المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة] - مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية

[ابن تيمية]

الفصل: ‌[أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة]

بعده. حدثنا هُشَيْم، عن مغيرة، عن إبراهيم؛ قال: كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه. وقال شعبة عن عبد الله ابن أبي السَّفْر؛ قال: قال الشعبي: والله ما من آية إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله. وقال أبو عبيد: حدثنا هشيم أنبأنا عمر بن أبى زائدة، عن الشعبي، عن مسروق؛ قال: اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله.

فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف، محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به. فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه؛ ولهذا روى عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه؛ لقوله تعالى:{لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، ولما جاء في الحديث المروي من طرق:" من سئل عن علم فكَتَمَه أَُلْجِم يوم القيامة بلجام من نار ".

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشَّار، حدثنَا مُؤَمَّل، حدثنا سفيان عن أبى الزِّنَاد، قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها. وتفسير لا يعذر أحد بجهالته. وتفسير يعلمه العلماء. وتفسير لا يعلمه إلا الله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 50

فصل ‌

[أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة]

سئل شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيميه رحمه الله تعالى عن أي

ص: 50

التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة: الزمخشري، أن القرطبي، أم البغوي، أم غير هؤلاء؟

فأجاب تغمده الله برحمته ورضوانه: الحمد لله. أما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها (تفسير محمد بن جرير الطبري) . فإنه يذذكر مقالات السلف بالأساانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير، والكلبي.

والتفاسير غير المأثورة بالأسانيد كثيرة: كتفسير عبد الرزاق، وعبد بن حميد، ووكيع، وابن أبي قتيبة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.

وأما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة (البغوي) ، لكنه مختصر من (تفسير الثعلبي) وحذف منه الأحاديث الموضوعة، والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك.

وأما (الواحدي) ، فإنه تلميذ الثعلبي، وهو أخبر منه بالعربية، لكن الثعلبي فيه سلامة من البدع، وإن ذكرها تقليدا لغيره. وتفسيره وتفسير الواحدي البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلة، وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها.

وأما (الزمخشري) فتفسيره محشو بالبدعة، وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات، والرؤية، والقول بخلق القرآن، وأنكر أن الله مريد للكائنات، وخالق لأفعال العباد، وغير ذلك من أصول المعتزلة.

ص: 51

وأصولهم خمسة يسمونها: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لكن معنى (التوحيد) عندهم يتضمن نفي الصفات، ولهذا سمى ابن التومرت أصحابه الموحدين وهذا إنما هو إلحاد في أسماء الله وآياته.

ومعنى (العدل) عندهم يتضمن التكذيب بالقدر، وهو خلق أفعال العباد وإرادة الكائنات، والقدرة على شيء، ومنهم من ينكر تقدم العلم والكتاب، لكن هذا قول أئمتهم، وهؤلاء منصب الزمخشري، فإن مذهبه مذهب المغيرة بن علي وأبي هاشم وأتباعهم. ومذهب أبي الحسين - والمعتزلة الذين على طريقته - نوعان: مشايخة وخشبية.

وأما (المنزلة بين المزلتين) فهي عندهم أن الفاسق لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه، كما لايمى كافرا، فنزلوه بين منزلتين.

و (إنفاذ الوعيد) عندهم معناه أن فساق الملة مخلدون في النار. لايخرجون منها بشفاعة ولا غير ذلك كما تقول الخوارج.

و (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) يتضمن عندهم جواز الخروج على الأئمة، وقتالهم بالسيف.

وهذه الأصول حشى [بها الزمخشري] كتابه بعبارة لا يهتدي أكثر الناس إليها، ولا لمقاصده فيها، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة، ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين.

و (تفسير القرطبي) خير منه بكثير، وأقرب إلى طريقة أهل الكتاب والسنة، وأبعد عن البدع. وإن كان كل من هذه الكتب لا بد أن يشتمل على ما ينقد، لكن يجب العدل بينها وإعطاء كل ذي حق حقه.

ص: 52