الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: باب (التعرف على الله تعالى)
مدخل
…
الباب الأول: باب (التعرف على الله تعالى) :
وهذا الباب يشمل بدوره قضيتين:
إحداهما: (مفهوم الربوبية) وقد أسلفت بيانها تحت عنوان: (مفهوم الربوبية) في أربع حلقات مضَيْنَ.
وثانيهما: (مفهوم الأسماء والصفات) وهي موضوع حلقاتي التي تبدأ بحلقتنا هذه، وأسأل الله أن يريني الحق حقا ويرزقني اتباعه، وحسن بيانه للناس.
وهذا الباب يشمل بدوره قضيتين كذلك:
إحداهما: (مفهوم الإلهية) .
وثانيتهما: (مفهوم التشريع) وذلك انطلاقا من قوله جل وعلا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (يوسف آية 40) حقا إن أكثر الناس لا يعلمون أن الحكم لله وحده، وأن العبادة كذلك لله وحده سبحانه.
وإلى هذا المقام، أجدني قد اقتربت من مدخل الموضوع الذي أريد أن أعالجه، وهو القضية الثانية من باب (التعرف على الله تعالى) وهي:- مفهوم الأسماء والصفات
مفهوم الأسماء والصفات
أسماء الله الحسنى
…
(مفهوم الأسماء والصفات)
نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: أسماء الله تعالى.
المبحث الثاني: صفات الله تعالى.
أولا أسماء الله تعالى (الأسماء الحسنى)
معنى الأسماءِ: أسماء جمع اسم، والاسم: معناه لغة هو ما يعرف به الشيء ويستدل عليه.
وعند النحاة: هو ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمن.
والاسم الأعظم: هو الاسم الجامع لمعاني صفات الله عز وجل.
واسم الجلالة: أو لفظ الجلالة: هو الله، وهو اسمه سبحانه وتعالى.
واصطلاحاَ: إذا قيل: أسماء الله تعالى، أو أسماء الله تعالى وصفاته، أو الأسماء والصفات، كان معنى الأسماء أسماء الله تعالى الحسنى التي تسمى بها سبحانه، واستأثر بها لنفسه جل وعلا.
لم سميت أسماء الله تعالى بالأسماء الحسنى؟
وردت تسمية الأسماء الحسنى في قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف آية 180) وفي قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (طه آية 8) . وسميت الأسماء الحسنى، لأنها حسن في الأسماع والقلوب، وتدل على توحيده، وكرمه وجوده، ورحمته، وأفضاله 1 كما أنها تدل على أحسن مسمى، وأشرف مدلول.
وكل اسم يدل على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت أسماء الله تعالى جميعا حسنى، فهي ليست أعلاماً محضة، إذ لو كانت كذلك ولم تتضمن صفات الكمال لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صافات ليست بصفات كمال: كصفات نقص، أو صفات منقسمة إلى المدح.. والقدح لم تكن حسنى 2.
فكل اسم من أسمائه تعالى دال على جميع الصفة التي اشتق منها لجميع معناها، وذلك نحو اسم الدال (العليم) الدال على أن له علما محيطاً عاما لجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
واسم (الرحيم) الدال عَلى أن له رحمة عظمية واسعة لكل شيء.
واسم (القدير) الدال على أن له قدرة عامة لا يعجزها شيء - ونحو ذلك.
ومن تمام كونها حسنى أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال تعالى:{فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف آية 180)3..
ما سبب نزول آية {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ؟
قال مقاتل وغيره من المفسرين: "نزلت هذه الآية في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم، فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين فأنزل الله تعالى الآية"4.
هل حصرت الأسماء الحسنى بعدد معين؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال وسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" أخرجاه في الصحيحين، والبخاري، وأخرجه الترمذي عن شعيب فذكره بسنده مثله، وزاد بعد قوله:"يحب الوتر": "هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف،
1 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جزء 7 ص 325
2 الاسم الذي يدل على صفة تنقسم إلى مدح وقدح (أي ذم) مثل الماكر والخادع والكايد لهذا لم يسم الله تعالى نفسه بمثل هذه الأسماء ولم يجعلها وأمثالها من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى.
3 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي جزء 3 ص 59،60.
4 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جزء 7 ص 325.
الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور" ثم قال الترمذي:"هذا حديث غريب، وقد روي من غير وجه أبي هريرة، ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث"، ورواه ابن حبان في صحيحه من طريق صفوان به1.
ومعنى إحصاء الأسماء الحسنى المشار إليه في الحديث عند قوله صلى الله عليه سلم: "من أحصاها دخل الجنة"؛ هو: عدها، وحفظها، وفهم معانيها، ودعاء الله بها دعاء عبادة ودعاء مسألة.
والأسماء الحسنى ليست محصورة بعدد معين، ودليل ذلك: ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتكَ، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلْقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعلَ القران العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمًه، وأبدل مكانه فرجا" فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال:"بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها". فقوله صلى الله عليه وسلم: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك" دليل على أن الله تعالى سمى نفسه بأسماء لم ينزلها في كتابه، ولم يعلمها أحدا من خلقه، وإنما استأثر بها في علم الغيب عنده سبحانه، ومن ثم كان هذا دليلا على أن أسماء الله جل وعلا لم تحصر بعدد معين.
هل يجب الاقتصار على أسماء الله تعالى الواردة؟
لا شك أن أسماء الله تعالى توقيفية، بمعنى أنه ينبغي علينا أن نقف في تسمية الله تعالى
على ما ورد في الكتاب والسنة، لأننا لا نستطيع البتة أن نعرف الأسماء التي سمى الله بها نفسه بآرائنا، وباجتهاد من عند أنفسنا، لأن أسماءه تبارك وتعالى من الغيب الذي لا مجال لنا في بلوغه إلا أن يصلنا عن طريق الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بأي الأسماء ندعو الله تعالى؟
ذكرت آنفا أن الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف آية 180) ويقول: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (طه آية 8) .
1 تيسير العلي القدير المجلد الثاني ص 151، 152.
(وأقول في استطرادة مفيد إن شاء الله، بهذه المناسبة ألفت أخوتي المسلمين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمته حين سئل عن تعلم هذه التضرعات في دعاء إذهاب الحزن والهم: "بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها " فما أكثر ما يصيب الإنسان في حياته بين حين وآخر من الهم والحزن ما يملك عليه نفسه ويتمنى عجلا أن يزال ويبدل فرجا. فما أحوجنا جميعا إلى تعلم هذا الدعاء العظيم ودعاء الله تعالى به في ضراعة وإخلاص ليفرج الله عنا ما يلم بنا من أحزان وهموم) ..
فلما تسمى الله جل شأنه بأسماء كلها حسنى، أمرنا جل وعلا أن ندعوه بها لأنه هو وحده سبحانه الذي يعلم ما يستحق أن يسمى به من الأسماء التي تليق بجلاله وعظمته، وبما ينبغي أن يدعى به سبحانه.
ولدقة هذا الأمر ذكر كثير من أهل العلم أن الداعي ينبغي عليه أن يدعو الله بالاسم الذي يناسب مسألته: فيقول مثلا: يا رحمن ارحمني، يا غفار اغفر لي، يا تواب تب علي، يا رزاق ارزقني، يا حفيظ احفظني، يا كريم أكرمني- وهكذا - ولا يصح أن يدعو باسم لا يناسب مسألته كأن يقول يا غفار ارزقني، أو يا رزاق اغفر لي، أو يا حفيظ تب علي، وهكذا.
بل ذكر البعض أنه لا ينبغي أن ندعو الله سبحانه بالأسماء التي تبدو في ظاهرها أنها تحمل معنى الإضرار فقط بالعبد مثل: المانع، والضار، والمذل، والقابض، والخافض، والمميت. وذلك حتى لا يتصور متصور- بإفراد هذه الأسماء - أن أسماء الله تعالى من شأنها: أنها تحمل الضرر فحسب. ومن ثم ينبغي إذا ذكرت هذه الأسماء أن تذكر مع الأسماء المقابلة لها، مثل أن يقال: المعطى المانع، النافع الضار، المعز المذل، الباسط القابض، الرافع الخافض، المحيي المميت- وهكذا. ويسمي العلماء هذه الأسماء (بالأسماء المزدوجة) . لأنه يذكر مع كل أسم منها ما يقابله في معناه مما يجعلهما زوجا.
الأسماء الحسنى تتضمن صفات الكمال العليا لله تعالى:
إن كل اسم من أسماء الله تعالى يتضمن صفة تناسبه بما يليق بجلال الله سبحانه وعظيم
شأنه. مثال ذلك: اسم (الرحمن) يتضمن ثبوت صفة الرحمة الذاتية لله سبحانه، واسم (الرحيم) يتضمن ثبوت صفة الرحمة الفعلية لله سبحانه، واسم (السميع) يتضمن ثبوت صفة السمع لله سبحانه، واسم (البصير) يتضمن ثبوت صفة البصر لله سبحانه، واسم (الرزاق) يتضمن ثبوت صفة الرزق لله سبحانه. وهكذا نجد أن كل الأسماء الحسنى تتضمن صفات الكمال العليا لله جل وعلا.
ليست كل صفة من صفات الله تعالى تشتق منها أسماء له سبحانه:
من الأمور الخطيرة التي يجب أن ننتبه إليها أنه: ليست كل صفة لله تعالى يمكن أن نشتق منها اسما له سبحانه، ذلك لأن أسماء الله تعالى - كما سبق أن أسلفت - توقيفية يجب أن نقف عند ما ورد بها النص في الكتاب والسنة، ولا نزيد عليها باجتهاداتنا، لأن ذلك أمرَ من الغيب الذي لا مدخل لنا إليه.
وبيان ذلك أن الله تعالى يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم} (النساء آية 142) ويقول: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران آية 54) .
ويقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال أية 20) .
ويقول: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرا} (يونس آية 21) .
ويقول: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} (النمل آية.3) .
ويقول: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف} (يوسف آية 76) ويقول: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً} (الطارق آية ك 15، 16) .
ويقول: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (البقرة آية 14، 15) .
ويقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد آية 22، 24) .
ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ} (البقرة آية 159) . ويقول: {وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلَاّ قَلِيلاً} (النساء آية 46)، ويقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (النساء آية 47)، ويقول:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} (النساء آية 52) .
ويقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (المجادلة آية 14) .
ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} (الممتحنة آية 13) .
ويقول: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} (النساء آية 30) .
ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً} (النساء آية 56) .
ويقول: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاء} (الأنعام آية 133) .
ويقول: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ} (هود آية 57) .
ويقول: {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} (الأعراف آية 64) . ويقول: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} (الشعراء آية 66 والصافات آية 82) .
ويقول: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (التوبة آية 79) .
ويقول: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (المائدة آية 80) .
ويقول: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} (الأعراف آية 51) .
ويقول: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة آية 67) .
ويقول: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُم} (السجدة آية 14) .
ويقول: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} (الجاثية آية 34) .
ويقول: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف آية 137) .
ويقول: {فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} (الإسراء آية 16) .
ويقول: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} (الشعراء آية172)، ويقول:{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} (النمل آية 51)، ويقول:{دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} (محمد آية 10) .
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ "(متفق عليه) .
ويقول: " لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنزل عنها فنام- وراحلته عند رأسه، فاستيقظ وقد ذهبت، فذهب في طلبها فلم يقدر عليها حتى أدركه الموت من العطش، فقال: والله لأرجعن فلأموتن حيث كان
رحلي، فرجع فنام، فاستيقظ. فإذا راحلته عند رأسه فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (رواه البخاري) .
ويقول: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة"(متفق عليه) . في الآيات والأحاديث التي أوردتها، نجد أفعالا لربنا سبحانه وتعالى وهي: على حسب ترتيب الأحاديث كما يلي:
أفعال: الخداع، المكر، الكيد، الاستهزاء، الإصمام، والإعماء، اللعن، الغضب، الإصلاء، الاستخلاف، الإغراق، السخرية، السخط، النسيان، التدمير، النزول، الفرح، الضحك. فهل يمكن أن نشتق من هذه الأفعال- وأمثالها- أسماء لله تعالى فنسميه جل وعلا بالأسماء الآتية؟: الخادع أو المخادع، الماكر، الكايد، المستهزئ، المصم، المعمي، اللاعن، الغاضب، المُصْلي، المستخلف، المُغرق، الساخر، الساخط، الناسي، المدمر، النازل الفرح، الضاحك؟ لا ينبغي أن نسمي الله بهذه الأسماء، ونقرنها بالأسماء الحسنى كالرحمن، والرحيم، والغفور، والودود، واللطيف، والعلي، والكبير، والسميع، والبصير، ونحو ذلك مما سمى الله تعالى به نفسه من أسمى وأجل وأعظم الأسماء.
والسبب في أنه لا ينبغي ولا يشرع لنا أن نسمي الله سبحانه بمثل تلك الأسماء كالخادع وما ماثل ذلك أمران:
الأمر الأول: أنه لم يرد بها النص في الكتاب أو السنة.
الأمر الثاني: أن من هذه الأسماء (كالخادع أو المخادع، والماكر، والكايد، والمستهزئ، والغاضب، والناسي، والمدمر وما ماثلها) ليست ممدوحة على إطلاقها، بل تمدح في مواضع، وتذم في مواضع أخرى1، ومن ثم لا يجوز أن تطلق أفعالها على الله مطلقا، فلا ينبغي أن يقال بإطلاق: إن الله تعالى يخادع أو يستهزئ، أو يغضب؛ أو ينسى، أو يدبر، كما لا ينبغي أن يشتق منها أسماء يسمى بها سبحانه، وذلك لأن الله جل وعلا لم يصف نفسه بالخداع، والمكر، والكيد، والاستهزاء، والغضب، النسيان، والتدمير، وما ماثل ذلك، إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، أو استحق أن يجازى به بحق على فعله- والجزاء إنما يكون من جنس العمل، فمن خدع يستحق أن يخدع، ومن مكر يستحق أن يمكر به، ومن نسي الله يستحق أن ينساه الله، ومن فسق استحق أن يدمر، وهكذا لا يجازى الله جل وعلا إلا من يستحق المجازاة بالحق والعدل.
إن المخادع حين يخادع بباطل وظلم، أو الماكر حين يمكر بباطل وظلم، أو الكايد حين يكيد بباطل وظلم، أو المستهزئ حين يستهزئ بباطل وظلم، والناسي حين ينسى بباطل وظلم، والفاسق حين يرتكب فسقه بباطل وظلم، يكون أكمل الحكمة من الله تعالى حين يخادعه، أو يمكر به، أو يكيده، أو يستهزئ به، أو ينساه، أو يدمره بالحق والعدل. ومن ثم فلا يشرع أن يوصف الله تعالى بتلك الأفعال المذكورة ولا أن يسمى بأسماء تشتق منها على وجه الإطلاق، لأن الله
1 مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم الجزء الثاني ص 32 وما بعدها
تعالى لم يصف بمثل أفعال الخداع، والمكر، والكيد، والاستهزاء، والنسيان، والتدمير، وما ماثل ذلك مطلقاً، ولا أدخل ذلك في أسمائه الحسنى. "ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه الماكر، المخادع، المستهزئ، الكائد، فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه. وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال، فاشتق له منها أسماء، وأسماؤه كلها حسنى، فأدخلها في الأسماء الحسنى، وأدخلها وقرنها بالرحيم، الودود، الحكيم، الكريم - وهذا جهل عظيم- فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقا، بل تمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقا، فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع يستهزئ ويكيد، فكذلك بطريق الأولى لا يشتق له منها أسماء يسمى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد، ولا المتكلم، ولا الفاعل، ولا الصانع، لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم، والحكيم، والعزيز، والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر، المخادع، المستهزئ؟ ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى: الداعي، وآلاتي، والجائي، والذاهب، والقادم، والرائد، والناسي، والقاسم، والساخط، والغضبان، واللاعن، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الأسماء التي أطلقت على نفسه أفعالها في القرآن - وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل. والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد، والمكر، والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه؟ " 1 وإني لأستحسن أن أسوق هنا المثل الذي ذكره الإمام ابن القيم في بيان كيف كاد الله تعالى ليوسف عليه السلام مجازاة لإخوته على ما فعلوه، وذلك في عباراته الآتية:- "إن جزاء المسيء بمثل إساءته جائز في جميع الملل، مستحسن في جميع العقول، لهذا كاد سبحانه ليوسف عليه السلام حين أظهر لإخوته ما أبطن خلافه جزاء لهم على كيدهم له مع أبيه، حيث أظهروا له أمرا وأبطنوا خلافه، فكان هذا من أعدل الكيد الذي قال فيه تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (يوسف آية 76) فإن إخوته فعلوا به مثل ذلك حتى فرقوا بينه وببن أبيه وادعوا أن الذئب أكله، ففرق بينهم وبين أخيهم بإظهار أنه سرق الصواع، ولم يكن ظالما لهم بذلك الكيد حيث كان مقابلة ومجازاة، ولم يكن أيضا ظالما لأخيه الذي لم يكده
…
بل كان إحسانا إليه وإكراما له في الباطن، وإن كان طريقة ذلك مستهجنة، لكن لما ظهر بالآخرة براءته ونزاهته مما قذفه به، وكان ذلك سببا إلى اتصاله بيوسف واختصاصه به، لم يكن في ذلك ضرر عليه، يبقى أن يقال: وقد تضمن هذا الكيد إيذاء أبيه وتعريضه لألم الحزن على حزنه السابق، فأي مصلحة كانت ليعقوب عليه السلام في ذلك؟ فيقال: هذا من امتحان الله تعالى له، ويوسف إنما فعل ذلك بالوحي، والله تعالى لما أراد كرامته، كمل له مرتبة المحنة والبلوى ليصبر فينال الدرجة التي لا يصل إليها إلا على حسب الابتلاء، ولو لم يكن في ذلك إلا تكميل فرحه وسروره باجتماع شمله بحبيبه بعد الفراق، وهذا من كمال إحسان الرب تعالى، أن يذيق عبده مرارة الكسر قبل حلاوة
1 مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة الجزء الثاني ص 34