الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي عمنا بالانعام واللطف* وامرنا بالتيسير والتسهيل لا بالتشديد والعنف * والصلاة والسلام على مشرع الاحكام * المنزل عليه خذ العفو وأمر بالعرف* وعلى آله واصحابه الموصوفين باتباعه باكمل وصف (اما بعد) فيقول الفقير محمد عابدين* عفا عنه رب العالمين* لما شرحت ارجوزتي التي سميتها عقود رسم المفتى ووصلت في شرحها إلى قولى (والعرف في الشرع له اعتبار* لذا عليه الحكم قديدار) تكلمت عليه بما يسره الكريم الفتاح* واسترسل القلم في جريه لأجل الإيضاح * فاشعر إلا وفجر الليل قد لاح * وقد بقى في الزوايا خبايا تحتاج إلى الإفصاح* فرايت ان استيفاء المقصود يخرج الشرح عن المعهود * فاقتصرت فيه على نبذة يسيرة من البيان* واردت ان افرد الكلام على البيت برسالة مستقلة تظهر المقصود إلى العيان * لاني لم ار من اعطى هذا المقام حقه * ولا من بذل له من البيان مستحقه* وسميت هذه الرسالة:
نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف
فأقول ومنه سبحانه اسأل* ان يحفظنى من الخطأ والزلل* وإن يررزقنى حسن النيه* وبلوغ الامنيه {مقدمة} في بيان معنى العرف ودليل العمل به قال في الأشباه وذكر الهندي في شرح المغنى العادة عبارة عما يستقر في النفوس من الأمور المتكرره المعقولة عند الطباع السليمة وهى أنواع ثلاثة العرفية العامة كوضع القدم
(1)
والعرفية الخاصة كاصطلاح كل طائفة مخصوصة كالرفع للنحاة والفرق والجمع والنقض للنظار والعرفية الشرعية كالصلاة والزكاة والحج تركت معانيها اللغوية بمعانيها الشرعية انتهى. وفى شرح الأشباه للبيرى عن المستصفى العادة والعرف ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول اهـ وفي شرح التحرير العادة هي الأمر المتكرر من غير علاقة عقلية اهـ (قلت) بيانه ان العادة مأخوذة من المعاودة فهى بتكررها ومعاودتها مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة في النفوس والعقول متلقاة بالقبول من غير علاقة ولا قرينة حتى صارت حقيقة عرفية فالعادة والعرف بمعنى واحد من حيث الما صدق وإن اختلفا من حيث المفهوم (ثم) العرف عملى وقولى فالاول كتعارف قوم أكل البر ولحم الضأن والثانى كتعارفهم اطلاق لفظ لمعنى بحيث
(1)
قوله كوضع القدم أي إذا قال والله لا اضع قدمي في دار فلان فهو في العرف العام بمعنى الدخول فيحنث سواء دخلها ماشيا أو راكبا ولو وضع قدمه في الدار بلا دخول لا يحنث منه.
لا يتبادر عند سماعه غيره والثانى مخصص للعام اتفاقا كالدراهم تطلق ويراد بها النقد الغالب في البلدة والاول مخصص أيضا عند الحنفية دون الشافعية فإذا قال اشترلى طعاما أو لحما انصرف إلى البر ولحم الضأن عملا بالعرف العملى كما افاده في التحرير (واعلم) أن بعض العلماء استدل على اعتبار العرف بقوله سبحانه وتعالى خذ العفو وأمر بالعرف وقال في الأشباه القاعدة السادسة العادة محكمة وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن قال العلائي لم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث اصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفا عليه أخرجه الامام أحمد في مسنده (واعلم) ان اعتبار المادة والعرف رجع إليه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك اصلا فقالوا في الأصول في باب ما تترك به الحقيقة تترك الحقيقة بدلالة الاستعمال والعادة هكذا ذكر فخر الإسلام انتهى كلام الأشباه وفي شرح الأشباه للبيرى قال في المشرع الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعى وفى المبسوط الثابت بالعرف كالثابت بالنص انتهى {فصل} قال في القنية ليس للمفتى ولا للقاضى ان يحكما على ظاهر المذهب ويتركا العرف ونقل المسئلة عنه في خزانة الروايات كما ذكره البيرى في شرح الأشباه وهى بحسب الظاهر مشكلة فقد صرحوا بأن الرواية إذا كانت في كتب ظاهر الرواية لا يعدل عنها إلا إذا صحح المشايخ غيرها كما اوضحت ذلك في شرح الارجوزة فكيف يعمل بالعرف المخالف لظاهر الرواية (وايضا) فإن ظاهر الرواية قد يكون مبنيا على صريح النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع ولا اعتبار للعرف المخالف للنص لان العرف قد يكون على باطل بخلاف النص كما قاله ابن الهمام وقد قال في الأشباه العرف غير معتبر في المنصوص عليه قال في الظهيرية من الصلاة وكان محمد بن الفضل يقول السرة إلى موضع نبات الشعر من ان العانة ليست بعورة لتعامل العمال في الابداء عن ذلك الموضع عند الاتزار وفى النزع عن العادة الظاهرة نوع حرج وهذا ضعيف وبعيد لان التعامل بخلاف النص لا يعتبر انتهى بلفظه اهـ (وفى) الأشباه أيضا الفائدة الثالثة المشقة والحرج انما يعتبران في موضع لا نص فيه واما مع النص بخلافه فلا ولذا قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى بحرمة رعى حشيش الحرم وقطعه إلا الاذخر وجوز أبو يوسف رعيه المحرج ورد عليه بما ذكرناه أي من ان الحرج انما يعتبر في موضع لا نص فيه ذكره الزيلعي في جنايات الإحرام وقال في باب الانجاس ان الامام يقول بتغليظ نجاسة الارواث لقوله عليه السلام انها ركس أي نجس ولا اعتبار عنده بالبلوى في موضع النص كما في بول الآدمى فإن البلوى فيه اعم اهـ (فنقول)
في جواب هذا الاشكال اعلم ان العرف نوعان خاص وعام وكل منهما اما ان يوافق الدليل الشرعى والمنصوص عليه في كتب ظاهر الرواية اولا فإن وافقهما فلا كلام والا فأما ان يخالف الدليل الشرعى أو المنصوص عليه في المذهب فنذكر ذلك في بابين {الباب الأول} إذا خالف العرف الدليل الشرعي فإن خالفه من كل وجه بأن لزم منه ترك النص فلا شك في رده كتعارف الناس كثيرا من المحرمات من الربا وشرب الخمر ولبس الحرير والذهب وغير ذلك مما ورد تحريمه نصا وإن لم يخالفه من كل وجه بأن ورد الدليل عاما والعرف خالفه في بعض افراده أو كان الدليل قياسا فإن العرف معتبر ان كان عاما فإن العرف العام يصلح مخصصا كما مر عن التحرير ويترك به القياس كما صرحوا به في مسئلة الاستصناع ودخول الحمام والشرب من السقا وإن كان العرف خاصا فإنه لا يعتبر وهو المذهب كما ذكره في الأشباه حيث قال فالحاصل ان المذهب عدم اعتبار العرف الخاص ولكن افتى كثير من المشايخ باعتباره اهـ (وقال) في الذخيرة البرهانية في الفصل الثامن من الاجارات فيما لو دفع إلى حائك غزلا على ان ينسجه بالثلث قال ومشايخ بلخ كنصير بن يحيى ومحمد بن سلمة وغيرهما كانوا يجيزون هذه الإجارة في الثياب لتعامل أهل بلدهم والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الأثر وتجويز هذه الإجارة في الثياب للتعامل بمعنى تخصيص النص الذي ورد في قفيز الطحان لان النص ورد في قفيز الطحان لا في الحائك إلا ان الحائك نظيره فيكون واردا فيه دلالة فمتى تركنا العمل بدلالة هذا النص في الحائك وعملنا بالنص في قفيز الطحان كان تخصيصا لا تركا اصلا وتخصيص النص بالتعامل جائز إلا ترى انا جوزنا الاستصناع للتعامل والاستصناع بيع ما ليس عنده وانه منهى عنه وتجويز الاستصناع بالتعامل تخصيص منا للنص الذي ورد في النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان لا ترك للنص اصلا لانا عملنا بالنص في غير الاستصناع قالوا وهذا بخلاف ما لو تعامل أهل بلدة قفيز الطحان فإنه لا يجوز ولا تكون معاملتهم معتبرة لانا لو اعتبرنا معاملتهم كان تركا للنص اصلا وبالتعامل لا يجوز ترك النص اصلا وإنما يجوز تخصيصه ولكن مشايخنا لم يجوزوا هذا التخصيص لان ذلك تعامل أهل بلدة واحدة وتعامل أهل بلدة واحدة لا يخص الاثر لان تعامل أهل بلدة ان اقتضى ان يجوز التخصيص فترك التعامل من أهل بلدة أخرى يمنع التخصيص فلا يثبت التخصيص بالشك بخلاف التعامل في الاستصناع فإنه وجد في البلاد كلها انتهى كلام الذخيرة
(1)
(وقال) في الأشباه تنبيه هل المعتبر في بناء الاحكام
(1)
وفيها في الفصل الرابع من كتاب الشرب قال محمد إذا باع شرب يوم أو اقل من ذلك أو أكثر فإنه لا يجوز اما لانه باع ما لا يملك لان الماء قبل الاحراز بما وضع "2"
العرف العام أو مطلق العرف ولو كان خاصا المذهب الأول قال في البزازيه معزيا إلى الامام البخارى الذي ختم به الفقه الحكم العام لا يثبت بالعرف الخاص وقيل يثبت انتهى ويتفرع على ذلك أو استقرض الفا واستأجر المقرض لحفظ مرآة أو ملعقة كل شهر بعشرة وقيمتها لا تزيد على الاجر ففيها ثلاثة أقوال: 1 - صحة الإجارة بلا كراهة اعتبارا لعرف خواص بخاري. 2 - والصحة مع الكراهة للاختلاف. 3 - والفساد لان صحة الإجارة بالتعارف العام ولم يوجد وقد افتى الاكابر بفسادها وفى القنيه من باب استيجار المستقرض المقرض التعارف الذي تثبت به الاحكام لا يثبت بتعارف أهل بلدة واحدة عند البعض وعند البعض وإن كان يثبت لكن احدثه بعض أهل بخارى فلم يكن متعارفا مطلقا كيف وإن هذا الشيء لم يعرفه عامتهم بل تعرفه خواصهم فلا يثبت التعارف بهذا القدر قال وهو الصواب انتهى
(2)
* وذكر فيها من كتاب الكراهية قبيل التحرى لو تواضع أهل بلدة على زيادة في سنجاتهم التي يوزن بها الدراهم والابريسم على مخالفة سائر البلدان ليس لهم ذلك انتهى وفى اجارة البزازية عن اجارة الأصل استأجره ليحمل طعامه بقفيز منه فالاجارة فاسدة ويجب اجر المثل لا يتجاوز به المسمى وكذا لو دفع إلى حائك غزلا على ان ينسجه بالثلث ومشايخ بلخ وخوارزم افتوا بجواز اجارة الحائك للعرف وبه افتى أبو على النسفى أيضا والفتوى على جواب الكتاب لانه منصوص عليه فيلزم ابطال النص انتهى كلام الأشباه (وحاصله) ان ما ذكروا في حيلة أخذ المقرض ربحا من المستقرض بأن يدفع المستقرض إلى المقرض ملعقة مثلا ويستأجره على حفظها في كل شهر بكذا غير صحيح لان الإجارة مشروعة على خلاف القياس لأنها بيع المنافع المعدومة وقت العقد وإنما جازت بالتعارف العام لما فيها من احتياج عامة الناس إليها وقد تعارفوها سلفا وخلفا فجازت على خلاف القياس وصرح في الذخيرة بأن الإجارة انما جازت لتعامل الناس انتهى ولا يخفى انه لا ضرورة إلى الاستيجار على حفظ ما لا يحتاج إلى حفظه باضعاف قيمته فإنه ليس مما يقصده العقلاء ولذا لم يجز استيجار دابة ليجنبها أو دراهم ليزين بها دكانه كما صرحوا به أيضا فتبقى على أصل القياس ولا ثبت جوازها
(2)
للاحراز لا يصير مملوكا ولاحد وبيع ما لا يملك الإنسان لا يجوز واما لان المبيع مجهول وبعض مشايخ بلخ كانوا يقولون ان أهل بلخ يتعاملون ذلك والقياس يترك بالتعامل والفقيه أبو جعفر وأبو بكر البلخي وغيرهما من المشايخ لم يجوزوا ذلك وقالوا هذا تعامل بلدة واحدة والقياس لا يترك بتعامل بلدة واحدة منه
بالعرف الخاص فإن العرف الخاص لا يترك به القياس في الصحيح على ان هذا العرف لم يشتهر في بلدة بل تعارفه بعض أهل بخاري دون عامتهم ولا يثبت التعارف بذلك* واما مسئلة زيادة السنجات فإن كان المراد بها ان كل أحد من أهل تلك البلدة يزيد في سنجته ما أراد فالمنع منه ظاهر وإن كان المراد ان يتفقوا على زيادة خاصة فوجه المنع والله تعالى اعلم انه يلزم منه الجهالة والتقرير إذا اشتروا بها من رجل غريب يظنها على عادة بقية البلاد* واما مسئلة استيجار الحائك ونحوه فقد علت تقريرها من عبارة الذخيرة وذكر الشراح ان البر والشعير والتمر والملح مكيلة ابدا لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فلا يتغير أبدا فيشترط التساوى بالكيل ولا يلتفت إلى التساوى في الوزن دون الكيل حتى لو باع حنطة بحنطة وزنا لا كيلا لم يجز والذهب والفضة موزونة ابدا للنص على وزنهما فلا بد من التساوى في الوزن حتى لو تساوى الذهب بالذهب كيلا لا وزنا لم يجز وكذا الفضة بالفضة لان طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة علينا لان النص اقوى من العرف فلا يترك الاقوى بالادنى وما لم ينص عليه فهو محمول على عادات الناس لأنها دلالة على جواز الحكم انتهى (فإن قلت) قد روى عن أبي يوسف اعتبار العرف في هذه الاشياء المنصوصة حتى جوز التساوى بالكيل في الذهب وبالوزن في الحنطة إذا تعارفه الناس فهذا فيه اتباع العرف اللازم منه ترك النص فيلزم ان يجوز عنده ما شابهه من تجويز الربا ونحوه للعرف وإن خالف النص (قلت) حاشا لله ان يكون مراد أبي يوسف ذلك وإنما أراد تعليل النص بالعادة بمعنى انه انما نص على البر والشعير والتمر والملح بأنها مكيلة وعلى الذهب والفضة بأنها موزونة لكونهما كانا في ذلك الوقت كذلك فالنص في ذلك الوقت انما كان للعادة حتى لو كانت العادة في ذلك الوقت وزن البر وكيل الذهب لو رد النص على وفقها فحيث كانت العلة للنص على الكيل في البعض والوزن في البعض هي العادة تكون العادة هي المنظور إليها فإذا تغيرت تغير الحكم فليس في اعتبار العادة المتغيرة الحادثة مخالفة للنص بل فيه اتباع النص وظاهر كلام المحقق ابن الهمام ترجيح هذه الرواية (وعلى هذا) فلو تعارف الناس بيع الدراهم بالدراهم أو استقراضها بالعدد كما في زماننا لا يكون مخالفا للنص فالله تعالى يجزى الامام ابا يوسف عن أهل هذا الزمان خير الجزاء فلقد سد عنهم بابا عظيما من الربا (وقد) صرح بتخريج هذا على هذه الرواية العلامة سعدى افندي في حاشيته على العناية ونقله عنه في النهر وأقره وكذلك نقله في الدر المختار وقال وفي الكافي
الفتوى على عادة الناس انتهى وذكر نحوه في آخر الطريقة المحمدية للعارف البركلي فقال ولا حيلة فيه إلا التمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف وذكر سيدى عبد الغني النابلسى في شرحه على الطريقة المحمدية ما حاصله انه لا حاجة إلى تخريجه على هذه الرواية لان الذهب والفضة المضروبين المدموغين بالسكة السلطانية معلوما المقدار بين المتعاقدين فذكر العدد كناية عن الوزن اصطلاحا والنقصان الحاصل بالقطع جزئى لا يدخل تحت المعيار الشرعى (اقول) هذا ظاهر على ما كان في زمنه من عدم اختلاف وزنها اما في زماننا فيختلف فكل سلطان يخفف سكته عن سكة السلطان الذي قبله في النوع الواحد بل سكة سلطان زماننا اعزه الله تعالى تختلف في النوع الواحد وكذا السلاطين قبله فإن السكة في اول مدته تكون اثقل منها في آخرها فالريال أو الذهب من نوع واحد يختلف وزنه ولا ينظر المتعاقدان إلى ذلك الاختلاف وشرط صحة البيع معرفة مقدار الثمن إذا كان غير مشار إليه وكذا الأجرة ونحوها والذهب والفضة موزونان فإذا اشترى شيئا بعشرين ريالا مثلا لابد على قول أبي حنيفة ومحمد من بيان ان الريال المذكور من ضرب سنة كذا ليكون متحد الوزن وكذا لو اشتري بالذهب كالذهب المحمودي الجهادي والذهب العدلى في زماننا فإن كلا منهما متفاوت الافراد في الوزن وكذا الريال الفرنجى نوع منه اثقل من نوع فعلى قولهما جميع عقود أهل هذا الزمان فاسدة من بيع وقرض وصرف وحوالة وكفالة واجارة وشركة ومضاربة وصلح وكذا يلزم فساد التسمية في نحو نكاح وخلع وعتق على مال وفساد الدعوى والقضاء والشهادة بالمال وغير ذلك من المعاملات الشرعية فإن أهل هذا الزمان لا ينظرون إلى هذا التفاوت بل يشترى احدهم بالذهب أو الريال ويطلق ثم يدفع الثقيل أو الخفيف وكذا في الإجارة والدعوى وغيرها وكذا يستقرض الثقيل ويدفع بدله الخفيف وبالعكس ويقبل المقرض منه ذلك ما لم تختلف القيمة ويلزم من ذلك تحقق الربا لتحقق التفاوت في الوزن بما يدخل تحت المعيار الشرعى كالقيراط والاكثر بل الظه ان القمحة في الذهب معيار في زماننا لان الذهب الذي ينقص قمحة عن معياره الذي ضربه السلطان عليه يحاسبون على نقصه اما الزائد فلا يعتبرون فيه الزيادة كالذهب المشخص إذا زاد قمحة أو أكثر ولا يخفى ان في قولهما في هذا الزمان حرجا عظيما لما علمته من لزوم هذه المحظورات وقد ركز هذا العرف في عقولهم من عالم وجاهل وصالح وطالح فيلزم منه تفسيق أهل العصر فيتعين الافتاء بذلك على هذه الرواية عن أبي يوسف (لكن)
(1)
فيه شبهة وهى ان الظه من هذه الرواية المعيار من كيل أو وزن اما الغاؤهما بالكلية والعدول عنهما إلى العدد المتفاوت الافراد في الوزن فهو خلاف الظه وخلاف النص الصريح في اشتراط المساواة في المكيلات والموزونات وعلى كل فينبغي الجواز والخروج من الاثم عند الله تعالى اما بناء على العمل بالعرف أو للضرورة فقد اجازوا ما هو دون ذلك في الضرورة ففي البحر عن القنية وينبغى جواز استقراض الحمية من غير وزن (وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن خميرة يتعاطاها الجيران ليكون ربا فقال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح) وذكر في البزازية في البيع الفاسد في القول السادس في بيع الوفاء انه صحيح قال لحاجة الناس فرارا من الربا فبلخ اعتادوا الدين والإجارة وهى لا تصح في الكرم وبخارى اعتادوا الإجارة الطويلة ولا تمكن في أو شجار فاضطروا إلى بيعها وفاء وما ضاق على الناس امر إلا اتسع حكمه انتهى نقله في الاشباه في فروع العرف الخاص (فإن قلت) قدمت عن الأشباه ان المشقة والحرج انما تعتبر في موضع لا نص فيه ولذا رد على أبي يوسف في تجويزه رعى حشيش الحرم للضرورة بأنه منصوص على خلافه (قلت) قد يجاب بأن النص على تحريم رعى الحشيش دليل على عدم الحرج فيه لان استثناءه - صلى الله تعالى عليه وسلم - الاذخر فقط للحرج دال على انه لا حرج فيما عداه بناء على ان ذلك حرج يسير يمكن الخروج عنه بمشقة يسيرة بخلاف مسئلتنا فإن تغيير ما اعتاده عامة أهل العصر في عامة بلاد الإسلام لا حرج فوقه ولا شك انه فوق الحرج الذي عفى لاجله عن بعض النجاساة المنهية بالنص كطين الشارع الغالب عليه النجاسة وكبول السنور في الثياب والبعر القليل في الآبار والمحلب لكن ذلك بتخصيص لادلة النجاسة
(1)
قوله لكن فيه شبهة الخ وجهه ان الروايات المشهورة في المذهب عن أئمتنا الثلاثة ان ما ورد النص بكونه مكيلا أو بكونه موزونا يجب اتباعه حتى لو تعارف الناس وزن الحنطة والشعير ونحوهما لا يصح بيعها إلا بالكيل لورود النص كذلك وما لم يرد فيه نص كالحديد والسمن والزيت يعتبر فيه عادة الناس وروى عن أبي يوسف اعتبار العرف على خلاف المنصوص عليه أيضا كما في الهداية وغيرها والمتبادر من هذا انه على هذه الرواية لو تغير العرف حتى صار المكيل موزونا والموزون مكيلا يعتبر العرف الطارى اما لو صار المكيل نصا يباع مجازفة لا يعتبر لما فيه من ابطال نصوص التساوى في الأموال الربوية المتفق على قبولها والعمل بها بين الأئمة المجتهدين منه.
ويمكن ادعاء ذلك هنا بأن يجعل العرف مخصصا لادلة اشتراط المعيار عما إذا كان في الزيادة منفعة لاحد المتعاقدين ولهذا لم تحرم الزيادة القليلة التي لا تدخل تحت المعيار الشرعى فيجوز الاستقراض بالعدد ولا يكون ربا على هذا الوجه وكذا البيع والإجارة ونحوهما ويدل عليه انهم قالوا ينصرف مطلق الثمن إلى النقد الغالب في بلد البيع وإن اختلفت النقود فسد ان لم يبين لوجود الجهالة المفضية إلى المنازعة والمراد باختلاف النقود اختلاف ماليتها مع الاستواء في الرواج كالبندقي والقايتباى والسليمي والمغربي والغورى في القاهرة الآن كذا في البحر ومثله في زماننا الجهادي المحمودي والعدلى فانهما مستويان في الرواج مختلفان في القيمة وكذا الفندقى القديم والجديد فإذا اشترى وسمى الفندقى ولم يبين فسد البيع لافضائه إلى المنازعة فإذا كانت العلة المنازعة بسبب اختلاف النوعين في المالية دل على انه إذا لم تلزم المنازعة لا فساد فإذا اشترى بالعدلى ولم يبين ان المراد منه القديم أو الجديد لا يضر لتساويهما في المالية وإن اختلفا في الوزن وهكذا يقال في الإجارة وغيرها (ويدل) على ذلك انهم صرحوا بفساد البيع بشرط لا يقتضيه العقد وفيه نفع لاحد العاقدين واستدلوا على ذلك بنهيه - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن بيع وشرط وبالقياس واستثنوا من ذلك ما جرى به العرف كبيع نعل على ان يحذوها البائع قال في منح الغفار فإن قلت إذا لم يفسد الشرط المتعارف العقد يلزم ان يكون العرف قاضيا على الحديث قلت ليس بقاض عليه بل على القياس لان الحديث معلول بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة والعرف ينفى النزاع فكان موافقا لمعنى الحديث ولم يبق من الموانع إلا القياس والعرف قاض عليه انتهى فهذا غاية ما وصل إليه فهمى في تقرير هذه المسألة والله تعالى اعلم
(1)
(ثم اعلم) ان هذا كله فيما إذا لم يغلب الغش على الذهب والفضة اما إذا غلب فلا كلام في جواز استقراضها عددا بدون وزن اتباعا للعرف بخلاف ما إذ باعها بالفضة الخالصة فإنه لا يجوز إلا وزنا قال في الذخيرة البرهانية في الفصل التاسع من كتاب المداينات قال محمد رحمه الله تعالى في الجامع إذا كانت الدراهم ثلثها فضة وثلثاها صفر فاستقرض رجل منها
(1)
وهذا وإن كان فيه تكلف وخروج عن الظاهر ولكن دعى إليه الاحتراز عن تضليل الأمة وتفسيقها بأمر لا محيص عن الخروج عنه إلا بذلك قال الشاعر (إذا لم تكن إلا الاسنة مركبا* فما حيلة المضطر إلا ركوبها) على ان قواعد الشريعة تقتضيه فانها مبنية على التيسير لا على التشديد والتعسير وما خير صلى الله عليه وسلم بين امرين إلا اختار ايسرهما على امته ومن القواعد الفقهيه إذا ضاق الأمر اتسع
عددا وهي جارية بين الناس عددا بغير وزن فلا بأس به وإن لم تجر بين الناس إلا وزنا لم يجز استقراضها إلا وزنا لان الصفر متى كان غالبها كانت العبرة للصفر لكونه غالبا وتكون الفضة ساقطة الاعتبار لكونها مغلوبة وكون الصفر موزونا ما ثبت بالنص وما لم يثبت كيله ووزنه بالنص فالعبرة في ذلك لتعامل الناس فمتي تعاملوه موزونا فلا يجوز استقراضه إلا وزنا كالذهب والفضة ومتى تعاملوه عددا كان عددا فلا يجوز استقراضه إلا عددا فقد اسقط محمد رحمه الله تعالى اعتبار الفضة في القرض متى كانت مغلوبة ولم يسقط في حق جواز البيع فقال لا يجوز بيعها بالفضة الخالصة إلا على سبيل الاعتبار وإنما كان كذلك لان القرض اسرع جوازا من البيع لانه مبادلة صورة تبرع حكما والربا انما يتحقق في البيع لا في التبرع فاعتبر الفضة المغلوبة في البيع دون القرض للضيق حال البيع وسعة حال التبرع ولتظهر مزية البيع على القرض فإن كانت الدراهم ثلثاها فضة وثلثها صفر لا يجوز استقراضها إلا وزنا وإن تعامل الناس التبايع بها عددا لان الفضة إذا كانت غالبة بمنزلة ما لو كان الكل فضة لكنها زيف ولو كانت كذلك لا يجوز استقراضها إلا وزنا وإن تعامل الناس التبايع بها عددا كذلك ههنا وإن كانت الدراهم نصفها فضة ونصفها صفر لم يجز استقراضها إلا وزنا على كل حال لانه لم يسقط اعتبار واحد منهما لان إسقاط اعتبار واحد منهما انما يكون حال كونه مغلوبا ولم يوجد فوجب اعتبار غيره وإذا وجب اعتبارهما لم يجز الاستقراض في حق الفضة إلا وزنا وإذا تركوا ذلك بطل الاستقراض في الفضة فيبطل في الصفر ضرورة انتهى هذا كله في الاستقراض وفى بيعها بالفضة الخالصة واما إذا اشترى بها أي بالمغشوشة متاعا فقال في الذخيرة أيضا في الفصل السادس من كتاب البيوع قال في الجامع وإذا كانت الدراهم ثلثاها صفر وثلثها فضة فاشترى بها متاعا وزنا جاز على كل حال ولا تتعين تلك الدراهم وإن اشترى بها بغير عينها عددا وهى بينهم وزنا فلا خير فيه لان قوله اشتريت بكذا درهما ينصرف إلى الوزن لانهم إذا تعاملوا الشراء بها وزنا لا عددا تقررت الصفة الاصلية للدراهم وهى الوزن وصارت العبرة للوزن والثمن إذا كان موزونا فإنما يصير معلوما باحد أمرين اما بذكر الوزن أو بالاشارة إليه ولم يوجد شيء من ذلك فكان الثمن مجهولا جهالة توقعهما في المنازعة لان فيها الخفاف والثقال والثقل معتبر عند الناس حيث تعاملوا الشراء بها وزنا وإن اشترى بها بعينها عددا فلا بأس وإن تعاملوا المبايعة بها وزنا لان جهالة الوزن في المشار إليه لا تمنع جواز البيع وإن كانت بينهم عددا فاشترى بها بغير عينها عددا جاز وإن كان فيها الخفاف والثقال لانهم متى تعاملوا بها عددا لا وزنا فالجهالة من حيث الثقل والخفة لا توقعهما
في المنازعة فلا يمنع الجواز وإن كان ثلثاها فضة وثلثها صفر فهي بمنزلة الدراهم الزيوف والنبهرجة أن لم تكن مشارا إليها لا يجوز الشراء إلا وزنا كما لو كان الكل فضة زيفا ولهذا لم يجز استقراضها إلا وزنا وإن كانت مشارا إليها يجوز الشراء بها من غير وزن وإن كانت نصفها فضة ونصفها صفر فالجواب كما لو كان ثلثاها صفر أو ثلثها فضة لان عند الاستواء لا تصير الفضة تبعا للصفر فلا يجوز الشراء في حق الفضة إلا بطريق الوزن وكذا في حق الصفر اهـ (اقول) وبهذا حصل نوع تخفيف في القضية فإن دراهم زماننا كثير منها غشه غالب على فضته فيجوز الشراء بها عددا سواء كانت بعينها أي مشار إليها اولا (وهذا) إذا اشترى بها عروضا واما لو شرى بها فضة خالصة فلا يجوز إلا وزنا كما مر واما لو شرى بها من جنسها فقال في الذخيرة أيضا بعد ما مر وإذا كانت هذه الدراهم صنوفا مختلفة منها ما ثلثاها فضة ومنها ثلثاها صفر ومنها نصفها فضة فلا بأس ببيع إحداها بالآخر متفاضلا يدا بيد بصرف فضة هذا إلى صفر ذاك وبالعكس كما لو باع صفرا وفضة بصفر وفضة ولا يجوز نسيئة لانه يجمعهما الوزن وهما ثمنان فيحرم النسأ واما إذا باع جنسا منها بذلك الجنس متفاضلا فلو الفضة غالبة لا يجوز لان المغلوب ساقط الاعتبار فكان الكل فضة فلا يجوز إلا مثلا بمثل ولو الصفر غالبا أو كانا على السواء جاز متفاضلا صرف للجنس إلى خلافه ويشترط كونه يدا بيدو على هذا قالوا إذا باع من العدليات التي في زماننا واحدا باثنين يجوز يدا بيد هذه الجملة من الجامع الكبير انتهى ملخصا (بقى) هنا شيء ينبغى التنبيه عليه أيضا وقد ذكرته في رسالتي المسماة تنبيه الرقود في احكام النقود وهو انه قد شاع أيضا في عرف البلاد الشامية وغيرها أنهم يتبايعون بالقروش وهى قطع معلومة من الفضة كان كل واحدة منها بأربعين مصرية ثم زادت قيمتها الآن على الأربعين وبقى عرفهم على اطلاق القرش ويريدون به أربعين مصرية كما كان في الأصل ولكن لا يريدون عين القرش ولا عين المصريات بل يطلقون القرش وقت البيع ويدفعون بمقدار ما سموه في العقد اما من المصريات أو من غيرها ذهبا أو فضة فصار القرش عندهم بيانا لمقدار الثمن من النقود الرائجة على السواء المختلفة المالية لا لبيان نوعه ولا لبيان جنسه فيشترى احدهم بمائة قرش ثوبا مثالا ويدفع بمقابلة كل قرش أربعين مصرية أو يدفع من القروش الصحاح العتيقة وتساوى الآن مائة وعشرين مصرية فيدفع كل قرش منها بدل ثلاثة قروش أو من الجديدة السليمية وتساوى الآن مائة مصرية بدل قرشين ونصف قرش أو من الجديدة المحمودية وتساوى الآن سبعين مصرية فيدفعها بدل قرش ونصف
وربع أو يدفع من الريال أو من الذهب على اختلاف أنواعه المتساوية في الرواج بقيمته المعلومة من المصريات هكذا شاع في عرفهم من كبير وصغير وعالم وجاهل ولا يفهمون عند الاطلاق غيره وإذا ارادوا نوعا خاصا عينوه فيقول احدهم بعتك كذا بمائة قرش من الذهب الفلاني أو الريال الفلاني ولا يفهم احدهم انه إذا اشترى بالقروش واطلق ان يكون الواجب عليه دفع عينها فقد صار ذلك عندهم عرفا قوليا وهو مخصص كما قدمناه عن التحرير (وقد) رأيت بفضل الله تعالى في القنية نظير هذا حيث قال في باب المتعارف بين التجار كالمشروط برمز علاء الدين الترجماني باع شيئا بعشرة دنانير واستقرت العادة في ذلك البلد أنهم يعطون كل خمسة اسداس مكان الدينار فاشتهرت بينهم فالعقد ينصرف إلى ما يتعارفه الناس فيما بينهم في تلك التجارة ثم رمز لفتاوى أبي الفضل الكرماني جرت العادة فيما بين أهل خوارزم انهم يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودي أو ثلثي دينار وطسوج نيسابورية قال يجرى على المواضعة ولا تبقى الزيادة دينا عليهم انتهى (فهذا) نص فقهى في اعتبار العرف بذكر الدينار ودفع اقل منه وزنا مما يساوى قيمته فلم يتعين المذكور في العقد اعتبارا للعرف كالقرش في عرفنا إلا ان القرش في عرفنا يراد به ما يساوى قيمته من الفضة أو الذهب بانواعهما المختلفة في القيمة المتساوية في الرواج والاختلاف في القيمة مع التساوى في الرواج وإن كان مانعا من صحة البيع لكن ذاك فيما يؤدى إلى الجهالة بأن كان يلزم منه اختلاف الثمن كما إذا اشترى بالفندقى ولم يقيده بالقديم أو الجديد فإن القديم الآن بخمسة وعشرين قرشا والجديد بعشرين قرشا فالبائع يطلب القديم والمشترى يريد دفع الجديد فيؤدى إلى جهالة الثمن والمنازعة فلا يصح بخلاف ما إذا قال اشتريته بعشرين قرشا مثلا ودفع الفندقى الجديد مثلا أو غيره بقيمته المعلومة وقت العقد مما هو رائج فإنه لا جهالة ولا منازعة فيه اصلا للعلم بأن المراد بالقرش ليس عينه بل ما يساويه في القيمة من أي نقد كان لان المدار على معرفة مقدار الثمن ورفع الجهالة والمنازعة وذلك حاصل فيما ذكر ولكن لو كان الغالب الغش على كل دراهم زماننا لم يبق اشكال في المسئلة اصلا وإنما يبق الاشكال من حيث ان بعضها فضة غالبة وهذه لا يجوز دفعها إلا وزنا فنحتاج إلى القول بالعرف للضرورة على ما قررناه سابقا والله تعالى اعلم (فإن قلت) ان ما قدمته من ان العرف العام يصلح مخصصا للأثر ويتراك به القياس انما هو فيما إذا كان عاما من عهد الصحابة ومن بعدهم بدليل ما قالوا في الاستصناع ان القياس عدم جوازه لكنا تركنا القياس بالتعامل به من غير نكير من أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من علماء كل عصر وهذا حجة يترك
به القياس (قلت) من نظر إلى فروعهم عرف ان المراد به ما هو اعم من ذلك إلا ترى انه نهى عن بيع وشرط وقد صرح الفقهاء بأن الشرط المتعارف لا يفسد البيع كشراء نعل على ان يحذوها البائع أي يقطعها* ومنه مالو شرى ثوبا أو خفا خلقا على ان يرقعه البائع ويخرزه ويسلمه فانهم قالوا يصح للعرف فقد خصصوا الأثر بالعرف وإنما يصح دعواك تخصيص العرف العام بما ذكرته إذا ثبت ان ما ذكر من هذا المسائل ونحوها كان العرف فيها موجودا زمن المجتهدين من الصحابة وغيرهم والا فيبقى على عمومه مرادا به ما قابل العرف الخاص ببلدة واحدة وهو ما تعامله عامة أهل البلاد سواء كان قديما أو حديثا (ويدل عليه) ما قدمناه عن الذخيرة في رد ما قاله بعض مشايخ بلخ من اعتبارهم عرف بلخ في بيع الشرب ونحوه بأن عرف أهل بلدة واحدة لا يترك به القياس ولا يخص به الاثر ولو كان المراد بالعرف ما ذكرته لكان حق الكلام في الرد عليهم ان يقال ان العرف الحادث لا يترك به القياس الخ فليتأمل ولو سلم ان المراد بالعرف العام ما ذكرته فاعتبار العرف الخاص ببلدة واحدة قول في المذهب والقول الضعيف يجوز العمل به عند الضرورة كما بينته في آخر شرح المنظومة والله تعالى اعلم بل ذكر في فتح القدير مسألة شراء النعل على ان يحذوها البائع انه يجوز البيع استحسانا ويلزم الشرط للعامل ثم قال ومثله في ديارنا شراء القبقاب على ان يسمر له سيرا انتهى فهذا عرف حادث وخاص أيضا إذ كثير من البلاد لا يلبس فيها القبقاب وقد جعله معتبرا مخصصا للنص الناهي عن بيع بشرط {الباب الثاني} فيما إذا خالف العرف ما هو ظاهر الرواية فنقول اعلم ان المسائل الفقهية اما ان تكون ثابتة بصريح النص وهي الفصل الأول واما ان تكون ثابته بضرب اجتهاد وراي وكثير منها ما يبنيه المجتهد على ما كان في عرف زمانه بحيث لو كان في زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله اولا ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد انه لابد فيه من معرفة عادات الناس فكثير من الاحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف اهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقى الحكم على ما كان عليه أو لا للزم منه المشقة والضرر بالناس ويخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد لبقاء العالم على اتم نظام واحسن احكام ولهذا ترى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به اخذا من قواعد مذهبه (فمن ذلك) افتاؤهم بجواز الاستيجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر
الأول ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين فافتوا باخذ الأجرة على التعليم وكذا على الإمامة والاذان كذلك مع ان ذلك مخالف لما اتفق عليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من عدم جواز الاستيجار واخذ الأجرة عليه كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقرأة القرآن ونحو ذلك (ومن ذلك) قول الامامين بعدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة مع مخالفته لما نص عليه أبو حنيفة بناء على ما كان في زمنه من غلبة العدالة لأنه كان في الزمن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية وهما ادركا الزمن الذي فشى فيه الكذب وقد نص العلماء على ان هذا الاختلاف اختلاف عصر واوان لا اختلاف حجة وبرهان (ومن ذلك) تحقق الاكراه من غير السلطان مع مخالفته لقول الامام بناء على ما كان في زمنه من ان غير السلطان لا يمكنه الاكراه ثم كثر الفساد فصار يتحقق الاكراه من غيره فقال محمد رحمه الله باعتباره وافتى به المتأخرون لذلك (ومن ذلك) تضمين الساعى مع مخالفته لقاعدة المذهب من ان الضمان على المباشر دون المتسبب ولكن افتوا بضمانه زجرا بسبب كثرة السعاة المفسدين بل افتوا بقتله زمن الفترة (ومن ذلك) مسائل كثيرة كتضمين الاجير المشترك* وقولهم ان الوصى ليس له المضاربة بمال اليتيم في زماننا * وافتائيهم بتضمين الغاصب عقار اليتيم والوقف* وبعدم اجارته أكثر من سنة في الدور واكثر من ثلاث سنين في الاراضى مع مخالفته لأصل المذهب من عدم الضمان وعدم التقدير بمدة* ومنع النساء عما كن عليه في زمن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - من حضور المساجد لصلاة الجماعة* وافتائيهم بمنع الزوج من السفر بزوجته وإن اوفاها المعجل لفساد الزمان* وعدم قبول قوله انه استثنى بعد الحلف بطلاقها إلا ببينة لفساد الزمان مع ان ظاهر الرواية خلافه* وعدم تصديقها بعد الدخول بها بأنها لم تقبض المشروط تعجيله من المهر مع أنها منكرة للقبض وقاعدة المذهب ان القول للمنكر لكنها في العادة لا تسلم نفسها قبل قبضه* وكذا قولهم في قوله كل حل على حرام يقع به الطلاق للعرف قال مشايخ بلخ وقول محمد لا يقع إلا بالنية أجاب به علي عرف ديارهم اما في عرف بلادنا فيريدون به تحريم المنكوحة فيحمل عليه انتهى قال العلامة قاسم ومن الألفاظ المستعملة في هذا في مصرنا الطلاق يلزمنى والحرام يلزمنى وعلى الطلاق وعلى الحرام انتهى* وكذا قولهم المختار في زماننا قول الامامين في المزارعة والمعاملة والوقف لمكان الضرورة والبلوى وافتى كثير منهم بقول محمد بسقوط الشفعة إذا اخر طلب التملك شهرا دفعا للضرر
عن المشترى* وبرواية الحسن بأن الحرة البالغة العاقلة لو زوجت نفسها من غير كفؤ لا يصح لفساد الزمان * وافتاؤهم بالعفو عن طين الشارع للضرورة * وببيع الوفاء * وبالاستصناع * وكذا الشرب من السقا بلا بيان قدر الماء* ودخول الحمام بلا بيان مدة المكث وقدر الماء ونحو ذلك من المسائل التي اختلف حكمها لاختلاف عادات أهل الزمان واحوالهم التي لابد للمجتهد من معرفتها وهى كثيرة جدا لا يمكن استقصاؤها وسنذكر نبذة يسيرة مهمة منها (ويقرب) من ذلك مسائل كثيرة أيضا حكموا فيها قرائن الأحوال العرفية كمسألة الاختلاف في الميزاب وماء الطاحون* وكذا الحكم بالحائط لمن له اتصال تربيع ثم لمن له عليه اخشاب لانه قرينة على سبق اليد* وتجويزهم الشهادة بالملك لمن رأيت بيده شيئا يتصرف به وبالزوجية لمن يتعاشران معاشرة الازواج* وكذا مسألة اختلاف الزوجين في امتعة البيت يجعل القول لكل واحد منهما في الصالح له وللزوج في غيره* وتحكيم سمة الإسلام وسمة الكفر في الركاز وفي الصلاة على القتلى في الحرب مع الكفار* وعدم سماع الدعوى ممن عرف بحب المردان على تابعه الأمر بمال كما افتى به المولى أبو السعود والتمرتاشي والرملى* وحبس المتهم بقتل ونحوه عند ظهور الامارات وجواز الدخول بمن زفت إليه ليلة العرس وإن لم يشهد عدلان بأنها زوجته* وقبول الهدية على يد الصبيان أو العبيد* واكل الضيف من طعام وضعه المضيف بين يديه والتقاط ما ينبذ في الطريق من نحو قشور البطيخ والرمان* والشرب من الحباب المسبلة* وعدم جواز الوضوء منها * وعدم سماع الدعوى ممن سكت بعد اطلاعه على بيع جاره أو قريبه دارا مثلا* وعدم سماعها ممن سكت أيضا بعد رؤيته ذا اليد يتصرف في الدار تصرف الملاك من هدم وبناء (ومنها) ما في اخر باب التحالف من البحر عن خزانة إلا كمل وكذا في التنوير رجل فقير بيده في بيته غلام معه بدرة فيها عشرون الفا فادعاه موسر معروف باليسار فهو للموسر* وكذا كناس في منزل رجل وعلى عنقه قطيفة فهى لصاحب المنزل* وكذا رجلان في سفينة فيها دقيق واحدهما بياع دقيق والآخر سفان فالدقيق للأول والسفينة للثانى* وكذا رجل يعرف ببيع شيء دخل منزل رجل ومعه شيء من ذلك فادعياه فهو للمعروف ببيعه انتهى* وكذا ما في كتب الفتاوى رجل دخل منزل رجل فقتله رب المنزل وقال انه داعر دخل ليقتلنى فلا قصاص لو الداخل معروفا بالدعارة لكن في البزازية وتجب الدية استحسانا لان دلالة الحال اورثت شبهة في القصاص لا في المال* وكذا ما في شرح السير
الكبير للسرخسى لو وجد مع مسلم خمر وقال اريد تحليله أو ليس لي فإن كان دينا لا يتهم خلى سبيله لان ظاهر حاله يشهد له والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه اهـ وامثال ذلك من المسائل التي عملوا فيها بالعرف والقرائن ونزل ذلك منزلة النطق الصريح اكتفاء بشاهد الحال عن صريح المقال واليه الإشارة بقوله تعالى (ان في ذلك لايات للمتوسمين) وقوله تعالى (وشهد شاهد من اهلها ان كان قميصه الآية)(وذكر) العلامة المحقق أبو اليسر محمد بن الغرس في الفواكه البدريه في الفصل السادس في طريق القاضي إلى الحكم ان من جملة طرق القضاء القرائن الدالة على ما يطلب الحكم به دلالة واضحة بحيث تصيره في حيز المقطوع به فقد قالوا لو ظهر إنسان من دار ومعه سكين في يده وهو متلوث بالدماء سريع الحركة عليه اثر الخوف فدخلوا الدار في ذلك الوقت على الفور فوجدوا بها انسانا مذبوحا بذلك الحين وهو ملطخ بدمائه ولم يكن في الدار غير ذلك الرجل الذي وجد بتلك الصفة وهو خارج من الدار يؤخذ به وهو ظاهر إذ لا يمترى أحد في انه قاتله والقول بأنه ذبح نفسه أو ان غير ذلك الرجل قتله ثم تسور الحائط فذهب احتمال بعيد لا يلتفت إليه إذ لم ينشأ عن دليل انتهى (فإن قلت) العرف يتغير ويختلف باختلاف الازمان فلو طرأ عرف جديد هل للمفتى في زماننا ان يفتى على وفقه ويخالف المنصوص في كتب المذهب وكذا هل للحاكم الآن العمل بالقران (قلت) مبنى هذه الرسالة على هذه المسألة فاعلم ان المتأخرين الذين خالفوا المنصوص في كتب المذهب في المسائل السابقة لم يخالفوه إلا لتغير الزمان والعرف وعلمهم ان صاحب المذهب لو كان في زمنهم لقال بما قالوه
(1)
مما يستخرج به الحق من ظالم أو يدفع دعوى متعنت ونحوه بعدم سماع دعواه أو بحبسه أو نحوه ولكن لابد لكل من المفتى والحاكم من نظر سديد* واشتغال مديد ومعرفة بالاحكام الشرعية والشروط المرعية* فإن تحكيم القرائن غير مطرد إلا ترى لو ان مغربيا تزوج بمشرقية وبينهما أكثر من ستة أشهر فجاءت بولد لستة أشهر ثبت نسبه منه لحديث الولد للفراش مع ان تصور الاجتماع بينهما بعيد جدا لكنه ممكن بطريق الكرامة أو الاستخدام فإنه واقع كما في فتح القدير وكذا لو ولدت الزوجة ولدا اسود وادعاه رجل اسود يشبه الولد من كل وجه فهو لزوجها الابيض ما لم يلاعن وحديث
(1)
وقد سمعناك ما فيه الكفاية من اعتبار العرف والزمان واختلاف الاحكام باختلافه فللمفتى الآن ان يفتى على عرف أهل زمانه وإن خالف زمان المتقدمين وكذا للحاكم العمل بالقرائن في امثال ما ذكرناه حيث كان امرا ظاهر منه.
ابن زمعة في ذلك مشهور والقرائن مع النص لا تعتبر* وكذا لو كتب بخطه صكا بمال عليه لزيد فادعى زيد بما في الصك فأنكر المال لا يثبت عليه وإن أقر بأن الخط خطه كما صرحوا به لان حجج الاثبات ثلاثة البينة والإقرار والنكول عن اليمين والخط ليس واحدا منها وخطه وإن كان ظاهرا في صدق المدعى لكن الظاهر يصلح للدفع لا للاثبات على انه كثيرا ما يكتب الصك قبل أخذه المال* وكذا لو شهد الشاهدان بخلاف ما قامت عليه القرينة فالمعتبر هو الشهادة ما لم يكذبها الحس كما لو شهدا بأن زيدا قتل عمرا ثم جاء عمرو حيا أو ان الدار الفلانيه أجرة مثلها كذا وكل من رآها يقول ان اجرتها أكثر* وقد يتفق قيام قرينة على امر مع احتمال غيره احتمالا قريبا كما لو راي حجرا منقورا على باب دار كتب عليه وقفية الدار لا يثبت كونها وقفا بمجرد ذلك كما صرحوا به لاحتمال ان من بناها كتب ذلك واراد ان يقفها ثم عدل عن وقفها أو مات قبله أو وقفها لكن استحقها مستحق اثبت انها ملكه أو كانت تهدمت واستبدلت أو لم يحكم حاكم بوقفها فحكم آخر بصحة بيعها أو غير ذلك الاحتمالات الظاهرة التي لا يثبت معها نزع الدار من المتصرف بها تصرف الملاك من غير منازع مدة مديدة فانهم صرحوا بأن التصرف القديم من اقوى علامات الملك وقال الامام أبو يوسف في كتاب الخراج وليس للامام ان يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف انتهى فلذا كان الحكم بالقرائن محتاجا إلى نظر سديد * وتوفيق وتأييد* وعن هذا قال بعض العلماء المحققين لابد للحاكم من فقه في احكام الحوادث الكلية وفقه في نفس الواقع واحوال الناس يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطى الواقع حكمه من الواجب ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع انتهى* وكذا المفتي الذي يفتى بالعرف لابد له من معرفة الزمان واحوال اهله ومعرفة ان هذا العرف خاص أو عام وانه مخالف للنص أو لا ولابد له من التخرج على استاذ ماهر ولا يكفيه مجرد حفظ المسائل والدلايل فإن المجتهد لابد له من معرفة عادات الناس كما قدمناه فكذا المفتى ولذا قال في آخر منية المفتى لو ان الرجل حفظ جميع كتب اصحابنا لابد ان يتلمذ للفتوى حتى يهتدى إليها لان كثيرا من المسائل يجاب عنه على عادات أهل الزمان فيما لا يخالف الشريعة انتهى وقريب منه ما نقله في الأشباه عن البزازية من ان المفتى يفتى بما يقع عنده من المصلحة (وقال) في فتح القدير في باب ما يوجب القضاء والكفارة من كتاب الصوم عند قول الهداية ولو أكل لحما بين اسنانه لم يفطر وإن كان كثيرا يفطر وقال زفر يفطر في الوجهين انتهى ما نصه والتحقيق ان المفتى في الوقائع
لابد له من ضرب اجتهاد ومعرفة باحوال الناس وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر إلى صاحب الواقعة ان كان ممن يعاف طبعه ذلك أخذ بقول أبي يوسف وإن كان ممن لا أثر لذلك عنده أخذ بقول زفر انتهى (اقول) وهذا قريب ما قاله أبو نصر محمد بن سلام من كبار أئمة الحنفية وبعض ائمة المالكية في افطار السلطان في رمضان أنه يفتى بصيام شهرين لان المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه افطار شهر واعتاق رقبة فلا يحصل الزجر انتهى* وفي تصحيح العلامة قاسم فإن قلت قد يحكون اقوالا من غير ترجيح وقد يختلفون في التصحيح قلت يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف واحوال الناس وما هو الارفق بالناس وما ظهر عليه التعامل وما قوى وجهه ولا يخلو الوجود من تمييز هذا حقيقة لا ظنا بنفسه ويرجع من لم يميز إلى من يميز انتهى (وقد) قالوا يفتى بقول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء لكونه جرب الوقائع وعرف أحوال الناس* وفى البحر عن مناقب الامام محمد رحمه الله تعالى للكردرى كان محمد يذهب إلى الصباغين ويسأل عن معاملتهم وما يديرونها فيما بينهم انتهى (وفى) اخر الحاوى القدسى ومتى كان قول أبي يوسف ومحمد يوافق قول أبي حنيفة لا يتعدى عنه إلا فيما مست إليه الضرورة* وعلم انه لو كان أبو حنيفة رأى ما رأوا لافتى به انتهى (وقد) صرحوا بأن قرأة الختم في صلاة التراويح سنة قال في الدر المختار لكن في الاختيار الافضل في زماننا قدر ما لا يثقل عليهم وأقره المصه وغيره وفى فضائل رمضان للزاهدى افتى أبو الفضل الكرماني والوبرى انه إذا قرأ في التراويح الفاتحة واية أو ايتين لا يكره ومن لم يكن عالما باهل زمانه فهو جاهل انتهى وصرحوا في المتون وغيرها من كتب ظاهر الرواية بأن رمضان يثبت بخبر عدل ان كان في السماء علة والا فلابد من جمع عظيم لان انفراد الواحد والاثنين مثلا برؤية الهلال مع توجه أهل البلد طالبين لما توجه هو له ظاهر في غلطه بخلاف ما إذا كان في السماء علة لاحتمال انه رآه بين السحاب ثم غطاء السحاب فلم يره بقية أهل البلد فلم يكن فيه دليل الغلط وروى الحسن عن الامام قبول الواحد والاثنين مطلقا قال في البحر ولم ار من رجح هذه الرواية وينبغى العمل عليها في زماننا لان الناس تكاسلوا عن ترائ الاهلة فانتفى قولهم مع توجههم طالبين لما توجه هو له فكان التفرد غير ظاهر في الغلط انتهى ولا يخفى انه كلام وجيه خصوصا في زماننا هذا فإنه لو توقف ثبوته على الجمع العظيم لم يثبت إلا بعد يومين أو ثلاثة لما نرى من اهمالهم ذلك بل نرى من يشهد برؤيته كثيرا ما يحصل له الضرر من الناس من الطعن في شهادته والقدح في ديانته لانه
كان سببا لمنعهم عن شهواتهم ومن جهل باهل زمانه فهو جاهل فجزاه الله عن أهل هذا الزمان خيرا (فهذا) كله وامثاله دلائل واضحة على ان المفتى ليس له الجمود على المنقول في كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان واهله والا يضيع حقوقا كثيرة ويكون ضرره اعظم من نفعه فانا نرى الرجل يأتي مستفتيا عن حكم شرعى ويكون مراده التوصل بذلك إلى اضرار غيره فلو اخرجنا له فتوى عما سئل عنه نكون قد شاركناه في الاثم لانه لم يتوصل إلى مراده الذي قصده إلا بسببنا مثلا إذا جاء يسأل عن اخت له في حضانة امها وقد انتهت مدة الحضانة ويريد اخذها من امها ونعلم أنه لو اخذها من امها لضاعت عنده وما قصده باخذها إلا اذية امها أو التوصل إلى الاستيلاء على ما لها أو ليزوجها لآخر ويتزوج بها بنته أو اخته وامثال ذلك فعلى المفتى إذا راى ذلك ان يحاول في الجواب ويقول له الاضرار لا يجوز ونحو ذلك (وقد) ذكر في البحر مسائل عن روض النووى وذكر انها توافق قواعد مذهبنا منها قوله فرع للمفتى ان يغلظ للزجر متأولا كما إذا سأله من له عبد عن قتله وخشى ان يقله جاز ان يقول ان قتلته قتلناك متأولا لقوله عليه الصلاة والسلام (من قتل عبده قتلناه) وهذا إذا لم يترتب على إطلاقه مفسدة انتهى
(1)
(فإن قلت) إذا كان على المفتى اتباع العرف وإن خالف
(1)
وكتبت في رد المحتار في باب القسامة فيما لو ادعى الولى على رجل من غير أهل المحلة وشهد اثنان منهم عليه لم تقبل عنده وقالا تقبل الخ نقل السيد الحموى عن العلامة المقدسى انه قال توقفت عن الفتوى بقول الامام ومنعت من اشاعته لما يترتب عليه من الضرر العام فإن من عرفه من المتمردين يتجاسر على قتل النفس في المحلات الحالية من غير اهلها معتمدا على عدم قبول شهادتهم عليه حتى قلت ينبغي الفتوى على قولهما لاسيما والاحكام تختلف باختلاف الايام اهـ وكتبت أيضا في رد المحتار في باب العشر والخراج في مسئلة ما إذا زرع صاحب الأرض ارضه ما هو ادنى مع قدرته على الاعلى قالوا وهذا يعلم ولا يفتى به كيلا يتجرى الظلمة على أخذ اموال الناس قال في العناية ورد بأنه كيف يجوز الكتمان ولو أخذوا كان في موضعه لكونه واجبا واجيب بانا لو فتينا بذلك لادعى كل ظالم في ارض شأنها ذلك انها قبل هذا كانت تزرع الزعفران مثلا فيأخذ خراج ذلك وهو ظلم وعدوان اهـ وكذا قال في فتح القدير قالوا لا يفتى بهذا لما فيه من تسليط الظلمة على اموال المسلمين إذ يدعى كل ظالم ان الأرض تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب اهـ منه
المنصوص عليه في كتب ظاهر الرواية فهل هنا فرق بين العرف العام والعرف الخاص كما في القسم الأول وهو ما خالف فيه العرف النص الشرعى (قلت) لا فرق بينهما هنا إلا من جهة أن العرف العام يثبت به الحكم العام والعرف الخاص يثبت به الحكم الخاص (وحاصله) ان حكم العرف يثبت على اهله عاما أو خاصا فالعرف العام في سائر البلاد يثبت حكمه على أهل سائر البلاد والخاص في بلدة واحدة يثبت حكمه على تلك البلدة فقط (ولهذا) قال العلامة السيد أحمد الحموى في حاشيته على الأشباه ما نصه قوله الحكم العام لا يثبت بالعرف الخاص يفهم منه ان الحكم الخاص يثبت بالعرف الخاص ومنه ما تقدم في الكلام على المدارس الموقوفة على درس الحديث ولا يعلم ان الواقف أراد قراة ما يتعلق بمعرفة المصطلح أو قراءة متن الحديث حيث قيل باتباع اصطلاح كل بلد انتهى يعنى ان كان واقف المدرسة في بلدة تعارف اهلها اطلاق المحدث على العالم بمصطلح الحديث أي بعلم اصوله كالنخبة ومختصر ابن الصلاح والفية العراقي يصرف الوقف إليه وإن تعارفوا إطلاقه على العالم بمتن الحديث كصحيح البخاري ومسلم يصرف إليه (وقدمنا) عن مشايخ بلخ انهم قالوا في كل حل على حرام ان محمدا قال لا يقع الطلاق إلا بالنية بناء على عرف دياره اما في عرف بلادنا فيقع فهذا صريح في اعتبار عرف بعض البلاد واعتبار العرف الحادث على عرف قبله (واصرح منه) انهم ذكروا في المتون وغيرها في باب الحقوق ان العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق هوله وبشراء منزل لا يدخل إلا بكل حق هو له لو بمرافقه ويدخل في الدار مطلقا فقال في البحر نقلا عن الكافي ان هذا التفصيل مبنى على عرف الكوفة وفى عرفنا يدخل العلو في الكل والاحكام تبتنى على العرف فيعتبر في كل اقليم وفي كل عصر عرف اهله انتهى (وفيه) في فصل ما يدخل في البيع تبعا ان السلم المنفصل لا يدخل في البيع في عرفهم وفى عرف القاهرة ينبغى دخوله مطلقا لان بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه انتهى واصله في فتح القدير وهو مأخوذ من قول الهداية في دخول المفتاح تبعا للغلق لانه لا ينتفع به إلا به (وفى) الأشباه حلف لا يأكل لحما حنث باكل الكبد والكرش على ما في الكنز مع انه لا يسمى لحما عرفا ولذا قال في المحيط انه انما يحنث على عادة أهل الكوفة واما في عرفنا فلا يحنث لانه لا يعد لحما انتهى وهو حسن جدا ومن هنا وامثاله علم ان العجمي يعتبر عرفه قطعا ومن هنا قال الزيلعي في قول الكنز والواقف على السطح داخل ان المختار ان لا يحنث في العجم لانه لا يسمى داخلا
عندهم انتهى كلام الأشباه (وفيها) أيضا عن منية المفتى دفع غلامه إلى حائك مدة معلومة لتعليم النسج ولم يشرط الاجر على أحد فلما علم العمل طلب الأستاذ الاجر من المولى والمولى من الأستاذ ينظر إلى عرف أهل تلك البلدة في ذلك العمل الخ (وفيها) أيضا لو باع التاجر في السوق شيأ بثمن ولم يصرحا بحلول ولا تأجيل وكان المتعارف فيما بينهم ان البائع يأخذ كل جمعة قدرا معلوما انصرف إليه بلا بيان قالوا لان المعروف كالمشروط انتهى (ولا شك) ان هذا لم يتعارف في كثير من البلاد فاعتبر فيه عرف أهل ذلك السوق الخاص مع ان المنصوص عليه في كتب المذهب حلول الثمن ما لم يشترط تأجيله (ومثله) ما صرح به أصحاب المتون كالكنز وغيره فيما لو حلف لا يأكل خبزا أو رأسا من ان الخبز ما اعتاده أهل بلده والرأس ما يباع في مصره وذكر الشراح ان على المفتى ان يفتى بما هو المعتاد في كل مصر وقع الخلف فيه وفي باب الربا من البحر عن الكافي والفتوى على عادة الناس (فهذه) النقول ونحوها دالة على اعتبار العرف الخاص وإن خالف المنصوص عليه في كتب المذهب ما لم يخالف النص الشرعى كما قدمناه وكيف يصح ان يقال لا يعتبر مطلقا مع ان كل متكلم انما يقصد ما يتعارفه (وفى) جامع الفصولين مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف انتهى (وفى) فتاوى العلامة قاسم التحقيق ان لفظ الواقف والموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب ولغة الشارع اولا انتهى
(1)
(اقول) وبما قررناه تبين لك ان ما تقدم عن الأشباه من ان المذهب عدم اعتبار العرف الخاص انما هو فيما إذا عارض النص الشرعى فلا يترك به القياس ولا يخص به الاثر بخلاف العرف العام كما مر تقريره فيما نقلناه عن الذخيرة في الباب الأول واما العرف الخاص إذا عارض النص المذهبي المنقول عن صاحب المذهب فهو معتبر كما مشى عليه أصحاب المتون والشروح والفتاوى في الفروع التي ذكرناها وغيرها وشمل العرف الخاص القديم والحادث كالعرف العام (وبما قررناه) أيضا اتضح لك معنى ما قاله في القنية واشرنا له في البيت السابق من انه ليس للمفتى ولا للقاضى ان يحكما بظاهر الرواية ويتركا العرف
(1)
وفي شرح السير الكبير للسرخسى الحاصل انه يعتبر في كل موضع عرف أهل ذلك الموضع فيما يطلقون عليه من الاسم أصله ما روي ان رجلا سأل ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ان صاحبا لنا اوجب بدنة افتجزيه البقرة فقال ممن صاحبكم فقال من بنى رباح فقال ومتى اقتنت بنو رباح البقر انما وهم صاحبكم الإبل اهـ منه.
والله تعالى أعلم (تنبيه) اعلم أن كلا من العرف العام والخاص إنما يعتبر إذا كان شائعًا بين أهله يعرفه جميعهم ولهذا نقل البيرى في شرح الأشباه عن المستصفى ما نصه التعامل العام أي الشائع المستفيض والعرف المشترك لا يصح الرجوع إليه. مع التردد انتهى (ثم) نقل عن المستصفى أيضا ما نصه ولا يصلح مقيدا لأنه لما كان مشتركا صار متعارضا انتهى (فقوله) التعامل العام يشمل العام مطلقا أي في جميع البلاد والعام المقيد أي في بلدة واحدة فكل منهما لا يكون عاما تبنى الأحكام عليه حتى يكون شائعا مستفيضا بين جميع أهله أما لو كان مشتركا فلا يبنى عليه الحكم للتردد في أن المتكلم قصد هذا المعنى أو المعنى الآخر فلا يتقيد أحد المعنيين لتعارضهما بتحقق الاشتراك (اقول) وينبغى تقييد ذلك بما إذا لم يغلب أحد المعنيين على الآخر كما يشعر به قوله والعرف المشترك فإن الاشتراك يقتضى تساوى المعنيين وكذا قوله صار متعارضا فإن المرجوح لا يعارض الراجح وإنما المتعارضان ما كانا متساويين أما لو كان أحدهما أشهر كانت الشهرة قرينة على إرادته (ولذا) قال في الأشباه إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت ولذا قالوا في البيع لو باع بدراهم أو دنانير وكانا في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الأغلب قال في الهداية لأنه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه انتهى فهذا صريح فيما قلناه والله تعالى أعلم (فصل) في ذكر بعض فروع مهمة مبنية على العرف (منها) ما في الذخيرة البرهانية وغيرها لو جهز ابنته فماتت فادعى أنه دفعه عارية لا ملكا فالقول للزوج لأن الظاهر التمليك وحكى عن السندى أنه للأب لأن اليد من جهته وقال الصدر الشهيد في واقعاته المختار للفتوى أن القول للزوج إذا كان العرف مستمرا أن الأب يدفع مثله جهارا لا عارية كما في ديارنا وإن كان مشتركا فالقول للأب انتهى (ومشى) عليه في التنوير من كتاب العارية وكذا في الأشباه وصرح أيضا بأن هذا التفصيل هو المختار للفتوى وحكى عن قاضى خان قولا رابعا وهو قوله وعندى أن الأب إن كان من كرام الناس وأشرافهم لم يقبل قوله وإن كان من الأوساط قبل انتهى (أقول) ويمكن التوفيق بأن القول الأول مبنى على استمرار العرف بقرينة قوله لأن الظاهر التمليك أي الظاهر في العرف والعادة المستمرة أما إذا لم يكن ذلك هو العادة المستمرة لم يكن التمليك ظاهرا بل كان القول لأب لأنه لا يعرف إلا من جهته وعلى هذا يحمل قول السغدى أنه للأب وأما ما ذكره قاضى خان فهو في الحقيقة بيان لموضع الاستمرار وموضع الاشتراك الواقعين في القول المختار للفتوى بإن استمرار دفعه جهازا لا عارية إنما هو فيما
إذا كان الأب من الاشراف وإن عدم الاستمرار انما هو فيما بين اوساط الناس (لكن) قد يقال ان الدفع عارية نادر بين الاوساط والعبرة للغالب كما حررناه آنفا و ح فقولهم وإن كان مشتركا فالقول للاب معناه إذا كان الاشتراك على سبيل التساوى. اما لو ترجح أحدهما كما هو الواقع في زماننا فيما بين أكثر الناس من الدفع تمليكا فالاظهر أن القول للزوج لان الشائع الغالب هو الظاهر والظاهر يصلح للدفع فتندفع به دعوى الأب انه عارية (لكن) بن هنا شيء وهو ان ظاهر كلامهم ان القول للزوج وإن صرح بدعوى التمليك مع ان التصريح بذلك إقرار بملك الأب ودعوى انتقاله إلى البنت ولا عبرة للظاهر مع الإقرار (ويدل) لذلك ما في البحر عن البدائع في مسئلة اختلاف الزوجين في متاع البيت من ان القول لكل منهما فيما يصلح له لان الظاهر شاهد له ما لم تقر المرأة بإن هذا المتاع اشتراه الزوج فإن اقرت بذلك سقط قولها لأنها اقرت بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة انتهى (ثم) قال وكذا إذا ادعت انها اشترته منه كما في الخانية ولا يخفى انه لو برهن على شرائه كان كاقرارها بشرائه منه فلابد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة ونحوها ولا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك دليلا على انه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام وقد افتيت بذلك مرار اهـ (اقول) وقد يجاب بالفرق بين المسئلتين بأن العرف المستمر في تمليك الأب الجهاز مصدق لدعوى التمليك فلم يعتبر ما استلزمته الدعوى من الإقرار اما مسئلة الامتعة فإن العرف المستمر فيها هو ملك المراة للصالح لها وهى لم تدع الملك حتى يكون العرف مصدقا لها بل ادعت التمليك الذي لا يصدقه العرف فاعتبر ما استلزمته دعواها من الإقرار (ونظيره) ما قالوا فيما لو ارسل إلى زوجته شيئا وادعى انه من المهر وادعت انه هدية فالقول له في غير المهيأ للأكل والقول لها في المهيأ له كخبز ولحم مشوى لان الظاهر يكذبه وكذا لو ادعت انه من المهر وادعى انه وديعة فإن كان من جنس المهر فالقول لها والا فله بشهادة الظاهر فقد حكموا الظاهر في المسئلتين لكن الثانية اشبه بمسئلتنا لان في الأولى اتفقا على التمليك واختلفا في صفته وفى الثانية ادعت المرأة التمليك وانكره وجعلوا القول لها عملا بالظاهر كما في مسئلة الجهاز والله تعالى اعلم (ومقتضى) هذا أنها لو ادعت المبعوث انه من الكسوة الواجبة عليه وهو من جنسها ان يكون القول قولها كما في المهر (وعلى) هذا فقوله في البحر ولا يكون استمتاعها بعشريه الخ ينبغى تقييده بنحو اثاث المنزل من نحو فراش وحصير واوان بخلاف ثياب البدن التي البسها
اياها فليس له اخذها منها كما قالوا فيما لو اتخذ لولده الكبير أو تلميذه ثيابا وسلمها إليه ليس له دفعها لغيره وكذا الصغير وإن لم يسلم إليه (ومنها) ما مر من دخول العلو في بيع البيت والمنزل والدار وإن لم يذكر بحقوقه ومرافقه بناء على العرف الحادث كما مر عن الكافي وإن ما في المتون من التفصيل مبنى على عرف الكوفة (اقول) وعلى هذا فما في المتون أيضا من ان الشرب لا يدخل في البيع بدون التصريح أو ذكر الحقوق مبنى على عرفهم أيضا ولا شك في دخوله في عرف ديارنا الشامية فإن الدار التي لها شرب يجرى إليها تزداد قيمتها زيادة وافرة وقد كنت ذكرت ذلك بحثا فيما علقته على البحر (ثم) قريبا من كتابتى لهذا المحل صارت هذه المسئلة واقعة الفتوى حيث باع رجل دارا عظيمة بصالحية دمشق مشتملة على مياه غزيرة يقصدها الامراء وكبار التجار المتنزه أيام الصيف والربيع فأراد البائع ان يمنع الماء عن الدار ليتوصل إلى مقابلة البيع مع المشترى لان الدار بدون الماء ربما لا تساوى نصف الثمن وتعلل بما ذكره الفقهاء من عدم الدخول بلا ذكر كل حق ونحوه (فاجبت) بأنه ليس له ذلك بناء على العرف (ثم) راجعت الذخيرة البرهانية في الفصل الخامس فيما يدخل تحت البيع من غير ذكره صريحا وما لا يدخل فرأيته قال بعدما ذكر مسئلة الشرب والطريق والبستان فالاصل ان ما كان في الدار من البناء أو كان متصلا به يدخل في بيعها من غير ذكر بطريق التبعية ومالا فلا إلا إذا كان شيئا جرى العرف فيه فيما بين الناس ان البائع لا يمنعه عن المشترى فح يدخل وإن لم يذكره في البيع والمفتاح يدخل استحسانا لا قياسا لأنه غير متصل بالبناء وقلنا بالدخول بحكم العرف والقفل والمفتاح لا يدخلان والسلم ان كان متصلا بالبناء يدخل والا فلا ومثله السرير انتهى ملخصا (فعلم) من قوله فقلنا بالدخول بحكم العرف ان ما نصوا على عدم دخوله انما لم يدخل لعدم التعارف بدخوله وانه لو جرى العرف بدخوله لدخل فالشرب لم يتعارفوا دخوله فقالوا انه لا يدخل والمفتاح تعارفوا دخوله فقالوا انه يدخل (ويدل) على ذلك انه بعد ان ذكر عدم دخول الشرب والطريق قال والاصل الخ فبين بذلك الأصل ان ما كان القياس عدم دخوله انما لا يدخل إذا لم يتعارف دخوله فإذا تعورف دخوله دخل لان العرف يعارض القياس ولذا دخل المفتاح فإذا تعورف دخول الشرب كما في زماننا يدخل (ويدل) على ذلك أيضا انهم نصوا على ان السلم الغير المتصل لا يدخل أي لعدم العرف انتهى فتأمل مع انه في الفتح والبحر صرحا بدخوله في البيت المبيع بالقاهرة دون غيرها لان بيوتهم طبقات
لا ينتفع بها إلا به كما قدمناه فإذا دخل السلم الذي نص الفقهاء صريحا على عدم دخوله اعتبارا للعرف الخاص باهل القاهرة لانه لا ينتفع بالبيت إلا به مع ان المشترى يمكنه ان يعمل سلما لنفسه بقيمة يسيرة فما بالك بالشرب الذي لو أراد المشترى ان يجرى بدله شربا آخر يحتاج إلى ان ينفق قدر قيمة الدار أو أكثر انه لائتلاف أهل ديارنا على جريان المياه في دورهم لا يمكنهم الانتفاع بالدار إلا بمائها والدار التي لا ماء لها لا يسكنها غالبا إلا العاجز عن شراء دار لها ماء جار ولا سيما إذا كانت الدار معدة للتنزه مثل الدار المذكورة في الحادثة فإن اعظم المقاصد من سكناها التنزه بمائها الغزير ولذا بنيت هذه الدار في احسن موضع من صالحية دمشق هو اكثرها ماء واعدلها هواء فلا ينبغى التردد في دخول مائها تبعا لها والله تعالى اعلم (ومنها) أنهم قالوا الحلف بالعربية في الفعل المضارع المثبت لا يكون إلا بحرف التأكيد وهو اللام والنون كقوله والله لا فعلن كذا حتى لو قال والله افعل كذا كانت يمينه على النفى وتكون لا مضمرة كما في تالله تفتئو تذكر يوسف فكأنه قال والله لا افعل لا متناع حذف حرف التوكيد في الاثبات بخلاف حرف النفى قال شيخ الإسلام العلامة المحقق الشيخ على المقدسى في شرحه على نظم الكنز فعلى هذا أكثر ما يقع من العوام لا يكون يمينا لعدم اللام والنون فلا كفارة عليهم فيها انتهى أي لا يكون يمينا على الاثبات فلا كفارة عليهم إذا تركوا ذلك الشئ. ثم قال لكن ينبغى ان تلزمهم لتعارف الحلف بذلك * ويؤيده ما نقلناه عن الظهيرية انه لو سكن الهاء أو رفع أو نصب بالله يكون يمينا مع ان العرب ما نطقت بغير الجرانتهى قال العلامة الشيخ إبراهيم الحلبى في حاشيته على الدر المختار وقول بعض الناس انه يصادم المنقول في المذهب يجاب عنه بأن المنقول في المذهب كان على عرف صدر الإسلام قبل ان تتغير اللغة واما الآن فلا يأتون باللام والنون في مثبت القسم اصلا ويفرقون بين الاثبات والنفى بوجود لا وعدمها وما اصطلاحهم على هذا إلا كاصطلاحهم لغة الفرس ونحوها في الايمان لمن تدبر انتهى (قلت) وكهذه المسئلة ما ذكره في البحر في باب التعليق ان جواب الشرط يجب اقترانه بالفاء إذا وقع جملة اسمية أو فعلية فعلها طلبى أو جامد أو مقرون بما أو قد أو لن أو تنفيس أو القسم أو رب فلا يتحقق التعليق إلا بالفاء في هذه المواضع إلا ان يتقدم الجواب فيتعلق بدونها على ان الأول هو الجواب عند الكوفيين أو دليل الجواب عند البصريين فلو لم يأت بالفاء في موضع وجوبها كان منجزا كان دخلت الدار انت طالق فإن نوى تعليقه دين وكذا ان نوى تقديمه وعن أبي يوسف انه يتعلق حملا لكلامه على الفائدة فتضمر الفاء بناء على
قول الكوفيين بجواز حذفها اختيارا ومنعه أهل البصرة وعليه تفرع المذهب واورد على البصريين قوله تعالى (وإن اطعتموهم انكم لمشركون) واجيب بأنه على تقدير القسم انتهى ملخصا ولم يفرق بين العالم والجاهل وينبغى على ما مر اعتبار العرف فإن العوام لا يفرقون بين اثباتها وحذفها مع قصدهم التعليق فينبغى ان يتعلق قضاء وديانة اخذا بما روى عن أبي يوسف* وذكر في البحر أيضا في اول باب الكنايات عند قوله فتطلق واحدة رجعية في اعتدى واستبرى رجل وانت واحدة فقال واطلق في واحدة فأفاد انه لا معتبر في اعرابها وهو قول العامة وهو الصحيح لان العوام لا يميزون بين وجوه الاعراب والخواص لا يلتزمونه في كلامهم عرفا بل تلك صناعتهم والعرف لغتهم وقد ذكرنا في شرحنا على المنار انهم لم يعتبروه هنا واعتبروه في الإقرار فيما لو قال درهم غير دانق رفعا ونصبا فيحتاجون إلى الفرق انتهى وفى إقرار الدر المختار قال اليس لى عليك الف فقال بلى فهو إقرار وإن قال نعم فلا وقيل نعم أي يكون اقرارا لان الإقرار يحمل على العرف لا على دقائق العربية كذا في الجوهرة انتهى وذكر في كتاب السرقة قال انا سارق هذا الثوب قطع ان اضاف لكونه اقرارا بالسرقة وإن نونه ونصب الثوب لا يقطع لكونه عدة لا اقرارا كذا في الدرر وتوضيحه انه إذا قيل هذا قاتل زيد أي بالإضافة معناه انه قتله وإذا قيل قاتل زيدا معناه انه يقتله والمضارع يحتمل الحال والاستقبال فلا يقطع بالشك قلت في شرح الوهبانية ينبغى الفرق بين العالم والجاهل لان العوام لا يفرقون انتهى ما في الدر المختار * وذكر في التلويح ان نعم لتقرير ما سبق من كلام موجب أو منفى استفهاما أو خبرا وبلى مختصة بإيجاب النفى السابق استفهاما أو خبرا قال فعلى هذا لا يصح بلى في جواب كان لى عليك كذا ولا يكون نعم اقرارا في جواب اليس لى عليك كذا إلا ان المعتبر في احكام الشرع هو العرف حتى يقام كل منهما مقام الآخر ويكون اقرارا في جواب الإيجاب أو النفى استفهاما أو خبرا انتهى وهذا مؤيد لما قلنا وقدمنا عن العلامة قاسم ان لفظ الواقف والحالف وكل عاقد يحمل على عادته ولغته وافقت لغة العرب اولا ويدل على ذلك أيضا ان الكلام العربى على اختلاف لغاته انما وضع للتفاهم والتخاطب ولا شك ان كل متكلم يقصد مدلول لغته فيحمل كلامه عليها وإن خالفت لغة الحاكم والقاضى باعتبار قصده إلا ترى ان الكوفى لو اسقط الفاء صح تعليقه الشرط وليس للقاضى البصرى الحكم عليه بالتنجيز فنفرض أهل زماننا بمنزلة الكوفى بل يحمل كلامهم على مرادهم وإن خالف مذاهب النحاة ولهذا افتى المتأخرون بأن على الطلاق لا افعل كذا تعليق مع انه ليس فيه اداة تعليق
اصلا إذ لا شك ان لغة هذا الزمان الملحونة صارت بمنزلة لغة أخرى لا يقصدون غيرها فحمل كلامهم على غير لغتهم صرف له إلى غير معناه ولا يجب مراعاة الألفاظ اللغوية والقواعد العربية إلا في القرآن والحديث وإنما بنى الفقهاء الاحكام على القواعد العربية لأنها المعلومة لهم لا لكون القواعد العربية متعبدا بها بل لا يجوز العدول عن مراعاتها فعلم ان كلامهم مع العربى ومن التزم لغة العرب والله تعالى اعلم ويدل عليه ما يأتى في تقرير المسئلة التالية لهذه (ومنها) مسئلة اختلف فيها المتأخرون انعقاد النكاح بلفظ التجويز بتقديم الجيم فافتى صاحب التنوير العلامة الغزى بعدم الانعقاد وله فيه رسالة حاصلها الاستدلال بما في التلويح للسعد التفتازانى من ان اللفظ انا صدر لا عن قصد صحيح بل عن تحريف وتصحيف لم يكن حقيقة ولا مجازا لعدم العلاقة بل غلطا فلا اعتبار به اصلا انتهى قال عمدة المتأخرين العلامة الشيخ علاء الدين في الدر المختار بعد نقله ذلك نعم أو اتفق قوم على النطق بهذه الغلطة وصدرت عن قصد كان ذلك وضعا جديدا فيصح كما افتى به المرحوم أبو السعود انتهى (اقول) وافتى به أيضا العلامة المرحوم الشيخ خير الدين الرملى في فتاواه ورد ما قاله الغزى بقوله ولا شك ان الصادر من الجهلة الاغمار تصحيف لا دخل فيه لبحث الحقيقة والمجاز ولا لنفى الاستعارة المرتب على عدم العلاقة فيه إذ معناه الاصلى أي معنى لفظ التجويز وهو التسويغ أو جعله مارا غير ملاحظ لهم اصلا إذ العامى بمعزل عن درك ذلك وحيث كان تصحيفا وغلطا فجميع ما جاء به الغزى لا يصلح لاثبات المدعى وحيث اقربانه تصحيف كيف يتجه له نفى العلاقة والاستدلال بما ذكره السعد وغايته اثبات عدم صحة الاستعمال ولا منكر له بل مسلم كونه تصحيفا بإبدال حرف مكان حرف فلم يتعد الدليل صورة المسئلة نعم لو صدر من عارف يأتي فيه ما يأتى في الألفاظ المصرح بعدم والانعقاد بها وهو والله أعلم محل فتوى الشيخ زين بن نجيم ومعاصر به فيقع الدليل في محله ح ولهذا الوجه كان الحكم عند الشافعية كذلك فإن المصرح به في عامة كتبهم انه لا يضر من عامى ابدال الزاى جيما مع انهم اضن منا بالفاظه إذ لا يصح عندهم إلا بلفظ التزويج والانكاح ولم نر في مذهبنا ما يوجب المخالفة لهم والله أعلم انتهى وتمام تحقيق هذه المسئلة في حاشيتنا رد المحتار (ومنها) مسئلة بيع الثمار على الاشجار عند وجود بعضها دون بعض فقد اجازه بعض علمائنا للعرف قال في الذخيرة البرهانية في الفصل السادس من البيع وإذا اشترى ثمار بستان وبعضها قد خرج وبعضها لم يخرج فهل يجوز هذا البيع ظاهر المذهب أنه لا يجوزه وكان شمس الأئمة الحلوانى يفتى بجوازه في الثمار والباذنجان والبطيخ وغير ذلك وكان
بزعم انه مروى عن اصحابنا وهكذا حكى عن الشيخ الامام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل أنه كان يفتى بجوازه وكان يقول اجعل الموجود اصلا في هذا العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا ولهذا يشترط ان يكون الخارج أكثر لان الاقل تابع للاكثر ولا يجعل الاكثر تابعا للاقل وقد روى عن محمد في بيع الورد على الاشجار انه يجوز ومعلوم ان الورد لا يخرج جملة ولكن يتلاحق البعض بالبعض قال شمس الأئمة السرخسى والصحيح عندى انه لا يجوز هذا البيع لان المصير إلى هذا الطريق انما يكون عند تحقق الضرورة ولا ضرورة ها هنا لأنه يمكنه ان يبيع أصول هذه الاشياء مع ما فيها من الثمرة وما يتولد بعد ذلك يحدث على ملك المشترى وعلى هذا نص القدورى فإن كان البائع لا يعجبه بيع الاشجار فالمشترى يشترى الثمار الموجودة ببعض الثمن ويؤخر العقد في الباقى إلى وقت وجوده أو يشترى الموجود بجميع الثمن ويحل له البائع الانتفاع بما يحدث فيحصل مقصود هما بهذا الطريق ولا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم انتهى (وذكر) حاصل ذلك في البحر وذكر ان شمس الأئمة نقل عن الامام الفضلى ما مر ولم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد أكثر بل قال عنه اجمل الموجود اصلا في العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا وقال استحسن فيه التعامل الناس فانهم تعاملوا بيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفى نزع الناس عن عاداتهم حرج انتهى ثم ذكر عن المعراج ان الاصح ما ذهب إليه السرخسى وهو ظاهر المذهب من عدم الجواز في المعدوم أي بناء على ما مر عن السرخسى من عدم الضرورة لا مكان التخلص عن ذلك (اقول) لا شك في تحقق الضرورة في زماننا لغلية الجهل على عامة الباعة فانك لا تكاد تجد واحدا منهم يعلم هذه الحيلة ليتخلص بها عن هذه الغائلة ولا يمكن العالم تعليمهم ذلك لعدم ضبطهم ولو علموا ذلك لا يعلمون إلا بما الفوا واعتادوا وتلقوه جيلا عن جيل ولقد صدق الامام الفضلى في قوله ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفى نزع الناس عن عاداتهم حرج فهو نظر إلى ان ذلك غير ممكن عادة فاثبت الضرورة والامام السرخسى نظر إلى انه ممكن عقلا بما ذكره من الحيلة فنفى الضرورة ولا يخفى ان المستحيل العادى لا حكم له وإن امكن عقلا وفيما ذكره الامام الفضلى تيسير على الناس ورحمة بهم من حيث صحة بيعهم وحل اكلهم الثمار والخضراوات وتناولهم اثمان ذلك * نعم من كان عالما بالحكم لا يحل له مباشرة هذا العقد لعدم الضرورة في حقه تأمل (لكن) بقى شئ آخر وهو انهم سرحوا بأن بيع الثمار على الاشجار انما يصح إذا شراها مطلقا أو بشرط القطع اما بشرط الترك على الاشجار فلا يصح لانه شرط لا يقتضيه البيع وفيه لاحد
المتعاقدين منفعة وهي زيادة النمو والنضج ولا يخفى انهم في هذا الزمان وإن لم يشترطوا الترك لكنه معروف عندهم وقد قالوا ان المعروف عرفا كالمشروط شرطا ولو علم المشترى ان البائع يأمره بالقطع لم يرض بشرائه بعشر الثمن وايضا يشترون البطيخ والخيار والباذنجان ونحوها من الخضراوات بشرط ابقائها صريحا وبشرط ان يسقيها البائع مرات متفرقات معدودة حتى تنمو ويظهر ما لم يكن منها ظاهر أو لم ومن صرح بجواز ذلك بناء على العرف وينبغى جوازه بناء على ما مر فإنه حيث جاز للعرف بيع المعدوم مع ان بيعه باطل لا فاسد فيجوز البيع مع هذا الشرط بالاولى فتامل ذلك واعمل بما يظهر لك فانى لا اجزم بما قلته لانى لم ار من صرح به والفكر خوان (ومنها) بيع المظروف كزيت مثلا على ان يزنه ويطرح للظرف ارطالا معلومة فإنه شرط فاسد لان مقتضى العقد طرح مقدار وزنه لكنه قد تعارفه الناس في عامة البلدان وقد يستأنس له بما ذكروا في المتون انه يصح بيع نعل على ان يحذوه ويشركه قال في البحر والقياس فساده لما فيه من النفع للمشترى مع كون العقد لا يقتضيه وما ذكره في المتن جواب الاستحسان للتعامل وفى الخروج عن العادة حرج بين بخلاف اشتراط خياطة الثوب لعدم العادة فبقى على أصل القياس وتسمير القبقاب كتشريك النعل كما في فتح القدير وفي البزازية اشترى ثوبا أو خفا خلقا على ان يرقعه البائع ويخرزه ويسلمه صح للعرف ومعنى يحذوه يقطعه انتهى ما في البحر (وذكر) قبله في ضابط فساد البيع بشرط أنه كل شرط لا يقتضيه العقد ولا يلايمه وفيه منفعة لاحد المتعاقدين أو المعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق ولم يجر العرف به ولم يرد الشرع بجوازه قال فلابد في كون الشرط مفسدا للبيع من هذه الشرائط الخمسة فإن كان الشرط يقتضيه العقد لا يفسد كشرط ان يحبس المبيع إلى قبض الثمن ونحوه وإن كان لا يقتضيه لكن ثبت تصحيحه شرعا فلا مرد له كشرط الاجل في الثمن وفى المبيع السلم وشرط الخيار لا يفسده وإن كان متعارفا كشراء نعل على ان يحذوها البائع أو يشركها فهو جائز الخ انهى فقد جعل الشرط المتعارف كالشرط الثابت تصحيحه شرعا وعلل المسئلة في الذخيرة بقوله لان التعارف والتعامل حجة يترك به القياس ويخص به الاثر انتهى ومقتضى هذا الجواز في المسئلة بيع المظروف وكذا مسئلة بيع الثمار لانه شرط فيه تعامل عامة الناس في عامة البلدان أكثر من تعاملهم بيع النعل على ان يحذوها ومن تعامل بيع الثوب على عن ان يرقعه بل ما سمعنا بذلك في زماننا وإن وقع فهو من افراد نادرة لا يثبت به تعامل وكأنه كان في زمن السلف أو في بعض البلاد اما بيع المظروف فهو شائع مستفيض وكثيرا ما يكون فيه ضرورة فإن كثيرا
من المبيعات المظروفة لا يمكن إخراجها من ظرفها بل تباع معه ويطرح للظرف مقدار معلوم بين التجار أو بين المتعاقدين لا يحصل فيه تفاوت كثير ولا يؤدى إلى منازعة إلا نادرا والنادر لا حكم له (وهذا أيضا) است اجزم به لاني لم ار احدا قال به بل المصرح به في عامة الكتب القديمة والحديثة خلافه ولا يطمئن القلب إلى العمل بما لم يصرح أحد به نعم ما ذكرته من الشواهد يؤيده وفيه تيسير عظيم ولكن هذا بالنسبة إلى بيع الناس فيما بينهم لئلا نحكم بفساد بيعهم والحاقه بالربا اما العالم بالحكم فلا ينبغى له فعل ذلك بل عليه التنزه عن افعال عوام الناس واتباع ما قاله الفقهاء إذ لا ضرورة إلى العدول عنه بالنسبة إليه بخلافه بالنسبة إلى عامة الناس والله تعالى اعلم (ومنها) ما تعارف عليه أهل زماننا من أخذ عشر الاراضى من المستأجر دون المؤجر عملا بقول الامامين وقال أبو حنيفة انه على المؤجر واقتصر عليه في الخصاف والاسعاف وقدمه قاضى خان وبه افتى جماعة من متاخرى الحنفية كالشيخ خير الدين الرملى والشيخ إسمعيل الحايك مفتى دمشق تلميز الشيخ علاء الدين الحصكفى والشيخ زكريا أفندي وعطاء الله أفندي المفتيين في دار السلطنة المحمية وتبعهم مفتى دمشق حامد أفندي العمادى (اقول) وقد وقعت هذه الحادثة في زماننا وتكرر السؤال عنها وملت فيها إلى الجواب بقول الامامين لانه قول مصحح أيضا فقد قال في الدر المختار عن الحاوى القدسى وبقولهما نأخذ ولانه يلزم على قول الامام في زماننا حصول ضرر عظيم على جهة الأوقاف وغيرها لا يقول به أحد وذلك انه جرت العادة في زماننا ان أصحاب التيمار والزعماء الذين هم وكلاء مولانا السلطان نصره الله تعالى يأخذون العشر والخراج من المستأجرين وكذا جرت العادة أيضا ان حكام السياسة يأخذون الغرامات الواردة على الاراضى من المستأجرين أيضا وغالب القرى والمزارع اوقاف والمستأجر بسبب ما ذكرناه لا يستأجر الأرض إلا بأجرة يسيرة جدا فقد تكون قرية كبيرة أجرة مثلها أكثر من الف درهم فيستاجرها بنحو عشرين درهما لما يأخذه منه حكام السياسة من الغرامات الكثيرة ولما يأخذه منه أصحاب التيار فإذا آجر المتولى هذه القرية بعشرين درهما فهل يسوغ لاحد ان يفتى صاحب العشر باخذ عشر ما يخرج من جميع القرية من المتولى هذا شئ لا يقول به أحد فضلا عن امام الأئمة ومصباح الأمة أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعالى بل الواجب ان ننظر إلى أجرة مثل هذه القرية فانها إذا كان المتولى يدفع عشرها للعشرى تبلغ أجرة مثلها خسمائة مثلا وإذا كان الذي يدفع عشرها هو المستأجر تبلغ أجرة مثلها عشرين درهما مثلا
فإذا امكن المتولى ان يؤجرها بالاجرة الوافرة فح نفتى بقول الامام وإذا كان لا يمكنه ذلك بأن كان لا يرضى أحد ان يستأجرها إلا بالأجرة القليلة الجريان العادة باخذ العشر منه فح يتعين الافتاء بقول الامامين هذا هو الانصاف الذي لا يتأتى لا حد فيه خلاف واما فساد الاجازة باشتراط العشر والخراج على المستأجر بناء على قول الامام فهذا شئ آخر وإذا كان ذلك على المستأجر على قولهما لا يكون اشتراطه مفسدا لانه مما يقتضيه عقد الإجارة على قولهما والله تعالى اعلم (ومنها) العمل بالخط في بعض المواضع ككتاب السلطان بتولية أو عزل أو نحوهما وما يكتبه التاجر على نفسه في دفتره قال في الأشباه في اول كتاب القضاء لا يعتمد على الخط ولا يعمل به فلا يعمل بمكتوب الوقف الذي عليه خطوط القضاة الماضين لان القاضي لا يقضى إلا بالحجة وهى البينة أو الإقرار أو النكول كما في وقف الخانية إلا في مسئلتين الأولى كتاب أهل الحرب بطلب الامان إلى الامام فإنه يعمل به ويثبت الامان لحامله كما في سير الحانية ويمكن الحاق البرات السلطانية بالوظائف في زماننا ان كانت العلة انه لا يزور وإن كانت العلة الاحتياط في الامان الحقن الدم فلا. الثانية انه يعمل بدفتر السمسار والصراف والبياع كما في قضاء الخانية وتعقبه الطرسوسى بأن مشايخنا ردوا على الامام مالك في عمله بالخط لكون الخط يشبه الخط فكيف عملوا به هنا ورده ابن وهبان بأنه لا يكتب في دفتره إلا ماله وعليه وتمامه فيه من الشهادات انتهى (اقول) قد كنت حررت هذه المسئلة في كتابى تنقيح الفتاوى الحامدية بأن ما ذكر من مسئلة الصراف والسمسار والبياع ذكره في الخانية والبزازية وجزم به فى البحر وكذا في الوهبانية وحققه ابن الشحنة وكذا الشرنبلالى في شرحها وافتى به صاحب التنوير ونسبه العلامة البيرى إلى غالب الكتب قال حتى في المجتبى حيث قال واما خط البياع والصراف والسمسار فهو حجة وإن لم يكن معنونا ظاهرا بين الناس وكذلك ما يكتب الناس فيما بينهم يجب ان يكون حجة للعرف انتهى وفي خزانة إلا كمل صراف كتب على نفسه بمال معلوم وخطه معلوم بين التجار واهل البلد ثم مات فجاء غريم يطلب المال من الورثة وعرض خط الميت بحيث عرف الناس خطه بذلك يحكم به في تركته ان ثبت انه خطه وقد جرت العادة بين الناس بمثله حجة انتهى ما في الببرى (ثم) قال بعده قال العلامة العينى والبناء على العادة الظاهرة واجب فعلى هذا إذا قال البياع وجدت في بادكارى بخطى أو كتبت في بادكارى بيدى ان لفلان على ألف درهم كان هذا اقرارا ملزما اياه قلت ويزاد ان العمل في الحقيقة انما هو لموجب العرف لا لمجرد الخط والله أعلم انتهى (وحاصله) ان ما مر من قولهم لا يعتمد
على الخط ولا يعمل به مبنى على أصل المنقول في المذهب قبل حدوث العرف ولما حدث العرف في الاعتماد على الخط والعمل به في مثل هذه المواضع افتوا به (وذكر) العلامة المحقق الشيخ هبة الله البعلى في شرحه على الأشباه ما نصه (تنبيه) مثل البراآت السلطانية الدفتر الخاقانى المعنون بالطرة السلطانية فإنه يعمل به وللعلامة الشيخ علاء الدين الحصكفى شارح التنوير والملتقى رسالة في ذلك حاصلها بعد ان نقل ما هنا من أنه يعمل بكتاب الامان ونقل جزم ابن الشحنة وابن وهبان بالعمل بدفتر الصراف والبياع والسمسار لعلة امن التزوير كما جزم به البزازى والسرخسى وقاضى خان وإن هذه العملة في الدفاتر السلطانية اولى كما يعرفه من شاهد أحوال اهاليها حين نقلها إذ لا تحرر اولا إلا بإذن السلطان ثم بعد اتفاق الجم الغفير على نقل ما فيها من غير تساهل بزيادة أو نقصان تعرض على المعين لذلك فيضع خطه عليها ثم تعرض على المتولى لحفظها المسمى بدفتر امينى فيكتب عليها ثم تعاد اصولها إلى امكنتها المحفوظة بالختم والأمن من التزوير مقطوع به وبذلك كله يعلم جميع أهل الدولة والكتبة فلو وجد في الدفاتر ان المكان الفلانى وقف على المدرسة الفلانية مثلا يعمل به من غير بينة وبذلك يفتى مشايخ الإسلام كما هو مصرح به في بهجة عبد الله أفندي وغيرها فليحفظ انتهى ما نقلته من شرح الشيخ هبة الله البعلى (فالحاصل) ان المدار على انتفاء الشبهة ظاهرا وعليه فيما يوجد في دفاتر التجار في زماننا إذا مات احدهم وقد كتب بخطه ما عليه في دفتره الذي يقرب من اليقين انه لا يكتب فيه على سبيل التجربة والهزل يعمل به والعرف جار بينهم بذلك فلو لم يعمل به يلزم ضياع اموال الناس إذ غالب بياعاتهم بلا شهود خصوصا ما يرسلونه إلى شركائهم وامنائهم في البلاد لتعذر الاشهاد في مثله فيكتفون بالمكتوب في كتاب أو دفتر ويجعلونه فيما بينهم حجة عند تحقق الخط أو الختم وينبغى ان يكون مثله ما يسمى وصولا يكتبه من له عند آخر أمانة أو له عليه دين أو نحوه يقر فيه بوصول ذلك إليه ويختمه بختمه المعروف خصوصا فيا بين الامراء والأعيان الذين لا يتمكن من الاشهاد عليهم (وقد) علت ان هذه المسئلة اعنى مسئلة الصراف والبياع والسمسار مستثناة من قاعدة انه لا يعمل بالخط وللعرف والضرورة المذكورة جزم بها هؤلاء الجماعة المذكورون وكذا ائمة بلخ كما نقله في البزازية وكفى بالامام السرخسى وقاضى خان قدوة وح فلا يردانه لا تحل الشهادة بالخط على ما عليه العامة معللين بأن الكتابة قد تكون للتجربة فإن هذه العملة في مسئلتنا منتفية واحتمال ان التاجر ونحوه يمكن
ان يكون قد دفع المال وابقى الكتابة في دفتره بعيد جدا على ان مثل ذلك الاحتمال
موجود مع الشهادة فإنه يحتمل ان يكون أو في المال ولم يعلم به الشهود (ثم) لا يخفى انا حيث عملنا بما في الدفتر فذاك فيما عليه كما يدل عليه ما قدمناه عن خزانة إلا كمل وغيرها اما فيما له على الناس فلا يعمل به وإن اوهم كلام ابن وهبان الذي نقله في الأشباه خلافه فلو ادعى على آخر مالا مستندا إلى ما في دفتر نفسه لا يقبل وكذا لو وجد ذلك في دفتره بعد موته لقوة التهمة بخلاف ما يكتبه على نفسه إذ لا تهمة فيه (هذا) وقد وقعت في زماننا حادثة في تاجر له دفتر عند كاتبه الذمى مات التاجر فادعى عليه اخر بمال وانه مكتوب بخط كاتبه الذمى فكشف عن الدفتر فوجد كذلك وانكر الورثة المال فافتى بعض المفتين بثبوت المال عليه، والذي ظهر لى عدمه لكون الدفتر ليس بخط الميت بل هو خط كافر ولكون الدفتر ليس تحت يده فيحتمل ان الذي كتبه بعد موته ففيه شبهة قوية بخلاف ما إذا كان الدفتر بخطه محفوظا عنده والله تعالى اعلم (ومنها) قولهم على الفريضة الشرعية فقد شاع في العرف إطلاقه على القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا وقف على اولاده وذريته وقال يقسم بينهم على الفريضة الشرعية يقسم كما قلنا (وقد) وقع اضطراب في هذه المسئلة والف فيها العلامة يحيى ابن المنقار المفتى بدمشق الشام رسالة سماها الرسالة المرضية في الفريضة الشرعية واختار فيها القسمة بالسوية بين الذكر والانثى من غير تفاضل حيث لم يقل الواقف للذكر مثل حظ الانثيين وقال انه أجاب كذلك شيخ الإسلام محمد الحجازى الشافعي والشيخ سالم السنهورى المالكى والقاضى تاج الدين الحنفى وغيرهم ونقل عن السيوطى والقاضى زكريا والامام السبكى ما يؤيد كلامه (وعمدته) في الاستدلال على ذلك ان الوقف يطلب به الثواب فلا بد فيه من اعتبار الصدقة لتصحيح أصله والمفتى به قول أبي يوسف بأنه يجب العدل والتسوية بين الأولاد في العطية ذكورا أو اناثا وقال محمد يعطيهم على قدر المواريث وروى مسلم في صحيحه من حديث النعمان ابن بشير - رضى الله تعالى عنه - قال تصدق على أبي ببعض ما له فقالت امى عمرة بنت رواحة لا ارضى حتى تشهد لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بى يشهده على صدقتى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افعلت بولدك كلهم) قال لا (قال اتقوا الله واعدلوا في اولادكم) فرجع أبي فرد تلك الصدقة وعن ابن عباس - رضى الله تعالى عنهما - قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سووا بين اولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا أحد الآثرت النساء على الرجال) رواه سعيد في سننه اخذا بو يوسف وجوب التسوية من هذا الحديث وتبعد أعيان المجتهدين وقالوا يأثم بالتخصيص والتفضيل وفسر محمد العدل بالتسوية على قدر المواريث وقاس حال
الحياة على حال الموت وساعد العرف ولكن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قدر سهم البنت بالنصف في العطايا وما ذكره في معرض النص لا يساعده لان العرف غير معتبر في المنصوص عليه لانه يلزم ابطال النص هذا خلاصة ما حرره في تلك الرسالة وتابعه الشيخ علاء الدين الحصكفى في الدر المختار (اقول) وقد كنت الفت في ذلك رسالة سميتها العقود الدرية في الفريضة الشرعية وبسطت فيها الكلام على ذلك بما لا مزيد عليه فلنذكر من ذلك نبذة يسيرة فنقول قد صرح في الظهيرية بأنه إذا كان له ابن وبنت أراد ان يبرهما فالافضل ان يجعل للذكر مثل حظ الانثيين عند محمد وعند أبي يوسف يجعلهما سواء وهو المختار لو رود الآثار وإن وهب كل ما له للابن جاز في القضاء واثم نص عليه محمد. ثم قال قبيل المحاضر والسجلات ان أراد الواقف ان يكون وقفه على اولاده يقول تصرف غلاته إلى اولاده وهم فلان وفلان وفلانة للذكر مثل حظ الانثيين وإن شاء يقول الذكر والانثى على السواء ولكن الأول اقرب إلى الصواب واجلب للثواب انتهى فانظر كيف فرق بين الهبة والوقف ولو سلم أنهما سواء فلا يلزم من ذلك ان المراد بالفريضة الشرعية حيث اطلقت القسمة بالسوية لما صرحوا به من ان مراعاة غرض الوقفين واجبة وصرح الاصوليون بأن العرف يصلح مخصصا (وفى) الأشباه ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم كما في وقف فتح القدير انتهى وقدمنا مثله عن العلامة قاسم (وفى) الفتاوى الكبرى للعلامة ابن حجر المكى لا تبنى عبارات الواقفين على الدقائق الأصولية والفقهية والعربية كما اشار إليه الامام البلقينى في الفتاوى وإنما تبنيها على ما يتبادر ويفهم منها في العرف وعلى ما هو اقرب إلى مقاصد الواقفين وعاداتهم قال وقد تقدم في كلام الزركشى ان القرائن يعمل بها في ذلك صرح به غيره وقد صرحوا بأن ألفاظ الواقفين إذا ترددت تحمل على اظهر معانيها وبان النظر إلى مقاصد الواقفين معتبر كما قاله القفال وغيره انتهى وقدمنا ما فيه الكفاية من ذلك و ح فيجب جل كلام هذا الواقف على ما هو المعروف عنده الذي لا يقصد بكلامه سواه (واما) قولهم ان العرف لا يعارض النص لانه يلزم ابطال النص فنقول بموجبه ولكن لا نسلم ورود النص في مسئلتنا ولو سلمناه فلا يلزم ابطال النص لانا إذا فرضنا ان النص ورد بكراهة المفاضلة في الوقف وتعارف الناس ان الفريضة الشرعية معناها المفاضلة واطلق الواقف هذا اللفظ وصرفناه بحكم العرف إلى معناه العرفى لا يلزم منه نفى كراهة المفاضلة لان الكراهة حكم شرعى وانصراف اللفظ إلى معناه العرفى دلالة عرفية فنصرف اللفظ إلى معناه العرفى ونقول ان المراد به المفاضلة وإن هذا الذي اراده
الواقف مكروه لوجوب التسوية فقد عملناه بالنص حيث اثبتنا مدلوله وهو الكراهة وعملنا بدلالة اللفظ على معناه العرفى وكل منهما واجب الاتباع ولا يلزم ابطال النص إلا إذا قلنا ان معنى الفريضة الشرعية هو مفاضلة لا كراهة فيها ولم نقل بذلك على فرض ورود النص في الوقف وتسميتها فريضة شرعية لا تقتضى مشروعيتها لان ذلك الاسم صار علما عرفا لهذا المعنى والاعلام لا يعتبر فيها معاني الألفاظ الوضعية كما لو سميت شخصا عبد الدار وانف الناقة* على ان المفاضلة فريضة شرعية في باب الميراث فإذا جرى العرف على اطلاقها في باب الوقف لم تخرج عن التسمية الاصلية وإذا كان الواجب حل الكلام على معناه المتعارف صار اطلاق هذا اللفظ مساويا للتصريح بقوله للذكر مثل حظ الانثيين ولا يخفى ان الواقف لو صرح بذلك لم يلزم ابطال النص فكذا لو عبر عنه بما يساويه عرفا وإلا لزم ابطال الدلالة العرفية وحل الألفاظ دائما على المعانى الشرعية وهو خلاف الإجماع (ولا) يقال ان الأصل في كل شيء الكمال فيحمل على التسوية المشروعة لان هذا إذا كان اللفظ صادقا على شيئين فينصرف اللفظ عند الاطلاق إلى الكامل منهما والفريضة الشرعية لا معنى لها عرفا إلا المفاضلة فحملها على التسوية صرف للفظ معناه المقصود للمتكلم إلى معنى لم يخطر بباله والواجب جل كلام كل عاقد على عادته وإن خالفت لغة الغرب والشرع (وممن) حل الفريضة الشرعية على المفاضلة العلامة الشيخ محمد الغزى صاحب التنوير كما يعلم من مراجعة فتاويه المشهورة خلافا لما عزاه إليه في الدر المختار وافتى بذلك أيضا الخير الرملى في موضعين من فتاويه وكذا الشيخ إسماعيل الحابك وكذا شيخ صاحب البحر وهو العلامة الشيخ حمد بن الشلبى في فتاويه المشهورة ورأيت مثله في فتاوى الشهاب أحمد الرملى الشافعي وكذا في فتاوى السراج البلقينى الشافعي وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا المذكورة والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمأب وفي هذا القدر كفاية لذوى الدراية والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وكان الفراغ من تحرير هذه الرسالة وتقريرها في شهر ربيع الثاني سنة ثلاث واربعين ومائتين والف على يد جامعها أفقر الورى إلى رحمة رب العالمين محمد امين بن عمر عابدين غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والحمد لله رب العالمين