الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثامن
يتضمن تراجم علماء الهند وأعيانها في القرن الرابع عشر
تقديم الجزء الثامن
بقلم: نجل المؤلف أبي الحسن علي الحسني الندوي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد فقد كان هذا الجزء الأخير الجزء الثامن من كتاب نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر
للعلامة السيد عبد الحي الحسني رحمه الله وأثابه، في حاجة إلى إكمال وزيادات، وكان المؤلف
مشغولاً بتسويده وتحريره، ففاجأته المنية، ولم يمهل لإكماله، وكان هذا الجزء يشتمل على خمسمائة
وتسع وخمسين 559 ترجمة، ويبلغ عدد التراجم التي خلف فيها المؤلف بياضاً أو فراغاً، أو مات
أصحاب التراجم بعد وفاة المؤلف 350 ترجمة، وقد تدرج هؤلاء المترجمون في مراتب من النبوغ
والشهرة، والتأليف والإنتاج، أو كان لهم نشاط وجولة في المجال السياسي، وجدت في البلاد أحوال،
ونشأت حركات، وخاض هؤلاء الأعلام معتركها، وتقلدوا قيادتها، فكان لا بد من إكمال هذه التراجم،
وتسجيل حوادث حياتهم، ومآثرهم العلمية والعملية من جديد.
وكان الذين قد شغفوا بهذا الكتاب في الهند وخارجها، يطلبون إصدار هذا الجزء، وكان الإلحاح
يتجدد منهم حيناً بعد حين، وكان صديقنا الفاضل الدكتور عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف
العثمانية حالاً يلح علي بالتفرغ لهذا العمل، ولا شيء أحب إلي من تحقيق هذا الغرض، فإن فيه
خدمة للدين والعلم، وللأئمة والبلد، وفوق ذلك كله بر بالوالد ووفاء بحقه، وأداء لأمانته، ولكني بقيت
متهيباً لهذا العمل، مستعظماً له عدة سنين.
أولاً: لأنه عمل شاق عسير تقصر عنه قواي ومواهبي، فإن تلقيح هذا الكتاب بالعبارات الجديدة
والزيادات الحديثة صعب جداً، وذلك لإيجاز المؤلف، ودقته وعبارته المحكمة الرصينة التي لا يسهل
تقليدها، وللالتزامات التي التزمها في تحرير الآراء ووصف المترجم، ومدحه ونقده، والاقتصاد في
ذلك، وعدم إرسال القول على عواهنه.
والثاني: إن هذا الجزء هو أكثر تنوعاً واتساعاً في التراجم من كل عصر مضى، ففيه كبار العلماء
ونوابغ المؤلفين، وشيوخ أجلاء، ومربون وأهل القلوب، ومعلمون كبار، وأصحاب الدرس والتخريج،
ومنهم قادة الفكر الحديث، ورواد حركات ونهضات، يحتدم حولهم الجدال، ويكثر عنهم القيل والقال،
ومنهم: أدباء وشعراء، ومنهم: من خاض المعارك السياسية، واكتوى بنارها وأوارها، وامتزج تاريخه
بتاريخ الهند الديني والسياسي، فلا يمكن الفصل بينهما، وامتدت حوادث حياته على بساط طويل من
الزمان، مفروض بالأشواك، ومنهم: من جمع بين النبوع والسراوة، وتفنن في الفضائل والكمالات،
ومنهم من شذ عن السواد الأعظم من المسلمين، وأسس مذهباً
جديداً، أو فرق جديدة، واستهدف للنقد
العنيف، والجرح المرير، إلى غير ذلك من نماذج الفكر وأساليب الحياة، وأنماط الإنسانية، ولعل
أصعب تاريخ هو تاريخ المعاصرين الذين يعاصرهم المؤلف، ويرى آثار نبوغهم ونباهتهم في
الحياة، وقد يبذل جهده، ويجهد نفسه في تصويرهم، وتحديد مكانتهم، والتنويه بشأنهم، فيستقله كثير
ممن عاشرهم وعرفهم عن كثب، ويستهوله كثير ممن سمع عنهم، أو خبرهم، واطلع على الخبايا،
ومواضع الضعف في حياتهم، وهكذا يستهدف المؤلف لنقد الفريقين، فحيناً ينسب إلى البخل
والتفريط، وحيناً يتهم بالمبالغة والإسراف، ولكن كل ذلك لا يمنع رائد الحقيقة، ومدون التاريخ من أن
يقيد معلوماته للأجيال القادمة، ويحفظ الملامح الحقيقية في المصور التاريخي العام الخالد.
أقدمت إلى هذا العمل الشاق المحرج، متهيباً مدفوعاً في البداية، منشرحاً مندفعاً في النهاية، وبدأت
أقرأ الكتاب، وأسجل ما وقع بعد المؤلف في حياة المترجم، وأطواره وآثاره، ومؤلفاته، معتمداً في ذلك
على أثبت المراجع وأوثق المصادر، ومما كتبه هو نفسه، أو أخص أصحابه، أو ما كان مشاهد
عيان، ومعرفة شخصية، وحرصت على أن يتميز كل ما أزيده، ويصدر عن قلمي القاصر عما صدر
عن قلم المؤلف نفسه، وما كان في متن الكتاب فجعلت الزيادات والملحقات كلها بين عمودين هكذا
حتى لا يلتبس الأصل بالزيادة، وبذلت مجهودي في أن أكتب بقلم، وأطبق مقاييسه وموازينه في
الحكم على الشخصيات، ونقدها وتقريظها، وحاولت أن أعيش في أدبه وأسلوبه وتفكيره، زمن إكمال
هذا الكتاب، وأقلده بقدر ما يمكن لشخص، أكثر من قراءة هذا الكتاب، وتشرب أسلوبه وفكرته، مع
ذلك أقر بأني لم أصل إلى النقطة التي وصل إليه المؤلف في السداد والاقتصاد، وغزارة العبارة،
وقلة المباني، وكثرة المعاني، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
هذا، والزيادات كلها محدودة في التراجم التي جاءت في الكتاب، ولم أضم تراجم جديدة إلى الكتاب،
ولم أكتب ترجمة جديدة لم يكتبها المؤلف، فإن الأمر كان يطول جداً، وقائمة الشخصيات التي نبغت
بعد المؤلف، واستحقت التنويه والتسجيل أو فات المؤلف ذكرها، كبيرة تبلغ إلى المئات، وهو
موضوع كتاب مستقل يكون ذيلاً لكتاب نزهة الخواطر ولعل الله يقيض لذلك رجلاً آخر يوفق للقيام
به.
وبدأت أقيد سني وفيات المترجمين، فلا أجد إلى كثير منها سبيلاً، فيما عندنا من المطبوعات
والمراجع، فاضطر إلى مراسلة من يتصل بهؤلاء المترجمين بسبب، أو يلتقي بهم في زمالة أو
نسب، وطالت المراسلات، وتكررت الرسائل والردود، وقد جر ذلك في بعض الأحيان إلى زيارة
القبور، وقراءة الألواح، والاتصال بأبناء المترجمين وأحفادهم، وقد جر هذا البحث في بعض الأحيان
إلى مراجعة الأوراق والوثائق في البلدية، لتحقيق اسم الوالد، أو سنة ولادته، فاجتمعت بذلك مجموعة
كبيرة من الوفيات والمعلومات، وأسماء المؤلفات، ولم يبق إلا نحو 130 شخصاً لم أهتد إلى سني
وفياتهم، فأشرت إلى ذلك في الهامش، وأكبر ظني أنه لو تأخر هذا البحث عن السنين والتواريخ،
والمعلومات عن المترجمين عدة سنين أخر لضاع الشيء الكثير منها وتلف، ولم يكن إليه سبيل لمن
يأتي بعدنا، ويحاول جمع هذه المعلومات، ويؤلف كتاباً في تراجم هؤلاء الرجال، وقد شاهدت في ذلك
تيسيراً لا أعلله إلا بإخلاص المؤلف، والإعانة الغيبية لحفظ آثار العلماء والمؤلفين الذين أفنوا قواهم،
وأجهدوا نفوسهم في سبيل العلم أو الدين.
وفي الآخر إن كاتب هذه السطور مدين لأولئك الأفاضل الذين أعانوه بالمعلومات، وبصفة خاصة
في التواريخ وسني الوفيات، ولم يضنوا بما عندهم من علم، ووثائق تاريخية، ومراجع علمية، ولولا
أن قائمة أسماء هؤلاء
الفضلاء تطول طولاً مملاً لسردت أسماءهم، ولهم اعتراف الكاتب، وشكر
القراء، ما عند الله من المثوبة والجزاء أفضل من كل هذا، والله لا يضيع أجر المحسنين.
وبهذا الجزء الثامن الأخير تكمل سلسلة نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر للعلامة السيد عبد
الحي الحسني، والحمد لله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات.