الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: حفظ الدين:
قدر الإسلام ما للدين من أهمية في حياة الإنسان حيث يلبي النزعة الإنسانية إلى عبادة الله، ولما يمد به الإنسان من وجدان وضمير، ولما يقوى في نفسه من عناصر الخير والفضيلة، وما يضفي على حياته من سعادة وطمأنينة.
نظرا لتلك الأسباب كلها كان الدين ضرورة حياة بالنسبة للإنسان، قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ولذا يقول برجستون " لقد وجدت - وتوجد - جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ولكن لم توجد قط جماعة بغير ديانة " ونظرا لتلك الاعتبارات حافظت شريعة الإسلام على الدين، سواء من حيث غرسه في النفوس وتعميقه فيها ابتداء، أو من حيث تدعيم أصله وتعهده بما ينميه ويحفظ بقاءه استمرارا ودواما، وشرعت لذلك الوسائل التالية:
أ-وسائل حفظ الدين من جانب الوجود:
من وسائل غرس الدين في النفوس ابتداء في الشريعة الإسلامية الوسائل التالية:
1-
ترسيخ اليقين بأصول الإيمان وأركانه، وهي الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يقول الله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ويقول تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} .
2-
إقامة هذا الإيمان على البرهان العقلي والحجة العلمية، ومن هنا كانت دعوة الإسلام إلى النظر والتدبر:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} ، وكان نعيه على أولئك الذين لا يتفكرون في الآيات المبثوثة في الكون {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} كما شن حملة شعواء على تقاليد الآباء وأخذ المعتقدات من غير نظر ولا برهان {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} .
3-
القيام بأصول العبادات وأركان الإسلام من صلاة وزكاة وصوم وحج، بعد النطق بالشهادتين فهذه العبادات من أهم أسرارها وحكمها أنها تصل العبد بربه وتوثق صلته به مما يرسخ أصل الإيمان في نفسه ويجدده، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»
ويقول صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا»
4-
إيجاب الدعوة إلى الله وحمايتها وتوفير أسباب الأمن لحملتها {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} ، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} {عَبْدًا إِذَا صَلَّى} ، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}
ب- وسائل المحافظة على الدين من جانب البقاء
والمقصود بها الوسائل التي انتهجتها الشريعة في المحافظة على الدين بعد حصوله، لصيانته وإزالة العوائق من طريقه، وتزكيته في النفوس.
ومن هذه الوسائل: -
1-
كفالة حرية العقيدة والتدين وحمايتها فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه، ويسمح بتعايش مختلف الأديان داخل دياره وفي رحاب دولته، ويترك الحرية لأهل الأديان في عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاتهم المدنية كما قال صلى الله عليه وسلم:«لهم ما لنا وعليهم ما علينا» بل إن من أهداف الجهاد الإسلامي تأمين حرية الاعتقاد والتدين، قال تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} .
2-
تشريع الجهاد تمكينا للدين ودرءًا للعدوان وحماية للاعتقاد قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} .
3-
الالتزام بتعاليم الدين وتطبيقها بعد القناعة بها وبذلك تظل للدين حيويته في النفوس وأثره في الوجدان، ومن هنا قرن الإيمان والعمل الصالح في كثير من نصوص القرآن، إذ كثيرا ما يرد في القرآن:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .
4-
تشريع عقوبة الردة وذلك حتى يكون الإنسان جادا في اعتناقه للإسلام، وحتى لا يقدم على الإسلام إلا بعد قناعة تامة، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه. بل إن الله لا يقبل من الدين إلا ما كان نابعا عن قناعة من صاحبه، فإذا دخله الشخص فمن المفروض أن يكون على قناعة بما اتخذ من قرار، فإذا ارتد بعد ذلك فمعنى ذلك أنه أحدث بلبلة فكرية وسياسية تضطرب بها أوضاع المجتمع، ويفقد استقراره الفكري والنفسي المنشود. كما قال تعالى مبينا دعوة المشركين إلى هذه السياسة:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
ونظرا لذلك شرعت عقوبة الردة. حماية لجدية الاعتقاد، وحرمة الدين.
5-
إقامة سياج من الحاجيات والتحسينات كأداء الصلاة جماعة، كنوافل العبادات المختلفة وبكل هذه التشريعات يتأصل الدين، ويرسخ في نفس الإنسان وفي المجتمع، مما يحقق الأنس والسكينة والخير للفرد والمجتمع.