الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
(1)
هذه ثلاث سنوات أخرى مرت منذ ظهر الجزء الثانى من هذا التاريخ الكبير شغلت خلالها بإنجاز بعض الأعمال العلمية (1) الأخرى، ولكن مفرج الكروب ظل مع هذا شغلى الشاغل، لا أكاد أفرغ لنفسى بعض الوقت حتى أعود إليه أراجع نصوصه لأعد الأجزاء الباقية للطبع.
وها أنذا أقدم اليوم للقارىء الكريم الجزء الثالث، وهو يغطى عصر أولاد صلاح الدين وأخيه الملك العادل، أي حوادث ربع قرن من الزمان
(1) أشير هنا إلى بعض هذه الأعمال وهي:
- الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامى الحديث، الجزء الثانى (مصر والشام)، القاهرة 1958.
- مجموعة الوثائق الفاطمية، الجزء الأول (وثائق الخلافة والوزارة)، القاهرة 1958. وقد فاز هذا الكتاب بجائزة الدولة التقديرية.
- رفاعة رافع الطهطاوى (مجموعة نوابغ الفكر العربى)، دار المعارف بالقاهرة 1958.
- حلية الزمن بمناقب خادم الوطن (سيرة رفاعة الطهطاوى بقلم تلميذه صالح مجدى، نشر وتحقيق) القاهرة 1958.
- التاريخ والمؤرخون في مصر في القرن التاسع عشر، القاهرة 1958.
- AHistary of Egyption Historiography in the 91 th bentury (تحت الطبع).
(590 - 615 = 1194 - 1218) وهى حقبة خطرة أو شك فيها البناء الشامخ الذى بناه صلاح الدين أن ينقض، وأوشكت الوحدة القوية التي كدّ في تكوينها أن تنفصم عراها، فقد اقتسم الملك بعده أولاده الثلاثة الكبار:
الملك العزيز عثمان في مصر، والملك الظاهر غازى في حلب، والملك الأفضل على في دمشق؛ ثم لم يلبث أن قام النزاع والتخاصم بين الأخوة الثلاث، ووقف عمهم الملك العادل عن كثب يرقب الأحداث، ويتدخل بذكائه ودهائه ليمهد للأمور حتى تصل إلى نتيجتها المحتومة، فلما نضجت الكمثرى استعان بالأمراء الأسدية حتى اختاروه أتابكا للطفل الصغير الملك المنصور بن الملك العزيز صاحب مصر، ثم لم يلبث أن عزله وولى العرش مكانه وأعاد للدولة وحدتها كما كانت أيام أخيه صلاح الدين، ولم يبق خارجها إلا مملكة حلب التي تتابع على حكمها حتى نهاية الدولة سلالة الملك الظاهر بن صلاح الدين.
وكانت حجة الملك العادل التي حاول بها أن يبرر استئثاره بالملك دون أولاد أخيه تمثل مبدءا جديدا وخطيرا، فإنه قال:«إنه قبيح بى أن أكون أتابكا لصبى مع الشيخوخة والتقدم، مع أن الملك ليس هو بالميراث، وإنما هو لمن غلب، ولقد كان يجب أن أكون بعد أخى السلطان الملك الناصر رحمه الله صاحب الأمر، غير أنى تركت ذلك إكراما لأخى ورعاية لحقه. . الخ» (1)
وكان من الممكن أن يقبل هذا القول من الملك العادل لو أنه كان يعنيه حقا، أولو أنه التزمه مع نفسه وأولاده، ولكن الواضح أنه ساق هذا القول لتبرير فعلته وحسب، بدليل أنه تمسك بمبدأ الوراثة بعد قليل، فقسم الملك بين
(1) انظر بقية الحديث فيما يلى هنا، ص 111.
أولاده الثلاثة: الكامل والمعظم والأشرف، قبل وفاته، وظل الملك في مصر - على الأقل - وراثيا في عقبه إلى أن انتهت الدولة.
وقد شرح ابن واصل في هذا الجزء الصراع العنيف الذى قام بين أولاد صلاح الدين شرحا وافيا مستفيضا، وكشف القناع عن الأدوار التي لعبتها القوى الكبرى التي شاركت في هذا الصراع، فقد كان هناك صراع خفى بين أنواع من القوى، بين الأمراء الأسدية والأمراء الصلاحية، وبين الأكراد والأتراك، ووسط هذه اللجة المصطخبة من النزاع كنا نرى أيدى كبار القواد ورجال الدولة الذين عملوا مع صلاح الدين تلعب تارة في الخفاء وتارة في العلانية، فتعمل مرة على إخماد نار الفتنة، وتعمل مرة أخرى على إشعال نيرانها وتوسيع شقة الخلاف، وقد جرت عادة المؤرخين الذين أرخوا لهذه الفترة أن يرصدوا حركات أولاد صلاح الدين وعمهم العادل، ولكن القارىء لهذا الجزء من مفرج الكروب يدرك أنه لكى يفهم أسباب هذا النزاع وأحداثه لا يمكن أن يغفل الأدوار التي لعبها الأمراء الصلاحية من أمثال: فخر الدين جهاركس، وفارس الدين ميمون القصرى، وشمس الدين سنقر الكبير، وصارم الدين قايماز النجمى، وحسام الدين أبو الهيجا السمين، وبهاء قراقوش، والقاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانى. . الخ.
فتاريخ بنى أيوب - فيما أرى - لا يمكن أن يفهم فهما صحيحا إذا نحن قصرنا دراستنا على ملوك بنى أيوب وأعمالهم، بل أصبح من الواجب أن ندرس موقف القوى الحربية التي كانت تكون الجيش الأيوبى من أكراد وأتراك وخوارزمية وعربية، والعصبيات التي تكونت من أسدية وصلاحية وكاملية وصالحية وغيرهم، وأن ندرس إلى جانب هذا سير كبار القواد والأدوار التي لعبوها في تطور تاريخ هذه الأسرة.
والمؤلف يؤرخ في هذا الجزء تأريخا شاملا لمنطقة الشرق الأدنى العربى خلال هذا الربع قرن، فيشير إلى الأحداث في اليمن وإلى ولاتها من بنى أيوب، ويتتبع الصراع الذى كان لا يزال قائما ومستمرا بين الأيوبيين وبقايا الصليبيين في الشام، بل إنه يرصد تحركاتهم خارج العالم الإسلامى فيشير إشارة سريعة إلى الحملة الصليبية الرابعة التي اتجهت إلى القسطنطينية (1) واستولت عليها، وهو يعنى كذلك بالتأريخ للدول الإسلامية المجاوة وحكامها والعلاقات بينها وبين بنى أيوب، وبخاصة الخلافة العباسية، ودولتى الأتابكة وسلاجقة الروم.
(2)
وابن واصل وإن كان قد عاش بعض سنوات هذه الحقبة التي يؤرخ لها هذا الجزء والتي تبدأ بسنة 590 وتنتهى بسنة 615 هـ إلا أننا لا نعتبره معاصرا لها. فقد ولد سنة 64، وكان قد بلغ الحادية عشرة من عمره في نهاية هذه الحقبة، وهى سن لا تؤهله لإدراك الحوادث إدراكا صحيحا، ولهذا فهو لا زال ينقل عمن سبقه من المؤرخين، وهو في هذا الجزء ينقل بصفة خاصة عن المؤرخين الآتية أسماؤهم:
- ابن القادسى
- العماد الأصفهانى
- عز الدين بن الأثير
- ضياء الدين بن الأثير
ونقوله عن هؤلاء لها أهمية كبرى فإن ابن القادسى مؤرخ عراقى عاش في أواخر القرن السادس الهجرى وأدرك القرن السابع، وكتابه في التاريخ ذيّل به على تاريخ
(1) انظر ما يلى هنا ص 160 تحت عنوان «ذكر استيلاه الفرنج على قسطنطينية» .
ابن الجوزى «المنتظم» ، ومعلوماته عن تاريخ العراق والخلافة العباسية وثيقة وهامة، غير أن كتابه للأسف من الكتب المفقودة، ولم يبق منه إلا هذه الشذرات القليلة التي نقلها عنه ابن واصل في مفرج الكروب، وشذرات أخرى نقلها سبط ابن الجوزى في «مرآة الزمان» وابن تغرى بردى في «النجوم الزاهرة» وغيرهما من المؤرخين اللاحقين.
أما العماد الأصفهانى فكان قد انتهى من التاريخ لعصر صلاح الدين في كتابه الفذ «البرق الشامى» وعليه اعتمد الأغلبية العظمى من مؤرخى العصر الأيوبى ومن بينهم ابن واصل، ثم ظل العماد بعد وفاة صلاح الدين على صلة وثيقة بأبنائه وأخيه العادل ورجال دولته، وألف للتأريخ للسنوات السبع التي عاشها بعد ذلك (توفى 957 هـ) ثلاث رسائل هى:«العتبى والعقبى» و «ونحلة الرحلة» و «خطفة البارق وعطفة الشارق» ، وكلها - رغم أهميتها القصوى - مفقودة، وإن كان أبو شامة قد لخصها تلخيصا موجزا جدا في الصفحات الأخيرة من الجزء الثانى من كتابه «الروضتين في أخبار الدولتين» ، إلا أن ابن واصل ينقل في هذا الجزء فقرات كثيرة وهامة جدا من هذه الرسائل، ومما يزيد في أهمية هذه النقول أنها لا توجد في الروضتين أو في أي مرجع آخر من المراجع التي أرخت للأيوبيين.
وبوفاة العماد في سنة 597 هـ يصبح «الكامل في التاريخ» لعز الدين ابن الأثير عمدة ابن واصل ومرجعه الأول، كما أنه ينقل أحيانا - - عند التأريخ للأتابكة - عن كتابه الآخر «الباهر» .
كذلك رجع ابن واصل في هذا الجزء إلى مجموعة رسائل ضياء الدين ابن الأثير ونقل الكثير من هذه الرسائل التي تلقى أضواء جديدة على قصة الصراع بين أولاد صلاح الدين، ولا غرو فقد كان ضياء الدين وزيرا للأفضل
ابن صلاح الدين - صاحب دمشق، وإلى رعونته - فيما يذكر ابن واصل وغيره من المؤرخين -، ترجع أسباب فشل الملك الأفضل في سياسته وحكمه.
وابن واصل - كعادته - لا ينقل عن هذه المراجع نقلا حرفيا دائما، بل قد يلتزم النص الذى ينقل عنه، وقد يوجز أو يختصر، وقد يضيف من عنده روايات شفهية سمعها من معاصريه، وهو في معظم الأحوال يقارن بين آراء المؤرخين، ويصوّب قول هذا أو يخطئ قول ذاك أو يناقش الآراء ويأتى برأى جديد يرى أنه الصواب، وهو في كل هذه الاستدراكات يبدأ استدراكه بكلمة «قلت» .
ولندرة المراجع المعاصرة الأصيلة التي أخذ عنها ابن واصل أو لضياعها أصبح كتابه «مفرج الكروب» العمدة والمرجع لمعظم المؤرخين العرب الذين عاشوا بعد القرن السابع الهجرى وكتبوا عن العصر الأيوبى، من أمثال أبى الفدا، والذهبى، والمقريزى، وابن تغرى بردى، والنعيمى وغيرهم، ولهذا اعتبرت كتب هؤلاء المؤرخين نسخا أخرى وراجعت عليها نصوص مفرج الكروب كلما وجدت بها نقولا أو اقتباسات منه. (1)
(3)
وهذا الجزء ملئ بالمقطوعات الشعرية التي نقلها ابن واصل عن دواوين الشعراء المعاصرين وضمنها كتابه، ومن هؤلاء:
- ابن سناء الملك
- وشرف الدين بن عنين
(1) انظر ما يلى هنا، ص 38 هامش 2، ص 56 هامش 1، ص 66 هامش 1، ص 138 هامش 3.
- والعماد الكاتب الأصفهانى
- وبهاء الدين أسعد بن يحيى السنجارى
- وسالم بن سعادة الحمصى
- وشرف الدين راجح الحلى
- وكمال الدين بن النبيه المصرى
- والخليفة العباسى الناصر لدين الله
- والملك الأفضل على بن صلاح الدين
- والملك العادل أبو بكر
وغيرهم كثيرون
وقد عارضت الشعر على دواوين هؤلاء الشعراء - إن وجدت - لتقويم النص وضبطه بالشكل، وهذه المجموعة الضخمة من شعر العصر تزيد في أهمية «مفرج الكروب» فإن بعض هذه المقطوعات مما ينفرد هو بإيرادها ولا توجد في المراجع الأخرى، والبعض الآخر لشعراء ضاعت دواوينهم أو لا زالت مخطوطة لم تطبع بعد مثل ديوان شرف الدين راجح الحلى، وبعض ثالث يتضمن أبياتا لا توجد في الدواوين المعروفة.
(4)
وهذا الجزء يشبه الجزءين السابقين بكثرة ما به من وثائق رسمية نقلها المؤلف ليؤكد الحقائق التاريخية التي يرويها أو ليزيدها إيضاحا وتوثيقا، والمؤلف - كعادته - يثبت بعض هذه الوثائق كاملة حينا ومنقوصة حينا آخر، وأعود فأكرر هنا الأهمية القصوى لهذه الوثائق باعتبارها المصدر الأول الأكيد للمؤرخين، ولهذا عنيت بإبراز هذه الأهمية في مقدمتى الجزءين الأول والثانى،
ولهذا ألحقت بالجزء الثانى إحدى وعشرين وثيقة أيوبية، وإتماما لهذه الخطة وتمهيدا لإخراج مجموعة مستقلة تضم وثائق العصر الأيوبى على نمط المجموعة التي أخرجتها للوثائق الفاطمية، ألحقت بهذا الجزء اثنتين وثلاثين وثيقة أيوبية أخرى مما عثرت عليه في بطون المراجع التاريخية والأدبية المختلفة.
وللوثائق التي أوردها ابن واصل في هذا الجزء أهمية كبرى لضياع أصولها ولانفراد ابن واصل بإيرادها، وللدلالة على أهميتها يكفى أن نشير هنا بعض منها:
- رسالة بقلم العماد الكاتب مرسلة من الملك الأفضل بن صلاح الدين - بعد وفاة والده - إلى الخليفة الناصر لدين الله
- نموذج طريف لخطبة عقد الزواج في العصر الأيوبى بين الملك العزيز ابن صلاح الدين وابنة عمه الملك العادل.
- رسالة من ضياء الدين بن الأثير الوزير إلى بعض إخوانه
- قطعة من رسالة مرسلة من الملك الظاهر صاحب حلب إلى الملك المنصور صاحب حماة
- خطابان بقلم الوزير صفى الدين بن شكر من الملك العادل إلى الملك المنصور صاحب حماة
- رسالة من الملك العادل إلى ابن أخيه الملك الأفضل
. . . الخ. . . الخ
(5)
وهذا الجزء كسابقه فيه عدد كبير من المصطلحات الإدارية والحربية والاجتماعية التي كانت مستعملة في العصر الأيوبى، وقد تابعت العناية بها وشرحتها في الهوامش شرحا وافيا بقدر ما سمحت لنا به المراجع والمعاجم المتداولة
وأشرت إلى هذه المراجع والمعاجم في نهاية الشرح ليرجع إليها من يريد التثبت أو الاستزادة، وقد أشار ابن واصل في هذا الجزء إلى وظيفة إدارية هامة لم أجد لها ذكرا في المراجع المعاصرة الأخرى وهى: ولاية البر (ووالى البر) بحماة، ومن المصطلحات التي شرحناها فيما يلى - على سبيل المثال لا الحصر -:
المثال (ص 7، هامش 2) وكوكبورى (ص 17، هامش 3)
والسنجق (ص 25، هامش 1) والغاشية (ص 25، هامش 2)
واليزك (ص 48، هامش 1) والكوسات (ص 51، هامش 3)
والارتفاعات (ص 54، هامش 1) والمفاردة (ص 93، هامش 5)
والكمة (ص 134، هامش 3) والزردخاناه (ص 135 هامش 2)
وتركبلى (ص 146 هامش 2). . . الخ. . . الخ
ولا زلت أكرر الدعوة إلى ضرورة الاهتمام بهذه المصطلحات الحضارية وجمعها وشرحها فهى من الأدوات الهامة التي لا يمكن لمن يريد التأريخ لنظم الحكم أو الحضارة في العالم الإسلامى على تلك العصور الاستغناء عنها.
وقد حاولت جهدى كذلك ضبط أسماء المدن والقرى وأسماء الأعلام كما ترجمت ترجمات موجزة في الهوامش لمشاهير العصر أو أشرت إلى المراجع التي ترجمت لهم ليرجع إليها من يريد.
وفى هذا الجزء أخيرا فقرات تحدث فيها المؤلف عن نفسه فهى تعيننا على تعرف سيرته أو تحديد تاريخ تأليف الكتاب، ومن أهمها إشارته في ص 9 إلى زيارته لحلب في سنة 627 هـ (وكان في الثالثة والعشرين من عمره) وإقامته هناك في مدرسة القاضى المؤرخ بهاء الدين بن شداد وتتلمذه عليه.
(6)
هذا وقد كنت اتخذت نسخة مكتبة كامبردج (المرموز لها بحرف ك) أصلا لنشر الجزئين الأول والثانى مع معارضة النص على نسخة باريس رقم 1702، وأردت أن أسير على نفس النهج في هذا الجزء على أن أعارض النص على نسخة مكتبة مللاجلبى رقم 119 التي تبدأ بالأحداث التالية لوفاة صلاح الدين ونسخت أوراق هذا الجزء مكتملة عن نسخة (ك) وبدأت العمل لضبط النص وتقويمه، ولكننى لم أكد أتقدم في العمل خطوات حتى تبين لى أن نسخة مللاجلبى أفضل بكثير من نسخة كمبردج، فقطعت أوراقى وبدأت من جديد ونسخت النص عن نسخة استانبول واتخذتها أصلا للنشر مع مقابلتها على نسختى باريس 1702 وكمبردج، فقد اتضح لى أن نسخة كمبردج كانت النسخة الأولى التي كتبها المؤلف، ولكنه أعاد النظر فيها بعد ذلك، فعدّل في النص كثيرا وقوّمه وأضاف إليه في بعض الأحيان، والنسخة المعدلة المصححة هى نسخة استانبول، وهى لحسن الحظ تبدأ بما يبدأ به هذا الجزء الثالث، فإن عنوان بها هو:
ذكر ما استقرت الحال عليه من الممالك بعد وفاة السلطان رحمه الله
وقد نبهت في الهوامش إلى الفروق الواضحة التي تدل على أفضلية نسخة مللاجلبى على نسخة كمبردج، انظر مثلا:(ص 92. هامش 5) و (ص 97، هامش 7) و (ص 101، هامش 1) و (ص 108، هامش 1). . الخ
أما نسخة باريس 1702 (وقد رمزنا لها بحرف س) فهى - كما بينت في مقدمة الجزء الأول - أسوأ النسخ، فهى مضطربة الترتيب والصفحات، وبها خروم كثيرة (1)، وكاتبها جاهل كثير الأخطاء.
ومع هذا فإن نسختى كمبردج وباريس لم تخلوا من الفائدة، فقد أعانتانى أحيانا على قراءة ما تعسر علىّ قراءته في نسخة الأصل، وكانت بهما أو باحداهما زيادات تنور النص فأضفتها أتماما للفائدة مع التنبيه دائما في الهوامش إلى الفروق الواضحة بين النسخ الثلاث.
ومن الأسباب التي دفعتنى إلى اختيار نسخة مللاجلبى أصلا للنشر - إلى جانب صحة النص واستيفائه ودقته - أنها أقدم النسخ الموجودة جميعا، بل إننى أرجح أنها كانت نسخة المؤلف نفسه أو أنها كتبت أثناء حياته، فقد كتب اسم المؤلف على الصفحة الأولى وتحته «عفا الله عنه» ، والعادة أن الناسخ إذا كتب الكتاب بعد وفاة مؤلفه أن يدعو له بالرحمة، فيتبع اسمه بالدعاء المعروف «رحمه الله» ، أما النص تحت عنوان الكتاب فهو:
«تأليف الفقير إلى رحمة الله تعالى محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم ابن واصل عفا الله عنه» .
ومما يرجح هذا الظن ويؤكده أن نفس الصفحة تحمل بعد ذلك اسم مواطن للمؤلف من حماة تملك النسخة بعد وفاة المؤلف بخمس وأربعين سنة فقط (أي في سنة 742)، كما تحمل اسم عالم آخر قريب للسابق نص على قراءته
(1) أنظر ما يلى هنا ص 39، هامش 1 وص 42، هامش 1 وص 70، هامش 1 وص 135، هامش 4. . الخ
للنسخة في سنة 784 هـ، أي بعد وفاة المؤلف بسبع وثمانين سنة، وفيما يلى نص التمليكين:
هذا ويوجد على هامش ص 10 امن هذه النسخة تمليك ثالث متأخر، تاريخه سنة 877 هـ، ونصه:
وصفحة العنوان من نسخة استانبول تحمل الدليل على منهج المؤلف في تجزئ الكتاب، ففيها ما يشير إلى أن هذه النسخة هى الجزء الثانى، وهذا هو نص العنوان الذى تحمله الصفحة الأولى:
الجزء الثانى من كتاب مفرج الكروب في أخبار ملوك بنى أيوب رحمهم الله تعالى
أي أن المؤلف جعل الجزء الأول من كتابه ينتهى بنهاية عصر صلاح الدين ووفاته، ثم بدأ الجزء الثانى بالتاريخ للأحداث التي تلت وفاة صلاح الدين، أما كاتب نسخة كمبردج فقد اتخذ لنفسه أساسا آخر لتجزىء الكتاب، فقد وقف عند كلامه عن مسير الملك العادل إلى الديار المصرية سنة 596، وبدأ الأحداث الجديدة التالية بالبسملة مكتوبة في وسط السطر بحروف كبيرة في صفحة جديدة ويليها «رب يسر وأعن» ، مما يفيد أنه كان يريد تقسيم الكتاب إلى أجزاء، فجعل الجزء الثانى يبدأ بمسير الملك العادل إلى مصر وتملكه لها، فهو بهذا أراد أن يجعل الجزء الأول شاملا لعصر صلاح الدين وأولاده، والجزء الثانى شاملا لعصر العادل وسلالته.
أما نحن فقد اتخذنا أساسا مخالفا لتقسيم الكتاب، وذلك لضخامته ووفرة عدد صفحاته التي تنيف في الأصل على الألف، فجعلنا الجزء الأول ينتهى بوفاة نور الدين واستقلال صلاح الدين الفعلى بحكم مصر، وأفردنا لعصر صلاح الدين من مبدئه إلى نهايته الجزء الثانى، أما هذا الجزء الثالث فيغطى عصر أولاد صلاح الدين وأخيه العادل وينتهى بوفاة العادل سنة 615 هـ.
ويبقى بعد ذلك ثلاثة أجزاء، أحدها (وهو الرابع) سيغطى عصر الملك الكامل محمد (615 - 365 هـ) والآخران (الخامس والسادس) يشملان
عصر الملك الصالح نجم الدين أيوب وابنه توران شاه وقيام دولة المماليك، وسألحق بالجزء الأخير الذيل الذى ذيّل به على الكتاب على بن عبد الرحيم بن أحمد، تلميذ المؤلف ومواطنه، وقد وصل فيه إلى سنة 695 هـ.
هذا وقد كنت أشرت إلى أننى سألحق بهذا الجزء الثالث مجموعة الفهارس التفصيلية للأجزاء الثلاثة معا، غير أننى لاحظت بعد البدء في طبع هذا الجزء أنه سيتضخم إذا أنا نفذت هذه الفكرة، فنصحنى بعض الأصدقاء أن ألحق بهذا الجزء الفهارس الخاصة به وحسب، فعملت بنصيحتهم على أن ألحق بكل جزء من الجزئين الأولين الفهارس الخاصة به عند إعادة طبعه وخاصة أن نسخ الجزء الأول قد نفدت كلها، وأوشكت نسخ الجزء الثانى أن تنفد كذلك، وأرجو أن أوفق قريبا إلى إعادة طبعهما مع إلحاق كل جزء بالفهارس الخاصة به، وكذلك سيكون منهجى إن شاء الله في الأجزاء الثلاثة الباقية.
(7)
وبعد فهذا هو الجزء الثالث من مفرج الكروب، وهذا هو منهجنا في نشرنا، نرجو أن نكون قد وفقنا في أداء الأمانة العلمية حق أدائها، والله وحده يعلم كم بذلنا من جهد وكم صرفنا من وقت في ضبط نصه وإخراجه، وقد كان للترحاب الذى قوبل به الجزءان السابقان ولكلمات التشجيع التي أضفاها علينا أساتذة أجلاء وأصدقاء أعزاء الفضل الأكبر في شحذ الهمة لإتمام إخراج الكتاب رغم ما يكتنفنا ويحيط بنا من مشاغل العمل والحياة.
فإلى هؤلاء الأساتذة الأصدقاء أزجى أجمل آيات شكرى وفى مقدمتهم أستاذى الجليلين الأستاذ محمد شفيق غربال والدكتور محمد مصطفى زيادة وصديق
الصبا والشباب والعمل الدكتور حسين مؤنس، وكذلك أقدم شكرى القلبى الصادق إلى الأصدقاء الأجلاء والأساتذة الأعلام: عالمى حلب وحماة الأستاذين طاهر النعسانى وقدرى كيلانى، وعالمى بغداد الدكتورين عبد العزيز الدورى ومصطفى جواد، والمؤرخ المحقق الدكتور قسطنطين زريق، والصديقين البحاثتين الدكتور صلاح الدين المنجد والدكتور بشر فارس.
أما المستشرقون الكبار المعنيون بالتاريخ الإسلامى فإن لهم في عنقى دين كبير لا أستطيع أن أفيه حقه، فإليهم جميعا شكرى الجزيل، وأخص بالذكر الأستاذ جب بجامعة هارفارد، والأستاذ برنارد لويس بجامعة لندن، والأستاذ كلو وكاهن بجامعة استراسبورج، والأستاذ هنرى ماسين بالكوليج دى فرانس.
وكذلك شكرى الكبير إلى الصديقين الأستاذين جورج قنواتى ورشدى الحكيم على النقد (1) القيم الذى تفضل كل منهما بكتابته عن الجزء الثانى من مفرج الكروب، وإنى أرجو أن أكون قد أفدت من توجيهاتهما العلمية الممتازة.
وأقدم شكرى الجزيل كذلك لصديقى الكريم الأستاذ عبد المنعم عامر، فقد تفضل بتصحيح تجارب القسم الأعظم من هذا الجزء، وإلى تلميذى القديم الأستاذ درويش النخيلى المدرس بمدرسة المعلمين بدمنهور على الجهود الضخمة التي بذلها في عمل فهارس هذا الكتاب، جزاهما الله عنى وعن العلم كل خير.
وأرجو أخيرا أن استميح القارئ عذرا لما يتخلل هذا الجزء من أخطاء
(1) نشر النقد الأول باللغة الفرنسية في مجلة معهد الدومتيكان بالقاهرة: ونشر النقد الثانى في مجلة المشرق التي تصدر في بيروت، عدد كانون الثانى - شباط 1959
مطبعية، فقد كنت أقوم على تصحيحه وأنا أعد العدة للسفر إلى المغرب لأتسلم عملى هناك مستشارا ثقافيا للجمهورية العربية المتحدة، فكان للعجلة أثرها في كثرة الأخطاء المطبعية، والعجلة من الشيطان، حمانا الله وأعاذنا من الشيطان ومن العجلة.
والله أسأله أن يوفقنى دائما للعمل الصالح وأن يهبنى القوة لإتمام هذا الكتاب، ولخدمة أمتنا العربية وتاريخها المجيد.
جمال الدين السيال
الاسكندرية في 6 رمضان 1379
3 مارس 1960