الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن امن بكتاب الله فقد امن بسنة رسول الله على سواء لان السنة والقران مصدران من مصادر التشريع وصلت الينا بطريق النبوة الخالص دون غيره.
فقد روى الحاكم في المستدرك عن الحسن البصري قوله: بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل: يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن فقال له عمران: أنت وأصحابك يقرؤون القرآن أكنت محدثي عن الصلاة وما فيها وحدودها أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن قد شهدت وغبت أنت ثم قال: فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة كذا وكذا، فقال الرجل: أحييتني أحياك الله قال الحسن: فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين.
فهذه هي الحقيقة في منزلة السنة النبوية المطهرة، وانَّ الباحث ليجد ان الفقهاء وصلوا الى مرتبة تارك السنة النبوية والمكتفي بما في الكتاب الى درجة الكفر اعاذنا الله من ذلك.
ألم يقفوا في كتاب الله وهم يدَّعون انهم اهله عن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} الأحزاب: 36.
زد على هذا ما قدَّمنا من الآيات البينات التي ما دلَّت على امر كدلالتها على وجوب طاعة النبي صلى الله عليه واله وسلم.
ولقد قدم علماؤنا افدح مهر في درب الحفاظ على السنة المطهرة، فيلمح المؤمن عند ذلك وفي قلب الدياجي رايات نصر وعلامات بشر في ان الشريعة محفوظة لن تنال منها سهام اخطأت ولم تصب.
سلسلتان
…
احداهما منقطعة
عندما يقذف البركان حماه في لهيب الصيف وسباسبه المشتعلة بنار الشمس، تتسلسل الحمم ولن تتوقف بعدها، بين الحين والاخر تراها قاذفة لها، بالضبط كالشبه المقذوفة، لن تتوقف ابدا في الطعن بهذه السنة النبوية الناصعة.
وامام هذه السلسلة هناك سلسلة اخرى لا يمكن للأنظار ان تغفل عنها، تميَّزت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بها، ألا وهي اسنادها المتصل، فالسنة النبوية متصلة، مبتداها من رب العزة والملكوت رب العالمين جل جلاله متصلة الى صاحبها عليه الصلاة والسلام ومنتهاها حتى اخر مسلم على وجه الارض يسمع شيئا من هذه السنَّة المحمدية ويَعيها ويعمل بها، وهكذا الى ان تقوم الساعة، يوم تقوم الارض ومن عليها.
ولبقاء الاسناد المتصل حيا ينبض بنبراس السنة النبوية المطهرة جعل الله تعالى في قلب حكمته اصحابا للنبي عليه الصلاة والسلام يحملون اسمى صفة لحاملي الامانة وهي صفة العدالة الغرّاء التي تمتع بها الصحابة جميعا دون استثناء، رضي الله عنهم وارضاهم.
ولهذا كان من اهداف اهل الزندقة قديما وحديثا الطعن بالصحابة-الذي ربما سنتكلم عنه بتفصيل قادم-، وسبب هذا الطعن لانهم الناقلة لهذه السنة باعمق امانة، فاذا طعنوا بالناقلة بطل المنقول، وهذا ما ذكره كبير اهل الزندقة يوم ان جاء به هارون الرشيد ليضرب عنقه في بغداد، كما جاء في تاريخها.
فالسلسلة الاولى إذاً هي سلسلة الاسناد المتصل.
يعرف العلماء الإسناد بأنه سلسلة رواة الحديث النبوي الشريف الموصلة-يعني السلسلة-الى المتن، فهو اذا الطريق الى نص الحديث.
والمتن -كما هو معلوم- هو نص الحديث النبوي الشريف الذي حدَّث به النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه وال بيته رضي الله عنهم وامرهم بتبليغه وهو كلُّ ما اضيف الى النبي من قول او فعل او تقرير او صفة خَلْقية أو خُلُقية.
فاعتمد العلماء في قبول الحديث وعدم قبوله وفي صحته وعدم صحته وفي اخذه وردِّه، اعتمدوا في ذلك كله على الاسناد، ووصف باوصاف كثيرة من قبل المسلمين وكذلك من قبل الطاعنين.
فالاسناد هو القوائم الذي قامت عليه جهود حفظ السنة كما وصفه ابن المبارك رحمه الله، وزاد على ذلك ايضا بمقالته المشهورة بان الاسناد من الدين ولولا الاسناد لقال من شاء في دين الله ما شاء.
ولا يبعد الشافعي على هذا عند وصفه بان الاخذ للسنة من دون اسناد كالمحتطب في الليل، يحتطب ليلا والافعى في حطبه.
فلا تكاد تجد سنة محفوظة لاحد كحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لم يدعه المسلمون لانفسهم وحدهم، حتى ان فلاسفة اليهود اعترفوا بذلك، والمنصفون ايضا قد بانت امام اعينهم تلك الحقيقة، وقد نقل الشيخ عبد الفتاح ابو غدة في كتابه "الاسناد من الدين" قول ذلك العالم الالماني المدعو "شبرينجر" فقال:"ان الدنيا لم تر ولن ترى امة مثل المسلمين فقد درس بفضل علم الرجال الذي اوجدوه حياة نصف مليون رجل".
وهذا جاء نقلا عن مقدمة القائل الالماني على كتاب "الاصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر العسقلاني رحمه الله.
فالشمس والقمر لا يُحجبان بحاجب الاهواء، أفتحجب السنة بحاجب الاقوال؟
فقد قيل وقيل، ولكن
…
أنَّى للاقوال ان تغلب الحقيقة من دون حق، وهذا لا يحتاج منا الى بيان، وما بياننا امام بيان الله تعالى، وهو الواحد الديان المتكفل بحفظ السنة والقران في كل زمان ومكان.
كان ابو بكر احمد بن اسحاق الفقيه يحدِّث في مناظرته لرجل، فقال له الرجل دعنا من حدثنا، الى متى حدثنا؟ فزجره الشيخ وطرده من بيته واشهد من يجالسه بانه لم يطرد احدا من بيته سواه.
فما من شيء اثقل على اهل البدع ولا ابغض اليهم من سماع الحديث وروايته باسناده، وهذا قول الامام الحاكم نقلا عن احمد بن سلام الفقيه.
وهو وارد لمن اراد الطعن بالسنة، فانهم يعلمون انه لا يمكن لطعنهم ان ينفذ من قوسه بقيام الاسناد وقيام اهله القائمون اليه، فما بال طلبة العلم عنه منشغلون والناس عنه معرضون.
فقد احتفظ العلماء باسانيد كل الاحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، ولن يعترفوا بحديث كان في اسناده خلل وعلَّة ابدا، او لم يكن له اسناد اصلا، وما حاز علم من علوم الشريعة على جهودِ علماءٍ كما حازت السنة النبوية الشريفة.
فلو لم تكن هذه الخصائص لتساوت السنة مع الخرافات والروايات والقصص والاقوال التي تنتشر هنا وهناك، وكما قال ابن المبارك لقال من شاء في دين الله ما شاء، وفعلا، لكانت السنة النبوية ما قالته الاشخاص، اينما كانوا وكيفما كانوا، وحاشا لله تعالى ان يجعل مصادر التشريع في دينه الاسلام خاتم الاديان عبارة عن اقوال واوهام بين شفاه الحاقدين، وهم قد عاصروا السنة من اول يوم لها وكانوا لها اعداء.
لو اراد احدنا -مثلا- حفظ وصية يتعلق بها مال أو متاع زائل، او ايَّ شيء آخر، لما أودعها الا بيد من يصونها ويعتقد به اهلية حفظها، دون ان تصل اليها ايادي الاخرين ايَّا كانوا، ولربما تكون ليس لها اهمية، أو لم يتعلق بها كثير من المال، فما بالك بمصدر من مصادر تشريع هذا الدين؟ افيعجز من بيده ملكوت السموات والارض ان يحفظ دينه الذي انزله؟ بل تكفَّل بحفظه بعد أن انزله وشرَّعه؟ حاشا لله تعالى ذلك.
ومما يدعو للاطمئنان والابصار بعين اليقين والايمان ان الله لم يتكفل بحفظ دينه فقط، وانما سخَّر جهودا كانت بالأمس قد طعنت ثم بعد ايّأم من التفكير اذعنت، ولا ينسى احد اسراب العائدين ولسان حالهم يقول ويردد:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
…
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ومنهم "وينسيفك" الذي قاد بنفسه حملة الرد على من زعم تشويه ائمة الحديث النبوي واعلن عن صدق نَقَلَتِهِ، واجاد في ذلك بدلائل بينت الادوار التي قام بها اهل الحديث رحمهم الله تعالى.
بهذه السلسلة التي لم ولن تنقطع يوما بإذن الله تعالى ترى العبادة الموحدة للمسلمين، وهم مبتعدون البيئة الجغرافية، فالمصلي في جنوب الشرق يتوحد بالعبادة مع مصلي في شمال الغرب، فكيف يقولون انما جاءت السنة نتيجة للتطورات البيئية، لماذا لم تختلف العبادة اذا والمصلي في جنوب الصومال وهو جائع يصلي على الارض ثم يلتحفها من فقره، وترى اخاه في امريكا يصلي في الطائرة او المطار او البارجة؟ فهل التطور البيئي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم اشد من تطورنا اليوم؟ لا
…
لكنها تناقضاتهم تتواصل فزعا بالحقيقة وهي تسير في قلوبهم ومع سيرها تنادي الحيارى ان هلموا معنا.
يروي الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قوله: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم فينظر الى اهل السنة فيؤخذ قولهم وينظر الى اهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ".
وليس هذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بفترة طويلة وإنما حدث هذا في زمن ابي بكر رضي الله عنه فهو اول من الزم الرواة بذكر أسانيدهم، فسنَّ رضي الله عنه امر التثبت من الراوي، فلم يقبل حديث اي صحابي يرفعه الى النبي عليه الصلاة والسلام حتى يشهد معه غيره بانه سمعه من النبي عليه افضل الصلاة واتم التسليم، وليس على هذا سار علماء الجرح والتعديل "علماء الحديث" وانَّما تعدوا ذلك الى انهم زادوا شروطا لا يسلم منها وضَّاع ابدا مهما جاء من وسيلة.
والتاريخ الصحيح نقل الينا ان علم الحديث لم تؤثر به السياسات المختلفة على ارض الواقع لان علماء الحديث لم يكونوا يتبعون ايا منها، كان الحديث مستقلا باستقلال علمائه.
علما ان رقعة وجود العلماء اتسعت مع اتساع رقعة البلاد المسلمة فلم يكونوا متجمعين لوحدهم في اقليم واحد ليستطيعوا وضع حديث من انفسهم، فان كان البعض من العلماء يوالون البعض من الامراء -كما يدعي المستشرقون-فاين علماء الحديث الاخرين في عموم بلدان المسلمين وقد ترامت اطرافها؟
ثم لا ننسى انَّ قواعد العلماء في نقد الحديث لم يشهد لها التاريخ العلمي مثيلا ابدا، ويا لها من قواعد كانت بالفعل بحجم ما وضعت له "وهي احاديث النبي صلى الله عليه وسلم".
كانت قواعدهم مستحكمة لامرين اثنين وخطوتين مهمتين، الخطوة الاولى متعلقة بالسند، وهو الذي قدمنا الكلام عنه وهو السلسلة المتصلة للرواة، والخطوة الثانية تعلقت بالمتن وهو النص النبوي، وقد سبق تعريفهما.
ففي كل الرواة في السند اشترط العلماء شروطا وضوابطا عديدة، كالعدالة والضبط والحفظ والسماع، هذا في كل راو من رواة السلسلة في السند.
واما المتن فقد وضعوا لها خمسة عشر قاعدة لقبوله، وهذه القواعد يطول المجال لذكرها، كانت هذه القواعد عميقة وكافية، ناهيك عن القواعد الاضافية التي وضعوها كالاضطراب والعلة والشذوذ، وكذلك القلب والغلط والادراج، وهي مصطلحات حديثية يعرفها اهل الحديث جيدا.
ولا تعجب من غاية الاحتياط في دين الله عندما جعلوا احاديث الاحاد لا تفيد القطع وانما افادت الظن مع وجوب العمل بها كما قال علماء الحديث رحمة الله عليهم.
ولا يبقى الا سلسلة ثانية، هي سلسلة الشبه المقذوفة، هي باقية ما بقي القاذفون لكن حقيقتها انها منقطعة في الروح والحق والتأثير.
فقل يا اخي القاريء أين نذهب بشبهاتهم المدحوضة؟ وقُلِّي في أي بحر غاصت عقولهم المتبلدة من التفكير بما دعى إليه العظيم الكبير من التشنيع على المستنين بدين الآباء والأجداد؟ ولنعلم بعدها ان هذه الشبه العقيمة ليست نهاية أوحالهم بل هي في مستنقع آسن.
المصادر:-
1 -
صريح السنة، للإمام الطبري.
2 -
الاستشراق، د. مازن بن صلاح مطبقاني.
3 -
رؤية إسلامية للاستشراق، احمد عبد الحميد غراب.
4 -
الاستشراق والدراسات الإسلامية، د. عبد القهار العاني رحمه الله.
5 -
الاستشراق والخلفية الفكرية، محمود زقزوق.
6 -
المستشرقون والسنة النبوية، د. سعد المرصفي.
7 -
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي.
8 -
مسند الإمام احمد، ط2،مؤسسة الرسالة، تحقيق شعيب الارنؤوط.
9 -
حجية السنة، حسين الشواط.