الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك، كما قال الأخطل:
ولَقَدْ عَلمْتُ إذَا العِشارُ تَرَوَّحَتْ
…
هدْجَ الرّئالِ تَكبُّهُنَّ شَمالا
…
تَرْمي العضَاهُ بِحاصِبٍ مِنْ ثَلْجها
…
حتى يَبِيتُ عَلى العِضَاهِ جِفالا (1)
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا
(69) }
يقول تعالى ذكره: أم أمنتم أيها القوم من ربكم، وقد كفرتم به بعد إنعامه عليكم، النعمة التي قد علمتم أن يعيدكم في البحر تارة أخرى: يقول: مرّة أخرى، والهاء التي في قوله "فيه" من ذكر البحر.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى) : أي في البحر مرّة أخرى (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ) وهي التي تقصف ما مرّت به فتحطمه وتدقه، من قولهم: قصف فلان ظهر فلان: إذا كسره (فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ) يقول: فيغرقكم الله بهذه الريح القاصف بما كفرتم، يقول: بكفركم به (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) يقول: ثم لا تجدوا لكم علينا تابعا يتبعنا بما فعلنا بكم، ولا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إياكم، وقيل: تبيعا في موضع التابع، كما قيل: عليم في موضع عالم. والعرب تقول لكل طالب بدم أو دين
(1) البيتان للأخطل (ديوانه طبع بيروت سنة 1891) من قصيدة يهجوا بها جريرا، ويفتخر على قيس. والعشار: جمع عشراء من الإبل، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر وهي حامل. وتروحت: أي ذهبت في الرواح وهو المشي إلى حظائرها. والرئال: جمع رأل، وهو ولد النعامة. والهدج: عدو متقارب. وتكبهن: تسقطهن، يريد تكبهن الريح وهي هابة شمالا. والحاصب: ما تناثر من دقاق الثلج. والضمير في ترمي: راجع إلى ريح الشمال. والعضاه: كل شجر له شوك، أو كل شجرة واسعة الظل، كثيرة الأفنان، واحدته: عضة. والجفال: ما تراكم من الثلج وتراكب. وهذا الشاهد في معنى الذي قبله.
أو غيره: تبيع. ومنه قول الشاعر:
عَدَوْا وَعَدَتْ غزلانهم فَكأنَّهَا
…
ضَوَامنُ غُرمٍ لَزّهُنَّ تَبِيعُ (1)
وبنحو الذي قلنا في القاصف والتبيع، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ) يقول: عاصفا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: قاصفا التي تُغْرق.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) يقول نصيرا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال محمد: ثائرا، وقال الحرث: نصيرا ثائرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) قال: ثائرا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) أي لا نخاف أن نتبع بشيء من ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) يقول: لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك، والتارة: جمعه تارات وتير، وأفعلت منه: أترت.
(1) البيت: شاهد على أن معنى التبيع في الآية: كل طالب بدم أو دين أو غيره. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (1: 385) أي من يتبعنا لكم تبيعة، ولا طالبا لنا بها. وفي (اللسان: تبع) : والتبيع التابع، وقول القرآن "ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا": قال الفراء: أي ثائرا ولا طالبا بالثأر، لإغراقنا إياكم. وقال الزجاج: معناه: لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، ولا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم. وقيل: تبيعا: مطالبا. ومنه قوله تعالى: "فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" يقول: على صاحب الدم اتباع بالمعروف، أي المطالبة بالدية، وعلى المطالب أداء إليه بإحسان.