المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المولى - الوليّ: المولى: هو اسم من أسماء الله تعالى الحسنى. ويطلق لفظ - مفهوم الأسماء والصفات - جـ ٤٩

[سعد بن عبد الرحمن ندا]

الفصل: ‌ ‌المولى - الوليّ: المولى: هو اسم من أسماء الله تعالى الحسنى. ويطلق لفظ

‌المولى

- الوليّ:

المولى:

هو اسم من أسماء الله تعالى الحسنى. ويطلق لفظ المولى في اللغة على: المعتِق، وعلى المعتَق، وعلى الناصر، وعلى الجار، وعلى ابن العم، وعلى الحليف، وعلى القيِّم بالأمر. والقدر المشترك في هذه الاطلاقات هو القرب.

وحين يطلق (المولى) على الله عز وجل، فإن معناه: القريب من عباده1.

* وقد ورد اسم (المولى) سبحانه في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة2 ثلاث مرات3 بلفظ (المولى) : في قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الأنفال آية 40)(وإن تولوا) أي أعرضوا عن الإيمان ولم ينتهوا. (فاعلموا أن الله مولاكم) أي ناصركم ومعينكم، فثقوا بولايته ونصرته.

(نعم المولى) فلا يضيع من تولاه، (ونعم النصير) فلا يغلب من نصره4.

ومعنى المولى هنا: سيدكم وناصركم على أعدائكم فمن والاه فاز، ومن نصره غلب5.

وفي قوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحج آية 78) أي وإذا خصكم بهذه الكرامة والأثرة، فاعبدوه وانفقوا مما آتاكم بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، وثقوا به، ولا تطلبوا النصرة ولا الولاية إلا منه، فهو خير مولى وناصر6.

ومعنى المولى هنا: أي حافظكم وناصركم على أعدائكم والمتولي أموركم دقيقها وجليلها، وهو سبحانه لا مماثل له في الولاية لأموركم والنصرة على أعدائكم7.

1 شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص 298.

2 المعجم المفهرس.

3 المرجع السابق.

4 محاسن التأويل للقاسمي الجزء الثامن ص 2297.

5 تيسير العلى القدير المجلد الثاني ص 186، وفتح القدير الجزء الثاني ص 308.

6 المرجع السابق الجزء الثاني عشر ص 4282.

7 تيسر العلى القدير المجلد الثالث ص 103، وفتح القدير الجزء الثالث ص 471.

ص: 44

أقول: لهذا أمر سبحانه تعالى المؤمنين أن يعتصموا به جل وعلا فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} أي تمسكوا بدين الله وثقوا به تعالى، فلا رجاء ناجح إلا أن يكون رجاءه وحده سبحانه. وقد جاءت هذه الآية الكريمة عقب قوله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الأنفال آية 39) .

والمعنى: أي يا معشر المؤمنين قاتلوا أعدائكم المشركين حتى لا يكون شرك ولا يبعد إلا الله وحده.

قال ابن عباس: الفتنة: الشرك، أي حتى لا يبقى مشرك على وجه الأرض. وقال ابن جريج: حتى لا بفتن مؤمن عن دينه1 ومعنى {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُهُ لِلَّهِ} أي تضمحل الأديان الباطلة ولا يبقى إلا دين الإسلام. واضمحلالها: يكون إما بهلاك أهلها جميعا، أو برجوعهم عنها خشية القتل2.

أقول: ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"3.

ومعنى قوله تعالى {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي فإن انتهوا عن الكفر وأسلموا فإن الله مطلع على قلوبهم، يثيبهم على توبتهم وإسلامهم، {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ} أي وإن لم ينتهوا عن كفرهم وأعرضوا عن الإيمان فاعلموا يا معشر المؤمنين أن الله ناصركم ومعينكم عليهم، فثقوا بنصرته وولايته ولا تبالوا بمعاداتهم لكم. {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} أي نعم الله أن يكون مولاكم، فإنه لا يضيع من تولاه، ونعم النصير لكم، فإنه لا يغلب من نصره الله4.

وفي قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} (محمد آية 11) .

ومعنى المولى هنا: أي ناصر المؤمنين5.

1 الطبري جزء 13 ص 538.

2 روح المعاني للألوسي جزء 9 ص 207.

3 صحيح مسلم الجزء الأول ص.

4 صفوة التفاسير الجزء الأول ص 504.

5 المرجع السابق –الجزء الخامس ص 32.

ص: 45

أقول: فبينت هذه الآية الكريمة أن المؤمنين مولاهم الله تبارك وتعالى يدافع عنهم وينصرهم على أعدائهم، وأما الكافرون فليس لهم من يدافع عنهم ولا من ينصرهم لأنهم على باطل، وأهل الباطل لا يستأهلون نصرا، ولا يظهرهم الله عز وجل على أهل الحق.

* ومنها أربع مرات بلفظ (مولاكم) : وذلك في قوله تعالى {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} (آل عمران آية 150) . وذلك بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (آل عمران آية 149) .

والمعنى: أن الله تعالى يحذر عباده المؤمنين طاعة الكافرين والمنافقين، فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة، وأمرهم سبحانه بطاعته وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه لأنه هو معينهم ناصرهم ومتولي أمورهم، ومن ثم فهو خير من يحقق لهم النصر المبين1.

وكذلك في مثل قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (التحريم آية 2) . ومعنى مولاكم هنا: أي وليكم وناصركم، والمتولي لأموركم2.

وقد ذكر القاسمي في تفسيره أن المقصود بقوله: {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} أي فأطيعوه {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} أي فينصركم خيرا ممن نصروكم لو نصروكم، وكيف لا يكون خير الناصرين، وهو ينصركم بغير قتال كما وعد بقوله {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} أي الذي يمنعهم من الهجوم عليكم والإقدام على حربكم {بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ} أي بكونه إلها متصفا بصفاته ومستحقا للعبادة {سُلْطَاناً} أي حجة قاطعة تنبني عليها الاعتقادات {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} هي المثوى والمقر، والمأوى والمقام3 -والعياذ بالله-.

وقد أفادت الآية أن ذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من الشرك بالله، وعلى قدر الشرك يكون الرعب. وقد قال القاشانيّ: جعل إلقاء الرعب في قلوب الكفار مسببا عن شركهم، لأن الشجاعة وسائر الفضائل اعتدالات في قوى النفس لتنورها بنور التوحيد، فلا تكون تامة إلا للموحد الموقن في توحيده، وأما المشرك فلأنه محجوب عن منبع القدرة بما أشرك بالله من الوجود المشوب بالعدم الذي لم يكن له بحسب نفسه قوة، ولم ينزل الله بوجوده حجة، فليس إلا العجز والجبن، وجميع الرذائل.

1 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 318.

2 فتح القدير الجزء الخامس ص 250.

3 محاسن التأويل الجزء الرابع ص 993.

ص: 46

وقال القفال: كأنه قيل: أنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أُحُد، إلا أن الله تعالى سيلقى الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين حتى يقهر الكفار، ويظهر دينكم على سائر الأديان، وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام قاهراً لجميع الأديان والملل.. وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيتُ خمساً لم يعطهنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغنائم، وكان النبيُّ يُبعثُ إلى قومه خاصةً وبُعثتُ إلى الناس كافةً، وأعطيتُ الشفاعة"1.

ثم أخبر أنه صدقهم وعده في النصر على عدوه، وهو الصادق الوعد، وأنهم لو استمروا على الطاعة، ولزموا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، لاستمرت نصرتهم، ولكن انخلعوا عن الطاعة، وفارقوا مركزهم، ففارقهم النصر على عدوهم عقوبةً وابتلاءً، وتعريفاً لهم بسوء عواقب المعصية، وحسن عاقبة الطاعة، بقوله {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} 2.

وفي قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} (محمد آية 11) .

ومعنى مولاهم: أن هو سبحانه الذي يتولاهم فيدافع عنهم وينصرهم على أعدائهم.

وقد جاءت الآية المذكورة بعد قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} (محمد آية 10) .

والآيتان مرتبطتان، ومعناهما: أفلم يَسِرْ المشركون بالله المكذبون لرسوله فينظروا كيف عاقب الله الذين من قبلهم بتكذيبهم وكفرهم ونجى المؤمنين من بين أظهرهم، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين يوم فرغوا من وقفة أحد أن يجيبوا أبا سفيان لما قال لهم: لنا العزى ولا عزى لكم فيقولون: "الله مولانا ولا مولى لكم"3. وقال الإمام الشوكاني في معنى الآيتين: أي ألم يسيروا في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا، فينظروا كيف كان آخر أمر الكافرين قبلهم، فإن آثار العذاب في ديارهم باقية، إذ أهلكهم الله واستأصلهم، ثم توعد سبحانه مشركي مكة بأن لهؤلاء الكافرين أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم الكافرين، وذلك سببه أنه تعالى ناصر المؤمنين، وأن الكافرين لا ناصر يدفع عنهم.

1 صحيح البخاري الجزء الثامن كتاب الصلاة ص 56.

2 المرجع السابق ص 994.

3 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 58، 59.

ص: 47

ثم بين سبحانه وتعالى مظهر ولايته للمؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار} (محمد آية/12) وبين في مقابلة ذلك عدم ولايته للكافرين ومظهر ذلك في الدنيا والآخرة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} (محمد آية 12) أي أن الكفار ليس لهم همٌ في دنياهم إلا الانكباب على الأكل والتمتع في الدنيا، لا هم لهم إلا ذلك، ولهذا ثبت في الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"المؤمن يأكل في معًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء" أي كأن له سبعة أمعاء كناية على كثرة أكله. ويوم القيامة النار تكون جزاء لهم1.

وذكر الإمام الشوكاني في معنى الجزء الأول من الآية الخاصة بالمؤمنين أنه مسوق لبيان ولاية الله تعالى لهم: وذلك بإدخالهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وفي بيان معنى الجزء الخاص بالكافرين أنهم يتمتعون بمتاع الدنيا وينتفعون به كأنهم أنعام ليس لهم همٌ إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عن العاقبة، لاهون بما هم فيه، والنار مقام لهم يقيمون به، ومنزل ينزلونه ويستقرون فيه2.

أقول: أن لا شك أن ولاية الله تعالى لعباده المؤمنين تسعدهم بالحياة الطيبة في الدنيا، وبدار الكرامة جنات عدن في الآخرة. فهنيئًا لمن بلغ هذه الدرجة الرفيعة فكان الله مولاه.

* ومنها مرتان بلفظ (مولانا) : وذلك في قوله تعالى: {أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة آية 286) . أي أنت وليُّنا وناصرنا، وعليك توكلنا وأنت المستعان وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، فانصرنا على القوم الكافرين الذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيتك، ورسالة نبيك، وعبدوا غيرك، فانصرنا عليهم، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة. قال الله:"نعم". وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس: قال الله: "قد فعلت"3. وقال الإمام الشوكاني في معنى قوله تعالى: (أنت مولانا) : أي ولينا وناصرنا، وخرج هذا مخرج التعليم كيف يدعون. وقيل معناه: أنت سيدنا ونحن عبيدك. وذكر في معنى قوله: {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} : أي من حق المولى أن ينصر عبيده، وأن المراد عامة الكفرة، وأن في هذا إشارة إلى إعلاء كلمة الله في الجهاد في سبيله4.

1 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 59.

2 فتح القدير الجزء الخامس ص 32.

3 تيسير العلى القدير المجلد الأول ص 249.

4 فتح القدير الجزء الأول ص 308.

ص: 48

أقول: وبمناسبة ذكر آخر آية من سورة البقرة، أود أن أذكر بأن هناك عددا من الأحاديث نصت على الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، منها ما أخرجه الإمامان مسلم. والنسائي واللفظ له عن ابن عباس قال:"بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده جبريل، إذ سمع نقيضا، فرفع جبريل بصره فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته".

وأخرج الحاكم وصححه البيهقي في الشعب عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه تحت العرش. فتعلموهما، وعلموهما نسائكم وأبنائكم، فإنهما صلاة وقرآن ودعاء". وروى الشيخان وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"1.

وكذلك في قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَاّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة آية 51) . وذلك بعد قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} (التوبة 50) .

ومعنى الآيتين: أن الله تعالى يُعْلِمُ رسوله محمدا صلى الله عليم وآله وسلم بعداوة هؤلاء له لأن أيَّ حسنة تصيبه هو وأصحابه تسوؤهم، وأن أيَّ مصيبة تصيبه يقولون لقد احترزنا من متابعته من قبل هذا، ويتولون وهم فرحون بما أصابه. فأرشد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جوابهم بأن يقول لهم: إننا تحت مشيئة الله تعالى وقدره، فما يصبنا كله مقدر علينا، فهو سبحانه مولانا أي سيدنا وملجؤنا، ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل2.

* ومنها مرة بلفظ (مولاه) وذلك في قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (التحريم آية 4) والخطاب في هذه الآية الكريمة موجه إلى أميّ المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما، أي إن تتوبا إلى الله تعالى مما تظاهرتما به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد مالت قلوبكما إلى الحق. وقد روى الإمام مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه دخلتُ المسجدَ فإذا الناس

1 فتح القدير الجزء الأول ص 309، 310.

2 تيسير العلى القدير المجلد الثاني ص 237، 238.

ص: 49

ينكتون بالحصى، ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وذلك قبل أن يأمر بالحجاب، فقلت: لأعلمنَّ ذلك اليوم، فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ووعظه إياهما إلى أن قال: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسكفة المشربة، فناديت، فقلت: يا رباح استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكال، وأنا، وأبو بكر، والمؤمنون معك. وقلما تكلمت –وأحمدُ الله- بكلام إلا رجوتُ أن يكون الله يُصدقُ قولي، فنزلت هذه الآية:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} فقلت: أطلقتهن؟ قال: "لا"، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه، ونزلت هذه الآية:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم} النساء/141. فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر.

وقال الإمام الشوكاني في معنى قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ

} الآية: أي إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، ومعنى "صَغَتْ" عدلت ومالت عن الحق أو زاغت وأثمت، وهو أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إفشاء الحديث، وقيل المعنى: إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة، ومعنى {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} وإن تظاهرا بمعنى تتعاضدا وتتعاونا، والمعنى: وإن تتعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سره، فإن الله يتولى نصره، وكذلك جبريل، ومن صلح من عباده المؤمنين والمقصود أبو بكر وعمر، فلن يعدم ناصرا ينصره، إذ بعد نصر الله له، وجبريل، وصالح المؤمنين، فإن الملائكة أعوان يظاهرونه2.

* ومنها مرتان بلفظ (مولاهم) : ذلك في قوله تعالى {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (الأنعام آية 62) .

وقد جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} (الأنعام آية 61) .

ومعنى الآيتين الكريمتين: أن الله تعالى فوق عرشه الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء يرسل ملائكته يحفظون عباده، حتى إذا حان أجل

1 تيسير العلى القدير المجلد الرابع ص 265، 266.

2 فح القدير الجزء الخامس ص 250، 251، 253.

ص: 50

أحدهم توفته الملائكة الموكلون بذلك، ولا يجاوزون الحد فيما أمروا به من الإكرام والإهانة، فإن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين. ثم بعد الحشر ترد الخلائق إلى الله مولاهم الحق أي مالكهم الذي يلي أمورهم فيحكم فيهم بعدله، وهو أسرع الحاسبين لكونه لا يحتاج إلى ما يحتاجون إليه من الفكر الروية والتدبر1.

وفي قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (يونس آية 30) .

ومعنى هذه الآية الكريمة أنه في موقف الحساب يوم القيامة تخبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها خيرا كان أو شرا، ورجعوا في جميع أمورهم إلى الله مولاهم الحكم العدل ففصلها، وأدخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، وتخلى عن المشركين ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه، سبحانه عما يشركون2.

وقال الإمام الشوكاني في معنى هذه الآية الكريمة: أنه في ذلك المكان وفي ذلك الموقف تبلو أي تذوق وتختبر كل نفس جزاء ما أسلفت من العمل، وعلى قراءة (نبلو) بالنون، أن الله تعالى يبتلي كل نفس ويختبرها، بمعنى أنه يعاملها معاملة من يختبرها ويتفقد أحوالها، ورد المشركين بعد ذلك إلى الله مولاهم الحق أي إلى ربهم الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة، وضاع وبطل ما كانوا يفترون، من أن الآلهة التي لهم حقيقة بالعبادة لتشفع لهم إلى الله وتقربهم إليه.

ثم قال الإمام الشوكاني: وأخرج أبو الشيخ عن السدّي في قوله: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} قال: نسخها قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} محمد/ 113.

أقول: وقد اعتز رسول الله صلى الله عليه وسلم بمولاه سبحانه وتعالى في أعصب المواقف، وعلم ذلك أصحابه رضي الله عنهم، ليكون لنا في ذلك أعظم قدوة. وبيانا لذلك أسوق من الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه: بسنده. عن البراء رضي الله عنه قوله في شأن غزوة أحد: "فأصيب سبعون قتيلا، وأشرف أبو سفيان، فقال أفي القوم محمد؟ فقال: "لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه"، فقال: أفي القوم

1 تيسير العلي القدير المجلد الثاني ص 20، 21، وفتح القدير الجزء الثاني ص 124، 125.

2 تيسير العلي القدير المجلد الثاني ص 297، 298.

3 فتح القدير الجزء الثاني ص 440.

ص: 51