المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجواب -حفظكم الله ووفقكم- عن المسألة الأولى التي هي محل العقل - من فتاوى العلامة محمد الأمين الشنقيطي - الكتاب

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: ‌الجواب -حفظكم الله ووفقكم- عن المسألة الأولى التي هي محل العقل

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب المعالي أخي المكرم الشيخ محمد الأمين بن الشيخ محمد الخضر -حفظه الله ووفقه-

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:

فقد وَصَلَنَا خطابكم الكريم بتاريخ (23/ 4/ 89 هـ)

(1)

، وفهمنا ما سألتم عنه، و‌

‌الجواب -حفظكم الله ووفقكم- عن المسألة الأولى التي هي محل العقل

هو ما ستراه، ولا يخفى على معاليكم أن بحث العقل بحث فلسفي قديم، وللفلاسفة فيه مائة طريق باعتبارات كثيرة مختلفة، غالبها كله تخمين وكذب وتَخَبُّط في ظلام الجهل، وهم يسمون الملائكة عقولًا، ويكثرون البحث في العقول العشرة المعروفة عندهم، ويزعمون أن المؤثر في العالم هو العقل الفيَّاض، وأن نوره ينعكس على العالم كما (ينعكس نور)

(2)

الشمس على المرآة، فتحصل تأثيراته بذلك الانعكاس، ويبحثون في العقل البسيط الذي يمثل به المنطقيون للنوع البسيط، إلى غير ذلك من بحوثهم الباطلة المتعلقة بالعقل من نواح شتى

(3)

، ومن تلك البحوث قول عامتهم إلا القليل منهم: إن محل العقل الدماغ، وتبعهم في ذلك قليل من المسلمين، ويُذْكَر عن الإمام أحمد أنه جاءت عنه رواية بذلك

(4)

، وعامة علماء المسلمين على أن محل العقل القلب، وسنوضح إن شاء الله تعالى حجج الطرفين، ونبين ما هو الصواب في ذلك.

اعلم (أولًا)

(5)

-وفقني الله وإياك- أن العقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم النظرية والضرورية

(6)

، وإن مَنْ خَلَقَه وأبرزه من العدم إلى الوجود، وزين به العقلاء وأكرمهم به، أعلم بمكانه الذي جعله فيه من جهلة الفلاسفة الكفرة الخالية قلوبهم من نور سماوي وتعليم إلهي، وليس أحدٌ بعد الله أعلمَ بمكان العقل من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم، الآية (3، 4)]، وقال تعالى عن نفسه:{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة، الآية (140)].

والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في كل منهما التصريح بكثرة بأن محل العقل القلب، وكثرة ذلك وتكراره في الوحيين لا يترك احتمالًا ولا شكًا في ذلك، وكل نظر عقلي صحيح يستحيل أن يخالف الوحي الصريح، وسنذكر طرفًا من الآيات الكثيرة الدالة على ذلك وطرفًا من الأحاديث النبوية، ثم نبين حجة من خالف الوحي من الفلاسفة ومَنْ تبعهم، ونوضح الصواب في ذلك -إن شاء الله تعالى-.

واعلم أولًا: أنه يغلب في الكتاب والسنة إطلاق القلب وإرادة العقل، وذلك أسلوب

(1)

هكذا بالأصل، وفي (أ):(23/ 1/ 1389).

(2)

في (أ): (تنعكس الشمس).

(3)

راجع: معيار العلم في فن المنطق لأبي حامد الغزالي (ص 287: 290)، والمبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين لسيف الدين الآمدي (ص 106: 108)، وانظر كذلك: بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية (ص 282)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 184)، الصفدية (1/ 14)، (2/ 252) ودرء تعارض العقل والنقل (1/ 36، 337)، (5/ 81، 174، 341، 384: 387)، (7/ 126، 368، 388، 390)، (10/ 84، 181، 219).

(4)

قال القاضي أبو يعلى في كتابه العدة (1/ 89، 90): "ومن الناس من قال: هو الدماغ، وقد نص أحمد رحمه الله على مثل هذا القول فيما ذكره أبو حفص ابن شاهين في الجزء الثاني من أخبار أحمد بإسناده عن فضل بن زياد، وقد سأله رجل عن العقل: أين منتهاه من البدن؟، فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: العقل في الرأس، أما سمعت إلى قولهم، وافر الدماغ والعقل"، وقال المرداوي في التحبير (1/ 262):"والمشهور عن الإمام أحمد أن العقل في الدماغ، نقله ابن حمدان، لكن أكثر الأصحاب قطعوا عن أحمد في الدماغ، ولم يحكوا عنه فيه خلافًا، وهذا القول اختاره من أصحابنا الطوفي، والحنفية". وقد جعل الطوفي في شرحه على مختصر الروضة (2/ 159) للإمام أحمد روايتين، وكذلك الزركشي في البحر المحيط (1/ 88)، قال الطوفي:"وقالت الفلاسفة والحنفية: الدماغ، والأول (أي القلب) منقول عن أحمد والشافعي ومالك. وراجع لقول الحنفية: "كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي" لعلاء الدين البخاري (4/ 263)، وتيسير التحرير لأمير بادشاه (2/ 261)، ولكن قال البزدوي: "أما العقل فنور يضيء به طريقه، يبتدأ به من حيث ينتهي إليه دَرْك الحواس، فيبتدئ المطلوب للقلب، فيدركه القلب، يتأمله بتوفيق الله تعالى" كشف الأسرار (2/ 731)، وعَرَّف السرخسي في أصوله (1/ 346، 347) العقل بأنه: "نور في الصدر به يبصر القلب عند النظر في الحجج".

(5)

ساقطة من (أ).

(6)

انظر تعريف الشيخ رحمه الله للعقل بنصه في الكليات للكفوي (ص 618، 619)، وذكره الشيخ رحمه الله-في شرحه على منظومته في المنطق (1 ل){مخطوط} ، فقال:"والعقل نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية".

ص: 1

عربي معروف؛ لأن من أساليب اللغة العربية إطلاق المحل وإرادة الحال فيه كعكسه

(1)

، والقائلون بالمجاز

(2)

يسمون ذلك الأسلوب العربي مجازًا مرسلًا، ومن علاقات المجاز المرسل عندهم المحلية والحالية

(3)

كإطلاق القلب وإرادة العقل؛ لأن القلب محل العقل، وكإطلاق النهر الذي هو الشَّق في الأرض على الماء الجاري فيه، كما هو معلوم في محله.

و (هذا)

(4)

بعض نصوص الوحيين:

قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا

} الآية [الأعراف، الآية (179)]، فعابهم اللهُ بأنهم لا يفقهون بقلوبهم، والفقه الذي هو الفهم لا يكون إلا بالعقل، فدلَّ ذلك على أن القلب محل العقل، ولو كان الأمر كما زعم الفلاسفة لقال: لهم أدمغة لا يفقهون بها.

وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج، الآية (46)]، ولم يقل: فتكون لهم أدمغة يعقلون بها، ولم يقل: ولكن تعمى الأدمغة التي في الرؤوس كما ترى.

فقد صرح في آية الحج هذه بأن القلوب هي التي يُعْقَل بها، وما ذلك إلا لأنها محل العقل كما ترى، ثم أكَّد ذلك تأكيدًا لا يترك شبهة ولا لبسًا، فقال تعالى:{وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج، الآية (46)]، فتأمل قوله: التي في الصدور، تفهم ما فيه من التأكيد والإيضاح.

ومعناه أن القلوب التي في الصدور هي التي تعمى إذا سَلَبَ الله منها نور العقل، فلا تميز بعد عماها بين الحق والباطل، ولا بين الحسن والقبيح، ولا بين النافع والضار، وهو صريح (في أن)

(5)

الذي يميز به كل ذلك هو العقل، ومحله القلب.

وقال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء، الآية (88، 89)]، ولم يقل بدماغ سليم.

وقال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ

} الآية [البقرة، الآية (7)]، ولم يقل: على أدمغتهم.

وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ

} الآية [الكهف، الآية (57)]، (ومفهوم)

(6)

مخالفة الآية أنه لو لم يجعل الأكنة على قلوبهم لفقهوه بقلوبهم، وذلك لأن محل العقلِ القلبُ كما ترى، ولم يقل: إنا جعلنا على أدمغتهم أكنة أن يفقهوه.

وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ

} الآية [ق، الآية (37)]، ولم يقل: لمن كان له دماغ.

وقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ

} الآية [البقرة، الآية (74)]، ولم يقل: ثم قست أدمغتكم، وكون القلب إذا قسا لم يُطِعْ صاحِبُه الله، وإذا لانَ أطاع الله، دليل على أن المميز الذي تراد به الطاعة والمعصية محله القلب كما ترى، وهو العقل.

وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ

} الآية [الزمر، الآية (22)]، وقال تعالى: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ

} الآية [الحديد، الآية (16)]، ولم يقل: للقاسية أدمغتهم، ولم يقل: فطال عليهم الأمد فقست أدمغتهم.

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ

} الآية [الجاثية، الآية (23)]، ولم يقل: وختم على سمعه ودماغه.

(1)

ذكر القاضي أبي يعلى في العدة (1/ 89) أنه يطلق القلب ويراد العقل للمجاورة بينهما؛ لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاورًا له أو كان بسبب منه، وقال تلميذه أبو الخطاب في التمهيد (1/ 49) مؤكدًا لكلام شيخه:"والدليل عليه أنا نسمي النَّجْو غائطًا، وإن كان هذا اسم لمحل الغائط، وهي الأرض المنخفضة، وإنما لأجل المجاورة سمي به، وكذلك تسمى المزادة راوية، وإن كان هذا اسم الجمل، وإنما لأجل المجاورة".

وقال-رحمه الله في شرحه على منظومته في المنطق (5 ل){مخطوط} : "

لأن المعاني إنما تدرك بالقلوب، والمراد بها العقول من تسمية الشيء باسم محله".

(2)

والشيخ -طيب الله ثراه- ممن يقولون بعدم جواز المجاز في القرآن، وله رسالة في هذا الموضوع بعنوان "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز".

(3)

المجاز المرسل: هو ما كانت العَلاقَةُ بَيْنَ ما اسْتُعْمِل فيه وما وُضِعَ له مُلابَسَة غيرِ التشبيه، وعلاقة المحلية: تسمية الحال باسم محله، والحالية عكس ذلك، راجع المجاز المرسل وعلاقاته في المفتاح للسكاكي (ص 365)، تلخيص المفتاح للخطيب القزويني مع البغية للصعيدي (ص 79، 87).

(4)

في (أ): (هذه).

(5)

في (أ): (بأن).

(6)

في (أ): (ومفهومه).

ص: 2

وقال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ

} الآية [الجاثية، الآية (23)]، ولم يقل: ودماغه.

وقال تعالى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ

} الآية [الفتح، الآية (11)]، ولم يقل: ما ليس في أدمغتهم.

وقال تعالى: {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ

} الآية [النحل، الآية (22)]، ولم يقل: أدمغتهم منكرة.

وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ

} الآية [سبأ، الآية (23)]، ولم يقل:(_)

(1)

عن أدمغتهم.

وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد، الآية (24)]، ولم يقل:(_)

(2)

على أدمغة أقفالها.

وانظر ما أصرحَ آية القتال

(3)

هذه!، في أن التدبر وإدراك المعاني به إنما هو القلب، ولو جُعِلَ على القلب قُفْلٌ لم يحصل الإدراك، فتبين أن الدماغ ليس هو محل الإدراك كما ترى.

وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ

} الآية [الصف، الآية (5)]، ولم يقل: أزاغ الله أدمغتهم.

وقال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد، الآية (28)]، ولم يقل: تطمئن أدمغتهم.

وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ

} الآية [الأنفال، الآية (2)]، ولم يقل: وجلت أدمغتهم، والطمأنينة والخوف عند ذكر الله كلاهما إنما يحصل بالفهم والإدراك، وقد صرحت الآيات المذكورة بأن محل ذلك القلب لا الدماغ، وبَيَّنَ في آيات كثيرة أن الذي يدرك الخطر فيخاف منه هو القلب الذي هو محل العقل لا الدماغ، كقوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ

} الآية [الأحزاب، الآية (10)]، (وكقوله)

(4)

تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات، الآية (8)]، وإن كان الخوف تظهر آثاره على الإنسان.

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ

} الآية [الأعراف، الآية (100)]، ولم يقل:(_)

(5)

على أدمغتهم.

وقال تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا

} الآية [الكهف، الآية (14)]، وقال تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا

} الآية [القصص، الآية (10)].

(و)

(6)

الآيتان المذكورتان فيهما من الدلالة على أن محل إدراك الخطر المسبب للخوف هو القلب كما ترى لا الدماغ، والآيات الواردة في الطبع على القلوب متعددة، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ

} الآية [المنافقون، الآية (3)]، ولم يقل: فطبع على أدمغتهم، [(وقوله)

(7)

تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ

} الآية [التوبة، الآية (87)]، ولم يقل: على أدمغتهم]

(8)

.

وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ

} الآية [النحل، الآية (106)]، والطمأنينة بالإيمان إنما تحصل بإدراك فضل الإيمان وحسن نتائجه وعواقبه، وقد صرح في هذه الآية بإسناد ذلك الاطمئنان إلى القلب الذي هو محل العقل الذي هو أداة النفس في الإدراك، ولم يقل: ودماغه مطمئن بالإيمان.

وقال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ

} الآية [الحجرات، الآية (14)]، ولم يقل: في أدمغتكم.

وقال تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ

} الآية [المجادلة، الآية (22)]، فقوله:{ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} ، وقوله:{كتب في قلوبهم الإيمان} ، صريح في أن المحل الذي يدخله الإيمان في المؤمن، وينتفي عنه دخوله في الكافر، إنما هو القلب لا الدماغ.

وأساس الإيمان إيمان القلب، لأن الجوارح كلها تبع له، كما قال صلى الله عليه وسلم: " (إن)

(9)

في الجسد مضغة، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"

(10)

، فظهر (لك)

(11)

دلالة الآيتين المذكورتين على أن المصدر الأول للإيمان القلب، فإذا آمن القلب آمنت الجوارح بفعل المأمورات وترك المنهيات؛ لأن القلبَ أميرُ البدن، وذلك يدل دلالة واضحة على أن القلب ما كان كذلك إلا لأنه محل العقل الذي به الإدراك والفهم كما ترى.

وقال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ

}

(12)

الآية، فأسند الإثم بكَتْمِ الشهادة للقلب، ولم يسنده للدماغ، وذلك يدل على أن كتم الشهادة الذي هو سبب الإثم واقع عن عمد، وأن محل ذلك العمد القلب، وذلك لأنه محل العقل الذي يحصل به الإدراك وقَصْد الطاعة وقصد المعصية كما ترى.

وقال تعالى في حفصة وعائشة رضي الله عنهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا

} الآية [التحريم، الآية (4)]

(13)

، أي: مالت

(14)

قلوبكما إلى أمرٍ تعلمان أنه صلى الله عليه وسلم يكرهه، (سواءً)

(15)

قلنا: إنه تحريمه شرب العسل الذي كانت تسقيه إياه إحدى نسائه

(16)

، أو قلنا: إنه تحريمه جاريته مارية

(17)

، فقوله: صغت قلوبكما: أي: مالت، يدلُّ على أن الإدراك، وقصد الميل المذكور محله القلب، ولو كان الدماغ لقال: فقد صغت أدمغتكما كما ترى.

ولما ذكر كل من اليهود والمشركين أن محل عقولهم هو قلوبهم، قررهم الله على ذلك؛ لأن كون القلب محل العقل حق، وأبطل دعواهم من جهة أخرى، وذلك

(1)

زاد في (أ): (إذا فزع).

(2)

زاد في (أ): (أم).

(3)

هي سورة محمد، اشتهرت بهذا الاسم، وأوردها هكذا المؤلف في تفسيره أضواء البيان، ولم أجد هذه التسمية في المأثور، إلا ما أورده السيوطي في الدر المنثور (13/ 349)، قال:"أخرج ابن الضريس عن ابن عباس، قال: نزلت سورة القتال بالمدينة"، وبالرجوع لفضائل القرآن لابن الضريس لم أجدها بهذه التسمية.

(4)

في (أ): (وقوله).

(5)

زاد في (أ): (ونطبع).

(6)

ساقطة من (أ).

(7)

في (أ): (وكقوله).

(8)

ما بين المعقوفين مكرر بالأصل.

(9)

في (أ): (وإن) بزيادة الواو.

(10)

أخرجه البخاري في صحيحه (52)، ومسلم في صحيحه (1599) من حديث النعمان بن بشير-رضي الله عنهما.

(11)

في (أ): (بذلك).

(12)

سورة البقرة، الآية (283).

(13)

والآية نزلت في عائشة وحفصة، والدليل ما أخرجه البخاري في صحيحه (2468)، ومسلم في صحيحه (1479) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن المرأتين اللتين قال الله تعالى فيهما: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، فأخبره بأنهما عائشة وحفصة.

(14)

راجع: أضواء البيان (8/ 375)، وقد جاء هذا التفسير عن قتادة بإسناد صحيح، أخرجه الطبري في تفسيره (23/ 94)، وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 302)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (14/ 580) لعبد بن حميد، وقد جاء أيضًا عن ابن عباس؛ عزاه السيوطي في الدر المنثور (14/ 580) لابن المنذر، وقال البخاري:"باب: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما، صغوت وأصغيت: ملت، {لتصغى} [الأنعام: 113]: لتميل".

(15)

في (أ): (وسواء) بزيادة الواو.

(16)

انظر: صحيح البخاري (5267).

(17)

انظر: السنن للنسائي (7/ 71)، والمستدرك للحاكم (2/ 493)، وقد مال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-في فتح الباري (8/ 657) لاحتمال كون الآية نزلت في السببين، وراجع: تفسير ابن كثير (4/ 386).

ص: 3

يدل بإيضاح على أن محل العقل القلب.

أما اليهود -لعنهم الله- فقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ

} الآية [البقرة، الآية (88)]

(1)

، فقال تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ

} الآية [النساء، الآية (155)]، فقولهم: قلوبنا غُلْف (بسكون اللام)

(2)

يعنون أن عليها غلافًا، أي: غشاء يمنعها من فهم ما تقول، فقررهم الله على أن قلوبهم هي محل الفهم والإدراك؛ لأنها محل العقل، ولكن كذبهم في إدعائهم أن عليها غلافًا مانعًا من الفهم، فقال على سبيل الإضراب الإبطالي

(3)

: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ

} الآية [النساء، الآية (155)].

وأما على قراءة ابن عباس: قلوبنا غُلُف (بضمتين)

(4)

، يعنون أن قلوبهم كأنها غلاف محشو بالعلوم والمعارف، فلا حاجة لنا إلى ما تدعونا إليه

(5)

، وذلك يدل على علمهم بأن محل العلم والفهم القلوب لا الأدمغة.

وأما المشركون فقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ

} الآية

(6)

[فصلت، الآية (5)]، فكانوا عالمين بأن محل العقل القلب، ولذا قالوا: {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، ولم يقولوا: أدمغتنا في أكنة مما تدعونا إليه، والله لم يكذبهم في ذلك، ولكنه وبخهم على كفرهم بقوله: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ

} الآية [فصلت، الآية (9)].

وهذه الآيات التي أُطْلِقَ فيها القلب مرادًا به العقل؛ لأن القلب هو محله، أوضح الله (ذلك)

(7)

المراد منها بقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا

} الآية [الحج، الآية (46)]، فصرح أنهم يعقلون بالقلوب، وهو يدل على أن محل العقل القلب دلالة لا مطعن فيها كما ترى.

وقال تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ

} الآية [الشورى، الآية (24)]، ولم يقل: يختم على دماغك.

وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ

} الآية [الأنعام، الآية (46)]، ولم يقل: وختم على أدمغتكم.

وقال تعالى في النحل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل، الآية (108)]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى

} الآية [الحجرات، الآية (3)]، ولم يقل: امتحن أدمغتهم.

وقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ

} الآية [الحجرات، الآية (7)].

والآيات بمثل هذا كثيرة، ولنكتف منها بما ذكرنا؛ خشية الإطالة المملة.

وأما الأحاديث المطابقة للآيات التي ذكرنا الدالة على أن محل العقل القلب، فهي كثيرة جدًّا، كالحديث الصحيح الذي (ذكرتم)

(8)

، والذي فيه: "أَلا وهي القلب

"، ولم يقل (فيه)

(9)

: ألا وهي الدماغ.

وكقوله صلى الله عليه وسلم: "يا مُقَلِّبَ القلوب، ثَبِّتْ قلبي على دينك"

(10)

، ولم يقل: يا مقلب الأدمغة ثبت دماغي على دينك.

وكقوله صلى الله عليه وسلم: "قلب المؤمن بين أُصْبِعَين من أَصابع الرَّحمن

"

(11)

الحديث، وهو مِن أحاديث الصفات، ولم يقل: دماغ المؤمن

إلخ.

والأحاديث بمثل هذا كثيرة جِدًّا، فلا نطيل بها الكلام

(12)

.

وقد تبين مما ذكرنا أن خالق العقل وواهبه للإنسان بَيَّنَ في آيات قرآنية كثيرة أن محل العقل القلب، وخالقه أعلم بمكانه من كفرة الفلاسفة، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم كما رأيت.

أما عامة الفلاسفة إلا القليل النادر

(1)

ولعل الشيخ -طيب الله ثراه- يريد آية النساء (155)، {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ

} الآية، بدليل ما أورده بتتمة الآية.

(2)

وهي قراءة متواترة، قرأ بها كل القراء العشرة من طريق الشاطبية والدرة والطيبة.

(3)

الإضراب الإبطالي: هو نفي الحكم عما قبل (بل)، وإعطاؤه لما بعدها. راجع الأصول في النحو لابن السراج (2/ 57، 211)، شرح التسهيل لابن مالك (3/ 368)، شرح عمدة الحافظ لجمال الدين محمد بن مالك (ص 630).

(4)

وقرأ بها أيضًا الأعرج وابن هرمز وابن محيصن واللؤلؤي عن أبي عمرو، راجع تفسير البحر المحيط (1/ 436)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاجي (1/ 169).

(5)

راجع في توجيهها المصدرين السابقين، و"القراءات الشاذة" للشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله (ص 27، 28).

(6)

زاد في (أ): {

وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ

}.

(7)

ساقطة من (أ).

(8)

في (أ): (ذكر).

(9)

ساقطة من (أ).

(10)

أخرجه مسلم في صحيحه (2654) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بنحوه، وجاء بهذا اللفظ من حديث جمع من الصحابة، منهم أنس بن مالك: أخرجه أحمد في مسنده (12107) وغيره بإسناد صحيح، وجاء عن غيره أيضًا راجع السنة لابن أبي عاصم، ومعه ظلال الجنة للعلامة الألباني رحمه الله (1/ 98 - 104)، والشريعة للآجري (ص 137، 316، 317).

(11)

لم أجده بهذا اللفظ -مع اشتهاره عند جماعة من المصنفين-، إلا عند الحكيم الترمذي في كتابه الأمثال (ص 139) معلقا من حديث عبادة بن الصامت-رضي الله عنه مرفوعا، وهو بمعنى الحديث الذي قبله.

(12)

وقد وردت آثار عن بعض الصحابة تؤكد أن العقل في القلب، منها: ما ورد عن عليّ بن أبي طالب-رضي الله عنه أن عياض بن خليفة سمعه يوم صفين يقول: "إن العقل في القلب، والرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال، والنَّفّسَ في الرئة". وهذا الخبر أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وبوب له البخاري بـ باب العقل في القلب، والأثر حسنه الشيخ الألباني-رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (206).

ص: 4

منهم، فإنهم يقولون، إن محل العقل الدماغ، وشذت طائفة من متأخريهم فزعموا أن العقل ليس له مركز مكاني في الإنسان أصلًا، وإنما هو زماني محض لا مكان له، وقول هؤلاء أظهر سقوطًا من أن نشتغل بالكلام عليه.

ومن أشهر الأدلة التي يستدل بها القائلون إن محل العقل الدماغ: هو أن كل شيء يؤثر في الدماغ يؤثر في العقل، ونحن لا ننكر أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ، ولكن نقول بِمُوْجَبِه، فنقول: سَلَّمْنَا أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ، ولكن لا نسلم أن ذلك يستلزم أن محله الدماغ، وكم من عضو من أعضاء الإنسان خارج عن الدماغ بلا نزاع، وهو يتأثر بتأثر الدماغ كما هو معلوم، وكم من شلل في بعض أعضاء الإنسان ناشئ (من)

(1)

اختلال واقع في الدماغ، فالعقل خارج عن الدماغ، ولكن سلامته مشروطة بسلامة الدماغ، كالأعضاء التي تختل باختلال الدماغ، فإنها خارجة عنه مع أن سلامتها (يشترط)

(2)

فيها سلامة الدماغ كما هو معروف

(3)

، وإظهار حجة هؤلاء والرد عليها على الوجه المعروف في آداب البحث والمناظرة

(4)

، أن حاصل دليلهم أنهم يستدلون بقياس منطقي من الشرطي المتصل المركب من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي فينتج لهم في زعمهم دعواهم المذكورة التي هي نقيض المُقَدَّم، وصورته أنهم يقولون: لو لم يكن العقل في الدماغ لما تأثر بكل مؤثر على الدماغ، لكنه يتأثر بكل مؤثر على الدماغ، ينتج العقل في الدماغ، وهذا الاستدلال مردود بالنقض التفصيلي الذي هو المنع، وذلك بمنع كُبْرَاهُ التي هي شرطيته، (فبقول)

(5)

المانع: (امنع)

(6)

قولك: "لو لم يكن العقل في الدماغ لما تأثر بكل مؤثر (على)

(7)

الدماغ"، بل هو خارج عن الدماغ مع أنه يتأثر (بتأثر)

(8)

الدماغ كغيره من الأعضاء التي تتأثر بتأثر الدماغ، فالربط بين التالي والمقدم غير صحيح، والمحل الذي يتوارد عليه الصدق والكذب في الشرطية إنما هو الربط بين مقدمها وتاليها، فإن لم يكن الربط صحيحًا كانت كاذبة، والربط في قضيتهم المذكورة كاذب، فظهر بطلان دعواهم، وهناك طائفة ثالثة، أرادت أن تجمع بين القولين

(9)

، فقالت: إن ما دلَّ عليه الوحيُ من كون محل العقل هو القلبَ = صحيح، وما يقوله الفلاسفةُ ومَنْ وافقهم من أن محله الدماغ = صحيح أيضًا، فلا منافاة بين القولين، قالوا: ووجه الجمع أن العقل في القلب كما في القرآن والسنة، ولكنَّ نوره يتصاعد من القلب فيتصل بالدماغ، وبواسطة اتصاله

(1)

في (أ): (عن).

(2)

في (أ): (مشروطة)، ولعلها اشتبهت عند النقل بالتي قبلها.

(3)

قال القاضي أبو يعلى في كتابه العدة في أصول الفقه (1/ 93): "وما ذكروه من زوال العقل بضرب الرأس، فلا يدل على أنه محله، كما أن عصر الخصية يزيل العقل والحياة، ولا يدل على أنها محله، وقول الناس: إنه خفيف الرأس وخفيف الدماغ فهو أن يبس الدماغ يؤثر في العقل، وإن كان في غير محله، كما يؤثر في البصر وإن كان في غير محله"، وراجع: التمهيد لتلميذه أبي الخطاب (1/ 48).

(4)

انظر "آداب البحث والمناظرة" للمؤلف -برد الله مضجعه- (1/ 92، 93)، وقال الشيخ رحمه الله عن القضية الشرطية وأقسامها في منظومته نور الهدى:

شرطية ما ركبت من جملتين

فطرفاها ضمنا قضيتين.

والحكم فيها أبدًا معلق

كلو بدت سلمى لزال القلق.

وانقسمت هذي إلى متصلة

لدى الشيوخ وإلى منفصلة

وطرفا هذي بكل حال

لديهم مقدم وتالي

وذات الاتصال ما قد حكما

بصحبة التالي بها المقدما

مقدم الشرطية المتصلة

مهما تكن صحبة ذاك التالي له

لموجب قد اقتضاها كسبب

فهي اللزومية ثم إذ ذهب

موجب الاصطحاب ذا بينهما

فالاتفاقية عند العلما

(5)

في (أ): (فتقول).

(6)

في (أ): (منع).

(7)

في (أ): (في).

(8)

في (أ): (بكل مؤثر على) بدلًا منها.

(9)

نقل القاضي أبو يعلى في العدة (1/ 89) عن أبي الحسن التميمي {راجع ترجمته في النجوم الزاهرة (4/ 140)، والمنهج الأحمد (2/ 66)} في كتابه العقل، أنه قال:"الذي نقول به: إن العقل في القلب، يعلو نوره إلى الدماغ، فيفيض منه الحواس ما جرى في العقل"، وجاء عن غيره، راجع: شرح الكوكب المنير (1/ 84)، والمسودة (ص 559).

ص: 5