الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويأتي دعم جعون السخي لإسرائيل، مثل غيره من أثرياء يهود الغرب، في إطار ما يمكن تسميته «الصهيونية التوطينية» حيث يقوم هؤلاء بدعم وتأييد إسرائيل مادياً وسياسياً وبتمويل النشاط الاستيطاني بها دون أن يهاجروا هم بأنفسهم إليها. ولذلك، يتخذ هذا الدعم شكلاً حماسياً واستعراضياً ويتسم بنبرته العالية. إلا أن هذا الدعم يأتي في المقام الأول كتعبير عن مصالح الرأسمالية العالمية ومصالحها الإمبريالية التي يخضع أثرياء الغرب من اليهود لآلياتها، شأنهم شأن غير اليهود، ويشكلون جزءاً لا يتجزأ من نسيجها. ولكن هناك بُعداً آخر لدعم جعون للمُستوطَن الصهيوني، إذ يبدو أنه يقوم بدعم الأحزاب السفاردية في المُستوطَن الصهيوني (تامي مثلاً) بهدف أن تقوم هذه الأحزاب بتمثيل مصالحه والقيام بتسهيل أعماله والدفاع عنها.
الباب السادس: المؤسسات التوطينية
مؤسسات توطينية
Institutions Promoting the Settlement of Members of Jewish Communities
مؤسسات ظهرت بين يهود العالم الغربي المندمجين، أساساً في الولايات المتحدة، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر، وظهور المسألة اليهودية في شرق أوربا بين يهود اليديشية وتدفُّق ملايين المهاجرين منهم على دول أوربا الغربية (إنجلترا وفرنسا) ووسطها (ألمانيا) ثم على الولايات المتحدة، الأمر الذي هدَّد المواقع الطبقية والمكانة الاجتماعية ليهود العالم الغربي بسبب تميُّز يهود اليديشية دينياً وإثنياً ووظيفياً واقتصادياً. وقد قام أثرياء يهود الغرب المندمجين بتمويل هذه الجمعيات التي حاولت توطين هؤلاء المهاجرين بعيداً عن أوربا.
وقد تزامن ظهور المؤسسات التوطينية مع تنامي الحركة الصهيونية، كما أن هذه المؤسسات تتفق مع الحركة الصهيونية في بعض الأهداف وإن اختلفت الوسائل. وكلاهما يتفق على بعض عناصر الصيغة الصهيونية الشاملة، فكل من المؤسسات التوطينية والحركة الصهيونية تهدف إلى التخلص من يهود اليديشية (الفائض البشري اليهودي في المُصطلَح الصهيوني) . وكانت الصهيونية تحاول إنجاز هذا الهدف عن طريق الاستيلاء على أرض فلسطين وطَرْد سكانها وإحلال المستوطنين اليهود محلهم وتوظيفهم في خدمة الاستعمار الغربي. أما المؤسسات التوطينية، فكانت تهدف إلى إنجاز الهدف نفسه من خلال ما يلي:
1 ـ توطين المهاجرين اليهود في البلاد الاستيطانية التي تحتاج إلى مادة بشرية مثل أمريكا اللاتينية (الأرجنتين على وجه الخصوص) وأستراليا، على أن يذوبوا في المجتمعات الجديدة ويصبحوا جزءاً من أهلها وثقافتها. ويُلاحَظ أن عملية التوطين تتم في إطار التشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي بشكل عام، وليس لها مضمون يهودي محدد. ويُلاحَظ أن البلاد التي كان التوطين يتم فيها تتسم بأن عملية الإبادة والإحلال للسكان الأصليين فيها كانت قد اكتملت (ولذا، فإن التوطين هنا يتم بموافقة السلطة الجديدة والعنصر البشري المهيمن وليس رغماً عنه) ، وكانت المؤسسات التوطينية تشجع اليهود المهاجرين على التخلي عن ميراثهم الثقافي والديني والاقتصادي وعلى الاندماج بل الذوبان في مجتمعهم الجديد.
2 ـ مساعدة يهود اليديشية على الاندماج في بلادهم عن طريق تحديث مؤسساتهم التربوية والثقافية وعن طريق تحويلهم إلى عناصر منتجة (أي تحويلهم من جماعة وظيفية، تقع خارج بناء المجتمع الطبقي والثقافي إلى مواطنين عاديين، مندمجين في مؤسساته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية) . وعادةً ما كان هذا يتم من خلال مشاريع توطينية تقوم بها الحكومات المختلفة في أرض زراعية بكر. ولعل أهم هذه المشاريع تلك المشاريع التي قامت بها روسيا القيصرية ثم السوفيتية وساهمت فيها الحركات التوطينية.
3 ـ مساعدة المهاجرين الذين وصلوا بالفعل إلى المجتمعات الغربية على الاندماج واكتساب هوية جديدة.
ويمكن القول بأن التوطين من أهم أهداف معظم مؤسسات الغوث اليهودية (مثل الأليانس إسرائيليت يونيفرسل) إن لم يكن الهدف الوحيد. ولكن كانت هناك أيضاً مؤسسات توطينية خاصة مثل أجروجوينت وإميج ديركت وأورت وأوزت وإيكا وإيكور وكومزت وهياس وهيسم.
وكما أسلفنا، فإن هذه المؤسسات لم تكن ذات توجُّه صهيوني استيطاني، بل كانت (في بعض الأحيان) معادية للصهيونية وللأهداف السياسية الكامنة في عملية التوطين في فلسطين. ومع هذا، فقد كان كثير من المؤسسات التوطينية يقوم بنشاط صهيوني توطيني إذ أنها كانت تساعد على توطين يهود اليديشية في فلسطين باعتبار أن هذا هو إحدى وسائل التخلص من اليهود، وهذا ما نطلق عليه اصطلاح «الصهيونية التوطينية» .
وكثير من هذه الجمعيات تم استيعابه داخل الشبكة الصهيونية العامة بحيث أصبح يمارس نشاطه داخل إطار صهيوني. ولكن هذا هو النمط العام لكثير من النشاطات اليهودية في العالم الغربي، فقد تم استيعابها داخل النشاط الصهيوني بعد أن أصبحت الصهيونية جزءاً مستقراً في التشكيل الاستعماري الغربي.
لجنة التوزيع المشتركة الأمريكية اليهودية
American Jewish Joint Distribution Committee
اختصارها «JDC» ويشار إليها أحياناً باسم «جوينت Joint» وحسب. وهي منظمة أمريكية يهودية تأسست عام 1914 تحت اسم «لجنة التوزيع المشتركة للأموال الأمريكية من أجل غوث ضحايا الحرب من اليهود» وتحت رئاسة فليكس واربورج. وقد قامت بتأسيسها ثلاث منظمات أمريكية يهودية (هي: اللجنة الأمريكية اليهودية للغوث، واللجنة المركزية للغوث، واللجنة الشعبية للغوث) بهدف تنسيق وتوحيد عمليات جمع التبرعات وغوث أعضاء الجماعات اليهودية في الخارج، وخصوصاً في أوربا حيث كان شبح الحرب يهدد باقتلاع مئات الآلاف من اليهود وغير اليهود من بلادهم. وقد كان من أبرز مؤسسيها أثرياء اليهود الأمريكيين ذوي الأصول الألمانية أمثال عائلات واربورج وليمان وروزنفالد وغيرها والتي كانت تخشى من تدفُّق موجات جديدة من يهود شرق أوربا إلى الولايات المتحدة. ولذلك، كانت المهمة الأساسية لهذه المنظمة تقديم الغوث ومجموعة من الخدمات الطبية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، وإقامة برامج إعادة التأهيل لأعضاء الجماعات اليهودية، الأمر الذي يتيح لهم البقاء والاستمرار في أوطانهم الأصلية. كما كان دعمها للاستيطان اليهودي في فلسطين يهدف في المقام الأول إلى تحويل جزء من هجرة يهود أوربا المرتقبة إلى فلسطين.
وقد شاركت المنظمة في عمليات الغوث في بولندا وألمانيا في خلال الحرب العالمية الأولى، وأنفقت 14.937.783 دولاراً لدعم التجمع اليهودي في فلسطين، كما أرسلت لهم عام 1915 سفينة محملة بأطنان من المواد الغذائية. أما بعد الحرب، فقد شاركت المنظمة في مواجهة المجاعة التي اجتاحت مناطق واسعة من أوربا الشرقية، وساعدت أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا وبولندا ورومانيا والمجر، وأقامت مؤسسات صحية وجمعيات لرعاية الأطفال في هذه البلاد، وخصوصاً في بولندا حيث أقامت عام 1923 منظمة صحية هي «توز TOZ» (جمعية الرعاية الصحية لليهود في بولندا) وأخرى لرعاية الأطفال عام 1926 هي «كانتوس Cantos» ، كما عملت الجمعية على إعادة فتح ورعاية المدارس والمؤسسات الدينية التعليمية التي حطمتها الحرب.
ولكن نشاطها الأكثر أهمية تَركَّز في مجال إعادة تأهيل أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا اقتصادياً، وتحويلهم إلى قطاع اقتصادي منتج من خلال تأسيس شبكة من جمعيات الإقراض وجمعيات الائتمان التعاونية، وإقامة المدارس الفنية والتجارية وإعادة توطين أعضاء الجماعات في الأراضي الزراعية.
وقد وصل عدد جمعيات الإقراض بحلول عام 1939 نحو 915 جمعية، بلغ حجم معاملاتها السنوية أربعة ملايين دولار، وأصبح يعتمد عليها اقتصادياً حوالي مليون من يهود بولندا. وفي عام 1924، أقامت المنظمة، بالتعاون مع جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) ، «المؤسسة الأمريكية المشتركة لإعادة البناء» ، برأسمال قيمته خمسة ملايين دولار، لتكون الجهة المسئولة والمشرفة على جمعيات الائتمان التعاونية والتي بلغ عددها عام 1939 نحو 687 جمعية منتشرة في بولندا ورومانيا وليتوانيا ولاتفيا، قدمت حتى عام 1939 خمسة ملايين قرض قيمتها 581 مليون دولار. كما ساهمت المنظمة في عملية إعادة توطين اليهود في الأرضي الزراعية، وأسست عام 1924 منظمة أجرو ـ جوينت خصيصاً للإشراف على هذه العملية داخل الاتحاد السوفيتي.
كما قامت لجنة التوزيع المشتركة بدعم بعض المنظمات اليهودية الأخرى، مثل منظمة «أورت» العاملة في مجال التأهيل المهني والفني ومنظمة «أوزيه OZE» العاملة في مجال الرعاية الصحية خارج بولندا.
وفي فلسطين، قامت المنظمة بنشاط مهم في مجال الرعاية الصحية، وخصوصاً في مكافحة مرض الملاريا، وتعاونت عن كثب مع المنظمة الصهيونية الأمريكية ومنظمة هاساداه في هذا المجال. وفي عام 1926، قدَّمت المنظمة مبلغ 1.8 مليون دولار للمؤسسة الاقتصادية لفلسطين التي كانت قد تأسَّست حديثاً لدعم الاستثمار الاقتصادي في فلسطين وتنمية القاعدة الاقتصادية للتجمع اليهودي الاستيطاني بها. وفي عام 1931، أعادت المنظمة نفسها تحت اسمها الحالي. وفي عام 1939، كوَّنت مع النداء الفلسطيني الموحَّد منظمة النداء اليهودي الموحَّد لتوحيد عمليات جَمْع وتلقِّي التبرعات. ومع صعود النازية في ألمانيا، ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية، ساهمت المنظمة في غوث وتهجير وإعادة تأهيل اليهود الألمان وغيرهم من يهود أوربا، وتعاونت في ذلك مع منظمة هيسم. وبعد الحرب، قامت المنظمة بغوث 250 ألفاً من اللاجئين اليهود، كما شاركت في نَقْل كثير منهم إلى فلسطين.
وبعد إقامة الدولة الصهيونية، قامت المنظمة بتشغيل وتمويل مؤسسة مالبن للمسنين في إسرائيل، كما تقوم بدعم المؤسسات التعليمية اليهودية داخل إسرائيل وخارجها. وقد أقامت برامج تعليمية ومهنية وصحية للجماعات اليهودية في دول شمال أفريقيا وإيران كما قدَّمت مساعداتها للمهاجرين اليهود الذين استقروا في فرنسا والقادمين من دول شمال أفريقيا.
وقد عاودت المنظمة نشاطها في الاتحاد السوفيتي وفي دول شرق أوربا بعد عام 1957، إلا أن هذا النشاط توقَّف في أعقاب حرب عام 1967 فيما عدا نشاطها مع رومانيا.
الأليانس إسرائيليتش ذو فين (التحالف الإسرائيلي في فيينا (
Allianz Israelitische Zu Wien
منظمة يهودية تأسَّست في فيينا عام 1873 بهدف الدفاع عن الحقوق المدنية والدينية للجماعات اليهودية وتنمية مجتمعاتهم من خلال التعليم. وكان مقرراً في بداية الأمر أن تعمل هذه المنظمة كفرع للأليانس إسرائيليت في باريس ولكنها تأسست كمنظمة مستقلة بسبب رفض السلطات النمساوية التي كانت ترتاب في نوايا الأليانس.
من أبرز مؤسسيها وأول رئيس لها جوزيف فون فيرتهايمر. وقد اهتمت هذه المنظمة بمساعدة يهود رومانيا والصرب، واشتركت في إغاثة ضحايا الحرب الروسية التركية اليهود (1877) ، كما أيدت الأليانس إسرائيليت في جهودها للحصول على الحقوق المدنية ليهود البلقان وتبنت قضيتهم خلال مؤتمر برلين عام 1878. كذلك اشتركت المنظمة في تنظيم هجرة يهود روسيا بعد أحداث عامي 1881 و1882 وهجرة يهود رومانيا الكبرى في الفترة بين عامي 1900 و1902، ونظمت عمليات الإغاثة ليهود روسيا بعد أحداث كيشينيف عام 1903. وقد قامت المنظمة بهذه الأنشطة بالتعاون مع جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) . كذلك اهتمت المنظمة بمحاربة معاداة اليهود (خصوصاً تهمة الدم) ، كما أقامت مؤسسات تعليمية في جاليشيا وبوكوفينا. وخلال الحرب العالمية الأولى، اشتركت الأليانس إسرائيليتش في إغاثة ضحايا الحرب من اليهود (أكثر من 100 ألف لاجئ من جاليشيا على وجه الخصوص) . وبعد الحرب، شاركت المنظمة في تنظيم الهجرة اليهودية عبر الأراضي النمساوية.
وقد تمت تصفية الأليانس إسرائيليتش عام 1938 بعد ضم ألمانيا النازية للنمسا.
الأليانس إسرائيليت يونيفرسل (التحالف الإسرائيلي العالمي (
Alliance Israelite Universelle
منظمة يهودية فرنسية توطينية تأسَّست عام 1860 في باريس بهدف الدفاع عن الحريات المدنية والدينية للجماعات اليهودية وتنمية المجتمعات اليهودية المختلفة عن طريق التعليم والتدريب المهني وإغاثة اليهود في الأزمات. والواقع أن وضع فرنسا، باعتبارها الدولة المهيمنة في أوربا آنذاك، قد أهَّل قيادات الجماعة اليهودية في فرنسا لتأسيس وقيادة أول منظمة يهودية في العصر الحديث تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الجماعات اليهودية على المستوى العالمي. ومن ناحية أخرى، لعبت المنظمة دوراً مهماً في خدمة المصالح الاستعمارية الفرنسية، من خلال نشر الثقافة الفرنسية. وكان لآل روتشيلد في فرنسا دور بارز في هذا الاتجاه حيث عملوا على تحويل سياسات الأليانس وعلى التأثير عليها وربطها بالمصالح الاستعمارية الفرنسية آنئذ. كذلك عمل أدولف كريمييه رجل الدولة الفرنسي اليهودي الذي ترأس الأليانس في الفترة 1863 ـ 1880 على توثيق التعاون بين المنظمة وبين الخارجية الفرنسية والسلطات الفرنسية في مستعمراتها.
وفي المجال السياسي، تدخلت الأليانس للدفاع عن حقوق يهود روسيا ورومانيا وبلجيكا والصرب. وكان أول إنجاز ناجح لها في ضمان الحقوق المدنية والدينية ليهود سويسرا عام 1867. وفي مؤتمر برلين عام 1878، عملت المنظمة بالتعاون مع بعض المنظمات الأخرى على الدفاع عن حقوق يهود البلقان كما أهتمت بأوضاع يهود المغرب وتدخلت لدى سلطان المغرب في مؤتمر مدريد عام 1880 لتحسين أوضاعهم. وبعد الحرب العالمية الأولى، نشطت المنظمة في مؤتمر فرساي للسلام عام 1919 من أجل حقوق يهود رومانيا وبولندا والمجر وغيرها من الدول المُوقِّعة على معاهدات السلام، كما تدخلت لصالح يهود المغرب العربي ويهود فارس.
كذلك عملت الأليانس في مجال إغاثة ضحايا الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية من أعضاء الجماعات اليهودية في مختلف أنحاء العالم. فساعدت ضحايا يهود شرق أوربا خلال مجاعة عام 1869، كما ساعدت ضحايا الهجمات في روسيا عام 1881 ثم في عامي 1903 و1905. كما اشتركت في إغاثة ضحايا الحرب العالمية الأولى وضحايا المجاعة في روسيا عام 1922، كذلك ساعدت ضحايا الكوارث والاضطرابات الطائفية في كلٍّ من رومانيا والمغرب وتركيا ودمشق.
كما شاركت الأليانس في تنظيم ومساعدة هجرة الجماعات اليهودية من شرق أوربا منذ عام 1869، وخصوصاً خلال الهجرة اليهودية الكبرى بعد عام 1881، وأسست لجنة في مدينة كونيجسبرج لتنظيم عمليات الهجرة بالتنسيق مع منظمات يهودية أخرى. كذلك، اشتركت المنظمة في عدة مؤتمرات نظمتها المنظمات اليهودية لبحث إمكانات الهجرة والاستيطان في مناطق أخرى غير الولايات المتحدة. وقد تعاونت الأليانس في مسائل الهجرة بشكل خاص مع جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) . وبحلول عام 1891، كانت الأليانس قد قررت إيقاف مساعداتها للاجئين اليهود حتى لا تشجع مزيداً من الهجرة.
ومن أهم مجالات نشاط الأليانس، المجالان الثقافي والتعليمي حيث أسَّست شبكة تعليمية واسعة في دول البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحققت تقدماً سريعاً في هذا المجال بفضل دعم البارون موريس دي هيرش الذي قدَّم للأليانس عام 1874 مليون فرنك ذهب ثم عشرة ملايين فرنك ذهب عام 1889. وقد تأسَّست أول مدرسة لها في مدينة تطوان بالمغرب عام 1862 لحقتها مدارس أخرى في طنجة (1869) ودمشق (1865) وبغداد (1865) وطهران (1898) وتونس (1878) وفلسطين. كما أسَّست مدرسة حاخامية في إستنبول عام 1897 ومدارس في اليونان وبلغاريا ورومانيا والصرب. وفي عام 1867، افتُتحت في باريس المدرسة الإسرائيلية الشرقية العليا لتدريب المعلمين، وقد وصل حجم الطلاب الملتحقين بمدارس الأليانس عام 1914 نحو 48 ألف طالب. كما أرسل الأليانس عدة بعثات لاستطلاع أوضاع يهود الفلاشاه في إثيوبيا عام 1868، وفي اليمن عام 1908. وقد أُغلقت أغلب مدارس الأليانس في دول البلقان عقب الحرب العالمية الأولى ثم تركَّز نشاطها التعليمي منذ ذلك الحين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وقد واجهت هذه المدارس معارضة من الجماعات اليهودية في هذه البلاد التي كانت تخشى تأثير التعليم الغربي العلماني على الحياة اليهودية التقليدية. وبالفعل، لعبت هذه المدارس دوراً مهماً في نشر الثقافة الفرنسية بين أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً في دول المغرب العربي التي خضعت للاستعمار الفرنسي والتي تم تحويل اليهود بها إلى جماعات وظيفية منفصلة ثقافياً ووجدانياً عن محيطها العربي تعمل لخدمة مصالح الاستعمار الفرنسي بالمنطقة. وفي المغرب، نجد أن إدارة الاحتلال الفرنسي، إدراكاً منها لأهمية مدارس الأليانس، عقدت معها اتفاقاً عام 1928 تم بموجبه وضع هذه المدارس تحت إشراف إدارة التعليم العام وضمان الدعم لها. وقد وصل حجم المدارس في المغرب وحدها نحو 46 مدرسة عام 1939تضم
15761 طالباً ارتفع عددهم إلى 28 ألف عام 1952. كما تم افتتاح المدرسة العبرية العليا في الدار البيضاء لتدريب المعلمين اليهود.
وقد كان للأليانس نشاط مهم في فلسطين أيضاً بدأ منذ عام 1867 حيث بدأت في تأسيس سلسلة من المدارس الابتدائية في القدس وحيفا ويافا وصفد وطبرية تقدم تعليماً فرنسياً علمانياً ودينياً. وفي عام 1870، تم تشييد مدرسة مكفاه إسرائيل الزراعية بدعم من هيرش وإدموند دي روتشيلد كما فُتحت بعدها بعدة سنوات مدرسة في القدس لتدريب اليهود على المهن. وقد كان التدريس يتم باللغة الفرنسية بالإضافة إلى اللغة العبرية. ومما يُذكَر أن مدارس الأليانس في فلسطين هي التي أتاحت الفرصة أمام إليعازر بن يهودا، أبو اللغة العبرية الحديثة، لتطبيق أساليبه الجديدة في تدريس العبرية. وقد اهتمت الأليانس أيضاً بفتح المدارس الثانوية، وكانت أكبرها في حيفا وحملت اسمي إدموند وموريس دي روتشيلد. ومما يُذكَر أن مؤسسي وقادة الأليانس كانوا في بادئ الأمر معارضين للعقيدة الصهيونية، وذلك برغم رفضهم للاندماج "الذليل" الذي يُلغي تماماً أية هوية أو أي انتماء يهودي، ومن ثم تركيزهم على التعليم والتدريب للحفاظ على شخصية اليهود وتحسين أحوالهم. وقد اتهم ديفيد ولفسون رئيس المنظمة الصهيونية العالمية عام 1911 ممثلي الأليانس بالمشاركة في الحركات المناهضة للصهيونية بين الجماعات اليهودية في الدولة العثمانية، كما تبنَّى سيلفيان ليفي الذي أصبح رئيساً للأليانس عام 1920 موقفاً معادياً للصهيونية في مؤتمر فرساي للسلام عام 1919. وقد كانت الأليانس تتعاون في نشاطها مع المنظمات اليهودية الأخرى المعارضة للصهيونية مثل الجمعية الإنجليزية اليهودية. أما في أعقاب الحرب العالمية الثانية فقد اتخذت اللجنة المركزية للأليانس موقفاً مؤيداً للأهداف الصهيونية في فلسطين وطالب رئيسها رينيه كاسين (عام 1947) لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين السماح
لليهود بالهجرة الواسعة واستغلال وتنمية الوطن القومي اليهودي في فلسطين. وبرغم أن منظمة الأليانس لم تدخل في صراع مباشر ضد العرب الفلسطينيين لأن نشاطها لم يأخذ شكلاً سياسياً مباشراً إلا أنها ساعدت على تحقيق الأهداف السياسية للحركة الصهيونية وذلك بشراء الأراضي في فلسطين وتحويل عديد من صغار الملاك العرب إلى أجراء والإسهام في استيعاب المهاجرين اليهود من شرق أوربا في مستعمرات زراعية.
ومع تنامي حركات التحرُّر الوطني في العالم العربي واشتداد الصراع حول فلسطين، أصبح وضع الأليانس في هذه البلاد حرجاً. ومع قيام إسرائيل عام 1948 ثم حصول دول المغرب العربي على استقلالها من فرنسا وما أعقب ذلك من هجرة أغلب أعضاء الجماعات اليهودية من المنطقة العربية خلال الخمسينيات متجهين سواء إلى إسرائيل أو إلى فرنسا أو غيرها من الدول، أُغلقت أغلب مدارس الأليانس في العراق وسوريا ومصر، كما تقلَّص عددها في دول المغرب العربي. ففي المغرب انخفض عدد تلاميذ مدارس الأليانس من 30123 عام 1959 إلى 13527 عام 1963 و8054 عام 1968، كما قامت الحكومة المغربية بدمج هذه المدارس في نظامها التعليمي. أما في إسرائيل، فقد أصبحت مدارس الأليانس خاضعة للنظام التعليمي الإسرائيلي وأصبحت لغة التدريس فيها العبرية.
وقد زادت الأليانس من اهتمامها خلال الستينيات بالعمل داخل فرنسا، وخصوصاً أن جزءاً كبيراً من يهود المغرب العربي هاجروا واستقروا بها، كما تحتفظ بمكتبة مهمة في باريس تضم أكثر من 30 ألف مجلد وعدداً من المخطوطات النادرة.
أجرو ـ جوينت (المؤسسة الأمريكية اليهودية المشتركة للزراعة (
(Agro-Joint (American Jewish Joint Agricultural Corporation
أجرو ـ جوينت اختصار لاسم المؤسسة الأمريكية اليهودية الموحَّدة للزراعة. وهي منظمة أمريكية أسستها اللجنة اليهودية الأمريكية الموحَّدة للتوزيع عام 1924 لتكون بمنزلة وكالة لها في الاتحاد السوفيتي هدفها المساهمة في إعادة تأهيل أعضاء الجماعة اليهودية (أساساً من الناطقين باليديشية) الذين كانوا قد فقدوا وظائفهم الوسيطة والتجارية التقليدية، منذ نهايات القرن التاسع عشر، ثم مع قيام الدولة السوفيتية، وكذلك توجُّههم نحو العمل المنتج في القطاع الزراعي والصناعي، وهو ما يؤهلهم للانضمام بشكل فعال إلى المجتمع الجديد.
وقد بدأت أجرو ـ جوينت نشاطها بمشروع تجريبي لتوطين عدة مئات من الأسر اليهودية في الأراضي الزراعية. وبعد نجاح التجربة، تم تطبيقها على نطاق واسع. واهتمت الحكومة السوفيتية بنشاط المنظمة، فقدَّمت لها مساحات من الأراضي بدون مقابل وفرت لها التسهيلات الائتمانية وقدَّمت لها أسعاراً مخفضة للسفر والانتقال. كما تلقت المنظمة دعماً مالياً في عام 1928 قدره 8 ملايين دولار من الجمعية الأمريكية للمستوطنات الزراعية اليهودية في روسيا، وهي منظمة تأسَّست خصيصاً لدعم برامج الاستيطان الزراعي لأجرو ـ جوينت في روسيا. كما قدمت الحكومة السوفيتية، من خلال منظمة كوزمت وبالاتفاق مع الجمعية وأجرو ـ جوينت، مبلغاً مماثلاً بالروبل.
وقد نجحت المنظمة في توطين ما يقرب من 250 ألف شخص في مستوطنات زراعية في أوكرانيا والقرم بلغت مساحتها 3 ملايين إكر (الإكر يساوي فداناً مصرىاً واحداً تقريباً) . وفي عام 1937، ترسخت أوضاع هذه المستوطنات، بحيث أصبحت تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية المادية والاعتماد على الذات أتاح لها القدرة على استيعاب أعضاء جدد دون أية مساعدات خارجية.
وقد أسَّست أجرو ـ جوينت بالتعاون مع إيكا (جمعية الاستيطان اليهودي) ثلاثين جمعية للإقراض لتمويل المشاريع الحرفية التعاونية. وقد استفاد من هذه المشاريع حوالي 300 ألف شخص. وفي عام 1927 تم استيعاب هذه التعاونيات في نظام التعاونيات العام للدولة والمموَّل من قبَل بنك الحكومة السوفيتية، وهو ما أتاح لهم فرصة الاستمرار في نشاطهم على نطاق أوسع.
كما نظَّمت أجرو ـ جوينت، بالتعاون مع إيكا وأورت، 42 مدرسة تجارية وزراعية، حيث قامت هذه المدارس بتدريب الآلاف من الشباب اليهودي الذين تم استيعابهم في الصناعات الحكومية. وقد استوعبت هذه المدارس في المؤسسات الحكومية السوفيتية. وفي نهاية عام 1937، كانت الحكومة هي التي تتولى تدريب آلاف من الرجال والنساء من اليهود في الأعمال المهنية والحرفية المختلفة.
وقامت أجرو ـ جوينت بدعم نشاط جمعيات المعونة المتبادلة التي كانت تنظم الورش التعاونية لتدريب عشرات الآلاف من اليهود غير القادرين على العمل الزراعي. وقد تم استيعاب هذه الجمعيات، منذ عام 1935، في الاتحادات الصناعية الحكومية أو في نظام التعاونيات العام.
كما لعبت أجرو ـ جوينت دوراً مهماً في مجال الطب والصحة العامة حيث أسست 63 جمعية طبية لتوفير الرعاية الصحية للفقراء من اليهود. وقد تم استيعاب الجزء الأكبر من هذه الجمعيات في وزارة الصحة والصليب الأحمر.
وقد أنهت أجرو ـ جوينت نشاطها في الاتحاد السوفيتي عام 1938 بعد أن لعبت دوراً مهماً في استيعاب أعضاء الجماعة اليهودية في النسيج الاقتصادي للدولة السوفيتية الجديدة، وبعد أن تبيَّن أنهم أصبحوا في غير حاجة إلى مساعدة المنظمات الخارجية.
إميج ديركت (اللجنة المتحدة للهجرة اليهودية (
(Emig Direkt (United Committee for Jewish Emigration
اختصار لعبارة «إميجريشن دايركشن Emigration Direction» ، وهي عبارة إنجليزية تعني «اتجاه الهجرة» . ويُستخدَم الاختصار للإشارة إلى «اللجنة المتحدة للهجرة اليهودية» . وقد تأسَّست هذه المنظمة عام 1921 إثر المؤتمر الذي عُقد في براغ في العام نفسه لمناقشة مسألة الهجرة اليهودية ومحاولة دعم وتنسيق نشاط المنظمات والجمعيات المختلفة العاملة في مجال غوث ومساعدة المهاجرين اليهود القادمين من شرق أوربا. وقد كان من المهام الأساسية لهذه المنظمة، تأمين خروج المهاجرين اليهود من شرق أوربا عبر الدول المجاورة، ثم إيجاد مناطق جديدة لتوطينهم. وفي سبيل ذلك، أقامت المنظمة علاقات مع المنظمات اليهودية المختلفة في الأمريكتين وأستراليا. وبعد فَرْض حدود على الهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1924، كثفت المنظمة اهتمامها لبحث الإمكانيات الاستيطانية في أمريكا اللاتينية وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا. وفي عام 1927، أسَّست، بالاشتراك مع إيكا وهياس، منظمة هيسم في محاولة لتوحيد وتنسيق الجهود الخاصة بالهجرة اليهودية. وقد انفصلت إميج ديركت عن هيسم عام 1934.
أورت (منظمة إعادة التأهيل والتدريب (
(ORT (Organization for Rehabilitation and Training
» أورت «هي الحروف الأولى لاسم «منظمة إعادة التأهيل والتدريب» ، وهي منظمة يهودية تأسست عام 1880 في روسيا القيصرية بهدف تنمية الخبرات والمهارات الزراعية والمهنية بين أعضاء الجماعة اليهودية في روسيا (أساساً من يهود اليديشية) الذين كانت أوضاعهم الاقتصادية قد تدهورت بشكل حاد نتيجة التحولات الهيكيلية العميقة التي شهدها الاقتصاد الروسي إثر محاولات التحديث والتنمية الاقتصادية التي كانت جارية منذ منتصف القرن التاسع عشر والتي شهدت ضياع الوظائف الوسيطة والتجارية والتقليدية لأعضاء الجماعة اليهودية. وقد تفاقمت أوضاعهم بشكل أكثر حدة بعد تعثُّر عملية التحديث في الثمانينيات من القرن التاسع عشر. وقد أسَّس هذه المنظمة مجموعة من المثقفين ورجال الصناعة من اليهود الذين كانت ثقافتهم ومصالحهم مرتبطة بشكل وثيق بالبورجوازية الروسية والدولة القيصرية. وبالتالي، اتجهت مجهوداتهم نحو محاولة دَمْج واستيعاب الجماهير اليهودية ثقافياً واقتصادياً في المجتمع الروسي، وخصوصاً أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية كان يثير توترات حادة بين المجتمع والدولة الروسية من ناحية والأقليات غير السلافية من ناحية أخرى (ومن بينهم أعضاء الجماعة اليهودية) ، وهو ما كان يهدد مكانة ومصالح المثقفين والبورجوازية من اليهود.
وقد مرّ نشاط أورت بعدة مراحل. ففي الفترة ما بين عامي 1880 و1920، تركَّز نشاطها أساساً داخل روسيا، فأقامت الورش الصغيرة لتعليم الحرف والمهن المختلفة، واهتمت بتدريب مدرسي المدارس التجارية، وقدمت المعونة للطلبة اليهود في المدارس الفنية. وفي عام 1912، كان لها 20 شعبة في المراكز المهمة في مختلف أنحاء البلاد. وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، أقامت أورت برنامجاً واسع النطاق تحت اسم «المساعدة من خلال العمل» بهدف إعادة تأهيل وإيجاد فرص عمل جديدة للاجئين من اليهود في مناطق جديدة داخل روسيا. وبقيام الدولة السوفيتية، فَقَد 80% من أعضاء الجماعة اليهودية وظائفهم الوسيطة والتجارية التقليدية، وهو ما كان يستدعي إعادة تأهيلهم وإكسابهم الخبرات الصناعية والحرفية والزراعية حتى يتم استيعابهم في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوفيتي الجديد. وقد قدَّمت أورت مساعدتها للمزارعين من يهود أوكرانيا الذين أصابتهم خسائر كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية، كما تعاونت مع كوزمت في تحويل كثير من يهود روسيا البيضاء إلى الزراعة.
وفي الفترة ما بين عامي 1920 و1945، وسَّعت أورت نطاق نشاطها ليشمل دول شرق أوربا، مثل: بولندا وليتوانيا ولاتفيا وبساربيا، والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية، وأيضاً المجر وبلغاريا ورومانيا وألمانيا وفرنسا. وفي سبيل ذلك، تم تحويلها (في برلين) عام 1921 إلى منظمة دولية تحت اسم «اتحاد أورت العالمي» . وقد أشرف على نشاطها، في الفترة ما بين الحربين العالميتين، لجنة دولية أسست فروعاً لها في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وكندا وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى. وقد أسَّست أورت خلال هذه الفترة، في شرق أوربا والاتحاد السوفيتي، المدارس التجارية والزراعية والمستوطنات الزراعية التعاونية والورش التعاونية. كما عملت على توفير العدَد والآلات لآلاف من المزارعين والحرفيين من اليهود، وذلك من خلال شركة أُسِّست خصيصاً لذلك الغرض، في لندن عام 1924، وكان لها أفرع في شرق أوربا والاتحاد السوفيتي. وساهمت، عام 1928، في إرسال آلات وأدوات إلى الاتحاد السوفيتي قيمتها مليون ونصف المليون دولار.
ومع وصول النازية إلى السلطة في ألمانيا عام 1933، نشطت أورت في مجال مساعدة وإعادة تأهيل اليهود الألمان، سواء اللاجئون منهم أو الراغبون في الرحيل، وذلك من خلال إقامة مدارس صناعية وزراعية في ألمانيا وفي الدول التي لجأوا إليها بشكل مؤقت. وفي عام 1942، افتُتحت في الولايات المتحدة في نيويورك أول مدرسة لتدريب اللاجئين اليهود.
وبعد الحرب العالمية الثانية، توسَّع نشاط أورت مع هجرة وانتقال أعداد كبيرة من أعضاء الجماعة اليهودية إلى الأمريكتين وأوربا الغربية. كما امتد نشاطها إلى الجماعات اليهودية في آسيا وأفريقيا والمغرب وإسرائيل.
وقد بدأت أورت نشاطها في إسرائيل عام 1949 حيث بدأت برامج للتدريب المهني للمهاجرين الجدد في المستوطنات والمدن. وبحلول عام 1970، أصبح «أورت إسرائيل» أهم فرع للمنظمة. وقد عمل هذا الفرع منذ تأسيسه في إسرائيل على تدريب 70 ألفاً من العمال المهرة والفنيين وغيرهم من الأخصائيين. وفي عام 1970، كان فرع أورت الإسرائيلي يغطي نحو 40% من التدريب المهني في إسرائيل ويعمل عن كثب مع وزارتي التعليم والعمل.
وقد استأنفت أورت نشاطها في بولندا عام 1957. وتم تدريب 16 ألف شخص حتى عام 1967 حينما تم إيقاف نشاطها. وقد بدأت أورت، منذ السبعينيات، تأكيد الاهتمام بالتعليم الفني أكثر من الاهتمام بالتعليم المهني والذي يتضمن الخبرات الخاصة بالكمبيوتر والأتمتة.
ومنذ تأسيسها وحتى السبعينيات، استفاد من مدارس أورت أكثر من مليون يهودي. وإلى جانب خدمة أعضاء الجماعات اليهودية في العالم، تُقدِّم أورت أيضاً برامج تدريبية في الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، تلبية لطلب حكومات هذه الدول وبناء على طلب حكومات دول أخرى، وخصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل وسويسرا والدول الإسكندنافية، ولابد أنها تمارس شيئاً من الضغط السياسي لصالح إسرائيل. ويوجد المقر العالمي لاتحاد أورت في جنيف.
إيكا (جمعية الاستيطان اليهودي (
ICA (Jewish Colonization Association)
«إيكا» هو اختصار عبارة «جويش كولونيزيشان أسوسيشن Jewish Colonization Association» وحروفها الأولى هي JCA، فكان المفروض أن تكون «جكا» ، ولكن حرف «J» نُطق «ياء» ، فأصبحت «يكا» ثم «إيكا ICA» . وهي منظمة توطينية يهودية أسسها عام 1891 الثري الألماني اليهودي البارون موريس دي هيرش بهدف توطين المهاجرين من أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا من يهود اليديشية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ودَمْجهم في مجتمعاتهم الجديدة. وينبع اهتمام هيرش، وغيره من أثرياء يهود الغرب المندمجين، بالمهاجرين اليهود ومحاولتهم توطينهم بعيداً عن أوربا، لأن وصول مثل هؤلاء المهاجرين إلى غرب أوربا كان يمكن أن يهدِّد مكانة يهود الغرب الاجتماعية والاقتصادية. ويمكن تسمية مثل هذه الجمعيات «جماعات إنقاذ» : إنقاذ الفائض البشري الأوربي من يهود اليديشية بتوطينه في أنحاء العالم، وإنقاذ يهود الغرب، وإنقاذ أوربا من هؤلاء اليهود بتصديرهم إلى أماكن أخرى. ولذا، فإن من الخطأ تصنيف مثل هذه الجمعيات على أنها صهيونية، فهي لا تهتم بمصير يهودي مستقل ولا تكترث بهوية يهودية ولا تبغي بعثاً يهودياً.
ويمكن أن نضع هذه الجمعيات في سياق غربي عام، فهي جزء من التشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي الذي كان يرمي إلى إنشاء مجتمعات جديدة في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية كجزء من السياسة الكولونيالية، ومحاولة الهيمنة على العالم. لذا، فإن فلسطين، من منظور هذه الجمعيات، ليست سوى مكان للاستيطان يدخل ضمن الشبكة الاستعمارية الغربية وليست له أهمية خاصة. ومن ثم، فالجمعيات اليهودية التوطينية جمعيات استعمارية استيطانية بدون ديباجات صهيونية أو هي مجرد جمعيات رفاه اجتماعي تساعد المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة.
وتُعَدُّ أمريكا اللاتينية، وخصوصاً الأرجنتين، المنطقة الرئيسية لنشاط إيكا الاستيطاني حيث أسَّست أول مستوطنة لها عام 1891. وقد تولَّت إيكا توفير الآلات الزراعية والتدريب اللازم للمستوطنين، والتسهيلات الائتمانية، إلى جانب توفير شبكة من المدارس. وقد وصل حجم المستوطنين من اليهود عام 1930، وهي فترة الذروة بالنسبة للاستيطان اليهودي في الأرجنتين إلى 20 ألف مستوطن يزرعون حوالي 500 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. وفي نهاية عام 1938، كانت المستوطنات تضم حوالي 3215 أسرة يهودية أو 26.110 أشخاص، مع العلم بأن تعداد الجماعة اليهودية في الأرجنتين وصل عام 1940 إلى حوالي 280 ألفاً في حين لم يكن يوجد في العاصمة بيونس أيرس ومدينة روزاريو سوى ألف يهودي قبل تأسيس إيكا. إلا أن هذه المستوطنات الزراعية لم تزدهر، بل تضاءل حجم المستوطنين بها حتى وصل عام 1966 إلى ثمانية آلاف شخص. وفي الحقيقة، فإن السبب الأساسي وراء ذلك كان، من ناحية، ميراث يهود اليديشية كجماعات حضرية تجارية غير مؤهلة للعمل الزراعي، كما كان هدفهم الأساسي من الهجرة تحقيق قدر أكبر من الحراك الاجتماعي والتعليم، وهو ما لم يكن متوافراً إلا في المدن الكبرى. ومن ناحية أخرى، كانت المستوطنات تعاني من نَقْص مساحات الأراضي الزراعية الواسعة وتزايد أعباء الديون، ومن بيروقراطية ممثلي مؤسسة إيكا. وبالتالي، اتجهت أعداد كبيرة من المستوطنين إلى هجر المستوطنات الزراعية والانتقال إلى بيونس أيرس وغيرها من المدن الكبيرة.
وقد أسست إيكا أيضاً مستوطنات زراعية في البرازيل كانت أولها عام 1904، إلا أن هذه المستوطنات لم تزدهر أيضاً وتم تصفية آخر مستوطنة عام 1965. إلا أن إيكا استمرت، بالتعاون مع اللجنة الأمريكية المشتركة للتوزيع، في رعاية المؤسسات التعليمية والائتمانية التي كانت قد أسستها في مناطق الاستيطان اليهودي.
وساهمت إيكا أيضاً في توطين اليهود في الولايات المتحدة وكندا. ففي عام 1891، أسَّست مدرسة تجارية في نيويورك من أجل تدريب وإعادة تأهيل المهاجرين الجدد من اليهود على الحياة الجديدة. وفي العام نفسه، أسَّس البارون دي هيرش «صندوق بارون دي هيرش» بهدف مساعدة المهاجرين الجدد من اليهود وإقامة مراكز ريفية لهم. وقد أسس الصندوق مدرسة زراعية في نيو جرسي. وفي عام 1899، أسَّس الصندوق في نيويورك «جمعية المعونة الزراعية والصناعية اليهودية» التي أصبحت فيما بعد «الجمعية الزراعية اليهودية من أجل تنمية النشاط الزراعي بين يهود الولايات المتحدة» . وقد تم تأسيس 78 مزرعة. وبعد أن تزايدت الهجرة اليهودية إلى الولايات المتحدة، أسَّست إيكا، بالتعاون مع جمعية المعونة الزراعية والصناعية اليهودية ما يُسمَّى «لجنة النقل» (بالإنجليزية: ريموفال كوميتي Removal Committee) التي عملت في الفترة ما بين عامي 1901 و1907 على استقبال المهاجرين الجدد، وتوزيعهم في أنحاء البلاد، وإلحاقهم بذويهم الذين كانوا قد استقروا في الولايات المتحدة من قبل. وبحلول عام 1902، كانت اللجنة قد ساعدت حوالي 70 ألف مهاجر على الاستقرار في الولايات المتحدة. وقد تم تصفية اللجنة عام 1922، وتَركَّز النشاط الرئيسي لإيكا في الولايات المتحدة في توفير التسهيلات الائتمانية للمهاجرين الجدد من اليهود. وقد تَوقَّف نشاط إيكا في الولايات المتحدة تماماً مع بدء الحرب العالمية الثانية.
وفي كندا، أسَّست إيكا أول مستوطنة لها عام 1892. وقد عملت هذه المنظمة في مونتريال، من خلال مؤسسة بارون دي هيرش، على دعم ومساعدة المستوطنات اليهودية التي كانت قد تأسَّست في كندا في نهايات القرن التاسع عشر. وقد أشرفت الجمعية الزراعية اليهودية على نشاط إيكا في كندا وتم تأسيس عدة مستوطنات. إلا أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة أدَّت إلى تصفية بعضها بعد الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1960، كانت 120 أسرة يهودية تعمل في المستوطنات الزراعية تحت رعاية إيكا.
وقد أشرفت إيكا أيضاً على عملية هجرة أعضاء الجماعات اليهودية من شرق أوربا، فأسست في روسيا القيصرية في الفترة 1904 ـ 1914 حوالي 507 لجان للهجرة، وأقامت مكتباً مركزياً لها في بطرسبرج بموافقة الحكومة الروسية. وبعد أن فرض كثير من بلدان العالم (وخصوصاً الولايات المتحدة) قيوداً على حجم الهجرة المسموح به بعد الحرب العالمية الأولى، اتجهت إيكا إلى عقد مؤتمر في بروكسل عام 1921 وآخر في باريس عام 1922 لمناقشة تنسيق وتوحيد الجهود في مجال الهجرة اليهودية، إلا أن المؤتمرين فشلا. وفي عام 1925، تم تأسيس «اللجنة الموحَّدة للإجلاء» بالتعاون بين إيكا ومنظمة إميج ديركت واللجنة الأمريكية اليهودية المشتركة للتوزيع. وفي عام 1927، أسَّست إيكا، بالتعاون مع هياس، وإميج ديركت منظمة هيسم، التي كان لها 57 لجنة في 21 دولة عام 1937، وذلك لمساعدة المهاجرين اليهود في جميع أنحاء العالم. وفي عام 1928، أسَّست إيكا في روسيا السوفيتية مكتباً للهجرة للإشراف على هجرة أعضاء الجماعة اليهودية من روسيا. وفي الفترة 1933 ـ 1939، أنفقت إيكا حوالي 800 ألف جنيه على هجرة يهود ألمانيا النازية.
ولم يقتصر نشاط إيكا على هجرة وإعادة توطين يهود شرق أوربا، بل عملت أيضاً في مجال إعادة تأهيل أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوربا نفسها، وفي إكسابهم خبرات زراعية وصناعية تؤهلهم للانضمام والاستمرار في مجتمعاتهم الأصلية. فنشطت في مجال الاستيطان الزراعي اليهودي في روسيا، حيث عملت خلال العشرينيات على توطين عدة آلاف من الأسر اليهودية في 50 مستوطنة زراعية على أراض قدَّمتها الحكومة السوفيتية في أوكرانيا. كما اهتمت بتأسيس التعاونيات وإدخال الزراعات الجديدة. كما كانت قد أسَّست بحلول عام 1914 أربعين مدرسة زراعية وفنية.
كما اهتمت بتعليم اليهود حيث دعمت المؤسسات التعليمية اليهودية في روسيا وبولندا ورومانيا وجاليشيا. ومن أهم أنشطتها تقديم التسهيلات الائتمانية لصغار التجار والحرفيين في شرق أوربا حيث أسَّست شبكة واسعة من البنوك التعاونية التي قدَّمت القروض للفلاحين والتجار والحرفيين. وقد وصل حجم هذه الشبكة، عام 1914، نحو 680 بنكاً تعاونياً.
وقد تَوقَّف نشاط هذه المؤسسات خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أنه استؤنف مرة أخرى بعد الحرب، حيث تعاونت إيكا مع اللجنة الأمريكية اليهودية الموحدة للتوزيع في تأسيس المؤسسة الأمريكية الموحَّدة لإعادة البناء عام 1924، والتي أصبحت تُشرف بعد عام 1930 على 760 بنكاً للتسليف برأسمال قدره 3.550.000 دولار. كما أقامت هذه المؤسسة بنوكاً تجارية لخدمة الطبقات الوسطى. وقد صفيت هذه المؤسسة عام 1951.
وامتد نشاط إيكا إلى فلسطين أيضاً، إلا أنه لم يبدأ إلا عام 1896 بعد وفاة البارون دي هيرش الذي لم يكن متحمساً لفكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين. وقد تولت إيكا الإشراف على بعض المستوطنات اليهودية. وفي عام 1900، تولَّت إدارة المستوطنات التي كان قد أسسها البارون إدموند دي روتشيلد، والتي كانت تحت رعايته. وفي عام 1923، تم بالتعاون بين إيكا ومؤسسة روتشيلد تأسيس منظمة بيكا (جمعية الاستيطان اليهودي في فلسطين) والتي بلغ مجموع ما امتلكته خلال ربع قرن (1923 ـ 1948) ما مساحته 45 ألف دونم، أي ثُلث ما كان بحوزة اليهود من أراض عند إعلان قيام إسرائيل. كما ساهمت إيكا عام 1933 في تأسيس جمعية «إميكا EMICA» (وهي اختصار إميرجنسي فند فور بالستين Emergency Fund for Palestine، أي صندوق الطوارئ لفلسطين) التي أشرفت على بناء العديد من المستوطنات اليهودية في فلسطين.
وقد أصبحت إميكا عام 1955 «إيكا في إسرائيل» حيث أصبحت إسرائيل المركز الرئيسي لنشاط إيكا. وقد اشتركت مع الوكالة اليهودية في تطوير منطقة الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة، وفي إقامة أكثر من 30 مستوطنة يهودية، وكذلك في تقديم تسهيلات ائتمانية في المجال الزراعي في إسرائيل. وهي تهتم بدعم المؤسسات التعليمية بها.
وقد اهتمت إيكا أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية بالجماعات اليهودية في المغرب العربي. فعملت، بالتعاون مع لجنة التوزيع المشترك، على توفير تسهيلات ائتمانية ليهود تونس والمغرب، وفي إقامة مراكز للتدريب الزراعي في المغرب. وفي عام 1952، قامت، بالتعاون مع الأليانس إسرائيليت يونيفرسل، بتأسيس «الجمعية الزراعية ليهود المغرب» . ومنذ عام 1965، وهي تعمل في تعاون مع «خدمة هياس المتحدة» في «برنامج الإنقاذ الخاص» من أجل نَقْل المهاجرين اليهود من شرق أوربا وشمال أفريقيا إلى أستراليا وكندا وفرنسا.
وتولي إيكا اهتماماً خاصاً للمؤسسات اليهودية التعليمية والثقافية في مختلف بلدان أوربا وأمريكا اللاتينية.
إيكور (الجمعية الأمريكية للتوطين اليهودي في الاتحاد السوفيتي (
ICOR- Jewish American Association for Jewish Colonization in the Soviet Union
«إيكور» هي الحروف الأولى لاسم «الجمعية الأمريكية للاستيطان اليهودي في الاتحاد السوفيتي» باليديشية (وكلمة «إيكور» تعني أيضاً «فلاح» بالعبرية) . وهي جمعية أمريكية تأسَّست عام 1924 من أجل دعم الاستيطان الزراعي اليهودي في الاتحاد السوفيتي. وقد مارست إيكور أنشطتها، حتى عام 1928 في دعم المستوطنات اليهودية في القرم وأوكرانيا، إلا أنها وجَّهت جميع جهودها بعد ذلك إلى بيروبيجان بعد أن تم اختيارها كمنطقة للاستيطان الزراعي الصناعي اليهودي الواسع النطاق بهدف تحويلها إلى إقليم يهودي ذي حكم ذاتي.
وقد أصبحت إيكور من أكثر الجهات المؤيدة لهذا المشروع في الولايات المتحدة. التي كانت تضم في تلك الفترة 12 ألف عضو، كما كان هناك 100 لجنة من لجانها منتشرة في أنحاء الولايات المتحدة. وقد قامت الجمعية بالاتفاق مع الحكومة السوفيتية باستكشاف إمكانيات المنطقة الجديدة، وساهمت في إقامة المستوطنات الزراعية والمصانع التعاونية. كما نظمت الجمعية عام 1929 بعثة علمية من الخبراء الأمريكيين في مجال الزراعة والاستيطان لزيارة بيروبيجان وبَحْث إمكانيات تطويرها كمنطقة لتوطين اليهود.
وفي الفترة بين عامي 1933 و 1938 وجَّهت إيكور نشاطها الرئيسي إلى المجال الثقافي في بيروبيجان حيث أقامت مؤسسة للطباعة الحديثة لنشر الصحف والمجلات محلياً وأقامت معرضاً للفنون ومكتبة ودار حضانة. كما أصدرت عام 1935 مجلة شهرية باليديشية والإنجليزية هي الحياة الجديدة. وبعد عام 1939، ركَّزت إيكور نشاطها في نشر المعلومات حول الحياة اليهودية في الاتحاد السوفيتي وفي بيروبيجان.
جمعية غوث اليهود الألمان
Hilfsverein Der Deutschen Juden
منظمة ألمانية يهودية أسَّسها عام 1901 جيمس سيمون تاجر الأقطان اليهودي الذي كان صديقاً شخصياً للقيصر بهدف غوث يهود شرق أوربا ويهود الشرق وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والسياسية. وقد تأسَّست الجمعية على غرار الأليانس إسرائيليت يونيفرسل وكانت منافساً قوياً لها إذ قامت بنشاط ثقافي وتعليمي مهم إلى جانب تنظيم عمليات الهجرة والغوث. وقد تقدَّمت الجمعية بمذكرة للحصول على تصريح ونشرت عام 1898 برنامجها الذي جاء فيه أن الأليانس احتكرت التعليم بين اليهود وأنها مرتبطة بفرنسا رغم أن الصداقة الألمانية قد ثبتَّت أقدامها في الدول العثمانية، ولذا لم يَعُد للبعثة الثقافية للأليانس أي مبرر. وذكر أن اليهود الروس والبولنديين يتحدثون اليديشية ويفضلون اللغة والتجارة الألمانية وهو ما يعطي الجمعية فرصة لنشر النفوذ. وبالفعل، لم يكن نشاط الجمعية بعيداً عن أهداف السياسة الخارجية الألمانية إذ أسَّست الجمعية شبكة من المدارس في دول البلقان والدولة العثمانية يتم فيها تدريس اللغة الألمانية. كذلك لم يكن نشاطها في فلسطين بعيداً عن التقارب الصهيوني الألماني ومساعي الصهاينة الألمان لكسب تأييد الإمبريالية الألمانية لمشروعهم وإظهار نفع اليهود للمشروع الاستعماري الألماني. فالمشروع الصهيوني سيعمل من جهة على تحويل هجرة يهود شرق أوربا بعيداً عن ألمانيا، ومن جهة أخرى ستساهم هجرة اليهود الناطقين باليديشية إلى فلسطين في نشر الثقافة الألمانية وازدهار التجارة الألمانية وفتح أبواب الشرق أمامها. وقد نشطت الجمعية في فلسطين في الفترة بين عامي 1903 و1918، وكانت بحلول عام 1914 قد أسَّست أو ساعدت في تأسيس خمسين مدرسة تخدم 7000 طالب من بينها كلية لتدريب المعلمين، وكانت العبرية لغة التدريس. كما كانت الجمعية وراء تأسيس معهد التخنيون في حيفا واستثمرت فيه مبلغ 106.500مارك وتم افتتاحه برعاية القنصل
الألماني. وقد فجَّرت الجمعية ما عُرف باسم «حرب اللغة» عندما قرَّرت عام 1913 تدريس العلوم في المعهد، وكذلك في المدرسة الملحقة به، باللغة الألمانية. وقد دفع ذلك كثيراً من الطلبة والمعلمين في مدارس الجمعية إلى تركها وتأسيس مدارسهم العبرية الخاصة. أما بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا وانتصار الاستعمار البريطاني، فقد انتهى نشاط الجمعية في فلسطين وتسلمت المنظمة الصهيونية العالمية جميع مؤسساتها.
وقد عملت الجمعية أيضاً في مجال غوث ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية من أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا وتنظيم هجرتهم إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الاستيطانية. وقد بدأت الجمعية نشاطها في هذا المجال بعد مذابح كيشينيف عام 1903 فنظَّمت مؤتمر فيينا في العام نفسه لتنظيم عملية غوث يهود روسيا، وكذلك مؤتمر لندن عام 1905، كما تدخلت الجمعية لدى حكومات رومانيا وروسيا وفنلندا وغيرها من الدول للمطالبة بالحد من التشريعات التي تميِّز ضد أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلاد. وقامت بإصدار جريدة أسبوعية في الفترة 1905 ـ 1914 باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية لتعريف العالم الغربي بأوضاع اليهود في روسيا. وفي مجال الهجرة، أسست الجمعية عام 1904 المكتب المركزي للهجرة اليهودية بالتعاون مع المحفل الأكبر لأبناء العهد (البناي بريت) في ألمانيا ولجنة فرانكفورت لغوث يهود شرق أوربا المعذبين، وساعدت في الفترة 1904 ـ 1914 في تنظيم هجرة عدة مئات من الألوف من يهود شرق أوربا إلى الولايات المتحدة مروراً بالأراضي الألمانية، وتعاونت مع المالي الأمريكي اليهودي جيكوب شيف في مشروعه المعروف باسم «خطة جالفستون» لتهجير يهود روسيا إلى جنوب الولايات المتحدة. ومما يُذكَر أن الحكومة الألمانية كانت ترفض توطين أيٍّ من المهاجرين اليهود داخل ألمانيا. كما شاركت الجمعية في عمليات الغوث خلال الحرب العالمية الأولى في المناطق الواقعة تحت الاحتلال في شرق أوربا وقامت بتوزيع أموال الإغاثة الأمريكية، كما ساعدت ضحايا المجاعة من يهود روسيا عام 1921/1922.
وإلى جانب عمليات الإغاثة والهجرة، اهتمت الجمعية بتنمية الأوضاع الاقتصادية للجماعات اليهودية في شرق أوربا، فساهمت في تطوير التعليم الحرفي وشاركت في المشاريع الزراعية الاستيطانية اليهودية في جنوب روسيا التي أشرفت عليها منظمة أجرو ـ جوينت وجمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) . ونظراً لأن بعض هذه الأنشطة كانت تعمل من أجل دَمْج واستيعاب الجماعات اليهودية في أوطانهم الشرق أوربية، فقد دخلت الجمعية في خلافات حادة مع المنظمات الصهيونية والجماعات المعارضة لمسألة الاندماج. وإزاء ذلك، بدأت لجنة التوزيع المشترك الأمريكية تحل محل الجمعية في عمليات توزيع الموارد المالية. ومما يُذكَر أن كثيراً من أنشطة الجمعية كان يتم بالتنسيق والتعاون مع منظمات يهودية أخرى.
وقد تقلَّص دور الجمعية بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها استمرت في تنظيم عمليات الهجرة حيث ساعدت في الفترة 1921 ـ 1936 في تهجير حوالي 350 ألف شخص من ألمانيا أو عَبْر أراضيها. أما بعد مجيء النازي إلى الحكم، فقد تم تغيير اسم الجمعية إلى منظمة غوث اليهود في ألمانيا وأصبح دورها مقصوراً على مساعدة يهود ألمانيا، فاهتمت بتنظيم هجرتهم وقام سكرتير المنظمة عام 1933 باستطلاع إمكانيات الهجرة إلى جنوب أفريقيا وروديسيا وكينيا، كما ساعدت المنظمة على هجرة 90 ألف شخص إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول فيما عدا فلسطين في الفترة بين عامي 1933 و1941 وذلك بالتعاون مع بعض المنظمات الأخرى مثل إيكا ولجنة التوزيع المشترك وجيسيم وغيرها. وقد تم حل الجمعية عام 1939 وإن استمرت تعمل حتى عام 1941 باسم «قسم الهجرة التابع لمنظمة اتحاد اليهود في ألمانيا» .
الجمعية الأمريكية للمستوطنات الزراعية اليهودية في روسيا
American Society for Jewish Farm Settlement in Russia
منظمة أمريكية تأسَّست عام 1928 بهدف تمويل برنامج الاستيطان الزراعي اليهودي في الاتحاد السوفيتي والذي كانت منظمة أجرو ـ جوينت قد بدأته منذ عام 1924. وقد نجحت الجمعية في تدبير قرض قدره ثمانية ملايين من الدولارات من مجموعة من الأفراد في الولايات المتحدة لتمويل نشاط أجرو ـ جوينت في الفترة بين عامي 1928 و1935 على أن تُقدِّم كوزمت مبلغاً مماثلاً بالروبل. وقد أنهت الجمعية نشاطها عام 1939 مع انتهاء نشاط أجرو ـ جوينت في الاتحاد السوفيتي.
كوزمت (لجنة توطين اليهود الكادحين في أرض الاتحاد السوفيتي (
Kozmet (Committee for the Settlement of Toiling Jews on the Land of the Soviet Union)
«كوزمت» هي الحروف الأولى لاسم «لجنة توطين اليهود الكادحين على الأرض» باللغة الروسية. وهي منظمة سوفيتية تأسَّست عام 1924، بقرار من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كوكالة سوفيتية رسمية تعمل تحت رئاسة مجلس القوميات وتهدف إلى إعادة تأهيل أعضاء الجماعات اليهودية في الاتحاد السوفيتي (حيث كانوا قد فقدوا منذ نهايات القرن التاسع عشر، ثم قيام الدولة السوفيتية، وظائفهم كجماعة وسيطة وتجارية تقليدية) ، وكذلك إكسابهم خبرات زراعية وصناعية تؤهلهم للانضمام إلى البنية الاقتصادية الاجتماعية للمجتمع السوفيتي الجديد.
وقد كانت مهمة كوزمت الأساسية هي إعادة توطين الأسر اليهودية على مساحات من الأراضي الزراعية المخصصة لتوطين اليهود. ولذا، فقد أسست لنفسها مكاتب في عدد من الجمهوريات السوفيتية، كما تلقت مساعدات مهمة من منظمات يهودية أجنبية مثل أجرو ـ جوينت وإيكا وأورت. فمن إجمالي 22.5 مليون روبل تم إنفاقها قبل عام 1929 على توطين اليهود في الأراضي الزراعية، جاء 16.7 مليون روبل أو 74.2% منهم من الخارج.
وقد بدأت كوزمت عام 1924 في إقامة قرى يهودية جديدة في أوكرانيا، وتم توزيع الأراضي الجديدة بما يعمل على ربط ودمج المستوطنات الزراعية اليهودية التي كانت قد دُمرت خلال الحرب الأهلية، وبالتالي يعمل على خَلْق منطقة استيطانية يهودية متكاملة (وبالفعل، كان ثمة ثلاث مناطق قومية يهودية في أوكرانيا مع نهايات العشرينيات) . وفي عام 1936، كانت المزارع التعاونية اليهودية تحتل مساحة 175 ألف هكتار في أوكرانيا.
وفي منتصف العشرينيات، دعت كوزمت إلى ضرورة إقامة استيطان زراعي يهودي واسع النطاق باعتباره الحل الوحيد للمشكلة اليهودية في الاتحاد السوفيتي والبديل الوحيد للصهيونية. وبالفعل، تم تحديد منطقة غير مأهولة شمال غربي القرم لهذا الغرض، كما تم تخصيص مساحة 342 ألف هكتار لتوطين أعضاء الجماعات اليهودية، وفي عام 1930، تم تخصيص 240 ألف هكتار للمنطقة القومية اليهودية في القرم.
وفي عام 1927، تم تقديم خطة للاستيطان اليهودي واسع النطاق في منطقة آمور التي كانت تتمتع بأهمية إستراتيجية لدى الحكومة السوفيتية نظراً لقربها من الحدود مع كل من الصين واليابان. وبالتالي، كانت مسألة استيطان هذه المنطقة وزيادة الكثافة السكانية بها ذات أهمية كبرى للدولة. وبالفعل، أرسلت كوزمت بعثة علمية في العام نفسه إلى إقليم بيروبيجان لتَقصِّي إمكانيات المنطقة للاستيطان الواسع النطاق. وبرغم أن التقرير لم يكن مشجعاً، وبرغم اعتراض بعض قادة اليفسكتسيا (القسم اليهودي للحزب الشيوعي) ، قررت رئاسة اللجنة التنفيذية عام 1928 تكليف كوزمت بمسئولية توطين إقليم بيروبيجان، على أن تُمنَح المنطقة صفة دائرة قومية يهودية في حالة نجاح التجربة. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الجزء الأكبر من نشاط كوزمت مرتبطاً بمشروع بيروبيجان.
وقد نشطت كوزمت أيضاً، ولكن على نطاق أضيق، في مناطق روسيا البيضاء وسمولنسك، وكذلك بين الجماعات اليهودية في الجمهوريات الآسيوية، فأسَّست 30 مزرعة تعاونية ليهود بخارى في أوزباكستان و15 مزرعة تعاونية ليهود جورجيا، ومزارع تعاونية ليهود الجبال في داغستان وأذربيجان وشمال القوقاز والقرم.
وقد تم توسيع نشاط كوزمت عام 1927 ليشمل إعادة تدريب العمال اليهود وتوزيعهم على المؤسسات والشركات الحكومية. وقد وُضعت خطة خمسية عام 1928 لإعادة تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة اليهودية في الاتحاد السوفيتي. واستهدفت هذه الخطة أن يصل عدد العاملين بالزراعة بحلول عام 1933 إلى 250 ألف يهودي، إلا أن العدد لم يزد بقليل على 200 ألف بحلول عام 1936. وقد بلغ عدد الطلبة الذين يتلقون الدراسة في المدارس الفنية 70 ألفاً. هذا، بالإضافة إلى تشكيل تعاونيات حرفية كانت تضم 200 ألف يهودي. إلا أن نشاط كوزمت تَوقَّف في منتصف الثلاثينيات وتمت تصفيتها عام 1938، وضُمَّت أنشطتها إلى قسم إعادة التوطين والاستيطان والدائرة الزراعية في الحكومة السوفيتية.
هياس (خدمة هياس المتحدة (
Hias (United Hias Service)
«هياس» هي الحروف الأولى لاسم جمعية «هبرو إميجرانت أيد سوسيتي Hebrew Immigrant Aid Soiety» (جمعية غوث المهاجرين العبرانيين) التي تأسَّست عام 1902 واندمجت مع الجمعية العبرية للإيواء التي تأسَّست عام 1884. وقد سُمِّيت الجمعية باسم «الجمعية العبرية لإيواء ومعونة المهاجرين» ، ولكن «هياس» ظلت اسماً مختصراً لها. وهياس هذه، منظمة أمريكية تأسَّست عام 1909 في نيويورك لمساعدة المهاجرين من اليهود القادمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتسهيل استيعابهم في المجتمع الأمريكي.
وقد تركزت مهام هياس في استقبال وتسهيل دخول المهاجرين اليهود إلى الولايات المتحدة، وفي توفير المأكل والمأوى لهم، والمساعدة في إيصالهم إلى ذويهم في الولايات المتحدة أو تشجيع استقرارهم في المناطق الأقل ازدحاماً. كما عملت هياس على مساعدة المهاجرين على التكيف الثقافي مع المجتمع الأمريكي من خلال تعليمهم اللغة الإنجليزية وإيجاد فرص عمل لهم. وقد أقامت الجمعية مكاتب لها في غرب وشرق أوربا. كما قامت عام 1920 بتحويل الموارد المالية من اليهود الأمريكيين إلى أقربائهم في أوربا إما بغرض الإعانة والغوث أو لتغطية مصاريف انتقالهم إلى الولايات المتحدة.
ومع إصدار قانون الحد من الهجرة في الولايات المتحدة عام 1924، بدأت هياس في البحث عن مناطق أخرى لتوطين اليهود، فتعاونت عام 1927 مع إيكا وإميج ديركت في تأسيس منظمة هيسم كمحاولة لتوحيد وتنسيق الجهود في مجال الهجرة اليهودية. وفي الفترة بين عامي 1925و1939، هاجر حوالي 100 ألف يهودي من أوربا، حيث تم توطينهم بمساعدة هيسم في الولايات المتحدة وبعض مستعمرات الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأقصى، وفي أمريكا اللاتينية وفلسطين. كما شاركت هياس في تهجير اليهود الألمان بعد وصول النازيين إلى السلطة في ألمانيا عام 1933، كما نشطت بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية في غوث وإنقاذ ضحايا الحرب.
وفي عام 1945، أنهت هياس مشاركتها في هيسم. وقامت في عام 1949، بالتعاون مع اللجنة الأمريكية اليهودية المشتركة للتوزيع في تأسيس «اللجنة المنسقة للأشخاص المشردين من أوطانهم» . وقد نشطت هياس، بعد الحرب، في محاربة القيود المفروضة على الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وفي عام 1954، اندمجت هياس مع كل من «الخدمة المتحدة للأمريكيين الجدد» ، وقسم التهجير للجنة المشتركة للتوزيع، لتكوين خدمة هياس المتحدة. وقد عملت هذه المنظمة على مساعدة المهاجرين اليهود من شرق أوربا وشمال أفريقيا، وخصوصاً بعد أزمة المجر عام 1956 وحربي 1956 و1967 في الشرق الأوسط، وتوطينهم في دول أخرى ـ وخصوصاً غرب أوربا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
وللمنظمة مكاتب في جنيف ونيويورك وريودي جانيرو، ويأتي الجزء الأكبر من ميزانيتها من النداء اليهودي الموحَّد.
وقد ساهمت منظمة هياس في توطين المهاجرين اليهود السوفييت في الولايات المتحدة بل في تشجيعهم على تغيير اتجاههم والتوجه إلى الولايات المتحدة بدلاً من إسرائيل (وهو ما يُسمَّى في المعجم الصهيوني «التساقط» ) . ولذا، فتحت هياس مكتباً لها في فيينا لمساعدتهم في الحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة وتقديم معونة مالية لهم. وقامت السلطات الأمريكية بإصدار قرار عام 1989 بعدم السماح لليهود بالهجرة إلى الولايات المتحدة إلا إذا تقدموا بطلب تأشيرة قبل أن يغادروا الاتحاد السوفيتي، وذلك لدعم الهجرة اليهودية الاستيطانية إلى إسرائيل وتحييد هياس. وفتحت الجمعية مكتباً لها في موسكو في فبراير 1990، وقد وصفها ميخائيل كلاينر (رئيس لجنة الهجرة في الكنيست) بأنها "نمو سرطاني يجب استئصاله" وذلك بعد نجاحها في استصدار ثمانية آلاف تأشيرة دخول للولايات المتحدة للمهاجرين السوفييت. وقد دافعت هياس عن موقفها بتأكيد ضرورة التضحية بمصلحة الصهيونية (ودولتها) في سبيل حماية اليهود، أي أنها تعطي أولوية لمصلحة اليهود على مصلحة الدولة الصهيونية.
هيسم
Hicem