المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان المراد بالسنة - مقتطفات من السيرة - جـ ١٨

[عمر عبد الكافي]

الفصل: ‌بيان المراد بالسنة

‌بيان المراد بالسنة

ومن أكبر الأعمال التي يجب أن نتأسى فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة.

وكنا قد تحدثنا عن التيمم، وتحدثنا عن الاغتسال، وتحدثنا عن هيئة وكيفية الصلاة.

وهنا سنتحدث -إن شاء الله- عن سنن الصلاة ومبطلات الصلاة ومكروهات الصلاة.

فما هي السنة؟ السنة إما قول أو فعل لرسول الله، فإما أن يقول كذا، وإما أن يفعل كذا، وإما أن يسكت عن شيء حدث أمامه، فإذا سكت فذلك دليل على إقراره لهذا الشيء، وهو لا يسكت على باطل أبداً، فقد أتى إليه بشير أبو النعمان يقول له:(يا رسول الله! إني نحلت ابني حائطاً) أي: بستاناً، فقال:(ألك ولد غيره؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: أنحلت كلاً منهم حائطاً، فقال له: لا يا رسول الله، فقال له: ألا ترضى أن يكونوا لك في البر سواء؟! لا تشهدني على جور، أشهد عليه غيري).

فالرسول لم يقره، بل قال له: إما أن تعطي كل واحد بستاناً، وإما ألا تفضل واحداً على واحد.

ومتى أفضل واحداً على واحد؟!

‌الجواب

ذلك يكون في أربعة إخوة مثلاً فثلاثة تزوجوا في البيت، والرابع ما زال يتعلم، أو جاء بعد دهر، فإخوانه قد تخرجوا وزوجهم أبوهم، وهو جاء على حين كبر، فهذا الولد مازالت أمامه مراحل تعليم حتى يصل إلى مستوى إخوته.

فهنا يحجز له أبوه ما يساوي ثمن تعليمه كإخوته، وثمن تزويجه كإخوته، فمثلما عمل مع إخوانه يعمل معه.

وكذلك إذا كان أحد أبنائك مريضاً له وضع خاص، فعنده مرض عضال، فتحجز له مبلغاً معيناً قبل أن تقسم التركة وأنت على قيد الحياة.

أما إذا كان لك ولدان: ولد بار جداً، وولد عاق، فإن بر أحدهما يجعلك تميل إليه، وتريد أن تعطيه أكثر، والولد الثاني عاق، فتريد أن تنقصه عن أخيه، وذلك غير صحيح، فالعاق عليه ذنب وذنوب وعقاب عند الله، فلا تعط البار أكثر من العاق، ولكن اقسم بينهما بالسوية كما أمر الله، وعقوقه يرجع عليه، فهو أخذ مالاً والله لن يبارك فيه، ويخرج له أولاداً عاقين له مثلما عق أباه.

ولذلك يقال: إن ملك الموت ينزل ليقبض روح عبد من عباد الله، فيقول الله: يا ملك الموت لا تفعل، فيقول: يا ربنا لقد حان أجله، فيقول الله له: يا ملك الموت هذا شأني في عبادي؛ لقد كان باراً بأبيه وأمه فأعطيناه كذا سنة علاوة رضا من رب الرضا.

يعني: كافأناه على أن أرضى أباه وأمه.

إذاً: لا يوجد شيء يطيل العمر إلا بر الوالدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(لا يرد الدعاء إلا القضاء، ولا يزيد في العمر إلا بر الوالدين) إذاً: عندما تكون باراً بوالديك يعطيك ربنا علاوة رضا من رب الرضا، لا يعرفها حتى ملك الموت، فهي سر يعلمه الله.

وعقوق الابن العاق لا يمنعه حقاً من حقوقه، لكن المسلم لابد أن يلاحظ أنه كما عق والديه، فإن أبناءه سوف يعقونه.

منذ شهرين حدث أمر في محافظة قنا، وهو أن رجلاً حمالاً يحمل فوقه أواني فخارية، ويخرج من البيت إلى السوق من أجل أن يبيعها، وكان له ابن يساعده، وبينما كان الأب يمشي وقد كبر في السن تعثر بطوبة فوقع على الأرض فتكسر الفخار كله، فطرح الابن ما كان على كتفه ونزل يضرب والده، ويقول له: ألا تنتبه، ألا تكون يقظاً! فاجتمع الناس عليهما وضربوا الولد حتى كادوا أن يفتكوا به، وهذه من شهامة الصعايدة، فقال لهم الأب: اتركوه، قالوا له: لماذا؟ قال: لقد ضربت أبي في هذا المكان! (الذنب لا يبلى، البر لا ينسى، الديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان) حديث الحبيب المصطفى.

غض بصرك عن محارم الناس تلق الناس غاضي أبصارهم عن محارمك.

أجل عينيك في محاسن السائرات يجل الناس أنظارهم في محاسن محارمك، وانتبه فإن النظرة جزء من مقدمات الزنا، (فالعين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه).

عندما تنظر فإنك ستكون مديناً، وسداد الدين بنظر الناس في محارمك، يعني: أنت لو نظرت إلى خمسين امرأة فسينظر إلى محرمك خمسون رجلاً، فبالله عليك كم أخذت من الخمسين اللاتي نظرت إليهن، والخمسون رجلاً عندما نظروا إلى امرأتك أو ابنتك كم أبقوا لك؟ وأنا أعجب كل العجب من رجال يمشي أحدهم مع امرأته وهي كاشفة عن ساقيها وذراعيها ورقبتها وشعرها كله، ثم يقول: إن امرأتي هذه من عائلة محافظة! فكيف إذا كانت من عائلة غير محافظة؟ وهل يعقل أن يكون المسلم على هذا الحال لا غيرة عنده على العرض؟ يا مؤمن! إن ذكر الحمام لو جاء عند غير أليفه سيظل جناحه يضرب من الغيره، وهكذا غيره من الحيوانات، ويشذ عن كل الحيوانات في الغيرة حيوان واحد هو الخنزير، ويقال: إن الذي يأكل لحم خنزير يصاب بعدم الغيرة، ولعل الذين سافروا إلى فيينا أو جنيف أو الدول الإسكندنافية شاهدوا البلايا التي في الطرقات العامة فضلاً عن غيرها، وهناك لا تجد شخصاً يهتز لأي منظر، بل بالعكس؛ فإنك إن نظرت تعجب الناس منك، يقال لك: يا أستاذ! ماذا تنظر، انشغل بحالك، يعني هو سيسخر منك، أو يقول لك: هذه حرية شخصية.

والأسف الشديد أن الأمة أصيبت بما أصيب به أهل الكتاب: (لتحذن حذو أهل الكتاب حذو النعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).

مثال ذلك: في أوروبا أخرج اليهود شيئاً اسمه مسابقة ملكة جمال العالم، وملكة جمال العنب، وملكة جمال البقر، وملكة جمال القطط، وأجمل جاموسة، وأجمل بقرة، وأجمل امرأة، وأجمل قطة، وأجمل كلب وهكذا، فنحن المصريين من سلالة فرعون الذي قال:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] وقال لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]، وقال عن سيدنا موسى:{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26]، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54].

فمن أجل أن نكون مسايرين للعصر، أعلنا سريعاً عن أحسن نجوم الجمال.

إننا متخلفون في الأكل وفي الشرب وفي التصنيع وفي الزراعة، لكن في ملكة جمال العالم -نحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لسنا متخلفين، بل صرنا من المتقدمين، وتجد المفتي عافاه الله تجرأ وأصدر فتوى بتحريم مسابقة ملكة جمال مصر، ولكن قامت بعض الصحف لتسخر من فتواه.

فمسابقة ملكة الجمال تتطلب لها مواصفات خاصة، وفي الشرع أن المرأة يحرم عليها أن تنظر إلى المرأة إلا إذا كانت من محارمها وكان النظر إلى دون ما بين السرة والركبة، وبعض العلماء قالوا من الصدر.

والمسلمة مع المسيحية أو اليهودية كأنها مع رجل أجنبي تماماً، أي أنه إذا دخلت على امرأتك المنقبة أو المحجبة امرأة مسيحية أو يهودية فلابد أن تتحجب، وقد يكون هذا الرأي غريباً على كثيرين، لكن هذا هو كلام الفقهاء الأربعة، ولذلك فإني أتعجب من السعوديات حين أصدر لهن المفتون فتوى أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة، وبعد ذلك عندهم شغالات سرلنكيات، ومنهن بوذيات، والشغالة المسيحية أو اليهودية أو البوذية غير المسلمة تعيش في البيت باستمرار، ولا يعقل أن المرأة تمكث محجبة أو منقبة أربعاً وعشرين ساعة.

ومن أكبر الكبائر عند الله أن تنعت الزوجة لزوجها أختها أو صاحبتها كأنه يراها.

فسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في الصلاة، فلا أحد يؤلف في الصلاة؛ لأن العبادات كلها مأخوذة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل:(صلوا كما رأيتموني أصلي).

ص: 4