الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شأنهم تقليد هؤلاء لحسن الثقة بهم، وغلبة الظن في صدقهم. وكأن غلبة الظن لحسن الثقة جعلت ههنا أمارة للزوم الأحكام لهم، كما جعلت غلبة الظن للمجتهد أمارة للزوم الحكم له. وبالواجب ما سمي هذا فرض كفاية، إذ يكفى في القيام به البعض عن البعض.
251 -
فقد تبين من هذا أن الناس صنفان: صنف فرضه التقليد. وهم العوام الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد التى حددت فيما قبل. وصنف ثان وهم المجتهدون الذين كملت لهم شروط الاجتهاد. وأما هل لهذا الصنف الثاني وهم المجتهدون أن يقلد بعضهم بعضا، ففيه نظر. فإن تقليد العوام شيء أدت إليه الضرورة، ووقع عليه الإجماع. لكن ينبغي أن يقال: يجوز للمجتهد تقليد المجتهد إذا كان أعلم منه، وترجح عنده حسن الظن به ترجحا يفضل عنده الظن الواقع له في الشىء عن اجتهاده.
252 -
فصل:
ولأن ههنا طائفة تشبه العوام من جهة، والمجتهدين من جهة، وهم، - المسمون في زماننا هذا أكثر ذلك بالفقهاء، فينبغى أن ننظر في أي. الصنفين أولى أن نلحقهم. وهو ظاهر من أمرهم أن مرتبتهم مرتبة، العوام، وأنهم مقلدون (1) . والفرق بين هؤلاء وبين العوام، أنهم يحفظون الآراء التي للمجتهدين فيخبرون عنها العوام، من غير أن تكون عندهم شروط الاجتهاد، فكأن مرتبتهم في ذلك مرتبة الناقلين عن المجتهدين. ولو وقفوا في هذا لكان الأمر أشبه، لكن يتعدون فيقيسون أشياء لم ينقل فيها عن مقلديهم حكم على ما نقل عنه في ذلك حكم
(1) وهذا ما ذهب إليه قي "بداية المجتهد". بل لعله أحد الأسباب التى حركته الى تأليف البداية. . .
فيجعلون أصلا ما ليس بأصل، ويصيرون أقاويل المجتهدين أصولأ لاجتهادهم، وكفى بهذا ضلالا وبدعة (1).
253 -
فأما هل يجوز لهم الحال الأولى، وهي أن يكونوا في ذلك ناقلين عن مجتهد غلب على ظنهم إصابته ويتحرى ذلك خلفهم عن سلفهم في النقل حتى يكون القائمون بفرض الاجتهاد غير موجودين في زماننا هذا مثلا، إلا ما قد سلف ويكفي في ذلك مثلا أن كان في الصدر الأول من قام بهذا الفرض ولو رجل واحد أو أكثر من واحد، على مثال ما أدركنا عليه هذه الطوائف، أعني المالكية والشافعية والحنفية، فيدل لعمري على امتناع ذلك انعقاد الإجماع على أن جميع فروض الكفايات ينبغي أن يكون في زمان زمان من يقوم بها، وحينئذ تسقط عن الغير. وأيضا فإن النوازل الواقعة غير متناهية، وليس يمكن نقل قول قول عن من سلف من المجتهدين في نازلة نازلة، فإن ذلك ممتنع.
254 -
وإذا كان ذلك كذلك فلم يبق إلا واحد من ثلاثة: إما أن نجعل أقاويل من سلف من المجتهدين فيما أفتوا فيه أصولا يستنبط عنها. وإما أن يتعطل كثير من الأحكام. وكلا الوجهين ممتنع، فلم يبق إلا الوجه الثالث وهو ألا يخلو زمان من مجتهد (2). وأنت تعلم أن الزمان الذي سلف هكذا كانت حاله، أعني أنه لم يكن فيه مجتهد. وإن كان لا
(1) على الرغم من أنه لم يذهب إلى هذا الحد في البداية فإن من الممكن القول بأن هناك تقاربا بين ما ذهب إليه ههنا وما انتهى إليه في بداية المجتهد. أنظر:105 - 136 - 138 - 140 - 311/ج 1 - 45 - 55 - 75 - 96 - 104 - 111 - 116 - 131 - 147 - 152 - 165 - 173 - 189 - 255 - 274 - 289 - 290 - 291 - 332/ج 2.
(2)
وهذه أكبر الغايات التي أراد تحتيتها من تأليف "بداية المجتهدا.