الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها ما هو فرض كفاية، كرد السلام، وتجهيز الميت، والصلاة عليه، ودفنه، والقيام بما يحتاج إليه المسلمون في أمور دينهم من طلب للعلم، ومن تعليم له، ومن دعوتهم إلى الله تعالى وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ومن القيام بما يحتاجون إليه في أمور دنياهم من أمور الطب والصناعة والزراعة وغيرها، ومن تحذيرهم مما يضرهم، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور حياتهم.
ومنها ما هو مستحب، كعيادة المريض، ومساعدة المحتاج غير المضطر بالبدن والمال، والدعاء لهم، والسلام على من لقيه منهم، وغير ذلك"1".
"1" وينظر: الإرشاد ص284-286، الموالاة والمعاداة: حقوق الموالاة 1/266-282، وينظر: كتاب "حقيقة الولاء والبراء" لسيد عبد الغني: الباب الأول ص36-278 فقد توسع في مظاهر وأمثلة الولاء المشروع.
المطلب الثاني:
مظاهر الولاء المحرم
موالاة أعداء الله من عباد الأصنام والبوذيين والمجوس واليهود والنصارى والمنافقين وغيرهم والتي هي ضد البراء بجميع أقسامها وأمثلتها محرمة بلا شك – كما سبق بيانه – وهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الموالاة الكفرية
بعض مظاهر وأمثلة الولاء المحرم مظاهر كفرية تخرج مرتكبها من ملة الإسلام، وهي كثيرة، أهمها:
1-
الإقامة ببلاد الكفار اختياراً لصحبتهم مع الرضى بما هم عليه من الدين، أو مع القيام بمدح دينهم، وإرضائهم بعيب المسلمين، فهذه الموالاة ردة عن دين الإسلام، قال الله تعالى:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28] فمن تولى الكافرين ورضي عن دينهم، وابتعد عن المسلمين وعابهم فهو كافر عدو لله ولرسله ولعباده المؤمنين"1".
"1" ينظر: الدواهي المدهية للكتاني ص46، وقال الشيخ عبد الله الأهدل اليماني الشافعي في السيف البتار على من يوالي الكفار ص7:"حكم من ينتقل إلى البلدة التي استولى عليها أهل الشرك فهو عاص فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الإثم إن لم يرضَ الكفر وأحكامه، فإن رضي بها فهو كافر مرتد تجري عليه أحكام المرتد"، وقد نقل هذا القول الكتاني المالكي في الدواهي المدهية ص210 مقراً له. وينظر: رسالة: الدفاع عن أهل السنة والأتباع للشيخ حمد بن عتيق "مطبوع ضمن مجموعة كتبه ورسائله ص12"، رسالة: أوثق عرى الإيمان "مطبوع ضمن مجموعة التوحيد 1/159، 160"، القول المبين ص106، 107، النواقض القولية والعملية ص361، الموالاة والمعاداة 2/850.
2-
أن يتجنس المسلم بجنسية دولة كافرة تحارب المسلمين، ويلتزم بجميع قوانينها وأنظمتها بما في ذلك التجنيد الإجباري، ومحاربة المسلمين ونحو ذلك، فالتجنس على هذه الحال محرم لا شك في تحريمه، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه كفر وردة عن دين الإسلام بإجماع المسلمين"1" وهذا كله فيما إذا كان ذلك عن رغبة ورضى من المسلم، أما إن كان ملجئاً إلى ذلك لعدم وجود بلد مسلم يمكنه الهجرة إليه أو لعدم وجود بلد كافر أحسن حالاً من حال هذا البلد المحارب للمسلمين ينتقل إليه، فحكمه حكم المكره، فلا يحرم عليه ذلك إذا
"1" كما قال علامة مصر محمد رشيد رضا. ينظر مجلة المنار "مجلد 25، ج1، ص22".
وقد سئلت لجنة مصر برئاسة الشيخ علي محفوظ عن حال من يتجنس بجنسية دولة كافرة حالها كما ذكر أعلاه، فقالت:"إن التجنس بجنسية أمة غير مسلمة على نحو ما في السؤال هو تعاقد على نبذ أحكام الإسلام عن رضى واختيار، واستحلال لبعض ما حرم الله، وتحريم لبعض ما أحل الله، والتزام لقوانين أخرى يقول الإسلام ببطلانها، وينادي بفسادها، ولا شك أن شيئاً من ذلك لا يمكن إلا بالردة، ولا ينطبق عليه حكم إلا حكم الردة، فما بالك بهذه الأربعة مجتمعة في ذلك التجنس الممقوت". ينظر بحث "التجنس"للشيخ محمد السبيل المطبوع في مجلة المجمع الفقهي العدد الرابع ص156، 157، وينظر أيضاً فتوى مشابهة للشيخ يوسف الدجوي المصري الأزهري في المرجع السابق ص153، وينظر مجالس العرفان لمحمد جعيط 2/66، نقلاً عن النواقض القولية والعملية ص367-370.
كره ذلك بقلبه.
3-
التشبه المطلق بالكفار، بأن يتشبه بهم في أعمالهم، فيلبس لباسهم، ويقلدهم في هيئة الشعر وغيرها، ويسكن معهم، ويتردد معهم على كنائسهم، ويحضر أعيادهم، فمن فعل ذلك فهو كافر مثلهم بإجماع أهل العلم"1"، وقد ثبت عن عبد الله ابن عمرو قال:"من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة""2".
4-
أن يتشبه بهم في أمر يوجب الخروج من دين الإسلام، كأن يلبس الصليب أو يتبرك به مع علمه بأنه شعار للنصارى وأنهم يشيرون بلبسه إلى عقيدتهم الباطلة في عيسى عليه السلام، حيث يزعمون أنه قتل وصلب، وقد نفى الله تعالى ذلك في كتابه"3" فقال تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157] .
"1" ينظر التعليق الذي يلي التعليق الآتي، وينظر الاقتضاء 1/242.
"2" رواه البيهقي في سننه في الجهاد 9/234 بإسنادين، وهو حسن بمجموع الطريقين. وقد صححه شيخ الإسلام في الاقتضاء ص242، والغزي الشافعي. والنيروز والمهرجان من أعياد المجوس. ينظر: التشبه ص130، 131.
"3" قال القاضي عياض المالكي في الشفا 2/521، 522: "وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك الفعل، كالسجود للصنم وللشمس والقمر والصليب
5-
أن يزور كنائسهم معتقداً أن زيارتها قربة إلى الله تعالى"1".
6-
الدعوة إلى وحدة الأديان، أو إلى التقريب بين الأديان، فمن قال إن ديناً غير الإسلام دين صحيح ويمكن التقريب بينه وبين الإسلام أو أنهما دين واحد صحيح فهو كافر مرتد، بل إن من شك في بطلان جميع الأديان غير دين الإسلام كفر، لرده لقوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] ، ولرده لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة من أن دين الإسلام قد نسخ جميع الأديان السابقة، وأنها كلها أديان محرفة، وأن من دان بشيء منها فهو كافر مشرك"2".
والنار، والسعي إلى الكنائس والبيَع مع أهلها، والتزيي بزيهم من شد الزنانير وفحص الرؤوس فقد أجمع المسلمون أن هذا لا يوجد إلا من كافر وإن صرح فاعلها بالإسلام". وينظر: تشبه الخسيس بأهل الخميس ص50، الفروع 6/168، الدواهي المدهية ص46، 47، مجموعة التوحيد 1/355-358، 365،، فتاوى اللجنة الدائمة 2/87، النواقض القولية والعملية ص37، 371.
"1" مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 27/14، مختصر الفتاوى المصرية ص514.
"2" قال ابن حزم في مراتب الإجماع ص139: "اتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 28/524: "معلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوّغ
والدعوة إلى توحيد الأديان دعوة إلحادية قديمة، دعا إليها بعض ملاحدة الصوفية المتقدمين، كابن سبعين، والتلمساني وغيرهم، وجدد الدعوة إليها في هذا العصر بعض المنتسبين إلى الإسلام، ومن أشهرهم جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده المصري، ورجاء جارودي الفرنسي وغيرهم"1".
7 -
موالاة الكفار بإعانتهم على المسلمين:
إعانة الكفار على المسلمين سواء أكانت بالقتال معهم، أم بإعانتهم بالمال أو السلاح، أم كانت بالتجسس لهم على المسلمين، أم غير ذلك تكون على وجهين"2".
اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر"، وينظر الشفا لعياض 2/520، مختصر الفتاوى المصرية ص507، تشبُّه الخسيس ص50، وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة 2/85: "إن من يحدث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان".
"1" ينظر: الصفدية 1/98، 99، 268، مجموع الفتاوى 14/164، 165، النواقض القولية والعملية ص377-380، وتنظر رسالة "دعوة التقريب بين الأديان"ففيها تفصيل في هذه المسألة وفي المسائل المتعلقة بها.
"2" قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:9] : "وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً
الوجه الأول:
أن يعينهم بأي إعانة محبةً لهم ورغبةً في ظهورهم على المسلمين، فهذه الإعانة كفر مخرج من الملة"1".
تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه".
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] : إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم".
وقال أطال الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في "نواقض الإيمان القولية والعملية" ص381-384 في نقل أقوال أهل العلم في بيان معنى "التولي" وأنه بمعنى "الموالاة" عند جمهور المفسرين، وينظر: التعليق الآتي.
"1" ذكر الإمام ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28] أن معنى هذه الآية: النهي عن مناصرة الكفار موالاة لهم على دينهم ومظاهرة لهم على المسلمين، وأن هذا موجبٌ للردة.
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بعد ذكره لقصة حاطب ونزول صدر سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآيات في شأن حاطب، قال: "فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل
......................................................................
ذلك قد ضل سواء السبيل، لكن قوله:" صدقكم، خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذ كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قال: خلوا سبيله.
ولا يقال، قوله صلى الله عليه وسلم:" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم " هو المانع من تكفيره؛ لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من لحاق الكفر وأحكامه؛ فإن الكفر يهدم ما قبله، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]، وقوله:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع؛ فلا يظن هذا.
وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، وقوله:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57] فقد فسَّرته السنة وقيَّدته وخصَّته بالموالاة المطلقة العامة.
وأصل الموالاة هو: الحب، والنصرة، والصداقة، ودون ذلك مراتب متعددة، ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروف في هذا الباب وفي غيره؛ وإنما أشكل الأمر وخفيت المعاني والتبست الأحكام على خلوف من العجم والمولَّدين الذين لا دراية لهم بهذا الشأن، ولا ممارسة لهم بمعاني السنة والقرآن.
ولهذا قال الحسن رضي الله عنه: من العجمة أتوا. وقال عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد لما
وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على ذلك"1".
ناظره في مسألة خلود أهل الكبائر في النار، واحتج ابن عبيد: أن هذا وعد، والله لا يخلف وعده، يشير إلى ما في القرآن من الوعيد على بعض الكبائر والذنوب بالنار والخلود؛ فقال له ابن العلاء: من العجمة أُتيتَ، هذا وعيد لا وعد، وأنشد قول الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته
…
لمخلفٌ إيعادي ومنجز موعدي
وقال بعض الأئمة فيما نقل البخاري أو غيره: إن من سعادة الأعجمي والعربي إذا أسلما أن يُوفَّقا لصاحب سنة، وإن من شقاوتهما أن يمتحنا وييسرا لصاحب هوى وبدعة". انتهى كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله.
وينظر: مجموع الفتاوى 28/240، 530، 531، 534، 535، وينظر: ما سبق عند الكلام على كفر الإباء والاستكبار، وما سيأتي عند الكلام على الاستعانة بالكفار إن شاء الله تعالى.
"1" ينظر: الدرر السنية 2/361، و10/8، 9، و15/479، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز "جمع الإفتاء 1/274". ومن أطلق من العلماء المتأخرين حكاية هذا الإجماع على كفر من أعان الكفار فيحمل على من أعانهم محبةً لهم ورغبةً في ظهورهم على المسلمين، ولا يصح حمله على عموم الإعانة مهما كان الحامل عليها؛ لأن في ذلك دعوى الإجماع على ما حكى بعض العلماء المتقدمين الإجماع على ضده وهو تحريم قتل الجاسوس، وهو إجماع صحيح فيما يتعلق بعدم ردته، أما تحريم قتله فقد حكي إجماعاً، وقيل: إنه قول الجمهور كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني:
أن يُعين الكفارَ على المسلمين بأي إعانة ويكون الحامل له على ذلك مصلحة شخصية، أو خوف، أو عداوة دنيويّة بينه وبين من يقاتله الكفار من المسلمين، فهذه الإعانة محرمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكنها ليست من الكفر المخرج من الملة.
ومن الأدلة على أن هذه الإعانة غير مكفرة: ما حكاه الإمام الطحاوي من إجماع أهل العلم على أن الجاسوس المسلم لا يجوز قتله"1"، ومقتضى ما حكاه الطحاوي أنه غير مرتد.
ومستند هذا الإجماع: أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قد جسَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين في غزوة فتح مكة، فكتب كتاباً إلى
"1" نقل الحافظ في الفتح 12/310 عن الإمام الطحاوي أنه حكى الإجمال على أن الجاسوس المسلم لا يُباح دمه أي أنه غير مرتد، فلا يقام عليه حد الردة، ولا يقتل تعزيراً، وحكى القرطبيُّ في المفهم 3/47، و7/440-442، والقاضي عياض في إكمال المعلم 6/71، و7/539، وابن الملقن في الإعلام 10/322، والحافظ في الفتح 12/310 هذا القول عن الجمهور، وذكروا أن بعض أهل العلم قالوا بجواز قتله تعزيراً. وينظر: المعلم 3/160، كشف المشكل 1/141، معالم السنن 4/4، عارضة الأحوذي 12/193، زاد المعاد 3/114، 115، الفروع: التعزير 6/113-115، كشاف القناع: التعزير 6/126.
مشركي مكة يخبرهم فيه بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد أخفى وجهة سيره، لئلا تستعد قريش للقتال، وكان الدافع لحاطب رضي الله عنه لكتابة هذا الكتاب هو مصلحة شخصية، ومع ذلك لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بردته، ولم يُقمْ عليه حدَّ الردة"1"، فدلَّ ذلك على أن ما عمله ليس كفراً مخرجاً من الملة"2".
"1" أخرج حديث قصة حاطب رضي الله عنه البخاري في الجهاد، باب الجاسوس "3007"، ومسلم في الفضائل "2494"، وقال النووي في شرح مسلم 16/57،56 عند شرحه لقصة حاطب:"قال العلماء: معناه الغفران لهم أي لأهل بدر في الآخرة، وإلا فلو توجَّه على أحد منهم حد أو غيره أُقيم عليه في الدنيا، ونقل القاضي عياض الإجماعَ على إقامة الحد، وأقامه عمر على بعضهم، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مِسْطحاً الحد وكان بدرياً"، وقد حكى الإجماع أيضاً على وجوب إقامة الحدود على أهل بدر ابن بطال في شرح البخاري 8/597، والحافظ في الفتح 7/306، والعيني في عمدة القاري 24/95، وقد يكون نقله عن التوضيح، ونقل قول النووي ابن مفلح في الفروع 6/115 وعلي القاري في المرقاة 5/631 مقرَّين له. وينظر: كلام الشيخ عبد اللطيف السابق.
"2" قال ابن العربي في تفسير أول سورة الممتحنة: "من كثرتطلعه على عورات المسلمين ويُنبِّه ويُعَرِّف عدوَّهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافراً إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينوِ الردة عن الدين"، وقد ذكر مثل هذا القول أبوعبد الله القرطبي في تفسيره.
....................................................................
وقال أبوالعباس القرطبي في المفهم 6/442 عند شرحه لقصة حاطب: "ومن جملة ما فيه من الفقه: أن ارتكاب الكبيرة لا يكون كفراً"، وقال القاضي عياض 7/395:"فيه أن التجسس لا يخرج عن الإيمان"، وقال النووي في شرح مسلم 16/55:"فيه أن الجاسوس وغيره من أصحاب الذنوب الكبائر لا يكفرون بذلك، وهذا الجنس كبيرة قطعاً؛ لأنه يتضمن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كبيرة بلا شك، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [الأحزاب:57] "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 7/523 عند كلامه على الكفار:"وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة، فتكون ذنباً ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله فيه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1] ، وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أُبَي في قصة الإفك، فقال لسعد بن معاذ: والله لا تقتله، ولا تقدر على قتله. قالت عائشة: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية. ولهذه الشبهة سَمَّى عمرُ حاطباً منافقاً.. فكان عمر متأولاً في تسميته منافقاً للشبهة التي فعلها".
قلت: ولهذا التأويل من عمر مع أن عمل حاطب ليس ردة أورد البخاري قصته في الأدب باب من لم ير إكفار من قال ذلك أي قال لأخيه: يا كافر ونحوه متأولاً، وفي استتابة المرتدين باب في المتأولين.
وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد 3/424،423 بعد ذكره لهذه القصة:"وفيها: أن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة الماحية".
وهذا كله إنما هو في حق من كان مختاراً لذلك، أما من كان مكرهاً أو ملجئاً إلى ذلك إلجاءً اضطرارياً كمن خرج مع الكفار لحرب المسلمين مكرهاً "1" ونحو ذلك فلا ينطبق عليه هذا الحكم لقوله تعالى:{إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] .
فإذا ثبت أن ما فعله حاطب رضي الله عنه ليس ردة وهذا مجمع عليه مع أن رسالته لو وصلت إلى مشركي مكة لاستعدَّت قريش للحرب، وهذا خلاف ما قصد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعمية خبر غزوه لهم، فما عمله حاطب رضي الله عنه إعانةٌ عظيمة للكفار في حربهم للمسلمين في غزوة من أهم الغزوات الفاصلة في الإسلام إذا ثبت ذلك عُلم أن الإعانة لا تكون كفراً حتى يكون الحامل عليها محبة الكفار والرغبة في انتصارهم على المسلمين، وعلم أن القول بأن إعانة الكفار على المسلمين كفر وردة مهما كان الحامل عليها كما هو ظاهر كلام ابن حزم في المحلى 11/198 مستدلاً ببعض أحاديث الوعيد فيه نظر ظاهر.
وينظر: كلام الشيخ عبد اللطيف السابق، ففيه تفصيل وتجليه لهذه المسألة.
وهذا التفصيل في أوجه الإعانة المذكور أعلاه هو ما قرره شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك، وهو ما يدل عليه مجموع الأدلة الواردة في هذه المسألة، والله أعلم.
"1" قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 5/121 عند كلامه على الكفار: "وقد يقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه، يشهد القتال معهم، ولا يمكنه الهجرة، وهو مكره على القتال، ويُبعث يوم القيامة على نيته، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يغزو جيش هذا البيت، فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم " فقيل: يا رسول الله، وفيهم المكره؟ فقال:" يُبعثون على نياتهم ".
القسم الثاني: الموالاة المحرمة غير الكفرية
هناك مظاهر وأمثلة من الولاء المحرم – الذي هو ضد البراء – لا تخرج صاحبها من الإسلام، ولكنها محرمة –كما سبق– وهي كثيرة، أهمها:
1-
محبة الكفار"1"، واتخاذهم أصدقاء، قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22] والمودة: المحبة "2"، وقال الله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا يحب رجلٌ قوماً إلا جاء معهم يوم القيامة""3".
"1" ينظر ما يأتي من تفصيل أنواع المحبة عند الكلام على جواز الزواج بالكافرة الكتابية في المبحث الثالث – إن شاء الله تعالى-.
"2" ينظر: تفسير القرطبي للآية السابقة، وإتحاف ذوي البصائر "مادة: ودَّ" 5/183-186.
"3" رواه أبويعلى "4666" وسنده صحيح رجاله رجال الصحيحين، وله طرق أخرى وشواهد تنظر في مجمع الزوائد 1/37، والسلسلة الصحيحة "1387".
والواجب على المسلم بغض جميع الكفار والمشركين، والبعد عنهم، وهذا مجمع عليه بين المسلمين"1"، وذلك لأن الكفار يحادون الله تعالى ويبارزونه بأعظم المعاصي بجعل شريك معه في عبادته أو بادّعاء أن له صاحبة أو ولداً أو بغير ذلك مما فيه تنقص لله تعالى، فهم أعداء الله تعالى، فيجب التقرب إلى الله تعالى ببغضهم ومعاداتهم، وعدم الركون إليهم"2"، قال شيخنا محمد بن عثيمين:"الكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، ويجب علينا أن نكرهه بكل قلوبنا""3".
"1" قال شيخنا عبد العزبز بن باز كما في مجموع فتاويه "جمع الطيار 3/1028" قد دل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أنه يجب على المسلمين أن يعادوا الكافرين من اليهود والنصارى وسائر المشركين،ويحذروا مودتهم واتخاذهم أولياء"، وينظر: المرجع نفسه 3/1021-1054، وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف في القول المبين ص87: "اتفق السلف على عدم جواز إظهار التودد والمحبة للظلمة والفسقة، وكل من عصى الله تعالى من المسلمين بمعصية متعدية كالقتل والسرقة والغصب، فما بالك بغير المسلم". وينظر: الإيمان لشيخ الإسلام ص38، الزواجر "الكبيرة 54، و55، ج1 ص11، 111"، مجموعة التوحيد "سبيل النجاة والفكاك 1/339، 340"، فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/27، 28، 31، 40، التدابير الواقية من التشبه بالكفار 1/443.
"2" والركون إليهم: مودتهم أو مداهنتهم أو الرضى بأعمالهم. ينظر تفسير الجلالين وتفسير الشوكاني للآية 113 من سورة هود، وسبيل النجاة 1/339.
"3" ينظر: مجموع فتاويه 3/12، وينظر فتاوى اللجنة الدائمة 3/313، وقد سبق
2-
الاستيطان الدائم في بلاد الكفار، فلا يجوز للمسلم الانتقال إلى بلاد الكفار"1" للاستيطان فيها"2"، ولا يجوز له التجنس
عند الكلام على مظاهر الولاء الواجب حديث: " من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان ".
"1" بلاد الكفار -وتسمى: دار الكفر – هي البلاد التي يحكمها الكفار، ويجري فيها أحكام الكفر، أو يغلب فيها حكم الكفر ولو كان بعض أهلها من المسلمين. ينظر: الأم 7/334، المحلى 11/200، المبسوط 10/144، بدائع الصنائع 7/130، 131، السيل الجرار 4/575، اختلاف الدارين ص30-36.
"2" قال الشيخ عبد الله الأهدل اليماني الشافعي في السيف البتار على من يوالي الكفار ص7: "وحكم من ينتقل إلى البلدة التي استولى عليها أهل الشرك أنه عاص فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الإثم إن لم يرض بالكفر وأحكامه، وإلا فإن رضي بها فهو كافر مرتد، تجري عليه أحكام المرتد، وليتأمل العاقل ما الحامل لهذا المسلم من النقلة من دار الإسلام الخالية عن الكفار إلى الدار التي أخذها الكفار وأظهروا فيها كفرهم وقهروا من فيها بأحكامهم الطاغوتية الكفرية إلا الزيغ والعياذ بالله تعالى وحب الدنيا التي هي رأس كل خطيئة وجمع حطامها من غير مبالاة بالدين وعدم الأنفة من إهانة أهل التوحيد، ومحبة جوار أعداء الله على جوار أوليائه"، وقد نقل هذا القول الكتاني المالكي في الدواهي المدهية ص210، 211 مقراً له، وقال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه 3/30: "كيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر، ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بإذنه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه،
بجنسيتها"1" ولو كان يستطيع إظهار شعائر دينه فيها إلا في حال الضرورة"2"، لقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وعلى مفارقة المشرك"3".
وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم"، وقال شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/488: "رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام"، وينظر: المقدمات لابن رشد 2/612، 613، المعيار المعرب 2/119-141، الدرر السنية17/165، معالم السنن مع تهذيب السنن 3/437، القول الفصل النفيس ص266.
"1" ينظر: حكم اللجوء والإقامة في بلاد الكفار للشيخ صالح الشثري، فتاوى اللجنة الدائمة 2/69-74، مجلة المجمع الفقهي "المجلد الرابع: بحث الشيخ محمد السبيل في التجنس"، وقد سبق عند الكلام على المثال الثاني من أمثلة الولاء الكفري ذكر مراجع أخرى لهذه المسألة.
"2" كأن لا يجد بلداً مسلماً ينتقل إليه ويخشى على نفسه إن بقي في بلده ونحو ذلك. ينظر المحلى: الردة "المسألة 2198"، ج11، ص200.
"3" رواه الإمام أحمد 4/365، والنسائي "4186، 4187" بسند صحيح، وله شاهد بنحوه رواه أحمد 5/3، 4، 5 بسند حسن، وله شاهد آخر رواه أبوداود "2645"، والترمذي "1604" بسند الراجح أنه مرسل، بلفظ:" أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى ناراهما "، وله شاهد ثالث رواه أبوداود "2787" بسند ضعيف، فيه رجل ليس بالقوي، وآخر مجهول، ورجلان لم يوثقا، ولفظه:" من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله ". وينظر: التلخيص "2285"، والإرواء "1207"، والسنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار ص397-400.
وإذا أسلم الكافر وبلده بلد كفر فإن كان لا يستطيع إظهار شعائر دينه ويستطيع الهجرة وجبت عليه الهجرة إلى بلد من بلاد المسلمين بإجماع أهل العلم"1"، ولا يجوز له البقاء في هذا البلد إلا في حال الضرورة، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [النساء:97، 98]"2".
"1" قال في الإنصاف: الجهاد 10/35: "وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب بلا نزاع في الجملة"، وينظر التعليق الآتي.
"2" قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أي بترك الهجرة، {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة؟ "، وقال أبوالمواهب الكتاني المالكي في الدواهي المدهية ص167 بعد ذكره لهذه الآية:"وهذا دليل على أن الإنسان إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب – والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر – أو علم أنه في غير بلده أقوم بحق الله وأدوم على العبادة حقت عليه الهجرة"، وجاء في مجموع فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/30 أنه سئل –رحمه الله– عن رجل أسلم وبقي في بلده مع أن أهل بلده يكرهون الإسلام ويحاربون المسلمين، لأنه يشق عليه
أما إن كان المسلم يستطيع إظهار شعائر دينه من توحيد وصلاة وتعلُّم لأحكام الإسلام وتمسك بالحجاب للمرأة وغيرها فالهجرة إلى بلاد المسلمين مستحبة في حقه حينئذ، ويجوز له أن يبقى في بلده الأول، فقد روى أبوسعيد الخدري أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة، فقال:" إن شأن الهجرة لشديد، فهل لك من إبل؟ "قال: نعم. قال: " فهل تؤتي صدقتها؟ "قال: نعم. قال: " فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً ". متفق عليه"1".
ترك الوطن: فقال: "هذا الرجل يحرم عليه بقاؤه في هذا البلد ويجب عليه أن يهاجر، فإن لم يفعل فليرتقب قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية فالواجب على هذا إذا كان قادراً على الهجرة أن يهاجر إلى بلد الإسلام، أما كونه لا يستطيع مفارقة بلد يحارب الإسلام وأهله لمجرد أنها وطنه الأول فهذا حرام، ولا يجوز له البقاء فيها"وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة 2/45.
والهجرة الواجبة منها هذه الهجرة، ومنها الهجرة من دار البدعة، كما قال الإمام مالك: لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يُسب فيه السلف، ومنها الهجرة من دار غلب عليها الحرام، فإن طلب الحلال فرض. ينظر المحلى: المسألة "2198"، ج11 ص200، أحكام القرآن لابن العربي "تفسير الآية 94 من النساء"، الشرح الكبير مع الإنصاف: الجهاد 10/35-38، مجموع الفتاوى 18/284، الولاء والبراء ص286-288.
"1" صحيح البخاري: الزكاة "1452"، وصحيح مسلم: الإمارة "1865"، ويشهد لمعنى هذا الحديث حديث بريدة الذي رواه مسلم في أول الجهاد"1731"،
وقد يُستحب له البقاء في بلده الأول إذا كان في ذلك مصلحة شرعية، كالدعوة إلى الإسلام، ونحو ذلك"1".
3-
السفر إلى بلاد الكفر في غير حال الحاجة، فيحرم على المسلم أن يسافر إليها إلا في حال الحاجة، فإن كانت هناك حاجة إلى السفر إلى تلك البلاد سواء كانت خاصة بالمسافر أو عامة للمسلمين جاز له السفر بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون من يذهب إلى تلك البلاد ذا علم بأمور دينه، وعنده علم ودراية بالأمور النافعة والضارة.
كما يشهد له أحاديث الوفود، حيث لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الوفود الذين وفدوا عليه مسلمين ومخبرين عن إسلام قومهم قبل الفتح بالهجرة كما قال أبوعبيد، ويشهد له كذلك ما روي أن العباس بقي بمكة بعد إسلامه، وما ثبت أن ثمامة رجع إلى بلده بعد إسلامه. وينظر: الأموال، كتاب مخارج الفيء ص271-285، المقنع مع شرحيه: الشرح الكبير والإنصاف 10/35-39، شرح صحيح مسلم للنووي: الجهاد باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان بلده 13/7، فتح الباري: الجهاد باب لا هجرة بعد الفتح 6/190، الدفاع عن أهل السنة والأتباع للشيخ حمد بن عتيق "مطبوع ضمن مجموعة كتبه ورسائله ص14-17"، مجموعة الرسائل والمسائل 1/39، مجموعة التوحيد 1/34، 35، 366-376.
"1" ينظر الموالاة والمعاداة 2/848 نقلاً عن الابتعاث ومخاطره للدكتور محمد لطفي الصباغ ص12، وينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 27/39.
الثاني: أن يكون في مأمن وبعد عن أسباب الفتنة في الدين والخلق.
الثالث: أن يكون قادراً على إظهار شعائر دينه.
ومن الحاجات التي يجوز السفر من أجلها: السفر للدعوة إلى الله تعالى، والسفر للتجارة، والسفر للعلاج، والسفر لحاجة المسلمين في تلك البلاد كسفراء الحكومات المسلمة ونحوهم، والسفر لتعلم علم يحتاجه المسلمون ولا يُوجد إلا في بلاد الكفر"1
"1" قال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه 3/28، 29 عند ذكره لأقسام السفر إلى بلاد الكفار، وبعد ذكره للشرطين الثاني والثالث المذكورين أعلاه، قال: "القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس الإقامة للتجارة والعلاج، فهي لهاحاجة لكنها أخطر منها وأشد فتكاً بدين المقيم وأخلاقه، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم، فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال، والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله، فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسين شروط:
الشرط الأول: أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد، فأما بعث الأحداث "صغار السن" وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم، وخلقهم، سلوكهم
أما السفر إلى بلاد الكفر من أجل السياحة ونحوها فهو سفر محرم، لعموم الأحاديث المذكورة في الفقرة السابقة، فإن فيها المنع من الإقامة في بلد الكفر، وهذا يشمل الإقامة اليسيرة، كاليوم واليومين، ولما في ذلك من تعريض دين المسلم وخلقه للخطر من غير ضرورة أو
ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإن كثيراً من أولئك المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في ديانتهم، وأخلاقهم وسلوكهم، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
الشرط الثاني: أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل، ومقارعة الباطل بالحق، لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقاً أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل.
الشرط الثالث: أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله، وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة ومتنوعة فإذا صادفت محلاً ضعيف المقاومة عملت عملها.
الشرط الرابع: أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم" انتهى كلامه رحمه الله، وينظر: المقدمات لابن رشد 2/612، 613.
حاجة"1".
4 -
مشاركة الكفار في أعيادهم الدينية، كعيد رأس السنة الميلادية "الكرسمس"، فلا يجوز للمسلم مخالطة أو مشاركة الكفار في أعيادهم الدينية بإجماع أهل العلم"2"، لأن في ذلك إقراراً لعملهم ورضى به وإعانة
"1" ينظر: مجموعة التوحيد 1/65، 66، 373، 374، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز 2/1066-1070، الموالاة والمعاداة 2/847-874، وقال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه 3/24: "السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عند تقوى وخوف من الله يمنعانه الوقوع في الشهوات المحرمة.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك.
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة وفيه إضاعة المال لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار. أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به. وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام".
"2" قال الكتاني المالكي في الدواهي المدهية ص58: "وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز الحضور معهم في شعائر دينهم، وقال عبد الملك بن حبيب في الواضحة:
عليه، وقد قال تعالى:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ، ولا شك أن مشاركتهم في أعيادهم الباطلة المحرمة من الإعانة على الإثم"1".
كما يحرم تهنئتهم بهذه الأعياد بإجماع أهل العلم "2"، ويحرم حضور أعيادهم الدنيوية وتهنئتهم بها، لأنها أعياد مبتدعة محرمة في ديننا، كما يحرم جعل هذه الأيام التي لهم فيها عيد ديني أو دنيوي
سُئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط علهيم بشركهم الذي اجتمعوا عليه، ورآه من تعظيم دينهم وعون لهم على كفرهم.. قال: وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أحداً اختلف فيه".
"1" اقتضاء الصراط المستقيم 1/424-488، و2/514-570، الآداب الشرعية 3/431-433، وينظر تفسير الآية 72 من سورة الفرقان في تفاسير ابن جرير والقرطبي والسيوطي، مجموع فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/32، 33، كتاب أعياد الكفار للشيخ إبراهيم الحقيل ص100، الموالاة والمعاداة 2/732-737، النواقض القولية والعملية ص373-376.
"2" قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة: فصل في تهنئة أهل الذمة 1/162: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصنم"، وقال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه 3/45، 46: "وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا. وإذا هنئونا
عيداً، لأن هذا من التشبه المنهي عنه"1".
5– التشبه بهم فيما هو خاص بهم مما يتميز به الكفار عن المسلمين، فيحرم على المسلم أن يقلدهم في كل ما هو خاص بهم من عبادات أو عادات وتقاليد أو آداب أو هيئات، سواء أكان أصل ذلك مباحاً في ديننا أم محرماً"2"، فلا يجوز للمسلم أو المسلمة أن يقلدهم مثلاً
بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام.. وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك
…
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم".
"1" الاقتضاء 1/426-640، و2/581-616، فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز "جمع الطيار" ص894"، الولاء والبراء ص331. وينظر كلام الإمام الذهبي الآتي قريباً – إن شاء الله تعالى – فهو مهم جداً.
"2" قال شيخنا محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه 3/47: "مقياس التشبه أن يفعل المتشبه ما يختص به المتشبه به، فالتشبه بالكفار: أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون
في اللباس أو هيئة الأكل أو الشرب، أو طريقة تسريح أو حلق شعر الرأس أو شعر الوجه"1"، أو طريقة الأكل والشرب أو طريقة الجلوس أو المشي أو كيفية السلام أو طريقتهم في بناء مساكنهم أو في أنظمتهم في الحكم والإدارة والاقتصاد ونحو ذلك مما لا فائدة فيه ظاهرة للمسلمين"2".
تشبهاً، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى"وينظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص242، الفتح: اللباس باب البرانس وباب الميثرة 10/272، 307، إرشاد أولى الألباب ص40 – 49، سبل السلام باب الزهد والورع 4/338، رسالة"التشبه المنهي عنه"لجميل اللويحق الباب الأول: مطلب القواعد الشرعية في باب التشبه بالكفار ص96 – 127.
"1" جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 3/308: "ويختلف حكم مشابهتهم، فقد يكون كفراً كالتشبه بهم في الاستغاثة بأصحاب القبور، والتبرك بالصليب، واتخاذه شعاراً، وقد يكون محرماً فقط، كحلق اللحية، وتهنئتهم بأعيادهم، وربما أفضى التساهل في مشابهتهم المحرمة إلى الكفر والعياذ بالله".
"2" فيستثنى من ذلك ما كان فيه مصلحة ظاهرة للمسلمين من الأمور الدنيوية كالاكتشافات والمخترعات وطرق الإدارة وطرق حفظ الأموال وتنميتها، وما اكتشفوه من الأمور النافعة من الأمور الدنيوية الطبيَّة وغيرها مما كان أصله مباحاً في دين الإسلام، وسيأتي الكلام على ذلك عند بيان ما يجوز من التعامل مع الكفار، ويستثنى من ذلك ما إذا كان على المسلم ضرر فيه كما سيأتي من كلام
ومن المعلوم أن التقليد للغير دليل على الشعور باحتقار الذات، وأن هذا المقلِّد يرى بأن من قلَّده أفضل منه وأرفع منه قدراً"1"، ولذلك حاول أن يتشبه به. وهذا لا يليق بالمسلم تجاه الكافر.
فالمسلم أرفع قدراً من جميع الكفار"2" بنص القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ
شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم عند الكلام على وجوب رد السلام على الكافر – إن شاء الله تعالى–.
"1" ينظر مقدمة ابن خلدون: الفصل الثالث والعشرون في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده ص147، وينظر كلام أحمد شاكر الذي سيأتي عند ذكر الأحاديث الدالة على تحريم التشبه.
"2" قال الإمام الذهبي الشافعي في "تشبُّه الخسيس بأهل الخميس" ص21 – 23 عند كلامه على تشبه بعض جهال المسلمين بالنصارى بالاحتفال مثلهم في يوم عيدهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون "، وقد أوجب الله عليك يا هذا المسلم أن تدعو الله تعالى كل يوم وليلة سبع عشرة مرة بالهداية إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين، فكيف تطيب نفسك بالتشبه بقوم هذه صفتهم، وهم حطب جهنم، ولو قيل لك: تشبه بمسخرة لأنفت من ذلك وغضبت، وأنت تشبَّه بأقلف – أي غير مختون – عابد صليب في عيده، وتكسو صغارك، وتفرِّحهم، وتصبغ لهم البيض، وتشتري البخور، وتحتفل لعيد عدوك كاحتفالك لعيد نبيك
…
، فأين
هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18] وقال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً} [الطلاق:10] ، والألباب هي العقول التامة السالمة من شوائب النقص"1"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الإسلام يعلو ولا يُعلَى عليه ""2".
وينبغي للمسلم أن ينظر إلى الكفار بالنظرة الشرعية الصحيحة، قال الله تعالى عنهم:{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}
يُذهَبُ بك إن فعلت ذلك إلا إلى مقت الله وسخطه إن لم يغفر الله لك، إن علمت أن نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم كان يحض على مخالفة أهل الكتاب في كل ما اختصوا به".
"1" ينظر: تفسير ابن كثير، وتفسير الشوكاني، وتفسير السعدي للآية 190 من آل عمران.
"2" رواه البيهقي 6/205، والدارقطني 3/252، والروياني كما في التغليق 2/489 من حديث عائذ بن عمرو، وفي سنده مجهولان، ورواه بحشل في تاريخ واسط 1/155 من حديث معاذ، وفي سنده رجل ضعيف، وبقية رجاله ثقات، فالحديث محتمل للتحسين، وله شاهد موقوف على ابن عباس يتقوى به، رواه البخاري في الجنائز باب إذا أسلم الصبي تعليقاً. ووصله الطحاوي في شرح معاني الآثار: كتاب السير باب الحربية تسلم 3/257 بسند صحيح. وقد حسن الحافظ في الفتح 3/220 حديث عائذ، وصححه العيني في عمدة القاري 8/169، وقال في الإرواء "1268":"الحديث حسن مرفوعاً بمجموع طريقي عائذ ومعاذ، وصحيح موقوفاً ". وينظر في معنى هذا الحديث: سبل السلام 4/132.
[الروم: 7]، وقال سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد: 12]، وقال جل وعلا:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 44]"1".
"1" كما أن التشبه بالكفار الذين هم أدنى منزلة من المسلم والذين يعتقدون اعتقادات كفرية ضالة ويتصفون بصفات أو يتخلقون بأخلاق لا تليق بالمسلم أن التشبه بهم في الأمور الظاهرة يورث بين المتشابهين محبة وتقاربا، ويقود المتشبِّه إلى أن يتخلق بأخلاق من تشبه به وأن يعمل مثل أعماله، وربما يقوده في آخر الأمر إلى أن يعتقد اعتقاداته الكفرية الضالة. وهذا مشاهد، فإن من يلبس ثياب الجند يشعر من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، وتصير طبيعته منقادة لذلك إلا أن يمنعه مانع ولذلك ورد النهي عن التشبه بالكفار، وعن التشبه بكل من هو في منزلة أدنى من منزلة المسلم أو يتصف ببعض الصفات التي لا تليق بالمسلم، فورد في بعض الأحاديث النهي عن التشبه بالشيطان، والبهائم، وأهل الجاهلية، والفساق، والنساء، والعجم والأعراب، والمراد النهي عن التشبه بما اختص بفعله العجم والأعراب ولو كانوا مسلمين ولم يفعله السلف؛ لأن ترك السلف له دليل على أنه مفضول في أقل أحواله. وينظر: الاقتضاء 1/80 – 83، 164، 366، 371 – 411، 486 – 488، مجموع فتاوى ابن تيمية 28/256 – 260، 304، 307، 310، فيض القدير 6/104، التشبه المنهي عنه ص54، 130، 156، 173.
وقد وردت أدلة شرعية كثيرة تدل على تحريم التشبه بالكفار"1"، منها:
"1" ذهب بعض أهل العلم إلى أن مجرد التشبه بالكفار إذا كان عن قصد للتشبه بهم من الكفر الأكبر المخرج من الملة، وعلى هذا القول فلو تشبه بهم من غير قصد للتشبه بهم، ولكن لأنه استحسن هذا العمل وأعجبه ففعله فهذا محرم وليس بكفر، قال القاضي حسين الشافعي:"لو تقلنس المسلم بقلنسوة المجوسي أو تزنر بزنار النصراني صار كافراً؛ لأن الظاهر أنه لا يفعل ذلك إلا عن عقيدة الكفر"، قال الشيخ جميل اللويحق عند ذكره لهذا القول:"وممن أطلق ذلك الحنفية والمالكية وجمهور الشافعية، وعللوا ذلك بأن عوائد الكفار الخاصة بهم هي علامة الكفر، ولا يفعلها إلا من التزم الكفر، والاستدلال بالعلامة والحكم بما دلت عليه مقرر في العقل والشرع"، كما استدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، والتشبه من التولي، وبقوله صلى الله عليه وسلم:" من تشبه بقوم فهو منهم"، ولعل الأقرب أن هذا التشبه محرم ولا يخرج من الملة، كما هو قول كثير من أهل العلم، وهذه النصوص من باب الوعيد. وينظر: روضة الطالبين: كتاب الردة 10/6، الاقتضاء 1/242، 420، 491، مختصر خليل مع شرحه التاج والإكليل "مطبوع بهامش شرح الحطاب: الردة 6/279"، الفتاوى الهندية: أحكام المرتدين 2/276، الفتاوى البزازية "مطبوع بهامش الفتاوى الهندية 6/332"، شرح روض الطالب مع حاشيته للرملي 4/11، تشبه الخسيس بأهل الخميس ص34، 50، مجموعة التوحيد 1/340 – 365، النواقض العملية ص372، مخالفة الكفار لعلي عجين ص22، التشبه المنهي عنه لجميل اللويحق
قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} [الحديد: 16] فنهى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المؤمنين أن يتشبهوا بالذين أوتوا الكتاب من قبلنا، وهم اليهود والنصارى"1"، ومنها ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من تشبه بقوم فهو منهم ""2"، ومنها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم مخبراً عما سيفعله كثير من
"قواعد التشبه ص81 – 84"، وينظر: كلام شيخ الإسلام وكلام الصنعاني الذي سيأتي نقله قريباً عند تخريج حديث "من تشبه بقوم فهو منهم"، وكلام شيخ الإسلام الذي سيأتي عند الكلام على رد السلام على الكفار.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن التشبه بالكفار يكون مكروهاً لا محرماً إذا كان أصل الفعل مشروعاً في ديننا ولكن أمر بمخالفة الكفار في صورته، كصيام عاشوراء وحده، وكتأخير الإفطار. ينظر: الاقتضاء 1/492، النهي عن التشبه ص84، 118.
"1" قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء ص258، 259:"فقوله: {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة القلب". وقال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية".
"2" رواه الإمام أحمد "5114"، وأبو داود "4031"، وابن أبي شيبة 5/313، والطحاوي في مشكل الآثار "231" وفي سنده اضطراب. وينظر: فيض القدير 6/104، 105، الإرواء "1269".
ضعفاء الإيمان الذين يشعرون بالنقص واحتقار أنفسهم أمام الكفار"1"، منكراً عليهم صنيعهم:" لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لتبعتموهم " قال
قال شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/241: "وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهرة يقتضي كفر المتشبِّه بهم"، وقال الصنعاني في سبل السلام في باب الزهد والورع في شرح هذا الحديث 4/338:"قالوا – أي العلماء – فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء، منهم من قال: يكفر. وهو ظاهر الحديث. ومنهم من قال: لا يكفر، ولكن يؤدب".
"1" قال علامة مصر أحمد محمد شاكر المتوفى سنة 1377هـ في تعليقه على قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: " ثياب الكفار لا تلبسها " في مسند أحمد 10/19: "هذا الحديث يدل بالنص الصريح على حرمة التشبه بالكفار في اللبس وفي الهيئة والمظهر كالحديث الآخر الصحيح: " ومن تشبه بقوم فهو منهم "، ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا –أعني في تحريم التشبه بالكفار– حتى جئنا في هذه العصور المتأخرة فنبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة، هجيراها وديدنها التشبه بالكفار في كل شيء والاستحذاء لهم والاستعباد، ثم وجدوا من الملتصقين بالعلم المنتسبين له، من يزين لهم أمرهم ويهون عليهم أمر التشبه بالكفار في اللباس والهيئة والمظهر والخلق وكل شيء، حتى صرنا في أمة ليس لها من مظهر الإسلام إلا مظهر الصلاة والصيام والحج، على ما أدخلوا فيها من بدع، بل من ألوان من التشبه بالكفار أيضاً".
أبوسعيد الخدري: قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال:
" فمن؟ " رواه البخاري ومسلم"1"، والسنن هي الطريقة، وهذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم، ولهذا ترى كثيراً من المسلمين والمسلمات اليوم يقلدون الكفار في كثير من الأمور، حتى فيما لا فائدة لهم فيه، كهيئة اللباس، وهيئة شعر الرأس، وحلق شعر العارضين والذقن، حتى إن من المسلمين والمسلمات من يبحث في المجلات أو غيرها عن آخر ما يفعله الكفار في الغرب أو الشرق فيفعله.
وقد وردت أحاديث كثيرة متواترة في النهي عن كثير من الأفعال وعُلِّل النهي فيها بالتشبه باليهود والنصارى"2" فدلَّ ذلك على أن مخالفتهم أمرٌ مطلوبٌ شرعاً، وعلى أن التشبه بهم محرم.
وقد أجمع أهل العلم على تحريم التشبه بالكفار"3".
"1" صحيح البخاري "3456"، وصحيح مسلم "2669" من حديث أبي سعيد. ورواه البخاري "7319" بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
"2" وقد جمع هذه الأحاديث الشيخ محمد ناصرالدين الألباني رحمه الله في رسالة "حجاب المرأة المسلمة " ص80-97، والدكتور عثمان دوكوري في رسالة "التدابير الواقية من التشبه بالكفار"، وجميل اللويحق في رسالة "التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي"، وقد ذكرتُ بعضها في "رسالة اليهود " برقم 111-123.
"3" كشاف القناع: الجهاد باب الهدنة 3/131، وينظر كلام العلامة أحمد شاكر
6 – تركهم يظهرون شعائر دينهم من عبادات وأعياد ونحوهما بين المسلمين، أو تركهم يبنون كنائس أو معابد لهم في بلاد المسلمين، أو تركهم يظهرون المعاصي بين المسلمين"1".
7 – اتخاذهم بطانة، فلا يجوز للمسلم أن يجعل الكافر بطانة له، بأن يطلعه على بواطن أموره، ويستشيره في أموره الخاصة، أو يستشيره في أمور المسلمين، أو يعتمد عليه في قضاء شيء من أمورهم التي يطلع فيها على أسرارهم، كأن يكون كاتباً يطلع على أخبار المسلمين"2"؛
الذي سبق قريباً، وينظر الاقتضاء 1/165، 350، 420.
"1" مصنف عبد الرزاق: كتاب أهل الكتابين 11/319، 320، 366، 377، الأموال لأبي عبيد باب ما يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا في أرض العنوة وفي أمصار المسلمين وما لا يجوز ص123– 133، الوجيز 2/199، مجموع الفتاوى 28/632 – 647. وفيها قوله:"اتفق المسلمون على أن ما بناه المسلمون من المدائن لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة مثل ما فتحه المسلمون صلحاً وأبقوا لهم كنائسهم القديمة"، بدائع الصنائع 7/113، 114، أحكام أهل الذمة 2/116 – 149.
"2" روى ابن أبي شيبة 8/470، وابن أبي حاتم "1274" بإسناد صحيح عن عمر أنه قيل له في كاتب نصراني ليتخذه كاتباً له، فقال:"قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين". وقال الحافظ ابن كثير في شرح الآية الآتية وبعد ذكره لهذا الأثر: "في هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي
لأن الكافر عدو للمسلم لا ينصح له، بل يفرح بما يعنته – أي ما يشق عليه ويضره – وما فيه خبال للمسلم – أي فساد عليه – قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118– 120]"1" ولا يستثنى من هذا إلا ما اضطر إليه المسلم ضرورة ملجئة مع الأمن من
فيها استطالة على المسلمين واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء". وروى ابن أبي حاتم في تفسير الآية 51 من المائدة، والبيهقي 9/204 بإسناد حسن أن عمر أنكر على أبي موسى الأشعري لما اتخذ كاتباً نصرانياً.
"1" ينظر تفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الشوكاني لهذه الآية، ومعنى "من دونكم" أي من سواكم، وهم جميع الكفار، وينظر: أحكام أهل الذمة 1/184 – 189. وينظر ما يأتي في المبحث الآتي عند الكلام على استئجار الكافر عند الكلام على الأمر الأول من الأمور التي تباح أو تستحب في حال التعامل مع الكفار.
ضرر الكافر"1".
8– السكن مع الكافر، فيحرم على المسلم أن يسكن مع الكافر في مسكن واحد ولو كان قريباً له أو زميلاً له، كما لا يجوز له أن يسكن معه من أجل مصلحة دنيوية كأن يريد أن يتعلم منه لغته أو لتجارة أو لغير ذلك"2"، كما لا يجوز أن يزوره في منزله من أجل مجرد إيناسه أو الاستئناس به، أو للعب، ونحو ذلك، كما لا يجوز طلب زيارتهم للمسلم من أجل ذلك؛ لأن هذا من الموالاة لهم، ولأن الكفار أعداء لنا، ولا يؤمن على المسلم من ضررهم في دينه أو بدنه، أما إن زاره من أجل قرابته له أو جواره له فلا بأس"3"، وهكذا إن زاره المسلم أو طلب منه أن يزوره وكان ذلك لحاجة شرعية، كتأليف قلبه ودعوته إلى الإسلام وأَمِنَ من ضرره على دين المسلم وبدنه أبيح بقدر الحاجة، كما تباح ضيافته واستضافته"4".
"1" ويدل لهذا ما رواه البخاري "3905" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأجر ابن أريقط وهو مشرك في وقت الهجرة ليكون دليلاً في الطريق إلى المدينة لما أَمِنَه.
"2" ويُستثنى من ذلك من كان تابعاً للمسلم كالعبد المملوك، والزوجة الكتابية، والخادم، كما يُستثنى السكن مع الوالدين، للأمر بصحبتهما في الدنيا معروفاً، ولأن بعض الصحابة سكنوا مع والديهم أو أحدهما، كأبي هريرة. وقد سبقت بعض النصوص في هذه المسألة عند الكلام على الاستيطان في بلاد الكفار.
"3" ينظر: أحكام أهل الذمة: عيادة أهل الذمة 1/158، فتاوى شيخنا عبد العزيز ابن باز "جمع الطيار 3/1051"، رسالة "أوثق عرى الإيمان""مطبوعة ضمن مجموعة التوحيد1/155"، الموالاة والمعاداة 1/729 – 731.
"4" ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة 2/44، 63-65، 75. ومما قد يستدل به هنا زيارة سعد بن معاذ لأمية بن خلف في مكة، وزيارة أمية لسعد في المدينة. رواه البخاري "2632".
وقال في الآداب الشرعية فصل في إباحة المعاريض 3/22: "لا تجب إجابة