المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من يشتغل بالعمل السياسي؟ ومتى - التوحيد أولا يا دعاة الإسلام

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌من يشتغل بالعمل السياسي؟ ومتى

‌من يشتغل بالعمل السياسي؟ ومتى

؟

ص: 33

فالاشتغال الآن بالعمل السياسي مشغلة! مع أننا لا ننكره، إلا أننا نؤمن بالتسلسل الشرعي المنطقي في آن واحد، نبدأ بالعقيدة، ونثني بالعبادة ثم بالسلوك؛ تصحيحًا وتربية ثم لا بد أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة السياسة بمفهومها الشرعي؛ لأن السياسة معناه: إدارة شؤون الأمة، من الذي يدير شؤون الأمة؟ ليس زيدًا، وبكرًا، وعمرًا؛ ممن يؤسس حزبًا أو يترأس حركة، أو يوجه جماعة!! هذا الأمر خاص بولي الأمر؛ الذي يُبَايَع من قِبَل المسلمين، هذا هو الذي يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته، فإذا كان المسلمون غير متحدين - كحالنا اليوم - فيتولى ذلك كل ولي أمر حسب حدود سلطاته، أما أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أننا عرفناها حق المعرفة فلا تنفعنا معرفتنا هذه؛ لأننا لا نتمكن من إدارتها؛ ولأننا لا نملك القرار لإدارة الأمة، وهذا وحده عبث لا طائل تحته، ولنضرب مثلا الحروب القائمة ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أن نشعل حماسة المسلمين تجاهها ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عُقدت له البيعة؟! لا فائدة من هذا العمل، ولا نقول: إنه ليس بواجب! ولكننا نقول: إنه أمر سابق

ص: 34

لأوانه، ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا؛ بتفهيمهم الإسلام الصحيح، وتربيتهم تربية صحيحة، أما أن نشغلهم بأمور حماسية وعاطفية، فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في فهم الدعوة التي يجب أن يقوم بها كل مكلف من المسلمين؛ كتصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وتصحيح السلوك، وهي من الفروض العينية التي لا يُعذر المقصر فيها، وأما الأمور الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية، كمثل ما يسمى اليوم بـ (فقه الواقع) والاشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية من لهم الحل والعقد، الذين بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عمليًّا، أما أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهم عن الأهم، فذلك مما صرفهم عن المعرفة الصحيحة! وهذا مما نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب والجماعات الإسلامية اليوم، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة من أجل أن يتعلم ويفهم العقيدة الصحيحة، والعبادة الصحيحة، والسلوك الصحيح، وإذا ببعض هؤلاء الدعاة ينشغلون بالعمل السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات التي تحكم بغير ما أنزل

ص: 35

الله! فصرفهم هذا عن الأهم واشتغلوا بما ليس مُهمًا في هذه الظروف القائمة الآن.

ص: 36

أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع الأليم؛ فنقول: كل من المسلمين بحسبه، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب على غير العالم، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة: أن الله عز وجل قد أكمل النعمة بكتابه، وجعله دستورًا للمؤمنين به، من ذلك أن الله تعالى قال:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء: من الآية 7) فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع الإسلامي قسمين: عالمًا، وغير عالم، وأوجب على كل منهما ما لم يوجبه على الآخر، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم، وعلى العلماء أن يجيبوهم عما سئلوا عنه، فالواجبات - من هذا المنطلق - تختلف باختلاف الأشخاص، فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة، وغير العالم عليه أن يسأل عما يهمه بحق نفسه أو من كان راعيًا؛ كزوجة أو ولد أو نحوه، فإذا قام المسلم -من كلا الفريقين - بما يستطيع؛ فقد نجا؛ لأن الله عز وجل يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: من الآية 286) .

ص: 37

(1) حديث صحيح: رواه أبو داود (4297) ، وأحمد (5 / 287) ، من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه بطريقيه الألباني في الصحيحة (958)

ص: 38

فواجب العلماء إذًا أن يجاهدوا في التصفية والتربية، وذلك بتعليم المسلمين التوحيد الصحيح وتصحيح العقائد والعبادات، والسلوك، كل حسب طاقته وفي البلاد التي يعيش فيها؛ لأنهم لا يستطيعون القيام بجهاد اليهود في صف واحد ما داموا كحالنا اليوم، متفرقين، لا يجمعهم بلد واحد ولا صف واحد، فإنهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا الجهاد لصد الأعداء الذين تداعوا عليهم، ولكن عليهم أن يتخذوا كل وسيلة شرعية بإمكانهم أن يتخذوها؛ لأننا لا نملك القدرة المادية، ولو استطعنا، فإننا لا نستطيع أن نتحرك فعلا؛ لأن هناك حكومات وقيادات وحكامًا في كثير من بلاد المسلمين يتبنون سياسات لا تتفق مع السياسة الشرعية - مع الأسف الشديد - لكننا نستطيع أن نحقق - بإذن الله تعالى - هذين الأمرين العظيمين اللذين ذكرتهما آنفًا وهما التصفية والتربية، وحينما يقوم الدعاة المسلمون بهذا الواجب المهم جدًّا في بلد لا يتبنى سياسة لا تتفق مع السياسة الشرعية، ويجتمعون على هذا الأساس، فأنا أعتقد - يومئذ- أنه سيصدق عليهم قول الله عز وجل:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} {بِنَصْرِ اللَّهِ} (الروم: من الآية 4-5) .

ص: 39