الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا نسخه فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية، ولا ينقل سماع إلى نسخة إلا بعد مقابلة مرضية إلا أن يبين كونها غير مقابلة، والله أعلم.
النوع السادس والعشرون:
صفة رواية الحديث
تقدم جمل منه في النوعين قبله وغيرهما، وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا، وتساهل آخرون ففرطوا، فمن المشددين من قال: لا حجة إلا فيما رواه من حفظه وتذكره، روي عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي بكر الصيدلاني الشافعي، ومنهم من جوزها من كتابه إلا إذا خرج من يده، وأما المتساهلون فتقدم بيان جمل عنهم في النوع الرابع والعشرين، ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم فجعلهم الحاكم مجروحين، قال: وهذا كثير تعاطاه قوم من أكابر العلماء والصلحاء، وقد تقدم في آخر الرابعة من النوع الماضي أن النسخة التي لم تقابل يجوز الرواية منها بشروط، فيحتمل أن الحاكم يخالف فيه، ويحتمل أنه أراد إذا لم توجد الشروط، والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط، فإذا قام في التحمل والمقابلة بما تقدم جازت الرواية منه وإن غاب إذا كان الغالب سلامته من التغيير لا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالباً، والله أعلم.
فروع
الأول: الضرير إذا لم يحفظ ما سمعه فاستعان بثقة في ضبطه وحفظ كتابه واحتاط عند القراءة عليه بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير صحت روايته، وهو أولى بالمنع من مثله في البصير، قال الخطيب: والبصير الأمي كالضرير.
الثاني: إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماع ولا هي مقابلة به لكن سمعت على شيخه أو فيها سماع شيخه أو كتبت عن شيخه وسكنت نفسه إليها لم يجز الرواية منها عند عامة المحدثين، ورخص فيه أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني، قال الخطيب: والذي يوجبه النظر أنه متى عرف أن هذه الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحتها وسلامتها، والله أعلم. هذا إذا لم يكن له إجازة عامة من شيخه لمروياته، أو لهذا الكتاب فإن كانت جاز له الرواية منها، وله أن يقول حدثنا وأخبرنا، وإن كان في النسخة سماع شيخ شيخه أو مسموعة على شيخ شيخه فيحتاج أن يكون له إجازة عامة من شيخه ولشيخه مثلها من شيخه والله أعلم.
الثالث: إذا وجد في كتابه خلاف حفظه، فإن كان حفظ منه رجع إليه، وإن كان حفظ من فم الشيخ اعتمد حفظه وإن لم يشك وحسن يجمعها فيقول: حفظي كذا وفي كتابي كذا وإن خالفه غيره قال: حفظي كذا، وقال فيه غيري أو فلان كذا، وإذا وجد سماعه في كتابه ولا يذكره فعن أبي حنيفة وبعض الشافعية، لا يجوز روايته، ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وأبي يوسف، ومحمد، جوازها، وهو الصحيح، وشرطه أن يكون السماع بخطه أو خط من يثق به، والكتاب مصون يغلب على الظن سلامته من التغيير، وتسكن إليه نفسه، فإن شك لم يجز والله أعلم.
الرابع: إن لم يكن عالماً بالألفاظ ومقاصدها، خبيراً بما يحيل معانيها لم يجز له الرواية بالمعنى بلا خلاف، بل يتعين اللفظ الذي سمعه، فإن كان عالماً بذلك فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه، والأصول، لا تجوز إلا بلفظه، وجوز بعضهم في غير حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجوز فيه، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى وهذا في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير مصنف وإن كان بمعناه والله أعلم وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال أو نحوه، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ. وإذا اشتبه على القارئ لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك أو كما قال، لتضمنه إجازة وإذناً في صوابها إذا بان، والله أعلم.
الخامس: اختلف في رواية بعض الحديث الواحد دون بعض، فمنعه بعضهم مطلقاً بناء على منع الرواية بالمعنى، ومنعه بعضهم مع تجويزها بالمعنى إذا لم يكن رواه هو أو غيره بتمامه قبل هذا، وجوزه بعضهم مطلقاً، والصحيح التفصيل وجوازه من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه، وسواء جوزناها بالمعنى أم لا، رواه قبل تاماً أم لا، هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه تاماً فخاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة أولاً أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً ولا ابتداء إن تعين عليه أداؤه،
وأما تقطيع المصنف الحديث في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب، قال الشيخ: ولا يخلو من كراهة، وما أظنه يوافق عليه.
السادس: ينبغي أن لا يروي بقراءة لحان أو مصحف وعلى طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن والتصحيف، وطريقه في السلامة من التصحيف الأخذ من أفواه أهل المعرفة والتحقيق، وإذا وقع في روايته لحن أو تحريف، فقال ابن سيرين، وابن سخبرة: يرويه كما سمعه، والصواب وقول الأكثرين روايته على الصواب، وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب عليه وبيان الصواب في الحاشية ثم الأولى عند السماع أن يقرأ على الصواب، ثم يقول في روايتنا أو عند شيخنا أو من طريق فلان كذا، وله أن يقرأ ما في الأصل ثم يذكر الصواب، وأحسن الإصلاح بما جاء في رواية أو حديث آخر، والله أعلم. فإن كان الإصلاح بزيادة ساقط فإن لم يغاير معنى الأصل فهو على ما سبق وإن غاير تأكد الحكم بذكر الأصل مقروناً بالبيان، فإن علم أن بعض الرواة أسقطه وحده فله أيضاً أن يلحقه في نفس الكتاب مع كلمة يعني، هذا إذا علم أن شيخه رواه على الخطأ، فأما إن رآه في كتاب نفسه وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه فيتجه إصلاحه في كتابه وروايته كما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط، كذا قاله أهل التحقيق، ومنعه بعضهم، وبيانه حال الرواية أولى، وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو حفظه، فإن وجد في كتابه
كلمة غير مضبوطة أشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها ويرويها على ما يخبرونه والله أعلم.
السابع: إذا كان الحديث عنده عن اثنين أو أكثر واتفقا في المعنى دون اللفظ فله جمعها في الإسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما، فيقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو وهذا لفظ فلان قال: أو قالا: أخبرنا فلان ونحوه من العبارات ولمسلم في صحيحه عبارة حسنة كقوله: حدثنا أبو بكر وأبو سعيد كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد عن الأعمش فظاهره أن اللفظ لأبي بكر، فإن لم يخص فقال: أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا: حدثنا فلان جاز على جواز الرواية بالمعنى، فإن لم يقل تقارباً فلا بأس به على جواز الرواية بالمعنى، وإن كان قد عيب ب البخاري أو غيره، وإذا سمع من جماعة مصنفاً فقابل نسخته بأصل بعضهم ثم رواه عنهم وقال: اللفظ لفلان فيحتمل جوازه ومنعه.
الثامن: ليس له أن يزيد في نسب غير شيخه أو صفته إلا أن يميزه فيقول: هو ابن فلان، الفلاني، أو يعني ابن فلان ونحوه. فإن ذكر شيخه نسب شيخه في أول حديث ثم اقتصر في باقي أحاديث الكتاب على اسمه أو بعض نسبه فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الأول مستوفياً نسب شيخ شيخه، وعن بعضهم: الأولى أن يقول: يعني ابن فلان، وعن علي بن المديني وغيره يقول: حدثني شيخي أن فلان ابن فلان حدثه، وعن بعضهم أخبرنا فلان هو ابن فلان واستحبه الخطيب وكله
جائز وأولاه هو ابن فلان أو يعني ابن فلان ثم قوله إن فلان ابن فلان، ثم أن يذكره بكماله من غير فصل.
التاسع: جرت العادة بحذف قال ونحوه بين رجال الإسناد خطأ، وينبغي للقارئ اللفظ بها، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرك فلان أو قرئ على فلان حدثنا فلان فلقيل القارئ في الأول قيل له أخبرك فلان وفي الثاني قال حدثنا فلان، وإذا تكرر قال كقوله حدثنا صالح، قال: قال الشعبي فإنهم يحذفون أحدهما خطأ فليلفظ بهما القارئ، ولو ترك القارئ قال في هذا كله فقد أخطأ والظاهر صحة السماع، والله أعلم.
العاشر: النسخ والأجزاء المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام عن أبي هريرة منهم من يجدد الإسناد أول كل حديث وهو أحوط، ومنهم من يكتفي به في أول حديث، أو أول كل مجلس ويدرج الباقي عليه قائلاً في كل حديث وبالإسناد أو وبه، وهو الأغلب. فمن سمع هكذا فأراد رواية غير الأول بإسناد جاز عند الأكثرين، ومنعه أبو إسحاق الإسفراييني وغيره، فعلى هذا طريقه أن يبين كقول مسلم: حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام قال هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أدنى مقعد أحدكم " وذكر الحديث وكذا فعله كثير من المؤلفين،
وأما إعادة بعضهم الإسناد آخر الكتاب فلا يدفع هذا الخلاف إلا أن يفيد احتياطاً وإجازة بالغة من أعلى أنواعها، والله أعلم.
الحادي عشر: إذا قدم المتن كقال النبي صلى الله عليه وسلم وكذا، أو المتن وأخر الإسناد كروى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا ثم يقول: أخبرنا به فلان عن فلان حتى يتصل صح وكان متصلاً، فلو أراد من سمعه هكذا تقديم جميع الإسناد فجوزه بعضهم، وينبغي فيه خلاف كتقديم بعض المتن على بعض بناء على منع الرواية بالمعنى، ولو روي حديثاً بإسنادهم ثم أتبعه إسناداً قال في آخره مثله فأراد السامع رواية المتن بالإسناد الثاني فالأظهر منعه، وهو قول شعبة، وأجازه الثوري، وابن معين إذا كان متحفظاً مميزاً بين الألفاظ، وكان جماعة من العلماء إذا روى أحدهم مثل هذا ذكر الإسناد ثم قال مثل حديث قبله متنه كذا، واختار الخطيب هذا، وأما إذا قال نحوه فأجازه الثوري، ومنعه شعبة، وابن معين، قال الخطيب: فرق ابن معين بين مثله ونحوه يصح على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق، قال الحاكم: يلزم الحديثيّ من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه فلا يحل أن يقول مثله إلا إذا اتفقا في اللفظ ويحل نحوه إذا كان بمعناه.
الثاني عشر: إذا ذكر الإسناد وبعض المتن ثم قال: وذكر الحديث فأراد السامع روايته بكماله فهو أولى بالمنع من مثله ونحوه، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق، وأجازه الإسماعيلي إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث، والاحتياط أن يقتصر على المذكور ثم يقول: قال، وذكر الحديث وهو هكذا ويسوقه بكماله، وإذا جوز إطلاقه فالتحقيق أنه بطريق الإجازة القوية فيما لم يذكره الشيخ، ولا يفتقر إلى أفراده بالإجازة.
الثالث عشر: قال الشيخ رحمه الله: الظاهر أنه لا يجوز تغيير قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عكسه وإن جازت الرواية بالمعنى، لاختلافه، والصواب - والله أعلم - جوازه، لأنه لا يختلف به هنا المعنى، وهذا مذهب أحمد بن حنبل، وحماد بن سلمة، والخطيب.