نَوْعَانِ: أَحدهمَا وَحي
يُتْلَى، وَالْآخر وَحي لَا يُتْلَى، وَقد احْتج ابْن مَسْعُود من الْآيَة الَّتِي احْتج بهَا الشَّافِعِي. بِمثل مَا احْتج بِهِ فِي أَن من قبل عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فبكتاب الله قبله فَإِن حكمه فِي وجوب اتِّبَاعه حكم مَا ورد بِهِ الْكتاب، ثمَّ أورد الحَدِيث السَّابِق فى لعن الْوَاشِمَات.
ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَاب فِيمَا ورد عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَغَيرهم من الصَّحَابَة من الرُّجُوع إِلَى خَبره، أخرج فِيهِ عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ:"جَاءَت الْجدّة إِلَى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه لتسأله مِيرَاثهَا. فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر: مَالك فِي كتاب الله شَيْء وَمَا أعلم لَك فِي سنة نَبِي الله صلى الله عليه وسلم شَيْئا، فارجعي حَتَّى أسأَل النَّاس، فَسَأَلَ النَّاس فَقَالَ لَهُ الْمُغيرَة بن شُعْبَة: حضرت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهَا السُّدس، فَقَالَ أَبُو بكر. هَل مَعَك غَيْرك: فَقَامَ مُحَمَّد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ فَقَالَ مثل مَا قَالَ، فأنفذه لَهَا أَبُو بكر".
وَأخرج عَن ابْن الْمسيب أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه كَانَ يَقُول: "الدِّيَة لِلْعَاقِلَةِ، وَلَا تَرث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا شَيْئا حَتَّى أخبرهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَيْهِ أَن يُورث1 امْرَأَة أشْيَم الضبابِي من دِيَته
1 - فِي سنَن أبي دَاوُد: "قَالَ لَهُ الضَّحَّاك كتب إِلَيّ رَسُول الله أَن أورث الخ" والْحَدِيث أخرجه أَيْضا أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ
فَرجع إِلَيْهِ عمر"، أخرجه أَبُو دَاوُد. وَأخرج عَن طَاوس أَن عمر قَالَ: "أذكِّر الله امْرَءًا سمع من النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِين شَيْئا فَقَامَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة قَالَ كنت بَين جاريتين لي - يَعْنِي ضرتين - فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمسطح فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَقضى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بغرّة، فَقَالَ عمر: لَو لم نسْمع هَذَا لقضينا فِيهِ بِغَيْر هَذَا، إِن كدنا نقضي فِيهِ برأينا".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي: قد رَجَعَ عمر عَمَّا كَانَ يقْضِي فِيهِ بِحَدِيث الضحّاك إِلَى أَن خَالف حكم نَفسه، وَأخْبر فِي الْجَنِين أَنه لَو لم يسمع هَذَا لقضى بِغَيْرِهِ. وَقَالَ: إِن كدنا نقضي فِيهِ برأينا.
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عبد الله ابْن عَامر بن ربيعَة: "أَن عمر خرج إِلَى الشَّام فَلَمَّا جَاءَ سرغ1 بلغه أَن الوباء قد وَقع بِالشَّام فَأخْبرهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْض فَلَا تقدمُوا عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا"، فَرجع عمر من سرغ". قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي سَالم بن عبد الله بن عمر أَن عمر إِنَّمَا انْصَرف بِالنَّاسِ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف.
1 - سرغ: بِفَتْح الرَّاء وسكونها: قَرْيَة بوادي تَبُوك من طَرِيق الشَّام
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: "لم يكن عمر أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذهَا من مجوس هجر".
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زَيْنَب بنت كَعْب بن عجْرَة: "أَن الفريعة بنت مَالك بن سِنَان - وَهِي أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ - أخْبرتهَا أَنَّهَا جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لتسأله أَن ترجع إِلَى أَهلهَا فِي بني خدرة فَإِن زَوجهَا خرج فِي طلب أعبُد لَهُ أَبقوا حَتَّى إِذا كَانَ بِطرف الْقدوم لحقهم فَقَتَلُوهُ. فسألتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن أرجع إِلَى أَهلِي فَإِن زَوجي لم يتركني فِي مسكن يملكهُ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "امكثي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله"، قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، قَالَت: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان أرسل إليَّ فَسَأَلَنِي عَن ذَلِك فَأَخْبَرته فَاتبعهُ وَقضى بِهِ"، وَأخرج عَن عَليّ ابْن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ:"كنت إِذا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثا نَفَعَنِي الله مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَن يَنْفَعنِي، وَإِذا حَدثنِي أحد من أَصْحَابه اسْتَحْلَفته فَإِذا حلف لي صدّقته، وَأَنه حَدثنِي أَبُو بكر - وَصدق أَبُو بكر - أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "مَا من عبد موقن يُذنب ذَنبا فيتطهر فَيحسن الطّهُور ويستغفر الله إِلَّا غفر لَهُ" أخرجه أَحْمد.
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس: "أَن زيد بن ثَابت
قَالَ لَهُ: أتفتي أَن تصدُر الْحَائِض قبل أَن يكون آخر عهدها بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما لَا، فَسَأَلَ فُلَانَة الْأَنْصَارِيَّة، هَل أمرهَا بذلك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟، فَرجع زيد بن ثَابت يضْحك وَيَقُول: مَا أَرَاك إِلَّا قد صدقت". قَالَ الشَّافِعِي: فَسمع زيد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أفتى ابْن عَبَّاس بالصدر أنكرهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا أخبر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى عَلَيْهِ حَقًا أَن يرجع عَن خلاف ابْن عَبَّاس1. وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: "قلت لِابْنِ عَبَّاس: إِن نوفلا الْبكالِي يزْعم أَن مُوسَى صَاحب الْخضر لَيْسَ بمُوسَى بني إِسْرَائِيل، فَقَالَ: كذب عَدو الله، أَخْبرنِي أبي بن كَعْب قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فَذكر حَدِيث مُوسَى وَالْخضر"، قَالَ الشَّافِعِي: ابْن عَبَّاس مَعَ فقهه وورعه كذَّب امْرأ من الْمُسلمين وَنسبه إِلَى عَدَاوَة الله لما أخبرهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من خلاف قَوْله. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم عَن هِشَام بن جُبَير قَالَ: "كَانَ طَاوس
1 - كَذَا فِي الأَصْل. وَعبارَة الشَّافِعِي فِي الْأُم هَكَذَا: قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى: فَسمع زيد النَّهْي، أَن لَا يصدر أحد من الْحَاج حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ، وَكَانَت الْحَائِض عِنْده من الْحَاج الداخلين فِي ذَلِك النَّهْي فَلَمَّا أفتاها ابْن عَبَّاس بالصدر إِذا كَانَت قد زارت الْبَيْت بعد النَّحْر أنكرهُ عَلَيْهِ زيد، فَلَمَّا أخبرهُ ابْن عَبَّاس عَن الْمَرْأَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمرهَا بذلك فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرته فَصدق الْمَرْأَة، وَرَأى أَن حَقًا عَلَيْهِ أَن يرجع عَن خلاف ابْن عَبَّاس"اهـ
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: اتركهما. فَقَالَ: مَا أدعهما. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ قد نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن صَلَاة بعد الْعَصْر وَلَا أَدْرِي أتعذَّب أم تؤجَر؟ لأنَّ الله قَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} " قَالَ الشَّافِعِي: فَرَأى ابْن عَبَّاس الْحجَّة قَائِمَة على طَاوس بِخَبَرِهِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ودلَّه بِتِلَاوَة كتاب الله عز وجل على أَن فرضا عَلَيْهِ أَن لَا يكون لَهُ الْخيرَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا. وَأخرج مُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: "كُنَّا نخابر وَلَا نرى بذلك بَأْسا حَتَّى زعم رَافع أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْهَا فتركناها من أجل ذَلِك". قَالَ الشَّافِعِي: فَابْن عمر قد كَانَ ينْتَفع بالمخابرة ويراها حَلَالا وَلم يتوسع إِذْ أخبرهُ الثِّقَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه نهى عَنْهَا أَن يخابر بعد خَبره. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن يسَار: "أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بَاعَ سِقَايَة من ذهب أَو ورِق بِأَكْثَرَ من وَزنهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاء: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن مثل هَذَا إِلَّا مثلا بِمثل فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: مَا أرى بِهَذَا بَأْسا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: من يعذرني من مُعَاوِيَة؟ أخبرهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عَن رَأْيه، لَا أساكنك بِأَرْض أَنْت بهَا". قَالَ الشَّافِعِي: فَرَأى أَبُو الدَّرْدَاء الْحجَّة تقوم على مُعَاوِيَة بِخَبَرِهِ، فَلَمَّا لم ير مُعَاوِيَة ذَلِك فَارق
أَبُو الدَّرْدَاء الأَرْض الَّتِي هُوَ بهَا إعظاماً لِأَنَّهُ ترك خبر ثِقَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِي: وأُخبرنا أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ لَقِي رجلا فَأخْبرهُ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَيْئا فخالفه1 فَقَالَ أَبُو سعيد: "وَالله لَا آواني وَإِيَّاك سقف بَيت أبدا". قَالَ الشَّافِعِي: فَرَأى أَن ضيّقاً على الْمخبر أَن لَا يقبل خَبره.
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تمنعوا النِّسَاء بِاللَّيْلِ من الْمَسَاجِد"، فَقَالَ بعض بني عبد الله ابْن عمر: وَالله لَا ندعهن يتخذنه دغلا2، فَضرب ابْن عمر صَدره وَقَالَ: أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنت تَقول مَا تَقول". وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة أَن عبد الله بن مغفَّل رأى رجلا يخذف3 فَنَهَاهُ، فَقَالَ: "إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْخذف، وَقَالَ:"إِنَّه لَا يرد الصَّيْد وَلَا ينْكَأ الْعَدو، وَلكنه قد يكسر السن ويفقأ الْعين" وَقَالَ: فَرَآهُ بعد ذَلِك يخذف فَقَالَ: أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ تخذف وَالله لَا أُكَلِّمك أبدا".
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنه قَالَ، قَالَ
1 - فِي الرسَالَة: فَذكر الرجل خَبرا يُخَالِفهُ.
2 -
هُوَ فِي الأَصْل الشّجر الملتف الَّذِي يكمن أهل الْفساد فِيهِ.
3 -
الْخذف: هُوَ الرَّمْي بالحصا الصغار بأطراف الْأَصَابِع، "اللِّسَان".
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " الْحيَاء خير كُله" فَقَالَ بشير بن كَعْب: إِنَّا نجد فِي بعض الْكتاب أَن مِنْهُ سكينَة ووقارا وَمِنْه ضعفا، فَغَضب عمرَان بن حُصَيْن حَتَّى احْمَرَّتْ عَيناهُ وَقَالَ: أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فِيهِ. وَفِي رِوَايَة: وتحدثني عَن صحفك.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم عَن الْحسن قَالَ: "بَيْنَمَا عمرَان بن الْحصين يحدث عَن سنة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا نجيد حَدثنَا بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُ عمرَان أَنْت وَأَصْحَابك تقرؤون الْقُرْآن أَكنت محدثي عَن الصَّلَاة وَمَا فِيهَا وحدودها، أَكنت محدثي عَن الزَّكَاة فِي الذَّهَب وَالْإِبِل وَالْبَقر وأصناف المَال؟ وَلَكِن قد شهدتُ وغبتَ أَنْت، ثمَّ قَالَ: فرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الزَّكَاة كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الرجل: أحييتني أحياك الله، قَالَ الْحسن: فَمَا مَاتَ ذَلِك الرجل حَتَّى صَار من فُقَهَاء الْمُسلمين".
قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا أعلم من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين أحدا أخبر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا قبل خَبره وانْتهى إِلَيْهِ وَأثبت ذَلِك سنة. ثمَّ أخرج عَن سَالم بن عبد الله: "أَن عمر بن الْخطاب نهى عَن الطّيب قبل زِيَارَة الْبَيْت وَبعد الْجَمْرَة، قَالَ سَالم: قَالَت عَائِشَة: طيبت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بيَدي لإحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ، وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَق".
قَالَ الشَّافِعِي: فَترك سَالم قَول جده عمر فِي إِمَامَته، وَعمل بِخَبَر عَائِشَة. وأعلمَ من حَدثهُ أَنه سنة وَأَن سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَحَق، وَذَلِكَ الَّذِي يجب عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِي: وضع ذَلِك الَّذين بعد التَّابِعين، وَالَّذين لَقِينَاهُمْ كلهم يثبت الْأَخْبَار ويجعلها سنة يحمد من تبعها ويعاب من خالفها، فَمن فَارق هَذَا الْمَذْهَب كَانَ عندنَا مفارق سَبِيل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأهل الْعلم بعدهمْ إِلَى الْيَوْم، وَكَانَ من أهل الْجَهَالَة. انْتهى.
هَذَا الَّذِي سقته من أول الْكتاب إِلَى هُنَا كُله تَحْرِير الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه كلَاما واستدلالا بالأحاديث وَلَقَد أتقنه رضي الله عنه وَأَطْنَبَ فِيهِ لداعية الْحَاجة إِلَيْهِ فِي زَمَنه لما كَانَ يناظره من الزَّنَادِقَة والرافضة الرادين للْأَخْبَار، وَنَقله الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه فزاده محَاسِن كَمَا تقدم بَيَانه، وَبقيت آثَار ذكرهَا الْبَيْهَقِيّ مفرقة فِي كِتَابه، فها أَنا أذكرها ثمَّ أَزِيد عَلَيْهَا بِمَا لم يَقع فِي كَلَامه وَلَا فِي كَلَام الشَّافِعِي رضي الله عنه.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ قَالَ: "إِذا حدثت الرجل بِسنة فَقَالَ: دَعْنَا من هَذَا وأنبئنا عَن الْقُرْآن فَاعْلَم أَنه ضال"، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ:"وَذَلِكَ أَن السّنة جَاءَت قاضية على الْكتاب وَلم يجىء الْكتاب قَاضِيا على السّنة".
وَأخرج عَن أَيُّوب قَالَ: "قَالَ رجل عِنْد مطرِّف بن عبد الله لَا تحدثونا إِلَّا بِمَا فِي الْقُرْآن. فَقَالَ مُطرِّف: إِنَّا وَالله مَا نُرِيد بِالْقُرْآنِ بَدَلا وَلَكنَّا نُرِيد من هُوَ أعلم بِالْقُرْآنِ منا". وَأخرج البُخَارِيّ عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ: "شهِدت عليا وَعُثْمَان بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَعُثْمَان ينْهَى عَن الْمُتْعَة وَأَن يجمع بَينهمَا، فَلَمَّا رأى ذَلِك عليٌّ أهل بهما جَمِيعًا فَقَالَ: لبيْك بِحجَّة وَعمرَة مَعًا، فَقَالَ عُثْمَان: تراني أنهى النَّاس عَن شَيْء وَأَنت تَفْعَلهُ، فَقَالَ: مَا كنت لأدع سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقَوْل أحد من النَّاس".
وَأخرج مُسلم عَن سُلَيْمَان بن يسَار: "أَن أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَأَبا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تَذَاكَرُوا الْمُتَوفَّى عَنْهَا الْحَامِل تضع عِنْد وَفَاة زَوجهَا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ. وَقَالَ أَبُو سَلمَة: بل تحل حِين تضع. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَنا مَعَ ابْن أخي، فأرسلوا إِلَى أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: قد وضعت سبيعة الأسْلَمِيَّة بعد وَفَاة زَوجهَا بِيَسِير فاستفتت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأمرهَا أَن تتَزَوَّج" وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء قَالَ: "لَيْسَ كلنا كَانَ يسمع حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم، كَانَت لنا ضَيْعَة وأشغال وَلَكِن كَانَ النَّاس لم يَكُونُوا يكذبُون فَيحدث الشَّاهِد الْغَائِب" وَأخرج عَن قَتَادَة: "أَن إنْسَانا حدث بِحَدِيث فَقَالَ لَهُ رجل
أسمعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: نعم أَو حَدثنِي من لم يكذب، وَالله مَا كُنَّا نكذب، ولاكنا نَدْرِي مَا الْكَذِب" وَأخرج من طَرِيق مَالك أَن رَجَاء حَدثهُ أَن عبد الله بن عمر كَانَ يتبع أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله ويهتم بِهِ حَتَّى كَانَ قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك. وَأخرج عَن الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ:"حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إِذا كبر وسكتة إِذا فرغ من قِرَاءَة السُّورَة، فَكتب عمرَان بن حُصَيْن فِي ذَلِك إِلَى أبي بن كَعْب فَكتب بِصدق سَمُرَة، وَيَقُول: إِن سَمُرَة حفظ الحَدِيث من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم". وَأخرج عَن مُحَمَّد بن سِيرِين: "أَن ابْن عَبَّاس لما أَمر بِزَكَاة الْفطر أنكر النَّاس ذَلِك عَلَيْهِ، فَأرْسل إِلَى سَمُرَة: أما علمت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر بهَا؟ فَقَالَ: بلَى، قَالَ: فَمَا مَنعك أَن تعلم أهل الْبَلَد؟ ". قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَابْن عَبَّاس عَاتب سَمُرَة على ترك إِعْلَام أهل الْبَلَد أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِزَكَاة الْفطر.
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بلغُوا عني وَلَو آيَة، وَحَدثُوا عني وَلَا تكذبوا عليَّ، فَمن كذب عليَّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار". وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: سَأَلَ أَبُو عصمَة أَبَا حنيفَة فَقَالَ: "إِنِّي سَمِعت هَذِه الْكتب - يَعْنِي الرَّأْي - فَمِمَّنْ تَأْمُرنِي أَن أسمع الْآثَار؟ قَالَ: فَمِمَّنْ كَانَ عدلا فِي
هَوَاهُ إِلَّا الشِّيعَة، فَإِن أصل عقدهم تضليل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَمن أَتَى السُّلْطَان طَائِعا حَتَّى انقادت لَهُ الْعَامَّة فَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يكون من أَئِمَّة الْمُسلمين". قلت: هَذَا الْكَلَام من الإِمَام أبي حنيفَة رضي الله عنه فِي الشِّيعَة، وفَاق مَا قَدمته فِي الْخطْبَة. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حَرْمَلَة بن يحيى قَالَ: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: "مَا فِي أهل الْأَهْوَاء قوم أشهد بالزور من الرافضة. وَأخرج عَن جَابر بن عبد الله" قَالَ: "بَلغنِي حَدِيث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعهُ مِنْهُ، فابتعت بَعِيرًا فشددت عَلَيْهِ رحلي ثمَّ سرت إِلَيْهِ شهرا حَتَّى قدمت الشَّام فَإِذا هُوَ عبد الله بن أنيس الْأنْصَارِيّ فَأَتَيْته فَقلت: حَدِيث بَلغنِي عَنْك أَنَّك سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَظَالِم لم أسمعهُ فَخَشِيت أَن أَمُوت أَو تَمُوت قبل أَن أسمعهُ، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: " يحْشر النَّاس عُرَاة غُرْلا بُهْما. قُلْنَا: وَمَا البُهْم؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهم شَيْء، فيناديهم نِدَاء يسمعهُ من بعُد كَمَا يسمعهُ من قرُب: أَنا الْملك، أَنا الديَّان، لَا يَنْبَغِي لأحد من أهل النَّار أَن يدْخل النَّار، ولأحد من أهل الْجنَّة عِنْده مظْلمَة حَتَّى أقصه مِنْهُ. وَلَا يَنْبَغِي لأحد من أهل الْجنَّة أَن يدْخل الْجنَّة وَأحد من أهل النَّار يَطْلُبهُ بمظلمة حَتَّى أقصه مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَة، قُلْنَا: كَيفَ وَإِنَّمَا نأتي الله عُرَاة غُرْلا
بُهْما؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ والسيئات"، أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: "خرج أَبُو أَيُّوب إِلَى عقبَة بن عَامر يسْأَله عَن حَدِيث سَمعه من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يبْق أحد سَمعه مِنْهُ غَيره، فَلَمَّا قدم أَتَى منزل مسلمة بن مخلد الْأنْصَارِيّ - وَهُوَ أَمِير مصر - فَخرج إِلَيْهِ فعانقه ثمَّ قَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بك يَا أَبَا أَيُّوب؟ قَالَ: حَدِيث سمعتَه من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ستر الْمُؤمن، فَقَالَ: نعم. سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "من ستر مُؤمنا فِي الدُّنْيَا على كربته ستره الله يَوْم الْقِيَامَة" ثمَّ انْصَرف أَبُو أَيُّوب إِلَى رَاحِلَته فركبها رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة فَمَا أَدْرَكته جَائِزَة مسلمة إِلَّا بعريش مصر".
وَأخرج الشَّيْخَانِ من طَرِيق صَالح بن حَيّ قَالَ: "كنت عِنْد الشّعبِيّ، فَقَالَ لَهُ رجل من أهل خُرَاسَان: إِنَّا نقُول بخراسان إِن الرجل إِذا أعتق أم وَلَده ثمَّ تزَوجهَا فَهُوَ كَالَّذي يهدي الْبَدنَة ثمَّ يركبهَا. قَالَ الشّعبِيّ: أَخْبرنِي أَبُو بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلَاثَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ: رجل كَانَت لَهُ أمة فعلَّمها فَأحْسن تعليمها، وأدبها فَأحْسن تأديبها، وأعتقها فَتَزَوجهَا فَلهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْد يُؤَدِّي حق الله وَحقّ سيّده وَهُوَ من أهل الْكتاب" ثمَّ قَالَ الشّعبِيّ للرجل: قد أعطيناكها بِغَيْر
شَيْء وَقد كَانَ الرجل يرحل فِيمَا دونهَا إِلَى الْمَدِينَة". وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: "إِن كنت لأسافر مسيرَة الْأَيَّام والليالي فِي الحَدِيث الْوَاحِد". وَأخرج عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: "قيل لعروة بن الزبير فِي قصَّة ذكرهَا: كذبتَ، قَالَ عُرْوَة: مَا كذبتُ وَلَا أكذبُ وإنَّ أكذبَ الْكَاذِبين لمن كذَّب الصَّادِقين". وَأخرج عَن عُثْمَان بن نفَيْل: قَالَ: "قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: إِن فلَانا يتَكَلَّم فِي وَكِيع وَعِيسَى ابْن يُونُس وَابْن الْمُبَارك، فَقَالَ: من كذَّب أهل الصدْق فَهُوَ الْكذَّاب". وَأخرج مُسلم عَن ابْن سِيرِين قَالَ: "لقد أَتَى على النَّاس زمَان وَمَا يسْأَل عَن إِسْنَاد حَدِيث، فَلَمَّا وَقعت الْفِتْنَة سُئِلَ عَن إِسْنَاد الحَدِيث، فَنظر من كَانَ من أهل السّنة أَخذ من حَدِيثه، وَمن كَانَ من أهل الْبدع ترك حَدِيثه".
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك قَالَ: "كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول: سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الْأَمر من بعده سنناً الأخذُ بهَا تَصْدِيق لكتاب الله واستكثار لطاعة الله وَقُوَّة على دين الله، من اهْتَدَى بهَا فَهُوَ مهتد، وَمن استنصر بهَا فَهُوَ مَنْصُور، وَمن خالفها اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ، وَالله تَعَالَى يَقُول:{نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} .
وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن الْمُزنِيّ أَو الرّبيع قَالَ: كُنَّا يَوْمًا
عِنْد الشَّافِعِي إِذْ جَاءَ شيخ عَلَيْهِ جُبَّة صوف وعمامة صوف وَإِزَار صوف وَفِي يَده عكاز، فَقَامَ الشَّافِعِي وسوَّى عَلَيْهِ ثِيَابه واستوى جَالِسا وسلّم الشَّيْخ وَجلسَ، وَأخذ الشَّافِعِي ينظر إِلَى الشَّيْخ هَيْبَة لَهُ، إِذْ قَالَ لَهُ الشَّيْخ: سل؟، قَالَ: إيش الْحجَّة فِي دين الله، قَالَ: كتاب الله، قَالَ: وماذا؟، قَالَ وَسنة رَسُول الله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وماذا؟، قَالَ: اتِّفَاق الْأمة، قَالَ: من أَيْن؟، قلت: اتِّفَاق الْأمة من كتاب الله، قَالَ فَتدبر الشَّافِعِي سَاعَة، فَقَالَ للشَّافِعِيّ: قد أجلتك ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها فَإِن جِئْت بِحجَّة من كتاب الله فِي الِاتِّفَاق وَإِلَّا تب إِلَى الله، فَتغير لون الشَّافِعِي، ثمَّ أَنه ذهب فَلم يخرج إِلَّا بعد ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن، قَالَ: فَخرج إِلَيْنَا من الْيَوْم الثَّالِث وَقد انتفخ وَجهه ويداه وَرجلَاهُ وَهُوَ مسقام، فَجَلَسَ فَلم يكن بأسرع إِذْ جَاءَ الشَّيْخ وَسلم وَجلسَ فَقَالَ: حَاجَتي، فَقَالَ الشَّافِعِي: نعم، أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم، بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، قَالَ الله تَعَالَى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} لَا يصليه على خلاف الْمُؤمنِينَ إِلَّا وَهُوَ فرض فَقَالَ: صدقت، وَقَامَ فَذهب، فَلَمَّا ذهب الرجل قَالَ الشَّافِعِي: قَرَأت الْقُرْآن كل يَوْم وَلَيْلَة ثَلَاث مَرَّات حَتَّى وَقعت عَلَيْهِ".
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والدارمي عَن معَاذ بن جبل قَالَ: " لما بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيمن قَالَ لي: كَيفَ تقضي إِن عرض عَلَيْك قَضَاء؟، قلت: أَقْْضِي بِمَا فِي كتاب الله، قَالَ: فَإِن لم يكن فِي كتاب الله، قلت: أَقْْضِي بِمَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَإِن لم يكن قضى بِهِ الرَّسُول، قلت: أجتهد رَأْيِي وَلَا آلو، فَضرب صَدْرِي وَقَالَ. الْحَمد لله الَّذِي وفْق رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لما يُرْضِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم". وَأَخْرَجَا أَيْضا وَالْحَاكِم عَن عبيد الله بن أبي يزِيد قَالَ: "رَأَيْت ابْن عَبَّاس إِذا سُئِلَ عَن الشَّيْء، فَإِذا كَانَ فِي كتاب الله قَالَ بِهِ، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَكَانَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بِهِ، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَلَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ عَن أبي بكر وَعمر قَالَ بِهِ، وَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَلَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا عَن أبي بكر عمر اجْتهد رَأْيه". وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك قَالَ: قَالَ ربيعَة: "أنزل الله كِتَابه على نبيه صلى الله عليه وسلم وَترك فِيهِ موضعا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وَسن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سننا وَترك فِيهَا موضعا للرأي". وَأخرج عَن مَسْرُوق قَالَ: قَالَ عمر رضي الله عنه: "ترد النَّاس من الجهالات إِلَى السّنة.
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن عَليّ بن أُميَّة قَالَ: "قلت لعمر بن الْخطاب: لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة
إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا وَقد أَمن النَّاس، فَقَالَ عمر: عجبتُ مِمَّا عجبتَ مِنْهُ فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صَدَقَة تصدق بهَا الله عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته" قَالَ الْعلمَاء: فَهموا من الْآيَة أَنه إِذا عدم الْخَوْف كَانَ الْأَمر فِي الْقصر بِخِلَافِهِ، حَتَّى أخْبرهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالرُّخْصَةِ فِي الْحَالين مَعًا. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد أَنه قَالَ لعبد الله بن عمر:"إِنَّا نجد صَلَاة الْحَضَر وَصَلَاة الْخَوْف فِي الْقُرْآن وَلَا نجد صَلَاة السّفر فِي الْقُرْآن، فَقَالَ ابْن عمر: يَا ابْن أخي إِن الله بعث إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَلَا نعلم شَيْئا فَإِنَّمَا نَفْعل كَمَا رَأينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يفعل". وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِن أحاديثي ينْسَخ بَعْضهَا بَعْضًا كنسخ الْقُرْآن بعضه بَعْضًا"، وَأخرج عَن الزبير بن الْعَوام:"أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول القَوْل ثمَّ يلبث حينا ثمَّ ينسخه بقول آخر كَمَا ينْسَخ الْقُرْآن بعضه بَعْضًا".
وَأخرج عَن مَكْحُول قَالَ: "الْقُرْآن أحْوج إِلَى السّنة من السّنة إِلَى الْقُرْآن". أخرجه سعيد بن مَنْصُور. وَأخرج عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: "السّنة قاضية على الْكتاب وَلَيْسَ الْكتاب قَاضِيا على السّنة". أخرجه الدَّارمِيّ وَسَعِيد ابْن مَنْصُور، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَمعنى ذَلِك أَن السّنة مَعَ الْكتاب أُقِيمَت مقَام الْبَيَان عَن الله كَمَا قَالَ الله: {وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} لَا أَن شَيْئا من السّنَن يُخَالف الْكتاب. قلت: وَالْحَاصِل أَن معنى احْتِيَاج الْقُرْآن إِلَى السّنة أَنَّهَا مبينَة لَهُ ومفصلة لمجملاته، لِأَن فِيهِ لَو جازته كنوزا تحْتَاج إِلَى من يعرف خفايا خباياها فيبررها وَذَلِكَ هُوَ الْمنزل عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ معنى كَون السّنة قاضية عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْقُرْآن مُبينًا للسّنة وَلَا قَاضِيا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَيِّنَة بِنَفسِهَا، إِذْ لم تصل إِلَى حد الْقُرْآن فِي الإعجاز والإيجاز لِأَنَّهَا شرح لَهُ، وشأن الشَّرْح أَن يكون أوضح وَأبين وأبسط من المشروح، وَالله أعلم. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن هِشَام بن يحيى المَخْزُومِي:"أَن رجلا من ثَقِيف أَتَى عمر بن الْخطاب فَسَأَلَ عَن امْرَأَة حَاضَت وَقد كَانَت زارت الْبَيْت ألها أَن تنفر قبل أَن تطهر؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيّ: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أفتاني فِي مثل هَذِه الْمَرْأَة بِغَيْر مَا أَفْتيت، فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَضَربهُ بالدِّرة وَيَقُول: لِمَ تستفتوني فِي شَيْء أفتى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم". وَأخرج عَن ابْن خُزَيْمَة قَالَ: "لَيْسَ لأحد قَول مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صَحَّ الْخَبَر". وَأخرج عَن يحيى بن آدم قَالَ: "لَا يحْتَاج مَعَ قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى قَول أحد إِنَّمَا كَانَ يُقَال سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَأبي بكر، وَعمر، ليعلم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا". وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: "لَيْسَ أحد إِلَّا يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك من قَوْله إِلَّا النَّبِي صلى الله عليه وسلم". وَأخرج
عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: سَمِعت أَبَا حنيفَة يَقُول: "إِذا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فعلى الرَّأْس وَالْعين، وَإِذا جَاءَ عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَخْتَار من قَوْلهم، وَإِذا جَاءَ عَن التَّابِعين زاحمناهم وَأخرج مُسلم عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله، فَإِن كَانُوا فِي الْقُرْآن سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ، فَإِن كَانُوا فِي السّنة سَوَاء فأقدمهم هِجْرَة" وَأخرج عَن أبي البحتري قَالَ: قيل لعَلي بن أبي طَالب رضي الله عنه: أخبرنَا عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: "علم الْقُرْآن وَالسّنة ثمَّ انْتهى وَكفى بِهِ علما".
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مهما أُوتِيتُمْ من كتاب الله فَالْعَمَل بِهِ لَا عذر لأحد فِي تَركه، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله فَسنة نَبِي مَاضِيَة، فَإِن لم يكن سنة نَبِي فَمَا قَالَ أَصْحَابِي، إِن أَصْحَابِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم فِي السَّمَاء، فأيما أَخَذْتُم بِهِ اهْتَدَيْتُمْ، وَاخْتِلَاف أَصْحَابِي لكم رَحْمَة" 1 وَأخرج عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَنه مر على قاص يقص قَالَ: أتعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ عَليّ: هَلَكت وأهلكت". وَأخرج مثله عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قَالَ الشَّافِعِي:، وَلَا يسْتَدلّ على النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْقُرْآن إِلَّا بِخَبَر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
هَذَا الحَدِيث غير صَحِيح لَا سندا وَلَا معنى. 1
أَو بِوَقْت يدل على أَن أَحدهمَا بعد الآخر فَيعلم أَن الآخر هُوَ النَّاسِخ، أَو بقول من سمع الحَدِيث أَو الْإِجْمَاع، قَالَ: وَأكْثر النَّاسِخ فِي كتاب الله إِنَّمَا عرف بِدلَالَة سنَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَأخرج عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قيل لَهُ مَتى يُفْتِي الرجل؟ فَقَالَ: "إِذا كَانَ عَالما بالأثر بَصيرًا بِالرَّأْيِ". وَأخرج عَن جُنْدُب بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَأصَاب فقد أَخطَأ". وَأخرج عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: "أرسل عمر بن الْخطاب إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: كَيفَ تخْتَلف هَذِه الْأمة وكتابها وَاحِد ونبيها وَاحِد وقبلتها وَاحِدَة؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّا أنزل علينا الْقُرْآن فقرأناه وَعلمنَا فِيمَا نزل وَإنَّهُ سَيكون بَعدنَا أقوم يقرؤون الْقُرْآن وَلَا يعْرفُونَ فِيمَا نزل فَيكون لكل قوم فِيهِ رَأْي فَإِذا كَانَ لكل قوم فِيهِ رَأْي اخْتلفُوا، فَإِذا اخْتلفُوا اقْتَتَلُوا". أخرجه سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه، قلت: فعُرف من هَذَا وجوب احْتِيَاج النَّاظر فِي الْقُرْآن إِلَى معرفَة أَسبَاب نُزُوله، أَسبَاب النُّزُول إِنَّمَا تُؤْخَذ من الْأَحَادِيث، وَالله أعلم.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والدارمي عَن الشّعبِيّ قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى شُرَيْح: "إِذا حضرك أَمر لابد مِنْهُ فَانْظُر مَا فِي كتاب الله فَاقْض بِهِ، فَإِن لم يكن فبمَا قضى بِهِ
الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَإِن لم يكن فبمَا قضى بِهِ الصالحون. وأئمة الْعدْل، فَإِن لم يكن فاجتهد رَأْيك". وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ:"من ابْتُلِيَ مِنْكُم بِقَضَاء فليقض بِمَا فِي كتاب الله فَإِن لم يكن فِي كتاب الله فليقض بِمَا قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَلَا فِي قَضَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فليقض بِمَا قضى بِهِ الصالحون، فَإِن لم يكن فليجتهد رَأْيه". وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "من أحدث رَأيا لَيْسَ فِي كتاب الله وَلم تمض بِهِ سنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر على مَا هُوَ مِنْهُ إِذا لَقِي الله". وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يستكمل مُؤمن إيمَانه حَتَّى يكون هَوَاهُ تبعا لما جِئْت بِهِ" وَأخرج الْبَيْهَقِيّ واللالكائي فِي السّنة عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: "إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم أَعدَاء السّنَن أعيتهم أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يحفظوها فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا"، وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي وَائِل قَالَ: "لما قدم سهل بن حنيف من صفّين أتيناه لنستخبره فَقَالَ: اتهموا الرَّأْي على الدّين فَلَقَد رَأَيْتنِي يَوْم أبي جندل وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت وَالله وَرَسُوله أعلم وَمَا وَضعنَا أسيافنا على عواتفنا فِي أَمر يفظعنا إِلَّا سهل بِنَا إِلَى أَمر نعرفه قبل هَذَا الْأَمر مَا سددنا عَنهُ خصما إِلَّا انفجر
علينا خصم مَا نَدْرِي كَيفَ نأتي إِلَيْهِ"، وَأخرج البيقهي وَأَبُو يعلى عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَنه قَالَ: "يَا أَيهَا النَّاس اتهموا الرَّأْي على الدّين فَلَقَد رَأَيْتنِي أرد أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم برأيي اجْتِهَادًا فوَاللَّه مَا آلو عَن الْحق وَذَلِكَ يَوْم أبي جندل وَالْكتاب بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأهل مَكَّة فَقَالَ: اكتبوا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالُوا: تَرَانَا قد صدقناك بِمَا تَقول، وَلَكِنَّك تكْتب كَمَا كنت تكْتب: بِاسْمِك اللَّهُمَّ. فَرضِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت عَلَيْهِم حَتَّى قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " تراني أرْضى وتأبى أَنْت"، فرضيت. وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ:" لوكان الدّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِن الْخُفَّيْنِ أَحَق بِالْمَسْحِ من ظاهرهما وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما"، وَأخرج عَن ابْن عمر قَالَ:"لايزال النَّاس على الطَّرِيق مَا اتبعُوا الْأَثر"، وَأخرج عَن عُرْوَة قَالَ:"اتِّبَاع السّنَن قوام الدّين"، وَأخرج عَن عَامر قَالَ:"إِنَّمَا هلكتم فِي حِين تركْتُم الْآثَار". وَأخرج عَن ابْن سِيرِين قَالَ: "كَانُوا يَقُولُونَ: مَا دَامَ على الْأَثر فَهُوَ على الطَّرِيق"، وَأخرج عَن شُرَيْح قَالَ:"أَنا أقتفى الْأَثر"، يَعْنِي آثَار النَّبِي. صلى الله عليه وسلم. وَأخرج عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ:"إِذا بلغك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيث فإياك أَن تَقول بِغَيْرِهِ، فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ مبلغا عَن الله تَعَالَى" وَأخرج عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: "إِنَّمَا الْعلم كُله الْعلم بالآثار".
وَأخرج عَن عُثْمَان بن عمر قَالَ: "جَاءَ رجل إِلَى مَالك فَسَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة فَقَالَ لَهُ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الرجل: أَرَأَيْت، فَقَالَ مَالك: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ". وَأخرج عَن ابْن وهب قَالَ: قَالَ مَالك: "لم يكن من فتيا النَّاس أَن يُقَال لَهُم: لِمَ قلت هَذَا؟ كَانُوا يكتفون بالرواية ويرضون بهَا". وَأخرج عَن إِسْحَاق بن عِيسَى قَالَ: سَمِعت مَالك بن أنس يعيب الْجِدَال فِي الدّين وَيَقُول: "كلما جَاءَنَا رجل أجدل من رجل أردنَا أَن نرد مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيل عليه السلام إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم". وَأخرج عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: "ليكن الَّذِي تعتمد عَلَيْهِ الْأَثر وَخذ من الرَّأْي مَا يُفَسر لَك الحَدِيث".
وَأخرج عَن يحيى بن ضريس قَالَ: شهِدت سُفْيَان وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: مَا تنقم على أبي. حنيفَة؟ قَالَ: وَمَاله قد سمعته يَقُول: آخذ بِكِتَاب الله فَإِن لم أجد فبسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَإِن لم أجد فِي كتاب الله وَلَا سنة رَسُوله أخذت بقول أَصْحَابه، آخذ بقول من شِئْت مِنْهُم وأدع قَول من شِئْت مِنْهُم وَلَا أخرج من قَوْلهم إِلَى قَول غَيرهم، فَأَما إِذا انْتهى الْأَمر إِلَى إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَابْن الْمسيب - وَعدد رجَالًا - فقوم اجتهدوا فأجتهد كَمَا اجتهدوا". وَأخرج عَن الرّبيع قَالَ: "روى الشَّافِعِي يَوْمًا
حَدِيثا فَقَالَ لَهُ رجل: أتأخذ بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله؟، فَقَالَ: مَتى مَا رويت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَدِيثا صَحِيحا فَلم آخذ بِهِ، فأشهدكم أَن عَقْلِي قد ذهب". وَأخرج عَن الرّبيع قَالَ:"سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقولُوا بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا مَا قلت"، وَأخرج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} قَالَ: "إِلَى كتاب الله وَالرَّسُول، قَالَ: إِلَى سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم"، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والدارمي عَن أبي ذَر قَالَ:"أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن لَا نغلب على أَن نأمر بِالْمَعْرُوفِ وننهى عَن الْمُنكر ونعلم النَّاس السّنَن". وَأخرج عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: "تعلمُوا السّنَن والفرائض واللحن كَمَا تعلمُونَ الْقُرْآن" وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: "أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالْعلمِ قبل أَن يرفع فَإِن من رَفعه أَن يقبض أَصْحَابه، وَإِيَّاكُم والتبدع والتنطع، وَعَلَيْكُم بالعتيق فَإِنَّهُ سَيكون فِي آخر هَذِه الْأمة أَقوام يَزْعمُونَ أَنهم يدعونَ إِلَى كتاب الله وَقد تَرَكُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ". أخرجه الدَّارمِيّ، وَأخرج عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: "كنت أَنا وَأَبُو عُثْمَان وَأَبُو نَضرة وَأَبُو مجلز وخَالِد الْأَشَج نتذاكر الحَدِيث وَالسّنة، فَقَالَ بَعضهم: لَو قَرَأنَا سُورَة من الْقُرْآن كَانَ أفضل، فَقَالَ أَبُو نَضرة: كَانَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه يَقُول: مذاكرة الحَدِيث
أفضل من قِرَاءَة الْقُرْآن"، قلت: وَهَذَا كَمَا، قَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه: "طلب الْعلم أفضل من صَلَاة النَّافِلَة، لِأَن قِرَاءَة الْقُرْآن نَافِلَة، وَحفظ الحَدِيث فرض كِفَايَة"، وَالله أعلم. وَأخرج عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: "لَا أعلم شَيْئا من الْأَعْمَال أفضل من طلب الحَدِيث لمن حسنت فِيهِ نِيَّته". وَأخرج عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: "مَا أعلم شَيْئا أفضل من طلب الحَدِيث لمن أَرَادَ بِهِ الله عز وجل".
وَأخرج عَن خَالِد بن يزِيد قَالَ: "حُرْمَة أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَحُرْمَةِ كتاب الله"، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ فِي معرفَة حَقّهَا وتعظيم حرمتهَا وَفرض اتباعها. وَأخرج عَن الشَّافِعِي قَالَ: كلما رَأَيْت رجلا من أَصْحَاب الحَدِيث فَكَأَنَّمَا رَأَيْت رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
وَأخرج عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس قَالَ: "كَانَ مَالك إِذا أَرَادَ أَن يحدث تَوَضَّأ وَجلسَ على صدر فرَاشه وسرح لحيته وَتمكن من جُلُوسه بوقار وهيبة وَحدث، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: أحب أَن أعظم حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا أحدث إِلَّا على طَهَارَة مُتَمَكنًا، وَكَانَ يكره أَن يحدث فِي الطَّرِيق أَو وَهُوَ قَائِم أَو مستعجل، وَقَالَ: أحب أَن أتفهم مَا أحدث بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم". وَأخرج عَن مَالك: "أَن رجلا جَاءَ إِلَى سعيد بن الْمسيب وَهُوَ مَرِيض فَسَأَلَهُ عَن
حَدِيث وَهُوَ مُضْطَجع، فَجَلَسَ فحدثه، فَقَالَ لَهُ الرجل: وددت أَنَّك لم تتعن، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي كرهت أَن أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا مُضْطَجع".
وَأخرج عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يحدث على غير طهر تيَمّم. وَقَالَ الْأَعْمَش عَن ضرار بن مرّة قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يحدثوا على غير طهر.
وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ: "لقد كَانَ يسْتَحبّ أَن لَا نَقْرَأ الْأَحَادِيث الَّتِي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا على طَهَارَة". وَأخرج عَن بشر بن الْحَارِث قَالَ: "سَأَلَ رجل ابْن الْمُبَارك عَن حَدِيث وَهُوَ يمشي، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا من توقير الْعلم".
وَأخرج عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: "كنت عِنْد مَالك وَهُوَ يحدث فَجَاءَت عقرب فلدغته سِتّ عشرَة مرّة وَمَالك يتَغَيَّر لَونه ويتصبّر وَلَا يقطع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فرغ من الْمجْلس وتفرق النَّاس قلت لَهُ لقد رَأَيْت مِنْك عجبا، قَالَ: نعم إِنَّمَا صبرت إجلالا لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم".
وَأخرج عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: كنت أكتب كل شَيْء سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأُرِيد حفظه فنهتني قُرَيْش وَقَالُوا: تكْتب كل شَيْء سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتَكَلَّم فِي الرضى وَالْغَضَب، قَالَ: فَأَمْسَكت فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اكْتُبْ فَوَالذي نَفسِي
بِيَدِهِ مَا خرج مِنْهُ إِلَّا حق، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى فَمه". أخرجه الدَّارمِيّ وَالْحَاكِم.
وَأخرج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا من الْأَنْصَار شكا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أسمع مِنْك الحَدِيث وَلَا أحفظه، فَقَالَ: اسْتَعِنْ بيمينك وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ لِلْخَطِّ"، أخرجه التِّرْمِذِيّ.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والدارمي عَن عبد الله بن دِينَار أَن عمر بن عبد العزيزكتب إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم: "انْظُر مَا كَانَ من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو سنة مَاضِيَة فاكتبه فَإِنِّي قد خفت درس الْعلم وَذَهَاب أَهله"، وَأَخْرَجَا أَيْضا عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:"كَانَ من مضى من عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَام بِالسنةِ نجاة"
هَذَا مَا لخصته من كتاب الْبَيْهَقِيّ من الْأَحَادِيث والْآثَار الدَّالَّة على وجوب الِاعْتِصَام بِالسنةِ وَفرض اتباعها، وَهَذِه أَحَادِيث وآثار لم تقع فِي كتاب:
أخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس وَابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني" وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ ارْحَمْ خلفائي، قُلْنَا: يَا رَسُول الله وَمن خلفاؤك؟، قَالَ: الَّذين يأْتونَ من بعدِي يروون أحاديثي ويعلمونها النَّاس"، وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدّى إِلَى أمتِي حَدِيثا تُقَام بِهِ
سنة أَو تثلم بِهِ بِدعَة فَلهُ الْجنَّة"، وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ مُتَعَمدا، أَو ردّ شَيْئا أمرت بِهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار".
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: "بعث إِلَيّ عبيد الله بن زِيَاد فَأَتَيْته فَقَالَ: مَا أَحَادِيث تحدث بهَا وترويها عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا نجدها فِي كتاب الله؟ تحدث أَن لَهُ حوضا فِي الْجنَّة؟، قَالَ: قد حدّثنَاهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه". وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن سلمى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ بَيْتا فِي النَّار، وَمن رد حَدِيثا بلغه عني فَأَنا مخاصمه يَوْم الْقِيَامَة، فَإِذا بَلغَكُمْ عني حَدِيث فَلم تعرفوه فَقولُوا: الله أعلم"
وَأخرج فِي الْأَوْسَط عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عني حَدِيث فكذبه، فقد كذب ثَلَاثًا: الله وَرَسُوله وَالَّذِي حدث بِهِ"، وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عَن الله فَضِيلَة فَلم يصدق بهَا لم ينلها"، وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " عَسى أَن يكذبنِي رجل مِنْكُم وَهُوَ متكئ على أريكته يبلغهُ الحَدِيث عني فَيَقُول: مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا، دع هَذَا وهات
مَا فِي الْقُرْآن"، هَذِه طَرِيق خَامِسَة الحَدِيث، فقد تقدمه من حَدِيث أبي رَافع والمقدام والعرباض بن سَارِيَة وَأبي هُرَيْرَة، وَله طَرِيق سادسة أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا خَالِد أذِّن فِي النَّاس الصَّلَاة، ثمَّ خرج فصلى الهاجرة، ثمَّ قَامَ النَّاس فَقَالَ: مَا أحل أَمْوَال المعاهدين بِغَيْر حَقّهَا، يُمْسِي الرجل مِنْكُم يَقُول وَهُوَ متكئ على أريكته مَا وجدنَا فِي كتاب الله من حَلَال أحللناه، وَمَا وجدنَا من حرَام حرمناه أَلا وَإِنِّي أحرم عَلَيْكُم أَمْوَال المعاهدين بِغَيْر حَقّهَا"، وَطَرِيق سابعة أخرج السِّلَفي فِي الْمُنْتَقى من حَدِيث أبي طَاهِر الحنائي من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن أبي هَارُون الْعَبْدي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يُمْسِي رجل يكذبنِي وَهُوَ متكئ، يَقُول: مَا قَالَ هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم". وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَنه كَانَ فِي مجْلِس قومه وَهُوَ يُحَدِّثهُمْ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَعْضهمْ يقبل على بعض يتحدثون، فَغَضب ثمَّ قَالَ: "انْظُر إِلَيْهِم أحدثهم عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَعْضهمْ يقبل على بعض، أما وَالله لأخْرجَن من بَين أظْهركُم وَلَا أرجع إِلَيْكُم أبدا، قلت لَهُ: أَيْن تذْهب؟، قَالَ: أذهب فأجاهد فِي سَبِيل الله". وَأخرج أَبُو يعلى بِسَنَد صَحِيح عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من قَالَ فِي الْقُرْآن بِغَيْر مَا يعلم جَاءَ بوم الْقِيَامَة مُلجمًا بلجام من نَار" وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من مَشى إِلَى سُلْطَان الله فِي الأَرْض ليذله أذلّ الله رقبته مَعَ مَا يدّخر لَهُ فِي الْآخِرَة" قَالَ مُسَدّد: "وسلطان الله فِي الأَرْض كتاب الله وَسنة نبيه". وَأخرج فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: "الْعلم ثَلَاثَة: كتاب نَاطِق، وَسنة مَاضِيَة، وَلَا أَدْرِي". وَأخرج أَيْضا عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "سَيَأْتِي عَلَيْكُم زمَان لَا يكون فِيهِ شَيْء أعز من ثَلَاث: دِرْهَم حَلَال، أَو أَخ يسْتَأْنس بِهِ، أَو سنة يعْمل بهَا"، وَأخرج أَحْمد عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ:"نزل الْقُرْآن وَسن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم السّنَن ثمَّ قَالَ: اتبعونا فوَاللَّه إِن لم تَفعلُوا تضلوا".
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن مُجَاهِد قَالَ: "كُنَّا مَعَ ابْن عمر فِي سفر، فَمر. بمَكَان فحاد عَنهُ، فَسئلَ: لم فعلت؟، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعل هَذَا فَفعلت"، وَأخرج أَحْمد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: "كنت مَعَ ابْن عمر بِعَرَفَات فَلَمَّا أَفَاضَ أفضت مَعَه حَتَّى انْتهى إِلَى الْمضيق دون المأزمين فَأَنَاخَ فأنخنا وَنحن نحسب أَنه يُرِيد أَن يُصَلِّي، فَقَالَ غُلَامه الَّذِي يمسك رَاحِلَته إِنَّه لَيْسَ يُرِيد الصَّلَاة وَلكنه ذكر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لما انْتهى إِلَى هَذَا الْمَكَان قضى حَاجته فَهُوَ يحب أَن يقْضِي حَاجته"، وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر: "أَنه كَانَ يَأْتِي شَجَرَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فيقيم تحتهَا ويخبر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يفعل ذَلِك"، وَأخرج هُوَ وَأَبُو يعلى عَن زيد بن أسلم قَالَ: "رَأَيْت ابْن عمر محلول الأزرار، وَقَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عليه وسلم محلول الأزرار". وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عَمْرو بن شعواء اليافعي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَة لعنتهم وكل نَبِي مجاب: الزَّائِد فِي كتاب الله، والمكذب بِقدر الله، والمستحل حُرْمَة الله، والمستحل من عِتْرَتِي مَا حرم الله، والنارك لسنتي، والمستأثر بالفيء، والمتجبر بسلطانه ليعز مَا أذلّ الله ويذل مَا أعز الله" وَأخرج فِي الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عَليّ: " يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن عرض لنا أَمر لم ينزل فِيهِ قُرْآن وَلم تمْضِي فِيهِ سنة مِنْك؟ قَالَ: تجعلونه شُورَى بَين العابدين من الْمُؤمنِينَ وَلَا تقضونه بِرَأْي خَاصَّة". وَأخرج فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: قلت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن نزل بِنَا أَمر لَيْسَ فِيهِ بَيَان أَمر وَلَا نهي فَمَا تَأْمُرنَا؟ فَقَالَ: تُشاوروا الْفُقَهَاء والعابدين، وَلَا تجعلونه بِرَأْي خَاصَّة" وَأخرج فِي الْأَوْسَط عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " أَكثر مَا أَتَخَوَّف على أمتِي من بعدِي رجل يتَأَوَّل الْقُرْآن، يَضَعهُ
على غير موَاضعه" وَأخرج أَحْمد والطبرافني عَن غُضَيْف بن الْحَرْث الثمالِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا أحدث قوم بِدعَة إِلَّا رفع مثلهَا من السّنة" وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "مَا أَتَى على النَّاس عَام إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدعَة وأماتوا فِيهِ سنة حَتَّى تحيا الْبدع وَتَمُوت السّنَن". وَأخرج عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من مَشى إِلَى صَاحب بِدعَة ليوقره فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام" وَأخرج عَن الحكم بن عُمَيْر الثمالِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "الْأَمر المفظع وَالْحمل المضلع وَالشَّر الَّذِي لَا يَنْقَطِع إِظْهَار الْبدع"، وَأخرج فِي الصَّغِير عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهم فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة، قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْفرْقَة؟ قَالَ: مَا أَنا عَلَيْهِ الْيَوْم وأصحابي"، وَأخرج الْحَاكِم من حَدِيث ابْن عَمْرو مثله. وَأخرج الدَّارمِيّ فِي مُسْنده عَن عبد الله بن الديلمي قَالَ: بَلغنِي أَن أول الدّين تركا السّنة"، وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ:"مَا سألتمونا عَن شَيْء من كتاب الله نعلمهُ أخبرناكم بِهِ أَو سنة من نَبِي الله صلى الله عليه وسلم أخبرناكم بِهِ وَلَا طَاقَة لنا مِمَّا أَخَذْتُم، وَأخرج عَن أبي سَلمَة مُرْسلا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الْأَمر يحدث لَيْسَ فِي كتاب الله وَلَا سنته؟ قَالَ: "ينظر فِيهِ العابدون من الْمُؤمنِينَ".
قَالَ: وَأخرج الدَّارمِيّ واللالكائي فِي السّنة عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: "سَيَأْتِي نَاس يجادلونكم بشبهات الْقُرْآن فخذوهم بالسنن، فَإِن أَصْحَاب السّنَن أعلم بِكِتَاب الله". وَأخرج اللالكائي فِي السّنة عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ: "سَيَأْتِي قوم يجادلونكم فخذوهم بالسنن فَإِن أَصْحَاب السّنَن أعلم بِكِتَاب الله". وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن عَليّ بن أبي طَالب أرْسلهُ إِلَى الْخَوَارِج، فَقَالَ:"اذْهَبْ إِلَيْهِم فخاصمهم وَلَا تحاجهم بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ ذُو وُجُوه، وَلَكِن خاصمهم بِالسنةِ"، وَأخرج من وَجه آخر أَن ابْن عَبَّاس قَالَ:"يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَنا أعلم بِكِتَاب الله مِنْهُم فِي بُيُوتنَا نزل، قَالَ: صدقت وَلَكِن الْقُرْآن حمال ذُو وُجُوه، نقُول وَيَقُولُونَ، وَلَكِن حاجهم بالسنن فَإِنَّهُم لن يَجدوا عَنْهَا محيصاً"، فَخرج إِلَيْهِم فحاجهم بالسنن فَلم يبْق بِأَيْدِيهِم حجَّة. وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنهم كَانُوا يتذاكرون الحَدِيث فَقَالَ رجل دَعونَا من هَذَا وجيؤونا بِكِتَاب الله فَقَالَ عمرَان:"إِنَّك أَحمَق أتجد فِي كتاب الله الصَّلَاة مفسرة، أتجد فِي كتاب الله الصّيام مُفَسرًا، إِن الْقُرْآن أحكم ذَلِك وَالسّنة تفسره". وَأخرج الدَّارمِيّ عَن الْمسيب بن رَافع قَالَ: "كَانُوا إِذا نزلت بهم الْقَضِيَّة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أثر اجْتَمعُوا لَهَا وَأَجْمعُوا فَالْحق فِيمَا رَأَوْا، فَالْحق فِيمَا رَأَوْا". وَأخرج الدَّارمِيّ عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ كَانَ أَبُو بكر رضي الله عنه إِذا ورد عَلَيْهِ الْخصم نظر فِي كتاب الله فَإِن وجد فِيهِ مَا يقْضِي بِهِ بَينهم قضى بِهِ، وَإِن لم يكن فِي الْكتاب وَعلم من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِك الْأَمر سنة قضى بهَا، فَإِن أعياه خرج فَسَأَلَ الْمُسلمين وَقَالَ أنافي كَذَا وَكَذَا فَهَل علمْتُم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قضى فِي ذَلِك بِقَضَاء فَرُبمَا اجْتمع إِلَيْهِ النَّفر كلهم يذكر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ قَضَاء فَيَقُول أَبُو بكر: "الْحَمد لله الَّذِي جعل فِينَا من يحفظ علينا ديننَا".
وَأخرج عَن أبي نَضرة قَالَ: "لما قدم أَبُو سَلمَة الْبَصْرَة أَتَيْته أَنا وَالْحسن فَقَالَ لِلْحسنِ: أَنْت الْحسن، بَلغنِي أَنَّك تُفْتِي بِرَأْيِك، فَلَا تفت بِرَأْيِك إِلَّا أَن تكون سنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو كتاب منزل".
وَأخرج عَن جَابر بن زيد أَن ابْن عمر لقِيه فِي الطّواف فَقَالَ لَهُ: "يَا أَبَا الشعْثَاء إِنَّك من فُقَهَاء الْبَصْرَة فَلَا تفت إِلَّا بقرآن نَاطِق أَو سنة مَاضِيَة، فَإنَّك إِن فعلت غير ذَلِك هَلَكت وأهلكت"، وَأخرج عَن شُرَيْح قَالَ:"إِنَّك لن تضل مَا أخذت بالأثر"، وَأخرج عَن الْحسن قَالَ: "إِن أهل السّنة كَانُوا أقل النَّاس فِيمَا مضى، وهم أقل النَّاس فِيمَا بقى،
الَّذين لم يذهبوا مَعَ أهل الأتراف فِي أترافهم وَلَا مَعَ أهل الْبدع فِي بدعهم وصبروا على سنتهمْ حَتَّى لقوا رَبهم". وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: "الاقتصاد فِي السّنة خير من الِاجْتِهَاد فِي الْبِدْعَة"، أخرجه الْحَاكِم، وَأخرج الدَّارمِيّ عَن عَطاء فِي قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} قَالَ: "أولو الْعلم وَالْفِقْه، فطاعة الرَّسُول اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة". واخرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:"إِنِّي لأجزئ اللَّيْل ثَلَاثَة أَجزَاء: ثلث أَنَام، وَثلث أقوم، وَثلث أَتَذكر أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم". وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "أما تخافون أَن تعذبوا ويخسف بكم، أَن تَقولُوا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ فلَان"، وَأخرج عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه كتب:"لَا رَأْي لأحد فِي كتاب الله وَلَا فِي سنة سنّهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا رَأْي الْأمة فِيمَا لم ينزل فِيهِ كتاب، وَلم تمض بِهِ سنة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم"، وَأخرج عَن سعيد بن الْمسيب أَنه رأى رجلا يُصَلِّي بعد الرَّكْعَتَيْنِ يكثر فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّد أيعذبني الله على الصَّلَاة؟ قَالَ: "يعذبك الله بِخِلَاف السّنة".
وَأخرج عَن خرَاش بن جُبَير قَالَ: "رَأَيْت فِي الْمَسْجِد فَتى يخذف، فَقَالَ لَهُ: يَا شيخ لَا تخذف، فَإِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَن الْخذف، فخذف فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: أحَدثك
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ تخذف وَالله لَا أشهد لَك جَنَازَة وَلَا أعودك فِي مرض وَلَا أُكَلِّمك أبدا" وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ: "حدث ابْن سِيرِين رجلا بِحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رجل: قَالَ فلَان كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ ابْن سيربن: أحَدثك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَتقول قَالَ فلَان، وَالله لَا أُكَلِّمك أبدا"، ثمَّ قَالَ الدَّارمِيّ: بَاب تَعْجِيل عُقُوبَة من بلغه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدِيث فَلم يعظمه وَلم يوقره، وَأخرج فِيهِ من طَرِيق الْعجْلَاني عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا رجل يتبختر فِي بردين خسف الله بِهِ الأَرْض فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة"، فَقَالَ لَهُ فَتى وَهُوَ فِي حلَّة لَهُ: يَا أَبَا هُرَيْرَة أهكذا كَانَ. يمشي ذَلِك الْفَتى الَّذِي خسف بِهِ، ثمَّ ضرب بِيَدِهِ فعثر عَثْرَة كَاد ينكسر مِنْهَا، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة للمنخرين والفم: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} "، وَأخرج عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة قَالَ:"جَاءَ رجل إِلَى سعيد بن الْمسيب يودعه لحج أَو عمْرَة فَقَالَ لَهُ: لَا تخرج حَتَّى تصلي فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يخرج بعد النداء من الْمَسْجِد إِلَّا مُنَافِق" فَقَالَ: إِن أَصْحَابِي بِالْحرَّةِ، فَخرج فَلم يزل سعيد مُولَعا بِذكرِهِ حَتَّى أخبر أَنه وَقع من رَاحِلَته فانكسر فَخذه".
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي ذَر أَنه قَالَ: "لَو وضعتم الصمصامة على هَذِه - وَأَشَارَ إِلَى قَفاهُ - ثمَّ ظَنَنْت أَنى أنفذ
كلمة سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل أَن تجيزوا عَليّ لأنفذتها" وَأخرج الدَّارمِيّ عَن بشر بن عبد الله قَالَ: "إِن كنت لأركب إِلَى مصر من الْأَمْصَار فِي الحَدِيث الْوَاحِد لأسمعه". وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير أَنه حدث يَوْمًا بِحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رجل: فِي كتاب الله مَا يُخَالف هَذَا، فَقَالَ: لَا أَرَانِي أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَتعرض فِيهِ بِكِتَاب الله، كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بِكِتَاب الله مِنْك"، هَذَا مَا انتقيته من مُسْند الدَّارمِيّ.
وَهَذِه جملَة منتقاة من كتاب السّنة للالكائي فِي هَذَا الْمَعْنى:
أخرج بِسَنَدِهِ عَن أبي بن كَعْب قَالَ: "اقتصاد فِي سنة خير من اجْتِهَاد فِي خلاف سنة"، وَأخرج عَن أبي الدَّرْدَاء مثله، وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:"النّظر إِلَى الرجل من أهل السّنة يَدْعُو إِلَيْهَا، ينْهَى عَن الْبِدْعَة عبَادَة". وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "وَالله مَا أَظن على وَجه الأَرْض الْيَوْم أحد أحب إِلَى الشَّيْطَان هَلَاكًا مني"، قيل: وَلم؟ قَالَ: "إِنَّه لتحدث الْبِدْعَة فِي مشرق أَو مغرب فيحملها الرجل إِلَيّ، فَإِذا انْتَهَت إِلَيّ قمعتها بِالسنةِ فَترد إِلَيْهِ كَمَا أخرجهَا"، وَأخرج عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ:"عَلَيْكُم بِسنة نَبِيكُم وَالَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابه"، وَأخرج عَن الْحسن قَالَ: "لَا يصلح قَول إِلَّا بِعَمَل، وَلَا يصلح قَول وَعمل إِلَّا بنية،
وَلَا يصلح قَول وَعمل وَنِيَّة إِلَّا بِالسنةِ"، وَأخرج عَن سعيد ابْن جُبَير قَالَ: "لَا يقبل قَول إِلَّا بِعَمَل وَلَا يقبل قَول وَعمل إِلَّا بنية، وَلَا يقبل قَول وَعمل وَنِيَّة إِلَّا بموافقة السّنة"، وَأخرج عَن الْحسن قَالَ: "يَا أهل السّنة تفَرقُوا فَإِنَّكُم من أقل النَّاس"، وَأخرج عَن يُونُس بن عبيد قَالَ: "لَيْسَ شَيْء أغرب من السّنة، وَأغْرب مِنْهَا من لَا يعرفهَا"، وَأخرج عَن أَيُّوب قَالَ: "إِنِّي أخبر بِمَوْت الرجل من أهل السّنة فَكَأَنِّي أفقد بعض أعضائي"، وَأخرج عَنهُ قَالَ: "إِن من سَعَادَة الْحَدث والأعجمي أَن يوفقهما الله للْعلم بِالسنةِ"، وَأخرج عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: "أول نعْمَة الله على الشَّاب إِذا نسك أَن يؤاخي صَاحب سنة يحملهُ عَلَيْهَا"، واخرج عَن حَمَّاد بن زيد قَالَ: "كَانَ أَيُّوب يبلغهُ موت الْفَتى من أَصْحَاب الحَدِيث فيُرى ذَلِك فِيهِ، ويبلغه موت الرجل يذكر بِعبَادة فَمَا يرى ذَلِك فِيهِ"، وَأخرج عَن أَيُّوب قَالَ: "إِن الَّذين يتمنون موت أهل السّنة يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم".
وَأخرج عَن ابْن عَوْف قَالَ: "ثَلَاث أحبهنَّ لنَفْسي ولأصحابي: قِرَاءَة الْقُرْآن، وَالسّنة، وَرجل أقبل على نَفسه ولهى عَن النَّاس إِلَّا من خير".
وَأخرج عَن الْأَوْزَاعِيّ: "تطور مَعَ السّنة حَيْثُمَا دارت، وَأخرج عَنهُ قَالَ: "كَانَ يُقَال: خمس كَانَ عَلَيْهَا أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون بِإِحْسَان: لُزُوم الْجَمَاعَة وَاتِّبَاع السّنة، وَعمارَة الْمَسَاجِد، وتلاوة الْقُرْآن، وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله"، وَأخرج عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: "اسْتَوْصُوا بِأَهْل السّنة خيرا فَإِنَّهُم غرباء". وَأخرج عَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ: "إِن لله عبادا تحي بهم الْبِلَاد وهم أَصْحَاب السّنة"، وَأخرج عَن أبي بكر عَن عَيَّاش قَالَ: "السّنة فِي الْإِسْلَام أعز من الْإِسْلَام فِي سَائِر الْأَدْيَان"، وَأخرج عَن ابْن عَوْف قَالَ: "من مَاتَ على الْإِسْلَام وَالسّنة فَلهُ بشير بِكُل خير"، وَأخرج عَن الْحسن فِي قَوْله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} قَالَ: "فَكَانَ عَلامَة حبهم إِيَّاه اتِّبَاع سنة رَسُول الله"، وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} قَالَ: "وُجُوه أهل السّنة {وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} قَالَ: وُجُوه أهل الْبدع"، وَأخرج عَن الْعَلَاء بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ عبد الله: "إِنَّا نقتدي وَلَا نبتدي وَنَتبع وَلَا نبتدع، وَلنْ نضل مَا تمسكنا بالأثر". وَأخرج عَن شَاذ بن يحي قَالَ:"لَيْسَ طَرِيق أقصد إِلَى الْجنَّة من طَرِيق من سلك الْآثَار"، وَأُخْرَى عَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ:"طُوبَى لمن مَاتَ على الْإِسْلَام وَالسّنة، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فليكثر من قَول مَا شَاءَ الله كَانَ".
وَأخرج عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: "السّنة عندنَا آثَار
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَالسّنة تَفْسِير الْقُرْآن وَهِي دَلَائِل الْقُرْآن"، وَأخرج عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه أنْشد:
دين النَّبِي مُحَمَّد أَخْبَار
…
نعم المطية للفتى آثَار
لَا تعدلن عَن الحَدِيث وَأَهله
…
فَالرَّأْي ليل والْحَدِيث نَهَار
ولربما غلط الْفَتى أثر الْهدى
…
وَالشَّمْس بازغة لَهَا أنوار
وَهَذِه جملَة منتقاة من كتاب "الْحجَّة على تَارِك المحجة" للشَّيْخ نصر الْمَقْدِسِي، أخرج بِسَنَدِهِ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من غَدا أَو رَاح فِي طلب سنة مَخَافَة أَن تدرس كَانَ كمن غَدا أَو رَاح فِي سَبِيل الله، وَمن كتم علما علمه الله إِيَّاه ألْجمهُ الله يَوْم الْقِيَامَة بلجام من نَار"، وَأخرج عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا ظَهرت الْبدع فِي أمتِي وَشتم أَصْحَابِي فليظهر الْعَالم علمه، فَإِن لم يفعل فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ"، قيل للوليد بن مُسلم:"مَا إِظْهَار الْعلم؟ قَالَ: إِظْهَار السّنة"، وَأُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا فِيمَا يَنْفَعهُمْ فِي أَمر دينهم بعث يَوْم الْقِيَامَة من الْعلمَاء" قلت: هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق كَثِيرَة، وَأخرج من وَجه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من روى عني أَرْبَعِينَ حَدِيثا من السّنة حشر يَوْم الْقِيَامَة فِي زمرة الْأَنْبِيَاء".
وَأخرج عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم حديثين اثْنَيْنِ ينفع بهما نَفسه أَو يعلمهما غَيره فينتفع بهما كَانَ خيرا من عبَادَة سِتِّينَ سنة"، وَأخرج عَن كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا، فطوبى للغرباء" قيل: يَا رَسُول الله وَمن الغرباء؟ قَالَ: "الَّذين يحيون سنتي من بعدِي ويعلمونها عباد الله"، وَأخرج من هَذَا الطَّرِيق مَرْفُوعا:" من أحيى سنة من سنتي قد أميتت بعدِي كَانَ لَهُ مثل أجر من عمل بهَا من غير أَن ينقص من أجرهم شَيْئا"، وَأخرج عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا من أَمر دينهَا بَعثه الله يَوْم الْقِيَامَة فَقِيها وَكنت لَهُ شافعا وشهيدا".
وَأخرج عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا مثله، وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثا من السّنة كنت لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة"، وَأخرج عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا أدلكم على الْخُلَفَاء مني وَمن أَصْحَابِي وَمن الْأَنْبِيَاء قبلي هم حَملَة الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث عني فِي الله وَللَّه"، وَأخرج عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ:"مَا من شَيْء إِلَّا وَعلمه فِي الْقُرْآن وَلَكِن رَأْي الرِّجَال يعجز عَنهُ".
وَأخرج عَن الْجُنَيْد قَالَ: "الطَّرِيق مسدود على خلق الله إِلَّا على المتبعين أَخْبَار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المقتدين بآثاره، قَالَ الله تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} "، وَأخرج عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ:"الرجل إِلَى الحَدِيث أحْوج مِنْهُ إِلَى الْأكل وَالشرب، لِأَن الحَدِيث يُفَسر الْقُرْآن"، وَأخرج عَن رجل من الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِن فِي آخر أمتِي قوما يُعْطون من الْأجر مثل مَا لأولهم يُنكرُونَ الْمُنكر ويقاتلون أهل الْفِتَن" فَقيل: لإِبْرَاهِيم بن مُوسَى من هم؟، قَالَ:"أهل الحَدِيث، يَقُولُونَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: افعلوا كَذَا، وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَفعلُوا كَذَا"، وَأخرج عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قيل لَهُ:"هَل لله أبدال فِي الأَرْض؟، قَالَ: نعم، قيل: من هم؟ قَالَ: إِن لم يكن أَصْحَاب الحَدِيث هم الأبدال فَلَا أعرف لله أبدالا"، وَأخرج عَن ابْن الْمُبَارك أَنه ذكر حَدِيث:"لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من ناوأهم حَتَّى تقوم السَّاعَة" قَالَ ابْن الْمُبَارك: هم عِنْدِي أَصْحَاب الحَدِيث"، وَأخرج عَن ابْن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ فِي حَدِيث: "لَا تزَال طَائِفَة": "هم أهل الحَدِيث وَالَّذين يتعاهدون مَذْهَب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ويذبون عَن الْعلم، لولاهم لأهْلك الناسَ المعتزلةُ والرافضةُ والجهميةُ وأهلُ الإرجاء والرأي"، وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود وَأبي ذَر قَالَا: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: " من وَرَائِكُمْ أَيَّام صَبر فالمتمسك بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ لَهُ أجر خمسين، قَالُوا: يَا رَسُول الله منا أَو مِنْهُم، قَالَ: مِنْكُم"، وَأخرج مثله من حَدِيث ابْن عمر، وَأخرج عَن أبي الْجلد قَالَ:"يُرْسل على النَّاس على رَأس كل أَرْبَعِينَ سنة شَيْطَان يُقَال لَهُ القمقم فيبتدع لَهُم بِدعَة"، وَأخرج عَن الإِمَام البُخَارِيّ قَالَ:"كُنَّا ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة على بَاب ابْن عبد الله فَقَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث: "لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خذلهم" أَنْتُم لِأَن التُّجَّار قد شغلوا أنفسهم بالتجارات وَأهل الصَّنْعَة قد شغلوا أنفسهم بالصناعات، والملوك قد شغلوا أنفسهم بالمملكة، وَأَنْتُم تحيون سنة النَّبِي صلى الله عليه وسلم"، وَأخرج عَن ابْن وهب قَالَ: قَالَ لى مَالك بن أنس: "لَا تعارضوا السّنة وسلموا لَهَا"، وَأخرج عَن كهمس الْهَمدَانِي قَالَ:"من لم يتَحَقَّق أَن أهل السّنة حفظَة الدّين فَإِنَّهُ يعد فِي ضعفاء الْمَسَاكِين الَّذين لَا يدينون الله بدين، يَقُول الله لنَبيه صلى الله عليه وسلم: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} وَيَقُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: حَدثنِي جِبْرِيل عَن الله"، وَأخرج عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ:"الْمَلَائِكَة حراس السَّمَاء وَأَصْحَاب الحَدِيث حراس الأَرْض"، وَأخرج عَن وَكِيع قَالَ:"لَو أَن الرجل لم يصب فِي الحَدِيث شَيْئا إِلَّا أَنه يمنعهُ من الْهوى كَانَ قد أصَاب فِيهِ"، وَأخرج عَن أَحْمد بن
سِنَان قَالَ: "كَانَ الْوَلِيد الْكَرَابِيسِي خَالِي، فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة قَالَ لِبَنِيهِ: تعلمُونَ أحدا أعلم بالْكلَام مني؟، قَالُوا: لَا، قَالَ: فتتهموني؟، قَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي أوصيكم أتقبلون؟، قَالُوا: نعم، قَالَ: عَلَيْكُم بِمَا عَلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث فَإِنِّي رَأَيْت الْحق مَعَهم"، وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قَتَادَة قَالَ:"وَالله مَا رغب أحد عَن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم إِلَّا هلك فَعَلَيْكُم بِالسنةِ وَإِيَّاكُم والبدعة وَعَلَيْكُم بالفقه وَإِيَّاكُم والشبهة"، وَأخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى قَالَ:"لما وَقع النَّاس فِي عُثْمَان قلت لأبي بن كَعْب: مَا الْمخْرج من هَذَا؟، قَالَ: كتاب الله وَسنة نبيه، مَا استبان لكم فاعملوا بِهِ وَمَا أشكل عَلَيْكُم فكِلوه إِلَى عالمه"، وَأخرج الْحَاكِم أَيْضا عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن أُنَاسًا أَتَوْهُ فَأَثْنوا على ابْن مَسْعُود فَقَالَ:"أَقُول فِيهِ مَا قَالُوا وَأفضل: قَرَأَ الْقُرْآن وَأحل حَلَاله وَحرم حرَامه، فَقِيه فِي الدّين، عَالم بِالسنةِ".
وَأخرج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "غفار غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله، أما أَنِّي لم أَقَله وَلَكِن الله قَالَه".
وَهَذِه جملَة منتقاة من رِسَالَة الْقشيرِي من كَلَام أهل الطَّرِيق فِي ذَلِك.
قَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ: "من عَلامَة الْمُحب لله مُتَابعَة
حبيب الله صلى الله عليه وسلم فِي أخلاقه وأفعاله، وأوامره وسننه".
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي: "رُبمَا يَقع فِي قلبِي النُّكْتَة من نكت الْقَوْم أَيَّامًا فَلَا أقبل مِنْهُ إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ: الْكتاب وَالسّنة".
وَقَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري: "من عمل عملا بِلَا اتِّبَاع سنة فَبَاطِل عمله".
قَالَ أَبُو حَفْص عمر بن سَالم الْحداد: "من لم يزن أَفعاله وأحواله فِي كل وَقت بِالْكتاب وَالسّنة وَلم يتهم خواطره، فَلَا تعدّوه فِي ديوَان الرِّجَال".
وَقَالَ الْجُنَيْد: "الطّرق كلهَا مسدودة على الْخلق إِلَّا على من اقتفى أثر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: من لم يحفظ الْقُرْآن وَلم يكْتب الحَدِيث لَا يقْتَدى بِهِ فِي هَذَا الْأَمر لِأَن علمنَا هَذَا مُقَيّد بِالْكتاب وَالسّنة". وَقَالَ أَيْضا: "مَذْهَبنَا هَذَا مشيد بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم".
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْحِيرِي: "الصُّحْبَة مَعَ الله بِحسن الْأَدَب ودوام الهيبة والمراقبة، والصحبة مَعَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم بِاتِّبَاع سنته وَلُزُوم ظَاهر الْعلم، وَقَالَ: من أَمر السّنة على نَفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، وَمن أمّر الْهوى على نَفسه نطق بالبدعة، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} " وَلما احْتضرَ أَبُو عُثْمَان مزق ابْنه أَبُو بكر قَمِيصه فَفتح أَبُو عُثْمَان عينه
وَقَالَ: "خلاف السّنة يَا بني فِي الظَّاهِر عَلامَة رِيَاء فِي الْبَاطِن".
قَالَ أَبُو الفوارس شاه ابْن شُجَاع الْكرْمَانِي: "من غض بَصَره عَن الْمَحَارِم وَأمْسك نَفسه عَن الشَّهَوَات وَعمر بَاطِنه بدوام المراقبة وَظَاهره بِاتِّبَاع السّنة وعوّد نَفسه أكل الْحَلَال لم تخطئ لَهُ فراسة".
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن سهل بن عَطاء الأدمِيّ: "من ألزم نَفسه آدَاب السّنة نوَّر الله قلبه بِنور الْمعرفَة، وَلَا مقَام أشرف من مُتَابعَة الحبيب فِي أوامره وأفعاله وأخلاقه".
وَقَالَ أَبُو حَمْزَة الْبَغْدَادِيّ: "من علم طَرِيق الْحق سهُل سلوكه عَلَيْهِ، وَلَا دَلِيل على الطَّرِيق إِلَى الله إِلَّا بمتابعة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي أَحْوَاله وأفعاله وأقواله".
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن دَاوُد الدقي: "عَلامَة محبَّة الله إِيثَار طَاعَته ومتابعة نبيه صلى الله عليه وسلم".
وَقَالَ أَبُو بكر الطمستاني: "الطَّرِيق وَاضح وَالْكتاب وَالسّنة قَائِم بَين أظهرنَا وَفضل الصَّحَابَة مَعْلُوم لسبقهم إِلَى الْهِجْرَة ولصحبتهم، فَمن صحب هَذَا الْكتاب وَالسّنة وَضرب عَن نَفسه والخلق وَهَاجَر بِقَلْبِه إِلَى الله فَهُوَ الصَّادِق الْمُصِيب".
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم النصرابادى: "أصل التصوف مُلَازمَة الْكتاب وَالسّنة وَترك الْأَهْوَاء والبدع وتعظيم حرمات
الْمَشَايِخ ورؤية أعذار الْخلق والمداومة على الأوراد وَترك ارْتِكَاب الرُّخص والتأويلات".
وَقَالَ الْخَواص: "الصَّبْر الثَّبَات على أَحْكَام الْكتاب وَالسّنة". وَقَالَ سهل بن عبد الله: "الفتوة اتِّبَاع السّنة"، قَالَ أَبُو عَليّ الدقاق:"قصد أَبُو يزِيد البسطامي بعض من يُوصف بِالْولَايَةِ، فَلَمَّا وافى مَسْجده قعد ينْتَظر خُرُوجه فَخرج الرجل وتنخم فِي الْمَسْجِد، فَانْصَرف أَبُو يزِيد وَلم يسلم عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا الرجل غير مَأْمُون على أدب من آدَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكيف يكون أَمينا على أسرار الْحق".
قَالَ أَبُو حَفْص: "أحسن مَا يتوسل بِهِ العَبْد إِلَى مَوْلَاهُ دوَام الْفقر إِلَيْهِ على جَمِيع الْأَحْوَال وملازمة السّنة فِي جَمِيع الْأَفْعَال وَطلب الْقُوت من وَجه الْحَلَال".
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سهل بن عبد الله قَالَ: "أصولنا سِتَّة أَشْيَاء: التَّمَسُّك بِكِتَاب الله، والاقتداء بِسنة رَسُول الله وَأكل الْحَلَال، وكف الْأَذَى وَاجْتنَاب الآثام، وَأَدَاء الْحُقُوق"، وَأخرج عَنهُ قَالَ:"من كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لم يكن فِي قلبه اخْتِيَار لشَيْء من الْأَشْيَاء".
خَاتِمَة
أخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْخرقِيّ قَالَ: "كَانَ بَدْء الرافضة أَن قوما من الزَّنَادِقَة اجْتَمعُوا فَقَالُوا: نشتم نَبِيّهم، فَقَالَ كَبِيرهمْ: إِذا نقْتل، فَقَالُوا: نشتم أحباءه، فَإِنَّهُ يُقَال إِذا أردْت أَن تؤذي جَارك فَاضْرب كَلْبه، ثمَّ نَعْتَزِل فنكفرهم. فَقَالُوا: الصَّحَابَة كلهم فِي النَّار إِلَّا عَليّ، ثمَّ قَالَ: كَانَ عَليّ هُوَ النَّبِي فَأَخْطَأَ جِبْرِيل".
قَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: "بعث الله نوحًا فَمَا أهلك أمته إِلَّا الزَّنَادِقَة ثمَّ نَبِي فنبي، وَالله لَا يهْلك هَذِه الْأمة إِلَّا الزَّنَادِقَة"، رَأَيْت بعض من صنف فِي الْملَل والنحل قسم فرق الرافضة إِلَى اثْنَي عشرَة فرقة، فَسمى الْفرْقَة الأولى القائلة بنبوة عَليّ العلوية، وَذكر أَنهم يَقُولُونَ عَليّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُونَ فِي أذانهم أشهد أَن عليا رَسُول الله، وَالثَّانيَِة الأموية، قَالُوا: إِن عليا شريك النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي النُّبُوَّة. وَالثَّالِثَة الشاعية قَالُوا: إِن عليا وَصِيّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ووليه من بعده، وَأَن الصَّحَابَة هزأت بِهِ وَردت أَمر الله وَرَسُوله حِين تركُوا وَصيته وَبَايَعُوا غَيره، كذب هَؤُلَاءِ لعنهم الله وَرَضي الله عَن الصَّحَابَة، وَهَذِه هِيَ الْفرْقَة الثَّانِيَة الَّتِي أَشرت إِلَيْهَا فِي الْخطْبَة ونقلنا فِي
أثْنَاء الْكتاب كَلَام أبي حنيفَة رضي الله عنه، وَالْعجب من هَؤُلَاءِ حَيْثُ ضللوا الصَّحَابَة وردوا الْأَحَادِيث لِأَنَّهَا من رواياتهم وَذَلِكَ يلْزمهُم فِي الْقُرْآن أَيْضا لِأَن الصَّحَابَة الَّذين رووا لنا الحَدِيث هم الَّذين رووا لنا الْقُرْآن فَإِن قبلوه لَزِمَهُم قبُول الْأَحَادِيث إِذْ النَّاقِل وَاحِد، وَالرَّابِعَة الإسحاقية، قَالُوا النُّبُوَّة مُتَّصِلَة من لدن آدم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن يعلم علم أهل الْبَيْت وَالْكتاب فَهُوَ نَبِي وَالْخَامِسَة الناوسية قَالُوا: من فضل أَبَا بكر وَعمر على عَليّ فقد كفر، وَالسَّادِسَة الإمامية، قَالُوا لَا تَخْلُو الأَرْض من إِمَام من ولد الْحُسَيْن، إِمَّا ظَاهر مَكْشُوف أَو بَاطِن مَوْصُوف، وَلَا يتَعَلَّم الْعلم من أحد بل يُعلمهُ جِبْرِيل، فَإِذا مَاتَ بدل مَكَانَهُ مثله، وَالسَّابِعَة الزيدية، قَالُوا ولد الْحُسَيْن كلهم أَئِمَّة فِي الصَّلَوَات فَمَا دَامَ يُوجد مِنْهُم أحد لم تجز الصَّلَاة خلف غَيرهم. وَالثَّامِنَة الرَّجْعِيَّة، قَالُوا إِن عليا وَأَصْحَابه كلهم يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا، وينتقمون من أعدائه، ويسوى لَهُم الْملك فِي الدُّنْيَا مَا لم يسو لأحد، ويملأ الأَرْض عدلا كَمَا ملئت جورا. والتاسعة اللاعنة، يتدينون بلعن الصَّحَابَة، لعن الله هَذِه الْفرْقَة، وَرَضي الله عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. الْعَاشِرَة السائبة، قَالُوا بإلهية عَليّ، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول المفترون علوا كَبِيرا، والحادية عشرَة الناسخة، قَالُوا بتناسخ
الْأَرْوَاح، وَالثَّانيَِة عشرَة المتربصة، يُقِيمُونَ لَهُم فِي كل عصر رجلا ينسبون لَهُ الْأَمر ويزعمونه الْمهْدي، وَأَن من خَالفه كفر، وَقد أوسع صَاحب هَذَا الْكتاب وَهُوَ من مَشَايِخ الْحَافِظ أبي الْفضل بن نَاصِر من الرَّد على كل فرقة فرقة من الْكتاب وَالسّنة، وروى فِيهِ بِسَنَدِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:"مثل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الْعُيُون. ودواء الْعُيُون ترك مَسهَا".
وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن وهب قَالَ: "كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس نتذاكر السّنة، فَقَالَ مَالك: السّنة سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق"، والأثر الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي الْخطْبَة عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه أخرجه أَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَدِهِ عَن الْحميدِي قَالَ:"كنت بِمصْر فَحدث مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي بِحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا عبد الله أتأخذ بِهَذَا؟، فَقَالَ: أرأيتني خرجت من كَنِيسَة، ترى عَليّ زنارا حَتَّى لَا أَقُول بِهِ؟ "، وَأخرج عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان قَالَ:"سَأَلَ رجل الشَّافِعِي عَن حَدِيث فَقَالَ هُوَ صَحِيح، فَقَالَ لَهُ الرجل: فَمَا تَقول؟، فارتعد وانتفض، وَقَالَ: أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِذا رويت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقلت بِغَيْرِهِ"، وَأخرج عَن الرّبيع قَالَ: "ذكر الشَّافِعِي حَدِيثا فَقَالَ لَهُ رجل: أتأخذ بِالْحَدِيثِ؟، فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي إِذا صَحَّ
عِنْدِي الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم آخذ بِهِ فَإِن عَقْلِي. قد ذهب، وَأخرج عَن ابْن الْوَلِيد بن أبي الْجَارُود قَالَ:"قَالَ الشَّافِعِي: إِذا صَحَّ الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقلت قولا فَأَنا رَاجع عَن قولي وَقَائِل بذلك"، وَأخرج عَن الزَّعْفَرَانِي قَالَ:"إِذا وجدْتُم لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم سنة فاتبعوها وَلَا تلتفتوا إِلَى قَول أحد"، انْتهى وَالله أعلم.