المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحرز الثمين للحصن الحصين   تأليف الإمام المحدث علي القاري الهروي المكي (توفي: 1014 - الحرز الثمين للحصن الحصين - جـ ٣

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

الحرز الثمين للحصن الحصين

تأليف

الإمام المحدث علي القاري الهروي المكي

(توفي: 1014 هـ) بمكة المكرمة

تحقيق

أ. د/ محمد إسحاق محمد آل إبراهيم

أستاذ السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

[المجلد الثالث]

ص: -1

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 1082

‌فيما يتعلق بالأمور العلوية كسحاب ورعد ومطر وهلال وريح

(وإذا قُحِطُوا المطر أي: عدموه، والضمير راجع إلى الناس الذين يريدون دعاء الاستسقاء، وقال العسقلاني:"هو بضم القاف، وكسر المهملة"، أي: أصابهم القحط، أي: من جهة المطر، أو فيه تجريد أو تأكيد، إذ القحط غالبًا من فقد المطر، ففي "الصحاح"

(1)

: "أقحط القوم: إذا أصابهم القحط، وَقُحِطُوا أيضًا على ما لم يسم فاعله".

وفي "القاموس"

(2)

: "احتباس المطر: احتباس المطر، قحط العالم كمنع وفرح وعني قحطًا، وقحط الناس كسمع، وقحطوا أو أقحطوا بضمهما لغتان".

وفي نسخة: "وإذا قحط المطر"، قال ميرك:"كذا وقع في أصل سماعنا، والظاهر حذفه"، انتهى. ولم يظهر وجهه، ففي "العباب":"القحط: الجدب، يقال: قحط المطر يقحط قحوطًا إذا احتبس، وقال أعرابي لعمر رضي الله عنه: قحط السحاب"

(3)

.

وقال ابن دريد: "قحطت الأرض وقحطت قحطًا"، وحكى الفراء

(1)

الصحاح (ص 247).

(2)

القاموس (1/ 681).

(3)

عزاه في الكنز (23536) إلى ابن جرير والمحاملي.

ص: 1085

قحط [مثال سمع]

(1)

، وقحط الناس على ما لم يسم فاعله.

(فليجثوا) بفتح الياء وضم المثلثة، أي: فليقعدوا، (على الركب) بضم ففتح جمع الركبة، وفيه تجريد؛ لأن الجثو والجثي هو القعود بالركبة، ويعدى بـ "على" على ما في "التاج".

(ثم ليقولوا: يا رب، يا رب) أي: مرتين أو أكثر من خمس؛ لما ورد وسبق، أو أكثر إلى أن يجيء المطر، وتقدم أنه الاسم الأعظم، ويناسب النداء بنعت التربية للمقام، والله أعلم.

(عو) أي: رواه أبو عوانة عن سعد بن أبي وقاص: "أن قومًا شكوا إلى رسول الله قحط المطر، فقال: اجثوا على الركب، ثم قولوا: يا رب، يا رب، قال: ففعلوا فسقوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم"

(2)

.

(ودعاء الاستسقاء) في "القاموس"

(3)

: "استسقى منه: طلب سقيا، وسقاه الله الغيث: أنزله، وسقاه يسقيه، وسَقَاه وأسْقَاه، أو سقَاه وسقّاه بِالشَّفَة، وأسقاه: دله على الماء، أو سقى ماشيته أو أرضه، أو كلاهما: جعل له ماء".

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"كسمع".

(2)

أخرجه أبو عوانة (2530) والعقيلي في الضعفاء (3/ 308)، والطبراني في الأوسط (5981) عن سعد وفي إسناده عامر بن خارجة قال البخاري: في إسناده نظر، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (146)، والسلسلة الضعيفة:(1813).

(3)

القاموس (1/ 1296).

ص: 1086

(اللهم اسقنا) بهمزة وصل أو قطع، قال تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]، {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27].

(اللهم اسقنا. اللهم اسقنا) أي: ثلاث مرات، ويزيد ما شاء. (خ) أي: رواه البخاري عن أنس

(1)

.

(اللهم أغثنا) من باب الإفعال، قال المصنف:"أي: أنزل علينا الغيث، وهو المطر"

(2)

، انتهى. وفي "القاموس"

(3)

: "استغاثني فأغثته إغاثة، وما أغثت به المضطر من طعام"، ذكره في مادة "الغوث"، وفي "الغيث":"غاث الله البلاد، والغيث الأرض أصابها". (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) أي: ثلاثًا. (م) أي: رواه مسلم عنه أيضًا

(4)

.

وفي "الصحيحين" عنه: "أن رجلًا دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فقال عليه السلام: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس: فلا والله، ما نرى بالسماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من وراءه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت

" الحديث.

(1)

أخرجه البخاري (1013).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ أ).

(3)

القاموس (1/ 173).

(4)

أخرجه مسلم (897).

ص: 1087

ذكره ابن الهمام، واستدل به على أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بالدعاء في الاستسقاء مرّة، كما أنه جمع بينه وبين الصلاة أخرى كما في الحديث الآتي.

(وإن كان) أي: أحد من المستسقين، (إمامًا) أي: سلطانًا أو نائبه، قاضيًا أو خطيبًا، (خرج إذا بدا) بالألف، أي: ظهر (حاجب الشمس) أي: أولها على ما في "المهذب"، وقيل: أول شعاعها، وقال صاحب "المغرب":"هو أول ما يبدو من الشمس، مستعار من حاجب الوجه".

(فقعد على المنبر) أي: الموضوع في الصَّحْرَاءِ، أو في أحد مسجدي الحرمين الشريفين، (فكبر) أي: فقال: الله أكبر، أو فعظم الله (وحمد الله عز) أي: بذاته، (وجلَّ) أي: بصفاته.

وفي "الهداية": "هي كخطبة العيد عند محمد، يعني: فتكون خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ولذا قابله بقوله: وعند أبي يوسف خطبة واحدة، ولا صريح في المرويات يوافق قول محمد أنَّها خطبتان، بل في حديث أبي هريرة من رواية ابن ماجة، قال فيه: "ثم خطبنا، ودعا الله"، وهو غير لازم أن يكون كخطبة العيد"

(1)

.

(1)

أخرجه أحمد (2/ 326). وابن ماجة (1268) وابن خزيمة (1409 و 1422) قال ابن خزيمة: في القلب من النعمان بن راشد، فإن في حديثه.

وذكر ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 161) قال البيهقي في "خلافياته": رواة هذا الحديث كلهم ثقات. وقال في "سننه": تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري. قلت: وهو من فرسان مسلم وتعاليق البخاري، وقال: صدوق، في =

ص: 1088

ثم في حديث ابن عباس

(1)

قوله: "فلم يخطب خطبتكم هذه"، فإنه يفيد نفي الخطبة المعهودة - وهو خطبة الجمعة - لا أصل الخطبة، فإن النفي إذا دخل على مقيد انصرف إلى القيد، ولذا لم ينتهض استدلالُ مَنِ استدل بحديث ابن عباس هذا للإمام أحمد على نفي الخطبة في الاستسقاء، فإن أحمد ينفيها كقول أبي حنيفة.

ولابد للإمام أحمد - إذا كان ينفيها - أن يحكم بعدم صحة الوارد فيها، وقد روى الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم:"خرج عليه السلام يستسقي، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة"

(2)

، ولم يقل باستنانها، وذلك لازم ضعف الحديث.

(ثم قال: الحمد لله رب العالمين) أي: على هذه الحال، وعلى كلّ حال، (الرَّحمن الرحيم) أي: المنعوت بالرحمة على صفة المبالغة الشاملة للعامة والخاصة، (مَلِكِ يوم الدين)، وفي نسخة:"مالك يوم الدين"،

= حديثه وهم كثير. وذكره ابن حبان في "ثقاته"، وضعفه يحيى القطان وابن معين. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال النسائي: كثير الغلط.

قال البيهقي: تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري.

والمحفوظ عن الزهري أنه يرويه عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد.

هكذا هو في كتب الصحاح، البخاري (1011) ومسلم (2070).

(1)

أخرجه أبو داود (1165)، الترمذي (558)، والنسائي 3/ 157، وابن ماجة (1266)، حسنه الألباني في صحيح الترمذي (459).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 39).

ص: 1089

وهما قراءتان متواترتان، والأكثر على الأَوَّل، وهو أبلغ من الثاني عند الكُمَّلِ، (لا إله إلَّا الله يفعل ما يريد) أي: مما ينقص ويزيد.

(اللهم أنت الله) أي: لا غيرك، (لا إله إلَّا أنت، الغني) أي: بذاتك، (ونحن الفقراء) أي: إلى إيجادك وإمدادك، كما قال الله تعالى:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38]، (أنزل علينا الغيث) أي: المطر الذي يغيثنا عن الضرر.

(واجعل ما أنزلت) أي: من الخير المنزل، (علينا) وفي رواية:"لنا"، (قوة) أي: سببًا لقوتنا على الطاعة، (وبلاغًا) أي: قوتًا وزادًا.

قال المصنف: "البلاغ: ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب"

(1)

، انتهى. والمعنى: مده لنا مددًا طوالًا، (إلى حين) أي: زمن كثير، أو إلى حين فراغ آجالنا.

(ثم يرفع يديه حتى يبدو) بفتح الياء وضم الدال بعده واو، أي: يظهر، (بياض إبطيه) بكسر الهمزة وسكون الموحدة وقد يكسر: ما تحت الجناح. وفي رواية: "ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه".

(ثم يحول إلى الناس ظهره) أي: يستقبل القبلة للدعاء على وجه الإخلاص، ونهج الاختصاص، (ويحول رداءه) أي: يقلبه، وفي رواية:"ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ أ).

ص: 1090

قال ميرك: "المشهور عند الشافعية في كيفية تحويل الرداء: أن يأخذ بيده اليمنى الطرف الأسفل من جانب يساره، وبيده اليسرى الطرف الأسفل أيضًا من جانب يمينه، ويقلب يديه خلف ظهره بحيث يكون الطرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه الأعك من جانب اليمين، والمقبوض باليسرى على كتفه الأعلى من اليسار، فإذا فعل ذلك انقلب اليمين يسارًا وبالعكس، والأعلى أسفل وبالعكس"، ذكره العلامة الكِرْمَانِيُّ.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني

(1)

: "وقع في بعض طرق الحديث بيان المراد بالتحويل، بلفظ: "جعل اليمين على الشمال، والشمال على اليمين"، وفي رواية أخرى: "فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن".

وفي رواية أخرى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه".

وقد استحب الشافعي في الجديد فعل ما هم به النبي من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف، والجمهور على استحباب التحويل فقط، ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط.

وعن أبي حنيفة وبعض المالكية: لا يستحب شيء من ذلك، واختلف أيضًا في الحكمة في هذا التحويل، فجزم بعض العلماء: بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه، وورد فيه حديث حسن"، انتهى.

(1)

فتح الباري (2/ 498).

ص: 1091

(وهو رافع يديه، ثم يقبل على الناس) أي: يتوجه إليهم، (وينزل فيصلي) وفي "أصل الجلال":"ويصلي"(ركعتين. د، حب، مس) أي رواه: أبو داود، وابن حبان، والحاكم، كلهم عن عائشة، وسيأتي رواية أبي داود عنها مفصلًا

(1)

.

قال ابن الهمام: "يخرجون للاستسقاء ثلاثة أيام، ولم ينقل أكثر منها، متواضعين متخشعين في ثياب خلق مشاة، يقدمون الصدقة كلّ يوم بعد التوبة إلى الله تعالى، إلَّا في مكة وبيت المقدس، فيجتمعون في المسجد".

قال صاحب "الهداية": "ثم صلى مرّة في الاستسقاء، وتركها في أخرى، فلم تكن سنة عند أبي حنيفة، وإنما يكون سنة ما واظب عليها، ولذا قال شيخ الإسلام: "فيه دليل على الجواز، عندنا: يجوز لو صلوا بجماعة، لكن ليس بسنة

(2)

.

وبه يبطل أيضًا قول ابن العز: "الذين قالوا بمشروعية صلاة الاستسقاء لم يقولوا بتعينها، بل هي على ثلاثة أوجه: تارة يدعون عقيب الصلاة، وتارة يخرجون إلى المصلى فيدعون من غير صلاة، وتارة

(1)

أخرجه أبو داود (1173) والمستدرك (1/ 328) وصححه النووي في "الخلاصة"(2/ 870) وقال: "رواه أبو داود بإسناد صحيح".

وأقره النووي في "الأذكار"(1/ 150)، والزيلعي في "نصب الراية"(2/ 242)، والحافظ في "البلوغ"(1/ 103) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1040).

(2)

فتح القدير (2/ 91).

ص: 1092

يصلون جماعة ويدعون، وأبو حنيفة لم يبلغه الوجه الثالث، فلم يقل به.

والعجب أنه قاله بعد نقله قول المصنف: "قلنا فعله مرّة، وتركه أخرى فلم يكن سنة"، وهو مصرح بعلمهم بفعله.

وكذا قول غير المصنف: "المروي فيه شاذ فيما تعم به البلوى"، وهو [جواب ظاهر]

(1)

الرواية، فإن عبارته في "الكافي"الذي هو جمع كلام محمد، قال:"لا صلاة في الاستسقاء، وإنما فيه الدعاء، بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خرج ودعا، وبلغنا عن عمر رضي الله عنه: أنه صعد المنبر فدعا واستسقى، ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صلاة إلَّا حديث واحد شاذ، لا يؤخذ به"، انتهى

(2)

.

وقال: ثم الحديث الذي روي من صلاته عليه السلام هو ما في السنن الأربعة عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: "أرسلني الوليد بن عتبة - وكان أمير المدينة - إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتذلًا متواضعًا متضرعًا، حتى أتى المصلى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد" صححه الترمذي

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) و (د):"ظاهر جواب".

(2)

"فتح القدير"(2/ 91).

(3)

أخرجه أبو داود (1165)، والترمذي (559)، والنسائي (3/ 156 - 157)، وابن ماجة (1266)، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري، قال الحافظ: صدوق، التقريب (369). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 1093

وقال المنذري في "مختصره": "رواية إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن ابن عباس وأبي هريرة مرسلة"، ولا يضر ذلك؛ فقد صح من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم، أخرجه الستة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي؛ فصلى بهم ركعتين، وحوَّل رداءه ورفع يديه فدعا واستسقى، واستقبل القبلة" زاد البخاري فيه: "جهر فيهما بالقراءة"، وليس هذا عند مسلم

(1)

.

وأما ما رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه، وقال فيه:"فصلى ركعتين، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، وكبر فيها خمس تكبيرات"؛ فليس بصحيح كما زعم، بل هو ضعيف معارض.

أما ضعفه: فبمحمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرَّحمن بن عوف، قال البخاري:"منكر الحديث"، والنسائي:"متروك"، وأبو حاتم:"ضعيف الحديث، ليس له حديث مستقيم"

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (6343)، ومسلم (894)، وأبو داود (1163)، والترمذي (556)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والنسائي (3/ 155)، وابن ماجة (1267)، وانظر الفتح (11/ 144).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 326) وعنه: البيهقي في "الكبرى"(3/ 348).

أخرجه البزار (1/ 316 - كشف الأستار)، والدارقطني 4: 422 (1800). وعنه ابن الجوزي في "التحقيق"(1/ 518/ 844)، والطبراني في "الدعاء" - (2254).

وقال البيهقي: محمد بن عبد العزيز هذا غير قوي وهو بما قبله من الشواهد يقوى قلت: محمد بن عبد العزيز قال فيه النسائي: متروك، حديث المتروك =

ص: 1094

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لا يتقوى بالشواهد لشدة ضعفه، لا سيما، وهي مجملة، وهذا مفصل.

ولم يوافق المصنف أحد على تصحيحه فتعقبوه، ومنهم:

الذهبي في "التنقيح"(1/ 298): قال هذا منكر، ومحمد ضعيف.

ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 113): رواه الحاكم وصححه وهو حديث منكر ومحمد بن عبد العزيز هو ابن عمر بن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري القرشي المدني وهو ضعيف قال البخاري منكر الحديث.

وقال النسائي: متروك الحديث.

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس له حديث مستقيم.

وقد تكلم فيه أيضًا ابن حبان، وغيره.

وقد تعقبه ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 146): وأعل عبد الحق هذه الرواية بأن قال: محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرَّحمن بن عوف ضعيف الحديث. قال أبو حاتم: هم ثلاثة إخوة ضعفاء ليس لهم حديث مستقيم: محمد وعبد الله وعمران بنو عبد العزيز، (وبمشورة محمد (هذا) جلد مالك فيما قال البخاري). قال ابن القطان: وعبد العزيز هذا مجهول الحال، يعل به الخبر.

قلت: وأما الحاكم فإنه أخرج هذه الرواية في "مستدركه" ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد. لكنه قال: في إسناده محمد بن عبد العزيز بن عبد الملك عن أبيه. وكأنه وهم، والمعروف عبد العزيز بن عمر بن عبد الرَّحمن، ولم ينبه الذهبي في "اختصاره للمستدرك " على هذا، بل قال: فيه عبد العزيز بن عبد الملك وقد ضعف. وليس بجيد منه، وكان ينبغي أن يعترض عليه من الوجه الذي ذكرته، فتنبه لذلك.

الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 240) وزاد: أنه معارض بحديث رواه =

ص: 1095

وأما المعارضة: فيما أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن أنس: "أنه عليه السلام استسقى فخطب قبل الصلاة، واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم ثزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلَّا تكبيرة"

(1)

، وأخرج أيضًا عن ابن عباس قال:"لم يزد عليه الصلاة والسلام على ركعتين مثل صلاة الصبح"

(2)

.

ووجه الشذوذ أن فعله عليه السلام لو كان ثابتًا لاشتهر نقله اشتهارًا واسعًا،

= الطبراني في "معجمه الوسط" 9: (9108) حدثنا مسعدة بن سعد العطار ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا محمد بن فليح، حدثني عبد الله بن حسين بن عطاء عن داود بن بكر بن أبي الفرات عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استسقى، فخطب قبل الصلاة، واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم نزل، فصلى ركعتين، لم يكبر فيهما إلَّا تكبيرة، انتهى.

وانظر تفصيل ذلك في "السلسلة الضعيفة"(5630).

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (9108) وقال الألباني: منكر بذكر (التكبيرة)(السلسلة الضعيفة 5632) وقال: ومن الغريب: أن جماعة من الحنفية ذكروا هذا الحديث من رواية "الأوسط" ساكتين عنه؛ كالزيلعي في "نصب الراية"(2/ 240 - 241)، وابن الهمام في "الفتح"(2/ 59)، والعيني في "عمدة القاري"(7/ 35) وعلي القاري في "مرقاة المفاتيح"(2/ 283) وهم نخبة محدثي الحنفية، وكأن ذلك لموافقته لمذهبهم! ولذلك عارضوا به حديث الشافعية الذي قبله! ومع أن الحافظ ابن حجر لما ذكره في "الدراية"(1/ 226) لم يضعفه، ولا بين علته؛ إلَّا أنه أشار إلى الرد عليهم بقوله:"قلت: ولا حجة فيه؛ فإنها كانت حينئذ صلاة الجمعة". وليس هذا بظاهر من الحديث! بل هو حجة لهم لو صح، ولكنه منكر كما ذكرنا. والله أعلم.

(2)

أخرجه الطبراني المعجم الأوسط (9162).

ص: 1096

ولفعله عمر حين استسقى، ولأنكروا عليه إذا لم يفعل؛ لأنَّها كانت بحضرة [جميع]

(1)

الصحابة، لتوافر الكل في الخروج معه عليه السلام للاستسقاء، فلما لم يفعل، ولم ينكروا، ولم يشتهر روايتها في الصدر الأول؛ بل هو عن ابن عباس وعبد الله بن زيد على اضطراب في كيفيتها عن ابن عباس وأنس كان ذلك شذوذًا فيما حضره الخاص والعام، والكبير والصغير.

وفي "سنن أبي داود" عن عائشة، قالت: "شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فَوُضِعَ له في المصلى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت: فخرج صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله عز وجل، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر [من]

(2)

زمانه عنكم، وقد أمركم الله تعالى عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين

" إلى أن قال: "ثم أقبل على الناس ونزل عن المنبر، فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت عليه السلام مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذُه؛ فَقَالَ: أشهد أن الله عَلَى كلّ شَيْء قدير، وَأَنِّي عبده وَرَسُوله"، انتهى. قال أبو داود: "حديث غريب، وإسناده جيد"

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"جمع من".

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"عن"، وفي "سنن أبي داود":"عن إبان".

(3)

أخرجه أبو داود (1173) والحاكم في المستدرك (1/ 476) وقال الحاكم على شرط الشيخين وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 217).

ص: 1097

وذلك الكلام السابق هو المراد بالخطبة كما قاله بعضهم، ولعل الإمام أعله بهذه الغرابة أو بالاضطراب؛ فإن الخطبة فيه مذكورة قبل الصلاة، وفيما تقدم من حديث أبي هريرة بعدها، وكذا في غيره.

وهذا إنما يتم إذا تم [استبعاد أن]

(1)

الاستسقاء وقع حال حياته بالمدينة أكثر من سنتين؛ السنة التي استسقى فيها بغير صلاة، والسنة التي صلى فيها، وإلا فالله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

وفيه: أنه أمر بإخراج المنبر، وقال المشايخ: لا يخرج، وليس الإنباء على عدم حكمهم بصحته.

قال الزيلعي: "المخرج عند قول صاحب "الهداية": "لم ينقل التحويل"، ليس كذلك؛ فعند أبي داود

(2)

: "استسقى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت قلبها على عاتقه" - زاد الإمام أحمد: "وتحول الناس معه". قال الحاكم: "على شرط مسلم"

(3)

، انتهى

(4)

.

ودفع بأنه إنما قال في "الهداية": "لم ينقل"؛ لأنه لم ينقل أنه أمرهم

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"استسقاءان"، وفي (ب):"استشعار أن".

(2)

أخرجه أبو داود (1161).

(3)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 327).

قال الحاكم قد اتفقا على إخراج حديث عباد بن تميم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وهو صحيح على شرط مسلم. هو كما قال ولا وجه إذن لاستدراكه.

(4)

نصب الراية (2/ 242).

ص: 1098

بذلك، فنقل أنهم فعلوا ذلك لا يمسه.

وأجيب: بأن تقريره إياهم إذ حولوا أحد الأدلة، وهو مدفوع بأن تقريره الذي هو من الحجج ما كان عن علمه، ولم يدلُّ شيء مما روي على علمه بفعلهم ثم تقريره، بل اشتمل على ما هو ظاهر في عدم علمه به، وهو ما تقدم من رواية، إنما حول بعد [تحويله]

(1)

ظهره إليهم.

واعلم أن كون التحويل كان تفاؤلًا جاء مصرحًا به في "المستدرك" من حديث جابر وصححه، قال:"وحول رداءه ليتحول القحط"

(2)

، وفي

(1)

كذا في (ب) و (د)، وفي (أ) و (ج):"تحويل".

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 326) إسناد رواته ما بين ثقة وصدوق واختلف في وصله وإرساله. وتحويل رداءه ثابت في الصحيحين، وقال الحافظ في الفتح (2/ 499) أخرجه الحاكم والدارقطني، ورجاله ثقات.

وعن الحاكم أخرجه البيهقي في "الكبرى"(3/ 351).

وأخرجه الدارقطني (2/ 66) حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ثنا جدي ثنا إسحاق الطباع عن حفص بن غياث به.

وقال البيهقي: كذا قال عن جابر، ورواه غيره عن إسحاق بن عيسى فلم يذكر فيه جابرًا وجعله من قول أبي جعفر. ثم ساقه من طريق الدارقطني المتقدمة مرسلًا، وقال الحافظ في الفتح (2/ 499) إنه أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه فوصله لأن محمد بن علي لقي جابرا وروى عنه إلَّا أنه قال: وعلى كلّ حال فهو أولى من القول بالظن.

وجدته مرسلًا، أخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة"(1/ 145) حدثنا عبيد بن جياد قال، حدثنا رجل، عن محمد بن أبان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن =

ص: 1099

"طوالات الطبراني" من حديث أنس: "وقلب رداءه؛ لكي ينقلب القحط إلى الخصب"، وفي "مسند إسحاق":"ليتحول السنة من الجدب إلى الخصب"، ذكره من قول وكيع"، انتهى كلام المحقق ملخصًّا

(1)

.

(اللهم اسقنا غيثًا) أي: مطرًا [يغيثنا]

(2)

من الجدب؛ فقوله: (مغيثًا) تأكيد أو تجريد، أو أريد به المنقذ من الشدة على ما في "النهاية"

(3)

، وهو بضم الميم في جميع النسخ المعتمدة والأصول المعتبرة، قال المصنف:"بضم الميم، يقال: غيثت الأرض فهي مغيثة إذا أصابها المطر"

(4)

، انتهى.

وفيه كما قال الحنفي أن ما ذكره من اللغة لا يلائم تقييده بالضم، بل

= النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي، فاستقبل القبلة وحول رداءه، وأومأ إلى الناس أن قوموا، فدعا قائما والناس قيام - قال محمد: فقلت لجعفر: ما أراد بتحويل ردائه؟ قال: أن يتحول القحط.

والمعروف أنه يرويه إسحاق الطباع عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى واستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة. أخرجه أحمد (4/ 41).

وقوله ليتحول القحط، هو تعليل لهذا التحويل، ذكره إسحاق بن راهويه في مسنده عن وكيع: لتتحول السنة من الجدب إلى الخصب، وفي

الطبراني (1/ 242) من حديث أنس: وقلب رداءه لكي ينقلب القحط إلى الخصب.

(1)

يعني به الكمال ابن الهمام.

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"مغيثًا".

(3)

النهاية (3/ 400).

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ أ).

ص: 1100

إنما يلائم الفتح؛ فالظاهر ما قاله الطيبي: "أنه عقب الغيث، وهو المطر الذي يغيث الخلق من القحط بالمغيث على الإسناد المجازي؛ وإلا فالمغيث في الحقيقة هو الله سبحانه".

وفي "النهاية": "غاث الغيث الأرض إذا أصابها، وغاث الله البلاد يغيثها"

(1)

، وفي "القاموس":"غاث الله البلاد والغيث الأرض: أصابها، وغيثت الأرض تغاث فهي مغيثة ومغيوثة".

(مريًّا) بفتح الميم وتشديد التحتية، وفي نسخة صحيحة بياء فهمز، قال المصنف:"بفتح الميم وتشديد الياء، أي: كثيرًا غزيرًا، والمري والمرية: الناقة الغزيرة الدرّ، من المري وهو الحَلَبُ، ووزنها فعيل أو فعول"، انتهى. فعليه ناقص أو مهموز أبدل الهمز ياءً أو واوًا، فأدغم كما في النبي.

وقال صاحب "السلاح": "المريء بفتح الميم وبالمد وبالهمز هو المحمود العاقبة الذي لا وباء فيه"، انتهى. فهو مهموز، قال ميرك:"وهو المصحح في أصولنا من "الأذكار" و"السلاح" و"الحصن"".

قلت: ويلائمه ما في "النهاية"

(2)

من أنه: "مهموز، يقال: مرأني الطعام وأمرأني إذا لم يثقل على المعدة، وانحدر عنها طيبًا". قلت: ومنه قوله تعالى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].

وقال التوربشتي في "شرح المصابيح": "مريًّا، أي: هنيًّا صالحًا

(1)

النهاية (3/ 400).

(2)

(النهاية 4/ 313).

ص: 1101

كالطعام الذي يمرؤ، ومعناه: الخلو عن كل ما ينغصه كالهدم والغرق ونحوهما"، ويحتمل أن يكون بغير همز، ومعناه مدررًا من قولهم: ناقة مري، أي: كثيرة اللبن، ولا أحققه رواية.

قال الحنفي بعد ما ذكر بعض الأقاويل المذكورة، والروايات المسطورة:"المقصود: التنبيه على اضطراب كلامهم رواية ودراية". قلت: مثل هذا الاختلاف لا يعد من باب الاضطراب عند أرباب الصواب؛ فإن اختلاف رواية المحدثين كاختلاف قراءة القراء المعتبرين، والدراية تابعة لكل من القراءة والرواية، كما هو معلوم عند أرباب الهداية، من أصحاب البداية والنهاية، ولكل وجهة

(1)

.

(مُريعًا) بضم الميم، أي: مخصبًا، وفي نسخة صحيحة بفتحها، أي:[خصيبًا]

(2)

، على ما في "المهذب"، وتحقيقه أن الريع هو الزيادة والنماء على الأصل، يقال: راع الطعام وأراع إذا صارت له زيادة في العجن والخبز، وأراعت الإبل إذا كثرت أولادها. فالمعنى: اسقنا غيثًا كثير النماء، كما ذكره التوربشتي.

وقال المصنف: "بضم الميم وفتحها، وهو المخصب الناجع، يقال: أمرع الوادي إذا أخصب، ومرع مراعة فهو مريع"

(3)

، انتهى.

(1)

بعدها في (أ) و (ج) زيادة: "يبين وجهه".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) و (د):"خصبًا".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ أ).

ص: 1102

وفيه وارد ما قاله الحنفي من أن سياق كلامه يدل على أن ضم الميم من "أمرع"، وفتحها من "مرع"، والثاني مسلم، والأول محل بحث؛ لأنه لو كان من "أمرع" فهو ممرع لا مريع؛ لأنه من أراع هذا.

ويروى بضم الميم وبالباء الموحدة، أي: عامًّا يغني عن [الارتياء]

(1)

، والنجعة اسم من الانتجاع وهو طلب الكلأ، كذا في "المغرب"، فالناس يريعون حيث شاءوا، أي: يقيمون ولا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلأ، أو يكون من "أربع الغيث" إذا أنبت الربيع.

ويروى بضم الميم وبالتاء المثناة من فوق، أي: ينبت، من الكلأ ما يرتع فيه المواشي وترعاه، والرتع: التوسح في الخصب فكل مخصب مرتع، وهاتان الروايتان مشهورتان، وفي "النهاية" مذكورتان.

(نافعًا) إجمال بعد تفصيل، (غير ضارٍّ) مؤكد لما قبله، (عاجلًا. د، مص) أي رواه: أبو داود عن جابر

(2)

، وابن أبي

(1)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"الارتياد".

(2)

أخرجه أبو داود (1169). وابن خزيمة (1416)، وعبد الله في "العلل ومعرفة الرجال:(5530)، والطبراني في "الدعاء"(2197)، والبيهقي (3/ 355).

وصححه النووي في "الخلاصة"(2/ 879) حسب شرطه في الكتاب بإيراده الحديث في قسم الصحيح: عن جابر لله رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وقال في (الأذكار 150/ 1): "إسناده صحيح على شرط مسلم". وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(23/ 433) في "الاستذكار"(2/ 347): "ومن أحسن ما روي في ذلك حديث جابر". =

ص: 1103

شيبة عن كعب بن مرة

(1)

.

= والحديث أعله الدارقطني في "العلل"(13/ 391/ 3284) فقال: يرويه مسعر، واختلف عنه، فرواه جعفر بن عون، ومحمد بن عبيد، عن مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر، أتت هوازن النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهما يرويه عن مسعر، عن يزيد الفقير، مرسلا، وهو أشبه بالصواب.

(1)

أخرجه الطيالسي (1199)، وعنه الطبراني في "معجمه الكبير"(20/ 319) 755)، وأيضا البيهقي في "الدعوات الكبير"(455)، وأحمد (4/ 235)، وعبد بن حميد (372)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 323)، والبيهقي في "الكبرى"(3/ 356)، وفي "السنن الصغير"(1/ 266/ 538)، والحربي في "غريب الحديث"(2/ 860)، وابن شبة في "تاريخ المدينة (1/ 144) عن شعبة، أنبأني عمرو بن مرة، قال: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث، عن شرحبيل بن السمط، قال: قال مرة بن كعب، أو كعب بن مرة: بهز بن أسد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن مرة بن كعب:

وعنه البيهقي في "الكبرى"(3/ 356).

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (29835) والطيالسي (1199)، وعنه الطبراني في "معجمه الكبير"(20/ 319/ 755)، وأيضَا البيهقي في "الدعوات الكبير"(455)، وأحمد (4/ 235)، وعبد بن حميد (372)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 323)، والبيهقي في "الكبرى"(3/ 356) عن شرحبيل بن السمط، قال: قال مرة بن كعب، أو كعب بن مرة: هكذا بالشك، ورواه بدون الشك: الطبراني في "الدعاء"(2191) عن حفص بن عمر الحوضي. =

ص: 1104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة"(5/ 2373/ 5827) عن يحيى بن أبي بكير. كلاهما عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، أن شرحبيل بن السمط قال لكعب بن مرة:

ورواه: أحمد (4/ 235 و 236). وابن ماجة (1269) عن أبي معاوية، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، فذكره.

كذا بدون تردد في اسم الصحابي على أنه لا يضر ما دام قد عرفت عينه.

ورواه الطبراني في "الدعاء"(2192) عن بدل بن المحبر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة وقتادة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة عن النبي نحوه.

واختلف فيه عن سالم بن أبي الجعد:

فقيل: عن سالم بن أبي الجعد قال: قال كعب بن مرة: ذكره البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"(2/ 105) وقال: رواه أحمد بن منيع، ورجاله ثقات إلا أنه منقطع. وهي رواية غير محفوظة.

وقيل: عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك:

ذكره ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 183) سألت أبي عن حديث رواه محمد بن الحسن الأسيدي عن شريك عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك. . . . فسمعت أبي يقول إنما هو سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط عن كعب بن مرة عن النبي.

وطريق أنس هذه أخرجها ابن أبي الدنيا في "المطر والرعد والبرق" (48 - حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي، نا أبي، نا شريك، عن منصور، عن سالم، عن أنس، قال:"استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم اسقنا غيثًا". =

ص: 1105

(غير آجل) مؤكد لـ "عاجلًا". (د) أي رواه: أبو داود عن جابر.

(غير رائث) بهمزة فمثلثة، قال المصنف:"غير بطيء متأخر"

(1)

، (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن كعب.

(اللهم اسق) بالوجهين كما سبق تحقيقه لغة ورواية، فلا وجه لحصر الحنفي بقوله:"أمر من السقي من باب ضرب"، (عبادك) أي: من ذوي

= والمحفوظ ما رواه شعبة وغيره ورجحه أبو حاتم كما سبق.

والحديث صححه ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 164) قال: هذا حديث صحيح، إسناده على شرط الشيخين. قال: وقد روي عن مرة بن كعب. من غير شك، فذكره بإسناده، قال: ومرة بن كعب صحابي مشهور. وذكر هذا الحديث ابن أبي حاتم في "علله" من حديث أنس، وقال: سألت أبي عنه، فقال: إنما هو عن كعب بن مرة مرفوعًا.

وكذلك أقره الحافظ في "التلخيص الحبير"(2/ 231)، وزاد:"وكذا قال أحمد بن حنبل، وجرى النووي في الأذكار على ظاهره، فقال: "صحيح على شرط مسلم".

ونقل عبد الله في "العلل ومعرفة الرجال"(5530) عن أبيه الإمام أحمد قال: أعطانا محمد بن عبيد كتابه عن مسعر فنسخناه ولم يكن هذا الحديث فيه ليس هذا بشيء كأنه أنكره من حديث محمد بن عبيد.

وذكره الخطيب في "تاريخ بغداد"(1/ 336) وقال: "هكذا رواه محمد بن عبيد عن مسعر موصولا ورواه أخوه يعلي بن عبيد عن مسعر عن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا لم يذكر فيه جابرا".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ أ).

ص: 1106

العقول، (وبهائمك) أي: من الحيوانات والحشرات.

(وانشر) بضم الشين، أي: وابسط (رحمتك) أي: علي جميع الموجودات من النباتات والجمادات، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28]، أي: في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان، ذكره البيضاوي.

(وأحي) أي: بالإنبات، أو بالنبات وهو أمر من الإحياء، (بلدك الميت) أي: بعد يبسه، ومنه قوله تعالى:{وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 19](د) أي: رواه أبو داود عن ابن عمرو بالواو

(1)

، وهو المراد بما في بعض النسخ:"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو"، وفائدة هذا التطويل أن في هذا الإسناد اعتراضًا ودفع، بَسَطْنَا بحثهما في "المرقاة شرح المشكاة".

(اللهم أنزل على أرضنا زينتها) أي: ما تتزين بها، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7]، (وسكنها) قال المصنف:"بفتح السين والكاف، أي: غياث أهلها الذي تسكن نفوسهم إليه"

(2)

، انتهى. وصححه صاحب "الفائق" بضم السين وسكون الكاف، وقال: السكن: القوت، لأن السكنى به كما قيل

(1)

أخرجه أبو داود (1176) وإسناده حسن، للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

ص: 1107

النزل؛ لأن النزول يكون به، (عو) أي: رواه أبو عوانة عن سمرة بن جندب.

(اللهم ضاحت جيالنا) قال المصنف: "بالضاد المعجمة، أي: برزت للشمس، وظهرت لعدم النبات فيها، وهي فاعلت من "ضحا" مثل: رامت من رمى، وأصلها ضاحيت"

(1)

، انتهى.

فالمفاعلة للمبالغة لا للمغالبة، وهو ناقص يأتي، لكنه مخالف لما في "القاموس"

(2)

حيث ذكره في الأجوف، وقال:"ضاحت البلاد: خلت"، وقال في الناقص:"ضاحاه: أتاه في الضحوة".

(واغبرَّت) بتشديد الراء من الاغبرار المأخوذ من الغبار، أي: صارت مغبرة من قلة النبات، (أرضنا، وهامت دوابنا) بتخفيف الميم، أي: عطشت على ما في "النهاية"، والهائم أيضًا المتحير الذاهب على غير وجهه، ومنه قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225].

(معطي الخيرات) بالنصب؛ على نعت النداء، أو بحذف حرف النداء، (من أماكنها، ومنزل الرحمة) أي: المطر المسبب عن الرحمة، (من معادنها) أي: من حياض السماء وخزائنها، (ومجري البركات على أهلها) أي: من ينابيعها، (بالغيث المغيث) أي: بالمطر النافع، وهو متعلق بالأوصاف السابقة المنصوبة، ويجوز رفعها على أن التقدير: أنت معطي الخيرات. . . إلى أخوه.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

القاموس (1/ 387).

ص: 1108

ويؤيده قوله: (أنت المسْتَغْفَرُ) بفتح الفاء، أي: الذي طلب منه الغفران، (الغفار) أي: الذي يغفر الذنوب الكثيرة من الصغيرة والكبيرة، (ونستغفرك للحامَّات) بتشديد الميم، أي: المهمات، (من ذنوبنا) يقال: أحمَّتْه الحامَّة إذا أهمته، كذا في "السلاح"، أو الخاصات؛ ففي "النهاية":"حامة الإنسان: خاصته ومن يقرب منه، وهو الحميم أيضًا"

(1)

.

وقال المصنف: "بالحاء المهملة وتشديد الميم، جمع حامة وهي الخاصة، يقال: كيف الحامة والعامة، أي: الخاصات من ذنوبنا، ولذا عطف عليه، وقال: (ونتوب إليك من عوام خطايانا) " انتهى، وما في "السلاح" أظهر في المعنى.

ويمكن حمل كلام غيره على ما ذكر في المؤدى، فالخلاف في المبنى؛ ففي "القاموس":"أحم الأمر فلانًا: أهمه، كـ "حَمَّهِ"، والحميم كأمير: القريب، كالمحم كمهم. والحامة خاصة الرجل من أهله وولده".

(اللهم فأرسل) يعني: إذا كنت أنت موصوفًا بالنعوت المذكورة، فأرسل (السماء) أي:"علينا" كما في نسخة، وهي المطابقة لقوله تعالى:{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11](مدرارًا) أي: كثير الدرور والسيلان، وفسر السماء بالغيث، قال البيضاوي:"ويحتمل الظلمة والسحاب".

(وواصل بالغيث) أمر من المواصلة؛ للمبالغة في الوصل والإيصال، وفي نسخة صحيحة:"وأوصل" من باب الإفعال، (واكفِ) بهمز وصل

(1)

النهاية (1/ 446).

ص: 1109

وكسر فاء، قال المصنف:"من الكفاية وهي الغناء، أي: اكفنا بالغيث وأوصلنا به"

(1)

، (من تحت عرشك حيث ينفعنا، ويعود علينا) أي: يرجع علينا نفعه، (غيثًا) أعاده ليكون مقدمة لوصفه بقوله، (عامًّا) أو معناه: مغيثًا عامًّا؛ فعلى الأول نصبه على المصدر، وعلى الثاني على كونه حالًا.

(طَبَقًا) بفتحتين، أي: الذي يطبق وجه الأرض، وقال المصنف:"بفتح الطاء والباء، وهو العام الكثير"

(2)

، (غَبَقًا) بفتح الغين المعجمة والباء، ولم أر من ذكره، والظاهر أنه العزيز العظيم، ذكره المصنف.

قلت: يمكن أخذه من قول أهل اللغة: "الغبوق كصبور: ما يشرب بالعشي، وغبقه سقاه، ذلك على التجريد"، فمعناه: ساقيًا أو مَسقيًّا.

(مجلِّلًا) بكسر اللام المشددة، وفي نسخة بفتحها، قال المصنف:"بضم الميم وفتح الجيم وكسر اللام المشددة، أي: يجلل الأرض بمائه ونباته، ويروى أيضًا: بفتح اللام على المفعول"

(3)

، انتهى. ولعل معناه حينئذٍ واصلًا، أي: جميع جوانب الأرض كالشيء المجلل.

(غدقًا) بفتحتين أي: كثيرًا، ومنه قوله تعالى:{مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] وقال المصنف: "بفتح الغين المعجمة، والدال المهملة: المطر الكبار القطر"

(4)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

ص: 1110

(خِصبًا) بكسر فسكون، أي: ذا خصب، قال المصنف:"بكسر الخاء المعجمة، وإسكان الصاد المهملة، وهو ضد الجدب، يقال: أخصبت الأرض وأخصب القوم، ومكان مخصب وخصيب، أي: مطر يحصل منه الخصب"

(1)

.

وقوله: (راتعًا) من الرتع، وهو الاتساع في الخصب، ويروى:"مرتعًا"، أي: ينبت من الكلأ ما ترتع فيه المواشي وترعاه"

(2)

، انتهى. فالراتع بمعنى ذي راتع، كَلابِنٍ وَتَامِرٍ.

(ممرع النبات) أي: [كَثِيرُهُ]

(3)

، قال المصنف:"بضم الميم الأولى، وكسر الراء، ويقال: "أمرع الوادي إذا كثر نباته وأخصب"

(4)

، انتهى.

وفي "القاموس"

(5)

: "المريع الخصيب، ومرع رأسه بالدهن، كمنع: أكثر. منه، كأمرعه" فالمعنى: مكثر النبات، ومسبب وجود الخصب وعدم الجدب.

(عو) أي: رواه أبو عوانة عن حريث

(6)

، كذا في حواشي النسخ، وقال

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"مكثره".

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(5)

القاموس (ص 763).

(6)

أخرجه أبو عوانة في المسند (2528) من طريق المسيب بن شريك، عن =

ص: 1111

ميرك: "رواه من حديث جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، عن جده، كذا في "سلاح المؤمن"، والظاهر أن لفظ "جده" زائد، وقع سهوًا من قلم النساخ؛ فإن حريثًا ليس بصحابي، وأما الصحبة لابنه عمرو".

(واستسقى عمر بن الخطاب فما زاد على الاستغفار) سبق تحقيقه فيما تقدم، (مص) أي رواه: ابن أبي شيبة، ولم يذكر أحد من المحشين أنه عمن رواه، والظاهر أنه عن عمر، أو عمن روى عنه، وعلى كل تقدير فهو موقوف، وإن كان في حكم المرفوع، فالأولى في حق المصنف أن يكتب "مو" قبل الرمز؛ لِيُعْلَمَ أنه مِنْ فِعْلِ عُمَرَ، ولعله اكتفى بما يفهم من العبارة؛ فإنها فوق الإشارة.

(وإذا رأى) أي: وكان إذا رأى عليه السلام، (سحابًا مقبلًا) أي: من أفق من الآفاق ترك العمل، وقال:(اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أرسل به) أي: هذا الجنس أو هذا المخصوص، وهو من باب الاكتفاء، ولذا لم يقل: ونسألك من خير ما أرسل به، أو لأنه يقوم مقامه قوله:(اللهم سيبًا) أي: اسقنا سيبًا، أي: مطرًا. وقوله: (نافعًا) تتميم في غاية الحسن؛ لأنه مظنة الضرر، والمعنى: لا مغرقًا ولا مضرًّا.

وقال المصنف: "بإسكان الياء أي: جاريًا، يقال: ساب الماء وانساب:

= جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، عن جده.

وفي الإسناد المسيب بن شريك ضعيف جدًّا، بل أجمعوا على ترك حديث، ضعَّفه البخاري، وقال أحمد: متروك (ميزان الاعتدال 4/ 114).

ص: 1112

إذا جرى"

(1)

، وانتهى. وفي "القاموس":"السيب مصدر ساب: جرى" فأشار المصنف إلى أنه مصدر بمعنى الفاعل، وأنه صفة لموصوف محذوف، أي: مطرًا جاريًا، والأظهر أن التقدير: اللهم اجعل هذا السحاب ذا مطر كثير، بحيث يكون جاريًا.

ويلائمه حينئذ قوله: (فإن كشفه الله) أي: أزال ذلك السحاب ورفعه، (ولم يمطر) أي: ذلك السحاب، (حمد الله على ذلك) أي: من حيث إن الخير فيما اختاره الله، ولعل الشركان في ذلك السحاب، فيجب الحمد على دفع الشر.

وكأنه صلى الله عليه وسلم تذكر قوله تعالى في قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا} [الأحقاف: 24] أي: سحابًا، {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24] أي: من العذاب، الآية. (د، س، ق) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم عن عائشة

(2)

.

(وإذا رأى المطر: اللهم صيبًا) قال المصنف: "بفتح الصاد وتشديد الياء المكسورة، أي: منهمرًا متدفقًا"

(3)

، انتهى. وأصله واو؛ لأنه من صاب يصوب إذا نزل فأصاب الأرض، وبناؤه "صيوب"، فأبدلت الواو

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

أخرجه أبو داود (5099) وأخرجه النسائي في " الكبرى"(1830) و (10750) وابن ماجه (3889) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2757).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

ص: 1113

ياء فأدغمت كـ "سيد"، كذا في "النهاية".

وفي "الأذكار": "الصيب بكسر الياء المثناة تحتها المشددة، وهو المطر الكثير، وقيل: المطر الذي يجري ماؤه"، انتهى. وقال بعضهم:"الصيب: السحاب ذو الصوب، أي: المطر".

قال القاضي في قوله تعالى {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 19]"فيعل من الصوب وهو النزول، يقال للمطر والسحاب، وتنكيره لأنه أريد به نوع من المطر الشديدة".

وقال ميرك: "تفسير الصيب بالمطر روي عن ابن عباس، وهو قول الجمهور". وقال بعضهم: "هو السحاب"، ولعله أطلق مجازًا.

ثم نَصْبُ "صيبًّا" هنا بفعل مقدر، أي: اجعله صيبًا أو اسقنا صيبًّا، أو أسألك صيبًّا، وقوله:(نافعًا) صفة للصيب احتراز عن الصيب الضار. (خ) أي: رواه البخاري عن عائشة أيضًا

(1)

.

(اللهم سيبًا) أي: مطرًا جاريًا (نافعًا، مرتين) أي: قاله مرتين، (أو ثلاثًا) على الشك من الراوي. (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عنها أيضًا

(2)

.

(فإذا كثر) بضم المثلثة، أي: المطر، (وخيف الضرر) أي: على [مساكن]

(3)

الحضر، (اللهم حوالينا) بفتح اللام، وهو وحولنا وحوالنا

(1)

أخرجه البخاري في (الأدب المفرد)(686).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (29833).

(3)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"ساكني".

ص: 1114

وحولينا كلمة بمعنى واحد، ولا يقال: حواليه بكسر اللام على ما في "الصحاح"؛ يقال: رأيت الناس حوله وحواليه أي: [مطيفين]

(1)

به من جوانبه، ومنه قوله تعالى:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] وهو ظرف هنا، وفيه حذف تقديره: واجعله، أو أمطر في الأماكن التي من حولنا.

(ولا علينا) أي: ولا تمطر علينا، أو لا تجعل ضرره علينا، والمراد به:[صرف]

(2)

المطر من الأبنية والدور، وفي قوله:"ولا علينا" بيان المراد بقوله: "حوالينا".

قال الطيبي: "في إدخال الواو هنا معنى لطيف؛ وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيًا للآكام وما معها فقط، حيث قال: (اللهم على الآكلام والآجام، والظراب والأودية، ومنابت الشجر)، ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصودًا بعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها للتعليل".

وقال المصنف: "قوله "الآكام" بالمد ويروى [بالكسر والقصر]

(3)

: جمع أكمة وهي الرابية، وجمع الآكام: أُكُم -ككتاب وكتب- وجمع الأكم:

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"مطبقين".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"ضرر"، وليست في (د).

(3)

كذا في "مفتاح الحصن الحصين" وحاشية (ج)، وهو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"بالقصر".

ص: 1115

آكام. والآجام مثلها، والأجمة من [القصب]

(1)

، وآجام المدينة واحدها: أُجُم بضمتين. والظراب: بكسر الظاء، وهي الوادي الكبار، والجبال الصغار، جمع ظرب بكسر الراء"

(2)

.

وقال ميرك: "في قوله: "اللهم على الآكام. . . " إلى آخره، بيان المراد بقوله: "حوالينا"، والإكام بكسر الهمزة، وقد تفتح وتمد، جمع أكمة بفتحات".

قال ابن السيرافي: "هي التراب المجتمع". وقال الداودي: "هي أكبر من الكدية". وقال الفراء: "هي التي من حجر واحد"، وهو قول الخليل. وقيل:"الجبل الصغير". وقيل: "ما ارتفع من الأرض". وقال الثعالبي: "الأكمة أرفع من الرابية، والجمع: إكام بكسر أوله والقصر، وآكام بالمد. والآجام: جمع الأجمة، وهي [الشجر الكثير]

(3)

المتلف"، انتهى.

والحاصل: أن الآكام والآجام بالمد فيهما أصح رواية وأفصح دراية، ويجوز قصرهما، وحينئذ يجوز فتح أولهما وكسرهما، وهو الملائم لقوله:"والظراب"، وهو بكسر الظاء لا غير وآخره موحدة، جمع: ظرب بكسر الراء، وقد يسكن.

قال الفراء: "وهو الجبل المنبسط" وقال الجوهري

(4)

: "الرابية

(1)

كذا في "اللسان" و"مفتاح الحصن الحصين" وفي (أ) و (ب) و (ج) و (د): "القصبة".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(3)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"الشجرة الكثيرة".

(4)

الصحاح (1/ 174).

ص: 1116

الصغيرة"، والله أعلم. ثم "الأودية" جمع واد، والمراد: ما يتحصل فيه الماء فينتفع به.

(خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم، عن أنس، وزاد في بعض الروايات:"ورءوس الجبال" بعد قوله: "الأودية"، كذا نقله ميرك عن الشيخ.

(1)

(وإذا سمع) أي: أَحَدٌ، أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو الأصل، (الرعد) أي: صوته؛ فعن ابن عباس: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد؛ فقال: "ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، معه مخاريق من نارٍ يسوق به السحاب حيثما شاء الله" على ما رواه الترمذي

(2)

، وقيل:"الرعد صوت يسمع من السحاب"، ولا تنافي بينهما؛ إذ المراد أنه يطلق على ذات الملك تارة، وعلى صوته أخرى.

(والصواعقَ) جمع صاعقة، وهي صعقة رعد هائل معها نار، لا تمر بشيء إلا أتت عليه، أي: أهلكته، وفي "الجلالين":"الصاعقة: شدة صوت الرعد"؛ فهي مأخوذة من الصعق، وهي شدة الصوت، وقيل:"هي نار تخرج من السحاب"، فيقدر له فعل، أي: ورأى الصواعق، فهو من باب:

* علفته تبنًا وماءًا باردًا *

أو لمجاورة الصاعقة غالبًا لصوت الرعد مسموعًا، ولعل اختيار الجمع موافقة للآية المراد فيها التعدد المحيط بهم زيادة للنكال.

(1)

أخرجه البخاري (933)(1033)، ومسلم (897).

(2)

أخرجه أحمد (2479) والترمذي (3117)، وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2492).

ص: 1117

(اللهم لا تقتلنا بغضبك) أي: من صفة الذات، (ولا تهلكنا بعذابك) أي: بعقابك من صفة الفعل، (وعافنا) أي: من البلايا والخطايا الموجبة للغضب والعقاب، (قبل ذلك) أي: قبل حلول ما ذكر، وقبل وقوع ما سطر، والمراد: أنه لا يقع شيء من ذلك. (ت، س، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، والحاكم، عن ابن عمر

(1)

.

(سبحان الذي يسبح الرعد بحمده) أي: ملتبسًا به، فيقول:"سبحان الله، والحمد لله"، أو "سبحان الله وبحمده".

وقال البيضاوي: "أي: يسبح سامعوه [متلبسين]

(2)

بحمده، أو يدل الرعد بنفسه على وحدانية الله تعالى وكمال قدرته، ملتبسًا بالدلالة على فضله ونزول رحمته". أقول: لما ثبت في الحديث أن الرعد هو الملك؛ فلا يحتاج إلى التأويلات الزائغة.

(والملائكة) أي: ويسبح سائر الملائكة، (من خيفته) أي: من خوف الله وإجلاله. وقيل: "الضمير للرعد"، فالمعنى: يسبح أعوانه من خوفه،

(1)

أخرجه الترمذي (3450) وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده الحجاج بن أرطأة ولم أجد طريقا بدونه عند الترمذي. والله أعلم. وقال ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (4/ 284) عن ابن الجزري أنه قال في "تصحيح المصابيح": ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" والحاكم وإسناده جيد، وله طرق وراجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة"(1042).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"ملتبسين".

ص: 1118

(موطا) أي: رواه مالك في "الموطإ" موقوفًا عن الزبير بإسناد صحيح

(1)

.

(وإذا هاجت الريح) أي: حدثت وهبت، (استقبلها بوجهه) أي: من أي جهة كانت، (وجثا) بالألف فهو من الجثو، وبالياء فهو من الجثي، وكلاهما بمعنى الجلوس على الركب؛ فقوله:(على ركبتيه) تأكيد أو تجريد، (ويديه) أي: وعلى يديه، لزيادة الاغتمام الموجب للاهتمام.

(طب، ط) أي رواه: الطبراني في "كتاب الدعاء"، و"الكبير" أيضًا عن ابن عباس

(2)

.

(وقال: اللهم إني أسألك خيرها) أي: خير هذه الريح، (وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به) على صيغة المجهول الغائبة، (وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به. م، ت، س، طب) أي رواه: مسلم والترمذي والنسائي عن عائشة

(3)

، والطبراني في "الدعاء" عن ابن عباس

(4)

.

فتحصل أن الطبراني له طريقان:

أحدهما: في "الكبير" عن ابن عباس، وهو صدر الحديث.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 992) رقم (26).

(2)

أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير"(11/ 214) رقم (11533) والدعاء (977). وفي إسناده الحسين بن قيس متروك. وقال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف"(3/ 259) رواه ابن عدي في الكامل وأعله بحسين بن قيس ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي.

(3)

أخرجه البخاري (3206)، ومسلم (899).

(4)

أخرجه الطبراني في الدعاء (977).

ص: 1119

وثانيهما: في "الدعاء" عن ابن عباس أيضًا، لكن يضم الحديث الثاني إلى الأول.

لكن لا يخفى أن "الواو" العاطفة في قوله: "وقال"، يوهم أن صدر الحديث موجود في مسلم أيضًا، وهو الظاهر المتبادر أن يكون كذلك، لكن غير مفهوم من كلام المصنف باعتبار اختلاف الرموز، والله أعلم.

(اللهم اجعلها) أي: هذه الريح، (رياحًا) أي: من قبيل الرياح المبشرات للرحمة، (ولا تجعلها ريحًا) أي: صرصرًا موضوعًا للعقوبة كما فسره بقوله: (اللهم اجعلها رحمة) أي: أثر رحمة أو سبب رحمة، (ولا تجعلها عذابًا) أي: موجب عذاب.

قال المصنف: "تقول العرب: "لا تلقح السحاب إلا من رياح مختلفة"، يعني: "اجعلها لقاحًا للسحاب ولا تجعلها عذابًا، ويحقق ذلك مجيء الجمع في آيات الرحمة، والواحد في قصص العذاب كـ:{الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41]، و {رِيحًا صَرْصَرًا} [القمر: 19] "

(1)

، انتهى، وتوضيح ذلك في "المرقاة شرح المشكاة". (طب، ط) أي: رواه الطبراني في "الدعاء"، وفي "الكبير" أيضًا، عن ابن عباس

(2)

.

(وإن جامع الريح ظلمة) أي: حصلت معها ووجدت فيها، (تعوذ

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير"(11/ 214) رقم (11533) والدعاء (977).

ص: 1120

بالمعوذتين) بكسر الواو المشددة، وقد تفتح. (د) أي: رواه أبو داود عن عقبة بن عامر

(1)

.

(اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح) أي: باعتبار ذاتها، (وخير ما فيها) أي: باعتبار صفاتها، (وخير ما أمرت به) أي: من خالقها لطفًا وجمالًا، (ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به) أي: من صانعها قهرًا وجلالًا. (ت، س) أي رواه: الترمذي، والنسائي، عن أبي بن كعب

(2)

.

(اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر ما أمرت به. ص) أي: رواه أبو يعلى عن أنس مرفوعًا: "أنه إذا هاجت ريح شديدة قال: (اللهم لقحًا) بفتح اللام والقاف؛ تصحيح الجلال، وبفتح اللام وسكون القاف؛ تصحيح الأصيل.

وفي "القاموس"

(3)

: "لَقِحَتْ الناقة كسَمِعَتْ لقحًا ولقحًا محركة ولقاحًا: قبلت اللقاح، فهو لاقح من لواقح، وألقحت الرياح والشجر

(1)

أخرجه أبو داود (1463). وقد جمع الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 611 - 612) طرق هذا الحديث وقال: فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث.

(2)

أخرجه الترمذي (2252)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (934) وإسناده صحيح.

(3)

"القاموس المحيط"(ص 239).

ص: 1121

فهي من لواقح وملاقح" انتهى، ومنه قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22].

وقال الجوهري: "ألقح الفحل الناقة، والريحُ السحابَ، ورياح لواقح"، قال صاحب "السلاح":"هو بفتح اللام والقاف وسكون، الريح الحاملة للسحاب".

والعقيم بعكسه، فقوله:(لا عقيمًا) تأكيدٌ، وقال المصنف:"بفتح اللام والقاف، يقال: "ألقحت الريح السحاب، فهي في نفسها لاقحة"، قال الجوهري: "كأن الرياح لقحت بخير، فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إليه"

(1)

. (حب، طس) أي رواه: ابن حبان، والطبراني في "الأوسط"، عن سلمة بن الأكوع

(2)

.

(وإذا سمع صياح الدِّيَكة) بكسر الدال، وفتح الياء آخر الحروف، جمع ديك، والصياح بالكسر:"الصوت، ولعل إيراد الجمع إشعار بأنواعه، (فليسأل الله من فضله) أي: لأنه يرى ملكًا حينئذٍ، قال ميرك: "وتتمة الحديث: "فإنها رأت ملكًا".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

أخرجه أبو يعلى كما في المطالب العالية (3381) والطبراني في المعجم الكبير (7/ 33) رقم (6296) وفي "الأوسط"(2857) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن، وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/ 135).

ص: 1122

قال القاضي عياض: "سببه: رجاء تأمين الملائكة على الدعاء، واستغفارهم، وشهادتهم بالتضرع والإخلاص، وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين، والتبرك بهم"، انتهى.

وقيل: "لعل المعنى أن الديك أقرب الحيوانات صوتًا إلى الذاكرين الله؛ لأنها تحفظ أوقات الصلوات غالبًا".

(خ، م، د، ت، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن أبي هريرة

(1)

.

(وإذا سمع نهيق الحمير) جمع الحمار، أي: صوته، (فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أي: لأنه يرى شيطانًا في تلك الحال.

(خ، م، د، ت، س، مس) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم، كلهم عن أبي هريرة أيضًا، وهما حديث واحد.

ولعل وجه التفريق، وإعادة الرموز للتنبيه على أن الحاكم إنما روى الفقرة الثانية من الحديث، لكن قيل رقم "مس" ليس في "أصل الأصيل"، فَيَرِدُ الاعتراض على المصنف حينئذٍ، ثم التاء مقدم على الدال في "أصل الأصيل"، لكنه متأخر في "أصل الجلال" وأكثر النسخ، وهو المطابق للرموز السابقة، الموافق للترتيب الموضوع في صدر هذا الكتاب.

(1)

أخرجه البخاري (33039)، ومسلم (2729)، والترمذي (3459)، وأبو داود (5102)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (944).

ص: 1123

(وكذلك) أي: يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (إذا سمع نُبَاح الكلاب) بضم النون ويجوز كسرها على ما في "القاموس" وهو كذا في نسخة صحيحة، أي: صياحها.

(د، س، مس) أي رواه: أبو داود، والنسائي، والحاكم؛ كلهم عن جابر بن عبد الله، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم".

(1)

(وإذا رأى الكسوف) بضمتين، وهو لغة:[التغير]

(2)

إلى سواد؛ واختلف في الكسوف والخسوف: هل هما مترادفان أو لا؟.

قال الكرماني: "يقال: "كسفت الشمس والقمر، بفتح الكاف، وكسفت بضمها، وانكسفا وخسفا بفتح الخاء وضمها، وانخسفا كلها بمعنًى واحد".

وقيل: "الكسوف: تغيير اللون، والخسوف: ذهابه"، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، واختاره ثعلب، وذكر الجوهري:"أنه أفصح"، وقيل يتعين ذلك، وحكى عياض عن بعضهم عكس ذلك وَغَلَّطَهُ، لثبوت الخاء في القرآن في القمر.

وقيل: يقال بهما في كل منهما، وبه جاءت الأحاديث، ولا شك أن

(1)

أخرجه أحمد (3/ 306) والبخاري في الأدب المفرد (1233) وأبو داود (1503) وابن حبان (5517) والحاكم (4/ 284) وصححه الألباني في صحيح الجامع (620).

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) و (د):"التغيير".

ص: 1124

مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف هو التغير إلى السواد، والخسوف هو النقصان.

فإذا قيل في الشمس: كسفت أو خسفت؛ لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أنهما مترادفان، وقيل بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء، والله أعلم.

(فليدع الله) أي: لدفع البلاء، (وليكبر) أي: على جهة التعظيم والثناء، (وليصل) أي: كلا من صلاتي الكسوف والخسوف جماعة أو منفردًا على ما هو مقرر عند الفقهاء، (وليتصدق) أي: على المساكين والفقراء.

(خ، م، د، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة

(1)

، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته؛ فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا".

(وإذا رأى الهلال) أي: غرة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع، ولليلتين من آخر الشهر ست وعشرين وسبع، وفي غير ذلك قمر، كذا في "القاموس"، والمشهور أنه من أول الشهر إلى ثلاث، واقتصر عليه في "المهذب". (الله أكبر. مي) أي: رواه الدارمي عن ابن عمر

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901)، وأبو داود (1191)، والنسائي (3/ 132).

(2)

أخرجه الدارمي (1687)، وابن حبان (888) وفي إسناده ضعف.

ص: 1125

(اللهم أهله) بكسر الهاء وتشديد اللام المفتوحة أمر من الإهلال، قال المصنف:"بفتح الهمزة، يقال: أهل الهلال وأهل بالضم، واستهل إذا بصر، وأهله الله أي: أطلعه، وأهللته إذا أبصرته، وأصل الهلال: رفع الصوت، كأنهم إذا رأوا الهلال رفعوا أصواتهم بالتكبير، ومنه الإهلال في الإحرام، وهو رفع الصوت بالتلبية"

(1)

، انتهى.

فالمعنى: اللهم أطلع هذا الهلال، (علينا باليمن) أي: مقرونًا بالبركة، (والإيمان) أي: ومصحوبًا به، (والسلامة) أي: من كل آفة، (والإسلام) أي: وامتثال شرائعه، (والتوفيق لما تحب وترضى) تعميم بعد تخصيص، وهو من مختصات رواية ابن حبان.

(ربي وربكَ الله) فيه التفات كما لا يخفى، وهو بفتح الكاف؛ فإن القمر مذكر كما هو مقرر فما وقع في بعض النسخ المصححة بكسر الكاف، فهو غير محرر. (ت، حب، مي) أي رواه: الترمذي، وابن حبان، والدارمي، عن طلحة بن عبيد الله

(2)

.

(هلال خير) بالرفع، على أنه خبر مبتدإٍ محذوف، أي: هذا هلال خير تفاؤلًا، أو خبر معناه دعاء، وفي نسخة بالنصب، أي: اجعله هلال خير، (ورشد) بضم فسكون ويجوز فتحهما، أي: هداية إلى القيام بالعبادة من

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 13/ ب).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 162)، والترمذي (3431)، والحاكم (4/ 285) وحسّنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار"(الفتوحات الربّانية 4/ 329 - 330).

ص: 1126

ميقات الحج والصوم وغيرهما، قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] الآية.

(اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر) أي: الذي بدا هلاله، وابتدا جماله، (وخير القدر) بسكون الدال وفتحها، أي: وخير ما قدر فيه من الأمور، وهو بالجر عطف على ما قبله، وهو الظاهر بحسب اللفظ والمبنى، وفي نسخة بالنصب على أنه عطف على محل "من خير"، أو على أن "من" زائدة فيه، وهو الظاهر باعتبار المعنى.

(وأعوذ بك من شره) أي: من شر هذا الشهر وشر القدر، فهو اختصار أو اكتفاء، أو أن المراد بالقدر ليلة القدر لا مكان وجودها في كل شهر وترك ذكره هنا، لأنه لا شر فيها، ولا يبعد أن يكون التقدير: وأعوذ بك من شر ما ذكر، (ثلاث مرات. ط) أي: رواه الطبراني عن رافع بن خديج

(1)

.

(اللهم ارزقنا خيره) أي: خير هذا الشهر أو الهلال، (ونصره) وهو مقدم على "خيره" في بعض النسخ، وهو موافق "للسلاح" ومطابق لـ"أصل الجلال"، وفي "أصل الأصيل":"خيره" مقدم، وهو خير فإنه أعم، وما بعده تخصيصات من قوله:(وبركته، وفتحه، ونوره) والمراد: وجود هذه الأشياء فيه.

(ونعوذ بك من شره) أي: شر هذا الهلال أو الشهر باعتبار أوله،

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/ 276) رقم (4409) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وإسناده حسن (مجمع الزوائد 10/ 139).

ص: 1127

(وشر ما بعده) أي: إلى آخره. (مو مص) أي: رواه ابن أبي شيبة موقوفًا عن علي رضي الله عنه.

(وإذا نظر إلى القمر فليقل: أعوذ بالله من شر هذا) قال المصنف: "يعني القمر إذا غسق أي: أظلم ودخل في المغيب"

(1)

، انتهى. ويؤيده أنه في بعض النسخ:"من شر هذا الغاسق".

(ت، س، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، والحاكم

(2)

، عن عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى قمر فقال: "يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا؛ فإن هذا هو الغاسق إذا وقب".

قال ميرك: "الغاسق: هو الليل إذا غاب الشفق وقوي ظلامه، من غسق يغسق إذا أظلم، وأطلق هنا على القمر؛ لأنه يظلم إذا كسف"، انتهى.

وقال البيضاوي: " {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} أي: ليل عظيم ظلامه من قوله تعالى: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78]، {إِذَا وَقَبَ} أي: دخل ظلامه في كل شيء، وتخصيصه لأن المضار فيه تكثر ويعسر الدفع، ولذا قيل: "الليل أخفى للويل"، وقيل: المراد به القمر؛ فإنه يكسف ويغسق. ووقوبه دخوله في الكسوف".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

(2)

أخرجه الترمذي (3366)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (305) والحاكم (2/ 540). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ص: 1128

قلت: "تفسير من أنزل عليه الكتاب، وأمر بتبيين ما في الخطاب، هو الصواب عند أولي الألباب، لا سيما وقد أتى بأداة الحصر المانع لإرادة غيره من المعاني المحتملة، مع أنه أيضًا من المعاني اللغوية الحقيقة لا على ما ذكره ميرك وجعله من المعاني المجازية؛ ففي "القاموس": "الغاسق القمر أو الليل إذا غاب الشفق، {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي: الليل إذا دخل، وعن ابن عباس وجماعة

(1)

: "من شر الذَّكَرِ إذا قام"، انتهى.

فالتحقيق أن لفظ غاسق إذا كان مُنكَّرًا، يحتمل معاني مختلفة، وأما إذا كان مُعَرَّفًا فالفرد الأكمل هو القمر، وينصرف إليه أيضًا المُنكَّرُ، فتدبر.

(وإذا رأى ليلة القدر) أي: علامتها، فليقل:(اللهم إنك عفو) أي: كثير العفو، (تحب العفو) أي: من عبادك، أو تحب أن تعفو عنهم، وهو الملائم لقوله:(فاعف عني) وفي نسخة: "عنا". (ت، س، ق، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، عن عائشة أيضًا

(2)

.

(1)

انظر تفسير ابن جرير الطبري (24/ 747).

(2)

أخرجه الترمذي (3513)، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الكبرى (10708)، وابن ماجه (3850)، وأحمد (6/ 182، 171) والحاكم (1/ 530).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(4/ 138): وعن عائشة رضي الله عنها. . .

رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحاكم وقال صحيح على شرطهما وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2789).

ص: 1129

(وإذا نظر وجهه) في "القاموس": "نظره كضربه وسمعه، وإليه: تأمله بعينه"، انتهى. وهو هنا بفتح الظاء، وقد يتعدى بنفسه، وإن كان استعماله الأكثر بـ "إلى"، فيحمل على نزع الخافض، أو "نظر" بمعنى أبصر، أي: إذا رأى وجهه (في المرآة) بكسر الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة، وهي المِنْظَرَةُ.

(اللهم أنت حَسَّنْتَ خَلْقِي) بتشديد السين وفتح الخاء، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، لا سيما وهو صلى الله عليه وسلم كان في كمال حسن الخلق، كما أنه كان في خلق عظيم، ولذا قال:(فَحَسِّنْ خُلُقي) بضمتين، ويسكن الثاني، والمراد به: ثبوت ذلك التحسين، أو الزيادة في التزيين.

(حب، مي) أي رواه: ابن حبان عن ابن مسعود، والدارمي عن عائشة، وفي نسخة: بالقاف بدل الميم، فهو رمز البيهقي.

(اللهم كما حسنت خَلْقِي) أي: صورتي الظاهرة، (فأحسن خُلُقِي) أي: أخلاقي الباطنة، (وَحَرِّمْ وجهي) أي: ذاتي أو بدني، بذكر الجزء الأشرف وإرادة الكل، (على النار. ر) أي رواه: البزار، وفي نسخة صحيحة:"ابن مردويه" عن عائشة، وكذا عن أبي هريرة.

(الحمد لله الذي سوى خلقي) بتشديد الواو من التسوية، وهي جعل الأعضاء سليمة مسواة معدة لمنافعها، (وأحسن صورتي) أي: على وجه كمالها، (وزَانَ) أي: زَّين، (مني ما شانَ) أي: ما عَيَّبَه (من غيري) إما

ص: 1130

بفقد، أو بنقص. (ر) أي رواه: البزار عن أنس.

(الحمد لله الذي سوى خلقي فعدَّله) بتشديد الدال وتخفيفها كما قرئ بهما في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7]؛ فالتعديل جعل البنية معتدلة متناسبة الأعضاء، أو معدلة بما يستعدها من القوى.

وأما التخفيف، فمعناه أنه عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، أو فَصَرَفَكَ عن خلقة غيرك، وميزك بخلقةٍ فارقت بها خلقة سائر الحيوانات، كذا حققه البيضاوي. وقال الجنيد:"تسوية الخلق بالمعرفة وتعديلها بالإيمان".

(وصوّرَ صورة وجهي) أي: الذي عليه مدار الحسن، وأساس ما به التمييز، (فأحسنها) أي: من بين العالمين، (وجعلني من المسلمين) أي: فجمع لي بين الحسن الحسي والمعنوي المعبر عنه بنور على نور، بل لا عبرة بحسن الظاهر مع سوء الباطن؛ قال تعالى في حق المنافقين:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4].

(طس، ي) أي رواه: الطبراني في "الأوسط"، وابن السني؛ كلاهما عن أنس أيضًا

(1)

، وحُكي أن أبا يزيد رأى وجهه في المرآة؛ فقال: "ظهر

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (787)، وابن السني (165).

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه هاشم بن عيسى البزي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد 10/ 139). =

=

ص: 1131

الشيب، ولم يذهب العيب، ولا أدري ما في الغيب".

(وإذا سلم على أحد، فليقل: السلام عليكم) أي: بصيغة الجمع ولو كان واحدًا؛ إما قصدًا لتعظيمه، أو ملاحظة لمن معه من الملائكة. (خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن أبي هريرة

(1)

.

وفي "الأذكار": "ورد في "صحيح" البخاري ومسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال له:"اذهب فسلم على أولئك -نفر من الملائكة جلوس- فاستمع ما يحيونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه رحمة الله"، انتهى.

وفيه دليل على أن "السلام عليك" يصلح للتحية وجوابها، لكن بشرط أن يكون أحدهما بعد الآخر، فلا يكونا معًا كما يقع كثيرًا، فإنه حينئذٍ يجب على كل منهما جواب الآخر، (السلام عليك) أي: بصيغة الواحد؛ إشعارًا بأنه جائز، وأن الأول الأولى.

(د، ت، س، مي) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، والدارمي،

= وقال العراق: إسناده ضعيف (إحياء علوم الدين 1/ 328).

قال الشيخ الألباني: ضعيف: ضعيف الجامع (4459)، الإرواء (74).

(1)

أخرجه البخاري في خلق آدم (3326)، وفي الاستئذان (6227)، ومسلم (2841).

ص: 1132

عن أبي جُرَيّ بضم جيم وفتح راء وتشديد ياء، واسمه جابر بن سليم

(1)

.

(ورحمة الله. د، ت، س، مي) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، والدارمي، عن عمران بن حصين هذه الزيادة، وهذه نكتة إعادة الرموز

(2)

.

وكذا قوله: (وبركاته. د، ت، س، مي) أي: رواه الأربعة المذكورة عنه أيضًا، ولعله روي عنه روايتان، قال ميرك:"ولم يعلم ما فائدة تكرار الأرقام". قلت: لعل الفائدة أن في بعض رواياته الاقتصار على: "رحمة الله"، وفي بعض رواياته بزيادة:"وبركاته"، والله سبحانه أعلم.

(فإذا رد السلام) أي: على أهل الإسلام، قال:(وعليكم السلام) أي: السلامة الدنيوية والأخروية، (ورحمة الله وبركاته)، وهذا أكمل أنواع جواب السلام وأتمها.

(ع، مر، س، حب) أي رواه: الجماعة وابن مردويه عن عائشة

(3)

، والنسائي وابن حبان عن أنس، فما وقع في بعض النسخ أن "كلهم عن

(1)

أخرجه أبو داود (5209)، والترمذي (2722)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (319) وقال الترمذي: حسن صحيح.

وصحح إسناده النووي كما قال الحافظ في الفتح (11/ 5).

(2)

أخرجه أبو داود (5195)، والترمذي (2689)، والنسائي في الكبرى (10169) وقال الترمذي: حديث حسن غريب، والنسائي في اليوم والليلة (337).

(3)

أخرجه البخاري (6927)، ومسلم (2165)، والترمذي (2701)، والنسائي في الكبرى (11572).

ص: 1133

أنس" ففيه بحث؛ إذ لا معنى لتكرار رمز النسائي مع دخوله في رمز الجماعة

(1)

.

ثم في بعض النسخ رمز مسلم بعد العين، فقال ميرك:"كذا وقع في أصل السماع، وهو لا يخلو عن تأمل"، انتهى. يعني: لدخوله مع الجماعة، لكن يحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن لفظ الحديث لمسلم، أو له رواية أخرى عن أنس منفردًا به عن الجماعة، والله أعلم.

(وعلى أهل الكتاب) أي: وإذا رد عليهم، (قال:"عليك". م، ت، س) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، عن ابن عمر

(2)

.

(أو: "وعليك") أي: بالواو، و"أو" للتنويع. (خ، م، د، ت، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عنه أيضًا.

قال المصنف: "كذا ورد في الرد على أهل الإسلام بالواو، وأما على أهل الكتاب فورد بالواو وغير الواو، وأكثر الروايات بإثباتها، وقد استشكلَ جَمَاعَةٌ الإِثْبَاتَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ "الوَاوَ" تَقْتَضِي التَّشْرِيكِ؛ قال

(1)

أخرجه أبو داود (5196) وفي إسناده أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون وهو مختلف فيه. وترجم له الحافظ في "التقريب"(4087) وقال: صدوق زاهد.

وقال الحافظ في الفتح (11/ 6) بعد أن ذكر حديث أبي داود وابن السني: وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على: وبركاته أهـ.

(2)

أخرجه البخاري في الاستئذان (6257) وفي المرتدين (6928)، ومسلم (2164).

ص: 1134

الخَطَّابِي: "عَامَّةُ المُحَدِّثِينَ يَرْوونَ هَذَا الحَرْفَ: "وعليكم" بالواو، وكان ابن عيينة يرويه بغير واو"، قال الخطابي:"هذا هو الصواب؛ لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودًا عليهم خاصة، وإذا ثبت الواو تقتضي المشاركة معهم فيما قالوه"، انتهى

(1)

. وإذا كان إثبات الواو أكثر، واتفق عليه الشيخان، فلا إشكال فيه من وجهين:

أحدهما: أن السام هو الموت فورد على ظاهره، فلما قالوا:"الموت عليكم؛ قال: "وعليكم الموت"، أي: نحن وأنتم فيه سواء، أي: كلنا نموت.

والثاني: أن الواو للابتداء أو للاستئناف لا للعطف والتشريك؛ فالتقدير: وعليكم ما تستحقونه من الذم واللعن"

(2)

، انتهى كلامه.

ويمكن أن يقال: "إنه لما سمع منهم لفظ "[السام]

(3)

عليك"، قال: "عليك"، ولما سمع منهم لفظ: "السلام عليك"، قال: "وعليك"، وأراد به السلامة الدنيوية؛ بناء على حسن المعاشرة العرفية، وهو الظاهر من إطلاق الآية القرآنية:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]؛ فالأحسن للمسلمين، والرد لأهل الكتاب، والله أعلم بالصواب.

هذا، وفي "الأذكار":"اعلم أن الأفضل أن يقول المسلِّم: "السلام

(1)

انظر: معالم السنن (4/ 143).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"السلام".

ص: 1135

عليكم ورحمة الله وبركاته"، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحدًا، ويقول المجيب: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، ويأتي بواو العطف، ثم ذكر أنه قال أصحابنا: "فإن قال المبتدئ: "السلام عليكم، حصل السلام، وإن قال: "السلام"، أو سلام عليك، حصل أيضًا.

وأما الجواب فأقله: "وعليك السلام، أو وعليكم السلام. فإن حذف الواو فقال: عليكم السلام، أجزأه ذلك وكان جوابًا"، انتهى

(1)

.

ولا يخفى أن قوله: "وإن قال: "السلام أو سلام عليك""، مراده: إن قال: "السلام عليك"، أو:"سلام عليك" باللام أو التنوين جاز، وليس المراد أنه إن قال:"السلام"، بدون "عليك"؛ فإنه غير جائز اتفاقًا.

ثم السلام سنة، والجواب فرض كفاية إجماعًا، لكن هذه السنة أفضل من الفرض؛ لما فيه من التواضع وحمل المجيب على الجواب بالتسبب، ولا بد من إسماع على كل منهما خلافًا لما يفعله كثير من العامة وبعض الطلبة بإخفاء السلام أو رده، والاكتفاء بإشارة بعض الأعضاء ونحوه.

(وإذا بُلِّغَ) بضم الباء وتشديد اللام من التبليغ، أي: بلغه، (أحد سلامًا من أحد، فليقل: "وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. ع) أي رواه: الجماعة عن عائشة

(2)

، (أو: وعليك وعليه السلام. س) أي رواه:

(1)

الأذكار (ص 404).

(2)

أخرجه البخاري (3217)، (6249). (3768)، (6201)، ومسلم (2447)، والنسائي في الكبرى (8358).

ص: 1136

النسائي عن أنس، فيجوز الاكتفاء بالأول، والجمع بينهما أفضل؛ فَـ "أَوْ" للتنويع واختلاف الرواية.

(وإذا عطَس) بفتح الطاء، وفي نسخة بكسرها ولم أر لها أصلًا في اللغة، (فليقل) أي: ندبًا، (الحمد لله) وهذا أدناه. (خ، د، س) أي رواه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، عن أبي هريرة

(1)

.

(على كل حال. د، ت، س، مس، ق) أي رواه: أبو داود والترمذي والنسائي عن رفاعة بن رافع

(2)

، والحاكم وابن ماجه عن علي

(3)

، والحاكم عن ابن مسعود كذا في نسخة صحيحة

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (6224)، وأبو داود (5033)، والنسائي في الكبرى (10060)، وفي عمل اليوم والليلة (232).

(2)

أخرجه أبو داود (5036)، والترمذي (2744) وابن السني في اليوم والليلة (252) قال الترمذي: هذا حديث غريب وإسناده مجهول.

(3)

أخرجه ابن ماجه (3715)، والطبراني في "الدعاء" (1977) والحاكم (4/ 266) قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف (مصباح الزجاجة 4/ 112).

(4)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 162) رقم (10326)، والحاكم (4/ 266) والبيهقي في الشعب (9346)، وقال الحاكم: هذا حديث لم يرفعه عن عبد الله بن مسعود غير عطاء بن السائب وتفرد بروايته عن جعفر بن سليمان الضبعي وأبيض بن أبان القرشي، انظر الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (1/ 63). أهـ.

وانظر علل ابن أبي حاتم في العلل (2/ 243)، قال أبي: هذا خطأ يرونه عن عبد الله موقوف منهم جعفر بن سليمان انظر: التقريب [942] وغيره وأبيض =

ص: 1137

وقال ميرك: "رواه أبو داود عن أبي هريرة، والترمذي عن أبي أيوب، والباقي عن علي، والحاكم والنسائي عن ابن مسعود أيضًا"، انتهى.

والمقصود أن هذه الزيادة ذكرها أصحاب الرموز المذكورة أيضًا فتأمل، فإنه غير ظاهر من العبارة المسطورة، فكان حقه أن يقول: "الحمد لله على كل حال، رواه كذا.

(الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا) أي: مقرونًا بالإخلاص، (مباركًا فيه، مباركًا عليه) الظاهر أن كلا الضميرين للحمد، وأن البركة فيه باعتبار ذاته، وعليه باعتبار آثاره، (كما يحب ربنا) أي: في الدنيا، (ويرضى) أي: يثيب عليه في العقبى. (د، ت، س) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي؛ كلهم عن رفاعة بن رافع

(1)

.

(الحمد لله رب العالمين. د، ت، س، حب) أي رواه: أبو داود،

= شيخ وعطاء بن السائب اختلط بآخره، انظر: التقريب [4592]. وأخرجه أحمد بن حنبل (6/ 7) وأبو داود (5031) والترمذي (2740) والحاكم في المستدرك (4/ 266) والبيهقي في الشعب (9342).

(1)

أخرجه أبو داود (773)، والترمذي (404)، والنسائي (2/ 196) والحاكم (1/ 225) وإسناده صحيح.

قال الترمذي: "حديث رفاعة حديث حسن، وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع، لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه، ولم يوسعوا في أكثر من ذلك".

ص: 1138

والترمذي، والنسائي، وابن حبان؛ كلهم عن سالم بن عبيد

(1)

.

(وليقل) أي: السامع وجوبًا، (له) أي: للعاطس، وفي نسخة بصيغة المجهول، وجزم الحنفي به، (يرحمك الله) جملة خبرية مبنًى، دعائية معنًى.

(خ، د، س، ت، مس، ق) أي رواه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، عن أبي هريرة، وأبو داود والنسائي والترمذي عن سالم بن عبيد أيضًا، والترمذي والنسائي والحاكم عن أبي أيوب أيضًا، والنسائي وابن ماجه والحاكم عن علي أيضًا، والنسائي والحاكم عن ابن مسعود أيضًا، كذا ذكره ميرك.

وفي نسخة صحيحة: "رواه الثلاثة الأول عن أبي هريرة، والثلاثة الأخيرة عن أبي أيوب وعلي أيضًا". هذا، ولا يظهر وجه لتقديم الحاكم على النسائي.

هذا، وقال المصنف:"قوله "وليقل له" أي: للعاطس؛ لما في "صحيح

(1)

أخرجه أبو داود (5031)، والترمذي (2740)، والنسائي في اليوم والليلة (229). وإسناده ضعيف لإبهام رجلين فيه ولاضطرابه كما قال الترمذي.

وقد اختلف في ذكر الواسطة بين هلال وسالم بن عبيد، وهلال بن يساف لم يدرك سالم ابن عبيد ولم يره وبينهما رجل مجهول.

وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود"(1067).

والصحيح في هذا الباب كما قال البخاري في تاريخه الأوسط (2/ 233): إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، فإذا قال: الحمد لله، قال له أخوه: يرحمك الله، فإذا قيل له: يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم وهو في صحيح البخاري (6224).

ص: 1139

البخاري"

(1)

عن أبي هريرة يرفعه: "إذا عطس أحدكم، وحمد الله، كان حقًّا على كل من سمعه أن يقول له ذلك"، لا كما قال بعضهم: أنه على الكفاية، فإذا قال بعض السامعين سقط عن الباقين كرد السلام وليس كذلك، بل هو كالتسمية على الأكل لا تسقط عن أحد، بقول بعض الآكلين، بل على كل آكل أن يسمي، والله أعلم"

(2)

، انتهى.

وهو مخالف لمذهبنا من جهة أنه فرض كفاية بلا خلاف، ومخالف لمذهبه من وجهين:

أحدهما: أن التسمية سنة كفاية عند الشافعي كما حررناه في "شرح الشمائل".

وثانيهما: أن جواب العاطس سنة كفاية في مذهب الشافعي؛ ففي "شرح مسلم" للنووي

(3)

: "تشميت العاطس سنة الكفاية، إذا فعل بعض الحاضرين يسقط عن الباقين"، وقال في "الأذكار":"أصحابنا رحمهم الله قالوا: "تشميت العاطس سنة على الكفاية"، انتهى

(4)

.

نعم، الأفضل أن يشمت العاطس كل سامعِ حَمْدِهِ كما في رد السلام، والله أعلم.

(1)

أخرجه البخاري (3289 و 6226).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

(3)

المنهاج (14/ 32).

(4)

الأذكار (ص 408).

ص: 1140

(وليُرَدّ عليه) بصيغة المجهول، وفي نسخة علي بناء الفاعل، (يهديكم الله، ويصلح بالكم) أي: شأنكم، أو قلبكم، أو حالكم، وفي "شرح المفاتيح":"البال القلب، تقول: فلان ما يخطر ببالي، أي: بقلبي، والبال: رخاء العيش، يقال: فلان رخي البال، أي: واسع العيش، والبال الحال، تقول: "ما بالك، أي: ما حالك، والبال في الحديث يحتمل المعاني الثلاثة، والأولى أن الحمل على المعش الثاني أنسب لعمومه المعنيين الأولين أيضًا. قلت: "وكذا إذا حمل على المعنى الأول يعم، فتأمل.

ويجوز الاكتفاء بأحدهما وإفراد الخطاب، لكن التعظيم أكمل، والجمع بينهما أفضل، وهذا الرد سنة، والضمير في "عليه" لمجيب العطس.

(خ، د، س، ت، مس) أي رواه: البخاري وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة

(1)

، والترمذي والحاكم عن أبي أيوب

(2)

.

(يغفر الله لي ولكم. د، ت، س، حب) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، كلهم عن سالم بن عبيد.

(1)

أخرجه البخاري (6224)، وأبو داود (5033)، والنسائي في الكبرى (10060)، وفي عمل اليوم والليلة (232).

(2)

أخرجه الترمذي (2741)، والنسائي في الكبرى (10041)، واليوم والليلة (213)، والحاكم (4/ 266) والبغوي في شرح السنة (3342)، وإسناده ضعيف: لسوء حفظ محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وترجم له الحافظ في "التقريب"(6121) وقال: صدوق سيء الحفظ جدًّا.

وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة وإسناده صحيح وبه يرتقي الحديث.

ص: 1141

(لنا ولكم. س، ق، مس) أي رواه: النسائي وابن ماجه والحاكم؛ كلهم عن علي، والنسائي والحاكم، عن ابن مسعود أيضًا، قوله:"لنا ولكم" بدل "لي ولكم"؛ فيكون الحديث عندهم: "يغفر الله لنا ولكم"

(1)

.

ثم قوله: (يرحمنا الله وإياكم، ويغفر) أي: الله، (لنا ولكم. مو طا) أي رواه: مالك في "الموطأ" موقوفًا

(2)

من قول عمر بزيادة الجملة الأولى.

(وإن كان) أي: العاطس الحامد، (كتابيًّا) أي: يهوديًّا أو نصرانيًّا، (قيل له) الأظهر "لهم"، أي: لجنس الكتابي، (يهديكم الله، ويصلح بالكم) يعني: ولم يقل لهم: "يرحمكم اللَّه" أو "يغفر الله لكم".

(ت، د، س، مس) أي رواه: الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والحاكم؛ كلهم عن أبي موسى الأشعري

(3)

: "أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم، يرجون أن يقول لهم: "يرحمكم الله"، فيقول لهم: "يهديكم الله ويصلح بالكم".

(ومن قال عند كل عطسة: الحمد للَّه رب العالمين على كل حال ما كان؛ لم يجد وجع ضرس، ولا أذن) الجملة خبر "من قال"، أو "جزاؤه"،

(1)

سبق تخريجه.

(2)

أخرجه مالك (2/ 735).

(3)

أخرجه أبو داود (5038)، والترمذي (2739)، والنسائي في اليوم والليلة (232)، وفي الكبرى (10059)، والطيالسي في مسنده (1299). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2201).

ص: 1142

والمعنى: ما دام حيًّا لم يجد وجع شيء من ضرس، ولا أذن، (أبدًا) أي: إلى آخر عمره.

(مو مص) أي: رواه ابن أبي شيبة موقوفًا من قول علي

(1)

، قال العسقلاني:"هذا موقوف، ورجاله ثقات، ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع"، ذكره ميرك.

(وإذا طنّت) بتشديد النون، أي: صوتت (أذنه) من الطنين كأمير: صوت الذباب والطست، على ما في "القاموس"، (فليذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وليصل عليه) الظاهر أنه عطف تفسير، (وليقل: ذكر الله بخير من ذكرني) أي: بخير، وفيه إيماءٌ إلى أن هذا علامة من يذكره في الجملة، والجملة في المبنى خبرية، وفي المعنى دعائية إنشائية.

(ط، ي) أي رواه: الطبراني، وابن السني؛ كلاهما عن أبي رافع القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

(وإذا بشر) بصيغة المجهول من التبشير، أي: إذا بشر أحدٌ، (بما يسره) أي: يحبه ويعجبه ويفرحه، (فليحمد الله) أي: فليشكره، وخص الحمد

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (30430) وانظر السلسلة الضعيفة (6138).

(2)

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(9222) وقال الهيثمي: ورواه الطبراني في الثلاثة، والبزار باختصار كثير، وإسناد الطبراني في "الكبير" حسن، مجمع "الزوائد"(10/ 141). وقال الألباني في ضعيف الجامع (586).

ص: 1143

لأنه رأس الشكر؛ فإنه أظهر أنواعه. (خ، م، د، س، ق) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم عن عائشة في أثناء حديث الإفك

(1)

.

(أو حَمِدَ وكبر. خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم؛ كلاهما عن أبي سعيد

(2)

.

(أو سجد لله شكرًا) أي: إن كان نعمة جليلة أو منحة جزيلة، وهي غير مكروهة عند أصحاب أبي حنيفة، وسنة عند الشافعي وأتباعه، (مس، أ) أي رواه: الحاكم، وأحمد؛ كلاهما عن عبد الرحمن بن عوف.

(3)

(وإذا رأى من نفسه، أو ماله، أو غيره) أي: من نفس غيره أو ماله، (ما يعجبه) من الإعجاب، أي: ما يستحسنه، (فليدع بالبركة) أي: بأن يقول:

(1)

أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770)، وأبو داود (4735) والنسائي في (عشرة النساء)(45) وابن ماجه (2567).

(2)

أخرجه البخاري (6530) ومسلم (379).

(3)

أخرجه أحمد في المسند (1/ 191)، والحاكم في المستدرك (1/ 550)، وقال: صحيح الإسناد.

قال الألباني في "الإرواء"(2/ 229): بل هذا إسناد ضعيف، وبين ضعفه، ثم قال: وجدت له طريقا أخرى عن عبد الرحمن بن عوف عند أبي شيبة بسند ضعيف، فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف، ومن طريقه رواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى كما في "الترغيب" (278/ 2) فالحديث بالطريقين حسن. اهـ. وفي "صحيح الترغيب" (1658): الحديث حسن لغيره.

ص: 1144

"بارك الله في نفسي أو مالي"، أو:"بارك الله له في نفسه أو ماله"، أو نحو ذلك. (س، ق، مس) أي رواه: النسائي، وابن ماجه، والحاكم، عن عامر بن ربيعة

(1)

.

(وإذا أراد نُمُوَّ مَاله) بضم نون وميم وتشديد واو، أي: زيادته. وقال المصنف: "أي كثرته"

(2)

، أقول: وهو بكسر اللام في الأصول، ولو روي بفتح اللام له وجه وجيه؛ من شموله حينئذ جميع ماله من جماله وكماله.

(قال: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك) أي: أصالة، (وعلى المؤمنين والمؤمنات) أي: تبعًا (وعلى المسلمين)، كذا في "أصل الجلال"، وفي "أصل الأصيل":"والمسلمين (والمسلمات) "، وهو الأظهر؛ فإن المؤمن والمسلم بمعنى واحد على الأشهر؛ لأنهما متحدان شرعًا وإن اختلفا لغة، ولا يبعد أن يراد بالمؤمنين عمومهم من جميع الأمم، وبالمسلمين خصوص هذه الأمة؛ كما يشير إليه قوله تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78] الآية، وحينئذ وجود "على" أعلى؛

(1)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(7511) و (10039) و (10872) - وهو في "عمل اليوم والليلة"(211) و (1033) -، وابن ماجه (3506)، وأبو يعلى (7195)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(2901)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (206) والطبراني في المعجم الكبير (6/ 81) رقم (5579) والحاكم في المستدرك (4/ 215) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بذكر البركة وصححه الألباني في صحيح الجامع (556).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

ص: 1145

لما فيه من الإشعار بالاستقلال، والله أعلم بالحال. (ص) أي: رواه أبو يعلى عن أبي سعيد

(1)

.

(وإذا رأى أخاه المسلم يضحك) أي: لما بدا له من الفرح والسرور، (قال) أي: له، (أضحك الله سنَّك) أي: أدام الله ضحك سنك ظاهرًا، وسرور قلبك باطنًا. (خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن عمر رضي الله عنه، وفي نسخة:"كلهم عن سعد بن أبي وقاص".

(وإذا أحبّ أخاه) أي: محبة زائدة على ما تقتضيه عموم محبة المؤمنين، (فليعلمه ذلك) من الأعلام، أي: فليخبر كونه محبًا له؛ ليحبه أيضًا فيكتبان في المتحابين في الله. (ي، س، د، حب) أي رواه: ابن السني عن المقدام بن معدي كرب، والنسائي في "اليوم والليلة" وأبو داود وابن حبان عن أنس، ورواه الترمذي أيضًا، وقال:"حسن صحيح".

(فإذا قال له: إني أحبك) أي: في الله، كما في رواية ابن السني، أي: لأجله، (قال: أحبك الذي) أي: الله الذي (أحببتني له. س، د، حب، ي) أي رواه: النسائي وأبو داود وابن حبان عن أنس، وابن السني عن المقدام.

والظاهر أنه مع ما قبله حديث واحد، فلم يظهر وجه تفريقهما وتكرير رموزهما، وتقديم الياء تارة وتأخيرها أخرى، ولا بد من توجيهٍ يبين الوجه الأحرى.

(1)

أخرجه أبو يعلى (1397)، وابن حبان (4236)، والحاكم (4/ 130)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2239).

ص: 1146

لكن كتب ميرك في الهامش: "أن الحديث الأول رواه كلهم عن المقدام، والثاني كلهم عن أنس"، وهو -[مع]

(1)

مخالفته لسائر الحواشي- غير ملائم للفاء الرابطة بين الحديثين في قول المصنف "فإذا قال له"، فتأمل يظهر لك وجه الخلل.

(وإذا قال) أي: المحب أو غيره (له: غفر الله لك، قال: ولك) أي: وغفر لك، أو لك غفر أيضًا، وأما ما شاع على ألسنة العامة:"وبدأ بك"، فهو مخالف للرواية ومناف للدراية؛ فإن المستحب في مقام الدعاء هو أن يكون بنفسه البداء.

(س) أي: رواه النسائي عن عبد الله بن سرجس، قال ميرك:"ورواه مسلم أيضًا معناه من حديثه"

(2)

.

(وإذا قيل له: كيف أصبحت؟) أو أمسيت (قال: أحمد الله إليك) أي: أحمده معك، فأقام "إلى" مقام "مع"، وقيل معناه:"أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها"، كذا في "النهاية"، والأظهر أن يقال:"التقدير: أحمد الله منهيًا إليك". (ط) أي رواه: الطبراني عن ابن عمرو بالواو.

(3)

(1)

زيادة يقتضيها السياق.

(2)

أخرجه مسلم (2346) والترمذي في "الشمائل"(22)، والنسائي في "الكبرى"(11496)، وفي "عمل اليوم والليلة"(422)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1103) و (1104)، وأبو يعلى (1563)، وابن حبان (6299).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13/ 22) رقم (37). =

ص: 1147

(وإذا ناداه رجل رد عليه: لبيك) أي: من كمال الأدب. (ي) أي: رواه ابن السني عن معاذ، وفي نسخة:"عن علي"، وفي أخرى:"عن عمر".

(وإذا صُنِعَ) بصيغة المجهول، أي: فعل (إليه معروف) أي: إحسان صوري أو معنوي، من إفادة علم أو إفاضة معرفة؛ (فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء) أي: بالغ في ثناء صانع المعروف، وخرج عن عهدة شكره، حيث أظهر عجزه، وأحاله على ربه.

(ت، س، حب) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن حبان، عن ابن عمر، وفي نسخة منسوبة إلى ميرك:"كلهم عن أسامة"، وقال الترمذي:"حسن غريب".

(وإذا عرض عليه أخوه من أهله وماله) أي: ليأخذ ما شاء منهما كما فعله الأنصار مع إخوانهم من المهاجرين، حيث عرضوا عليهم نساءهم وعبيدهم وجواريهم وبيوتهم وبساتينهم، على أن ما اختاروه من الأموال يُمَلِّكُونَهُم، ومن النساء يطلقونها حتى يخرجن من العدة فيتزوجوها، (قال) أي: المعروض عليه للعارض سواء اختار شيئًا منهما أم لا: (بارك الله في أَهْلِكَ وَمَالِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَلَوْ رُوِيَ بِفَتْحِهَا لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ.

(خ، ت، س، ي) أي رواه: البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن السني، عن أنس.

= قال الهيثمي: رواه الطبراني، وإسناده حسن. (مجمع الزوائد 10/ 144) وانظر السلسلة الصحيحة (2952).

ص: 1148

(وإذا استوفى دينه) أي: أخذه وافيًا وقبضه تمامًا، (قال: أوفيتني) أي: أعطيتني حقي وافيًا، أي: فعلت الوفاء معي حيث أديت فيما عهدت من الأجل، (أوفى الله بك) أي: أعطى الله أجرك وافيًا، أو قام بجزاء عهدك ووفاء وعدك، إيماءٌ إلى قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40](خ، م، ت، س، ق) أي رواه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة.

(وفى الله بك) بالتخفيف، وفي نسخة بالتشديد، وهو أبلغ في مقام التأكيد، كما قال الله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]، وقال المصنف:"يقال: وَفَى بالشيء وَأَوْفَى وَوَفَّى بمعنًى، أي: أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ أَدَّى اللهُ عَنْكَ"

(1)

. (خ) أي: رواه البخاري عن أبي هريرة.

(أوفاك الله. م) أي: رواه مسلم عنه أيضًا، ويفهم من كلام صاحب "السلاح" أنه رواية للبخاري أيضًا، حيث قال:"وفي رواية للبخاري: "أوفيتني وفى الله بك"، وفي أخرى له: "أوفاك الله"، فتأمل"، ذكره ميرك.

(وإذا رأى ما يحبُّ) أي: ما يستحسنه في نفسه أو غيره، وفي نسخة بفتح الحاء، أي: إذا رأى شيئا مما يحب ويطلب من استجابة دعاء، أو قدوم سفر، أو عافية مرض، أو فراغ تصنيف، وأمثال ذلك، (قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات) أي: تكمل الأعمال المصالحة من الصلاح

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

ص: 1149

ضد الفساد.

(وإن رأى ما يكره) بفتح الياء، وفي نسخة بضمها، (قال: الحمد للَّه على كل حال) أي: من السراء والضراء، وزيد في رواية:"ونعوذ بالله من حال أهل النار"، إيماء إلى أن كل حال من الشدائد المكروهة على النفس ما عدا حال أهل النار موجب للحمد والشكر؛ فإنه إما كفارة للسيئات، وإما رفعة للدرجات. (ق، مس، ي) أي رواه: ابن ماجه، والحاكم، وابن السني، عن عائشة.

(ما أنعم الله على عبد من نعمة)"ما" نافية، و"من" زائدة للاستغراق، أي: ما أنعم الله على عبد من عبيده أَيَّ نِعْمَةٍ كَانَتْ؛ (فَقَالَ: الْحَمْدُ لله، إِلَّا وَقَدْ أَدَّى شُكْرَهَا) أَيْ: إلا عرف منعمها، وقام بحقها، (وكتب الله له ثوابها؛ فإن قالها الثانية جدد الله له ثوابها) أي: جزاءها وأجرها؛ (فإن قالها الثالثة غفر الله) أي: (له) كما في أكثر النسخ المصححة، (ذنوبه) أي: جميعها. (مس) أي: رواه الحاكم عن جابر.

(ما أنعم الله على عبد نعمة) أي: دنيوية أو أخروية، [ظاهرة أو باطنة]

(1)

؛ (فقال: الحمد لله رب العالمين، إلا كان) أي: العبد، (قد أعطى خيرًا مما أخذ) لأن ما أخذه من الأمور الفانية، وأما ما أعطاه فمن الكلمات الباقية، أو إلا كان الله قد أعطى العبد خيرًا مما أخذه العبد.

وحاصله: أن توفيق الله تعالى إياه بالحمد له أفضل من كل إعطاء نعمة.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"ظاهرية أو باطنية".

ص: 1150

ثم اعلم أن قوله: "أعطى" بصيغة المعلوم تصحيح "أصيل"، وبالمجهول تصحيح "جلال"، واللَّه أعلم بالحال. (ي) أي: رواه ابن السني عن أنس

(1)

.

(وإذا ابتلي بالدّين) أي: الكثير، (قال: اللهم اكفني) بهمز وصل وكسر الفاء، من كفى كفاية وكفاك الشيء يكفيك، على ما في "الصحاح"، وفي نسخة:"اكففني" من الكف، أي: امنعني واحفظني، (بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك) وفي رواية: "يقول بعد صلاة الجمعة سبعين مرة: "اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك". (ت، مس) أي رواه: الترمذي، والحاكم، عن علي رضي الله عنه

(2)

.

(اللهم فارج الهم) أي: مزيل الهم الذي يذيب الإنسان، ويهمه دفعه، (كاشف الغم) أي: دافع الغم الذي يغم فؤاد السالك ويغشاه، (مجيب دعوة المضطرين) أي: ولو كان المضطر كافرًا أو فاجرًا، كما قال تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62]، (رحمن الدنيا) أي: لجميع أفراد

(3)

من فيها، (ورحيمها) أي: لخصوص المؤمنين الكائنين فيها، وفي

(1)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (356).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 153)، والترمذي (3563)، والحاكم (1/ 538)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2625).

(3)

بعدها في (ب) و (د) زيادة: "عموم".

ص: 1151

نسخة: "رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما"، لكنها مخالفة لما ذكره المصنف، حيث قال:"الرحمن الرحيم: مشتقان من الرحمة، مثل ندمان ونديم من أبنية المبالغة، ورحمن أبلغ من رحيم، وهو خاص بالله تعالى لا يسمى به غيره ولا يوصف، بخلاف الرحيم فإنه يوصف به غيره، ولذلك ورد في الدنيا ولم يرد في الآخرة"

(1)

، انتهى.

ولا يخفى عدم ظهور ارتباط وجه التعليل الذي ذكره بما قبله، بل إنما يلائم لما قبل من أن رحمة الرحمن لعمومه المستفاد من زيادة المبالغة أن يكون في الدنيا عامة للمؤمن والكافر، بخلاف رحمة الرحيم؛ فَإِنَّه مع إفادة مبالغة مختصة برحمة المؤمنين كما يشير إليه قوله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 156].

لكن التحقيق: أن رحمة "الرحمن" عامة للخلق في الدنيا والآخرة، ولذا ورد:"رحمن الدنيا والآخرة" كما في الحديث الذي يليه، وأن رحمة الرحيم متعلقة بالمؤمنين خاصة في الدارين كما قال في هذا الحديث:"رحمن الدنيا ورحيمها"، ولعل ما ورد في بعض الروايات:"يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة" روعي فيه جانب التغليب في كل منهما.

فإن قيل: أَيُّ رحمة توجد في حق الكفار حال خلودهم في النار؟ قلت: نعمة الوجود، وسائر وجوه الإدراكات منح صورة وإن كانت محنًا حقيقة.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14 / أ).

ص: 1152

كما حقق في نعم الكفار أيضًا في هذه الدار، ولولا نعمة وجودهم المسببة عن رحمته لفنوا بالكلية، وهو وإن كان قد يقال: إنه نعمة في حقهم، لكن يفوت كونها نعمة في حق غيرهم، وأيضًا لم يظهر كمال مظاهر الجلال إلا بوجودهم في النار؛ مقابلة لمظاهر الجمال بوجود أهل الجنة فيها، ولما كان مقتضى الجلال أن يعدمهم ويفنيهم وغلب الجمال في أن يبقيهم، ظهر معنى الحديث القدسي والكلام الأنسي:"غلبت رحمتي غضبي"، كما أن العدم السابق كان موجبًا لرحمة بعض الخلق، ولذا جاء في رواية:"سبقت رحمتي غضبي"، والله أعلم بدقائق الحقائق.

(أنت ترحَمُني) أي: حيث لا راحم في الحقيقة إلا أنت، (فارحمني برحمة) أي: عظيمة، (تغنيني) من الإغناء، وهو مرفوع بإثبات الياء، أي: تجعلني غنيًّا أنت (بها) أي: بسببها (عن رحمة من سواك) والمقصود من الدعاء: الرحمة التي هي بلا واسطة مخلوق، وإلا فالرحمة الحاصلة من غيره ليست حاصلة من سوى رحمته.

وأما ما في بعض النسخ من جزم: "تُغنني"، بحذف الياء على جواب الأمر، ولزوم أن يكون الضمير للرحمة مجازًا، فلا يصح؛ لأنه يمنع من صحته وجود لفظ "بها" المتفق عليه في جميع النسخ، وأما على الخطاب فيصح كما لا يخفى.

(مس، مر) أي رواه: الحاكم، وابن مردويه - وفي نسخة برمز "الراء"

ص: 1153

علامةً للبزار - عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه

(1)

.

(اللهم مالك الملك) أي: جنسه أو جميع أفراده من الملك الظاهر والباطن كالعلم، والزهد والقناعة، والاستغناء عما سوى الله، (تؤتي الملك) أي: تعطي بعض أفراده من بعض أنواعه، (من تشاء) أي: من عبادك (وتنزع الملك) أي: تخلعه (ممن تشاء).

(وتعز من تشاء) أي: بما تشاء (وتذل من تشاء) أي: بما تريد (بيدك الخير) أي: والشر، فهو من باب الاكتفاء، أو بتصرفك الخير لا بتصرف الغير، كما يدل عليه تقديم الجَارِّ، أَوْ لا ينسب إليك الشر على مقتضى الأدب، أو لا شر إلا ويتضمنه خير (إنك على كل شيء) من: الإتيان، والنزع، والإعزاز، والإذلال، وغيرها (قدير) أي: تام القدرة كامل القوة.

(رحمن الدنيا والآخرة) قال صاحب "الكشاف": "وفي الرحمن من

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 515) والبزار (62) والطبراني في "الدعاء"(1041)، والمروزي في "مسند أبي بكر" (40) وقال الحاكم: قد احتج البخاري بعبد الله بن عمر النميري، وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبد الله الأيلي.

قال المنذري: رواه البزار والحاكم والأصبهاني كلهم عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم عنها وقال الحاكم صحيح الإسناد.

قال الحافظ عبد العظيم كيف والحكم متروك متهم والقاسم مع ما قيل فيه لم يسمع من عائشة "الترغيب والترهيب"(2/ 382).

وقال الهيثمي: رواه البزار، وفيه الحكم بن عبد الله الأيلي، وهو متروك (10/ 186).

ص: 1154

المبالغة ما ليس في الرحيم، ولذا قالوا: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم [الدنيا]

(1)

، ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى"، انتهى. وسبق التحقيق والله ولي التوفيق.

(تعطيهما)"أي: الرحمة في الدنيا والآخرة"

(2)

، ذكره المصنف وهو غير ظاهر لفظًا ومعنًى؛ فالصواب: تعطي الدنيا والآخرة جميعًا (من تشاء) أي: من خواص عبادك كسليمان من الأنبياء، وعثمان من الأولياء، (وتمنع منهما) أي: بعضهما، (من تشاء) أي: من عبادك بأن تمنعه من زيادة الدنيا فقط؛ تكميلًا لآخرته، وهو حال أكثر الأنبياء وغالب الأولياء، وله صلى الله عليه وسلم حظٌ وافر من المقامين، وإن كان هو بنفسه مائلًا إلى كونه من الفقراء والمساكين؛ إيماءً إلى أنه الحال الأكمل والمقام الأفضل.

ولهذا ذهب جمهور العلماء وعامة المشايخ إلى أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، وتفصيل المبحث يحتاج إلى بسط ليس هذا محله، وبأن تمنع من تشاء من [عبادك]

(3)

من حظ الآخرة ونعيمها، وهو أعم من أن يكون له حظ وافر في الدنيا أم لا، وفيه إيماء إلى أنه لا يمنعهما جميعًا

(1)

كذا قال الزمخشري في الكشاف (1/ 49 - 50)، ولا أدري هل هو سبق قلم منه أم ماذا؛ فصواب الكلمة:"الآخرة"، لما قرره هو -وما سبق تحريره- من أن الرحمن أبلغ من الرحيم، وأن الرحيم خاصة بالمؤمنين، ومعلوم أن الرحمة يوم القيامة للمؤمنين، والله أعلم.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

(3)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"عباده".

ص: 1155

من بعض عباده، كما أشار إليه بقوله تعالى:{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] أي: ممنوعًا.

نعم، ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ثم قال سبحانه تسلية للفقراء من المؤمنين {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 21].

(ارحمني رحمة [تغنيني]

(1)

بها عن رحمة من سواك. صط) أي: رواه الطبراني في "الصغير" عن أنس: أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "لو كان عليك مثل جبل أحد دَيْنًا، فدعوت بهذا الدعاء قضى الله عنك"

(2)

.

(وتقدم ما يقوله إذا أصبح وإذا أمسى. د) أي: رواه أبو داود، عن أبي سعيد مرفوعًا، ولفظه:"وإن ابتلي بِهَمٍّ أو دَيْنٍ فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"

(3)

.

(وإذا أخذه إعياء) بكسر الهمزة أي: عجز وكسل (من شغُل) أي: عظيم، أو من جهة مباشرة شغل جسيم، قال المصنف: "الإعياء: التعب

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"تغنني".

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (558). قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات "مجمع الزوائد"(10/ 186).

(3)

أخرجه أبو داود (1555)، قال المناوي: فيه عتبان بن عوف بصري ضعيف. وانظر "فيض القدير"(3/ 112)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2169).

ص: 1156

والنصب والعجز، يقال: أعيا الرجل في المشي فهو مُعْييٍ، وأعياه الله، وأعيا عليه الأمر أي: غلبه"

(1)

، انتهى.

(أو طلب زيادة قوة) بفتح الطاء واللام فعل ماض عطف على "أخذ"، و"أو" للتنويع لا للشك، والمعنى: أو إذا طلب زيادة قوة ونشاط في شغل من طاعة أو عبادة.

(فليسبح عند نومه ثلاثًا وثلاثين، وليحمد ثلاثًا وثلاثين، وليكبر أربعًا وثلاثين أو من كلٍّ ثلاثًا وثلاثين. أو من إحداهن أربعًا وثلاثين مرة. خ، م، د، س، ت، حب، أ، ط) أي رواه: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان عن علي، وأحمد والطبراني كلاهما عن أم سلمة

(2)

.

قال المصنف: "ولما شكت فاطمة رضي الله عنها مما تقاسيه من [التعب]

(3)

وطلبت خادمًا يعينها، فدلَّها صلى الله عليه وسلم على هذا الذكر عند النوم، وذلك مجرب، واختلف الروايات فيما تقدم من التسبيح والتحميد والتكبير وكلها في الصحيح، والمختار [البدء]

(4)

بالتكبير، ويكون منه

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

(2)

أخرجه البخاري (3113) ومسلم (2727)، والترمذي رقم (3408) وأبو داود (2988) و (2989). وعن أم سلمة أخرجه أحمد (6/ 298)، والطبراني في المعجم الكبير (23/ 339) رقم (787).

(3)

كذا في (ب) و"مفتاح الحصن الحصين"، وفي (أ) و (ج) و (د):"الطلب".

(4)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"البداء".

ص: 1157

أربع وثلاثون"

(1)

.

قلت: ليس في هذه الروايات الصحيحة دلالة صريحة بتقديم التكبير أصلًا؛ بل الظاهر من اللفظ الأول تقديم التسبيح لا غيره، وكذا الكلام في الرواية الآتية، وهو قوله:(أو من كُلٍّ) أي: من الكلمات المذكورة (دبر كل صلاة عشرًا، وعند النوم ثلاثًا وثلاثين) أي: من كلٍّ.

(والتكبير) بالجر، أي: ومن التكبير، وفي نسخة بالرفع، أي: ويذكر التكبير (أربعًا وثلاثين. أ) أي: رواه أحمد عن ابن عمر، وفي نسخة: عن ابن عمرو بالواو

(2)

، وهو هكذا في "أصل الأصيل"؛ حيث يدل بظاهره أيضًا على أن التكبير متأخر عن أخويه.

نعم، وقع الاختلاف في أن الزيادة عن الثلاثين هل هي موجودة أم لا؟ وعلى تقدير وجودها: هل هي مختصة بالتكبير أو لا؟ فمع هذا كله كيف يقال: "وكلها في الصحيح والمختار [البدء]

(3)

بالتكبير"، مع ما ورد من حديث صحيح: "لا يضركِ بأيهن بدأتِ".

نعم، روي في بعض الطرق الصحيحة الواردة في غير هذا الكتاب ما يؤخذ منه في الجملة تقديم التكبير، وهو ما أخرجه صاحب "الرياض

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ).

(2)

أخرجه أبو داود (5065)، والترمذي (3410)، والنسائي (3/ 74)، وابن ماجه (926)، وأحمد (2/ 204 - 205) وإسناده صحيح.

(3)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"البداء".

ص: 1158

النضرة" عن علي: "أن فاطمة اشتكت ما تلقى من أئر الرحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبيٌ، فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم؛ فقال: على مكانكما، فقعد بيننا حتى وجدتُ برد قدمه على صدري؛ فقال: ألا أعلمكما خيرًا مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعًا وثلاثين، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، [واحمدا]

(1)

ثلاثًا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم يخدمكما" أخرجه البخاري

(2)

.

وإنما قلت: يدل على تقديم التكبير في الجملة بناءً على اعتبار الترتيب الذكري، وإلا فما بعد التكبير جيء بالواو الموضوعة للجمع المفيد لمطلق التشريك، وأما الفاء التي في قوله:"فَكَبِّرَا" فجزائية داخلة على مجموع الجمل، فلا يفيد تقديم التكبير.

ولذا، لم يقل علماؤنا بوجوب الترتيب في الوضوء مع ورود قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ

} [المائدة: 6] الآية، وإنما قالوا بسنيته للمواظبة المأخوذة من السنة.

على أن هذا الحديث معارض [لسائر]

(3)

الأحاديث التي أصح منه، وأكثر رواية، وأشهر رجالًا، ومخالف لظاهر الرواية أيضًا من المناسبة

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"وحمِّدا".

(2)

أخرجه البخاري (3113)، (5361)، (5362)، ومسلم (2727)، وأبو داود (5062)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (814، 815).

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"بسائر".

ص: 1159

الترتيبية بين التسبيح الموضوع للتنزيه عن النقائص، والحمد الموجب لإثبات صفات الكمال، ثم إيراد التكبير الدال على العظمة والكبرياء، فيكون نسقه على طبق "لا إله إلا الله، والله أكبر".

ومع هذا مناقض بما روي في "الرياض" أيضًا عن علي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحاتين وسقاء وجرابين؛ فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: لقد طحنت حتى فجلت يداي، وقد جاء الله بسبي وسعة فأخدمنا؛ فقال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعه وأنفق عليهم أثمانه فرجعا، فأتاهما صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطت رءوسهما انكشفت أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما انكشفت رءوسهما فثارا، فقال: مكانكما، ثم قال: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بك، قال: كلمات علمنيهن جبريل، فقال: تسبحان دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين.

قال علي: فما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين" أخرجه الإمام أحمد

(1)

.

هذا، وأخرجه أيضًا عن أنس: "أن بلالًا أبطأ عن صلاة الصبح يومًا؛

(1)

أخرجه أحمد (1/ 106).

ص: 1160

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما حبسك؟ قال: مررت بفاطمة تطحن والصبي يبكي، فقلت لها: إن شئت كفيتك الرَّحَى وكفيتيني الصبي، وإن شئت كفيتك الصبي وكفيتيني الرَّحَى؛ فقالت: أنا أرفق بابني منك، فذاك حبسني، قال: فرحمتها رحمك الله"

(1)

.

فإن قلتَ: فكيف ما رحمها صلى الله عليه وسلم مع أنها من رَحِمِهِ، وهو نبي الرحمة، ورحمة للعالمين؟ قلتُ: عدم رحمة الدنيوي عليها من كمال رحمة الأخروي لها، وهو نظير ما يفعل الله تعالى بعباده الصالحين من الفقراء والمساكين، مع أنه أرحم الراحمين حيث يمنع الدنيا عن المؤمن، كما تمنع الوالدة الشفيقة الماءَ من ولدها المريض المضر في حقه كثرة الماء.

فالمنح الدنيوية غالبًا هي المحن الأخروية وبالعكس، قال تعالى:{وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [الأعراف: 141]، فقد جاء البلاء بمعنى النعمة والمحنة؛ بناء على أن البلاء بمعنى الاختبار، قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35].

فيجب عليك الفرق في الفتنة بين المحنة والمنحة؛ فإن مادتها متحدة، وهيئتهما متقاربة، وصورتهما متشاكلة، لا يفرق بينهما إلا كامل العقل تام التمييز، البالغ مبلغ الرجال، وهو الذي [خرج عن]

(2)

منيه، لا من

(1)

أخرجه أحمد (3/ 150) وإسناده ضعيف لانقطاعه عمار وهو ابن عمارة لم يدرك أنسًا وهذا الحديث مما تفرد به الإمام أحمد.

(2)

كذا في (أ) و (د)، وفي (ب):"خرج عن"، وفي (ج):"خرج من".

ص: 1161

خرج عنه المني؛ فإن الثاني هو البالغ في الشريعة، والأول هو البالغ في الطريقة، والفارق بينهما أصحاب الحقيقة، وأرباب البصائر الدقيقة.

(ومن ابتلي بالوسوسة) أي: النفسانية أو الشيطانية في الأمور الاعتقادية، أو الأعمال البدنية؛ فهو عام بالنسبة إلى قوله الآتي، وإن كانت الوسوسة في الأعمال فاندفع قول ميرك في أن الظاهر أن المراد الوسوسة في الاعتقاد؛ لقرينة مقابلة الأعمال، (فليستعذ بالله) إشعارًا بأنه عاجز بالله، ولا حول ولا قوة إلا به، وإيماءً إلى قوله {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 83].

(ولينته) أمر من الانتهاء، أي: وليترك التفكر في ذاك الخاطر الواقع فيه الوسوسة، وإن لم يزل التفكر بالاستعاذة فليقم وليشتغل بأمر آخر، كذا قاله ميرك، وهو يؤيد ما قدمناه، وفيه إيماء إلى أن الواو بمعنى "أو"، ولا بدع أن يجمع بينهما. (خ، م، د، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي؛ كلهم عن أبي هريرة

(1)

.

(أو ليقل: آمنت بالله ورسله. م) أي: رواه مسلم عنه أيضًا، (الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، ثم ليتفل) بضم الفاء ويكسر، أي: ليبزق من فمه المشير به إلى كراهته وتنفره رغمًا للشيطان وتبعيدًا له (عن يَسَاره ثلاثًا) فإنه لم يأته إلا من جهة الشمال المنسوب

(1)

أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134)، وأبو داود (5112). والنسائي في عمل اليوم والليلة (663)، وفي الكبرى (10499)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(625).

ص: 1162

إليها المعاصي، ولذا يدخله صاحبه في أصحاب الشمال، وكاتب السيئة أيضًا يقف في اليسار إشعارًا بما وقع أصحاب الميثاق في عالم الأرواح عن يمين آدم ويساره بحسب ما تعلق به القضاء والقدر؛ فقال:"هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي"، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].

(وليستعذ بالله من الشيطان. د، س، ي) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن السني، عنه أيضًا.

(ومن فِتَنِهِ. س) أي: رواه النسائي عنه أيضًا، قال ميرك:"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ ولينته"، رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

ولفظ مسلم والنسائي: "فليستعذ بالله ولينته"، وفي رواية مسلم:"فليقل: آمنت بالله ورسله"، وفي رواية أبي داود والنسائي: "فيقول: الله أحد

" إلى آخره، وفي رواية النسائي [أيضًا]

(1)

: "فليستعذ بالله من فتنه"، والظاهر من هذه الرواية أن هذه الأقوال مخصوصة بهذه الوسوسة لا في مطلق الوساوس، خلاف ما يقتضيه إيراد الشيخ قدس سره، فتأمل. ميرك".

قلت: الخاص داخل في العام، ولا دلالة فيه على اختصاصه مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع أن القياس يقتضي العموم،

(1)

من (د) فقط.

ص: 1163

وقد بسطنا هذه المسألة المتعلقة بالوسوسة في أول "المرقاة شرح المشكاة" نوع بسط يحتاج إليه السالك المبتدي، ولا يستغني عن تَذَكُّرِهِ المنتهي.

(وإن كانت الوسوسة في الأعمال) أي: المستقلة كالصلاة، أو الوسائل كالوضوء والغسل، (فإن ذلك) أي: صاحب تلك الوسوسة أو موسوس الأعمال (شيطان) وقد أغرب الحنفي حيث قال: "أي: من الشيطان، وإن حملت الوسوسة على معنى الموسوس فهو على ظاهره"، انتهى.

ولا يخفى عدم صحة الأول، وكذا قوله الثاني؛ فإن الوسوسة المذكورة لا يمكن أن تكون بمعنى الموسوس لعدم صحة الحمل.

فالصواب: أن ذلك إشارة إلى ما ذكره من الوسوسة إما على تقدير مضاف، أو بتأويل المصدر بمعنى الفاعل كما قررناه، وأشرنا إليه في ضمن ما حررناه.

(يقال له: خِنْزِبٌ) بكسرتين وبينهما سكون، وفي نسخة بفتح الزاي، وفي "القاموس":"الخُنزوب بالضم والخِنزاب بالكسر: الجريء على الفجور، وَخَنْزَب بالفتح: شيطان"، انتهى. والظاهر أن مراده بـ"الفتح": فتحُ الخاء والزاي.

وقال المصنف: "بكسر الخاء المعجمة والزاي، هذا هو المحفوظ، ورُوي بالضم وهو لقب، والخنزب في اللغة: قطعة لحم منتنة"

(1)

، انتهى.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ أ، ب).

ص: 1164

وتقدم عن "القاموس" أنه اسم للشيطان، وأن أصله الجريء على الفجور، وقال الطيبي:"بخاء معجمة مكسورة، ثم نون ساكنة، ثم زاي مكسورة أو مفتوحة"، ويقال أيضًا:"بفتح الخاء والزاي" كما حكاه القاضي عياض، ويقال أيضًا:"بضم الخاء وفتح الزاي"، كذا في "النهاية"، وهو غريب.

(فليتعوذ بالله منه، وليتفل عن يساره ثلاثًا. م، مص) أي رواه: مسلم، وابن أبي شيبة، عن عثمان بن أبي العاص

(1)

.

(ومن غضِب) بكسر العين، (فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذَهَبَ عنه ما يجد) أي: ما يدركه من آثار الغضب إن كان غضبه شيطانيًّا، والحديث مُقْتبَسٌ من قوله تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].

قيل: وذلك في حق من يتقي الله ولا يسيء الأدب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]. قلت: الإبصار مقيد بالاتقاء، وأما إذهاب الغضب المذموم بالاستعاذة فعلى عمومه وإطلاقه كما لا يخفى.

(خ، م، د، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن سليمان بن صُرَد، بضم ففتح

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30207)، ومسلم (2203).

(2)

أخرجه البخاري (61159)، ومسلم (2610)، وأبو داود (4780)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (389).

ص: 1165

(ومن كان حدّ اللسان) بفتح الحاء وتشديد الدال، أي: حديده في الأذى وحاده؛ فقوله: (فاحشه) تفسير لما قبله، والمعنى: من كثر فحش لسانه، وكثر من كثر لغو بيانه، وأراد تكفيره، أو قصد إصلاح شأنه، وحفظ لسانه.

(لازم الاستغفار) لاسيما في أطراف النهار، وهو لا ينافي أن فحش اللسان مما يوجب الاستحلال عمن حصل به الأذى؛ لكونه من حق العباد، فإنه مع ذلك لا يستغني عن الاستغفار من حيث إنه حق الله تعالى أيضًا.

(لحديث: شكوت) بالإضافة، ويجوز تنوينه على أن التقدير: لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثٍ، هُوَ: شَكَوْتُ (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَرَب لساني) وفي نسخة: "ذرب اللسان". قال المصنف: "بفتح الذال المعجمة والراء، أي: حدته فلا يبالي ما يقول"

(1)

، انتهى. وفي "القاموس":"ذرب اللسان محركة: فساد اللسان وبذاؤه، والفحش".

(فقال: أين أنت من الاستغفار؟) أي: كيف يغيب فهمك عن الاستغفار، وكان ينبغي لك أن تستحضره وتعتقد أن من لزمه أذهب الله عنه فحش لسانه.

(إني) أي: مع جلالة قدري وعصمة أمري، (لأستغفر الله في كل يوم مئة مرة) أي: لأمتي، أو لتقصيري في عبادتي، أو لغفلتي عن حقيقتي، أو لقناعتي بمرتبتي في الحال، وعدم الاستزادة في العلم وقرب المتعال؛ فإنه لا نهاية لغايتهما عند أرباب الكمال، أو لتنزلي عن مرتبة العين إلى

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1166

غيبة الغين وما يحصل في البين، فما بين أنواع الاستغفار الصادر من الأبرار والفجار بَوْن بَيِّن عند ذوي البصيرة والإبصار.

فالمراد بالمئة الكثرة؛ لأن حال السالك في ميدان المحاربة وفي إيوان المغالبة بين الحضور والغفلة، متردد بين العزة والكدرة، وإنما الاختلاف في الغلبة.

(س، ق، مس، مص، ي) أي رواه: النسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن أبي شيبة، وابن السني، عن حذيفة

(1)

.

(ومن انتهى إلى مجلس فليسلم) أي: على أهله استحبابًا، (فإن بدا) بالألف، أي: ظهر (له) في رأيه (أن يجلس فليجلس، ثم إذا قام) أي: عن أهل المجلس، (فليسلم) أي: ندبًا سلام الوداع، وفي رواية:"وليست الأُولَى بالأَوْلى من الثانية". (د، ت، س) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، عن أبي هريرة

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30054)، وأحمد (5/ 394 وفي 5/ 396 وفي 5/ 397 وفي 5/ 402)، والدارمي (2723)، وابن ماجه (3817)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(449) وفي (450) وفي (451) وفي (452) وفي (453) ابن حبان (926)، والحاكم (1/ 510) وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(362).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 230) وأبو داود (5208) والترمذي (2706) والنسائي في الكبرى (10201)، وفي عمل اليوم والليلة (369) وابن حبان (493) وقال النووي في الأذكار (638) إسناده جيد، وانظر علل الدارقطني (10/ 389)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (399) والسلسلة الصحيحة (1321).

ص: 1167

(وكفارة المجلس) أي: مكفر ما يقع فيه من اللغو أو نحو الغيبة، (أن يقول) أي: قوله (قبل أن يقوم)(سبحان الله وبحمده) وهذه من مختصات رواية النسائي والطبراني، (سبحانك اللهم وبحمدك)، قال الطيبي:"اللهم معترض؛ لأن قوله "وبحمدك" متصل بما قبله "سبحانك"، إما بالعطف، أي: أسبح وأحمد، أو بالحال أي: أسبح حامدًا لك.

(أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. د، ت، س، حب، مس، ط، مص) أي رواه: أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة

(1)

، والحاكم عن عائشة أيضًا

(2)

، والطبراني عن ابن عمر وجبير بن مطعم

(3)

، وابن أبي شيبة عن أبي برزة الأسلمي

(4)

؛

(1)

أخرجه الترمذي (2433) والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(397)، وأحمد (2/ 494) أبو داود (4858)؛ وابن حبان بإثر الحديث (593) والحاكم (1/ 536)، وإسناده صحيح بشواهده انظر: فتح الباري (13/ 554 - 555) والنكت على ابن الصلاح للحافظ ابن حجر (2/ 731) ومعرفة علوم الحديث (113).

(2)

أخرجه النسائي (3/ 72) وفي "الكبرى"(10231)، وفي عمل اليوم والليلة (398) والحاكم (1/ 495).

(3)

الطبراني في "الكبير"(2/ 139) رقم (1586)، وفي "الدعاء"(1919)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(424)، وصححه الحاكم (1/ 537)، والحديث في "صحيح الترغيب"(1519).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (29327) والخلاصة أن حديث كفارة المجلس حديث =

ص: 1168

هكذا ذكره ميرك.

وفي نسخة صحيحة: "أن الثلاث الأول عن أبي هريرة، وابن حبان والحاكم عن عائشة، والباقي على حاله". وفي أخرى: "رواه الأربعة عن أبي هريرة، والحاكم والطبراني عن عائشة"، والله سبحانه أعلم.

(ثلاث مرات. د، حب) أي رواه: أبو داود، وابن حبان، عمن تقدم أيضًا.

(عملت سوءًا وظلمت نفسي) أي: بهذا العمل أو بغيره، (فاغفر لي) أي: جميع ذنوبي، (إنه) أي: الشأن وهو بالكسر، استئناف فيه معنى التعليل، (لا يغفر الذنوب إلا أنت. س، مس) أي رواه: النسائي، والحاكم -وفي نسخة رمز ابن أبي شيبة بدله- عن رافع بن خديج، والظاهر أنه من تتمة الحديث السابق.

(ما جلس قوم مجلسًا) أي: لم يجلسوا جلوسًا، أو في مكان جلوس، أو زمانه، ومن وَصْفِهم أنهم (لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا)[و]

(1)

لم يسلموا، (على نبيهم صلى الله عليه وسلم) وفيه إيماء إلى أنهم لو ذكروه ولم يصلوا عليه فكأنهم ما ذكروه حيث لم يذكروه على وجه التعظيم، ولعل هذا هو وجه

= صحيح، وبعض طرقه صحيحة وحسنة، ومنها حديث السائب بن يزيد مرفوعًا، وحديث عبد الله بن عمرو موقوفًا، وهي مع المراسيل تدل على ثبوت الحديث، وصحته. وقد صحح عدد من الأئمة بعض وجوهه. وانظر فتح الباري (13: 545).

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"أو".

ص: 1169

العدول عن العطف، أو دفعًا لتوهم التشريك في الأمر.

(إلا كان) أي: ذلك المجلس، (عليهم ترة) بكسر التاء وتخفيف الراء، أي: نقصًا، من وتره يتره ترة ووترًا، ومنه قوله تعالى:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35] وقيل: حسرة؛ لأنها من لوازم النقص، وفي نسخة برفعها، أي: وقع عليهم نقص.

(فإن شاء) أي: الله، (عذبهم) أي: بما سبق لهم من الذنوب والعيوب بمخالفة أمر الله ورسوله، (وإن شاء غفر لهم) بخلاف ما إذا ذكروا وصلَّوا، فإن الله يغفر لهم لا محالة، بناءً على قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، يعني: الصغائر، وأما الكبائر فتحت المشيئة إلا أن يتوبوا منها لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25].

(د، ت، س، حب، مس) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، عن أبي هريرة

(1)

.

(ومن دخل السوق) أي: جنسها، (فقال) أي: رافعًا صوته أو خافضًا أو ملاحظًا بقلبه، (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له) إيماءً إلى ما قاله الصوفية من أن وجود الكثرة لا تنافي شهود الوحدة، (له الملك) أي: خلقًا وملكًا، (وله الحمد) أي: على نعمه ظاهرًا وباطنًا، (يحيي ويميت)

(1)

أخرجه، أحمد (2/ 389 و 2/ 515 و 2/ 527)، وأبو داود (4855) والترمذي (3380) والبيهقي في "الآداب"(258)، والنسائي في "الكبرى"(10169)، وابن حبان (590)، والحاكم (1/ 514) وقال الترمذي: حديث حسن.

ص: 1170

أي: يوجد جمعًا ويفني قومًا، (وهو حي) أي: ثابت الحياة أزلًا ودائمها أبدًا، كما أشار إليه بقوله:(لا يموت) والمعنى: أنه لا [يمكنه]

(1)

الموت، (بيده الخير) أي: لا بتصرف الغير، (وهو على كل شيء) أي: من الخير والشر، (قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحى عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة).

ولعل وجه هذه الفضيلة بخصوص السوق؛ لأنها محل [الغفلة]

(2)

، فالذاكر فيهم كالمجاهد في الغازين، وهذا دليل لما اختاره السادة النقشبندية من أكابر الصوفية؛ حيث قالوا:"الخلوة في الجلوة، والعزلة في الخلطة، والصوفي كائن بائن، وغريب قريب، وعرشي فرشي"، ونحو ذلك من عباراتهم نفعنا الله ببركاتهم.

ومن تتبع أحاديثه صلى الله عليه وسلم، وعرف أخباره وأحواله، وعلم أقواله وأفعاله - تبين له أن هذه الطريقة هي التي اختارها صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، [وحث]

(3)

أمته على هذه الحالة، وتبعه أكابر الصحابة دون ما ابتدعه المبتدعة، ولو كان بعضها مستحسنة في الجملة.

(ت، ق، أ، مس، ي) أي رواه: الترمذي، وابن ماجه، وأحمد والحاكم،

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"يملك"، وكلاهما لا تصح نسبته إلى الله تعالى.

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"اللغط".

(3)

كذا في حاشية (ج) وهو الصواب، وفي جميع النسخ:"بعث".

ص: 1171

وابن السني، عن عمر رضي الله عنه

(1)

.

(وبنى) أي: الله، (له) أي: لمن قال ما سبق، (بيتًا) أي: مكانًا عظيمًا، (في الجنة)، وفيه إشعار بأن الأذكار في الدنيا تورث بناء القصور وغرس الأشجار في العقبى، وأنها مهور الحور، ومبخرة البخور في الجنة الأعلى.

(ت، ي) أي رواه: الترمذي، وابن السني عنه

(2)

.

(وإذا دخله) أي: السوق، فإنه يذكر ويؤنث على ما في "الصحاح"، والمعنى: إذا أراد دخوله، فيلائم قوله:(أو خرج إليه) أي: وصل إلى مكانه، (قال: باسم الله) أي: أدخله، (اللهم إني أسألك خير هذه السوق) أي: ذاتها أو مكانها، (وخير ما فيها) أي: مما ينتفع به في الأمور الدنيوية

(1)

خرجه أحمد (1/ 47) والترمذي (3489) وابن ماجه (2235)، والدارمي (2692)، والحاكم (1/ 538).

قال ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 171/ 2006) سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن دينار وكيل آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال من دخل سوقًا يصاح فيها ويباع فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث فقال أبي هذا حديث منكر جدا لا يحتمل سالم هذا الحديث.

وقال الترمذي في "العلل الكبير" سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال هذا حديث منكر قلت له من عمران بن مسلم هذا هو عمران القصير قال لا هذا شيخ منكر الحديث "العلل الكبير"(1/ 363).

(2)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (182).

ص: 1172

التي يستعان بها على الأحكام الأخروية، (وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها) أي: مما يشغل عن ذكر الرب، أو مخالفته بنحو غش، وخيانة، وارتكاب ربا، أو عقد فاسد، وأمثال ذلك.

(اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينًا فاجرة) أي: حلفًا كاذبًا، (أو صفقة خاسرة) أي: عقدًا فيه خسارة دنيوية أو أخروية، وذكرهما تخصيصًا بعد تعميم؛ لكونهما أهم وقوعهما أغلب.

قال المصنف: "قوله: "صفقة" أي: بيعة، ومنه: "ألهاهم الصفق بالأسواق" أي: التبايع"

(1)

، انتهى. وألهاه عن كذا أي: شغله، كذا في "النهاية"، ومنه قوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .

(مس، ي) أي رواه: الحاكم، وابن السني، عن بريدة

(2)

.

(يا معاشر التجار) بضم وتشديد، جمع التاجر، وجمع "معاشر" لإرادة

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 539)، والطبراني في "المعجم الكبير"(2/ 21) رقم (1157) وفي "المعجم الأوسط"(5534 و 5589)، وفي "الدعاء" - (794 - 795) وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(181).

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن علقمة بن مرثد إلا محمد بن أبان".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 78) و (10/ 129): رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أبان الجعفي وهو ضعيف.

قال المناوي: إسناد ضعيف وتصحيح الحاكم مردود (التيسير 2/ 248).

قال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار"(1/ 292) فيه أبو عمرو جار لشعيب بن حرب ولعله حفص بن سليمان الأسدي مختلف فيه.

ص: 1173

الأنواع، وفي نسخة:"يا معشر التجار"، (أيعجز) بكسر الجيم ويجوز فتحه، أي: ألم يقدر، (أحدكم إذا رجع من سوقه) أي: إلى بيته أو إلى بيت ربه، (أن يقرأ عشر آيات) أي: من قراءة عشر آيات، (فيكتبَ) بالنصب؛ على جواب الاستفهام لا على "يقرأ" لفساد المعنى، والمعنى فيثيب، (الله له) أو فيأمر الملائكة أن يكتبوا له، (بكل آية حسنة) أي: عظيمة في الكمية تقابل حسنات كثيرة في الكمية.

فلا ينافي ما ورد من أن: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {آلم} حرف، بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف"، ولا ما ورد من زيادة حسنات الحرم بمئة ألف.

(ط) أي: رواه الطبراني عن ابن عباس

(1)

.

(وإذا رأى باكورة تمر) أي: سواء ذاقها أو لم يذقها، وثمر أول كل شيء باكورة على ما في "النهاية"، (اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا) أي: في أهلها وأرزاقها، وإصلاح أمرها بجميع ما فيها، وقيل: التقدير: في بقاء مدينتنا.

(وبارك لنا في صاعنا) أي: خصوصًا، وهو مكيال يسع أربعة أمداد، والمد مختلف فيه؛ فقيل: هو رطل وثلث بالعراقي، وبه يقول الشافعي

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 398) رقم (12119)، والدارمي (3336). قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير الربيع بن ثعلب، وأبي إسماعيل المؤدب، وكلاهما ثقة (مجمع الزوائد 10/ 129).

ص: 1174

وفقهاء الحجاز، وقيل: هو رطلان، وبه أخذ أبو حنيفة وفقهاء العراق، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثًا، أو ثمانية أرطال.

(وبارك لنا في مدنا) خص؛ لأنه أكثر ما يتداول وأعم فنفعه أتم، والله أعلم. (م، ت، س، ق) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة

(1)

.

(فإذا أتي بشيء منه) كذا في "أصل الجلال"، أي: من أول الثمرة، وفي "أصل الأصيل":"منها"، أي: من الباكورة وهو أظهر، والأول أنسب لقوله:(دعا أصغر وليد حاضر فيعطيه ذلك) حيث ذكر اسم الإشارة، ويمكن تأويله بما ذكر، والوليد المولود، وإنما خص به للمناسبة الخلقية، ولأن طبع الصغير أميل إليه، وفيه نوع مخالفة للنفس، وطرف من الإيثار الذي هو من وظيفة الأحرار من الأبرار.

(م، ت، س، ق) أي رواه: الأربعة المذكورة عنه أيضًا

(2)

.

قال ميرك: "وهذا من تتمة الحديث السابق، فلا وجه لإيراد الأرقام مكررًا وفصله عنه". قلت: مثل هذا ما وقع في البخاري كثيرًا، حيث قَطَّعَ الحديث فأورد بعضه في باب وبعضه في باب آخر، ولا شك في تغاير الحكمين المستفادين من الشرطين.

(1)

أخرجه مسلم (1373)، والترمذي (3454)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (302) وابن ماجه (3329).

(2)

انظر السابق.

ص: 1175

(ومن رأى مبتلًى) أي: ببلاء ديني كارتكاب معصية، أو دنيوي من مالٍ كثيرٍ أو جاهٍ وسيعٍ مما يوجب الظلم، أو بمرض من سيئ الأسقام، وهو سالم منه؛ (فقال: الحمد للَّه الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا) أي: بزيادة الفضيلة الدنيوية أو البدنية المستعان بها على الأمور الأخروية، (لم يصبه ذلك البلاء) أي: المذموم، وزاد في "المشكاة":"كائنًا ما كان"، أي: ذلك البلاء.

(ت، ق، طس) أي رواه: الترمذي عن أبي هريرة وحسن إسناده

(1)

، وعن عمر بن الخطاب بمعناه وضعفه

(2)

، وابن ماجه عن ابن عمر

(3)

، والطبراني في "الأوسط" عن ابن عمرو بالواو

(4)

.

(يقول ذلك في نفسه. موت) أي: رواه الترمذي موقوفًا وفيه مسامحة؛ لأن الترمذي قال بعد إيراد الحديث المرفوع: "وقد روي عن أبي جعفر

(1)

أخرجه الترمذي (3431) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (3892) وفي إسناده عمرو ابن دينار مولى آل الزبير، قال الحافظ في "التقريب" ضعيف (ت 5060). وكذلك في اضطراب واختلاف. فقد روي عن ابن عمر عن عمر وروي عن سالم مرسلًا. انظر: علل الدارقطني (2/ 53).

(2)

حديث عمر رضي الله عنه أخرجه الترمذي (3427)، والطبراني في "الدعاء"(797)، وابن ماجه (3892)، والبيهقي في "الشعب"(4445).

والحديث صحيح لغيره كما في "صحيح الترغيب".

(3)

أخرجه ابن ماجه (3892).

(4)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (5324) عن ابن عمر.

ص: 1176

محمد بن علي أنه قال: "إذا رأى صاحب بلاء يتعوذ، يقول ذلك في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء""، انتهى.

وقيل: إن كان البلاء دينيًا يجوز إسماعه بل هو أفضل إن لم يترتب عليه فساد دنيوي، أولم يجر إلى ضرر ديني، وقد كان الشبلي إذا رأى بعض أرباب الدنيا، قال:"اللهم إني أسألك العافية".

(وإذا ضاع له شيء) أي: بأن سقط، أو سرق منه، (أو أبق) بفتح الباء، أي: هرب عبد له، أو شردت دابة له، (اللهم راد الضالة) أي: الضائعة أو التي ضلت طريقها العادلة، (وهادي الضلالة) أي: في الأمور الدينية والأحوال الدنيوية، (أنت تهدي من الضلالة) أي: وأنت ترد الضالة، ولعل حذفه للاكتفاء.

(اردد) بضم الدال، أي: رد، (علي ضالتي بقدرتك وسلطانك) أي: بقوتك وحكمك على كل شيء؛ (فإنها) أي: الضالة، (من عطائك) أي: من جملة عطائك، (وفضلك) أي: ومن تفضلك أولًا، فكذلك تكون من كرمك وإحسانك آخرًا.

(ط) أي: رواه الطبراني عن ابن عمر مرفوعًا

(1)

.

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 340) رقم (13289) والأوسط (4626) والصغير (660).

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه عبد الرحمن يعقوب بن أبي عباد المكي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات (مجمع الزوائد 10/ 133).

ص: 1177

(أو يتوضأ ويصلي ركعتين ويتشهد، ويقول) أي: بعد الصلاة، (باسم الله، يا هادي الضال) أي: من ذوي العقول، (وراد الضالة) أي: من الدواب والأمتعة الضائعة الساقطة، (اردد علي ضالتي بعزتك وسلطانك) أي: بغلبتك وقهرك، أو بقوتك وقدرتك؛ (فإنها) أي: الضالة، (من عطائك وفضلك. مو مص) أي: رواه ابن أبي شيبة موقوفًا من قول ابن عمر أيضًا

(1)

.

(ولا يتطير) بصيغة النهي، أو النفي ومعناه النهي بل هو أبلغ، قال المصنف: "أي: لا يتشاءم، [وأصله]

(2)

: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء مما كان في الجاهلية"

(3)

، انتهى.

والظاهر: أن أصله التطير من الطير، ثم توسع واستعمل في الظباء وغيرها من الدواب، وفي "الصحاح"

(4)

: "برح الظبي -بالفتح- بروحًا: إذا ولاك مياسره، والسنيح والسانح: ما ولاك ميامنه من ظبي أو طائر أو غيرهما، تقول: سنح الظبي يسنح سنوحًا: إذا مر من مياسرك إلى ميامنك. والعرب تتيمن بالسانح، وتتطير من البارح؛ لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف. وسنح وسانح بمعنًى".

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30338).

(2)

كذا في "مفتاح الحصن الحصين"، وفي جميع النسخ:"وأصل".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(4)

الصحاح (1/ 356).

ص: 1178

وقال صاحب "النهاية"

(1)

: "وكان التطير يصدهم عن مقاصدهم فنساه الشرع وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر".

ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (فإن فعل) أي: التطير أو قصد فعله، (فكفارته أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك) أي: الذي تريد أنت، (ولا طير إلا طيرك) أي: ولا يطير بسانح أو [بارح]

(2)

إلا بأمرك.

قال المصنف: "يريد ما حصل له في علم الله تعالى مما قدر له"

(3)

(ولا إله غيرك) أي: فلا نافع ولا ضار إلا أنت. (أ، ط) أي رواه: أحمد، والطبراني، عن عبد الله بن عمرو بالواو في نسخة، وبدونها في أخرى.

قال ميرك: "وسنده جيد، ولفظ الطبراني: "من ردته الطيرة من [حاجة]

(4)

فقد أشرك، وكفارته أن يقول: اللهم لا خير. . ." إلى آخره".

(إذا رأيتم من الطيرة) كالخيرة، وهما مصدران من تطير وتخير، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما - كذا في "النهاية"، وقال المصنف:"بكسر الطاء وفتح الياء وقد يسكن، وهي التشاؤم"

(5)

.

(1)

النهاية (3/ 152).

(2)

هذا هو الصواب، وفي (أ) و (ج) و (د):"رابح"، وفي (ب):"براح".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(4)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"حاجته".

(5)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1179

وقال ميرك: "وأصل الطيرة: أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطيرة؛ فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار عن يمينه تيمن به واستمر، وإن رآه طار عن يساره تشاءم به ورجع، وربما كان [أحدهم]

(1)

يهيج الطير لتطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمون السانح -بمهملة ونون ثم حاء مهملة- والبارح -بموحدة وآخره مهملة-، والسانح: ما ولاك ميامنه بأن يمر من يسارك أي يمينك، والبارح بالعكس؛ لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه.

وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له؛ إذ لا نطق للطير ولا تمييز يستدل على فعله مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير [مظانه]

(2)

جهل عن فاعله، وكان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويتمدح بتركه".

فإذا عرفت ذلك فقوله: "إذا رأيتم من الطيرة"، (شيئًا تكرهونه فقولوا) ليس له مفهوم معتبر، بل يقول على كل حال إذا خطر شيء من الطيرة بالبال:(اللهم لا يأتي بالحسنات) الباء للتعدية، أي: لا يقدر ولا يحصل المستحسنات على وفق المرادات، (إلا أنت، ولا يذهب بالسيئات) أي: ولا يزيل المكروهات، (إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) وفي رواية ابن أبي شيبة: "إلا بالله"، وهو "أصل الجلال"، والأول "أصل الأصيل"

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"بعضهم".

(2)

هذا الأليق بالسياق، وفي (أ):"مظن"، وفي (ب) و (ج) و (د):"مظان".

ص: 1180

وهو رواية أبي داود، فالأولى لفظ "الجلال" لتقديم "مص" في رمز المصنف.

(مص، د) أي رواه: ابن أبي شيبة، وأبو داود من حديث عروة بن عامر المكي

(1)

، وهو مختلف في صحبته، وله حديث في الطيرة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، كذا في "التقريب"، وعلى هذا فالحديث مرسل ولا يضر؛ فإنه حجة عندنا وعند الجمهور خلافًا للشافعي ومن تبعه، على أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقًا.

(ومن أصيب) بضم فكسر، أي: ابتلي، (بعين) أي: بوجع عين أو برمد، بذكر المحل الصوري وإرادة الحال المعنوي، (رقى) بفتح القاف، أي: نفسه، وفي نسخة بصيغة المجهول، أي: لنفسه [ولغيره]

(2)

.

والرقية: ما يقرأ من الدعاء وآيات القرآن؛ لطلب الشفاء، والاسترقاء طلب الرقية، والضمير في قوله:(بقوله) للنبي عليه السلام، (باسم الله، اللهم أذهب) أمر من الإذهاب، أي: أزل، (حرها وبردها) أي: حرارتها وبرودتها

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (26920)، وأبو داود (3919)، وقال المنذري في "مختصره" (5/ 379): عروة هذا قيل فيه القرشي كما تقدم وقيل فيه: الجهني. حكاهما البخاري وقال أبو القاسم الدمشقي: ولا صحيحة له تصح، وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس فعلى هذا فالحديث مرسل.

وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (843).

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"ثم لغيره".

ص: 1181

الزائدتين، (وَوَصَبَهَا) بفتحتين، أي: وجعها وتعبها، وقال المصنف:"الوَصَبُ -بفتح الواو والصاد-: دوام الوجع ولزومه"

(1)

، انتهى.

ولا يخفى أن قيد الدوام واللزوم ليس بلازم، بل مخل للمقصود الذي هو دفع الوجع ورفع التعب بالكلية، مع أن الوصب مفسر بالمرض على ما في "القاموس"، وبالتعب كما في "النهاية" من غير قيد فيهما، فهذه زيادة ضرر.

(ثم قال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم، (قم بإذن الله) أي: فقام، وهذا من خصوصياته عليه السلام حيث كانت معجزة له، فالظاهر أن لا يقول غيره إلا إذا كان وليًّا، ويكون هذا كرامة له.

(س، ق، مس، ط) أي رواه: النسائي، وابن ماجه، والحاكم، والطبراني، عن عامر بن ربيعة

(2)

.

وروى أحمد

(3)

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كان أبي يسمر مع علي رضي الله عنه، وكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقيل

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(2)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(7511) و (10039) و (10872) -وهو في "عمل اليوم والليلة"(211) و (1033) -، وابن ماجه (3506)، وأبو يعلى (7195) والحاكم 4/ 215).

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2572).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 99، 133) و"ابن ماجه"(117).

ص: 1182

له: لو سألته، فسأله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله، إني أرمد العين، قال: فتفل في عيني، وقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حرًّا ولا بردًا منذ يومِئِذٍ".

(وإن كانت) أي: الذات المصابة بالعين، (دابة) كذا قاله الحنفي وهو بعيد؛ لأن ما سبق صرح بأن المراد بالعين وجعها لا إصابتها بالعين على ما هو المتبادر إلى الفهم، ويتسارع إليه الوهم.

نعم، يؤيده قوله:(نفث في منخره) لأنه لو كان المراد وجع عين الدابة لنفث في عينها لا في منخرها كما هو ظاهر، وأيضًا دواء العيون [باستغسال]

(1)

العائن على ما بينته في "المرقاة شرح المشكاة".

وإن كان ما ينافيه استرقاؤه بهذه الرقية، فحينئذٍ يتعين ارتكاب الاستخدام في قوله:"وإن كانت دابة" منصوبة، وأما إذا كانت مرفوعة كما في نسخة؛ فينبغي أن يقدر لها خبر بأن يقال:"إن كانت دابة مريضة نفث في منخره"(الأيمن) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة: ثقب الأنف، وقد تكسر الميم اتباعًا لكسر الخاء على ما في "الصحاح".

وفي "القاموس": "المنخر -بفتح الميم والخاء، وبكسرهما، وضمهما، وكَـ"مَجْلِس"-: الأنف"، انتهى. وأكثر النسخ على فتح الميم وكسر الخاء، وفي نسخة صحيحة بالعكس.

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"أن يكون باستغسال"، وفي (ب):"باشتغال".

ص: 1183

ثم تذكير الضمير مع أنه راجع إلى الدابة؛ [إرادة]

(1)

المركوب أو الحيوان، وقال الحنفي:"بالنظر إلى الشخص"، وهو غير صحيح لغةً؛ لما في "القاموس":"الشخص: سواد الإنسان وغيره تراه من بعد، وعرفًا أيضًا، فإنه لا يقال: جاء شخص وأريد به دابة، كما هو ظاهر عند ذوي التشخيص".

(أربعًا) أي: أربع مرات أو نفثات، (وفي الأيسر ثلاثًا) والمقصود تسبيع العدد؛ لوصول أثره إلى الأعضاء السبعة، وميز اليمين بزيادة الواحدة.

(وقال: لا بأس) بالهمز، ويجوز إبداله ألفًا عند السوسي مطلقًا، وعند حمزة وقفًا، فلا حاجة إلى ما تكلف له العسقلاني حيث قال:"بغير همز للازدواج؛ فإن أصله الهمزة".

اللهم إلا أن يقال: مراده أن اختيار الإبدال في الرواية لما فيه من التشاكل والتناسب في الفواصل، من قوله:(أذهب الباس، رب الناس) فأبدل همزة "البأس" مراعاة للفظ "الناس".

والبأس: هو العذاب، والشدة في الحرب، ومنه قوله تعالى:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177]، والمراد هنا: شدة المرض أو تعبه، وهو نوع من العذاب، ولذا قال صاحب "المفاتيح" شارح "المصابيح":"المراد هنا الشدة أو العذاب".

(اشف) بهمزة وصل وكسر فاء، (أنت الشافي) أي: لا غيرك، (لا

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"لإرادة".

ص: 1184

يكشف الضر) أي: لا يزيل الضرر من المرض وغيره، (إلا أنت. مو مص) أي: رواه ابن أبي شيبة موقوفًا من قول ابن مسعود

(1)

.

(وإن أصيب أحد بلمم) قال المصنف: "بفتح اللام والميم، ضرب من الجنون يلم بالإنسان، أي: يقرب منه"

(2)

، انتهى. فقوله:(من جن) أي: حاصل من جهة الجن، وفي "أصل الأصيل":"من الجن"، (وضعه) أي: أقعده (بين يديه) أي: قدامه ليحصل كمال التوجه إليه، (وعوَّذه) أي: جعل معوذًا، (بالفاتحة، و {الم} إلى {الْمُفْلِحُونَ}) وهو كذا في "أصل الأصيل".

وفي بعض النسخ: "وسورة البقرة إلى {الْمُفْلِحُونَ} " وهو مطابق لما في "أصل الجلال"، ({وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

} [البقرة: 163] الآية) تمامها: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} ، (وآية الكرسي، و {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284] إلى آخر البقرة، و {شَهِدَ اللَّهُ

} [آل عمران: 18] الآية، و {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ

} [الأعراف: 54] في الأعراف الآية، و {فَتَعَالَى اللَّهُ

} إلى آخر المؤمنون، وعشر من أول الصافات إلى {لَازِبٍ} ، وثلاث) وفي "أصل الأصيل":"وثلاث آيات"، (من آخر الحشر، و {وَأَنَّهُ تَعَالَى} الآية من الجن) أي: من سورته، (و {قُلْ هُوَ اللَّهُ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30002).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1185

أَحَدٌ} والمعوذتين) بكسر الواو ويفتح، وقد ذكرت الآيات مبسوطة مفسرة في "شرح حزب الشيخ أبي الحسن البكري" قدس سره السري.

(مس، ق، أ) أي رواه: الحاكم، وابن ماجه، وأحمد

(1)

، عن أبي بن كعب قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي؛ فقال: يا رسول الله، إن لي ابنًا به وجع، قال:[وما]

(2)

وجعه؟ قال: به لمم، قال: فأتني به، فأتى به فوضعه بين يديه، فَعَوَّذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب

" إلى آخره [وقال في آخره]

(3)

: "فقام الرجل كأنه لم يَشْكُ شيئًا قط".

(ويَرقي المعتوه) بصيغة الفاعل، وفي نسخة بناء على المجهول وهو "أصل الجلال"، قال المصنف:"أي: يُعَوِّذُ المعتوهَ المجنونَ المصابَ بعقله"، انتهى. وهو كلام صاحب "النهاية".

(1)

أخرجه عبد الله بن أحمد (5/ 128)، وابن ماجه (3549)، والحاكم (4/ 412 - 413) وقال: الحديث محفوظ صحيح ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: أبو جَنَاب ضعفه الدارقطني، والحديث منكر. وأخرجه أبو يعلى (1594)، وعنه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(632) من طريق صالح بن عمر، عن أبي جناب، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل، عن أبيه. قال ابن حجر في "أطراف المسند" (1/ 221): لعله ابن أُبيِّ بن كعب.

لكن نقل صاحب "الفتوحات الربانية"(4/ 42) كلامًا طويلًا عنه مقتضاه أن هذا الحديث من مسند أبي ليلى الأنصاري.

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) و (د):"ما".

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) زيادة:"وقال في آخر الحديث"، وليست في (ب).

ص: 1186

وفي "المغرب"

(1)

: "أنه الناقص العقل، وقيل: المدهوش من غير جنون". وفي "القاموس"

(2)

: "هو من نقص عقله أو فقد أو دهش"، انتهى.

وفرق أصحابنا من علماء المذهب بين المجنون والمعتوه، حيث قال بعضهم:"هو مَنْ كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير؛ إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كالمجنون".

وقيل: "العاقل: من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضده، والمعتوه من يستوي ذلك منه"، وقيل:"المجنون: من يفعل لا عن قصد مع ظهور الفساد، والمعتوه: من يفعل فعل المجنون عن قصد مع ظهور الفساد".

والمعنى: أنه يرقي المعتوه، وكذا المجنون، (بالفاتحة) أي: بقراءتها، (ثلاثة أيام غدوة) بضم أوله، أي: بكرة وصباحًا، (وعشية) أي: عشاءً ومساءً، أي: في وقتين من ثلاثة أيام، فالمراد طرفيهما، أو التقدير: ثلاثة أيام ولياليها، فالمراد بالعشية أول الليل.

(كلما ختمها جمع بزاقه) أي: المُتبَرَّكُ بالقراءة، (ثم تفله) أي: عليه بقصد جِنِّيِّه، ولا يبعد أن يكون من باب التداوي الجائز بكل طاهر، أو المعنى رمى بزاقه على الأرض تنفيرًا للجن. (د، س) أي رواه: أبو داود،

(1)

المغرب في ترتيب المعرب (ص 304).

(2)

القاموس (1/ 1249).

ص: 1187

والنسائي، عن عِلاقة بن صحار بكسر العين

(1)

.

(ويرقي اللديغ) وفي "أصل الجلال" بصيغة المجهول، قال المصنف:"بالدال المهملة والغين المعجمة، الملدوغ -فعيل بمعنى مفعول- وهو الذي لدغته العقرب، أي: أصابته بسمها"

(2)

، انتهى. وكذا في "التاج" مقيد بالعقرب.

وأما في "القاموس"

(3)

: "يقال: لدغته العقرب والحية -كـ"منع"- لدغًا فهو ملدوغ ولديغ"، وكذا اللسع مشترك بينهما على ما في "القاموس"، بخلاف اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة؛ فإنه يقال:"لذع الحب قلبه" كـ"منع". (بالفاتحة) أي: المسماة بـ"الشافية". (ع) أي: رواه الجماعة عن أبي سعيد

(4)

.

(سبع مرات. ت) أي: رواه الترمذي عنه أيضًا هذه الزيادة.

(1)

أخرجه أبو داود (3420)(3896)، والنسائي (10867). وعلاقة بن صُحار، صحابي، له حديث في الرقية، التقريب (5301). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2027)

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(3)

القاموس (1/ 787).

(4)

أخرجه البخاري (2156)(5417)(5404)، ومسلم (2201)(2201) والترمذي (2064) وأبو داود (3418)(3900) و (3901 والنسائي في "الكبرى" (7533)، (7547)(10867)(10868) و"ابن ماجه"(2156).

ص: 1188

(ولدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب) في "القاموس"

(1)

: "هو معروف، ويؤنث"، فأشار إلى أنه في الأصل مذكر، (وهو يصلي) جملة حالية، (فلما فرغ قال: لعن الله العقرب؛ لا تدع) بفتح الدال، أي: لا تترك، (مصليًّا ولا غيره) أي: فضلًا عن غيره، والمعنى: أن أذاها عام، وبلاها تام.

(ثم دعا بماء وملح) أي: طلبهما فَأُتِيَ بهما، (فجعل) أي: شرع (يمسح) أي: بهما (عليها) أي: على موضع لدغها، (ويقرأ:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ) فيه إيماء إلى أنها كافرة من بين الحيوانات، ولذا لعنها وأمر بقتلها ونحوها في الحل والحرم، (و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}) لما فيها:{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} ، (و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}) إشعارًا بأنها لعلها جنية ظهرت في تلك الصورة.

(صط) أي: رواه الطبراني في "الصغير" عن علي رضي الله عنه

(2)

.

(عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية) بضم راء فسكون قاف فتحتية، واحدة الرقى، (من الحُمَة) أي: من أجلها، وهو بضم الحاء وتخفيف الميم في جميع النسخ، قال صاحب "النهاية"

(3)

: "الحُمَةُ -بالتخفيف-: السم، وقد يشدد"، وأنكره الأزهري.

(1)

القاموس (117).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (830)، وقال الهيثمي (5/ 111): إسناده حسن. وصححه الألباني في الصحيحة (548).

(3)

النهاية (1/ 446).

ص: 1189

ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة؛ لأن السم منها يخرج، وأصله: حُمَوٌ أو حُمَيٌ -بوزن صُرَدٍ، والهاء عوض من الواو المحذوفة أو الياء، وذكرها صاحب "القاموس"

(1)

في مادة "الياء"، وقال:"الحُمَةُ كـ"ثُبَةٍ": السُّمُّ".

وقال المصنف: "بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم، يعني: حمة العقرب، وهو: سمها وضرها، ويقال لكل سُمٍّ، وربما شددت الميم"

(2)

، انتهى. ولا يخفى عدم ظهور وجه التقييد بحمة العقرب.

(فأذن) بكسر الذال، أي: أجاز، (لنا فيها) أي: في تلك الرقية أو الكلمات، (وقال:"إنما هي من مواثيق الجن") أي: عهودهم بأنهم لا يضرون من رقى منها، وهو جمع الميثاق بمعنى العهد، وفي الأصل: حبل أو قيد يشد به الأسير والدابة.

(باسم الله، شجة) بالتشديد، (قرنية) بفتحتين وتحتية مشددة، (ملحة بحر) بالإضافة، (قفطا) قال المصنف:"شجة: بفتح الشين المعجمة وتشديد الجيم، قرنية: بفتح القاف والراء وبالنون، ملحة: بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة، قفطا: بفتح القاف، وإسكان الفاء، وبالطاء المهملة، على وزن فَعْلَى؛ كلمات لا يعلم معناها تقرأ كما وردت"

(3)

، انتهى.

(1)

القاموس (ص 1097).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1190

ولا يخفى أن غير هذه الرقية من كلمات أو أسماء عربية، أو أعجمية، أو هندية، أو تركية، لا يعرف معناها = لا يجوز أن يقرأ بها ولا يرقى؛ لاحتمال أن يكون فيها ما يكون كفرًا، ولا يبعد أن يقال: باسم الله في رقية مجربة لا يعرف معناها قياسًا على ما فعله صلى الله عليه وسلم، بناءً على أن الأصل عدم وجدان الكفر فيها.

والاحتمال يفتقر ببركة اسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، ولذا يبتدأ به في [كل]

(1)

طعام مشكوك في [حرمته]

(2)

، أو في كونه مسمومًا، لكن يشكل بما في "أصل الأصيل" حيث ترك البسملة، لكن يحمل على الغفلة، أو الاكتفاء بنفس الرقية، والله أعلم.

(طس) أي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن عبد الله بن زيد

(3)

.

(ويرقي المحروق) وفي نسخة بصيغة المجهول بقوله: (أذهب الباس، رب الناس، اشف أنت الشافي) أي: لا غيرك؛ لما يدل عليه من تعريف المبتدأ والخبر، فقوله:(لا شافي إلا أنت) تأكيد وتوضيح وتأييد. (س، أ) أي رواه: النسائي، وأحمد

(4)

، عن محمد بن حاطب، وهو صحابي صغير

(1)

من (أ) فقط.

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"حله وحرمته".

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8686)

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن (5/ 111).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 418)، و"النسائي" في "الكبرى"(7496)، و"عمل اليوم والليلة"(1026).

ص: 1191

كما ذكره ميرك.

(فإذا) وفي نسخة: "وإذا"، (رأى الحريق) أي: المحرق، فعيل بمعنى [الفاعل]

(1)

، (فليطفئه) من الإطفاء مهموزًا، أي: فليستعن [على]

(2)

إطفائه (بالتكبير) أي: بأن يقول: "الله أكبر" على وجه التكثير.

(ص، ي) أي رواه: أبو يعلى عن أبي هريرة مرفوعًا

(3)

، ولفظه:"أطفئوا الحريق بالتكبير"، وابن السني عن ابن عمرو

(4)

، وقال ميرك:"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الحريق فكبروا؛ فإن التكبير يطفئه". (مجرب) هذا قول المصنف، وفيه تقوية لصحة الحديث.

(1)

كذا في النسخ، والصواب:"المفعول"؛ ليستقيم المعنى.

(2)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"في".

(3)

أخرجه أبو يعلي كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(6154)، والطبراني في الأوسط (8569). قال الهيثمي (مجمع الزوائد 10/ 138): فيه من لم أعرفهم.

(4)

أخرجه ابن السني (295) وابن عدي في الكامل (4/ 151) وابن عساكر (32/ 151)، وأورده الذهبي في "الميزان"(4/ 173).

قال الدوري: سمعت يحيى بن معين، يقول: عرض على ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الحريق فكبروا". فأقر به، فقال له رجل: أنت سمعت هذا؟ فقال: ما أدري قرئ علي، فقيل له: إنما هذا عن القاسم بن عبد الله بن عمر. (5396).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (504) والسلسلة (2603).

ص: 1192

(ويرقي) بصيغة الفاعل أو المفعول، (من احتبس بوله) يجوز أن يكون على صيغة المعلوم، وهو الظاهر الموافق لبعض النسخ المصححة، ويجوز أن يكون علي بناء المفعول؛ لأن الاحتباس جاء متعديًّا ولازمًا على ما في "التاج"، وقال صاحب "القاموس"

(1)

: "الحبس: المنع، حبسه يحبسه، واحتبسه حبسه فاحتبس"، فقوله:"بوله" مرفوع بلا خلاف.

(أو أصابته حصاة) أي: حجر المثانة، (بقوله: ربنا) بالنصب على النداء، فقوله:(الله) على ما هو في "أصل الأصيل" و"حاشية الجلال" مرموزًا على الجلالة حرف الدال، إما منصوب على أنه عطف بيان له، أو مرفوع على المدح، أو على أنه خبر مبتدإٍ محذوف، أي: أنت الله، والأصح: أن [كلا من]

(2)

قوله "ربنا"، "الله" مرفوعان على الابتداء والخبر.

قوله: (الذي في السماء) صفته، والمعنى: الذي هو معبود في السماء، كما يدل عليه قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، ولعله من باب الاكتفاء أو الاقتصار عليها؛ لظهور عبادته فيها.

أو معناه: الذي في السماء عرشه، وظهور كبريائه وعظمته، ووضوح ملكه وملكوته. وقال الطيبي:"فيه إشارة إلى علو الشأن والرفعة لا إلى المكان؛ لأنه منزه عن المكان".

(تقدس اسمك) خبر بعد خبر أو استئناف؛ ففيه التفات من الغيبة إلى

(1)

القاموس (ص 537).

(2)

من (ب) فقط.

ص: 1193

الخطاب على رواية رفع "رَبُّنَا"، والمعنى: تطهر اسمك عما لا يليق بك، أو "الاسم"[زائدة]

(1)

، فالمعنى: تنزه ذاتك العلي الشأن عن الزوال والنقصان.

(أمرك في السماء والأرض) أي: نافذ وماض وجار، (كما رَحْمَتُكَ) بالرفع على أن "ما" كافة، (في السماء فاجعل رحمتك في الأرض).

قال الحنفي: "اعلم أن أمره -تعالى-: حكمه وتدبيره وخلقه جار في جميع الموجودات الممكنة بخلاف رحمته تعالى، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه تعالى أن يجعلها في الأرض أيضًا"، انتهى.

ولا يخفى أن رحمة الله تعالى تعم المؤمن والكافر الموجودين في الأرض كما تقدم تحقيقه وسبق تدقيقه، فينبغي أن يقال:"المعنى: كما رحمتك الكاملة في أهل السماء من الملائكة، وأرواح الأنبياء والأولياء، فاجعل رحمتك -أي: بعض آثارها الموجبة للشفاء- في أهل الأرض، الذي هذا المبتلي من جملتهم".

(واغفر لنا حُوبنا) بالضم، وفي نسخة صحيحة بالفتح وسبق ذكره، والمراد به هاهنا: الذنب الكبير، كما يدل عليه قوله تعالى:{إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2]؛ فقوله: (وخطايانا) يراد بها: الذنوب [الصغار]

(2)

،

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"زائد".

(2)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) و (د):"الصغائر".

ص: 1194

أو المراد بالحوب: الذنب المتعمد، وبالخطأ ضده، ولعل نكتة الجمع تحقق كثرة أفراده.

(أنت رب الطيبين) أي: أنت رب الذين اجتنبوا عن الأفعال الردية والأقوال الدنية كالشرك والفسق، وهذا إضافة تشريف كـ"رب هذا البيت" و"رب محمد عليه السلام "، أو المعنى: أنت محب الطيبين على ما ذكره المظهر، والأول أظهر فتدبر.

ولا يبعد أن يقال: "الطيبين" هنا بمعنى: المتعافين على أنه من باب الاكتفاء، يعني: أنت رب كل منهما، ويستوي عندك وجودهما وعدمهما، فاجعل هذا المريض من الطيبين، كما أشار إليه بقوله:(فأنزل شفاء) أي: نوع شفاء، (من شفائك) أي: من أنواع شفائك المقيدة بسبب أو المطلقة عنه، (ورحمة) أي: نوع رحمة يترتب عليها صنف نعمة، (من رحمتك) أي: من أجناس رحمتك الكاملة التي لا يعتريها النقصان في كل مكان وزمان، (على هذا الوجع) بفتح الجيم، أي: المرض، وفي نسخة بكسرها، أي: المريض، وقال المصنف في شرحه "للمصابيح":"بفتح الجيم، وضبطه بعضهم بالكسر".

(فيبرأ) بفتح الراء من البرء، أي: فيتعافى، ويصح ضم رائه؛ ففي "القاموس"

(1)

: "برأ المريض يبرأ ويبرؤ"، لكن في "النهاية"

(2)

: "يقال: برأت

(1)

القاموس (1/ 34).

(2)

النهاية (1/ 111).

ص: 1195

من المرض، أبرء بالفتح، فأنا بارئ، وأبرأني الله من المرض، وغير أهل الحجاز يقولون: بَرِئْتُ بالكسر، بُرْأً بالضم"، انتهى. والظاهر منه أن ما في "القاموس" سهو من الكُتَّابِ، أو من صاحب الكتاب، والله أعلم بالصواب.

(س، د، مس) أي رواه: النسائي، وأبو داود، والحاكم؛ كلهم عن أبي الدرداء

(1)

، كذا في هوامش أكثر النسخ، وقال ميرك:"رواه الأوَّلان عن أبي الدرداء، والآخر عن فضالة بن عبيد"

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود (3892)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1037) والحاكم في المستدرك (1/ 344) وقال: قد احتج الشيخان بجميع رواة هذا الحديث غير زيادة بن محمد، وهو شيخ من أهل مصر قليل الحديث، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: قال البخاري وغيره: منكر الحديث.

مداره على زيادة بن محمد الأنصاري:

قال البخاري والنسائي وأبو حاتم والهيثمي وابن حجر: منكر الحديث. وقال ابن عدي: لا أعلم له إلا حديثين أو ثلاثة ومقدار ما له لا يتابع عليه وهو في جملة الضعفاء ويكتب حديثه على ضعفه، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك.

روى له: أبو داود والنسائي في اليوم والليلة حديثا واحدًا.

انظر التاريخ الكبير (3/ 446)، والضعفاء للنسائي (221)، والجرح والتعديل (3/ 619) رقم (2806)، والمجروحين لابن حبان (1/ 308)، والضعفاء للعقيلي (2/ 93)، وتهذيب الكمال (9/ 533)، وتقريب التهذيب (2119)، وقال الألباني: ضعيف جدًّا "ضعيف الترغيب والترهيب"(2013).

(2)

حديث فضالة أخرجه أحمد (6/ 20) وإسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم.

ص: 1196

(ويداوي من به قَرْحة) بفتح القاف وسكون الراء، وفي "القاموس"

(1)

: "القرح ويضم: عض السلاح ونحوه مما يجرح البدن، أو بالفتح: الأثر، أو بالضم: الألم"، انتهى.

وقرئ بهما في قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عمران: 140]؛ فقيل: "هما لغتان، كَالضَّعْف والضُّعْف"، وقيل:"هو بالفتح: الجراح، وبالضم: ألمها"، لكن النسخ هنا متفقة على الفتح، ولعله هو الرواية.

(أو جُرْح) بضم جيم وسكون راءٍ؛ ففي "القاموس"

(2)

: "جَرَحَهُ كَـ "مَنَعَهَ": كَلَمَهُ كَجَرَحَهُ، والاسْمُ: الجُرْحُ بالضم"؛ فالمفهوم منه أن المصدر بالفتح، لكن لا خلاف في ضم الجيم على ما في النسخ.

(بأن يضع أصبعه السبابة) أي: المسبحة بعد أن بزق عليها كما سُمِعَ من المشايخ، ويستفاد من قوله الآتي:"بريقة بعضنا"، (بالأرض) أي: فيها، قيل المراد بها:"أرض المدينة" لوروده فيها، والأصح: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإلا لخص أيضًا ببزاقه صلى الله عليه وسلم.

(ثم يرفعها) أي: مشيرًا إلى التوحيد، (قائلًا: باسم الله) أي: أتبرك باسم الله، أو أتداوى به، (تربة أرضنا) بالرفع على أنه خبر مبتدإٍ محذوف، أي: هذه تربة أرضنا، (بريقة بعضنا) أي: معجونة بها، وهذا [يدل]

(3)

على أنه كان يتفل

(1)

القاموس (ص 235).

(2)

القاموس (ص 215).

(3)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"دليل".

ص: 1197

عند الرقية.

قال القرطبي

(1)

: "فيه دلالة على جواز الرقي من كل الآلام، وأن ذلك كان أمرًا فاشيًا معلومًا بينهم". قال: "وَوَضْعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابتَهُ بِالأَرْضِ وَوَضْعُهَا عَلِيه يدل على استحباب ذلك عند الرقي".

وفي بعض الروايات الآتية: "وريقة بعضنا" بالواو، قال النووي:"أي: هذه تربة أرضنا وريقة بعضنا مزجت إحداهما بالأخرى". قالوا: "المراد بأرضنا جملة الأرض"، وقيل:"أرض المدينة خاصة".

ومعنى الحديث: أن يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب ليتعلق بها شيء منه فيمسح به على موضع العليل أو الجريح، ويقول هذا الكلام في حال المسح.

(يُشْفَى سقيمنا) بصيغة المجهول، وفي بعض النسخ بفتح الياء وكسر الفاء على بناء الفاعل، والجملة خبرية مبنًى، دعائية معنًى.

قال المصنف: "بضم الياء وفتح الفاء على البناء للمفعول، وسقيمنا: بالرفع لنيابة الفاعل، والسقيم: المريض"

(2)

، انتهى. وقال العسقلاني:"ضبط بضم أوله على البناء للمفعول، و"سقيمنا" بالرفع وبفتح أوله؛ على أن الفاعل مقدر، و"سقيمَنا" بالنصب على المفعولية".

(أو: ليشفى سقيمنا) بصيغة المجهول في النسخ الحاضرة كلها، والظاهر

(1)

المفهم (18/ 64).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1198

جواز الوجهين فيه أيضًا، فقيل:"اللام للعلة"، ولا يبعد أن تكون لام الأمر بمعنى الدعاء، وأن إثبات الألف في المجزوم لغة، كما حقق في أول الكتاب، أو نشأ من الإشباع كما قيل في فعليته للمخاطبة، والظاهر أن "أو" للشك من الراوي، ويحتمل أن يكون من باب اختلاف الرواة.

(بإذن ربنا) أي: بأمره وتيسيره، وحكمه وتقديره. (م) أي: رواه مسلم عن عائشة

(1)

.

(وإذا خدرت) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة، أي: رقدت (رجله) وفترت، من الخادر، بمعنى: الفاتر الكسلان؛ على ما في "الصحاح"، (فليذكر أحب الناس إليه)[لتحصيل]

(2)

النشاط لديه، فيقول:"محمد صلى الله عليه وسلم". (موي) أي: رواه ابن السني موقوفًا من قول ابن عباس

(3)

.

(ومن اشتكى ألمًا) أي: وجعًا مؤلمًا، (أو شيئًا) أي: من ضعف، أو حرارة، أو برودة، ونحوها (في جسده) وفي نسخة:"من جسده"، (فليضع يده) أي:"اليمنى" كما في رواية ابن أبي شيبة، (على المكان الذي

(1)

عزوه لمسلم فقط قصور فقد أخرجه أخرجه البخاري (5743)، ومسلم (2194).

وكذلك أبو داود (3895)، والنسائي في الكبرى (7550)، وابن ماجه (3521).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"ليحصل".

(3)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (169).

ص: 1199

[يألم]

(1)

، وليقل: باسم الله) أي: بحضور القلب مع الرب، ونسيان ما سواه، (ثلاث مرات).

(وليقل سبع مرات) أي: ليسري أثره في الأعضاء السبعة، (أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد) أي: من الألم، (وأحاذر) وفي نسخة:"وما أحاذر"، أي: وما أحذره من التعب [والألم]

(2)

، واختيار المفاعلة للمبالغة حيث لا تصح المغالبة.

قال الطيبي: "نعوذ من مكروه ووجع هو فيه، ومما يتوقع حصوله في المستقبل من الحزن والخوف، فإن الحذر هو الاحتراز عن المخوف".

(م، عه) أي رواه: مسلم، والأربعة؛ كلهم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي

(3)

.

(أو: أعوذ بعزة الله) أي: بغلبته وقوته، (وقدرته من شر ما أجد سبعًا. طا، مص) أي رواه: مالك في "الموطأ" وابن أبي شيبة عن عثمان بن أبي العاص

(4)

أيضًا بهذا اللفظ، فله روايتان؛ ولذا أتى المصنف بقوله:"أو أعوذ"، كما أن هنا رواية أخرى على ما أشار إليه أيضًا بقوله: (أو: أعوذ

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"ألم"، ثم قال شارحًا:"أي: الذي يؤلمه".

(2)

من (أ) فقط.

(3)

أخرجه مسلم (2202)، وأبو داود (3891)، والترمذي (2080)، وابن ماجه (3522)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (999)(1001).

(4)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 942) رقم (9) وابن أبي شيبة (24049).

ص: 1200

بعزة الله وقدرته على كل شيء من شر ما أجد سبع مرات يضع) أي: يقوله سبعا حال كونه يضع (يده تحت ألمه) أو: الخبر بمعنى الأمر (أ، ط) أي رواه: أحمد، والطبراني، عن كعب بن مالك.

(أو: باسم الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا. وترًا) أي: ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا ونحوها، والسبع أقل الكمال؛ لما سبق في الحديث.

وقال المصنف: "أي: ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا وهو الأولى، كما صرح في الحديث قبل"

(1)

.

(ثم يرفع يده، ثم يعيدها) أي: تلك الكلمات، أو ثم يعيد إليه بأن يضعها عليه ويقرأها. (ت) أي: رواه الترمذي عن أنس

(2)

.

(أو: يقرأ على نفسه بالمعوذات) بفتح الواو، وفي نسخة بكسرها، قال الحافظ العسقلاني:"أراد بالمعوذات سورة الفلق والناس، وجمع إما باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو باعتبار أن المراد بها الكلمات التي تقع فيها من السورتين، ويحتمل أن يكون المرادَ بالمعوذات هاتان السورتان مع سورة الإخلاص، وأطلق ذلك تغليبًا وهو المعتمد"، انتهى.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(2)

أخرجه الترمذي (3088) والحاكم (4/ 219) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الألباني في صحيح الجامع (346) والسلسلة الصحيحة (1258).

ص: 1201

ولا يبعد أن يراد بها السورتان مع الكافرون؛ لما سبق في الملدوغ، ولا منع من الجمع، وهو الأولى وبالإجابة أحرى؛ لاشتراك الأربعة في الأمر بقوله:{قُلْ} ، فكأن الأوليين بمنزلة الحمد والثناء الناشئ عن الإخلاص، والأخريين لمحض الدعاء وطلب الخلاص بالمناص.

(وينفث) بضم الفاء ويكسر، قال العسقلاني

(1)

: "وقع عند البخاري: قال معمر: قلت للزهري: كيف ينفث؟ قال: ينفث على يديه، ثم يمسح بهما وجهه وجسده"، انتهى.

والمعنى: أنه يمسح جسده يمينًا ويسارًا، وإقبالا وإدبارًا. (خ، م، د، س، ق) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم عن عائشة

(2)

.

(ومن أصابه رمد) بفتحتين، أي: وجع عين على ما في "المهذب"، ([فليقل]

(3)

: اللهم متعني ببصري) أي: بنظري؛ فإن الرمد مخوف، أو بعافية بصري، (واجعله الوارث مني) قيل: الضمير للبصر، أي: اجعل بصري باقيًا لازمًا عند الموت لزوم الوارث، وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه التمتيع في "متعني"، وهو المفعول الأول، و"الوارث" هو الثاني،

(1)

فتح الباري (8/ 132).

(2)

أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5016)، ومسلم (2192)، وأبو داود (3902)، والنسائي (7086) وابن ماجه (3574).

(3)

من (أ) و (م).

ص: 1202

و"مني" صلته، أي: اجعل التمتع ببصري باقيًا مني مأثورًا فيمن بعدي، أو محفوظًا فيهم إلى يوم القيامة.

(وأرني) بكسر الراء ويجوز إسكانها واختلاسها، كما قرئ [بها]

(1)

في نحو قوله تعالى: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]، وهو أمر من الإراءة، متعدي.

رأى بمعنى: أبصر، أي: أَظْهِرْ لنظري أو أدركني، (في العدو ثأري) بفتح مثلثة وسكون همزة ويبدل؛ ففي "القاموس"

(2)

: "الثأر: الدم وقاتل حميمك، وثأر به كمنع: طلب دمه كثأره وقتل قاتله، وأثار: أدرك ثأره".

وفي "النهاية"

(3)

: "يقال ثأرت القتيل وثأرت به فأنا ثائر، أي: قتلت قاتله"، انتهى. وقيل: الثأر جاء مصدرًا أو اسمًا، وهو في الأصل: الحقد، والمراد به هنا: قتل قاتل القتيل. والمعنى: أرني ثأري كائنًا في العدو، غير متجاوز إلى غير الجاني، كما كان معهودًا في الجاهلية.

(وانصرني على من ظلمني) تعميم وتتميم. (مس، ي) رواه الحاكم، وابن السني؛ كلاهما عن أنس

(4)

.

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"بهما".

(2)

القاموس (ص 358).

(3)

النهاية (1/ 204).

(4)

أخرجه الحاكم (4/ 414)، وابن السني (565).

قال الذهبي في التلخيص: فيه ضعيفان.

في الإسناد يوسف بن عطية، يزيد الرقاشي ضعيفان وقال الألباني ضعيف جدًّا ضعيف الجامع (4342).

ص: 1203

(ومن حصلت له حمى) بضم مهملة وتشديد ميم مقصورًا بألف التأنيث، (يقول: باسم الله الكبير) أي: العلي الشأن، (أعوذ بالله العظيم) أي: العظيم البرهان، وفي نسخة:"نعوذ"، وهو رواية الحاكم، كما أن الأول رواية ابن أبي شيبة، فالأولى أن الثاني يكون في الأصل؛ لتقديم المصنف رمز الحاكم، (من شر كل عِرْقٍ) وفي بعض النسخ فوق لفظ "كل": رمز "مص".

وقوله: (نَعَّار) صفة عِرْقٍ، قال المصنف:"بفتح النون وتشديد العين المهملة وبالراء، يقال: نعر العرق بالدم إذا علا وارتفع، وَجُرْحٌ نَعَّارٌ وَنَعُورٌ: إذا صَوَّتَ دَمُهُ عند خروجه"

(1)

.

(ومن شر حر النار) أي: نار جهنم، ولا يبعد أن يراد: نار كل عرق نعار. (مس، مص) أي: رواه الحاكم، وابن أبي شيبة؛ كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما

(2)

.

(وإن أصابه ضر) بالضم أو الفتح، وقرئ بهما في قوله تعالى:{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} [الفتح: 11]، والأكثر على الفتح هنا، واقتصر الكل على الضم

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (24045) الترمذي (2075)، وابن ماجه (3526) والحاكم (4/ 414) وانظر قول الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون"(32)، والكاشف (ت 114) وقال الحافظ في "التقريب" ضعيف (147). وأخرجه ابن عدي في الكامل (1235) ضمن ترجمة إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة.

ص: 1204

في سائر مواضع القرآن.

وفي "القاموس"

(1)

: "الضر ويضم: ضد النفع، أو بالفتح مصدر وبالضم اسم"، (وَسَئِمَ الحياةَ) بكسر الهمز من السآمة، وهي: الضجر والملل على ما في "النهاية"، (فلا يتمنى الموت) بصيغة النفي، وأريد بها معنى النهي.

(فإن كان لا بد فاعلًا) أي: لتمنيه، فلا يتمناه مطلقًا بل مقيدًا، (فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي) بأن تغلب الطاعة على المعصية، والحضور على الغفلة، (وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) بأن تنعكس القضية وتشتد البلية.

(خ، م، د، ي) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن السني، عن أنس

(2)

، وزيد في بعض الروايات:"واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر".

واختلفت الصوفية في أنه: هل طلب الحياة أفضل؛ لما ورد: "طوبى لمن طال عمره وحسن عمله"، أو لرجاء أن يتوب الله عليه في آخر عمره، ويحسن أعماله، ويحصل آماله، أو طلب الموت نظرًا إلى الشوق إلى الله وحصول لقاه، ولما ورد:"من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"،

(1)

القاموس (ص 428).

(2)

أخرجه البخاري (5671)، ومسلم (2680)، وأبو داود (3108)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1061).

ص: 1205

وخوفًا من التغير، ولحوق المحن، والوقوع في الفتن؟

والمحققون على التفويض والتسليم كما يدل عليه الحديث الشريف.

(وإذا عاد مريضًا، قال: لا بأس، طهور) بفتح أوله ويجوز ضمه، وهو مرفوع على أنه خبر مبتدإٍ محذوف، أي: هذا أو مرضك مطهر للذنوب ومكفر للعيوب.

واقتصر عليه بناء على الأغلب الأكثر، وإلا فقد يكون سببًا لرفع الدرجات في العقبى، أو لعلو المقامات في الدنيا؛ لأن الرياضات نتيجة الحالات والكشوفات.

(إن شاء الله) أي: إِنَّ تَعَلُّقَ مَشِيئَتِهِ بتطهيره، وبوقوع نَظِيرِه، (لا بأس، طهور إن شاء الله) ذكرها مرتين [للتأكيد]

(1)

، أو لإرادة التكثير دون التحديد. (خ، س) أي رواه: البخاري، والنسائي، عن ابن عباس

(2)

.

(باسم الله، تربة أرضنا، وريقة بعضنا) تقدم الكلام [عليها]

(3)

مستوفًى، ولا يبعد أن يراد بالتربة التراب الذي خلق منه ويدفن فيه، وبالريقة: النطفة المخلوق منها على طريق الكناية، فيكون المبتدأ

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"تأكيدًا".

(2)

أخرجه البخاري (5662)، 3616)، (5656)، (7470)، والنسائي في الكبرى (7499)، (10878)، وفي عمل اليوم والليلة (1039).

(3)

كذا في (ب) و (د)، وفي (أ):"عليه"، وفي (ج):"عليهما".

ص: 1206

المقدر: هذا المريض [أي: هو]

(1)

مخلوق منها، وأنت قادر على إحيائه وإماتته، وعلى إمراضه وشفائه.

(يشفى سقيمنا. خ، م، د، س، ق) رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة

(2)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: باسم الله

" إلى آخره.

ورواه الجماعة إلا الترمذي، وزاد البخاري في رواية:"بإذن ربنا"، وفي رواية:"بإذن الله"، وهذا معنى قول المصنف:(بإذن ربنا. خ) أي: رواه البخاري عنها أيضًا.

(ويمسح بيده اليمنى) أي: على جبين المريض، أو على موضع ألمه.

(ويقول: اللهم أذهب الباس رب الناس، اشفه) أي: المريض، وفي نسخة بسكون الهاء؛ على أنها للسكت أو الوقف، (وأنت الشافي) قال الحافظ العسقلاني:"كذا لأكثر الرواة بالواو، ورواه بعضهم بحذفها"، والضمير في "اشفه" للعليل، أو هي هاء السكت، ويؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن، بشرطين:

أحدهما: أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصًا.

والثاني: أن له أصلًا في القرآن، وهذا من ذلك؛ فإن فيه {وَإِذَا مَرِضْتُ

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"هو"، وفي (ب):"أي".

(2)

أخرجه البخاري (5743)، ومسلم (2194). وأبو داود (3895)، والنسائي في الكبرى (7550)، وابن ماجه (3521).

ص: 1207

فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].

[وقوله]

(1)

: (لا شفاء) بكسر الشين، والمد مبني على الفتح والخبر محذوف، والتقدير:"لنا" أو "له"، وقوله:(إلا شفاؤك) بالرفع على أنه بدل من موضع "لا شفاء"، ووقع في رواية البخاري:"لا شافي إلا أنت".

وفيه إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي لا ينجح إن لم [يصادف]

(2)

تقديرًا لله. وقوله: (شفاءًا) منصوب بقوله: "اشفه"، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدإٍ، أي:"هذا" أو "هو".

وقوله: (لا يغادر) بالغين المعجمة لا يترك، وفائدة التقييد بذلك أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض، فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلًا، فكان يدعو بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء.

وقال المصنف: "لا يغادر (سقمًا) أي: لا يترك مرضًا، وهو بفتح السين والقاف، ويجوز ضم السين مع إسكان القاف"

(3)

.

(خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن عائشة

(4)

أيضًا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول:

(1)

من (ج)، (د) فقط.

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"يصب".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(4)

أخرجه البخاري (5675)، ومسلم (2191)، والنسائي (10855)، وابن ماجه (3520).

ص: 1208

اللهم رب الناس

" إلى آخره.

(باسم الله أرقيك) بفتح الهمز وكسر القاف، أي: أعيذك، قال المصنف:"بفتح الهمزة، أي: أعوذك"، (من كل شيء يؤذيك) بالهمز، ويجوز إبداله واوًا، (من شر كل نفس أو عين) بالتنوين فيهما، وفي نسخة بدونهما، والأظهر أن ينون الأول ويضاف الثاني؛ ليلائم قوله:(حاسد) اللهم إلا أن يراد به ذات حسد.

(الله يشفيك، باسم الله أرقيك) فيه من صنيع البديع: رد المقطع إلى المطلع، وإيماء إلى أنه الفذلكة المخلصة من المهلكة. (م، ت، س، ق) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي سعيد

(1)

.

(باسم الله أرقيك، والله يشفيك من كل داء) أي: وجع، (فيك). وقال المصنف:"أي: مرض وهو ظاهر، وفي رواية: "من كل داء يشفيك"، أي: الله يشفيك"

(2)

، انتهى. ولا يخفى أنها جملة مستأنفة دعائية معنًى خبرية لفظًا، وليست صفة لـ "داء" لفساد المعنى.

(من شر النفاثات) أي: النفوس أو النساء الساحرات، وقال المصنف:"أي: يتفلن إذا سحرن ورقين"

(3)

، (في العقد، ومن شر حاسد

(1)

أخرجه مسلم (2186)، الترمذي (972)، ابن ماجه (3523)، والنسائي في "الكبرى"(4/ 393)، أبو يعلى (1066)، أحمد (3/ 28، 56، 58، 75).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1209

إذا حسد) أي: إذا ظهر حسده، وعمل بمقتضاه؛ فإنه لا يعود ضرره منه قبل ذلك إلى المحسود، بل يخص بالحاسد لاغتمامه بسروره، وتخصيص الحسد لأنه العمدة في إضرار الإنسان غيره.

(س، مص) أي رواه: النسائي، وابن أبي شيبة، عن عائشة

(1)

على ما في النسخ المصححة، وقال ميرك: "عن أبي هريرة، قال: جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني؛ فقال: ألا أرقيك برقية رقاني [بها]

(2)

جبريل عليه السلام، فقلت: بك "بأبي وأمي" قال: باسم الله أرقيك

" إلى آخره"، انتهى

وذكر بعضهم الحديث في الهامش كما ذكره ميرك، وزاد في آخره:

"فترقي بها ثلاث مرات"، وقال: رواه الحاكم في المستدرك، انتهى.

ويؤيده ما سنذكره عن "الجامع"، فنسبته إلى النسائي وابن أبي شيبة غير ظاهرة، والله أعلم.

(ثلاث مرات. مس) أي: رواه الحاكم عنها هذه الزيادة، فكان حق المصنف أن يذكر رمز الحاكم فيما سبق، ومع هذا ففي "الجامع الصغير": "روى ابن ماجه، والحاكم

(3)

، عن أبي هريرة مرفوعًا: ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ تقول: باسم الله أرقيك، والله يشفيك، من

(1)

أخرجه أحمد (6/ 160)، ومسلم (1186)

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"أي: بها"، وليست في (ب).

(3)

أخرجه ابن ماجه (3524)، والحاكم (2/ 541)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2166)، والضعيفة (3356).

ص: 1210

كل داء يأتيك، من شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، ترقي بها ثلاث مرات".

(باسم الله أرقيك، من كل داء يشفيك) أي: الله حقيقة، أو اسمه مجازًا، (من شر كل حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين) أي: مصيبة.

(اللهم اشف عبدك؛ ينكأ) بفتح الياء والكاف فهمز مرفوع، وفي بعض النسخ مجزوم، ففي "المفاتيح شرح المصابيح"[للمصنف]

(1)

: "هو مرفوع غير مجزوم"، انتهى. وقال المظهر:"مجزوم، لأنه جواب الأمر"، ويجوز أن يكون مرفوعًا تقديره:"اللهم اشف عبدك، فإنه ينكأ"(لك عدوًّا) أي: يغزو في سبيلك.

وفي "المفتاح" للمصنف: "قال في "النهاية": "يقال: نكيت في العدو، أنكي نكاية فأنا ناك: إذا أكثرتُ فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك، وقد يهمز لغة، ويقال: نكأت القرحة أنكؤها إذا قشرتها"

(2)

، انتهى.

ولا يخفى أن إيراد المصنف قول صاحب "النهاية" هذا هنا يوهم أن "ينكأ" من المعتل، وقد يهمز فيفيد الضبط بالوجهين، والهمز يكون ضعيفًا بالنسبة إلى الناقص، وهو غير صحيح إذ اتفق النسخ المعتبرة والأصول المصححة المعتمدة على كتابته بالألف وضبطه بالهمز، على

(1)

من (ج) و (د).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

ص: 1211

خلاف في رفعه وجزمه، فلو كان من الناقص اليائي كما ذكره صاحب "النهاية" لكان يكتب بالياء.

ثم رأيت "القاموس"

(1)

ذكر في "الياء": "نَكَيَ العَدُوَّ، وفيه نكاية: قَتَلَ وجَرَحَ". وفي "الهمز": "نكأ العدو ونكاهم". وحاصله: أنهما لغتان، وأن الحديث من المهموز رفعه أقوى؛ لقوله:(ويمشي لك إلى جنازة) بالرفع اتفاقًا، وفي نسخة:"أو يمشي" بإثبات الياء أيضًا.

قال الطيبي -وتبعه ميرك-: "جاء بإثبات، وتقديره: أو هو يمشي"، انتهى. والمعنى: يمشي لأجلك متوجهًا إليها، وهو أعم مما قبل الصلاة وبعدها، وفي رواية الحاكم:"إنما صلاة جنازة"، وهو بكسر الجيم، وفي نسخة بفتحها، وفي أخرى بهما.

وقال صاحب "كشف الكشاف": "أي: اتباعها للصلاة"، وهذا توسع شائع.

الأزهري: عن الليث والأصمعي بالكسر خاصة، وعلى الميت نفسه.

وعن ثعلب: بالكسر، السرير، وبالفتح: الميت.

وعن شمر: الكسر والفتح كدَجاجة ودِجاجة.

فقد تلخص أن الكسر أفصح، وقال المصنف:"قوله: "يمشي لك" أي: لأجلك طلبًا لرضاك، وامتثالا لأمرك، والجنازة بالكسر والفتح:

(1)

القاموس (ص 1340).

ص: 1212

الميت بسريره، وقيل: بالكسر السرير، وبالفتح الميت"

(1)

، انتهى.

وعندي أن المراد بها الميت على اللغتين سواء يكون على سرير أو لم يكن عليه، ويؤيده أنها لا تطلق في العرف على السرير بدون الميت، والله أعلم.

(د، حب، مس) أي رواه: أبو داود، وابن حبان، والحاكم، عن عبد الله بن عمر وبالواو

(2)

.

(اللهم اشفه، اللهم عافه) بالضمير فيهما، وقيل: بهاء السكت كما سبق، وهو تأكيد لما قبله، أو تعميم وتتميم. (مس، ت، حب) أي رواه: الحاكم، والترمذي، وابن حبان، عن علي رضي الله عنه

(3)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 14/ ب).

(2)

أخرجه أبو داود (3107) وابن حبان (2974)، والحاكم (1/ 344) وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وفي الإسناد حي بن عبد الله المعافري ضعيف قال البخاري: فيه نظر، انظر الضعفاء الكبير (1/ 319) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (681) والسلسلة الصحيحة (1365)!

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(1/ 83 - 84)، والترمذي (3564) والحاكم (2/ 620 - 621)، وأخرجه ابن حبان (6940)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1057)، وأبو يعلى (284).

وقال الحافظ ابن حجر فيما نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية"(4/ 44): هذا حديث صحيح.

ص: 1213

(اللهم اشفه، اللهم أعفه) من الإعفاء، بمعنى المعافاة على ما في "التاج".

وقال المصنف: "بفتح الهمز، وكسر الفاء من أعفى يعفي، يقال: أعفى المريض بمعنى عوفي"

(1)

. (س) أي: رواه النسائي عن علي أيضًا.

وفي "الرياض": "عن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاده عام حجة الوداع بمكة من مرض أشفي فيه -أي: أصرف على الهلاك- فقال سعد: يا رسول الله، قد خفت أن أموت بالأرض هاجرت منها، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اشف سعدًا ثلاث مرات"

(2)

.

(يا فلان) ضبط مرفوعًا بالتنوين وتركه، (شفى الله سقمك) بفتحتين وبضم فسكون، أي: مرضك، (وغفر ذنبك، وعافاك في دينك وجسمك) أي: بدنك، (إلى مدة أجلك) أي: نهاية عمرك.

(مس) أي: رواه الحاكم

(3)

عن سلمان: "أنه صلى الله عليه وسلم، قال له: يا سلمان، شفى الله سقمك

" إلى آخره؛ فقول المصنف: "يا فلان" نقل بالمعنى؛ إذ المراد بالخطاب: العام.

(ومن عاد مريضًا لم يحضر أجله) أي: انتهاء عمره، (فقال) أي: العائد

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

أخرجه البخاري (5659)، ومسلم (1628).

(3)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 549) وابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(31) والطبراني (6/ 240) رقم (6106). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 299): فيه عمرو بن خالد القرشي، وهو ضعيف.

ص: 1214

(عنده) أي: في حضوره، أو عند حصول مرضه، (سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم) بالجر على أنه صفة للعرش، وفي نسخة صحيحة بالنصب؛ على أنه صفة الرب، (أن يشفيك) مفعول ثاني "أسأل"، (إلا عافاه الله) استثناء مِنْ "مَنْ" الشرطية العامة؛ فكأنه قال:"ما عاد أحد مريضًا؛ فقال إلا عافاه الله"، (من ذلك المرض).

(د، ت، س، حب، مس، مص) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة؛ كلهم عن ابن عباس

(1)

.

(وجاء رجل إلى علي؛ فقال: إن فلانًا شاكٍ) بكسر الكاف المخففة المنونة، اسم فاعل من شكى يشكي، أي: مريض، (فقال) أي: علي (أيسرك أن يبرأ؟) أي: يجعلك مسرورًا برؤه وصحته، (قال: فعم، قال: قل: يا حليم) أي: عن ذنوب العباد، (يا كريم) أي: بالتفضل على أهل البلاد، (اشف فلانًا؛ فإنه يبرأ. مو مص) أي: رواه ابن أبي شيبة موقوفًا من قول علي

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30108) وأبو داود (3106)، والترمذي (2083) وابن حبان (2975)، الحاكم (1/ 493) وقال: غريب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وحسنه ابن حجر في الفتوح الربانية 4/ 61 - 62، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2623).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (24048).

ص: 1215

(وأيما مسلمٍ دعا بقوله) أي: بقول الله، أو بقول يونس في بطن الحوت، أو بقوله هذا:({لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ}) أي: أنزهك عن النقصان والعدوان، ({إِنِّي كُنْتُ}) أي: دائمًا أو صرت الآن، ({مِنَ الظَّالِمِينَ}) أي: الواضعين للأشياء في غير موضعها بالمعصية [أو]

(1)

الغفلة.

(أربعين مرة) إيماء إلى مراتبه الخلقية من: النطفة، والعلقة، والمضغمة في الأطوار الجنينية، (فمات في مرضه ذلك، أعطي أجر شهيد) أي: لشهود وحدانيته سبحانه، ولشهادة ظلمانية نفسه.

(وإن بَرَأَ) بفتح الراء وكسرها أيضًا كما سبق، (بَرَأَ) أي: تعافى، (وقد غفر له جميع ذنوبه. مس) أي: رواه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

(2)

.

(ومن قال في مرضه: لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إلى إلا الله وحده، لا إلى إلا الله لا شريك له) وفي [بعض]

(3)

النسخ زيادة: "وحده" قبل "لا شريك له"، والظاهر أنه وهم من بعض رواة الكِتَاب، أو سهو من قلم الكُتَّاب.

(لا إلى إلا الله، له الملك وله الحمد) عدت الجملتان بمنزلة واحدة لتلازمهما وعدم انفكاكهما، ولذا لم يقل: "لا إله إلا الله له الملك، لا إله

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"و".

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 506)، وفي إسناده عمرو بن بكر السكسكي ذكره الذهبي في "الميزان" وقال:"واه، أحاديثه شبه موضوعة". وقال في "الضعفاء": اتهمه ابن حبان. والحديث ضعيف جدًّا كما في "ضعيف الترغيب"(2032).

(3)

من (أ) و (د) فقط.

ص: 1216

إلا الله له الحمد"، ثم اكتفى بهما عن قوله: "وهو على كل شيء قدير".

(لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم مات) أي: على ذلك، (لم تطعمه النار) أي: لم تأكله، واستعير الطعم للإحراق مبالغة، كأن الإنسان طعامها تتقوى وتتغذى به، وفي "نسخة الجلال" بصيغة المعروف المذكر من الإطعام، فيكون ضمير الفاعل "لله"، و"النار" منصوبًا على المفعولية.

(ت، س، ق، حب، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة

(1)

.

(1)

أخرجه الترمذي (3430)، وقال: حسن غريب، وقد رواه شعبة

ولم يرفعه، والنسائي في عمل اليوم والليلة (30)، وابن ماجه (3794). وابن حبان (851).

وقال النسائي: قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئًا لم أفهمه فقلت لأبي جعفر: أي شيء قال: قال: من رزقهن عند الموت، لم تمسه النار. وقال عقب 31: خالفه شعبة فوقف الحديث، ولم يذكر أبا سعيد الخدري.

وقد اختلف فيه على شعبة وإسرائيل: والظاهر أنه اختلف فيه على شعبة فرواه عنه مرفوعا وأسقط ذكر أبي سعيد منه.

أخرجه الترمذي (3430)، والنسائي في "الكبرى"(9860)، وفي "عمل اليوم والليلة"(32) وأبو يعلى في "مسنده"(6163).

عن محمد بن جعفر، والنضر بن شميل حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الأغر قال: سمعت أبا هريرة قال: (وفي رواية النسائي لم يذكر أبا سعيد) موقوف.

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وقد رواه شعبة عن أبي إسحق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد بنحو هذا الحديث بمعناه ولم يرفعه شعبة. حدثنا بذلك بندار، حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة بهذا. وأظن =

ص: 1217

(من سأل الله الشهادة) وفي "أصل الجلال": "شهادة" أي: نوع شهادة، (بصدق) أي: بصدق نية، وإخلاص طوية، (بلغه الله) بتشديد اللام، أي: أوصله، (منازل الشهداء) أي: منزلًا من منازلهم، (وإن مات على فراشه) وهذا أحد معاني:"نية المؤمن خير من عمله".

(م، عه) أي رواه: مسلم، والأربعة، عن سهل بن حنيف

(1)

.

(من طلب الشهادة) أي: من ربّه، (صادقًا) أي: من قلبه، (أعطيها) بصيغة المجهول، أي: أعطي منزلة الشهادة، (ولو لم تصبه) أي: ولو لم تحصله حقيقتها. (م) أي: رواه مسلم عن أنس

(2)

.

= أن ذكر أبي سعيد فيه وهم، فقد رواه النسائي من هذا الطريق، وقال: خالفه شعبة فوقف الحديث، ولم يذكر أبا سعيد.

ورجح الدارقطني في العلل (1603) وسئل عن حديث الأغر عن أبي هريرة

، ووقفه غندر وغيره عن شعبة، وهو الصحيح. و (2298) وسئل عن حديث سلمان الأغر عن أبي سعيد، وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عبد الجبار بن العباس وإسحاق بن عبد الله المخولي، عن أبي إسحاق مرفوعا، والموقوف هو الأشبه.

وعلى هذا فيمكن التوفيق بين الرفع والوقف لفظًا، مرفوع حكمًا فهو لا يقال بالرأي. وقد صححه ابن رجب، كلمة الإخلاص ص (26) وصححه الحاكم وابن حبان مرفوعًا، وحسنه مع الغرابة: الترمذي، والمنذري، وابن حجر.

(1)

أخرجه مسلم (1909)، وأبو داود (1520)، والترمذي (1653)، والنسائي (6/ 36)، وابن ماجه (2797).

(2)

أخرجه مسلم (1908).

ص: 1218

(من قاتل في سبيل الله) أي: في مرضاته، (فَوَاقَ ناقة) أي: مقداره، وهو بفتح الفاء وضمها، وبهما قرئ قوله تعالى:{مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15]، والأكثرون على الفتح.

وفي "النهاية"

(1)

: "هو ما بين الحلْبتين من الراحة، وقد يضم فاؤه ويفتح، وفي "الصحاح": "بضم الفاء وفتحها: ما بين الحلبتين من الوقت، لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب".

وقال ابن سيده في "المحكم": "فواق الناقة بضمها وفتحها: رجوع اللبن في ضرعها، يقال: "لا ينتظروا فواق ناقة"، جعلوها ظرفًا على السعة".

قيل: هو قدر ما بين رفع يدك من الضرع وقت الحلب وضمها، والمعنى: ساعة قليلة، (فقد وجبت له الجنة) أي: ثبتت، أو وجبت بمقتضى وعده سبحانه.

(ومن سأل الله القتل) أي: كونه مقتولًا، (في سبيل الله من نفسه) أي: من باطنه، (صادقًا) أي: في نيته، (ثم مات أو قتل) أي: في غير جهاد، (كان له أجر شهيد. عه) أي: رواه الأربعة عن معاذ بن جبل، ورواه الحاكم بلفظ:"من سأل القتل في سبيل الله صادقًا ثم مات، أعطاه الله أجر شهيد"

(2)

.

(اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي ببلد رسولك. خ) أي:

(1)

النهاية (3/ 479).

(2)

أخرجه أبو داود (2541)، والترمذي (1657)، والنسائي (6/ 25)، وابن ماجه (2792).

وإسناده صحيح كما أخرجه أحمد (5/ 230)، والحاكم (2/ 77) وصححه.

ص: 1219

رواه البخاري من قول عمر موقوفًا، فكان حق المصنف أن يأتي بـ "مو" قبل رمزه

(1)

.

وقد أخرج البخاري، وأبو زرعة في كتاب "العلل" عن حفصة وأسلم، قالا: قال عمر: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك". وفي رواية عن حفصة: "فأنى يكون هذا؟ فقال: يأتيني به الله إن شاء"

(2)

.

(فإذا حضره الموت) أي: علامته (وُجِّه) بضم واو وتشديد جيم مكسورة، أي: جعل وجهه (إلى القبلة) إما مضطجعًا، أو مستلقيًا، أو مستندًا، وهو الأحسن، ولخروج الروح أهون.

(مس) أي: رواه الحاكم عن أبي قتادة الأنصاري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور قالوا: توفي وأوصى بثلث ماله لك يا رسول الله، وأوصى أن يُوَجَّهَ إلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده، ثم ذهب فصلى على قبره، وقال: اللهم اغفر له، وارحمه، وأدخله الجنة، وقد فعل". رواه الحاكم في "المستدرك" وقال: "صحيح، لا أعلم في توجيه المحتضر غيره"

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (1890).

(2)

رواية حفصة علقها من حديث يزيد بن زريع. قال الحافظ. وصلها الإسماعيلي عن إبراهيم بن هاشم عن أمية بن بسطام عن يزيد بن زيرع.

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 353) وعنه البيهقي في الكبرى (3/ 384) وفي (6/ 276).

وقوله: فقد احتج البخاري بنعيم بن حماد واحتج مسلم بن الحجاج =

ص: 1220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بالدراوردي

وفيه نظر فلم يحتجا بهما.

وعبد الله بن أبي قتادة الأنصاري السلمي، أبو إبراهيم، ويقال أبو يحيى، المدني تابعي ثقة وليس صحابيًّا.

وصححه النووي في خلاصة الأحكام (2/ 922)، ولم يتنبه لهذه العلة وهي الإرسال.

وابنه يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة؛ ذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى عنه جماعة من الثقات.

ونعيم بن حماد؛ قال الحافظ: صدوق يخطئ كثيرًا.

وإسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني؛ قال الحاكم كما في "لسان الميزان"(1/ 434): "ارتبت في لقيه بعض الشيوخ".

وهناك علة أخرى وهي: الاختلاف على عبد الله بن أبي قتادة؛ قال الحافظ في "الإصابة"(1/ 282): "وروى ابن شاهين بإسناد لين من طريق عبد الله بن أبي قتادة، حدثتني أمي، عن أبي أن البراء بن معرور مات قبل الهجرة فوجه قبره إلى الكعبة".

قلت: ومما يؤيد أن التوجيه المقصود هو التوجيه في القبر بعد الموت ما أخرجه ابن سعد (3/ 619) قال: أخبرنا عفان بن مسلم، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرني أبو محمد بن معبد بن أبي قتادة أن البراء بن معرور الأنصاري كان أول من استقبل القبلة وكان أحد النقباء من السبعين فقدم المدينة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي نحو القبلة فلما حضرته الوفاة أوصى بثلث ماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء وقال: وجهوني في قبري نحو القبلة فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بعدما مات فصلى عليه.

قلت: هذا إسناد ضعيف فيه علتان: =

ص: 1221

(ويقول) أي: المحتضر (اللهم اغفر لي) أي: بمحو السيئة، (وارحمني) أي: بقبول الطاعة، (وألحقني بالرفيق الأعلى) قيل: المراد به الملائكة المقربون، أو العباد الصالحون بالمعنى الأعم، وهو الوجه الأتم، المناسب لما جاء:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، وصح أن هذا آخر كلام أبي بكر رضي الله عنه.

وقال المصنف: "جماعة النبيين الذين يسكنون أعلى عليين، اسم جاء على فِعِّيلٍ، ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع، وقيل: معناه: أي: بالله تعالى، يقال: الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة، فهو فعيل بمعنى فاعل"

(1)

، انتهى.

وقال الجوهري: "الرفيق الأعلى: الجنة"

(2)

، ويؤيده ما وقع [عن ابن إسحاق]

(3)

: الرفيق الأعلى الجنة".

وقيل: الرفيق هنا اسم جنس يشمل الواحد وما فوقه، والمراد الأنبياء، ومن ذكر في الآية، وختمت بقوله:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

ونكتة الإتيان بهذه الكلمة مفردًا الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على

= الأولى: الإرسال.

الثانية: أبو محمد بن معبد بن أبي قتادة، مجهول؛ لم يرو عنه غير حماد.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

الصحاح (4/ 1482).

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"عن ابن عباس استحق".

ص: 1222

قلب رجل واحد، نص عليه السهيلي، وزعم بعض المغاربة أنه يحتمل أن يكون المراد بالرفيق الأعلى هو الله عز وجل، لأنه من أسمائه، كما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن مغفل رفعه:"إن الله رفيق يحب الرفق" كذا اقتصر عليه، والحديث عند مسلم عن عائشة، فعزوه إليه أولى.

قال: "والأعلى: يحتمل أن يكون صفة مكانه أو صفة فعل"، قال: "ويحتمل أن يراد به حظيرة القدس، وأن يراد به بالجماعة المذكورون في النسائي، ومعنى كونهم رفيقًا: تعاونهم على طاعة الله، وارتفاق بعضهم ببعض، وهذا الثالث هو المعتمد، وعليه أكثر الشراح

(1)

. وكذا نقله ميرك عن الشيخ.

أقول: أما بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم فالأولى أن يراد بـ "الرفيق الأعلى" هو المولى أو وجه ربه الأعلى، إذ ثبت أن هذا منه عليه السلام آخر الكلام كما أنه أول من قال:"بك"، في جواب {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] في ميثاق البلاء.

(خ، م، ت) أي رواه: البخاري، ومسلم، والترمذي، عن عائشة

(2)

.

(لا إله إلا الله، إن للموت سكرات) بكسرتين بعد فتحات نصبًا باسم "إن"، وسكرة الموت شدته على ما في "التاج"، و"المهذب"، وقال

(1)

من أول قوله (وقال الجوهري: الرفيق الأعلى الجنة

) إلى هذا الموضع هو نص الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 137).

(2)

أخرجه البخاري (4176) ومسلم (2444) والترمذي (3496). والنسائي في الكبرى (6/ 269).

ص: 1223

الراغب: "السكرة حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشرب، وقد تعرض من الغضب أو العشق".

(خ، س، ق) أي رواه: البخاري، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة أيضًا

(1)

.

(اللهم أعني على غَمَرات الموت) أي: غشياته وغفلاته، وقال [المصنف]

(2)

: "بفتح الغين المعجمة والميم، أي: شدائده"

(3)

، انتهى.

فقوله: (وسكرات الموت) عطف بيان، وفي "القاموس"

(4)

: "سكرة الموت شدته وغشيته، وغمرة الشيء شدته ومزدحمه"، انتهى. والظاهر أن يراد بإحديهما الشدة وبالأخرى ما يترتب عليها من الدهشة والحيرة الموجبة للغفلة.

وقد قال القاضي في تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} : إن سكرته شدته الذاهبة بالعقل. (ت) أي: رواه الترمذي عنها أيضًا رضي الله عنها

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (4449) الترمذي (978)، وفي "الشمائل"(369)، والحاكم (2/ 465)، والنسائي في "الكبرى"(7101) و (10932).

(2)

من (ج) فقط.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(4)

القاموس (ص 409).

(5)

أخرجه الترمذي (978) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (1623) والحاكم (3/ 56). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1176).

ص: 1224

(يقول الله عز وجل: إن عبدي المؤمن) بفتح الياء ويسكن، أي: المؤمن الكامل أو المؤمن من حيث هو (عندي) أي: في حكمي، (بمنزلة كل خير) أي: لا يفوت عنه كل خير بكل حال من السراء والضراء.

(يحمدني) استئناف بيان متضمن لتعليل برهان، أي: يثني علي، ويشكر نعمتي، (وأنا أنزِع) بكسر الزاي، أي: والحال أني أقبض، (نفسه) وأقلع روحه، (من بين جنبيه) ومنه قولهم:"فلان في النزع"، أي: في قلع الحياة على ما في "التاج". (أ) أي: رواه أحمد عن أبي هريرة

(1)

.

(ومن حضر عنده) أي: عند المحتضر، (فليلقنه) بكسر القاف المشددة من التلقين بمعنى التفهيم على ما في "التاج"، والمعنى: أنه يعرض عليه ولا يكلفه، (لا إله إلا الله) أي: ليتذكر به إن كان غافلًا، وليزداد به نورًا وحضورًا إن كان حاضرًا، فلا يرد ما قال بعض المشايخ في نزعه لمن كان يلقنه على وجه الغفلة:"سبحان الله، يُلَقِّنُ ميتٌ حيًّا! ".

(م، عه) أي رواه: مسلم، والأربعة، عن أبي سعيد

(2)

.

(من كان آخرُ كلامه) بالرفع، وفي نسخة بالنصب، (لا إله إلا الله؛ دخل الجنة. د، مس) أي رواه: أبو داود، والحاكم، كلاهما عن معاذ بن

(1)

أخرجه أحمد (2/ 341) قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح "مجمع الزوائد"(10/ 96).

(2)

أخرجه مسلم (916)، وأبو داود (3117)، والترمذي (976)، والنسائي (4/ 5)، وابن ماجه (1445).

ص: 1225

جبل

(1)

، ومن غريب ما وقع أن ابن عيينة، قال في نزعه:"عن النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله"، ومات عليه.

(وإذا غمَّضه) بتشديد الميم، أي: غمَّض عين الميت، (دعا ففسه بخير) وخير الدعوة طلب حسن الخاتمة؛ (فإن الملائكة يؤمنون) بتشديد الميم المكسورة، أي: يقولون: آمين، (على ما يقول) أي: المصاب أو الحاضر عند المحتضر أو المغمض.

(فيقول: اللهم اغفر لفلان) أي: الميت الحاضر، وقدمه لما يقتضيه المقام الحاضر، (وارفع درجته في المهديين) بفتح الميم وكسر الدال وتشديد الياء الأولى، أي: في المهتدين.

(واخلفه) بضم اللام، أي: كن له خليفة (في عقبه) أي: في ذريته وأهله مما عقبه، أو: كن لهم بعده خلفًا (في الغابرين) قال المصنف: "أي: الباقين يعني في الدنيا إلى حين".

(واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسَح) بفتح السين، أي: وسع (له في قبره ونور له فيه. م، د، س، ق) أي رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أم سلمة رضي الله عنها

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود (3116)، والحاكم (1/ 351) وقال: صحيح الإسناد.

(2)

أخرجه مسلم (920) وأحمد (6/ 297)، وأبو داود (3118)، وابن ماجة (1454).

ص: 1226

(وليقل أهله) أي: أهل الميت كل بانفراده، (اللهم اغفر لي وله، وأَعْقِبْني) من الإعقاب، أي: أبدلني وعوضني، (منه عُقْبَى) على وزن بشرى، وقوله:(حسنة) نصب على أنه صفة له، والمعنى من يعقبه بإحسان.

وقال المصنف: "أي بدلًا صالحًا"

(1)

. (م، عه) أي رواه: مسلم، والأربعة، عن أم سلمة

(2)

.

(وليقرأ عليه) أي: أحد من أهله أو من غيرهم ممن حضره حال الاحتضار، (سورة يس) وفي نسخة بصيغة المجهول، فقوله:"سورة يس" بالرفع.

(س، د، ق، حب، مس) أي رواه: النسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، كلهم عن معقل بن يسار المزني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، اقرءوها على موتاكم". أي: من قرب منكم من الموت.

سماه باعتبار ما يؤول إليه مجازًا؛ ففيه تنبيه على أنه لا يقرأ ذلك حتى يظهر عليه آثار الموت. قيل: ويمكن أن يكون الأمر بقراءة "يس" بعد الموت.

قال ميرك: "وكذا تلقين كلمة التوحيد يمكن حمله على ما بعد الموت،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

أخرجه مسلم (919)، وأبو داود (3115)، والترمذي (977)، والنسائي (4/ 4)، وابن ماجه (1447).

ص: 1227

فإن إطلاق التلقين عليه أحق من المحتضر؛ لأنه لا يخلو عن المجاز بخلاف ما بعد الدفن، ولا بأس بإطلاقه على كليهما.

قلت: كأنه أراد حديث: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"، وفيه: أن هذا الإجمال يفسره الحديث السابق: "ومن حضر عنده فليلقنه لا إله إلا الله".

ثم قوله: "إطلاق التلقين عليه بعد الموت أحق من المحتضر" مدفوع بأن التلقين عند الموت متفق عليه، وجاز في عرف العام والخاص، وأما التلقين بعد الموت فمختلف في جوازه.

ثم قوله: "لأنه يخلو عن المجاز" نشأ عن غفلة من الحقيقة: فإن التلقين إنما يكون للحي المدرك بكماله الحسي، سمعًا وروحًا دون الميت.

ثم قوله: "ولا بأس بإطلاقه على كليهما" محمول عك [أمر آخر]

(1)

مختلف في جوازه من استعمال الشيء في معنييه الحقيقي والمجازي، والأولى أن يحمل كلامه صلى الله عليه وسلم على المتفق عليه ليكون للكل رجع إليه.

(س، د، ق، حب، مس) أي رواه: النسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، عن معقل بن يسار

(2)

.

(1)

كذا في (د)، وفي (أ) و (ب):"ما مر"، وفي (ج):"أمر".

(2)

أخرجه أحمد (5/ 26)، وأبو داود (3121)، وابن ماجه (1448)، وابن حبان (3002)، والطبراني (20/ 219، رقم 510)، والحاكم (1/ 565)، والبيهقي (3/ 383). وأخرجه أيضًا: الطيالسي (931)، وابن أبي شيبة =

ص: 1228

(ويقول صاحب المصيبة: إنا) أي: معشر الخلق، (لله) أي: لإيجاده موجودون، (وإنا) أي: جميعنا، (إليه) أي: إلى حكمه، (راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي) بهمز وصل وضم جيم ويجوز كسره، وبهمزة ممدودة وبكسر الجيم.

ففي "النهاية"

(1)

: "آجره يؤجره: إذا أثابه وأعطاه الأجر، والأمر منهما: آجرني وأجرني".

(وأخلف لي خيرًا منها) من الإخلاف؛ ففي "النهاية": "أخلف الله لك أي: أبدلك"، وفي نسخة صحيحة: بهمز وصل وضم لام، أي: كن خلفًا لي وعوضًا خيرًا مما فاتني بهذه المصيبة. (م) أي: رواه مسلم عن أم سلمة

(2)

.

(وإذا مات ولد العبد) أي: ابنه أو ابنته أو أحد من أحفاده، (قال الله لملائكته) الموكلين بقبض الأرواح من عزرائيل

(3)

وأعوانه، (قبضتم ولد

= (2/ 445، رقم 10853)، والنسائي في الكبرى (10913). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1072).

(1)

النهاية (1/ 25).

(2)

أخرجه مسلم (918).

(3)

ليس هناك دليل من كتاب الله ولا من صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه أن اسم ملك الموت: "عزرائيل"، وإنما هي تسمية مقتبسة من كلام أهل الكتاب، والله أعلم بالصواب.

ص: 1229

عبدي) أي: روحه، والاستفهام مقدر، (فيقولون: فعم).

وقد ورد في الكتب المذكورة الآتية هنا زيادة قوله: "فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ " أي: نتيجة توجه قلبه، وقطعة كبده، وحب لبه "فيقولون: نعم".

(فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع) قال المصنف: "قال: إنا لله وإنا إليه راجعون"

(1)

.

(فيقول: ابنوا) بهمز وصل وضم نون أمر من البناء، (لعبدي بيتًا) أي: قصرًا عظيمًا، (في المجنة، وسموه: بيت الحمد) بالإضافة بمعنى اللام، واللام في الحمد للعهد، أي: بيتًا للحمد على فقد الولد.

(ت، حب، ي) أي رواه: الترمذي، وابن حبان، وابن السني، عن أبي موسى الأشعري

(2)

.

(فإذا عزى) بتشديد الزاي، أي: أراد أن يعزي (أحدًا) أي: من المسلمين، (يسلم) أي: أولًا، وهذه سنة تركها المسلمون غالبًا على ما

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

أخرجه الترمذي (1021) وقال: حسن غريب، وأحمد (4/ 415) وابن حبان (2948) والبيهقي في السنن (4/ 68) وفي الشعب (9699) وإسناده ضعيف فيه أبو سنان وهو عيسى بن سنان لين الحديث التقريب 5295، وكذلك فيه الضحاك بن عبد الرحمن -وهو ابن عرزب- قال أبو حاتم: روى عن أبي موسى الأشعري مرسل، وقال الحافظ في اتحاف المهرة (10/ 32) يقال: لم يسمع منه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (795) والسلسلة الصحيحة (1408).

ص: 1230

هو المشاهد، وينبغي أن يصافحه أيضًا.

وأما المعانقة على ما يفعله أهل مكة فهو بدعة لا يبعد أن تكون مستحسنة؛ لما قاله ابن مسعود: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن".

(ويقول) أي: ثانيًا، (إن لله ما أخذ) أي: الذي أخذه، (ولله ما أعطى) أي: الذي أعطاه أوَّلًا أو سائر ما أعطى، ولفظ الأصول المذكورة الآتية:"وله ما أعطى"، وقدم الأخذ على الإعطاء، وإن كان الأخذ متأخرًا في الواقع لما يقتضيه المقام.

والمعنى: إن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له فلا ينبغي الجزع، [لأن]

(1)

من يستودع الأمانة لا ينبغي له الجزع إذا استعيدت.

ويحتمل أن يكون المراد بالإعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد [الميت]

(2)

، وثوابهم على المصيبة، أو ما هو أعم من ذلك، و"ما" في الموضعين مصدرية، ويحتمل أن يكون موصولة، والعائد محذوف، فعلى الأول تقديره: لله الأخذ والإعطاء، وعلى الثاني: لله الذي أخذه من الأولاد، وله ما أعطى منهم، أو ما هو أعم من ذلك.

(وكل عنده بأجل مسمى) أي: كل من الأخذ والإعطاء أو من

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"فإن".

(2)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"الموت".

ص: 1231

الأنفس، أو ما هو أعم مما ذكر، وهي جملة ابتدائية معطوفة على الجملة المذكورة، ويجوز في "كل" النصب عطفًا على اسم "إن" فيستحب التأكيد عليه أيضًا، ومعنى العندية العلم فهو من مجاز الملازمة، والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر، والمسمى معناه المعين.

(فلتصبر ولتحتسب) أي: لتطلب الأجر بصيغة الخطاب فيهما، وضبط في "أصل الجلال" بصيغة الخطاب والغيبة.

(خ، م، د، س، ق) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم عن أسامة بن زيد

(1)

، وهو مقطع من حديث طويل على ما في "المشكاة".

(وكتب صلى الله عليه وسلم إلى معاذ) لعله حين كان عاملًا باليمن، (يعزيه) أي: يسليه، (في ابن له) أي: مات عنده أو بالمدينة.

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أي: باسمه المحيي المميت، (من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل) ابتدأ باسمه صلى الله عليه وسلم اقتفاء لقوله تعالى حكاية عن قضية سليمان عليه السلام:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30].

وفيه: إشعار بأن الواو لا تفيد الترتيب بل هي لمطلق الجمع، أو تقديره: إنه من سليمان معنونًا، وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مبدوءًا.

(1)

أخرجه البخاري (1284)، ومسلم (923)، وأبو داود (3125)، وابن ماجه (1588).

ص: 1232

(سلام عليك، فإني أحمد إليك) أي: معك، أو منهيًا إليك، وموصلا لديك، (الله الذي لا إله إلا هو) أي: فله الملك وله الحمد.

(أما بعد) أي: بعد البسملة والحمدلة، وتسمى الجملة فصل الخطاب لشروع الكتاب، (فأعظم الله لك الأجر) ولعل هذا مأخذ أهل مكة في قولهم عند التعزية: " [أعظَم]

(1)

الله لك الأجر"، أي: الجزيل، (وألهمك الصبر) أي: الجميل، (ورزقنا وإياك الشكر) أي: على سائر النعم، أو على هذه المصيبة، فإنها نعمة ومنحة ولو كانت في الصورة بلية ومحنة، أو مرتبة الشكر على المصيبة فوق منزلة الصبر، وإن كان الصبر على ما تكره النفس فيه خير كثير وأجر كبير.

(فإنّ أنفسنا وأموالنا وأهلينا) أي: من الأزواج والخدم والحشم، أو أقرباءنا، (وأولادَنا) أي: من أبنائنا وبناتنا وأولادهما، (من مواهب الله عز وجل الهنيئة) بالهمز، ويجوز إبداله وإدغامه، وهي كل أمر يأتيك من غير تعب على ما في "النهاية"

(2)

.

وهذه الأشياء وإن كان بعضها قد يحصل بالمكاسب لكن بالنظر إلى العارف لا يخرج عن كونه من المواهب.

(وعواريّه) بتشديد الياء جمع العاريّة مشددة، كأنها منسوبة إلى العار؛

(1)

كذا في (أ) و (د)، وفي (ب) و (ج):"عظم".

(2)

النهاية (5/ 277).

ص: 1233

لأن طلبها عيب وعار على ما في "النهاية"

(1)

، وقال صاحب "القاموس"

(2)

: "العارية مشددة وقد تخفف، والجمع عواري مشددة ومخففة"، انتهى.

فوجه التخفيف أن يكون فاعله من العري، كأنها عارية عن ملك المستعير، أو يحمل التخفيف على التخفيف، أي: ومن عواريه (المستودعة) بفتح الدال، أي: الموضموعة على طريقة الوديعة.

(نُمَتَّع) بضم النون وتشديد الفوقية المفتوحة على صيغة المجهول المتكلم مع الغير، أي: نحن نمتع بها، وفي "أصل الجلال" بصيغة الغائب المذكر المفعول، أي: ينتفع (بها إلى أجل معدود) أي: أيامه وساعاته وأنفاسه لا تزاد ولا تنقص، (ويقبضها) أي: يأخذها (لوقت معلوم) وهو نهاية الأجل المعدود المعين.

(ثم افترض علينا الشكر) أي: جعل الشكر فرضًا علينا، (إذا أعطى) أي: شيئًا من النعمة، (والصبر إذا ابتلى) أي: بشيء من المحنة، أو إذا جعلنا مبتلين بالمصيبة والبلية.

(فكان) أي: [فإذا]

(3)

عرفت ذلك فكان (ابنك من مواهب الله الهنيئة) أي: لك، (وعواريه المستودعة) أي: عندك، (متعك به) أي: نفعك الله بابنك، (في غبطة) قال المصنف: "بكسر الغين المعجمة: النعمة والخير

(1)

النهاية (3/ 320).

(2)

القاموس (ص 446).

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"إذا".

ص: 1234

وحسن الحال"

(1)

، انتهى.

والأظهر أن يقال: أي في حال غبطة يغبطك فيها أقرانك، (وسرور) أي: وفي فرح يحزن أعداءك، (وقبضه) أي: أخذه تعالى، (منك بأجر) أي: مصحوبًا بأجرٍ، أو بمقابلة أجرٍ، (كبيرٍ) بالموحدة، وفي نسخة صحيحة بالمثلثة، فالأول يشير إلى عظمة الكيفية، والثاني: يشير إلى عظمة الكمية.

(الصلاة) يجوز فيها وما عطف عليها الحركات الثلاث، والجر بالبدلية أولى، ثم الرفع عك أنه خبر مبتدإٍ محذوف هو:"هو"، والنصب بتقدير:"أعني".

(والرحمة والهدى) وفيها اقتباس من قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] أي: للحق والصواب حيث استرجعوه، وسلموا القضاء لله تعالى، ثم الصلاة في الأصل الدعاء، ومن الله التزكية والمغفرة، والمراد بالرحمة: اللطف والإحسان، قال القاضي:"وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها". قلت: أو لمقابلة الجمع بالجمع، ولذا أفردت في الحديث.

(إن احتسبت) أي: طلبت الثواب، (فاصبر ولا يحبط) من الإحباط بصيغة النهي، أي: ولا ينبغي أن يضيع (جزعك) أي: قلة صبرك وكثرة فزعك، (أجرك) أي: ثوابك، (فتندم) حيث لا يرجع محبوبك، ويفوت

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

ص: 1235

مطلوبك، فيجتمع عليك مصيبتان، ويحصل لك محنتان.

وقال المصنف: "الجزع بفتح الجيم والزاي، أي: الحزن وهو ضد الصبر"

(1)

، انتهى.

وفيه بحث؛ إذ الحزن لا ينافي الصبر، فقد قال صلى الله عليه وسلم في موت ولده:"العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنَّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون". وأيضًا الحزن أمر طَبَعِيٌّ غير اختياري، فلا يدخل تحت حكم شرعي اعتباري.

(واعلم أن الجزع لا يرد شيئًا) أي: مما فات، (ولا يدفع حزنًا) أي: فيما هو آت، (وما هو نازل) أي: من البلايا بما تعلق به القضاء والقدر، (فَكَأَنْ) بسكون النون بعد فتح همز، ولعلها مخففة من المثقلة، أي:"فكأنه كان" أو "كأنه نزل"، وفي نسخة بزيادة:"قد"، وهو موافق لما في "سلاح المؤمن" و"موضوعات ابن الجوزي"؛ ففيه زيادة تحقيق، فالتقدير:"فكأنه قد نزل".

وقال المصنف: "حفظناه بالفاء فكاف مفتوحة وهمزة كذلك فَنُونٌ ساكنة، أي: فكان قد وقع وحصل وصار، فلا فائدة في الجزع"، والله أعلم.

(والسلام) فيه إيماءٌ إلى أنه ينبغي السلام أولًا وآخرًا في المكتوب، وهو مؤيد بالقياس على سلام المواجهة والموادعة.

(مس، مر) أي رواه: الحاكم، وابن مردويه، عن معاذ بن جبل، وقد

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

ص: 1236

صرح ابن الجوزي بأن هذا الحديث موضوع

(1)

.

قلت: يمكن أن يكون بالنسبة إلى إسناده المذكور عنده موضوعًا، على أنه معارض بما ذكره الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، وقال:"حسن غريب".

وقد رواه ابن مردويه أيضًا، وكذلك الفقيه أبو الليث السمرقندي بإسناده في "تنبيه الغافلين"، فهو: إما حسن أو ضعيف، والضعيف يُعْمَلُ به في فضائل الأعمال اتفاقًا.

وقد قال أبو نعيم

(2)

: "لا يثبت رفعه، وهو موقوف [لكنها]

(3)

وصية حسنة"، انتهى. ولم يبين أنه موقوف على صحابي أو تابعي، والله أعلم.

(1)

الطبراني (20/ 155 - 156) رقم (324)، وفي "الأوسط"(83)، وقال الحاكم (3/ 273) غريب حسن، إلا أن مجاشع بن عمرو ليس من شرط هذا الكتاب، وتعقبه الذهبي بقوله: ذا من وضع مجاشع.

مجاشع بن عمرو هذا كذاب، قال عنه ابن معين: قد رأيته أحد الكذابين، وقال البخاري: منكر مجهول، وقال العقيلي:"حديثه منكر"، وقال أبو أحمد الحاكم: منكر الحديث، وذكر له الذهبي بعض الأحاديث وحكم عليها بالوضع، وقال ابن حجر: "ومن موضوعاته

"، وذكر له هذا الحديث. اهـ.

من الضعفاء للعقيلي (4/ 264)، والكامل لابن عدي (6/ 2449 - 2450)، والميزان (3/ 436 - 437 رقم 7066)، واللسان (5/ 15 - 16 رقم 55).

(2)

أبو نعيم في "الحلية"(1/ 242).

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"لكنه".

ص: 1237

(ولما تُوُفّي) بضم تاء وواو وتشديد فاء مكسورة وفتح ياء على صيغة المجهول الماضي، من التوفي المأخوذ من الوفاة، أي: قبض، وفي نسخة بفتحتين فتشديد فاء مفتوحة، وقد سبق تحقيقه، أي: مات، (صلى الله عليه وسلم، عزتهم) بتشديد الزاي، أي: عزت الصحابةَ، (الملائكةُ) أي: بعضهم، على احتمال أنهم رأوهم أم لا؟، حيث قالوا:(السلام عليكم ورحمة صلى الله عليه وسلم وبركاته، إن في الله) أي: في وجوده وشهوده، وكرمه وجوده، أو فيما عنده لعبده، (عزاءً) بفتح عين وتخفيف زاي، أي: تسملية (من كل مصيبة) أي: من جهة إصابة كل مصيبة، وفقدان كل حبيبة بخلاف عكسه، فإنك إذا فقدته وجدت كل شيء فائتًا، فمن فقده أي شيء وجده، ومن وجده أي شيء فقده، ولذا قال الشاعر:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا فَارَقْتَهُ عِوَضُ

وَلَيْسَ لله إِنْ فَارَقْتَ مِنْ عِوَضِ

ويؤيده عطف تفسيره بقوله: (وخَلَفًا) أي: عوضًا (من كل فائتٍ، فبالله فثقوا) بكسر المثلثة وتخفيف القاف، أي: فبوعده وعهده فاعتمدوا، وفي بعض الروايات:"فاتقوا" بدل "فثقوا"، على ما في "المشكاة".

(وإياه فارجوا) أي: لا ترجوا سواه، وفي بعض الروايات بدله:"فارجعوا" أي: إليه لا إلى غيره، في خيره وشره، وجميع حكمه وأمره.

قال ميرك: "كذا وقع في نسخ "الحصن": "فثقوا"، ووقع في "المشكاة": "فبالله فاتقوا" ". قال الطيبي: "الفاء: جواب الشرط، وبالله: حال قدمت على عاملها، كما في قوله تعالى:{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:

ص: 1238

56] "، أي: إذا كان الله مُعَزِّيًا وَمُخْلِفًا ومدركًا، فخصوه بالتقوى مستعينين به، والفاء في "فاتقوا" وردت لتأكيد الربط، وكذا في قوله "فارجوا"".

(فإنما المحروم من حرم) بصيغة المجهول، أي: منع (الثواب) بالنصب على أنه مفعول ثانٍ، ومنه قوله:"اللهم لا تحرمنا أجره"، (والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مس) أي: رواه الحاكم عن جابر

(1)

.

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 299) وقال صحيح الإسناد فوهم.

هذا إسناد فيه أبو الوليد المخزومي، والراجح أنه خالد بن إسماعيل، وهو كذاب وضاع، وعبد الله بن عبد الرحمن الصنعاني لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد صحح الحاكم الحديث، وهو واهم في تسمية أبي الوليد المخزومي، وفي حكمه. والحديث ضعيف جدًّا واه بمرة.

والمخزومي هذا ليس بخالد بن إسماعيل الكوفي إنما هو هشام بن إسماعيل الصنعاني، وهو في إتحاف ابن حجر (3143)، وعزاه للحاكم في المغازي. وقال العراقي كما في (المستخرج على الإحياء 6/ 2558) معلقًا على هذا الحديث: هكذا أخرجه الحاكم، وزعم أن أبا الوليد المخزومي هو هشام بن إسماعيل الصنعاني ثقة مأمون، كذا قال، وقال الداوودي كما وجد بخطه: والذي أظن أنه: خالد بن إسماعيل، وهو كذاب. قلت: أنس بن عياض مدني ثقة روى له الجماعة مات سنة 200 عن ست وتسعين، والراوي عنه أبو الوليد إن كان كما زعم الحاكم، فهو دمشقي يكنى أبا عبد الملك، ووفاته سنة ست عشرة فلقد أدرك من عمره نحو اثنتي عشرة سنة، وكون راويه عبد الملك بن عبد الرحمن صنعانيًا يقوي أنه هو، وإن كان خالد بين إسماعيل، فهو مدني. قال ابن عدي: كان يضع الحديث. ولهم رجل آخر يسمى بهذا الاسم، ويروي عن عوف، وهو مجهول. قال الذهبي ولعله المخزومي.

ص: 1239

(دخل رجل) كذا في "أصل الأصيل" بلا وَاوٍ وهو الظاهر، وفي "أصل الجلال":"ودخل رجل"، (أشهب اللحية) أفعل، وصف من الشهبة، في الألوان: البياض الذي غلب السواد، (جسيم) أي: قوي شديد، عظيم جسيم، (صبيح) أي: حسن الوجه وسيم، (فتخطى) أي: جاوز، (رقابهم) والمعنى: أنه تعدّاهم إلى مكان يرونه ويراهم، (فبكى) أي: لفقد المصطفى صلى الله عليه وسلم، (ثم التفت إلى الصحابة) أي: من كبرائهم وعظمائهم، (فقال: إن في الله عَزَاءً من كل مصيبة، وعوضًا من كل فائت، وخلفًا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا) أي: فارجعوا بحسن الإقبال وتحسين الأعمال، ومنه قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} [الزمر: 17]، ومنه قوله سبحانه {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر: 54].

(وإليه) أي: إلى ثوابه أو لقائه، (فارغبوا، ونظره إليكم في البلاء) أي: حال الابتلاء، (فانظروا) أي: فتفكروا وتأملوا كيف تقوموا بحقه من الصبر والشكر والرضا بالقضاء، أو فانظروا إلى المبلي ولا تنظروا إلى البلاء، إن كنتم من أهل الولاء. (فإنما المصاب) بضم الميم، أي: صاحب المصيبة في الحقيقة، (من لم يجبر) بصيغة المجهول، أي: لم يصلح حاله بتوفيق الصبر وتحصيل الأجر، (وانصرف).

(فقال أبو بكر وعلي: هذا الخضر) بفتح الخاء وكسر الضاد، ويجوز إسكان الضاد مع كسر الخاء أوفتحها، وإنما سمي به لأنه جلس على

ص: 1240

فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء، والفروة: وجه الأرض.

وكنيته أبو العباس، واسمه بَلْيَا -بموحدة مفتوحة ولام ساكنة وياء منقوطة من تحت- ابن ملكان، بفتح الميم وإسكان اللام وبالكاف، كذا حققه الكرماني في "شرح البخاري".

(عليه السلام) يحتمل أن هذا من قولهما وهو الأظهر، أو من قول المصنف، أو من قبله من المخرجين.

وفي الجملة: فيه دلالة على أنه نبي تابع لنبينا صلى الله عليه وسلم، لقوله:"لو كان موسى حيًّا لما وسعه إلا اتباعي"، ولنزول عيسى على وفق متابعته، وجعله أحدًا من أفراد ملته.

قال سعدي جلبي من علمائنا: "الجمهور على أنه نبي"، وقد سمع من الشيخ محمد البكري، قدس سره السري:"إن ما قيل: أن الخضر هو ابن فرعون ضعيفٌ، بل ليس بشيء، والصحيح: أنه ابن آدم من صلبه، ثم الصحيح: أنه نبي، ويعيش إلى أن يقاتل الدجال". وقال الكرماني: "اختلفوا فيه؛ فقيل: إنه نبي على قولين مرسلًا وغير مرسلٍ، وقيل: إنه ولي، وقيل: إنه من الملائكة".

واحتج من قال بأنه نبي بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82]، وبكونه أعلم من موسى، والولي لا يكون أعلم من النبي.

وأجيب: بأنه [يجوز أن]

(1)

يكون قد أوحى الله إلى نبي هذا العصر أن يأمر الخضر بذلك.

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"قد".

ص: 1241

قلت: وهذا مع كونه [احتمالًا بعيدًا]

(1)

جدًّا لو كان موجودًا لأمر موسى بالاجتماع به دون الخضر، وذكر الثعلبي ثلاثة أقوال في أن الخضر كان في زمن إبراهيم، أم بعده بقليل، أو كثير، وقال:"إنه نبي مُعَمِّرٌ على جميع الأقوال، محجوب عن الأبصار، وقيل: إنه لا يموت إلا في آخر الزمان".

وقال ابن الصلاح: "جمهور العلماء والصالحين على أنه حي، والعامة معهم". وقال النووي: "الأكثرون من العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح"، انتهى.

وقال الحنفي: "دل الحديث على أنه حي". قلت: لا دلالة للحديث على أنه حي الآن، بل على أنه كان حيًّا في ذلك الزمان لتحققه في ذلك المكان، ولا خلاف في ذلك الشان.

(مس) أي: رواه الحاكم عن أنس. قال ميرك: "وليس بصحيح". وقال العسقلاني: "هذا الحديث واهي الإسناد"

(2)

.

(1)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"احتمال بعيد".

(2)

أخرجه الحاكم (3/ 58). وعنه: البيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 268).

ورواه الطبراني في "معجمه الأوسط"(8120).

قال ابن كثير: قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف، وهذا منكر بمرة. قلت: عباد بن عبد الصمد هذا، هو ابن معمر البصري، روى عن أنس نسخة. قال ابن حبان والعقيلي: أكثرها موضوع. وقال البخاري: منكر الحديث.

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث جدا منكره وقال ابن عدي عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو ضعيف، غال في التشيع. (البداية والنهاية 2/ 258).

ص: 1242

(ومن رفع الميت) أي: وضعه (على السرير) أي: النعش، (أو حمله) أي: حمل السرير معه، أو حمل الميت على السرير أو بدونه، (فليقل: باسم الله. مو مص) أي: رواه ابن أبي شيبة من قول ابن عمر

(1)

، وبكر بن عبد الله المزني [التابعي]

(2)

، ذكره ميرك.

وفي "السلاح": "عن ابن عمر: أنه سمع رجلًا يقول: ارفعوا على اسم الله؛ فقال: لا تقولوا: ارفعوا على اسم الله؛ فإن اسم الله على كل شيء، ولكن قولوا: ارفعوا باسم الله. وعن بكر بن عبد الله المزني قال: إذا حملت السرير فقل: باسم الله. رواهما ابن أبي شيبة".

(وإذا صلى عليه) أي: على الميت، وهو فرض كفاية، وشرط صحتها: إسلام الميت، وطهارته، ووضعه أمام المصلي؛ فلهذا القيد لا يجوز على غائب عندنا، ولا على حاضر محمول على دابة وغيرها، ولا موضوع وراء المصلي.

وأركانها: القيام، والتكبير، والدعاء، وقالوا: يُقَدِّمُ الثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما من سنة الدعاء.

(كبر) أي: بعد النية المقرونة برفع اليد اتفاقًا، (ثم قرأ الفاتحه) أي: وجوبًا عند الشافعية، ويقصد الثناء عندنا، قال صاحب "الهداية":

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (12189) عن ابن عمر، وأخرجه ابن أبي شيبة (12190) عن بكر بن عبد الله.

(2)

كذا في (د)، وفي (أ):"التابعي أيضًا"، وفي (ج):"أيضًا".

ص: 1243

"والصلاة أن يكبر تكبيرة يحمد الله عَقِيبَها".

قال ابن الهمام عن أبي حنيفة: "يقول: سبحانك اللهم وبحمدك

" إلى آخره. قالوا: "لا يقرأ الفاتحة إلا أن يقرأها بنية الثناء؛ إذ لم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وفي "موطأ مالك" عن نافع: "أن ابن عمر كان لا يقرؤها في الصلاة على الجنازة"

(1)

.

(1)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 228) رقم (19) وإسناده صحيح.

قال الشيخ الألباني: عقب حديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب (وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته؟ ف) قال: (إنما جهرت) لتعلموا أنا سنة (وحق).

قلت: وهذا الحديث وما في معناه حجة عليهم، لا يقال: ليس فيه التصريح بنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاننا نقول: أن قول الصحابي من السنة كذا.

مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أصح الأقوال حتى عند الحنفية، بل قال النووي في، "المجموع" (5/ 232): إنه المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الاصول وغيرهم من الاصوليين والمحدثين.

قلت وبهذا جزم المحقق ابن الهمام في "التحرير"، وقال شارحه ابن أمير حاج (2/ 224):"وهذا قول أصحابنا المتقدمين، وبه أخذ صاحب الميزان والشافعية وجمهور المحدثين".

قلت: وعليه فمن العجائب أن لا يأخذ الحنفية بهذا الحديث مع صحته ومجيئه من غير ما وجه، ومع صلاحيته لإثبات السنة على طريقتهم =

ص: 1244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأصولهم! فقال الإمام محمد في "الموطأ"(ص 175): "لا قراءة على الجنازة، وهو قول أبي حنيفة". ومثله في "المبسوط" للسرخسي (2/ 64).

ولما رأي بعض المتأخرين منهم بعد هذا القول عن الصواب، ومجافاته عن الحديث، قال بجواز قراءة الفاتحة بشرط أن ينوي بها الدعاء والثناء على الله! وإنما اشترطوا ذلك توفيقا منهم -بزعمهم- بين الحديث وقول إمامهم، فكأن قوله حديث آخر صحيح، ينبغي قرنه مع الحديث الصحيح ثم الجمع بينهما! ومع أن هذا الشرط باطل في نفسه لعدم وروده، فإنه يبطله ثبوت قراءة السورة مع الفاتحة في الحديث وهي مطلقة لا يمكن اشتراط ذلك الشرط فيها أيضًا! وعندهم عجيبة أخرى! وهي قولهم:"أن قراء سبحانك -بعد التكبيرة الأولى من سنن الصلاة على الجنازة"! مع أنه لا أصل لذلك في السنة كما تقدم التنبيه على ذلك في الحاشية (ص 119)، فقد جمعوا بين إثبات ما لا أصل له في السنة وإنكار مشروعية ما ورد فيها!! فإن قلت: قد قال المحقق ابن الهمام في "فتح القدير"(1/ 459): "قالوا: لا يقرأ الفاتحة، إلا أن يقرأها بنية الثناء، ولم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

فأقول: وهذا القول من مثل هذا المحقق أعجب من كل ما سبق، فإن ثبوت القراءة عنه صلى الله عليه وسلم مما لا يخفى على مثله مع وروده في "صحيح البخاري" وغيره مما سبق بيانه، ولذلك فإنه يغلب على الظن أنه يشير بذلك إلى أن الحديث لا ينهض دليلا على إثبات القراءة لقوله فيه "سنة" بناء على الخلاف الذي سبق أن ذكرناه، فإن كان الامبر كما فهذه عجبية أخرى، فإن مذهبه أو قول الصحابي سنة في حكم المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم نقله من كتابه "التحير"، وقد جروا على ذلك في فروعهم، فخذ مثلًا على ذلك المسألة الآتية. قال في "الهداية": إذا حملوا الميت على السرير أخذوا بقوائمه الاربعة، بذلك =

ص: 1245

(ثم) أي: بعد التكبيرة الثانية، (صلى على النبي صلى الله عليه وسلم) أي: كما يصلي في التشهد، وهو الأولى.

(ثم) أي: بعد التكبيرة الثالثة، يدعو للميت ولنفسه ولأبويه وللمسلمين، ولا توقيت في الدعاء سوى أنه بأمور الآخرة، وإن دعا بالمأثور فهو أحسن.

وحينئذ (قال: اللهم عبدك) أي: هذا الميت مملوكك، (وابن أمتك) أي: جاريتك، فتخصيص الأم لأنه أدعى إلى الرحمة والرأفة، (يشهد) أي:"كان يشهد" كما في نسخة، (أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، ويشهد أن محمدًا عبدك ورسولك).

(أصبح) أي: صار، (فقيرًا) أي: محتاجًا شديدًا، (إلى رحمتك، وأصبحت) أي: صرت، بل كنت (غنيًّا عن عذابه) ووقع هذا لمحافظة المشاكلة مع قوله:"أصبح فقيرًا"، والمعنى: وأنت غني عن عذابه، (تخلى) أي: اعتزل (من الدنيا وأهلها).

(إن كان زاكيًا) أي: "محسنًا" كما في رواية. وقال المصنف: "أي: طاهرًا من الذنوب"

(1)

، (فزكه) بتشديد الكاف المكسورة، أي:"فزد في إحسانه" كما في رواية، وقال المصنف: "فطهره بالمغفرة، ورفع

= وردت السنة، وقال الشافعي: السنة أن فقال ابن الهمام في صدد الرد على ما نسبوه إلى الشافعي.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

ص: 1246

الدرجات"

(1)

، انتهى.

ولا يخفى عدم المناسبة بين تفسيره "زاكيًا" بـ "طاهرًا من الذنوب" وبين قوله: "فطهره بالمغفرة"، وأغرب الحنفي بقوله:"الأولى أن يقال: أي زد في زكاته وطهارته".

(وإن كان مخطئًا) أي: مسيئًا، (فاغفر له) أي: إساءته، (اللهم لا تحرمنا) بفتح التاء وكسر الراء، أي: لا تمنعنا، (أجره) أي: ثوابه، وأما ما ضبطه بعضهم بضم أوله فغير صحيح رواية ودراية، ففي "القاموس"

(2)

: "حرمه الشيء -كضربه وعلمه- حرمانًا: منعه حقه، وأحرمه لُغَيَّةٌ".

(ولا تضلنا) من الإضلال، أي: لا توقعنا في الإضلال، وهو معنى ما في رواية:"ولا تفتنا" بتشديد النون، (بعده) أي: بعد موته. (مس) أي: رواه الحاكم عن ابن عباس

(3)

.

(الله اغفر له) أي: ذنوبه، (وارحمه) أي: برفع الدرجة زيادة على المغفرة، (وعافه) أي: من العذاب، (واعف عنه) أي: مما وقع له [من التقصير]

(4)

في الطاعة، (وأكرم) من الإكرام، (نُزُلَه) بضمتين، وهو ما

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

القاموس (ص 1092).

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 358) وعنه البيهقي في "الكبرى"(4/ 42). قال ابن حجر في (الفتح 3/ 2) لم أقرأ عليها -أي جهرا- وشرحبيل مختلف في توثيقه.

(4)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"تقصير".

ص: 1247

يهيأ للضيف من الطعام، أي: أحسن نصيبَه من الجنة.

وقال المصنف: "بضم النون والزاي، وهو في الأصل قرى الضيف، يعني: الأجر والثواب والمغفرة"

(1)

.

(ووسِّع) بكسر السين المشددة، (مُدْخَله) بضم ميم وفتح خاء معجمة، وفي نسخة صحيحة بفتحها، وبهما قرئ قوله تعالى:{وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31].

قال المصنف: "بضم الميم، يعني: موضعًا يدخل فيه، وهو قبره الذي يدخله الله فيه"

(2)

.

وقال ميرك: "لكن المسموع من أفواه المشايخ، والمضبوط في الأصول: فتح الميم، وكلاهما صحيح المعنى".

قال صاحب "الصحاح": "المدخل: الدخول، وموضع الدخول أيضًا، يقول: دخلت مدخلا حسنًا ومدخل صدق، والمدخل: الإدخال، والمفعول من أدخله يقول: أدخلته مدخل صدق"، انتهى. ويجوز أن يكون بالضم موضع الإدخال، وهو المناسب لهذا المقام.

(واغسله) بهمز وصل، أي: اغسل ذنوبه وطهر عيوبه، (بالماء والثلج والبرد) بفتحتين، والغرض منه تعميم أنواع الرحمة والمغفرة في مقابلة أصناف المعصية والغفلة.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

ص: 1248

(ونقِّه) بتشديد القاف المكسورة، أمر من التنقية، بمعنى التطهير، والهاء يحتمل أن يكون ضميرًا للميت، وأن يكون هاء السكت، (من الخطايا) أي: من أثرها، (كما نقيت الثوب الأبيض) أي: نظفته حقيقة، وفي رواية ابن الهمام:"كما ينقى الثوب الأبيض"، (من الدنس) بفتحتين أي: الدرن، قال المصنف:"بفتح الدال والنون: الوسخ، يريد المبالغة في التطهير من الخطايا والذنوب"

(1)

.

(وأبدله) أمر من الإبدال، أي: عوّضه، (دارًا) أي: من القصور، أو من سعة القبور، (خيرًا من داره) أي: في الدنيا الفانية، (وأهلًا) أي: من الغلمان والخدم، (خيرًا من أهله، وزوجًا) أي: زوجة من الحور العين، أو من نساء الدنيا في الجنة، (خيرًا من زوجِه) أي: زوجته، أو زوجًا من رجال أهل الجنة خيرًا من زوجها في الدنيا حقيقةً أو حكمًا.

(وأدخله الجنة) أي: أولًا، (وأعذه) أمر من الإعاذة، أي: وخلصه (من عذاب القبر، وعذاب النار) إما بعد إدخاله فيها، أو بإنجائه منها.

(م، ت، س، ق، مص) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة، عن عوف بن مالك الأشجعي

(2)

، وفي "شرح

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

أخرجه مسلم (973)، وأبو داود (3190)، وأخرجه مسلم (99)، (100)، وأبو داود (3189)، وأبن ماجه (1518)، والنسائي (4/ 68)، والترمذي (1033).

ص: 1249

الهداية" لابن الهمام: "قال عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت".

(اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا) أي: لأحيائنا وأمواتنا، معشر المسلمين، (وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا) أي: حاضرنا، (وغائبنا).

قال التوربشتي: "سئل الطحاوي عن معنى الاستغفار للصغار مع أنهم لا ذنب لهم؟ فقال: إن النبي عليه السلام سأل ربه أن يغفر لهم الذنوب التي قضيت لهم أن يصيبوها بعد الانتهاء إلى حال الكبر".

(1)

قال ميرك: "كل من القرائن الأربع في هذا الحديث يدل على الشمول والاستيعاب، فلا يحمل على التخصيص نظرًا إلى مفردات التركيب، كأنه قيل: "اللهم اغفر للمسلمين كلهم أجمعين"، فهي من الكنايات الرمزية يدل عليه جمعه في قوله: "اللهم من أحييته منا

" إلى آخره".

قلت: لا كلام في إفادة العموم والشمول، لكن المغفرة لا تقابل إلا بالمعصية، وهي غير متحققة من نحو الأطفال، فحمله المحقق على صغار يصيرون كبارًا يتصور منهم وقوع الذنب

(2)

. وأقول: الأظهر أن

(1)

قال السندي: قلت: هذا مبني على جواز المؤاخذة بتلك الذنوب ويدل عليه حديث الله أعلم بما كانوا عاملين (حاشية السندي على سنن ابن ماجه 1/ 456).

(2)

ومن هذا التأويل ما حصل للخضر حين قتل الغلام، فقال سبحانه {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80] الآيات، فخشي ما كان سيحصل منه مستقبلا من إرهاق والديه بكفره، فأمره الله عز وجل بقتله صغيرًا، والله أعلم.

ص: 1250

يراد بصغيرنا شبابنا، وبكبيرنا شيوخنا فيرتفع الإشكال، والله أعلم بحقيقة الحال.

(اللهم من أحييته منا فأحيه) بقطع الهمزة، (على الإسلام) وفي رواية الترمذي، والحاكم:"على الإيمان"، (ومن توفيته) بتشديد الفاء، أي: قبضت روحه، (منا فتوفّه على الإيمان) وفي روايتهما:"على الإسلام"، ولا شك أن رواية غيرهما أولى لمناسبة الحياة بالإسلام، ويلائمه الوفاة بلإيمان.

(اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده) وفي رواية النسائي: "ولا تفتنا بعده". (د، ت، س، أ، حب، مس) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، عن أبي هريرة

(1)

.

(1)

أخرجه أبو داود (3201)، والترمذي (1024)، وابن ماجه (1498).

وذكره المزي في تحفة الأشراف (10/ 472)، ضمن أطراف أبي هريرة رضي الله عنه وعزاه إلى النسائي في عمل "اليوم والليلة" الحديث (14994) وهو في عمل اليوم والليلة (1080)، (1081). وابن حبان في صحيحه (3070)، والبيهقي في السنن (4/ 41). وأخرجه الحاكم (1/ 385) وصححه على شرط الشيخين، وذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 357) (1058) قال: قال أبي: رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم

، مرسل، لا يقول أبو هريرة، ولا يوصله عن أبي هريرة إلا غير متقن، والصحيح مرسل. وقال أيضًا برقم (1047)(1/ 354) سألت أبي عن حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال: هذا خطأ، الحفاظ لا يقولون أبا هريرة، إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، انظر =

ص: 1251

قال ابن الهمام: "وفي حديث إبراهيم الأشهل، عن أبيه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلي علي الجنازة قال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا". رواه الترمذي، والنسائي.

قال الترمذي: "ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه: "اللهم من أحييته منا فأحيه علي الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه علي الإيمان"، وفي رواية لأبي داود نحوه، وفي أخرى: "ومن توفيته منا فتوفه علي الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره ولا [تضلنا]

(1)

بعده".

(اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها) أي: مع سائر الأنام، (وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها)"أي: أمرت بقبضها"

(2)

ذكره المصنف، فالإسناد مجازي، (وأنت أعلم بسرها وعلانيتها) بتخفيف الياء.

(جئنا) أي: حضرنا، (شفعاء) أي: فيها، (فاغفر) أي: فاغفر ذنبها، أو فاغفر لنا أجمعين. (د، س) أي رواه: أبو داود، والنسائي؛ كلاهما عن أبي هريرة

(3)

.

= التلخيص الحبير (2/ 248 - 249). قلت: فإن الذين أوصلوه عن يحيى جماعة، فروايتهم أرجح مع ما فيها من الزيادة.

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ):"تَفْتَنا".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(3)

أخرجه أبو داود (3200)، أحمد (2/ 345)، والنسائي في الكبرى (10917) قال أبو داود:"أخطأ شعبة في اسم علي بن شماخ، قال فيه: عثمان بن شماس". اهـ

وقال البيهقي: "خالفه شعبة في إسناده، ورواية عبد الوارث أصح ". =

ص: 1252

(لها. س) أي: رواه النسائي عنه بهذه الزيادة.

(له. د) أي: رواه أبو داود بهذه الزيادة.

فتأنيث الضمير باعتبار النفس، أو الروح التي هي الأصل؛ ليكون أيضًا على وفق الضمائر السابقة، والتذكير: باعتبار الشخص، أو التأنيث للمرأة والتذكير للرجل على تقدير تعدد الواقعة الدال عليه اختلاف الرواية.

(اللهم إن فلان ابن فلان) في نسخة بإثبات الألف، وفي أخرى بحذفها، وفي أخرى:"إن فلانًا ابن فلان"، وبتنوين الثاني في الجميع، (في ذمتك) أي: في عهدك من الإيمان، كما يدل عليه قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: 40] أي: ميثاقي.

(وحبل جوارك) بكسر الجيم، أي: في أمانك من القرآن، كما يشير إليه قوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]، وقال الطيبي:"الحبل: العهد، والأمان، والذمة".

و"حبل جوارك" بيان لقوله: "ذمتك"، نحو: أعجبني زيد وكرمه، أي:

= أي أخطأ شعبة مرتين: الأولى أنه قال "الجلاس" وصوابه "أبو الجلاس". قال عبد الوارث: "ذهبتُ بشعبة إليه، فقلبه- يعني قال: الجلاس". اهـ وقال أبو زرعة: "وهو أصح" يعني أبا الجلاس. وأما الثانية فقوله: "عثمان بن شماس" وإنما هو "علي بن شماخ". ولشعبة-على تثبُّته- أخطاء في أسماء الرجال نبَّه عليها العلماء. أي أن الاضطراب واضح في سند الحديث. وقال الألباني: ضعيف الإسناد (سنن أبي داود 3200).

ص: 1253

في كنف حفظك وعهد طاعتك مات.

وقال المصنف: "أي: خفارتك وطلب غفرانك، وفي أمانك، وقد كان من عادة العرب أن يخفر بعضها بعضًا، [فكان]

(1)

الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيّد كل قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها حتى ينتهي إلى الأخرى، فيفعل مثل ذلك، فهذا حبل الجوار، أي: ما دام مجاورًا أرضه، ويجوز أن يكون من الإجارة، وهو الأمان والنصرة"

(2)

.

(فَقِهِ) بهاء الضمير، وفي نسخة صحيحة بهاء السكت أي: فاحفظه، (من فتنة القبر) أي: اختباره أو عذابه، (وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء) أي: لقولك {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40].

(والحمد) أي: وأهل الحمد بالتزكية والثناء، أو بالشكر والجزاء لمن ثبت على الإيمان وقام بحق القرآن، والجملة حالية من فاعل "قِهْ" أو استئنافية.

ويمكن أن يكون المعنى: وأنت أهل الوفاء لقولك: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وأهل الحمد: أي: اللائق به ليس إلا أنت، ومن كان كذلك لا يرد سؤال السائل.

(اللهم فاغفر له) أي: بمحو سيئاته، (وارحمه) برفع درجاته، (إنك أنت الغفور الرحيم. د، ق) أي رواه: أبو داود، وابن ماجه، عن واثلة بن الأسقع، أنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول:

(1)

كذا في "المفتاح"، وفي (أ) و (ب) و (ج):"وكان"، وفي (د):"ولأن".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

ص: 1254

اللهم

" إلى آخره، وسكت عليه أبو داود وأقره الترمذي

(1)

.

(اللهم عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك) أي: احتياجًا كاملًا، (وأنت غني عن عذابه) وعن مؤاخذته بأعماله، (إن كان محسنًا فزد في إحسانه) أي: في إحسان جزائه، أو في جزاء إحسانه.

(وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه) أي: عن إساءته أو مؤاخذته. (مس) أي: رواه الحاكم عن يزيد بن رُكانة، وهو المطلب بن عناف، وقال:"إسناده صحيح"

(2)

، ويزيد وركانة صحابيّان. ذكره ميرك.

(1)

أخرجه أبو داود (3202)، وابن ماجه (1499)، وفي إسناده: مروان بن جناح الأموي مولاهم لا بأس به، التقريب (6610).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 359) وقال: هذا إسناد صحيح ويزيد بن ركانة وأبوه ركانة بن عبد يزيد صحابيان من بني المطلب بن عبد مناف ولم يخرجاه.

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (444)، وابن قانع في معجم الصحابة (1202) والطبراني في معجمه الكبير (22/ 249) رقم (647) وأبو نعيم في المعرفة (6616) من طريق الطبراني وقال: رواه أبو مصعب الزهري عن حسين بن زيد نحوه.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (472) بعد سياقه من طريق أبي مصعب: قال أبي هذا حديث منكر، لا أصل له. عن يعقوب بن حميد بن كاسب ثنا حسين بن زيد بن على عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن ركانة به. وعند الطبراني زيادة في أخره:(ثم يدعوا بما شاء الله أن يدعوا).

قال الهيثمي في المجمع (1/ 459) رواه الطبراني في الكبير وفيه يعقوب ابن حميد وفيه كلام.

ص: 1255

(اللهم عبدك، وابن عبدك، كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به مني) أي: ظاهرًا وباطنًا، وإنما هذا بطريق العرض.

(إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فاغفر له، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. حب) أي: رواه ابن حبان عن أبي هريرة

(1)

.

قال ابن الهمام: "واستحسن بعض المشايخ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201]، إلى آخره، أو {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] إلى آخره. ثم يكبر رابعًا، ثم يسلم تسليمتين ينوي بهما الميت مع القوم.

وقد روى محمد بن الحسن، أنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النَّخَعِي: "أن الناس كانوا يصلون على الجنازة خمسًا وستًّا وأربعًا، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كبروا كذلك في ولاية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففعلوا ذلك.

فقال لهم عمر: إنكم معشر أصحاب محمد، متى تختلفون يختلف الناس بعدكم والناس حديث عهد بالجاهلية، فأجمعوا على شيء يُجْمِعُ عليه مَنْ بَعْدَكُمْ، فأجمع رأي أصحاب محمد أن ينظروا آخر جنازة كبّر عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض؛ فيأخذون به، ويرفضون ما سواه، فنظروا

(1)

أخرجه أبو يعلى (6598)، وعنه ابن حبان (3073).

ذكره الهيثمي في "المجمع"(3/ 33) من حديث أبي هريرة مرفوعًا، وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

ص: 1256

فوجدوا آخر جنازة كبّر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا".

وفيه انقطاع بين إبراهيم وعمر، وهو غير [ضائر]

(1)

عندنا، وقد روى أحمد من طريق آخر موصولًا

(2)

.

وروى الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس قال: "آخر ما كبّر النبي صلى الله عليه وسلم على الجنائز أربع تكبيرات، وكبر عمر على أبي بكر أربعًا، وكبر ابن عمر على عمر أربعًا، وكبر الحسن بن علي على على أربعًا، وكبر الحسين بن علي على الحسن أربعًا، وكبرت الملائكة على آدمَ أربعًا". سكت عليه الحاكم

(3)

، وأعله الدارقطني بالفرات بن السائب، قال:"متروك".

وأخرجه البيهقي في "سننه"، والطبراني عن النضر بن عبد الرحمن،

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"جائز".

(2)

أخرجه أبو حنيفة في المسند (338) وفي الأثار لابن محمد بن حسن (240) وانظر نصب الراية (2/ 268).

(3)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 386) وأخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 129) والعقيلي (4/ 67) وابن حبان في الضعفاء (2/ 251) والدارقطني (2/ 72) من طرق عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعًا

وكلها لا تخلو من ضعف.

قال الدارقطني: إنما هو فرات بن السائب متروك الحديث.

وأخرجه الحارث في مسنده (الزوائد)(272).

وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 139) رواه الحارث بسند ضعيف لضعف فرات بن السائب.

ص: 1257

وضعفه البيهقي قال: "وقد روي من وجوه كلها ضعيفة إلا أن اجتماع أكثر الصحابة رضي الله عنهم على الأربع كالدليل على ذلك"

(1)

.

(وإذا وضعه) أي: الميت، (في قبره، قال) أي: الواضع، (باسم الله) أي: وضعته، أو أدخلته، أو دفنته باسم الله، (وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية الترمذي: "وعلى ملة رسول الله).

قال المصنف: "الملة: الدين، والسنة: الطريقة، يعني: ما سَنَّهُ صلى الله عليه وسلم"

(2)

، انتهى. وقيل: "الملة والدين متحدان بالذات، مختلفان بالاعتبار، فإن

(1)

قال ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 264): وقال الخلال في "علله": أخبرني حرب قال: سئل أحمد عن أبي المليح، عن ميمون، عن ابن عباس "أن آخر جنازة صلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم كبر أربعًا". قال أحمد: هذا كذب، إنما رواه محمد بن زياد الطحان، وكان يضع الحديث. وقال الأثرم: رواه محمد بن معاوية النيسابوري، عن أبي المليح، عن ميمون، عن ابن عباس "أن الملائكة صلت على آدم، فكبرت عليه أربعا". قال أبو عبد الله: (رأيت لمحمد)(هذا أحاديث موضوعة. فذكر منها) هذا الحديث، واستعظمه أبو عبد الله وقال: أبو المليح كان أصح حديثا وأتقى لله من أن يروي مثل هذا.

قال ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 266): قال البيهقي: وحديث ابن عباس "آخر جنازة صلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أربعًا" تفرد به النضر بن عبد الرحمن الخزاز عن عكرمة، وهو ضعيف، وقد روي هذا اللفظ من وجوه أخر كلها ضعيفة، إلا أن اجتماع أكثر الصحابة على الأربع كالدليل على ذلك.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

ص: 1258

الشريعة من حيث إنها [يطاع]

(1)

لها: دين، ومن حيث إنها تكتب وتملي: ملة، والإملاء بمعنى الإملال".

(د، ت، س، حب) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان؛ كلهم عن ابن عمر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع الميت في قبره قال: باسم الله، وبالله، وعلى سنة رسول الله"

(2)

. واللفظ لأبي داود. ذكره ميرك. والتاء مؤخر عن السين في "نسخة الجلال".

(باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. مس) أي: رواه الحاكم عن ابن عمر أيضًا

(3)

.

({مِنْهَا}) أي: من الأرض، ({خَلَقْنَاكُمْ}) أي: ابتداءًا، {وَفِيهَا}

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"تطاع".

(2)

أخرجه أحمد (2/ 27) وفي (2/ 40) وفي (2/ 59) وفي (2/ 69) و (2/ 127) و"عبد بن حميد"(815) و"أبو داود"(3213) و"النسائي" في "الكبرى"(10927) وفي "عمل اليوم والليلة"(1088) وابن الجارود في المنتقى (548)، وأبو يعلى (5755)، وابن حبان (3110).

قال الدارقطني في "العلل"(12/ 410) فقال: وقيل: عن سعيد بن عامر، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي الصديق، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والمحفوظ عن هشام موقوفا، من قول ابن عمر، وفعله.

وكذلك رواه مسلم بن إبراهيم، ومعاذ بن هشام، عن هشام.

وكذلك رواه شعبة عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر موقوفًا. وهو المحفوظ.

قال الحافظ في "البلوغ"(1/ 114) صححه ابن حبان. وأعله الدارقطني بالوقف.

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 366) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ص: 1259

نُعِيدُكُمْ} أي: عند موتكم، {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]) أي: عند البعث كالإخراجة الأولى.

(باسم الله، وفي سبيل الله) أي: في طريق بها أمر الله، (وعلى ملة رسول الله. مس) أي: رواه الحاكم عن أبي أمامة

(1)

قال: "لما وُضِعَتْ أُمُّ كلثوم بِنْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} " إلى قوله: "وعلى ملة رسول الله". قال أبو أمامة: "فلما بُنِيَ عليها لحدها طفق يطرح إليهم [الجبوب]

(2)

، ويقول: سووا خلال اللَّبِنِ".

قال: "أما إن هذا ليس بشيء، ولكنه يطيب بنفس الحي". وفي بعض النسخ: قوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ

} إلى آخره مقدم على قوله: "باسم الله" في صدر الكلام.

(فإذا فرغ) بصيغة الفاعل، ويجوز علي بناء المفعول، (من دفنه) وفي نسخة:"فَإِذَا فَرَغَ دَفْنُهُ"، (وقف) أي: النبي عليه السلام، (على القبر، فقال: استغفروا) أي: (الله) كما في نسخة صحيحة، (لأخيكم) أي: لذنوب أخيكم المؤمن.

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 379)، وعنه: البيهقي في "الكبرى"(3/ 409) قال الذهبي في "التلخيص" بقوله: "لم يتكلم عليه وهو خبر واه لأن علي بن يزيد متروك". قال الهيثمي (3/ 43): إسناده ضعيف.

قال البيهقي: وهذا إسناد ضعيف

وقد روي في سد الفرجة بالمدرة.

(2)

كذا في (أ)، وفي (ب):"الحبور"، وفي (ج) و (د):"الحثوث".

ص: 1260

(وسلوا) ضبط بالوجهين، أي: اطلبوا (له التثبيت) وفي نسخة صحيحة وهو "أصل الجلال" الموافق لـ "سلاح المؤمن": "بالتثبيت" يجعل الله إياه ثابتًا على التوحيد في جواب الملكين.

(فإنه الآن) أي: الزمان الذي نحن فيه، والقريب (يسأل) أي: عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه، بقولهما: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟.

وفيه إيماء إلى قوله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

وقال الطيبي: "أي: اطلبوا من الله أن يثبته على جواب الملكين بالقول الثابت، وضمن "سلوا" معنى الدعاء، كما في قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] أي: ادعوا له بدعاء التثبيت أي: قولوا: ثبته الله بالقول الثابت"، انتهى. أو قولوا: اللهم ثبته بالقول الثابت.

قال المصنف: "فيه دليل على أن الرُّوح عائد إلى الجسد عَقِيبَ الدفن للسؤال، كما هو مذهب أهل السنة"

(1)

.

(د، مس، ر، سني) أي: رواه أبو داود، والحاكم، والبزار، والبيهقي في "السنن الكبير"، عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه

(2)

قال: "كان

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(2)

أخرجه أبو داود (3221)، أحمد (1/ 63)، وابن ماجه (4267)، الترمذي (2230)، وعبد الله بن أحمد "السنة"(1425)، والبزار (444)، الحاكم (1/ 370): صحيح على شرط الإسناد ولم يخرجاه. =

ص: 1261

النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال:

" [إلخ]

(1)

.

(وَيقْرَأ) بصيغة الفاعل، وفي نسخة علي بناء المجهول، (على القبر) أي: على طرفه، (بعد الدفن: أول سورة البقرة) أي: إلى {الْمُفْلِحُونَ} ، (وخاتمتها. سني) أي: رواه البيهقي في "السنن الكبير"

(2)

، وليس في الهوامش منسوبًا إلى أحد من الصحابة.

والمتبادر أنه من رواية عثمان أيضًا، لكن قال النووي في "الأذكار"

(3)

:

= وقال النووي في المجموع (5/ 292) إسناده جيد.

وصححه ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 331). وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (2758).

(1)

من (ج) و (د).

(2)

السنن الكبرى (4/ 56).

(3)

الأذكار (ص 289) وقال: إسناده حسن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: اختلفوا في القراءة عند القبور: هل تكره، أم لا تكره؟

والمسألة مشهورة، وفيها ثلاث روايات عن أحمد:

إحداها أن ذلك لا بأس به. وهي اختيار الخلال وصاحبه، وأكثر المتأخرين من أصحابه. وقالوا: هي الرواية المتأخرة عن أحمد، وقول جماعة من أصحاب أبي حنيفة، واعتمدوا على ما نقل عن ابن عمر (5) رضي الله عنهما، أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتيح البقرة، وخواتيمها.

ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة.

والثانية: أن ذلك مكروه. حتى اختلف هؤلاء: هل تقرأ الفاتحة في صلاة الجنازة إذا صُلِّيَ عليها في المقبرة؟ وفيه عن أحمد روايتان، وهذه الرواية هي=

ص: 1262

"روينا في "سنن البيهقي": أن ابن عمر استحب أن يقرأ بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها". قال ميرك: "وظاهر إيراده يقتضي الوقف، خلاف ما يقتضيه إيراد الشيخ قدس سرهما"، فتأمل.

= التي رواها أكثر أصحابه عنه، وعليها قدماء أصحابه الذين صحبوه، كعبد الوهاب الوراق وأبي بكر المروزي، ونحوهما، وهي مذهب جمهور السلف، كأبي حنيفة ومالك وهشيم بن بشير وغيرهم، ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام، وذلك لأن ذلك كان عنده بدعة.

وقال مالك: "ما علمت أحدًا يفعل ذلك"، فعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يفعلونه.

والثالثة: أن القراءة عنده وقت الدفن لا بأس بها، كما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما، وبعض المهاجرين، وأما القراءة بعد ذلك -مثل الذين ينتابون القبر للقراءة عنده- فهذا مكروه، فإنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلًا.

وهذه الرواية لعلها أقوى من غيرها، لما فيها من التوفيق بين الدلائل.

والذين كرهوا القراءة عند القبر، كرهها بعضهم، وإن لم يقصد القراءة هناك، كما تكره الصلاة، فإن أحمد نهى عن القراءة في صلاة الجنازة هناك. ومعلوم أن القراءة في الصلاة ليس المقصود بها القراءة عند القبر، ومع هذا فالفرق بين ما يفعل ضمنا وتبعا، وما يفعل لأجل القبر، بُيِّنَ كما تقدم.

والوقوف التي وقفها الناس على القراءة عند قبورهم، فيها من الفائدة أنها تعين على حفظ القرآن، وأنها رزق لحفاظ القرآن، وباعثة لهم على حفظه ودرسه وملازمته، وإن قدر أن القارئ لا يثاب على قراءته فهو مما يحفظ به الدين، كما يحفظ بقراءة الفاجر وجهاد الفاجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 264 - 265).

ص: 1263

ثم اعلم أن التلقين المتعارف بعد الدفن ليس فيه حديث صحيح، ولا قياس صريح؛ ولذا [ما أورده]

(1)

الشيخ، والله أعلم.

(وإذا زار القبور) أي: قبور مقبرةٍ، زيارةً مجملة، (فليقل: السلام على أهل الديار) قال المصنف: "يريد بالديار المقابرَ، وهو جائز لغة". قال الخطابي

(2)

: "إنه يقع على الربع العامر المسكون والخراب"، وأنشد على ذلك قول النابغة، شعر:

* يا ديار مَيَّةَ بالعلياء فالسَّنَدُ *

ثم قال: شعر:

* أقْوَتْ وطال عليها سالف الأَمَدِ *

(3)

انتهى كلامه.

و"مَيَّةُ": اسم امرأة. و"العلياء": بالفتح، أرض مرتفعة، وهي و"السند" موضعان، و"أقوتِ الدارُ" أي: خلت.

(أو: السلام عليكم أهلَ الديار) منصوب على النداء، أو المدح. وفي نسخة مجرور على البدلية. وفي أخرى: مرفوع على المدح.

(من المؤمنين والمسلمين) أي: من الجامع بين [الانقياد]

(4)

الباطن

(1)

كذا في (ج) و (د) وهو الأليق بالسياق، وفي (أ):"لم يورده"، وفي (ب):"ما نفي أورده".

(2)

معالم السنن (1/ 318).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ).

(4)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ):"الانقيادين"، وفي (د):"الانقياد من".

ص: 1264

والظاهر، فالعطف لتغاير الوصفين، نحو قوله تعالى:{تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1]، فإن الجمهور على أن الإيمان والإسلام واحد.

نَعَم، قد يطلق الإسلام على المعنيين جميعًا، كقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران: 19]،، وقد يطلق على الانقياد الظاهري فقط، كقوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] إلا أن الإيمان مستلزم للإسلام، وإن كان الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان بخلاف أحكام الإسلام من حيث أعماله وحصوله إكماله.

وبهذا يتبين قول المصنف: "قيل: فيه دليل على أن المؤمن والمسلم بمعنًى، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظ. وعندي: أنه من عطف العام على الخاص؛ لأن كل مؤمن مسلم، ولا ينعكس. وفي المؤمنين [من هو]

(1)

كامل وناقص"

(2)

.

(وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) بلامين؛ [على أن]

(3)

الأولى للتأكيد في خبر "إن" للتأييد، وفي نسخة على وَفق رواية:"لاحقون".

قال المصنف: "قالوا: التقييد بالمشيئة على سبيل التبرك وامتثال أمر الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}

(1)

من "مفتاح الحصن الحصين" فقط.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ب).

(3)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب):"لأن".

ص: 1265

[الكهف: 23 - 24]". وقال بعضهم: "بل إلى تلك التربية بعينها". وقيل: "خرج مخرج الكلام، كقول القائل: إن أحسنت إلي شكرت إن شاء الله".

وأبعد من قال: إنه كان معه صلى الله عليه وسلم مؤمنون، فخاطب المؤمنين، وكان استثناؤه منصرفًا إلى المنافقين". وعندي؛ أنها تعود على مدلول المؤمنين، أي: على الإيمان، والله أعلم"

(1)

، انتهي.

ولا يخفى أن التوجيه الذي اختاره خلاف ظاهر العبارة، ومع ذلك مبني على مذهب الشافعي وأتباعه في أن الإيمان يدخله الاستثناء، فيقال: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، ومنعه الأكثرون، وعليه أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله.

(نسأل الله لنا ولكم العافية) أي: من العقوبة في الدنيا والآخرة. (م، س، ق) أي رواه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه، عن بريدة بن الحصيب

(2)

، وزاد ابن ماجه في رواية:"أنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون. اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ".

(أنتم لنا فرط) بفتحتين جمع فارط بمعنى: سابق، (ونحن لكم تبع) بفتحتين جمع تبع ولاحق، (س) أي: رواه النسائي عنه أيضًا.

(السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا) أي: بالموت، (والمستأخرين) أي: منا بالحياة بعد،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ أ، ب).

(2)

أخرجه مسلم (974) والنسائي (4/ 94) وابن ماجه (1547).

ص: 1266

والمقصود منهما الإحاطة بالأحياء والأموات من المؤمنين والمؤمنات.

وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24] أي: من استقدم ولادة وموتًا ومن استأخر، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد.

(وإنا إن شاء الله) أي: إذ شاء وحين أراد (بكم)(للاحقون. م، س، ق) أي رواه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة

(1)

.

(السلام عليكم دارَ)[بنصب الدار]

(2)

على النداءِ حلًّا للمكانِ مَحَلًّا للحالِ مجازًا، أو على تقديرِ المضافِ، نحوَ قولِهِ تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، (قومٍ مؤمنين، وأتاكم) بالقصر أي: جاءكم، (ما توعدون غدًا) أي: من الثواب أو العقاب.

وأخطأ الحنفي حيث ضبط بالمد وقال: "من الإيتاء بمعنى الإعطاء"؛ فإنه مخالفة للرواية والدراية، (مؤجلون) بتشديد الجيم المفتوحة، وهو خبر مبتدإٍ محذوف، أي: أنتم مؤجلون باعتبار أجوركم أيضًا.

(وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. م، س) أي رواه: مسلم، والنسائي، عن عائشة أيضًا.

(السلام عليكم دار قوم مؤمنين) قال المصنف: "منصوب على النداء، أي: يا أهل دار، فَحُذِفَ المضافُ وَأُقِيمَ المضاف إليه مقامه". وقيل:

(1)

أخرجه مسلم (975)، وابن ماجه (1547)، والنسائي (4/ 94).

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"نصب الدار"، وفي (ب):"نصب الراء".

ص: 1267

"منصوب على الاختصاص، ويجوز جره على البدل من الضمير في "عليكم"، قاله صاحب "المطالع"، انتهى. و"المطالع" كتاب في علم الكلام، وقيل: في اللغة.

(وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) بلام واحد. (د) أي: رواه أبو داود عن أبي هريرة

(1)

.

(السلام عليكم يا أهلَ القبور) دلّت هذه الروايات على اتحاد سلام الأحياء والأموات، فما ورد من أن:"عليكم السلام سلام الموتى"، مؤول بما بينته في "المرقاة شرح المشكاة".

(يغفر الله لنا) أي: الأحياء، (ولكم) أي: الأموات، (أنتم سلفنا) بفتحتين، قيل:"سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وأقربائه وإخوانه وأقرانه، وبه سمي الصدر الأول بالسلف الصالح".

وقيل: "هو من السلف كأنه أسلفه وجعله ثمنًا للأجر والثواب الذي يجازى عليه بالصبر". والحاصل: أنكم مقدمون علينا في هذا السفر.

(ونحن بالأثر) بفتحتين، وفي نسخة بكسر فسكون، أي: على عقبكم.

(ت) أي: رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (974)، وأبو داود (3237) والنسائي (1/ 93).

(2)

أخرجه الترمذي (1053) وقال: حديث حسن غريب.

في إسناده قابوس بن أبي ظبيان، قال عنه الحافظ: فيه لين، من السادسة، التقريب (5480).

ص: 1268

ثم اعلم أن زيارة الميت كزيارته في حال حياته يستقبله بوجهه، فإن كان في الحياة إذا زاره يجلس منه على البعد؛ لكونه عظيم القدر، فكذلك في زيارته يقف أو يجلس على البعد [منه]

(1)

، وإن كان يجلس منه على القرب في حياته كذلك يجلس بقربه في زيارته

(2)

.

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج):"عنه".

(2)

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (27/ 236): وَهَذ التَّسْوِيَةُ وَالْقِيَاسُ مَا عُرِفَتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ سَافَرُوا إلَى الرَّسُولِ فَسَاعَدُوهُ وَسَمِعُوا كَلَامَهُ وَخَاطَبُوهُ وَسَألُوهُ فَأَجَابَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ وَأَدَّبَهُمْ وَحَمَّلَهُمْ رَسَائِلَ إلَى قَوْمِهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِالتَّبْلِيغِ عَنْهُ: لَا يَكُون مِثْلَهُمْ أَحَدٌ بِالْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ: كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ. فَكَيْفَ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ رُؤيةِ ظَاهِرِ حُجْرَتِهِ مِثْلَهُمْ أَوْ تُقَاسُ هَذه الزِّيَارَةُ بِهَذ الزِّيَارَةِ.

وقال أيضًا: "وأمّا جعل زيارة القبر كزيارته حيًّا؛ فهذا قياس ما علمتُ أحدًا من علماء المسلمين قاسه، ولا علمتُ أحدًا منهم احتجّ في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحيّ المحبوب في الله، وهذا من أفسد القياس؛ فإنّه من المعلوم أنّ مَن زار الحيّ حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك ما لا يحصل لمَن لم يشاهده ولم يسمع كلامه.

وليس رؤية قبره أو رؤية الجدار الذي بني على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه؛ ولو كان هذا مثل هذا؛ لكان مَن زار قبره مثل واحد من أصحابه، ومعلوم أنّ هذا من أباطل الباطل.

لم يأت قول أو فعل من النبي أو السلف الصالح يفيد ذلك.

وغاية الاستدلال بحديث "ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم =

ص: 1269

وإذا زاره يقرأ فاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاثَ مرات، ولو قرأها اثنتي عشْرة مرة لكان أحسن

(1)

، ويقرأ سورة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .

ويقول: آنس الله وحشتكم، ورحم غربتكم، وكفّر سيئاتكم، وتقبل حسناتكم، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]

(2)

.

وربنا اغفر لنا ولوالدينا، ولمشايخنا ولأستاذينا، ولأولادنا

= عليه إلا عرفه ورد عليه السلام" من رواية أبي هريرة.

أخرجه ابن حبان في "المجروحين"(2/ 58)، وتمّام في "الفوائد"(1/ 63)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(6/ 137)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(10/ 380)، (27/ 65)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 911)، جميعهم من طريق الربيع بن سليمان المرادي، عن بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، به. مرفوعًا.

وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4493).

وانظر: روح المعاني، للآلوسي (21/ 78)، ومقدمة الألباني على كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"، ص (38).

(1)

لعله أراد بذلك حديث: "من مر بالمقابر فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إحدى عشرة مرة، ثم وهب أجره للأموات، أعطي من الأجر بعدد الأموات".

وهو حديث موضوع (انظر: السلسلة الضعيفة 1290).

(2)

ذكر هذا الدعاء ابن كثير رحمه الله في التفسير (6/ 326) ونسبه إلى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور.

ص: 1270

ولأحفادنا، ولإخواننا ولأخواتنا، ولأعمامنا ولعماتنا، ولأخوالنا ولخالاتنا، ولسائر أقاربنا، ولأصحابنا ولأحبابنا، ولمن له حق علينا، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات؛ إنك مجيب الدعوات ورافع الدرجات.

اللهم اغفر لأهل البقيع، أو أهل المُعَلَّى ونحوهما، ثم يقول: اللهم صلِّ على روح محمدٍ في الأرواحِ، وصلِّ على جسد محمد في الأجساد، وصلِّ على قبر محمدٍ في القبور، وصل على تربة محمد في الترابِ، وصل على جميعِ الأنبياء والمرسلين، وعلي ملائكتك المقربين، وعلي عبادك الصالحين، وعلي أهل طاعتك أجمعين. ربنا توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، وأدخلنا الجنة، آمين. برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين

(1)

.

(1)

هذه من الصلوات المحدثة المبتدعة، وأفضل الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم ما علمه لأصحابه، وهي الصلاة الإبراهيمية، وقد جاءت بعدة صيغ.

أما هذه الصلوات فهي محدثة مبتدعة، وهل الله يصلي على التربة؟! وهل يصلي على الروضة؟! صلاة الله على عبده هي ثناؤه عليه. قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء. علقه البخاري.

ولو كانت تلك الصلوات المحدثة خيرا لسبقنا إليه أحرص الناس على الخير، أعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم. والله تعالى أعلم.

راجع: القول البديع في الصلاة على الحبيب لابن القيم، وكذلك كتابه الجليل جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام.

ص: 1271

(الذكر الذي ورد فضلُه غيرَ مخصوص بوقت ولا سبب ولا مكان)

اعلم أن لفظ "غير" منصوب على أنه حال من الفاعل، وهو قوله:"فضله"، أو من ضميره.

وأما "الذكر": فهو خبر مبتدإٍ محذوف هو هذا، [أو مبتدأ خبره محذوف هو "هذا"]

(1)

أو مبتدأ والمفعول صفته أو خبره مجموع ما ذكره بعده بقوله: (لا إله إلا الله هي أفضل الذكر) أي: أنواع الذكر، ولا يشكل بالقرآن لأنها من جملته، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].

وقد يقال: إنه أفضل؛ لأن الدخول في الإسلام به حصل، وبدولة الإيمان بسببه وصل، فعلي هذا هي عبارة عن الشهادتين، والاكتفاء بأولى [العمدين]

(2)

وأحرى الجزأين؛ ولذا قيل: إنه علم التوحيد، وبه علم التفريد.

(ت) أي: رواه الترمذي عن جابر، ولفظ "الجامع":"أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله. رواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، عن جابر"

(3)

.

(1)

من (أ) و (ج).

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ):"العبارتين"، وفي (ج) و (د):"العمدتين".

(3)

أخرجه ابن ماجه (3800)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(831)، وابن حبان (846)، والترمذي (3383) والحاكم (1/ 498). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1104) والسلسلة الصحيحة (1497).

ص: 1272

(وهي) أي: الكلمة المذكورة، وهو نقل بالمعنى، والأصل: لا إله إلا الله، (أفضل الحسنات) أي القولية. (أ) أي: رواه أحمد عن بريدة.

(أسعد الناس بشفاعتي من قالها) أي: كلمة "لا إله إلا الله"، قيل:"دل على اشتراط النطق بالتوحيد"، (خالصًا) أي:"مخلصًا" كما في نسخة، (من قلبه أو نفسه) شكٌّ من الراوي، ولفظ "الجامع":"خالصًا مخلصًا من قلبه".

قال البيضاوي: "أسعد هنا بمعنى سعيد؛ إذ لم يسعد بشفاعته مَن لم يكن من أهل التوحيد. أو المراد: من قال ممن لم يكن له عمل يستحق به الرحمة، ويستوجب به الخلاص من النار؛ فإن احتاجه إلى الشفاعة أكثر، وانتفاعه بها أوفر".

وقال العسقلاني: "المراد بهذه الشفاعة بعض أنواعها، وهي التي يقول صلى الله عليه وسلم: "أمتي أمَّتي". فيقال له: "أخرج من النار من كان في قلبه وزن كذا من الإيمان"، فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون إيمانه أكمل.

وأما الشفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف، فأسعد الناس بها من [يستبق]

(1)

إلى الجنة، وهم الذين يدخلونها بغير حساب، ثم الذين يلونهم وهم الذين يدخلونها بغير عذاب بعد أن يحاسبوا ويستحقوا العذاب، ثم من يصيبه فيح النار ولا يسقط فيها".

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"يستبق".

ص: 1273

والحاصل: أن قوله: "أسعد الناس" إشارة إلى اختلاف مراتبهم في السبق إلى الدخول، باختلاف مراتبهم في الإخلاص؛ ولذلك أكّده بقوله:"من قلبه"، مع أن الإخلاص محله القلب؛ لكون إسناد الفعل إلى الجارحة أبلغ في التأكيد.

وبهذا التقرير يظهر موقع قوله "أسعد"، وأنه على بابه من التفضيل، ولا حاجة إلى قول بعض الشراح:"أسعد بمعنى سعيد"؛ لكون الكل يشتركون في شرطية الإخلاص؛ لأنا نقول: يشتركون فيه، لكن مراتبهم فيه متقاوتة، والله أعلم.

(خ) أي: رواه البخاري عن أبي هريرة

(1)

، وفي رواية له:"خالصًا من قِبَلِ نفسه". وهو بكسر القاف، وفتح الموحدة، أي: قال ذلك [باختياره]

(2)

فن غير إكرأه، ولا رياء، ولا سمعة.

ووقع في رواية أحمد وابن حبان وصححه بلفظ: "شفاعتي لمن شهد أن لا إلى إلا الله مخلصًا [يُصَدِّقُ]

(3)

قلبه لسانَه، ولسانه قلبَه".

(يخرج من النار) بفتح ياء وضم راء، كذا في "أصل الجلال"، وفي "أصل الأصيل" وأكثر الأصول بصيغة المجهول من الإخراج، وبهما

(1)

أخرجه البخاري (99)، والنسائي في الكبرى (5842). وأحمد (7/ 302) و (373 و 518)، والحاكم (1/ 70)، وابن حبان (6466).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب). "باختيار".

(3)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"بصدق".

ص: 1274

قرئ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} [الرحمن: 22] في السبعة.

والأكثر على بناء الفاعل في الآية، وعلى البناء المفعول في الحديث؛ لما فيه من النكتة البديعة، لا يفهمها إلا أصحاب الإدراكات السريعة.

وقال العسقلاني

(1)

: "بفتح أوله وضم الراء، ويروى بالعكس، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: "أخرجوا"".

(من قالها) أي: الكلمة الطيبة، (وفي قلبه وزن شعيرة من خير أو من إيمان) الظاهر أنه شك من الراوي، أو اختلاف في الرواية، فـ "أو" للتنويع بأن يكون في رواية:"من خير"، وفي أخرى:"من إيمان"، وهو الأصح لما سيأتي، [فمرادهما]

(2)

واحد، ومعناهما متحد.

والمراد: أن يكون في قلبه شيء قليل من التصديق، وهو الإيمان الإجمالي، وهو على مراتب أيضًا؛ ولهذا قال:(ويخرج من النار من قالها وفي قلبه وزن بُرَّة) بضم موحدة وتشديد راء، أي: حنطة، (من خير أو من إيمان) أو المعنى: من إرادة عمل خير، أو من قصد إكمال إيمان بفعل إحسان

(ويخرج من النار من قالها وقي قلبه وزن ذرّة من خير أو من إيمان) وهي بفتحٍ فتشديد، وفي نسخة بضم فتخفيف، والأُولى هي الأَوْلى، وهي أقل الأشياء الموزونة. وقيل:"هي الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس". ويروى عن ابن عباس أنه قال: "إذا وضعت كفك في التراب ثم نفضتها، فالساقط

(1)

فتح الباري (1/ 104).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"فمؤداهما".

ص: 1275

هو الذر". ويقال: "أربع ذرات وزن خردلة"، كذا ذكره العسقلاني

(1)

.

والأظهر أن يقال: "الخردلة: قدر أربع ذرات"؛ ليوافق الحديث؛ ولقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]، و {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].

هذا، وقد قال المصنف:"بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء، قيل: ليس لها وزن، يراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في الكوة النافذة، وهذا على سبيل المبالغة، وقيل: الذر واحده الذرة، وهو النمل الأحمر الصغير". وقد سئل ثعلبٌ عنها فقال: "إن مئة نملة وزن حبة، والذرة واحدة منها". ويُذكر عن الإمام الكبير شعبة بن الحجاج صَحَّفَهَا بِـ "ذُرَةٍ" وهي من الحَبِّ المعروف، بضم الذال وتخفيف الراء"

(2)

، انتهى.

ولا يخفى أنه لا يظهر وجه تصحيفها، ولا مانع أن يكون من باب اختلاف ألفاظ الرواة مع أن الذرة في الجثة أصغر من الحنطة؛ فلا يخالف المناسبة في الترقي إلى القلة. (خ، م، ت) أي رواه: البخاري، ومسلم، والترمذي، عن أنس

(3)

.

وظاهر إيراد الشيخ -قدس سره- يقتضي أن الحديث مذكور في البخاري بهذه العبارة، وإنه ليس كذلك؛ فإنه أخرج الحديث من طريق

(1)

فتح الباري (1/ 104).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ ب).

(3)

أخرجه البخاري (44)، ومسلم (325) والترمذي (2593).

ص: 1276

هشام، عن قتادة، عن أنس بلفظ:"من خير".

قال: "وقال أبان، عن قتادة، قال: أبنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من إيمان" مكان "من خير".

هذا، ولعله وقع في بعض طرق هذا الحديث:"مثقال ذرة مثقال برة" بدل "وزن ذرة ووزن برة". وتوهم المصنف أنه ذكرهما في "الحصن"، والحال أنهما ليسا موجودين فيه، فقال قوله:"مثقال ذرة، مثقال برة، قال في "النهاية"

(1)

: "المثقال في الأصل: مقدار من الوزن، أي شيء كان من قليل أو كثير، فمعنى مثقال ذرة: وزن ذرة، والناس يطلقونه على الدينار خاصة وليس كذلك"

(2)

.

(ما من عبد) أي: ليس عبد، (قالها ثم مات على ذلك) أي: القول أو الاعتقاد به، (إلا دخل الجنة) أي: ولو آخرًا، (وإن زنى، وإن سرق) بفتح الراء، أي: وإن ارتكب الكبائر النفسية والمالية.

(وإن زنى، وإن سرق) إيماء إلى أن الأول من حقوق الله، والثاني من حقوق العباد، (وإن زنى، وإن سرق) كرر ثلاثًا للتأكيد، وردًّا على الخوارج والمعتزلة حيث يوجبان عذاب صاحب الكبيرة على وجه التأبيد. (م) أي: رواه مسلم عن أبي ذر

(3)

.

(1)

النهاية (1/ 217).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ ب).

(3)

أخرجه مسلم (94).

ص: 1277

(جددوا إيمانكم) أي: أكثروا مما يتجدد ويتحسن به إيمانُكم، (قيل: يا رسول الله، وكيف [نجدد]

(1)

إيماننا؟) أي: تصديقنا دائمًا ثابت معنا، ففيه إيماء إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ولا ينعتق ولا يتجدد حقيقة

(2)

، (قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله) أي: فإنه يتقوى به الإيمان، ويتنور بسببه الإيقان، ويتحصل به مرتبة الكشف ورتبة الإحسان، وكمال الحضور والعرفان.

(أ، ط) أي رواه: أحمد، والطبراني، عن أبي هريرة، ولفظ "الجامع":"جددوا إيمانكم، أكثروا من قول: لا إله إلا الله. رواه: أحمد، والحاكم في "مستدركه"، عن أبي هريرة"

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"يتجدد".

(2)

هذا الكلام مخالف لاعتقاد أهل السنة والجماعة، فلينبه عليه.

(3)

أخرجه أحمد (2/ 359)، ورواه الحاكم (4/ 256)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بأن فيه صدقة ضعيف، وقال الهيثمي في "المجمع" (2/ 211): ومداره على صدقة بن موسى الدقيقي، ضعفه ابن معين وغيره، وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا صدقة الدقيقي، وكان صدوقا. وقال في موضع آخر (1/ 52): رواه أحمد وإسناده جيد، وفيه سُمَيْر بن نهار وثقه ابن حبان. وفي موضع ثالث (10/ 81) قال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. وقال المنذري في "الترغيب": رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن وضعفه.

وذكره ابن عدي في "الكامل"(4/ 76)، والذهبي في ترجمة صدقة في "الميزان"(3/ 429) الألباني في ضعيف الجامع (2626)، والضعيفة (896).

ص: 1278

(ليس لها) أي: لهذه الكلمة، (دون الله) أي: من عنده، (حجاب) أي: مانع، (حتى تخلُص) بضم اللام، أي: حتى تصل (إليه) أي: إلى الله، كقوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] وصعودها إليه كوصولها، مجاز عن قبوله إياها، أو صعود الكَتَبة بصحيفتها إلى حيث أمر الله به من عليين وغيرها.

(ت) أي: رواه الترمذي عن أبي مالك الأشعوي

(1)

.

(قولها) أي: قول لا إله إلا الله (لا يترك ذنبًا) أي: إلا ويمحوه؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، (ولا يشبهها عمل) أي: لأنها أفضل الأعمال، بل ليس للأعمال إلا يها إكمال، أو لا يشبهها عمل من أعمال الظاهر؛ لأنها أفضل أعمال الباطن، أو لأنها ينفع بدون العمل عند أهل السنة بخلاف العكس إجماعًا. (مس) أي: رواه الحاكم عن أم هانئ رضي الله عنها

(2)

.

(1)

أخرجه الترمذي (3518) من رواية ابن عمرو، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي.

في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف كهما قال الحافظ في "التقريب"(3887).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 513)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: زكريا ضعيف وسقط بين محمد وأم هانئ. والحديث حسن كما في "صحيح الترغيب"(1553).

ص: 1279

(لو أن أهل السماوات السبع والأرضين) بفتح الراء ويسكن، (السبع في كِفَّة) بكسر فتشديد فاء، أي: في طرف من طرفي الميزان، (ولا إله إلا الله) أي: ثوابها، أو نورها، أو بطاقتها وهي ورقة كتابتها، (في كفة) أي: في طرف آخر منه، (مالت) أي: هذه الكفة، (بهم) أي: بأهل السماوات والأرضين الواقعين في تلك الكفة، والباء للتعدية، أي: أمالتهم وغلبتهم.

فتفسير بعضهم بقوله: "أي: رجحت وزادت تفسير باللازم".

وفي "القاموس"

(1)

: "الكفة -بالكسر-: من الميزان معروف ويفتح، ومن الصائد: حبالته ويضم، ومن الدف: عوده، وكل مستدير ونقرة يجتمع فيها الماء. وَكُفَّةُ القَمِيصِ بِالضَّمِّ: ما استدار حول الذيل، أو كل ما استطال كحاشية الثوب".

وقال المصنف: "الكفة بكسر الكاف، يعني: كفة الميزان؛ لاستدارتها، وكل مستديرة كفة بالكسر، كما أن كل مستطيلة كفة بالضم.

وقد ورد الوزن في مواضع من القرآن، كقوله تعالى {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 8] الآية، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47]، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون: 102]، وفي الصحيح:"كلمتان ثقيلتان في الميزان"، وحديث البطاقة:"فتوضع البطاقة في كفة".

فالموزون سواء كانت هي الصحائف أو الأعمال تجعل أجسامًا، كما

(1)

القاموس (ص 458).

ص: 1280

يجيء ثواب القرآن في صورة الرجل الشاب، فيقول:"أنا الذي أظمأت نهارك، وأسهرت ليلك".

وكما يجيء ثواب البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان كما سيأتي، وكما في حديث القبر: "يأتيه العمل الصالح في صورة شاب حسن

" الحديث، وكما في إتيان الموت في صورة كبش أملح، وغير ذلك.

وللعلماء في قلب الأعراض أجسامًا قولان؛ منهم من يُجَوِّزُ ذلك، فيكون نفسُ العَمَلِ قُلِبَ عينًا قائمة بنفسها. ومنهم من لم يُجَوِّزُه فيقول: جُعِلَ منه. ومن هذا الباب صعود الأعمال إلى الله تعالى.

وكذلك قد جاء صور الأعمال كما في الحديث الذي يأتي: "إن لـ "سبحان الله"، و"الحمد لله"

" الحديث "دويًّا حول العرش". وهذا ظاهر يشهد له القرآن والحديث، والله أعلم"

(1)

.

(حب، س، ر) أي رواه: ابن حبان والنسائي، كلاهما عن أبي سعيد

(2)

،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 15/ ب، 16/ أ).

(2)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(10670) و (15980) وفي "عمل اليوم والليلة" له (834) و (1141)، وأبو يعلى (393)، وابن حبان (6218)، والطبراني في "الدعاء"(1480)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(128)، وأبو يعلى (1393)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 328).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 82): رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا وفيه ضعف. وقواه ابن كثير في "البداية والنهاية"(1/ 340) بقوله: ويشهد لهذا الحديث البطاقة. =

ص: 1281

والبزار عن ابن عمر.

(ما قالها عبد قط) أي: أبدًا، (مخلصًا) أي: حال كونه مخلصًا، لا منافقًا ولا مرائيًا، (إلا فُتِحَت) بصيغة المجهول مخففًا، وقد يشدد، (له) أي: لأجله، أو لصعود عمله، (أبواب السماء حتى تُفضي) من الإفضاء، بمعنى الوصول، [قال]

(1)

تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، والمعنى: حتى تصعد تلك الكلمة، (إلى العرش) قال المصنف:"بضم التاء، أي: تصل".

(ما اجتنبت الكبائر) بصيغة المجهول من الاجتناب ورفع الكبائر، أي: ما دام مجتنبًا منها، أو تائبًا عنها. وفيه تحذير عن ارتكاب الكبائر، واشعار إلى قوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وإشارة إلى قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. (ت، س، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، والحاكم، عن أبي هريرة

(2)

.

= وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"(6/ 138): رواه النسائي في اليوم والليلة والحاكم من طريق دراج وقال الحاكم: صحيح الإسناد.

وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 267): رواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم كلهم من طريق دراج عن أبي الهيثم عنه وقال الحاكم صحيح الإسناد.

(1)

كذا في (ج)، وفي (أ):"إشارة إلى قوله تعالى"، وفي (ب) و (د):"قوله".

(2)

أخرجه الترمذي (3590)، والنسائي في "الكبرى"(6/ 208)(10669)، والحديث حسن كما في "صحيح الترغيب"(1524).

ص: 1282

(لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت) وهو من زيادة الترمذي، (وهو على كل شيء قدير. من قالها عشْرَ مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل) بفتحتين أو بضم فسكون، أي: من أولاده، وخص لأنه أبو العرب وجد نبينا صلى الله عليه وسلم، فإعتاقهم أفضل من غيرهم.

(خ، م، ت، س، أ) أي رواه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأحمد، عن أبي أيوب

(1)

. وهو كذا بتقديم التاء على السين في "نسخة جلال" وأكثر الأصول.

(ومرة) أي: ومن قالها مرة، (كعتق نسمة) بفتحتين، أي: كان قولها كإعتاق مملوك من ولد إسماعيل، أو أعم منهم

(2)

.

قال المصنف: "بفتح النون والسين: النفس والروح، أي: كعتق ذي روح، وكل دابة فيها روح فهي نسمة، ولكن المراد: الناس، والله أعلم"

(3)

.

قلت: وفي "القاموس"

(4)

: "النسمة محركة: نفس الروح والإنسان

(1)

أخرجه أحمد (5/ 422)، والبخاري (6404)، ومسلم (2193)، والترمذي (3584)، والنسائي في (عمل اليوم والليلة)(24).

(2)

لفظ الحديث لا يستقيم وتخصيص النفس بولد إسماعيل، والظاهر هو القول الثاني وهو العموم، وهو ما رجحه المؤلف هنا، ويدل عليه أيضًا قوله إبن الجزري الآتي في كلام المؤلف، والله أعلم.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(4)

القاموس المحيط (ص 1162).

ص: 1283

والمملوك، ذكرًا كان أو أنثى"، انتهى. فالحمل على المعنى الأخير أولى.

(أ، مص) أي رواه: أحمد، وابن أبي شيبة؛ كلاهما عن البراء بن عازب

(1)

.

(ومئة مرة) أي: ومن قالها مئة مرة، (كانت) أي: تلك الكلمة أو المئة المرة، (له عِدْل عشر رقاب) بكسر العين، وفي نسخة صحيحة بفتحها، أي: مثل عتق عشْر رقاب، وهي رقبة بمعنى العنق في الأصل، فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان؛ تسمية للشيء ببعضه.

وفي "النهاية"

(2)

: "العدل -بالكسر وبالفتح في الحديث- وهما بمعنى المثل، وقيل: هو بالفتح ما عادله من جنسه، بالكسر: ما ليس من جنسه، وقيل: بالعكس".

(وكتبت له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حِرْزًا) بكسر الحاء المهملة وسكون الراء فزاي، هو التعويذ على ما في "المهذب"، والموضع الحصين على ما ذكره الطيبي، وقال المظهر:"أي: حفظًا ومنعًا".

(من الشيطان، ولم يأت أحد [بأفضل]

(3)

مما جاء به إلا أحد عَمِل أكثر من ذلك. عو) أي: رواه أبو عوانة، ولم ينسب في الهوامش إلى أحد من الصحابة.

(1)

أخرجه أحمد (4/ 285 و 296 و 300 و 304)، وابن حبان (5096)، والترمذي (1957) وقال الترمذي: حسن صحيح. والحديث في "صحيح الترغيب"(1535).

(2)

النهاية (3/ 191).

(3)

في (م): "بمثل".

ص: 1284

وقال ميرك: "هذا الحديث رواه الجماعة إلا أبا داود؛ كلهم عن أبي هريرة، فلا أدري كيف عزاه الشيخ إلى "مسند أبي عوانة"؟! "

(1)

.

(هي التي علمها نوح ابنه) أي: سامًا أو حامًا أو يافثًا لا كنعان، فإنه ليس من أهله. ثم رأيت أن ميرك شاه رحمه الله قال:"المراد به سام أبو العرب، وَصِيُّ نوح بعده عليه السلام ".

(فإن السماوات) يحتمل أن يكون من تتمة التعليم، أو ابتداء كلام على وجه التعليل للتتميم، (لو كانت في كفة) أي: وتلك الكلمة في كفة أخرى (لرجحت بها) أي: غلبتها وزادت عليها، والضمير للسماوات.

(ولو كانت) أي السماوات، (حَلْقة) بفتح فسكون، أي: كحلقة من حديد أو غيره، ووضعت تلك الكلمة باعتبار جسم ثوابها على تلك الحلقة (لضمتها) بتشديد الميم، أي: لجعلت الكلمة المذكورة تلك الحلقة المسطورة مضمومة، بأن يصير بعضها منضمًّا إلى بعض آخر منها، لثقل تلك الكلمة على الحلقة.

وفي رواية وهي نسخة أيضًا: "لفصمتها"، بفتح الفاء والصاد والميم، أي: لكسرتها بلا انفصال. (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة، عن جابر

(2)

.

(لا إله إلا الله، والله أكبر، كلمتان إحداهما ليس لها نهاية) كذا في "أصل

(1)

أخرجه أحمد (2/ 302 و 375)، والبخاري (6403)، (3293)، ومسلم (2691)، والترمذي (3468)، وابن ماجه (3798). والنسائي في "الكبرى"(9769).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30038).

ص: 1285

الجلال"، وأكثر النسخ، وفي "أصل الأصيل": "ليس لأحديهما نهاية".

(دون العرش) أي: "لا إله إلا الله" بقرينة الحديث السابق كما ذكره ميرك، (والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض) أي: نورًا، أو ثوابًا، أو لو فرض كونها جسمًا. (ط) أي: رواه الطبراني، عن معاذ.

(وهما) أي: الكلمتان السابقتان، (مع لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما على الأرض أحد يقولها) أي: الكلمات الثلاث، (إلا كفِّرت) بتشديد الفاء المكسورة، أي: محيت، (عنه خطاياه ولو كانت) أي: خطاياه، (مثل زبد البحر) أي: في الكثرة، وفيه إيماء إلى أن عفوه سبحانه بمنزلة البحر العظيم، وأن جميع الذنوب في مرتبة الزبد بالنسبة إلى ذلك الجسم الجسيم، فعند موج العناية تضمحل ذنوب أهل البداية والنهاية.

(ت، س) أي رواه: الترمذي، والنسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص

(1)

.

(ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله إلا حرمه الله) بتشديد الراء، أي: منعه، (من النار) أي: من دخولها، أو من [عذابها]

(2)

، أو من خلودها. وفي نسخة:"على النار"، (حديث معاذ) أي:

(1)

أخرجه الترمذي (3460)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(822)، والحاكم (1/ 513)، وأحمد (2/ 158) و (211)، والحديث حسن كما في "صحيح الترغيب"(1569).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"عقابها".

ص: 1286

هذا الذي تقدم حديث معاذ، أي: مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد سماعه.

(قال: يا رسول الله، أفلا أخبر الناس) أي: ألا أبشرهم، أي: أفلا أعلِمُهُمْ بهذا الحديث فيستبشروا، أي: فيفرحوا، وهو منصوب بحذف النون في جواب الاستفهام أو النفي.

(قال: إذًا) بالتنوين، (يتكلوا) بتشديد الفوقية وكسر الكاف، أي: يعتمدوا، وهذا من قبيل:"إذًا أكْرِمَكَ" بالنصب في جواب: "أنا أُحسن إليك"، فكأنه قال: إن أحسنت إليَّ أُكْرِمْكَ، فهو جواب وجزاء.

فالمعنى: إن بشرتهم وأخبرتهم بهذا الحديث اتكلوا على مجرد هذه الكلمة، وفتروا عن أداء سائر أنواع العبادة. وعند بعض الرواة:"ينكلوا" بإسكان النون وضم الكاف أي: يمتنعوا من العمل أعتمادًا على ما يتبادر من ظاهره.

ثم اعلم أنه ورد على ظاهر الحديث إشكال، وهو أن الأدلة القطعية عند أهل السنة دلت على أن طائفة من عصاة المؤمنين الموحدين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة.

وأجيب: بأن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: أن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة، ولأجل خفاء ذلك لم يُؤْذِنْ لمعاذ بالتبشير. وقيل:"إنه مطلق مقيد بمن قالها تائبًا ثم مات".

وقال الحسن: "معناه: من قال الكلمة وأدى حقها". وقيل: "المراد

ص: 1287

تحريم خلود في النار لا أصل دخولها". وقيل: "إن ذلك قبل نزول الفرائض"، وفيه نظر؛ لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض.

وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى الأشعري، رواه أحمد بإسناد حسن. وكان قدومه في السنة التي قدم [فيها]

(1)

أبو هريرة. وقيل: "إنه خرج مخرج الغالب؛ لأن الموحدين يعملون الطاعات، ويجتنبون السيئات".

قيل: "ويحتمل أن يكون المراد أن الموحدين يستحقون أن يحرم عليهم النار لولا أن يمنع مانع".

(وأخبر [بها]

(2)

معاذ عند موته) أي: لبعض أصحابه المخصوصين، المخلصين، المعتمدين بأنهم لا يعتمدون على ظواهر الأحاديث، لا لعموم الناس، فلا يكون فيه مخالفة [النهي]

(3)

. والضمير في "موته" لمعاذ، لا للنبي صلى الله عليه وسلم، كما توهم بعضهم.

(تأثمًا) بالنصب؛ على أنه مفعول له، أي: خروجًا عن عهدة إثم كتمان العلم الوارد فيه الوعيد؛ [لقوله]

(4)

صلى الله عليه وسلم: "من كتم علمًا، ألجم بلجام من نار"

(5)

.

(1)

من (أ) فقط.

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج) و (م)، وفي (د):"به".

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"للنهي".

(4)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"بقوله".

(5)

أخرجه أبو داود (3658)، والترمذي (2649)، وقال: حديث حسن. وقال الحاكم في "المستدرك"(1/ 101): هذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين =

ص: 1288

فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] ".

(ألقاها إلى مريم) جملة استئنافية مبنية لأمره وشأن أمه، والمعنى: أوصلها إليها، وحصلها فيه، والضمير إلى الكلمة المراد بها عيسى، (وروح منه) أي: لما كان له من إحياء الموتى.

وقيل: لأنه ذو روح، وجسد من غير جزء من ذي روح، كالنطفة المنفصلة من الحي. وإنما اخترع اختراعًا من عند الله سبحانه، وإشارة إلى أنه [مقرّبه]

(1)

، كما قال تعالى في حقه:{وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 45 - 46]، وهذا كله من كرمه وجوده في تكميل وجوده، ففيه تعريض لليهود في حطهم إياه عن منزلته، وتنبيهٌ للنصارى على أنه من جملة مخلوقاته.

والحاصل: أنه ليس من أب، وإنما نفخ في أمه الروح. وقيل:"الروح بمعنى الرحمة". وقيل: "أي.: مخلوق من عنده"، وعلي هذا تكون إضافته إليه سبحانه تشريفًا، كناقة الله، وبيت الله، وإلا فالعالم كله له سبحانه، ومِن عنده تعالى.

(وأن الجنة حق) أي: ثابتة وموجودة، وهو مصدر للمبالغة في حقيقتها وحقيتها، (والنار) بالنصب ويرفع، (حق) المراد بهما الإيمان باليوم الآخر والبعت بعد الموت، وسائر مواقف يوم القيامة، من الميزان

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"مقرب".

ص: 1289

(من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده) على ما في الأصول المعتمدة، أي: منفردًا [لا يشاركه في وحدانيته أحد]

(1)

، (وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله) أي: [الخالص]

(2)

المشرَّف بوصف الرسالة والعبودية، وفيه تعريض بالنصارى، وإيذان بأن إيمانهم مع القول بالتثليث أو الابنيّة

(3)

له سبحانه شرك محض لا يخلصهم من النار.

(وابن أمته) أي: جاريته الصالحة المستفادة من الإضافة التشريفية، ففيه ردٌّ على اليهود في بهتانهم، وعلى النصارى في إثبات الصاحبة له تعالى، وتقرير لعبوديته.

(وكلمته) سمي بالكلمة لغاية فصاحته، أو فَرط استغراب الكلام منه حال طفوليته، كما سُمي العادل عدلًا للمبالغة، والإضافة والتعظيم، أو لأنه حجة الله على عباده، أبدعه من غير أبٍ، وأنطقه فتكلم من غير أوانه، وأحيا الموتى على يده.

وقيل: "لما انتفع بكلامه سمي بها، كما يقال: فلان سيف الله، وأسد الله". وقيل: "إشارة إلى ما خصه الله تعالى بقوله في صغره: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ

} [مريم: 30] إلى آخره، أو لأنه خلق بكلمة "كن"، كما قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ}

(1)

من (أ) فقط.

(2)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"الخاص".

(3)

مصدر من البنوة، أي: وصفه سبحانه بأن له ابنًا، تعالى الله عما يصفون.

ص: 1290

في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء".

رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن حبان في "صحيحيهما". وقال الترمذي واللفظ له:"حسن غريب". وقال الحاكم: "على شرط مسلم".

كذا ذكره بعض المحققين، ولم يذكر المصنف الترمذي، ولعل المراد بهذه الكلمة غير كلمة الإقرار، فإنها شرط أو شطر للإيمان على ما اختلف فيه ذوو الإيقان، فلو كانت هذه تلك، لعمت المؤمنين، وصار كلهم ناجين.

وقد تواترت الأحاديث بأن بعضهم يكونون معذبين، ثم لا شك في صدور تكرار هذه الكلمة أيضًا في أفراد المسلمين، فالمراد بها كلمة خالصة [مخلصة]

(1)

خالية عن رياء وسمعة، وعن صميم قلب وحضور رب تعلق بها القبول، وحصل بها الوصول، فكان كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] ولذا قال عمر رضي الله عنه: "لو كانت لي حسنة واحدة لكفتني لهذه الآية".

وحاصله: ما قال بعض العارفين: "إن الله سبحانه وعز شأنه أبهم الساعة المرجوة في ساعات الجمعة، وليلة القدر في ليالي السنة، وتعلق القبول والرضا بالحسنة، والسخط والغضب بالسيئة، والولي مستور بين أفراد الخليقة؛ لما فيه من الحكمة البليغة".

(1)

من (ج) و (د) فقط.

ص: 1291

وفي "النهاية": "يؤتى برجل يوم القيامة، ويخرج له بطاقة فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وفي نسخة زيادة: "وحده"، (وأن محمدًا) وفي نسخة صحيحة: "وأشهد أن محمدًا"، (عبده ورسوله. ق، حب، مس) أي رواه: ابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، عن عبد الله بن عمرو بالواو

(1)

.

قال المصنف في "تصحيح المصابيح": "هذا حديث حسن عظيم، رجال إسناده موثوقون"، انتهى.

ولفظ الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سيُخْلِصُ رجلًا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، وينشر عليه تسعة وتسعين سجلًّا، كل سجل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ ظلمك كتيتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم.

فتخرج بطاقة فيها: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". فيقول: أحضر وزنك. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع كل السجلات؟ قال: فإنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة

(1)

أخرجه الترمذي (2639)، وابن ماجه (4300) وأبن حبان (225)"الإحسان"، وأحمد (2/ 213) و (222)، والطبراني في الأوسط (4725) والكبير (13: 19) رقم (70)، والدعاء (1482)، والبيهقي في "الشعب"(283)، وصححه الحاكم (1/ 529) انظر "الأحاديث الصحيحة"(135). والحديث في "صحيح الترغيب"(1533).

ص: 1292

(وحديث البطاقة) بكسر الموحدة، أي: القطعة على ما في "السلاح".

وقال المصنف: "بكسر الباء، رقعة صغيرة تثبت فيها مقدار ما يجعل فيه. قيل: سميت بذلك لأنه يُشَبَّهُ بـ "طاقة من الثوب"، فعلي هذا الباء زائدة"

(1)

، انتهى.

وفي "النهاية"

(2)

: "البطاقة: رقعة صغيرة تثبت فيها مقدار ما يجعل فيه إن كان عينًا فوزنه أو عدده، وإن كان متاعًا فثمنه. قيل: سميت بذلك لأنها تُشَدُّ بطاقة من الثوب، فتكون الباء حينئذ زائدة".

قال الحنفي: "ولعل ما وقع في نسخ "المفتاح": "تشبه" بدل "تشد" سهو من النساخ". قلت: هذا بعيد لاتفاق النسخ، مع أن التشبيه أيضًا صحيح، فالسهو غير صريح.

(التي تثقل بالتسعة والتسعين سجلًّا)"بكسر السين والجيم وتشديد اللام، وهو الكتاب الكبير"

(3)

، ذكره المصنف. أي: تغلب السجلات، وتصير ثقيلة بسبب خفتها.

(كل سجل مَدّ البصر) بفتح الميم وتشديد الدال المضمومة، أي: قدر ما يراه الناظر، وهو عبارة عن طول كل سجل وعرضه، (أشهد) أي في البطاقة:"أشهد"(أن لا إله إلا الله).

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(2)

النهاية (1/ 135).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

ص: 1293

قال المصنف: "أي: خروجًا من الإثم وتجنبًا له. يقال: تأثم فلان، إذا فعل فعلًا خرج به من الإثم، كما يقال: تحرج إذا فعل ما يخرج [به]

(1)

من الحرج"

(2)

، انتهى.

قيل: "وإنما رواه معاذ مع كونه منهيًّا؛ لأنه علم أن هذا الإخبار يتغير بتغير أهل الزمان، والقوم كانوا حديثي عهد بالإسلام، لم يعتادوا تكاليفه، فلما تثبتوا أخبرهم، أو رواه بعد ورود الأمر بالتبليغ".

(خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم، عن أنس

(3)

.

(من شهد بها) أي: بهذه الكلمة، (وهي: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، كذلك) أي: كما هو مقتضى هذه الكلمة وحقها، أو كما هو حق الشهادة، (حرمه الله على النار) أي: منعًا مطلقًا أو مقيدًا بالخلود. (م، ت) أي رواه: مسلم، والترمذي، عن عبادة بن الصامت

(4)

.

= ولم يخرجاه. وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/ 254): حسنه الحاكم وصححه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعًا وهو عند الحاكم أيضا وغيره وصححه عن ابن عمر. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(120).

(1)

من (ج) فقط.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(3)

أخرجه البخاري (128)، (5967)، (6500)، ومسلم (32).

(4)

أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28)، والنسائي في الكبرى (10970، 11132).

ص: 1294

والصراط وغيرهما، ففيه ردٌّ على الزنادقة ومنكري الحشر.

(أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء) أي: أراد الله سبحانه، أو شاء القائل بها.

(خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي؛ كلهم عن عبادة بن الصامت، وفي نسخة بتقديم "الميم"

(1)

.

(من شهد) وفي رواية مسلم: "من قال: أشهد"، (أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له) تأكيدان، وهما من رواية البخاري [والنسائي]

(2)

، (وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله) هذا أيضًا من روايتهما، وزاد مسلم:(وابن أمته) وتقدم الكلام عليه.

وكذا قوله: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة) وفي رواية مسلم: "وأن الجنة"، (حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان) حال من الضمير المفعول في "أدخله"، والمعنى كائنًا على ما كان، (من عمل) أي: من صلاح أو فساد؛ لأن أهل التوحيد لا بد لهم من دخول الجنة.

ويحتمل أن يكون معناه: يدخل أهل الجنة على حسب أعمال كل منهم في الدرجات. كذا حققه الشيخ ابن حجر العسقلاني

(3)

، والأول

(1)

أخرجه البخاري (3435) ومسلم (28) والنسائي في عمل "اليوم والليلة"(1130).

(2)

من (أ) و (ج) فقط.

(3)

انظر فتح الباري (6/ 475).

ص: 1295

أظهر؛ ولذا قيل: في هذا الحديث دليل على المعتزلة في أمرين:

أحدهما: أن عصاة أهل القبلة لا يخلدون في النار؛ لعموم قوله: "من شهد".

وثانيهما: أنه تعالى يعفو عن السيئات قبل التوبة واستيفاء العقوبة؛ لقوله: "على ما كان من عمل".

(أو: من أبواب الجنة الثمانية، أيِّها) بالجر، أي: أي أبوابها، (شاء. خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن عبادة أيضًا

(1)

.

قال ميرك: "ظاهر إيراد الشيخ يقتضي أن لفظ "أو داخل في الحديث إما للشك، أو للتنويع، وليس كذلك في أصل البخاري، فإنه روى الحديث من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عمير بن هانئ، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله:"على ما كان من عمل".

ثم قال البخاري: "قال الوليد -أي: ابن جابر- عن عمير، عن جنادة، وزاد: "من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء".

والظاهر: أن مراد البخاري أن رواية الأوزاعي انتهت إلى قوله: "من عمل"، وزاد ابن جابر، عن عمير، عن جنادة جملة: "من أبواب الجنة

" إلى آخره. وليس في الروايتين شك ولا تخيير ولا تنويع"، انتهى.

(1)

أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28)، والنسائي في الكبرى (10970، 11132).

ص: 1296

فتأويل إيراد الشيخ أنه "أدخله الله الجنة على ما كان من عمل" أي: في رواية فقط، أو:"من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء" في رواية أخرى بهذه الزيادة، فـ "أو" للتنويع إشعارًا باختلاف الرواية.

(كان صلى الله عليه وسلم يقول) أي: أحيانًا، (لا إله إلا الله وحده) أي: لا شريك له، (أعزَّ جنده) أي: جعله غالبًا، (ونصر عبده، وغلب الأحزاب) وهي الطوائف المجتمعة على محاربة الأنبياء، على ما قاله صاحب "الصحاح".

(وحده) أي: من غير قتال من الآدميين، كما وقع يوم الأحزاب في قصة الخندق، حيث قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9].

(فلا شيء) أي: في نظر العارف، (بعده) أي: بعد وجوده، وحصول شهوده، ورؤية كرمه وجوده، فالكل منه وإليه؛ فيجب التوكل والاعتماد عليه؛ إذ لا نفع ولا ضر لغيره؛ فلا يطلب النصر إلا من عنده.

وهذا المعنى ونحوه هو المناسب للمقام على وَفق المرام، بخلاف ما قيل من أن معناه: فلا شيء باق بعده، فهو بمعنى الآخر، لكنه خلاف الظاهر، مع ما فيه من الإيهام المتبادر.

وقال بعض شراح الحديث: "اختلفوا في المراد بالأحزاب ها هنا، فقيل: هم كفار قريش ومن وافقهم من العرب واليهود الذين تحزبوا واجتمعوا في غزوة الخندق، ونزلت في شأنهم الآيات في سورة الأحزاب، فاللام إما جنسية والمراد: كل من تحزب من الكفار، أو عهدية والمراد

ص: 1297

من تقدم وهو الأقرب".

وقال النووي: "هذا هو المشهور. وقيل: فيه نظر؛ لأنه يتوقف على أن هذا الذكر إنما شرع من بعد غزوة الخندق؛ لظاهر قوله تعالى في الأحزاب: {وَرَدَّ اللَّهُ} .

وقال القرطبي: "يحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء، أي: اللهم اهزم الأحزاب، والله أعلم". كذا ذكره ميرك.

(خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن أبي هريرة

(1)

.

(حديث الأعرابي) أي: البدوي الذي قال: يا رسول الله، (علمني كلامًا أقوله) أي: وألازم وأداوم عليه، (قال: قل: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا) حال مؤكدة من الضمير في "أكبر"، (والحمد لله كثيرًا) مفعول مطلق، أي: حمدًا كثيرًا.

(سبحان الله) وفي نسخة: "وسبحان الله"، وفي أخرى:"وسبحان الله"(رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم) وفي رواية البزار: "العلي العظيم"، كذا في الهوامش من النسخ، فكان ينبغي أن يلحق برمز مسلم في آخر الحديث، وفي نسخة: رمز البزار بعد قوله: إلا بالله، وهو ليس في "أصل جلال".

فحاصله: أن رواية البزار انتهى إلى هنا، بخلاف رواية مسلم، والله أعلم.

(1)

أخرجه البخاري (4114)، ومسلم (2724)(77)، والنسائي في "الكبرى"(11400).

ص: 1298

ثم زاد في "المشكاة": "قال -أي: الأعرابي-: فهؤلاء -أي: هذه الكلمات- لربي، فما لي؟ "، فقال:[قل]

(1)

: (اللهم اغفر لي) أي: بمحو السيئة، (وارحمني) أي: بتوفيق الطاعة، (واهدني) أي: ثبتني على الهداية، أو دلني على طريق النهاية، (وارزقني) أي: علمًا نافعًا ومالًا حلالًا.

وزاد في "المشكاة": "أو عافني"، بشك الراوي في زيادة "عافني"، أي: خلصني من التعلق بالخلق فيما لا ينفعني، واصرفهم عني فيما يضرني.

(م) أي: رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، وفي هامش نسخة:"رواه مسلم والبزار عن سعد"

(2)

.

(من قال: سبحان الله وبحمده، كتبت له) بصيغة المجهول، أي: أثبتت تلك الكلمة أو الجملة لقائله (عشْرًا)، أي: عشْر حسنات، (ومن قالها عشرًا، كتبت له مئة، ومن قالها مئة، كتبت له ألفًا) أي: بمقتضى قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، وهذا أقل ما ورد من أنواع المضاعفة، (ومن زاد) أي: على المئة، (زاده الله) أي: بهذا الحساب المرة بعشر، ذكره المصنف

(3)

.

(1)

في (ج) و (د) فقط.

(2)

أخرجه مسلم (2696).

وأخرجه البزار (1161) وقال الهيثمي: قلت: هو في الصحيح خلا قوله: "العلي العظيم". رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16 / أ).

ص: 1299

(ت، س) أي رواه: الترمذي، والنسائي، كلاهما عن ابن عمر رضي الله عنهما

(1)

.

(من قالها مئة مرة حُطَّت) بصيغة المجهول، أي: وضعت ومحيت، (خطاياه، وإن كانت) أي: ولو كانت الخطايا (مثل زبد البحر) أي: في الكثرة والعظمة.

(عو) أي: رواه أبو عوانة عن أبي هريرة، والحديث متفق عليه كما في "المشكاة"، فكأن المصنف غفل عنهما؛ فنسب إليه.

(2)

وقال ميرك: "رواه البخاري من حديث أبي هريرة، ولا أدري وجه رقم أبي عوانة".

(هي أحب الكلام إلى الله. م، ت، س، مص) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي شيبة، عن أبي ذر

(3)

.

(وهي) أي كلمة: "سبحان الله وبحمده"(أفضل الكلام الذي اصطفى الله) أي: اختاره من الذِّكْر، (لملائكته)، وأمرهم بالمداومة عليه ومواظبته لغاية فضله، وليس في الحديث ما يدل على حصره؛ فاندفع قول

(1)

أخرجه الترمذي (3470)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (160) وقال الترمذي: حسن غريب وقال الألباني ضعيف جدًّا انظر: السلسلة الضعيفة (4067).

(2)

أخرجه البخاري (6405)، ومسلم (2691).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 161) وابن أبي شيبة (30031) ومسلم (2731)، والترمذي (3587)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(824).

ص: 1300

الحنفي: "يعلم منه أن الملائكة يتكلمون بهذه الكلمة لا غير"، انتهى.

وقد ثبت عنهم كلمات أُخَرُ من الأذكار والتسبيحات والدعوات، ليس هذا محل بسطها. (م، عو) أي رواه: مسلم، وأبو عوانة، عن أبي ذر أيضًا.

(هي التي أمر نوح بها) أي: بمداومتها ومواظبتها، (ابنه) المراد به: سام أبو العرب، وصي نوح بعده عليهما السلام، (فإنها صلاة الخلق) أي: عبادة جميع المخلوقات من الحيوانات والنبات والجمادات؛ لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النحل: 49].

(وتسبيح الخلق) اللام للإستغراق أيضًا، فلا تخرج ذرة من ذرات الكائنات إلا وهي مسبحة لله، خاضعة لأمره، منقادة لحكمه، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ

} [الإسراء: 144] الآية.

والتسبيح بالمقال عند أرباب الكمال من الأحوال؛ لقوله تعالى: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]. وقيل: بلسان الحال؛ حيث يدل على وجود الصانع، وعلى قدرته وحكمته، كما قيل:

ففي كلّ شيءٍ له آيةٌ

تدلُّ على أنّه واحدُ

ولا مَنْعَ من الجمع، وقد جمع الله بينهما في قوله:{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41]، (وبها) أي: ببركتها، (يرزق الخلق) أي: بنعمة الإمداد بعد تحقق الإيجاد. (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن جابر

(1)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30038).

ص: 1301

(من قالها غُرِسَت) بصيغة المفعول، أي: خلقت أو أنبتت؛ لما في الرواية الآتية: ["نبتت"]

(1)

، (له شجرة في الجنة. ر) أي: رواه البزار عن ابن عمرو، بالواو.

(من هاله الليل أن يكابده) قال المصنف: " [من هاله]

(2)

من الهول، وهو الأمر الشديد، ويكابده؛ أي: يقاسي شدته"

(3)

، انتهى. وفي "القاموس"

(4)

: "هاله: أفزعه".

فالمعنى: من أفزعه الليل من أن يكابده، ويعالج سهره، ويواظب سحره، ويجوز كون "أن يكابده"[بدلًا]

(5)

من "الليل"، والأول أظهر، وتقدير "مِنْ" قبل "أن" أشهر، خلافًا للحنفي، حيث قال:"أو لام التعليل مقدر، وهو في مقام تعليل هول الليل مقرر، وكذا إعراب ما بعده محرر".

(أو بخل بالمال أن ينفقه) أي: في سبيل الله، (أو جَبُنَ) بضم موحدة على ما في الأصول المعتبرة، ويؤيده اقتصار "القاموس"

(6)

عليه، حيث قال:"جبن ككرم جبنًا بالضم، وبضمتين".

(1)

كذا في (ب) و (د)، وفي (ج):"نبت".

(2)

من (أ) و (ج) فقط.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(4)

القاموس المحيط (ص 1073).

(5)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"بدل".

(6)

القاموس (1/ 1185).

ص: 1302

وقال المصنف: "بضم الباء وفتحها، من الجبن، وهو ضد الشجاعة"

(1)

، انتهى. والظاهر أن الفتح سهو قلم.

والمعنى [من خاف]

(2)

: (عن العدو أن يقاتله فليكثر) أمر من الإكثار (منها) من تلك الكلمة (فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب تنفقه في سبيل الله) بالخطاب، وفي نسخة صحيحة: بالغَيْبة، وهو الظاهر، وفي نسخة أنه بالتاء الفوقانية "أصل الأصيل"، وفي حاشية: أن الظاهر بالياء التحتانية كما في بعض النسخ، لكن صحح في "أصل الأصيل" و"الجلال" بالتاء الفوقانية، وقال ميرك:"قوله: "تنفقه" كذا وقع في أصل سماعنا، وأصل مولانا جلال الدين القائني بالتاء المثناة الفوقانية، ووقع في بعض النسخ بالتحتانية"، انتهى.

ولعله وقع الخطاب للراوي على جهة الإلتفات، ولا يبعد أن يكون على صيغة الغائبة، والمعنى: تنفقه النفس في مرضاة الله. (ط) أي: رواه الطبراني عن أبي أمامة

(3)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(2)

من (ج) و (د) فقط.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 194 رقم (7795) وفي مسند الشاميين (174) قال الهيثمي (10/ 94): فيه سليمان بن أحمد الواسطي، وثقه عبدان، وضعفه الجمهور، والغالب على بقية رجاله التوثيق.

والحديث صحيح لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1541).

ص: 1303

(أحب الكلام إلى الله: سبحان ربي وبحمده. عو) أي: رواه أبو عوانة عن أبي ذر

(1)

.

(من قال: سبحان الله العظيم نبت) بفتح الموحدة، أي: ظهر (له غرس) بفتح فسكون، بمعنى مغروس أي: شجرة (في الجنة. أ) أي: رواه أحمد عن معاذ بن أنس

(2)

.

(من قال: سبحان الله) زاد ابن أبي شيبة وصف: "العظيم"، (وبحمده؛ غرست له نخلة في الجنة) دلّ على أن [التمرة]

(3)

من ثمرة الجنة، كما قال تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وخصت النخلة: لكثرة منافعها، وطيب طعمها، وكثرة ميل العرب إليها.

وقد قال العلماء: إنما خص النخلة؛ لأنها أنفع الأشجار وأطيبها؛ ولذلك ضرب الله تعالى مثل المؤمن وإيمانه بها وثمرتها في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} [إبراهيم: 24] الآية.

والكلمة الطيبة في الآية: كلمة التوحيد، على ما ذكره الطيبي. قيل:"والخبيثة هي الحنظل".

(ت، س، حب، مس، مص) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (35043) وأحمد (5/ 161) ومسلم (27314).

والبزار (3967)، والإسماعيلي في معجمه (3/ 748).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 440) الطبراني في "معجمه الكبير"(20/ 198) رقم (445).

(3)

كذا في (ج) و (د): "التمرة"، وفي (أ) و (ب):"الثمرة".

ص: 1304

حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة؛ كلهم عن جابر. وفي نسخة:"حب، مس، مص، ت، س"

(1)

.

(فإنها عبادة الخلق) هذا كالتفسير لما سبق من قوله: "فإنها صلاة الخلق"، (وبها تقطع أرزاقهم) أي: تقسم وتقدر، وهو بصيغة المجهول من الإقطاع لا من القطع، وأصل الإقطاع: تسويغ الإمام من مال الله شيئًا لمن يراه أهلًا لذلك، ثم استعمل في كل ما يعين للشخص، وهذا معنى ما تقدم من قوله:"وبها يرزق الخلق".

(ر) أي: رواه البزار عن ابن عمرو، بالواو، والظاهر أن هذا من تتمة الحديث السابق، فكان حق المصنف أن يذكر رمزه فيما تقدم، والله أعلم

(2)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30029) أبو داود (1453)، والترمذي (3464) و (3465)، وقال: حسن غريب. والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(827)، وابن حبان (826)، والحاكم (1/ 501، 512).

قال الحافظ في "النتائج"(1/ 102): أخرجه هو والنسائي من وجه آخر عن حجاج ورجاله ثقات لكن فيه عنعنة أبي الزبير. لكنه حسنه بالشواهد. قلت ما لم يسمعه أبو الزبير عن جابر فإنما هو من صحيفة سليمان بن في اليشكري كما في الجرح والتعديل (4: 136)، وسليمان ثقة، وما لم يسمعه أبو الزبير من جابر فإنما هو من كتاب سليمان بن قيس اليشكري من كبار أصحاب جابر الثقات وجادة، وهي وجادة صحيحة احتج بها مسلم. واستشهد بها البخاري.

قال الإمام النووي في "الرياض"(1/ 413): قال الترمذي: حديث حسن.

(2)

أخرجه البزار (3069 - كشف) وقال البزار: قال البزار: لا نعلم أحدا رواه عن عمرو، عن ابن عمر، إلا ابن إسحاق، ولا نعلم حدث به عن أبي معاوية =

ص: 1305

(كلمتان) أي: جملتان مفيدتان، (خفيفتان على اللسان) أي: لقلة حروفهما، (ثقيلتان في الميزان) أي: لكثرة أجورهما، وفيهما من صنيع البديع صَنْعَةُ الطباق، على طبق قوله تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ} الآية.

وقال المصنف: "أي: لا كلفة في النطق بهما لخفة حروفهما، وذلك [لأنه]

(1)

ليس فيهما حرف الإستعلاء، ولا من الإطباق غير الظاء، ولا من أحرف الشدة سوى الباء والدال، وما أحسن المطابقة بين الخفة والثقل، صلى الله عليه وسلم ما أفصحه"، انتهى.

ولا يخفى ما تكلف من تخفيف الحروف باعتبار صفاتها مع قطع النظر عن ذواتها، والحال أن فيهما تعدد الشدة وتحقق الإطباق المفخم بالإتفاق.

وقال الفاضل الطيبي: "الخفة مستعارة للسهولة، شبه سهولة جريان هذا الكلام بما يخف على الحامل من بعض [الحمولات]

(2)

، فلا يشق عليه، فذكر المشبه وأراد المشبه به. وأما الثقل فعلى حقيقته؛ لأن

= إلا إبراهيم بن سعيد.

قال الهيثمي: رواه البزار من حديث ابن عمر فذكرته في الأذكار في فضل لا إله إلا الله. ورجال أحمد ثقات (4/ 220).

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"لأنهما"، وفي "مفتاح الحصن الحصين":"أنه".

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"المحملات"، وفي (ب):"المحمولات".

ص: 1306

الأعمال تتجسم عند الميزان".

(حبيبتان) أي: محبوبتان (إلى الرحمن) والمراد: أن قائلهما محبوب الله، ومحبة الله للعبد إرادة إيصال الخير إليه. وخص الرحمن بالذكر للتنبيه على سعة رحمة الله تعالى، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل؛ لما فيهما من التنزيه والتحميد والتعظيم.

قال الكرماني: "وأنثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة؛ لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة، فإن قلت: الفعيلة بمعنى المفعولة، لاسيما إذا كان موصوفه مذكورًا معه يستوي فيه المذكر والمؤنث، فما وجه لحوق علامة التأنيث؟

قلت: التسوية بينهما جائزة لا واجبة، أو وجوبها في المفرد لا في المثنى، أو هذه التاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية"، انتهى. ففي القول الآخر نظر ظاهر.

(سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. خ، م، ت، مص) أي رواه: البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن أبي شيبة، عن أبي هريرة، وهذا آخر حديث من "صحيح البخاري".

(من قالها) أي: تلك الكلمات، ولو كانت جملتين، وكان الظاهر أن يقول: من قالهما، (مع أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، كتبت) أي: الجمل الثلاث، (كما قالها) أي: من غير زيادة ونقصان فيها، (ثم عُلِّقت) بصيغة المجهول من التعليق، أي: جعلت معلّقة، (بالعرش) أي: بطرف

ص: 1307

من أطرافه كرامةً لصاحبها، وصيانةً لقائلها.

(لا يمحوها ذنب عمله صاحبها) فيه إيماء إلى أن قائلها يكون محفوظًا من الكفر المحبط لجميع الأعمال؛ إذ غيره من المعاصي ولو كانت كبيرة لا تحبط العبادات على مذهب أهل السنة والجماعة، (حتى يلقى الله يوم القيامة) بنصب الجلالة في النسخ المصححة.

فالمعنى: حتى يلقى صاحبها الله يوم القيامة حال كون تلك الكلمات (مختومةً كما قالها) وفي نسخة برفع الجلالة، فالتقدير: حتى يلقاها الله مختومةً ثابتة مثل ما قالها في الدنيا. (ر) رواه البزار عن ابن عباس، وفي نسخة بالدال

(1)

.

(وقال صلى الله عليه وسلم لجويرية) تصغير جارية، وهي بنت الحارث زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمها برة فَغَيَّرَهَا النبي صلى الله عليه وسلم إلى جويرية، فصارت عَلَمًا لها؛ فلذا لا ينصرف

(2)

.

(1)

أخرجه البزار (5298). والطبراني (12/ 174، رقم (12799) قال الهيثمي: رواه البزار، وفيه يحيى بن عمرو بن مالك النكري البصري، بضم النون، وهو ضعيف، وقال الدارقطني: صويلح يعتبر به، وبقية رجاله ثقات. (مجمع الزوائد 10/ 94). وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5130).

(2)

هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب، من خزاعة سباها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق في سنة خمس، وكانت قبله تحت مسافع بن صفوان، وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فقضى عنها النبي صلى الله عليه وسلم كتابتها ثم أعتقها وتزوجها. كان =

ص: 1308

(وقد خرج) أي: النبي عليه السلام، (من عندهما بُكرة) بضم الموحدة، أي: أول النهار، (حين صلى الصبح) أي: سنته، [و]

(1)

أراد أن يصلي فرضه، والجملة حالية. وكذا قوله:(وهي) أي: جويرية، (في مسجدهما) بفتح الجيم، وروي بكسرها، أي: فوق سجادتها أو في مكان صلاتها، (تسبح، ثم رجع) عطف على قوله: "خرج"، (بعد أن أضحى وهي جالسة) قال الطيبي:"أي: دخل الضحى، أي: وقته". وقال المظهر: "صلّى صلاة الضحى". والأظهر ما قال المصنف، أي: دخل في الضحوة، [وهي]

(2)

ارتفاع النهار"

(3)

، انتهى.

ومقول "قال" قوله: (ما زِلْتِ) وهو بكسر التاء؛ على أن الخطاب لجويرية، على تقدير الاستفهام، أي: أَثَبَتِّ في مكانك، وما زلتِ، (على الحال التي فارقتك عليها؟) أي: من التسبيح، (قالت: نَعَم).

(قال: لقد قلتُ بعدك) أي: بعد [مفارقتك]

(4)

، أي: بعد سؤالك هذا (أربع كلمات -ثلاث مرات- لو وُزِنت) بضم فكسر، أي: لو قُوبِلَت

= اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وسماها جويرية، ماتت في ربيع الأول سنة ست وخمسين ولها خمس وستون سنة (الإصابة 13/ 255).

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"أو".

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د) و"مفتاح الحصن الحصين":"وهو".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(4)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"ما فارقتك"، وفي (ب):"فرقتك".

ص: 1309

تلك الكلمات. وفي "أصل الجلال": "لو وَزَنْتِ"، بصيغة المعلوم للمخاطبة، فالتقدير: لو وزنتِها أنتِ، (بما قلت) أي: بجميع ما سبحت (منذ اليومِ) بالجر على ما هو [الاختيار]

(1)

، كما ذكره الطيبي، أي: من ابتداء النهار، (لوزَنَتهن) بفتح الزاي والنون، أي: ساوتهُن في الوزن، أو غلبتهن فيه.

وقال القاضي: "أي: لترجحت وزادت عليهن في الأجر والثواب.

يقال: وزنه فوزن، إذا غلب عليه، ثم الضمير راجع إلى "ما" باعتبار المعنى".

(سبحان الله وبحمده عدد خلقه)[نصب]

(2)

على المصدر، وكذا قوله:(ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) أي: أعد تسبيحه وتحميده: عدد خلقه، وأقدر مقدار ما يرضى لنفسه، وثقل عرشه، وقدر مداد كلماته. ومداد الشيء ومدده: ما يمد به ويزاد ويكثر، ومنه قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي

} [الكهف: 109] الآية.

قال الزمخشري: "أي: مثلها وعددها". ثم المراد بكلماته كتبه وصحفه المنزلة، ويطلق أيضًا على أوامره، بل وعلى جميع موجوداته. والأظهر أن المراد بكلماته جميع معلوماته.

وقال الطيبي: "أي: سبحته تسبيحًا يساوي خلقه عند التعداد، وزنة عرشه،

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"المختار".

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"بالنصب".

ص: 1310

ومداد كلماته، ويوجب رضا نفسه، أو يكون ما يرتضيه لنفسه"، انتهى.

والأظهر أن نصب "عدد" على نزع الخافض ويقدر القدر فيما بعده، أي: سبحان الله بعدد مخلوقاته، وقدر ما يرضي به ذاته، وثقل عرشه المحيط بجميع موجوداته، ومقدار ما يمد به من كلماته ومعلوماته، والمقصود عدم الإستحصاء ونفي الإستقصاء، وفيه إشعار بأن [التصور]

(1)

في المعنى المفيد لزيادة الكيفية له مزية على زيادة الألفاظ في الأذكار والأدعية باعتبار الكمية.

(م، عه، عو) أي رواه: مسلم، والأربعة، وأبو عوانة، عن جويرية رضي الله عنها

(2)

.

(سبحان الله عدد خلقه) فإن كلًّا من مخلوقاته يسبح له باعتبار ذاته وصفاته بلسان قاله، أو ببيان حاله؛ إذ لا يتصور مصنوع بدون صانع موصوف بكماله، (سبحان الله رضا نفسه) أي: مقدار رضاه، أو لأجل ما يحبه ويرضاه، (سبحان الله زنة عرشه) أي: ما يوازنه وما يوازيه من ملكه وملكوته.

(سبحان الله مداد كلماته) أي: مقدار كلماته التي لا تعد ولا تحصى، ولا تحد ولا تقصى. وقيل:"المداد مصدر بمعنى المد، أي: يمد مداد كلماته". وقيل: "المراد قدر كلماته، ومثلها في الكثرة". قال العلماء:

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"المتصور".

(2)

أخرجه مسلم (2726)، والترمذي (3555)، والنسائي (3/ 77)، وابن ماجه (3808).

ص: 1311

"واستعماله هنا مجاز؛ لأن كلمات الله تعالى لا تعد ولا تحصى. والمراد المبالغة في الكثرة؛ لأنه ذكر أوّلًا ما يحصره العدد الكثير من الخلق ثم زنة العرش، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم منه، أي: وما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله تعالى"، ذكره النووي في "شرح مسلم".

(م، س، مص، عو) أي رواه: مسلم، والنسائي، وابن أبي شيبة، وأبو عوانة، عنها أيضًا.

(والحمد لله كذلك) أي: عدد خلقه إلى آخره. (س) أي: رواه النسائي عنها أيضًا.

(سبحان الله وبحمده، ولا إله إلا الله، والله أكبر عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. س) أي: رواه النسائي عنها أيضًا.

(وقال صلى الله عليه وسلم لامْرَأَةٍ دخل عليها وبين يديها نوًى) اسم جمع لنواة، وهي عظم التمر، (أو حصى) اسم جمع لحصاة، وهي الأحجار الصغار، (تسبح) أي: المرأة، (به) أي: بأحدهما، و"أو" للشك، ويمكن أن يكون بمعنى الواو، و"أو" للتنويع، أي: تارة بهذا وتارة بآخر.

واستدل بهذا الفعل منها المؤيد بتقريره صلى الله عليه وسلم لها على استحباب المسبحة، وأنها ليست باعتبار أصلها بدعة، ولو وقع الإتفاق على أنها مستحسنة؛ إذ لا فرق بين النوى المنظومة والمنثورة، وكذا بين الأحجار المنحوتة المدورة وغيرها الموضوعة على أصل الخلقة، لا سيما والسلك يفيد الجمع وعدم التفرق والحفظ والحمل، وهو مطردة

ص: 1312

للشيطان ومرضاة للرحمن؛ ولذا لَمَّا رُئِيَ في يد الجنيد وسئل عنه، فقال: "شيء وَصَلْنَا به من البداية إلى [الهداية]

(1)

، لا ينبغي لنا تركه في النهاية؛ فإن النهاية هي الرجوع إلى البداية".

والحاصل أنه عليه السلام قال للمرأة: (ألا أخبرك بما هو أيسر) أي: أهون، (عليك من هذا أو أفضل) قال المظهر:"شك من الراوي". وقال الطيبي: "يمكن أن يكون بمعنى "بل"، وإنما كان أفضل؛ لأنه اعتراف بالقصور، وأنه لا يقدر أن يحصي ثناءه وتسبيحه، وفي العد بالنوى إقدام على أنه قادر على الإحصاء"، انتهى.

وفيه بحث ظاهر؛ فالأظهر أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم أراد لها التنبيه على أن مراعاة زيادة الكيفية أولى وأكمل وأيسر وأفضل من معاناة الكمية، مع ما فيها من إيهام القدرة على الإحصاء، أو من الاكتفاء على عدد من الحصى ولو بالاستحصاء، فكأنها قالت: بلى. أو ما توقف صلى الله عليه وسلم على جوابها لكونه من المعلوم في بابها.

(فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء) أي: في الجهة العليا، (وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض) أي: في الجهة السفلى، (وسبحان الله عدد ما بين ذلك) أي: ما بين ما ذكر من السماء والأرض من السحاب والطيور والهواء، (وسبحان الله عدد ما هو خالق) أي: بعد ذلك في الدنيا والعقبى، ولعل تقييد التسبيح بالعدد الصريح إشعار لتنزيهه عن مشابهة مخلوقاته ومناسبة

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"النهاية".

ص: 1313

موجوداته، كما قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

(والله أكبر مثل ذلك) منصوبٌ نَصْبَ "عدد" في القرائن السابقة على المصدر، ذكره ميرك عن الطيبي. والأظهر أن التقدير يقول:"والله أكبر" مثل ما سبق من قوله: "عدد ما خلق في السماء

" إلى آخره.

وكذا قوله: (والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك) ثم الظاهر أن مثل ذلك من تصرفات الرواة على قصد الإختصار، كما يدل عليه حديث أبي الدرداء وأبي أمامة كما سيأتي ذكرهما.

(د، ت، س، حب، مس) أي رواه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، عن سعد بن أبي وقاص

(1)

.

(ودخل) وزاد في نسخة: "صلى الله عليه وسلم"، (على صفيّة) أي: بنت حيي بن أخطب، أم المؤمنين، (وبين يديها أربعة آلاف نواة) بالإضافة، (تسبح بهن) أي: الله سبحانه، (فقال: قد سبحت منذ وقفتُ

(1)

أخرجه الترمذي (3430)، وقال: حسن غريب، وقد رواه شعبة

ولم يرفعه، والنسائي في عمل اليوم والليلة (30)، وابن ماجه (3794). وإسناد رجاله ثقات لكن قول البوصيري: واختلف على الشعبة فقيل عنه هكذا، وقيل عنه عن أبي طلحة عن أبيه، وقيل عنه عن يحيى بن طلحة عن أبيه، وقيل عنه عن يحيى بن طلحة عن أمه سعدى عن طلحة، وقيل عنه عن طلحة مرسلًا والحديث في "ضعيف أبي داود"(323). و"ضعيف الترغيب"(959).

ص: 1314

على رأسِك أكثر من هذا) أي: من مجموع هذا العدد المجتمع عندك من النوى لملاحظة المعنى دون الإقتصار على مراعاة المبنى ومحافظة العدد على قصد الإحصاء.

وليس المراد أنه صلى الله عليه وسلم قاله على طريق خرق العادة من طي اللسان، أو بسط الزمان، أو بناء على تفضيل ثوابه في كل مكان بدليل نقل الراوي.

(قالت) أي: صفية، (علمني. قال: قولي: سبحان الله عدد ما خلق) أي: وتصوري جميع أفراد مخلوقاته كما سبق. (د، مس) أي رواه: أبو داود، والحاكم، عن صفية

(1)

.

(وقال لأبي الدرداء: أعلمك شيئًا) أي: من الذكر المجمل المفيد للكثرة المستفادة من زيادة الكيفية، (هو أفضل من ذكر الله) أي: ذكرك الله (الليل) أي: في الليل، وَقُدِّمَ لأنه أفضل، أو لأنه الأصل، (مع النهار، والنهار مع الليل: سبحان الله عدد ما خلق) أي: بعدد مخلوقاته،

(1)

أخرجه الترمذي (3554)، وأبو يعلى (7118)، والطبراني في "معجمه الكبير"(24/ 75/ 195)، وفي "معجمه الأوسط"(8504)، وفي "الدعاء"(1739) وابن عدي في الكامل (7/ 2574) والحاكم (1/ 732)، والحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 79) عن هاشم بن سعيد الكوفي، قال: حدثني كنانة مولى صفية، فذكره.

قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناده بمعروف.

وقال الحافظ: هذا حديث حسن انظر أمالي الأذكار (1/ 82 - 83).

ص: 1315

(وسبحان الله ملء ما خلق) أي: قدر ملء موجوداته، (وسبحان الله عدد كل شيء) وكأنه أعم مما سبق؛ لشموله ما سيوجد ويلحق، (وسبحان الله ملء كل شيء) أي: أحاط به علمًا، (وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه) أي: من عدد [مكنوناته مكوناته]

(1)

وأسماء صفاته وذاته.

(وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه. والحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه. ر، ط) أي رواه: البزار، والطبراني، عن أبي الدرداء.

(وقال لأبي أمامة: ألا أخبرك) بهمزة الإستفهام للتقرير أو "ألا" للتنبيه، (بأكثر وأفضل) بالواو المفيد للجمع، وفي "أصل الجلال":"أو أفضل"، (من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل، أن تقول) أي: هو قولك: (سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء) أي: من الإنس والجن، والملائكة، والحيوانات، والنباتات، والجمادات، وسائر الموجودات.

(وسبحان الله ملء ما في الأرض والسماء) أي: لو قدر ثوابه جسمًا، (وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيء، وسبحان الله ملء كل شيء، والحمد لله مثل ذلك) أي: مثل ما تقدم من قوله: "عدد ما خلق

" إلى آخره.

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي:(أ): "مكتوباته"، وفي (ب):"مكوناته".

ص: 1316

(س، حب، مس) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم، عن أبي أمامة الباهلي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يحرك شفتيه، فقال: ماذا تقول يا أبا أمامة؟ قال: أذكر ربي. قال: ألا أخبرك

" إلى آخره

(1)

.

(وكذا) أي: مثل ما سبق من التسبيح والتحميد المذكوين. (رواه: ط) أي: رواه الطبراني، (إلا أنه) أي: الطبراني، (قال موضع: سبحان الله) بنصب "موضع"؛ على نزع الخافض، وفي نسخة:"في موضع: سبحان الله".

(الحمد لله) أي: قدم قوله: "الحمد لله عدد ما خلق

" إلى آخره، (ثم قال: وتسبح) أي: أنت، (مثل ذلك، وتكبر مثل ذلك، وكذا) أي: مثل رواية الطبراني الأخير.

(رواه: أ) أي: رواه أحمد (سوى التكبير)، حيث لم يقل: وتكبر مثل ذلك.

وحاصله: الاختلاف في التقديم والتأخير وزيادة التكبير، والله أعلم.

(وقالت) أي: "سلمى" كما في رواية للطبراني؛ ولهذا رمز فوقها بالطاء، مع أن الحديث كله للطبراني. وأما ما في بعض النسخ من وضع الرمز بعدها،

(1)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(166)، وابن خزيمة 1/ 371، ابن حبان (830)، وأحمد (5/ 249)، والطبراني في "الكبير"(7930) و (8122)، وصححه الحاكم (1/ 513) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،

ولم يخرجاه". انظر "الأحاديث الصحيحة" (2578). والحديث في "صحيح الترغيب" (1575).

ص: 1317

فلا وجه له، (أم بني رافع) وفي نسخة:"أم ابن أبي رافع"

(1)

، (يا رسول الله، أخبرني بكلمات) أي: بجمل مفيدات يسيرات جامعات مانعات، (ولا تُكثر علي) أي: في الكلمات المعدودات، وهو نهي من الإكثار.

(1)

سلمى أم رافع، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، ويقال: مولاة صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي زوج أبي رافع. "تهذيب الكمال" (35/ 196) وقال الحافظ في تهذيب التهذيب (12/ 425):

جزم ابن القطان بأن سلمى مولاة صفية هي والدة أبي رافع لا زوجته، وأن سلمى زوجة أبي رافع مولاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأورد لابن السكن من طريق جارية بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع عن جدته سلمى -وكانت خادمًا للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بيت لا تمر فيه كأن ليس فيه طعام".

وأما زوجته فذكر ابن أبي خيثمة أنها شهدت خيبر، وولدت لأبي رافع ابنه عبد الله وغيره.

وتعقب ابن المواق كلام ابن القطان، ومداره على ثبوت رواية جارية بن محمد، والله تعالى أعلم.

والذي يظهر لي أن الشبهة دخلت على ابن القطان من ظنه أن عبيد الله بن أبي رافع الذي روى عنه جارية بن محمد هو الكبير، وليس كذلك، بل هو الصغير، وهو عبيد الله بن علي بن أبي رافع، نسب إلى جده، فعلى هذا فجدته سلمى هي أم رافع زوج أبي رافع، وأما ابن أبي رافع فلا يعرف اسمه، ولا

(بياض) ولا صحبته.

وهذا من المواضع الدقيقة والعلل الخفية التي أدخرها الله تعالى للمتأخر، لا إله إلا هو، ما أكثر مواهبه، ولا نحصي ثناء عليه، لا إله إلا هو. اهـ.

ص: 1318

(فقال: قولي عشر مرات) أي: لأنه أقل مرتبة الأعداد فوق الآحاد، (الله أكبر) أي: أعظم من أن تدرك عظمته، (يقول الله: هذا) أي: هذا الذكر المشتمل على الكبرياء، (لي) أي: خاصّة.

(وقولي: سبحان الله عشر مرات، يقول الله: هذا) أي: هذا الذكر المتضمن للتنزيه المطلق والتقديس المحقق، (لي) أي: بلا شريك فيه.

(وقولي: اللهم اغفر لي. يقول الله: قد فعلت) ولما كان أمر الغفران [قِسمةً]

(1)

بين الرب والعبد، لم يقل: هذا لي؛ فإنه بينهما نصفين على ما ورد في سورة الحمد، (فتقولين عشر مرات، ويقول: قد فعلت) الظاهر أنه تعالى يقول في كل مرة: "قد فعلت". وكذا الكلام في قوله: "هذا لي"، والله أعلم. (ط) أي: رواه الطبراني عنه أيضًا

(2)

.

(أفضل الكلام: سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده) كرره مرتين إشعارًا بأن المراد تكثيره وتقريره. (ط) أي: رواه الطبراني

(3)

.

(وسبحان الله والحمد لله تملآن) بصيغة التأنيث، وفي نسخة صحيحة

(1)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"مرتبطًا".

(2)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(24/ 302) رقم (766)، وفي "الدعاء"(1731)، وشيخ الطبراني في "الكبير" محمد بن صالح النرسي تابعه زكريا الساجي في "الدعاء"، وهو حديث حسن لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1566). انظر "الضعيفة"(6620).

(3)

أخرجه الطبراني في الدعاء (1677).

ص: 1319

بالتذكير، أي: يملأ ثواب الجملتين أو اللفظتين، وفي نسخة:"يملأ" بصيغة الإفراد، فالمعنى: يملأ كلٌّ منهما، (مما بين السماء والأرض) أي: لو قدر أجره جسمًا، وسببه أنهما اشتملا على التنزيه الجزيل والثناء الجميل، وقال النووي:"سببهما ما اشتملتا عليه من التنزيه والتفويض".

(والحمد لله تملأ) بالتأنيث، والتذكير:"يملأ"(الميزان) أي: بانفراده، ففيه إشعار بكونه أفضلَ من "سبحان الله"؛ لأن القضية الموجبة أولى في النسبة من القضية السالبة، نظرًا إلى أن الوجود خير من العدم، ولما يستلزم من إثبات الكمال نفي النقصان والزوال، ولذا يقدم الدليل المثبت على النافي.

هذا، وقد قال النووي في "شرح مسلم":"ضبطنا في "تملآن" و"تملأ" بالتاء المثناة الفوقانية، وهو صحيح، فالأول ضمير مؤنثتين غائبتين، والثاني ضمير هذه الجملة. وقيل: "يجوز التذكير في يملآن""

(1)

.

(م، ت) أي رواه: مسلم، والترمذي، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه

(2)

.

(أحب الكلام إلى الله أربع) أي: أربع كلمات، (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن) أي: بأي الكلمات، (بدأت) أي: وبأيهن أخرت أو وسطت، لكن الترتيب المذكور أفضل

(1)

شرح مسلم (10/ 101).

(2)

أخرجه مسلم (223)، والترمذي (3517) والنسائي في اليوم والليلة (168).

ص: 1320

وأكمل للمناسبة الظاهرة من تقديم التنزيه وإثبات التحميد، ثم الجمع بينهما بكلمة التوحيد المشتمل على التسبيح والتحميد، ثم الختم بكونه سبحانه أكبرَ من أن يعرف حقيقة تسبيحه وتحميده؛ إشعارًا بأن كمال المعرفة هو العجز عن المعرفة، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله:"سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".

وما قاله العارفون: "ما عرفناك حق معرفتك". وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [لأنعام: 91] أي: ما عرفوه حق معرفته، أو ما عظموه حق عظمته. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا يقال: إن الضمير لليهود؛ فإن المعنى الأعم أنسب.

(م، ت) أي رواه: مسلم، والترمذي، عن سمرة بن جندب

(1)

.

(هي) أي: الكلمات الأربع، (أفضل الكلام) أي: أفضل كل ما يتكلم به الإنسان، (بعد القرآن) أي لكونه من كلام الله سبحانه، فهو في المعنى استثناء متصل أو منقطع، (وهي) وفي "أصل الجلال":"وهن"، (من القرآن) أي: متفرقة فيه لا مجتمعة؛ لورود: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17]، ولمجيء:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} كثيرًا، ولقوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].

(1)

أخرجه مسلم (2137)، والنسائي في الكبرى (10681)، وفي عمل اليوم والليلة (846).

ص: 1321

وأما قوله: "الله أكبر"، فغير موجود بهذا المبنى، ولكنه بحسب المعنى مستفاد من قوله تعالى:{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] ومن قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3]، أو مأخوذ من قوله تعالى:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، وهذا بعيد من قوله:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72].

والحاصل: أن المجموع بهذا الترتيب ليس من القرآن، ولذا قال المصنف:"أي: كل منها جاءت في القرآن"

(1)

، انتهى.

وقيل: "الثلاث الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجد فيه، ولعل الحديث مبني على التغليب"، انتهى. وَبُعْدُهُ لا يخفى.

(أ) أي: رواه أحمد عن سمرة أيضًا

(2)

.

(من قالها) أي: ذكر الكلمات الأربع، (كُتِب له بكل حرف) أي: من حروفها الهجائية البنائية، (عشْر حسنات. ط) أي: رواه الطبراني عن ابن عمر

(3)

.

(هي) وفي نسخة صحيحة: "لَأَنْ أَقُولَهَا"، على أن اللام للابتداء و"أَنْ"

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 20).

قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(3)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(158)، وفي "الكبرى"(9986)، والطبراني في "الكبير"(13435)، وفي "الأوسط"(6491)، وفي "مسند الشاميين"(3/ 357)(2460)، وأبو نعيم في "الحلية"(10/ 219)، والحديث في "ضعيف الترغيب"(953).

ص: 1322

مصدرية، أي: لقولي إياها، (أحبُّ إليَّ) أي: عندي، (مما طلعت عليه الشمس) أي: من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها.

وقال العارف الجامي قدس الله سره السامي: "أي: مما طلعت عليه شمس الوجود، وإلا فالدنيا أحقر من أن [تقابل]

(1)

بذكر الله الودود".

وقال [ابن العربي]

(2)

: "أطلق المفاضلة بين قول هذه الكلمات وبين ما طلعت عليه الشمس. ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى، ثم يزيد أحدهما على الآخر"

(3)

.

فأجاب ابن بطال: "بأن معناه أنها أحب إليه من كل شيء؛ لأنه لا شيء إلا الدنيا والآخرة، فأخرج الخبر من ذكر الشيء بذكر الدنيا؛ إذ لا شيء سواها إلا الآخرة"

(4)

.

وأجاب ابن العربي

(5)

بما حاصله: "أن "أفعل" قد يراد به أصل الفعل لا المفاضلة، كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ

(1)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"يقابل".

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"الشيخ الأكبر سيدي محي الدين بن عربي قدس سره".

(3)

فتح الباري (8/ 583).

(4)

شرح البخاري (10/ 250).

(5)

بعدها في (أ) زيادة: "خلاف ابن العربي؛ فإن الشيخ الأكبر هو ابن عربي وهذا ابن العربي بزيادة ألف ولام".

ص: 1323

مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، ولا مفاضلة بين الجنة والنار، أو الخطاب واقع على ما استقر في نفوس أكثر الناس، فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها، وأنها المقصود، فأخبر بأنها عنده خير مما [تظنون]

(1)

أنه لا شيء أفضل منه.

وقال بعض المحققين: "يحتمل أن يكون المراد أن هذه الكلمات أحبّ إليَّ من أن يكون لي الدنيا وأتصدق بها".

والحاصل: أن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب تصدق جميع الدنيا، أو أن يكون المراد: أحب إلي من جميع الدنيا واقتنائها والتقائها، وكانت العرب يفتخرون بجميع الأموال، والله أعلم بالأحوال.

(م، ت، س، مص، عو) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي شيبة، وأبو عوانة، عن أبي هريرة

(2)

.

(إن الجنة طيبة التربة) أي: قابلة لظهور [النباتات]

(3)

الطيبات منها، كما قال تعالى:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58]، (عذبة الماء) فيه إيماء إلى أن الماء الحلو هو السبب في الإنبات، (وأنها) أي: باعتبار بعض مواضعها المتعلقة بتعليق أعمال العباد في إتيان أسباب إنباتها.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"يظنون".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30025)، ومسلم (2695)، والترمذي (3597)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (835) وأبي عوانة كما في "إتحاف المهرة"(18223).

(3)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"النبات".

ص: 1324

(قِيعان) بكسر القاف جمع قاع، وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر، ومنه قوله تعالى:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39].

قال البيضاوي: "هي بمعنى القاع، [وهو]

(1)

الأرض المستوية". وقال المصنف: "جمع قاع، وهو المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض"

(2)

.

قلت: هو ينافي بظاهره قوله تعالى: {فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 106] وأما ما ذكره بعض اللغويين من أن: "القاع مستنقع الماء"، فالظاهر أنه لا يلائم المقام؛ حيث إنه لا يصلح للإنبات.

(وإن غِراسها) بكسر الغين، جمع الغَرْس بالفتح، بمعنى المغروس، والضمير إلى القيعان، (هذه) أي: ثواب الكلمات الأربع ونحوها من الباقيات الصالحات ونتائجها من الثمرات. (ت) أي: رواه الترمذي عن ابن مسعود

(3)

.

(يغرس لك بكل واحدة) أي: من الكلمات الأربع، (شجرة في الجنة)

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"وهي".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(3)

أخرجه الترمذي (3462). وقال المنذري: أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن هذا لم يسمع من أبيه وكذلك عبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي واه. الترغيب للمنذري (4/ 159)، و (3/ 63)، وتحفة الأحوذي (9/ 432).

ص: 1325

أي: زيادة على أشجارها. (ق، مص، طس) أي رواه: ابن ماجه، وابن أبي شيبة، والطبراني في "الأوسط"، عن أبي هريرة

(1)

.

(خذوا جُنّتكم) قال المصنف: "بضم الجيم وتشديد النون: الوقاية، أي: ما تقيكم"

(2)

(من النار، قولوا: يعني هذه) أي: يريد النبي صلى الله عليه وسلم بمفعول "قولوا" هذه الكلمات، وهو من كلام الراوي، (فإنهن) أي: لأن هذه الكلمات (يأتين) أي: يحضرن بعد أن يجسمن أو يجسم ثوابهن (يوم القيامة مجنبات) قال المصنف: "بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة جمع مجنبة، وهي مجنبة الجيش التي تكون في الميمنة والميسرة. وقيل: هي الكتيبة التي تأخذ ناحية الطريق"

(3)

، انتهى. وهو موافق لما في "النهاية".

(1)

أخرجه ابن ماجة (3807) والطبراني في الأوسط (3171).

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 276): رواه ابن ماجه بإسناد حسن واللفظ له والحاكم وقال صحيح الإسناد.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(4/ 132): هذا إسناد حسن وأبو سنان اسمه عيسى بن سنان أبو سنان الحنفي القلسمي الفلسطيني مختلف فيه رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بإسناده ومتنه وقال الحاكم في المستدرك صحيح الإسناد.

والحديث حسن لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1549).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

ص: 1326

لكن صحح صاحب "سلاح المؤمن"، وكذا المنذري بفتح النون، وقالا:"أي: مقدمات أمامكم". وقال في "الترغيب": "وفي رواية الحاكم: "منجيات". ورواه الطبراني في "الصغير" بجمع اللفظين".

(ومعقبات) قال المصنف: "بكسر القاف وتشديدها، سميت بذلك لأنها تعاد مرة بعد أخرى. وقيل: لأنها تقال [عقب]

(1)

الصلاة"

(2)

، انتهى.

والظاهر أن المراد بها هنا أن يأتين عَقيب [ذاكرها]

(3)

كما يدل عليه قوله: "مجنبات". والمقصود أنهن يقين صاحبهن عن يمينه ويساره ووراء ظهره على سبيل التوزيع، أو لكثرتهن يَحُطْنَ به، ولم يذكر قدامه لأنه من جهة الجنة متوجهًا إليها.

(وهن الباقيات الصالحات) أي: المذكورة في القرآن على حذف مضاف مقدر، أي: تفسيرها كما ورد الخبر بها في قوله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46]، وهي وإن كانت بحسب اللفظ تعمها وغيرها من الأقوال والأعمال، ولكن فسرت بهذه الكلمات على وجه البيان والمثال.

(س، مس، صط، طس) أي رواه: النسائي، والحاكم، والطبراني في

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د) و"مفتاح الحصن الحصين":"عقيب".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(3)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"ذاكرها".

ص: 1327

"الصغير" و"الأوسط"؛ كلهم عن أبي هريرة

(1)

.

(1)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (6/ 212)، والطبراني في "معجمه الأوسط"(4027)، وفي "معجمه الصغير"(407)، وفي "الدعاء"(1682)، ومن طريقه الحافظ في الأمالي المطلقة (ص 224) والبيهقي في "الدعوات الكبير"(103)، وفي "الشعب"(606) والحاكم (1/ 725)، قلت: وهو معل من هذا الوجه: فذكره ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 1793): قال أبي كنا نرى أن هذا غريب كان حدثنا به أبو عمر الحوضي حتى حدثنا أحمد بن يونس عن فضيل يعني بن عياض عن ابن عجلان عن رجل من أهل الإسكندرية عن النبي فعلمت أنه قد أفسد علي عبد العزيز بن مسلم وبين عورته وحديث فضيل أشبه ورواه ابن عيينة، عن ابن عجلان مرسلًا، لم يجاوز به ابن عجلان، وقول أبي خالد الأحمر أصحها.

وهو عند ابن أبي شيبة في "المصنف"(30348) حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن عبد الجليل، عن خالد بن أبي عمران، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا جنتكم".

والحديث ضعفه البخاري في "التاريخ الصغير"(2/ 42) حدثني محمد بن أبي بكر عن عمر بن علي عن بن عجلان عن عبد الجليل بن حميد هو المصري عن خالد بن أبي عسران عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ولا يصح فيه المقبري ولا أبو هريرة.

وقال في "التاريخ الكبير"(6/ 122) في ترجمة: عبد الجليل بن حميد المصري عن خالد بن أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم خذوا جنتكم سبحان الله والحمد لله.

قاله محمد بن أبي بكر عن عمر بن علي وعن بن عجلان عن عبد الجليل.

وقال عبد العزيز بن سلمة عن بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح. =

ص: 1328

(وكل تسبيحة صدقة) أي: مثل صدقة في الثواب، أو في الدلالة على تصديق صاحبها وصدق محبته لله سبحانه (وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة. م، د، ق) أي رواه: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي ذر

(1)

وصدر الحديث: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة

".

= والعقيلي (3/ 17) في ترجمة: عبد العزيز بن مسلم القسملي في حديثه بعض الوهم. ثم ساقه بسنده عنه وحديثه ما حدثناه محمد بن إبراهيم بن جناد قال حدثنا حرمي بن عثمان قال حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة

ثم خرجه من طريق ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن عبد الجليل بن حميد عن خالد بن أبي عمران قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا جنتكم فذكر نحوه".

وحدثنا بشر بن موسى قال حدثنا خالد بن أبي يزيد القرني قال حدثنا جعفر بن سليمان عن سهيل عن محمد بن عجلان عن رجل بعسقلان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه خذوا جنتكم فذكر مثله.

وحسنه الحافظ في الأمالي المطلقة (ص 224) قال: وأما حديث أبي هريرة

هذا حديث حسن أخرجه البزار، وللمتن طريق أخرى أتم سياقًا، ثم خرجه من حديث أبي الدرداء، وقال: وأبو الهذيل ما عرفته ولا أظنه سمع من أبي الدرداء.

(1)

أخرجه مسلم (720) ووأبو داود (1285، 1286) و (5243)، وأحمد (5/ 167 و 178)، وابن حبان (4192)، والنسائي في "الكبرى"(5/ 326).

ص: 1329

‌صلاة التسبيح

(وهن) أي: الكلمات الأربع، (اللواتي) جمع "التي" الموصولة الموضوعة لمفرد المؤنث، (يُقَلن) بضم ففتح على صيغة المجهول، أي: يذكرن، (في صلاة التسبيح، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس) إلى هنا من كلام المصنف.

(يا عباس يا عماهْ) بسكون الهاء وقفًا، (ألا أعطيك) بضم همز وكسر طاء، أي: عطية رضية، (ألا أمنحك) بفتح همز ونون، أي: أعطيك منحة سنية.

"وأصل المنح: أن يعطى الرجل شاة أو ناقة ليشرب لبنها، ثم يردها إذا ذهب دَرُّها، ثم كثر استعماله حتى قيل في كل عطاء" كذا في "المغرب".

(ألا أحبوك) بفتح الهمزة وسكون الحاء وضم الموحدة من: حباه كذا، إذا أعطاه. و"الحباء: العطية" على ما في "النهاية". والمعنى: عطية هنية، وفي نسخة: "ألا أخبرك"، والظاهر أنه تصحيف.

(ألا أفعل بك) بالباء على ما في الأصول المعتمدة والنسخ المعتبرة، وفي نسخة باللام، فقيل:"هي الرواية الصحيحة".

(عشر خصال) بالنصب، على أنه مفعول تنازعت فيه الأفعال السابقة عليه، والمعنى في الجميع: أصيرك ذا عشر خصال. وإنما ذكره بألفاظ مختلفة تقريرًا وتأكيدًا وتحريضًا وتأييدًا على الاستماع إليه والمواظبة عليه.

ص: 1330

والخصلة هنا ليست بمعنى السجية الخلقية، بل المراد بها ما يقع إليه حاجة الإنسان، فقد قال التوربشتي:"الخصلة: هي الخلة، وهي الاختلال العارض للنفس، إما لشهوتها لشيء، أو لحاجتها إليه". فالخصلة كما تقال للمعاني التي تظهر من نفس الإنسان، تقال أيضًا: لما تقع حاجته إليه.

(إذا أنت فعلت)، وقدم التأكيد للتأييد، (ذلك) أي: ما ذكر من عشر خصال على الوجه الآتي، وهو أن يقول الكلمات الأربع: عشْرًا عشْرًا فيما سوى القيام، (غفر الله لك) على ما في "أصل جلال"، وليس في "أصل الأصيل"، (ذنبك) أي: ذنوبك، بقرينة قوله على وجه الإبدال، أو على طريق التفسير بـ "أعني".

(أوله وآخره) أي: مبتدأه ومنتهاه، وذلك [إن فسر الذنب بما]

(1)

لا يواقعه الإنسان دفعة واحدة، وإنما يتأتى منه شيئًا فشيئًا. ويحتمل أن يكون معناه ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ذكره التوربشتي.

(قديمه وحديثه) أي: "جديده" كما في بعض النسخ، وهو "أصل الأصيل"، (خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته) والمقصود: استغراقه وإحاطته، فهذه الخصال العشر.

وقد زاده إيضاحًا بقوله: (عشر خصال) بعد حصر هذه الأقسام،

(1)

كذا في (ب) و (د)، وفي (أ):"أن الذنب ما"، وفي (ج):"أن من الذنب ما".

ص: 1331

كقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196]، وما أحسن مقابلةَ العشرة الكاملة بالعشرة المبشرة.

(أن تصلي أربع ركعات) أي: بتسليمة واحدة على ما هو ظاهر من الإطلاق ليلًا أو نهارًا. وقيل: " [تصلي]

(1)

في النهار بتسليمة، وفي الليل بتسليمتين". وقيل: "الأولى أن [يصلي]

(2)

مرة بتسليمة، وأخرى بتسليمتين".

(تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة) قيل لابن عباس: ما هذه [السور]

(3)

بعد الفاتحة؟ قال: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، والعصر، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، والإخلاص. وفي رواية:{إِذَا زُلْزِلَتِ} ، والعاديات، والنصر والإخلاص". كذا ذكره بعض شراح "المشكاة".

(فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم) أي: قبل الركوع، والجملة حالية، (قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرة) بسكون الشين وتكسر، (ثم تركع فتقولها) أي: بعد سبحان ربي العظيم ثلاثًا، ويحتمل الإكتفاء بها عنه، (وأنت راكع) أي: قبل رفع الرأس، (عشرًا) أي: عشر مرات.

(ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرًا، ثم تهوي) بفتح التاء وكسر

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"يصلي".

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"تصلي".

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"السورة".

ص: 1332

الواو، أي: تنخفض وتنحط حال كونك، (ساجدًا) أي: مريدًا للسجود؛ ففي "الصحاح": هوى بالفتح يهوي بالكسر هُوِيًّا، إذا سقط إلى أسفل".

(فتقولها) أي: في السجود، (عشرًا، ثم ترفع) أي: "رأسك" كما في نسخة صحيحة، (من السجود فتقولها عشرًا، ثم تسجد) أي: ثانيًا، (فتقولها عشرًا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرًا قبل أن تقوم) وسيأتي الكلام عليه.

(فذلك) أي: فمجموع ما ذكر (خمس وسبعون مرة في كل ركعة تفعل ذلك) استئناف بيان، أي: تصنع ما ذكر من التسبيحات العشرة، (في أربع ركعات) أي: في مواضعها المقدرة المقررة.

(إن استطعت أن تصليها) أي: هذه الصلاة المسماة بصلاة التسبيح، (في كل يوم) أي: أو ليلة، (مرة فافعل، فإن لم تفعل) أي: بأن لم تستطع، (ففي كل شهر مرة) أي: افعل، وفي نسخة صحيحة:"ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل، ففي كل شهر مرة"(فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة؛ فإن لم تفعل، ففي عمرك مرة) فيه إشعار بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وأن أقل العمل بالحديث في فضائل الأعمال أن يأتيَ به مرة، ومن زاد زادَ الله في حسناته.

(د، ق، مس، حب) أي رواه: أبو داود، وابن ماجه، والحاكم، وابن حبان؛ كلهم عن ابن عباس.

(1)

(1)

أخرجه ابن ماجه (1387)، وابن خزيمة (1216)، وأبو داود (1297) والطبراني في "الكبير"(11/ 243/ 11622)، والخليلي في "الإرشاد" =

ص: 1333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= (1/ 325 /58)، والبيهقي في "الكبرى"(3/ 51)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 143)، والمزي في "تهذيب الكمال"(29/ 103) جميعًا من طرق عن موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس به.

وعنون ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: باب صلاة التسبيح إن صح الخبر، فإن في القلب من هذا الإسناد شيئا. وعقبه بقوله: رواه إبراهيم بن الحكم.

قلت: موسى بن عبد العزيز أبي شعيب القنباري، فهو صدوق سيء الحفظ، انظر:"ميزان الاعتدال"(6/ 550) فذكر حديث صلاة التسبيح.

وقال في "المغني في الضعفاء"(2/ 685): "موسى بن عبد العزيز القنباري أبو شعيب، صاحب صلاة التسبيح. قال ابن المدني: ضعيف. وقال ابن معين وغيره: لا بأس به".

وقال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب"(6988): صدوق سيء الحفظ.

وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 7): حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقا صالحا فلا يحتمل منه هذا التفرد.

قلت: وهذا الإسناد معل:

ففيه شذوذ، لشدة التفرد، فإن الحكم بن أبان العدني، وإن كان صدوقا صالحا، إلا أنه يتفرد عن عكرمة بأحاديث ويسند عنه ما يوقفه غيره من أثبات أصحاب عكرمة. وموسى بن عبد العزيز القنباري ربما أخطأ عليه، وروى مناكير لا يتابع عليها. =

ص: 1334

ورواه ابن ماجه عن أبي رافع أيضًا

(1)

.

= وفيه اختلاف أيضا:

فقد أخرجه ابن خزيمة (1216)، والبيهقي في الكبرى (2816)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3080) من طريق محمد بن رافع عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس مرسلًا.

وقال الحاكم: هذا الإرسال لا يوهن وصل الحديث، فإن الزيادة من الثقة أولى من الإرسال، على أن إمام الأئمة إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قد أقام هذا الإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ووصله.

فقد رواه إبراهيم بن الحكم عن أبيه، فكان يضطرب فيه. فمرة موصولًا عن ابن عباس، وأخرى عن عكرمة مرسلًا.

وأخرجه الحاكم (1/ 319)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3081) من طريق إسحاق بن راهويه عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولًا.

قلت: إبراهيم بن الحكم بن أبان؟! قال أحمد بن حنبل: في سبيل الله دراهم أنفقناها إلى عدن إلى إبراهيم بن الحكم. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ليس بثقة. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال النسائي: متروك الحديث، ليس بثقة.

(1)

أخرجه ابن ماجه (1386)، والترمذي (482)، والروياني في "مسنده"(699)، والطبراني في "الكبير"(1/ 329/ 987)، والبيهقي في "السنن الصغرى"(862) وفي "شعب الإيمان"(602)، وابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 144)، والمزي في "تهذيب الكمال"(10/ 465) من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن سويد بن أبي سعيد مولى أبي بكر بن حزم =

ص: 1335

وروى الترمذي نحوه عن أبي رافع فقط، وقال: "حديث غريب. وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن [عَمْرو]

(1)

والفضل بن عباس

(2)

.

= عن أبي رافع به.

قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب من حديث أبي رافع".

قلت: هذا إسناد ضعيف جدا، موسى بن عبيدة الربذي منكر الحديث.

وقال أبو عيسى: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيء، وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه.

(1)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"عمر".

(2)

ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 143)، والرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" (3/ 249) من طريق أبي رجاء الخراساني عن صدقة بن يزيد عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي عن العباس بن عبد المطلب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أهب لك .. ألا أعطيك .. ألا أمنحك

" فذكره بنحو حديث ابن عباس.

وقال ابن الجوزي: صدقة بن يزيد الخراساني. قال أحمد: حديثه ضعيف.

وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: حدث عن الثقات بالأشياء المعضلات، لا يجوز الإشتغال بحديثه.

قلت: هو كما قال، والحديث منكر بهذا الإسناد، وإنما رواه صدقة به على جهة التوهم والظن، فأخطأ وأبعد.

صدقة بن يزيد الخراساني ضعيف.

انظر: العقيلي في "الضعفاء"(2/ 206)، ابن عدي في "الكامل"(4/ 77).

ص: 1336

وروى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكر الفضل فيه"، انتهى كلام الترمذي.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "هذا حديث حسن، وقد أساء ابن الجوزي بذكره في "الموضوعات". وقال الدارقطني: "أصح شيء ورد في فضائل السور فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وأصح شيء ورد في فضائل الصلاة فضل صلاة التسبيح"".

وقال عبد الله بن المبارك: "صلاة التسبيح مرغب فيها، يستحب أن يعتادها في كل حين، ولا يتغافل عنها". قال: "ويبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثًا ثلاثًا، ثم يسبح التسبيحات المذكورة".

وقيل له: إن سهى في هذه الصلاة هل يسبح في سجدتي السهو عشرًا عشرًا؟ قال: "لا؟ إنما هي ثلاث مئة تسبيحة".

وقال السبكي: "صلاة التسبيح من مهمات المسائل من الدين، وحديثها أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم وصححه. ويستحب أن [يتعاهدها]

(1)

ولا يتغافل عنها.

وقد ذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: "إن صلاها ليْلًا فأحب إلي أن يسلم من كل ركعتين، وإن صلاها نهارًا فإن شاء سلم، وإن شاء لم

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"يعتادها".

ص: 1337

يسلم، غير أن التسبيح الذي يقوله بعد الفراغ من السجدة الثانية يؤدى إلى جلسة الاستراحة".

وكان عبد الله بن المبارك يسبح قبل القراءة خمس عشرة، ثم بعد القراءة عشرًا، والباقي كما في الحديث، ولا يسبح بعد الرفع من السجدتين، ذكره الترمذي".

قال السبكي: "وجلالة ابن المبارك تمنع من مخالفته الحديث، وأنا أحب العمل بما تضمنه حديث ابن عباس، ولا يمنعني من التسبيح بعد السجدتين الفصل بين الرفع والقيام، فإن جلسة الاستراحة حينئذٍ مشروعة في هذا المحل.

وينبغي للمتعبد أن يعمل بحديث ابن عباس تارة، [وبعمل]

(1)

ابن المبارك أخرى، وأن يفعلها بعد الزوال قبل صلاة الظهر، وأن يقرأ فيها تارة بالزلزلة والعاديات [والفتح، أي: النصر]

(2)

والإخلاص، وأن يكون دعاؤه بعد التشهد قبل السلام، ثم يسلم ويدعو [لحاجته]

(3)

؛ ففي كل شيء ذكرته وردت سنة"، انتهى.

أما كونها بعد الزوال، فقد أخرج أبو داود عن أبي الجوزاء، عن رجل

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"ويعمل بعمل".

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ):"والنصر"، وفي (ج) و (د):"والفتح"، والمؤلف يسمي سورة النصر بالفتح كما سيأتي في موضع آخر.

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي. (أ):"بحاجته".

ص: 1338

له صحبة يروي: "أن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتني غدًا أحبوك وأثيبك وأعطيك، حتى ظننت أنه يعطيني عطية، قال: إذا زالت الشمس، فقم فصل أربع ركعات

[فذكر]

(1)

نحوه. وقال: "ثم ترفع رأسك فاستوِ جالسًا، ولا تقم حتى تسبح عشرًا، وتكبر عشرًا، وتهلل عشرًا، ثم تصنع ذلك في الأربع الركعات، فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنبًا غفر لك. قلت: فإن لم أستطع أن أصليها في تلك الساعة؟ قال: صلها من الليل والنهار".

أقول: ولعل وجه اختصاص وقت الزوال ليناسبه التسبيح والتنزيه عن نقص صفات الكمال، والله أعلم بالحال.

وقال في "الإحياء": "إنه يقول في أول الصلاة: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، ثم يسبح خمس عشرة قبل القراءة، وعشرًا بعدها، والباقي عشرًا عشرًا كما في الحديث. ولا يسبح بعد السجدة الآخرة قاعدًا. وهذا هو الأحسن، وهو اختيار عبد الله بن المبارك".

ثم قال: "وإن زاد بعد التسبيح: ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فحسن، وقد ورد ذلك في بعض الروايات".

وأما الدعاء فقد ذكره شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي في "الكلام الطيب" عن الإمام أحمد أنه يقول بعد صلاة التسبيح قبل السلام: "اللهم

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"فذكره".

ص: 1339

إني أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية، وطلبة أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم حتى أخافك.

اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك، وحتى أعمل بطاعتك عملًا أستحق به رضاك، حتى أناصحك بالتوبة خوفًا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حياءً منك، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها، حسن ظن بك، سبحان خالق النار"، انتهى.

وذكره أيضًا ابن أبي الصيف اليمني نزيل مكة المشرفة في كتابه "اللمعة في رغائب يوم الجمعة" أنه: "يستحب صلاة التسبيح عند الزوال يوم الجمعة، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: التكاثر، وفي الثانية العصر، وفي الثالثة الكافرون، وفي الرابعة الإخلاص، فإذا كملت الثلاث مئة تسبيحة قال بعد فراغه من التشهد قبل أن يسلم: "اللهم إني أسألك

" الدعاء، إلا أنه قال: "حبًّا لك" موضع "حياءً منك"، وقال: "سبحان خالق النور"، وزاد: "ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم يسلم".

وقال بعض المحققين: "حديث صلاة التسبيح أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم، وزاد الطبراني في "الأوسط": "أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيها بعد التشهد وقبل السلام، فيقول: "اللهم

، إلى:"خالق النور" ".

ص: 1340

قال شيخنا مفتي بلد الله الأمين مولانا قطب الدين: "والأقرب من الاعتدال أن يصليها من الجمعة إلى الجمعة، وهذا الذي كان عليه حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإنه كان يصليها عند الزوال يوم الجمعة ويقرأ فيها ما تقدم، والله سبحانه أعلم"

(1)

.

(1)

أقوال العلماء:

ضعفها الإمام أحمد: قال أحمد في رواية عبد الله (89): لم تثبت عندي صلاة التسبيح وقد اختلفوا في إسناده لم يثبت عندي وكأنه ضعف عمرو بن عبد الله النكري.

وفي رواية ابن هانئ (105) سئل أحمد عن صلاة التسبيح فقال: إسناده ضعيف.

ونقل ابن القيم في بدائع الفوائد (4/ 1508) قال في رواية مهنأ وعبد الله صلاة التسبيح لم يثبت عندي فيها حديث وقال في رواية أبي الحارث صلاة التسبيح حديث ليس لها أصل ما يعجبني أن يصليها يصلي غيرها.

وقال ابن مفلح في "الفروع"(1/ 507): ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، واستحبها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له. قال: وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية، وأما العقيلي فقال في الضعفاء (1/ 124، ترجمة 148) ترجمة أوس بن عبد الله الربعي وليس في صلاة التسابيح حديث يثبت.

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد أنكرها جدا، وعدها من البدع المستنكرة "منهاج السنة"(7/ 434)"مجموع الفتاوى"(11/ 579).

ولهذا قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير"(2/ 7): وقال أبو جعفر العقيلي =

ص: 1341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت. وقال أبو بكر بن العربي: ليس فيها حديث صحيح، ولا حسن. وبالغ ابن الجوزي فذكره في "الموضوعات".

وصنف أبو موسى المديني جزءا في تصحيحه، فتباينا -يعني أبا موسى وابن الجوزي-.

والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقا صالحًا، فلا يحتمل منه هذا التفرد. وقد ضعفها ابن تيمية والمزي، وتوقف الذهبي، حكاه ابن عبد الهادي عنهم في "أحكامه" وقد اختلف كلام الشيخ محيي الدين النووي، فوهاها في "شرح المهذب"، فقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها عندي نظر لأن فيها تغييرا لهيئة الصلاة.

وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في "المغني"(1/ 437): فصل: فأما صلاة التسبيح، فإن أحمد قال: ما تعجبني، قيل له: لم؟، قال: ليس فيها شيء يصح، ونفض يده كالمنكر.

وقال العجلوني في "كشف الخفاء"(2/ 566): وباب صلاة التسبيح لم يصح فيه حديث.

قال ابن الجوزي الموضوعات (2/ 145): هذه الطرق كلها لا تثبت.

قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/ 141): أبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم من حديث ابن عباس وقال العقيلي وغيره ليس فيها حديث صحيح.

من قواه:

صححه عبد الحق في "الأحكام الكبرى"(2/ 408) حيث أورده ساكتا عليه =

ص: 1342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 7): صححه أبو علي بن السكن والحاكم وادعى أن النسائي أخرجه في صحيحه عن عبد الرحمن بن بشر قال وتابعه إسحاق بن أبي إسرائيل عن موسى وأن ابن خزيمة رواه عن محمد بن يحيى عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه مرسلا وإبراهيم ضعيف.

قال المنذري وفي الباب عن أنس وأبي رافع وعبد الله بن عمر وغيرهم وأمثلها حديث ابن عباس.

وقال النووي في تهذيب الأسماء (3/ 136): وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة في غيرها وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره وذكرها المحاملي وصاحب التتمة وغيرهما من أصحابنا وهي سنة حسنة.

قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/ 165): غلط ابن الجوزي حيث ذكرها في الموضوعات.

قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 268): وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة، وأمثلها حديث عكرمة هذا.

وقد صححه جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى.

وقال أبو بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا.

وقال مسلم بن الحجاج -رحمه الله تعالى-: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا -يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس-. وقال الحاكم: قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة ثم قال حدثنا أحمد بن داود بمصر حدثنا إسحاق بن كامل حدثنا إدريس بن =

ص: 1343

(وهي) أي: الكلمات الأربع، هي (مع ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهن) أي: تلك الكلمات مع لا حول ولا قوة إلا بالله، (الباقيات

= يحيى عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه، وقبل بين عينيه، ثم قال: ألا أهب لك .. ألا أسرك .. ألا أمنحك"، فذكر الحديث ثم قال: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه.

وقال صاحب "عون المعبود"(4/ 124): وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم ابن منده، وألف في تصحيحه كتابا، والآجري، والخطيب، وأبو سعد السمعاني، وأبو موسى المديني، وأبو الحسن بن المفضل، والمنذري، وابن الصلاح، والنووي في "تهذيب الأسماء"، وآخرون. وقال الديلمي في "مسند الفردوس": صلاة التسبيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادا. وروى البيهقي وغيره عن أبي حامد الشرقي: قال كنت عند مسلم بن الحجاج ومعنا هذا الحديث فسمعت مسلما يقول: لا يروى فيها إسناد أحسن من هذا. وقال الترمذي: قد رأى ابن المبارك، وغيره من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها. وقال البيهقي: كان عبد الله بن المبارك يصليها، وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع. اهـ.

وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 235): خاتمة: صلاة التسبيح أشار إليها الرافعي في الباب، حيث قال: ورد الشرع بالتطويل في الصلاة فلنذكر طرق حديثها، وكلام أصحابنا فيها فنقول: حديثها مشهور في سنن أبي داود، وابن ماجه وجامع الترمذي، ومستدرك الحاكم

ثم أطال في ذلك. حتى (ص 243).

ص: 1344

الصالحات) أي: منها أو تفسيرها.

(وهن) أي: الخمس (يحططن) أي: يضعن (الخطايا كما تحط الشجرة ورقها) أي: بإذن ربها، (وهن من كنوز الجنة) أي: من أسباب حصولها، ومن موجبات وصولها.

أو: معانيها برموزها من كنوز الجنة الحاضرة على ما قال بعض العارفين في قوله تعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]: "جنة عاجلة، وجنة آجلة". (ط) أي: رواه الطبراني عن أبي الدرداء

(1)

.

(تجزئ) بضم حرف المضارعة وكسر الزاي بعدها همز، وهو بالتأنيث في ["الأصيل"]

(2)

، وبالتذكير عند "الجلال"، أي: تكفي، (من القرآن) أي: من جملته، (من لا يستطيعه) أي: بكليته، ولا يقدر على جمعيته.

ففي "المغرب": "يقال: هذا يجزئ من هذا، أي: يقضي أو ينوب عنه". وفي نسخة: "لمن لا يستطيعه"، وتؤيده الرواية الآتية. (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن ابن أبي أوفى.

(1)

أخرجه ابن ماجه (3813) قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 133): هذا إسناد ضعيف.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 90): رواه ابن ماجه باختصار، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما عمر بن راشد اليمامي، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"أصل الأصيل".

ص: 1345

(وكذلك) أي: هي، يعني الكلمات الخمس، (مع: اللهم ارحمني) أي: بترك المعصية، (وارزقني) أي: رزقًا حسنًا، (وعافني) أي: من كل بلية، (واهدني) أي: إلى طريقة مرضية، أو ثبتني على الكتاب والسنة.

(تجزئ) يتعلق به كذلك، (من القرآن لمن لا يستطيعه) أي: جميعه أو بعضه، فإن مضمونها هو المقصود الأعظم من الكلام المكرم.

(من أخذه) أي: ما ذكر وعمل على وفق ما سطر، (فقد ملأ يده من الخير. د، س) أي رواه: أبو داود، والنسائي؛ كلاهما عن عبد الله بن أبي أوفى

(1)

، قال:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا" أي: سوى مما يجب عليَّ في الصلاة، فعلمني ما يجزئ عنه، أي: بالاشتغال به في سائر الأحوال.

(1)

أخرجه أبو داود (832)، والنسائي (2/ 143)، وإسناده ضعيف ولكنه قد توبع فقد تابع إبراهيم السكسكي طلحة بن مصرف وأخرجه ابن حبان في صحيحه (1810) من حديث الفضل بن موفق وفيه ضعف، وله شاهد أيضًا من حديث رفاعة بن رافع عند أبي داود (861)، والترمذي (302)، والنسائي (1136) قال النسائي: إبراهيم السكسكي ليس بذاك القوي، وقال يحيى بن سعيد القطان: كان شعبة يضعف إبراهيم السكسكي، قال المنذري: وقد احتج البخاري في صحيحه بإبراهيم السكسكي.

وسنده حسن في الشواهد، فحديث ابن أبي أوفى حسن بمجموع طريقيه وشاهده والله أعلم. وقال ابن القيم: وصحح الدارقطني هذا الحديث، تهذيب سنن أبي داود (1/ 395).

ص: 1346

قال: "قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: يا رسول الله، هذا لله عز وجل، فما لي؟ قال: قل: اللهم، ارحمني وارزقني وعافني واهدني. فلما قام قال: هكذا بيده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يده من الخير"، رواه النسائي، وأبو داود واللفظ له، ذكره ميرك.

(وهن أيضًا بغير الدعاء) أي: المذكور، (مع: وتبارك الله، قُيِّض) بضم قاف وتشديد تحتية فمعجمة، أي: قُدِّرَ وَوُكِّلَ، (عليهن) أي: على محافظة تلك الكلمات، (مَلَك) ووقع في بعض النسخ:"قبض"

(1)

بالموحدة، وهكذا صحح في نسخة "السلاح"، ذكره ميرك.

فهو بصيغة الفاعل، ولا يمنعه وجود "على"، لكون تعديته بدونه، فإنه قد يتعدى بنفسه، وقد يتعدى بغيره. ففي "القاموس":"قبضه بيده تناوله، وله وعليه: أمسكه"

(2)

.

(فضمهن) أي: لمهن (تحت جناحه، وصَعِدَ بهن، لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن) أي: لما يَشَمُّون من رَائِحَتِهن، (حتى يحيا بهن وجهُ الرحمن) بصيغة المجهول من التحية، ورفع "الوجه" على نيابة الفاعل، ولعل المراد بالوجه الذات، أو التقدير: وجه عرشه، وهو المناسب؛ لقوله سبحانه:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5].

(1)

وهو الموافق لما في (م).

(2)

القاموس المحيط (651).

ص: 1347

وقال صاحب "الكشف" البزدوي: "إن "حيَّاه" في الأصل بمعنى: استقبله، والمحيا: الوجه، فاستعير هنا للعرض في الحضرة الإلهية، والوقوع في معرض القبول وكأن الباء للتعدية"، انتهى.

وقال بعض المحققين: "كذا رواه الحاكم، لكن الطبراني رواه: "حتى يحيي بهن وجهَ الرحمن"، بالنصب"

(1)

.

وقال في "الترغيب": "ولعله الصواب". وزاد في "سلاح المؤمن": "يرفعه، ثم تلا عبد الله بن مسعود: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} [فاطر: 10] ".

(مو مس) أي: رواه الحاكم موقوفًا من قول عبد الله بن مسعود، وقال:"صحيح الإسناد". ولفظه: عن عبد الله بن مسعود، قال:"إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك في كتاب الله؛ إن العبد إذا قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله، قيض عليهن مَلَك، فضمهن تحت جناحه، فصَعِدَ بهن، لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيا بهن وجه الرحمن، ثم تلا عبد الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ".

(1)

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(9144) و (9145) و (9146)، والحاكم (1/ 512)، والبيهقي في "الشعب"(625)، في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي كان قد اختلط. والحديث ضعيف موقوف، كما في "ضعيف الترغيب"(948).

ص: 1348

أقول: الظاهر أن هذا الحديث ولو كان بسنده موقوفًا لكنه في حكم المرفوع؛ إذ مثله لا يقال من قِبَل الرأي، وإنما ذكر الآية استشهادًا، وبينها اعتضادًا وتنبيهًا على أن ما ورد من السنة إنما هو بيان لما في كتاب الله، والله أعلم بالصواب.

(إن الله اصطفى من الكلام) أي: من جنس ما يتكلم به، أو من الكلمات الواردة في كلام الله، (أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله، كتب له عشرون حسنة) أي: لاشتماله على كلمتين، كل كلمة حسنة مضاعفة بعشرة على أقل أصناف المضاعفة.

(وحطت) أي: وضعت ومحيت (عنه عشرون سيئة. ومن قال: الحمد لله فمثل ذلك) بالرفع، أي: فحكمه مثل ما تقدم من الإثبات والمحو. وفي نسخة بالنصب، أي: فيكون حكمه مثل ما ذُكِرَ.

وهذه الجملة موجودة في أكثر النسخ المصححة، وفي نسخة صحيحة مقروءة مكتوبة في الهامش، مرموز فوقها رمز الطبراني، ومكتوب تحتها:"أصل الطيبي وحاشية الجلال"، والله أعلم بالحال.

(ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين من قِبَل نفسه) بكسر القاف وفتح موحدة، أي: من صميم قلبه مخلصًا لربه زيادة على ما سبق.

وقال المصنف: "أي: من عنده، زيادة على ما تقدم"

(1)

. وقال الحنفي:

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

ص: 1349

"فيه تأمل"، ولم يذكر ما فيه؛ ليتأمل ويعرف ما يوافقه أو ينافيه.

(كتبت له ثلاثون حسنة، وحطت عنه ثلاثون سيئة) أي: بزيادة عشرة في مقابلة قوله: "رب العالمين"، حيث عد المضاف والمضاف إليه منزلة الكلمة الواحدة، أو لأن المقصود بالذات هو المضاف، وذكر المضاف إليه تبعًا للبيان في هذا الشأن. (س، أ، مس، ر) أي رواه: النسائي، وأحمد، والحاكم، والبزار؛ كلهم عن أبي سعيد وأبي هريرة معًا

(1)

.

(أما يستطيع أحدكم) أي: ألم يقدر (أن يعمل كل يوم مثل أُحُد) بضمتين، أي: جبل أُحُد في العظمة، (عملًا؟ قالوا: يا رسول الله، ومن يستطيع ذلك؟! قال: كلكم) أي: كل فرد من أفرادكم، (يستطيعه. قالوا: يا رسول الله، ماذا؟!) أي: أي العمل ذاك أو هذا؟ (قال: سبحان الله أعظم من أُحُد) أي: ثوابًا، (ولا إله إلا الله أعظم من أُحُد، والحمد لله أعظم من أُحُد، والله أكبر أعظم من أُحُد. ر، ط) أي رواه: البزار، والطبراني؛ كلاهما عن عمران بن حصين

(2)

.

(1)

أخرجه (أحمد 2/ 302)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(840)، وأحمد (2/ 302 و 310 و 3/ 35 و 37)، والطبراني في "الدعاء"(1681)، وصححه الحاكم (1/ 512)، والحديث في "صحيح الترغيب"(1554).

(2)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(18/ 174 - 175/ 398) والبزار (3075) وقال الهيثمي (10/ 93 - 94): الطبراني والبزار ورجالهما رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (951).

ص: 1350

(سبحان الله مئة) بالنصب، أي: مئة مرة، (تعدل) بالتأنيث؛ نظرًا إلى الكلمة، وفي نسخة بالتذكير اعتبارًا باللفظ أي: يساوي (مئة رقبة) أي: عتق مئة نَسَمة، (من ولد إسماعيل) بفتحتين، وبضم فسكون، أي: من ذريته، (والحمد لله مئة تعدل مئة فرس مسرجة ملجمة) بصيغة المفعول فيهما، أي: موضوعة عليها السرج واللجام، (يحمل) بصيغة المجهول أي: يركب، (عليها في سبيل الله) أي:[في]

(1)

الغزو أو الحج أو طلب العِلْم.

(والله أكبر مئه تعدل مئه بَدَنة) أي: ناقة أو بقرة، (مقلدة) بتشديد اللام المفتوحة مأخوذة من القلادة، وهي التي في العنق. والتقليد أن يُعَلَّقَ في العنق شيءٌ لِيُعْلَمَ أنه هدْي، كذا في "الصحاح ".

(متقبلة) بفتح الموحدة المشددة، أي: مقبولة، وما أحسن مقابلة التسبيح بعتق من لا يستحق الرق، وبمشاكلة التكبير للبدنة التي هي أكبر ما يهدى في تعظيم الرب سبحانه!.

(س، ق، مس، ط، مص) أي رواه: النسائي، وابن ماجه، والحاكم، والطبراني، وابن أبي شيبة؛ كلهم عن أم هانئ أخت علي [بن]

(2)

أبي طالب، واسمها فاختة، وقيل: هند

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"من".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"بنت".

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (29998)، وأحمد (6/ 344)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(844)، وفي "الكبري"(10680)، وابن ماجه (3810)، والطبراني =

ص: 1351

(تنحر بمكة) بصيغة المجهول من النحر، والضمير لمئة بدنة. (ط) أي: رواه الطبراني عن أبي أمامة بهذه الزيادة.

(ولا إله إلا الله تملأ) بالتأنيث، وقيل: بالتذكير نظرًا إلى الكلمة والقول، والمعنى: يملأ ثوابها لو قدر جسمًا (ما بين السماء والأرض) أو باعتبار معناها من الوحدة في الألوهية ونفي الشركة، والإثنينية تشمل ما بين السماء والأرض، أي: من العلويات والسفليات، فيكون كقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [لزخرف: 84].

(س، ق، مس، أ، ط) أي رواه: النسائي، وابن ماجه، والحاكم، وأحمد، والطبراني، كلهم عن أم هانئ أيضًا

(1)

.

(بَخ بَخ) بفتح الموحدة وبسكون المعجمة فيهما. وفي نسخة بكسرهما منوَّنًا، أي: طوبى، (بخمس) قال المصنف: "يقال عند الفَرَح، والرضا بالشيء، ويكرر عند المبالغة بفتح الباء مبنية علي السكون، فإن

= في "الكبير"(24/ 414)(1008)، وفي "الدعاء"(328)، والبيهقي في (الشعب)(621)، قال البوصيري في "الزوائد": في إسناده زكريا بن منظور وهو ضعيف، وأخرجه أيضًا الحاكم (1/ 513)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: زكريا ضعيف وسقط بين محمد وأم هانئ. والحديث حسن كما في "صحيح الترغيب"(1553).

(1)

أخرجه أحمد (6/ 344)، والطبراني في الكبير (24/ 414)(1008)، والحاكم (1/ 695)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3234)، وحسنه في الصحيحة (1316).

ص: 1352

وصلتها بما بعد جررت ونونت، فقلت: بخ بخ"

(1)

، انتهي.

وذكر في المقدمة أن فيها لغات: إسكان الخاء وكسرها منونًا وغير منون، وبضمها منونًا، وبتشديدها مضمومًا ومنونًا، واختار الخطابي إذا كرر: تنوينَ الأولى وتسكينَ الثانية.

وفي "القاموس"

(2)

: "بخ أي: عظم الأمر وفخم، يقال وحدها، وتكرر "بخ بخ" الأول منون والثاني مسكن. وقل في الإفراد: بَخ ساكنة، وبَخِ مكسورة [وَبَخٍ مُنَوَّنَة،

(3)

، وبَخ منونة مضمومة، ويقال: بَخ بَخْ مُسَكَّنَيْنِ، وبَخٍ بَخٍ مُنَوَّنَيْنِ، وبَخٍّ بَخٍّ مُشَدَّدَّيْنِ، كَلِمَة تُقَالُ عند الرضي والإعجاب بالشيء أو الفخر والمدح".

(ما أثقلهن) فعل تعجب لإفادة المبالغة في ثقلهن، (في الميزان: لا إله إلا الله) ولعل تقديمها لأنها مبدأ علم التوحيد، وعليها مدار التسبيح والتحميد والتمجيد.

(وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح) بالجر علي محل "لا إله إلا الله" المبدل من الخمس، وفي نسخة برفع "الولد" علي تقدير منها، وفي أخرى بالنصب بتقدير:"أعني"، والمراد به الصالح المؤمن، (يتوفى) بصيغة المجهول أي: يقبض أو يموت، (للمرء المسلم) متعلق بالولد،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(2)

القاموس (ص 248)

(3)

من (ج) و (د) و" القاموس" فقط.

ص: 1353

(فيحتسبه) أي: يطلب ثوابه بالصبر والشكر والرضا بالقضاء. قال المصنف: "عطف على "يتوفى" أي: يطلب رضا الله وثوابه"

(1)

، انتهى.

والحاصل: أن ثواب هذه الكلمات وأجر الصبر على فقد الولد الذي عد من الثمرات من أثقل ما يكون في ميزان الأعمال، وأحسن ما يرجى منه في حسن المآل، والله أعلم بالحال.

(س، حب، مس، ر، أ، ط) أي رواه: النسائي وابن حبان والحاكم، من حديث أبي سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: اسمه حريث. والبزار وأحمد والطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ذكره ميرك، وفي نسخة صحيحة نسب الأولان إلى أبي سلمي، والباقون إلى ثوبان

(2)

.

(إن مما تذكرون من جلال الله) كلمة "من" تبيينية أو تبعيضية لـ "ما تذكرون"، وكأن المراد بالجلال ما يدل على عظمته وكبريائه، والظرف خبر مقدم على الاسم، وهو قوله:(سبحان الله، ولا إله إلا الله، والحمد لله ينعطفن حول العرش) قال المصنف: "أي: يدُرن حوله"

(3)

. انتهى.

وفي نسخة: "من حوله"، وهو الملائم لقوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

(2)

أخرجه البزار (214 - كشف) عن ثوبان، النسائي في "عمل اليوم والليلة"(167)، وابن حبان (833)"الإحسان"، والطبراني في "الكبير"(22/ 348) وصححه الحاكم (1/ 511). والحديث في "صحيح الترغيب"(2009) عن أبي سلمى، وأحمد (4/ 443)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2817).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ).

ص: 1354

حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [الزمر: 75].

(لهن) أي: لتلك الكلمات، (دَوِيٌّ) بفتح وكسر وتشديد أي: صوت (كدويِّ النحل) وهو ذباب العسل، وفي "القاموس"

(1)

: "دوي الريح: حفيفها، وكذا من النحل والطائر".

(تذكر) بكسر الكاف المشددة، والضمير المفرد باعتبار كل واحدة أو الجماعة، والمفعول مقدر، أي: تذكر الله أو ملائكته، (بصاحبها) أي: بحاله وتحسين مآله، والباء للتعدية كما في قوله تعالى:{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] فما قال بعضهم من أنها زائدة، فزيادة بلا فائدة، وإن كان قد يتعدى بنفسه، حيثما قال صاحب "الصحاح":"ذكرت الشيء بعد النسيان، وتذكرته، وأذكرته غيري، وذكرته بمعنًى".

وقال المصنف: "دوي: بفتح الدال، صوت ليس بالعالي كصوت النحل ونحوه، وهذا يدل على أن الأقوال والأعمال نفسها تتجسد بقدرة الله تعالى كما تقدم، والله أعلم. ويشهد لذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا

} [آل عمران: 30] الآية. وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7][الآيتين]

(2)

. وحديث: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا

(1)

القاموس (ص 1284).

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):" {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] " وفي "مفتاح الحصن الحصين": "الآية".

ص: 1355

جعل يوم القيامة شجاعًا أقرع""

(1)

، انتهى كلامه.

وفي استدلاله على طبق مقاله نظر، إذ في الآيتين مضاف مقدر أي: جزاء ما عملت من طاعة وسيئة وثواب خيره ولثمره، وأما الحديث الذي ذكره فمعناه صور ماله شجاعًا أي: حية، وليس فيه ما يدل على تجسيم الأقوال والأعمال والله أعلم بالأحوال.

نَعَم، الحديث الذي في الأصل يحتمل أن يكون من هذا القبيل، وأن يصور ثوابها على وجه التمثيل.

(أما يحب أحدكم أن يكون أو لا يزال) بالنصب و"أو" للشك من الراوي، أي:[أن]

(2)

لا يزال، (من يذكر به) أي: عند ربه لمزيد فضله.

(ق، مس) أي رواه: ابن ماجه، والحاكم، عن النعمان بن بشير

(3)

.

(استكثروا) أي: اطلبوا الكثرة (من الباقيات الصالحات) أي: قولًا وفعلًا، (الله أكبر، ولا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي: منها هذه الكلمات.

قال المصنف: "أي: أكثروا منها، وهي للعبد صالحة تنفعه عند الله

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ أ، ب).

(2)

من (ج) و (د) فقط.

(3)

أخرجه ابن ماجه (3809)، والحاكم (1/ 500)، والطبراني في "الدعاء"(1693)، وأحمد (4/ 268 و 271)، وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 269)، وقال البوصيري في "الزوائد": إسناده صحيح. انظر "الأحاديث الصحيحة"(3358) والحديث في "صحيح الترغيب"(1568).

ص: 1356

تعالى. قال غير واحد من السلف: "هي الصلوات الخمس". وقال ابن عباس: "هي ذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، والصيام، والصلاة، والحج، والصدقة، وجميع الأعمال الحسنات، وهن الباقيات الصالحات تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض. وقال العوفي، عن ابن عباس: "هي الكلم الطيب". والأحاديث الواردة أنها: "سبحان الله والحمد لله

" الحديث، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "هي الأعمال الصالحة كلها". واختاره ابن جرير، وهذا هو الظاهر والأعم، وهذه الكلمات منها؛ والله أعلم"

(1)

. (س، حب) أي رواه: النسائي، وابن حبان؛ كلاهما عن أبي سعيد الخدري

(2)

.

(قل) أي: كثيرًا، (لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنز من كنوز الجنة) لما فيها من الرموز الخفية، والأسرار الجلية. قال المصنف:"أي: أجرها مدخر لقائلها والمتصف بها كما يدخر الكنز"

(3)

.

(ع، أ، ر، ط) أي رواه: الجماعة عن أبي موسى الأشعري

(4)

، وأحمد

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 75) وابن حبان (840) والحاكم (1/ 512) والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، وأبو يعلى (1384)، وابن حبان (840) وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (1824) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (828).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

(4)

أخرجه البخاري (6384)، (4205)، (7386)، ومسلم (2704)

ص: 1357

والبزار عن أبي هريرة

(1)

، والطبراني عن معاذ

(2)

، ورواه النسائي عن أبي هريرة وأبي ذرّ أيضًا

(3)

، كذا ذكره ميرك.

= والترمذي (3374)، والنسائي (11427)، وفي عمل اليوم والليلة (538)، وابن ماجه (3824)، وأبو داود (1527).

(1)

أحمد (2/ 520)، والبزار (3087 كشف) والنسائي (6/ 97).

قال الدارقطني في العلل: (1597) وسئل عن حديث عمرو بن ميمون، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة

". فقال اختلف فيه على عمرو بن ميمون فرواه شعبة وزهير سويد بن عبد العزيز، عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو ورواه محمد بن السائب بن بركة عن عمرو بن ميمون عن أبي ذر. وقال ابن أبي حاتم في العلل (2000) وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون بن عمرو، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في: "لا حول ولا قوة إلا بالله". قال أبو محمد: رواه ابن عيينة عن محمد بن السائب بن بركة، عن عمرو بن ميمون عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت لهما: أيهما أصح قال أبي: حديث ابن عيينة أصح، وقال أبو زرعة، عن أبي هريرة غامض. قلت: فأيهما أصح؟ قال: في هذا نظر.

(2)

أخرجه الطبراني (20/ 174) رقم (371). قال الهيثمي (10/ 97): رجاله رجال الصحيح غير عطاء بن السائب وقد حدث عنه حماد بن سلمة قبل الاختلاط.

(3)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(9757) قال الدارقطني في العلل (1114): وسئل عن حديث عمرو بن ميمون عن أبي ذر، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله".

فقال: حدث به محمد بن السائب بن بركة، عن عمرو بن ميمون، عن أبي ذر =

ص: 1358

(باب) أي: فإنها باب، (من أبواب الجنة) أي: نوع مدخل من مداخلها، وصنف من أصناف أسباب حصول مراتبها. (أ، ط، س) أي رواه: أحمد، والطبراني، والنسائي، عن معاذ بن جبل

(1)

.

(غراس الجنة) أي: فإنها من مغروساتها، وأصول موجباتها. (حب، أ، ط) أي رواه: ابن حبان، وأحمد، والطبراني، عن أبي أيوب الأنصاري، وكذا رواه الترمذي وصححه، عنه

(2)

: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مرّ على إبراهيم عليه السلام، فقال: يا محمد، مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة. قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة بالله".

= واختلف عن عمرو بن ميمون، فرواه حاتم بن أبي صغيرة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو. ورواه شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن أبي هريرة. والله أعلم.

(1)

أخرجه أحمد (5/ 228)، والنسائي في "الكبرى"(10189)، وفي "عمل اليوم والليلة"(357)، وعزو للترمذي وهم قال الهيثمي (10/ 97): رجاله رجال الصحيح. وهو حديث صحيح لغيره كما في "الأحاديث الصحيحة"(1528). و"صحيح الترغيب"(1581).

(2)

أحمد (5/ 418)، وابن حبان (821)، والبيهقي في "الشعب"(657)، وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 198).

إسناده ضعيف، فيه عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف، ولكن له شاهدان يرتقي بهما إلى الحسن لغيره.

والحديث صحيح لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1583).

ص: 1359

(وتقدم أنها دواء من تسعة وتسعين داءً، أيسرها) أي: أقلها وأسهلها (الهم) أي: هم الدنيا، أو هم الدَّين بفتح الدال. (مس، ط) أي رواه: الحاكم، والطبراني، كلاهما عن أبي هريرة

(1)

.

(كنت عند النبي) وفي نسخة: "عند رسول الله"، صلى الله عليه وسلم فقلتها) أي: كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، (فقال:[أتدري])

(2)

أي: [أتعلم]

(3)

(ما تفسيرها؟ قلت: الله ورسوله أعلم) أي: بحقيقة معناها، ومقتضى مبناها، (قال: لا حول) أي: لا تحويل ولا انصراف للعبد، (عن معصية الله إلا بعصمة الله) أي: بحفظه إيّاه، (ولا قوة على طاعة الله) أي: عبادته، (إلا بعون الله) أي: بمعونته.

قال النووي: "هي كلمة استسلام وتفويض، وأن العبد لا يملك من أمره شيئًا، وليس له حيلة في دفع شرٍّ، ولا قوةٌ لا في جلب خيرٍ إلا بإرادة الله"

(4)

.

(1)

أخرجه الطبراني في "الدعاء"(1674)، وفي "الأوسط"(5028)، وقال الحاكم (1/ 542): هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وقال الذهبي: بشر واهٍ.

وقال المناوي في "فيض القدير"(6/ 425): وفيه كما في الميزان بشر بن رافع قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال أحمد: ضعيف وقال غيره: حدث بمناكير هذا منها والحديث في "ضعيف الترغيب"(970). انظر "الأحاديث الصحيحة"(1528).

(2)

كذا في (ب)، وفي (ج) و (د):"تدري"، وفي (م):"ما تدري"، وسقطت من (أ).

(3)

كذا في (ب)، وفي (ج) و (د):"تعلم"، وسقطت من (أ).

(4)

فتح الباري (11/ 501).

ص: 1360

(ر) أي: رواه البزار عن ابن مسعود، وفي نسخة:"وعن قيس بن سعد أيضًا"

(1)

.

(وهي) أي: كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، (مع: ولا منجا) بفتح الميم مقصورًا، اسم مكان من النجاة، أي: لا مفر ولا مخلص، ولا ملاذ ولا معاذ (من الله) أي: من قضائه، (إلا إليه) أي: إلى رضائه أو إلى قدره، أو لا خلاص من السوء إلا بالاستغراق في حضرة المولى، ومنه قوله تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50]، وقوله:{كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرّ} [القيامة: 11، 12]، ومنه ما ورد:"لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك".

(كنز من كنوز الجنة) قال ميرك: "سمى هذه الكلمة كنزًا؛ لأنها كالكنز في نفاسته، وصيانته عن أعين الناس، أو أنها من ذخائر الجنة، أو من محصلات نفائس الجنة". وقال النووي: "المعنى أن قولها يحصّل ثوابًا نفيسًا يدخر لصاحبه في الجنة".

(س، ر) أي رواه: النسائي، والبزار، عن أبي هريرة

(2)

.

(1)

أخرجه البزار (2004)، والبيهقي في الشعب (664)، وقال: تفرد به صالح بن بيان السيرافي وليس بالقوي. وأخرجه أيضا: العقيلي (2/ 200)، ترجمة 724)، والخطيب (12/ 362).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (2154): ضعيف جدًّا.

(2)

سبق تخريجه.

ص: 1361

(من قال: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا) وفي نسخة صحيحة: "رسولًا" في الهامش بدل "نبيًّا" ورمز عليه الميم والدال، (وجبت له الجنة) أي: ثبتت أو حصلت وجوبًا بمقتضى الوعد.

(س، م، د، مص) أي رواه: النسائي، ومسلم، وأبو داود، وابن أبي شيبة، عن أبي سعيد الخدري

(1)

.

(من قال: اللهم رب السماوات والأرض) أي: خالقهما، ومربي أهلهما، (عالمَ الغيب والشهادة) أي: السر والعلانية، (إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا؛ أني) بفتح الهمز، (أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، فإنك إن تكلني) أي: تتركني، (إلي نفسي) أي: من غير توفيقٍ لي على الطاعة، ومن غير حفظٍ عن المعصية، (تقربني من الشر) أي: توقعني فيه، (وتباعدني من الخير) أي: بحيث لا يتصور وقوعه مني.

(وإني) بكسر الهمز، (إن أثق) أي:"لا أثق" كما في نسخة، فَـ "إنْ" نافية أي: لا أعتمد ولا أتمسك، (إلا برحمتك فاجعل) أي: أثبت إلى عندك عهدًا) أي: بقبول الإيمان، ودخول الجنان، والخلاص من النيران، (توفينيه) من الإيفاء، ويجوز تشديد الفاء، أي: تجازينيه بذلك العهد وافيًا (يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد) أي: الوعد والعهد (إلا قال

(1)

أخرجه أحمد (3/ 14)، ومسلم (1884) وابن أبي شيبة (29893) وأبو داود (1529)، والنسائي (6/ 19).

ص: 1362

الله) استثناء مِنْ "مَنْ" الشرطية، المراد بها عموم القضية، فكأنه قال: ما قاله أحد إلا قال الله عز وجل يوم القيامة لملائكته) أي: المقربين، وفي نسخة:"للملائكة"، (إن عبدي عهد عندي) أي: معي، (عهدًا) أي: أوفيه إياه، (فأوفوه إياه) أي: بعدم إدخاله النار، (فيدخله الله عز وجل الجنة).

(قال سهيل) أي: أحد الرواة من تبع التابعين، (فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن) وهو من أجلاء التابعين، (أن عوفًا) هو من التابعين أيضًا، (أخبرني بكذا وكذا) أي: عن ابن مسعود مرفوعًا، (فقال) أي: القاسم، (ما في أهلنا) أي: ليس من أقاربنا، أو في أهل بيتنا، (جارية) أي: بنت صغيرة أو خادمة أو مملوكة، (إلا وهي تقول كذا) أي: الدعاء، (في خِدرها) بكسر معجمة فسكون دال مهملة، أي: سترها أو بيتها. (أ) أي: رواه أحمد عن ابن مسعود

(1)

.

قال المصنف: "بكسر الخاء المعجمة وإسكان الدال، وهو ناحية في البيت، يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر، فتكون فيه مخدرة"، انتهى.

وأغرب الحنفي حيث قال: "وهذا لا يلائم ما ذكر في "المهذب " من أن الخِدْرَ هو الستارة"، انتهى. ففي "القاموس"

(2)

: "الخدر بالكسر: ستر يمد للجارية في ناحية البيت، وكل ما واراك من بيت ونحوه".

(1)

أخرجه أحمد (1/ 412). قال الهيثمي في "المجمع"(10/ 174)، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عون بن عبد الله لم يسمع من ابن مسعود.

(2)

القاموس (ص 383).

ص: 1363

(ولما جلس الرجل) أي: المعهود في الحضرة الشريفة، (وقال: الحمد لله حمدًا كثيرًا) أي: في الكمية، (طيبًا) أي: في الكيفية، بالبراءة من الرياء والسمعة، (مباركًا فيه) أي: في الحمد حتى يشمل النعم، بل ويعم البلاء والألم، فيكون حمدًا في السراء والضراء، (كما يحب ربُّنا ويرضي) أي: حمدًا مثل ما يحبه ربنا ويرضى به، فهو صفة بعد صفة لـ "حمدًا"، وجوز الحنفي أن يكون قيدًا لـ "طيبًا مباركًا فيه"، وفيه ما فيه.

(فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي) أي: روحي أو ذاتي، (بيده) أي: بيد قدرته، وتصرف إرادته، (لقد ابتدرها) أي: تسارع إليها وتسابق فيها (عشرة أملاك) وتعجل بعضهم بعضًا في [كتابة]

(1)

تلك الكلمات، ورفعها إلى حضرة رب العزة لعظمة قدرها، وكثرة أجرها.

قال المصنف: "من [المبادرة]

(2)

، وهي العجلة والاهتمام إليه"

(3)

.

وقال الحنفي: "الظاهر أن يقال: من الابتدار بمعني المبادرة"، انتهى.

وفيه: أن الافتعال يكون بمعني المفاعلة، لما بينهما من الفرق المُبَيَّنِ في علم الصَّرْف، فهذه بادرة منهما عفا الله عنا وعنهما، ولعل وجه اختصاص عدد العشرة؛ لأنه أقل الكثرة من الأعداد فوق الآحاد، أو لأنها أدنى مراتب عدد الأخبار المتواترة عند بعض العلماء المعتبرة.

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (خ) و (د):"كَتْبِهِ".

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د) و"مفتاح الحصن الحصين"، وفي (أ):"التبادر".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

ص: 1364

قال المصنف: "الذي خطر لي في وجه كونهم عشرة أن عدد الكلمات عشرة، و"فيه" زائدة؛ ولذلك حذف في بعض الروايات، والله أعلم"

(1)

، انتهى.

ولا يخفى أن الأظهر أن يقال: عدم اعتداده لعدم اعتباره؛ حيث إنه فضلةٌ يجوز ذكره وحذفه، مع أن اعتبار الكلمات على ما قاله لا يوافق اصطلاح النحاة؛ لأن "الحمد" كلمتان عندهم، وكذا قوله:"لله"، وكذا "حمدًا" حيث يعد التنوين كلمة، وكذا "فيه" و"ربنا"، فالشيخ جعلها عشر كلمات باصطلاح القراء حيثما يطلقون الكلمة على ما لا يجوز الفصل بين أجزائها.

(كلهم) أي: كل واحد منهم، أو جميعهم (حريصٌ) وأفرد الضمير باعتبار لفظ الكل، (على أن يكتبوها) أي: على كتابتهم ثوابها وأجرها لقوله: (فما دَرَوا) بفتحتين من الدراية، أي: فما علموا (كيف يكتبونها) أي: لما رأوا فيها من الأنوار الكثيرة، والأسرار [العزيزة]

(2)

مما يتضمنها هذه الكلمات اليسيرة، (حتى رفعوها إلى ذي العزة) أي: على وجه إجمالها.

(فقال: اكتبوها) أي: ألفاظها، (كما قال عبدي) أي: من غير تعرض لقدر أجرها. (حب، مس) أي رواه: ابن حبان، والحاكم، عن أنس

(3)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"الغزيرة".

(3)

أخرجه أحمد (3/ 158)، والنسائي (2/ 132)، وفي "عمل اليوم والليلة"، وابن حبان (845). قال الهيثمي (10/ 97): رجاله ثقات والحديث في "ضعيف الترغيب"(967).

ص: 1365

‌الاستغفار

(وتقدم سيد الاستغفار. خ، س) أي رواه: البخاري، والنسائي، عن شداد بن أوس

(1)

.

(إني لأستغفر الله) أي: في اليوم سبعين مرة، وترك ذكره هنا اعتمادًا على ما بعده.

(ص) أي: رواه أبو يعلى عن أنس، هذا المقدار فقط من آخر الحديث

(2)

.

وفي رواية له ولغيره بزيادة: (وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة. ص، طس) أي رواه: أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"،

(3)

عنه أيضًا.

وفي رواية: "أكثر من سبعين مرة". (خ، س، ق، طس) أي رواه: البخاري، والنسائي، وابن ماجه، والطبراني في "الأوسط"؛ كلهم عن أبي هريرة

(4)

، والنسائي عن أنس أيضًا

(5)

.

وفي رواية: "مئة مرة". (طس، مص) أي رواه: الطبراني في "الأوسط"،

(1)

سبق تخريجه.

(2)

أخرجه النسائي في الكبرى (10266)، وأبو يعلى (2934)، وابن حبان (924)، والضياء (7/ 52)، رقم (2452).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (2877).

(4)

أخرجه البخاري (6307) والترمذي (3259) والنسائي في الكبرى (10270).

(5)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(432) و (433)، والبزار (3245) و (3246)، وابن حبان (924).

ص: 1366

وابن أبي شيبة، عنه أيضًا

(1)

.

هذا، ويحتمل أن الاستغفار له صلى الله عليه وسلم من الأمور المباحة من أكل، أو شرب، أو جماع، أو نوم، أو راحة، أو مخالطة الناس والنظر في مصالحهم، ومحاربة أعدائهم تارة، ومداراتهم أخرى، وتأليف المؤلفة، وغير ذلك مما يحجبه من الاشتغال بذكر ذي الجلال على وجه الكمال، ومن التضرع إليه، ومن الحضور والاستغراق لديه، ومن المشاهدة والمراقبة عليه، فيرى ذلك بالنسبة إلى المقام العلي، وهو الحضور في حظيرة القدس، ومجلس الأنس ذنبًا، حتى يعد الصوفية الشعور بالأمور النفسية نوعًا من الشرك، وإثبات الاثنينية؛ فقال بعض أصحاب الأحوال:"وجودك ذنب لا يقاس به ذنب، وإنما الكمال هو البقاء بالمولى بعد الفناء عن السوى، وهو حقيقة معنى "لا إله إلا الله"".

ولا يبعد أن يكون استغفارُه تشريعًا لأمته، أو من ذنوب الأمة، فهو بمنزلة الشفاعة.

(توبوا إلى ريكم، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة) الظاهر أن المراد بها -وكذا بالسبعين- الكثرة. (عو) أي: رواه أبو عوانة عن ابن عمر، والأغر المزني معًا. ورواه مسلم عنه أيضًا، وفي روايته:"وتوبوا إلى الله" والباقي سواء.

(ما أصر من استغفر، وإن عاد) وفي نسخة: "ولو عاد"، (في اليوم سبعين مرة. د) أي: رواه أبو داود عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ورواه

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (36219) والطبراني (1820).

ص: 1367

الترمذي أيضًا

(1)

.

(إنه) أي: الشأن (ليُغانُ) بضم الياء؛ على أنه مبني للمفعول، وأسند إلى الظرف، وهو قوله:(على قلبي) فمحله الرفع على كونه نائبًا للفاعل، والجملة خبر لـ"إن"، ومفسر لضمير الشأن، واللام لتأكيد البيان، والمعنى: لَيُحْجَبُ وَيُغَطَّى على قلبي حتى يشتغل عن ربي، فإن الغين لغة في الغيم، ويقال: غِينَ على كذا غطي عليه.

وخلاصة المرام في هذا المقام: أن ملاحظة غين الأغيار مانعة عن مطالعة شهود عين الأخيار، كما قال العارف ابن الفارض

(2)

:

(1)

أخرجه الترمذي (3559)، وأبو داود (1514). وإسناده ضعيف؛ لأن فيه مولى أبي بكر مجهول وكذلك حسن بن اليزيد قال عنه الحافظ في "التقريب" لين الحديث (ت 1370).

(2)

ابن الفارض: هو أبو حفص وأبو القاسم عمر بن علي بن المرشد بن علي، حموي الأصل، مصري المولد والدار والوفاة، ولد في الرابع من ذي القعدة سنة 576 هـ، وتوفي في الثاني من جمادى الأولى سنة 632 هـ.

قال الذهبي عنه: شاعر الوقت، شرف الدين عمر بن علي بن مرشد، الحموي ثم المصري، صاحب الاتحاد -وحدة الوجود- الذي قد ملأ به "التائية" .. فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى، وأعذنا من الهوى، في أئمة الدين، ألا تغضبون لله؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال في "ميزان الاعتدال": حدث عنه القاسم بن عساكر، ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة، فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن =

ص: 1368

وَلَوْ خَطَرَتْ لِي في سِواكَ إِرادةٌ

على خاطِرِي سَهْوًا حكمتُ بِرِدَّتِي

فلا فَرْقَ بين العين والغين إلا مشاهدة الوحدة الأصلية الذاتية، والكثرة العارضة الحاصلة في الكمية، فإن الغين المعجمة مع زيادتها بالنقطة الحسية وصلت إلى المرتبة المزية المعنوية الألفية.

والحاصل أن الغين نقاب لطيف نوراني بخلاف الرين فإنه حجاب كثيف ظلماني؛ ولذا قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 14 - 15].

هذا، وقد قال المصنف موافقًا لما في "النهاية": "الغين بالنون: غشاءٌ رقيقٌ يكون دون الغيم بالميم، والمغيم فوقه، يقال: غيمت السماء إذا أطبق عليها الغيم، والرين بالراء والنون فوقه، وهو الطبع والختم والسد، وقيل: الغين شجر ملتف، يريد صلى الله عليه وسلم ما يغشاه من السهو ونحوه الذي لا

= الظن بالصوفية، وما ثم إلا زي الصوفية وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاع فقد نصحتك، الله الموعد.

ومن شعره "التائية" وأبياتها تطفح بالكفر والقول بوحدة الوجود، يدعي ابن الفارض أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي اختار له اسمها- كما هو مذكور في "ديباجة ديوانه"-: سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن الفارض مرة أخرى في المنام عن قصيدته "التائية الكبرى": "ماذا سماها؟ "، فأجابه بأنه سماها "لوائح الجنان وروائح الجنان"، فقال له النبي: لا، بل سمها "نظم السلوك" ..

انظر: "سير أعلام النبلاء"(22/ 368)، "ميزان الاعتدال"(3/ 214 - 215)، وابن الفارض والحب الإلهي للدكتور محمد مصطفي حلمي (ص 41).

ص: 1369

يخلو منه بشر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان قلبه مشغولًا بالله عز وجل، فإن عرض له وقتًا عارضٌ بشري يشغله من أمور الأمة ومصالحها، عدّ صلى الله عليه وسلم ذلك ذنبًا [فتضرع]

(1)

إلى الاستغفار"

(2)

.

(وإني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة) جملة أخرى معطوفة أو حالية.

(م، د، س) أي رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن الأغر المزني، وقيل: الجهني، له صحبة، وليس له في الكتب الستة سوى هذا الحديث، ذكره ميرك

(3)

.

(والذي نفسي بيده، لو أخطأتم) أي: إن أذنبتم ذنوبًا كثيرةً (حتى تملأ خطاياكم) أي: سيئاتكم من كثرتها أو عظمتها، (مما بين السماء والأرض) أي: كمية أو كيفية، (ثم استغفرتم الله) أي: ظاهرًا وباطنًا، (لغفر لكم) فإنه مقتضي صفتي الغفار والغفور؛ ولذا قال تعالى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]، ولاستلزام هذه الصفة الإلهية وجود المعصية في الأفراد البشرية.

قال: (والذي نفس محمد بيده) أي: تحت قدرته، وفي تصرف إرادته، (لو لم تخطئوا) أي: سواء أن تستغفروا أو لا تستغفروا، (لجاء الله بقوم

(1)

في "مفتاح الحصن الحصين": "فيفزع".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

(3)

أخرجه مسلم (2702)، وأبو داود (1515)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (442).

ص: 1370

يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم) وهذا أحد معاني الحديث القدسي، والكلام الإنسي:"غلبت رحمتي -أو: سبقت رحمتي- غضبي".

ثم اعلم أنه ضبط قوله: "لو لم تخطئوا" بضم حرف المضارعة وكسر الطاء وضم الهمزة، على ما في أكثر النسخ المصححة والأصول المعتبرة، وهو المطابق لما في اللغة [المشتهرة]

(1)

، وفي بعض النسخ بضم التاء والطاء من غير همزة، وهو تصحيح الأصيل، والأول تصحيح الجلال، والله أعلم بالحال.

وقد ذكر المصنف في "تصحيح المصابيح" عند شرح قوله: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي": "أنه بضم التاء وكسر الطاء وبالهمزة، هذه الرواية المشهورة، ويجوز فيها حذف الهمزة وضم الطاء تخفيفًا، وهو أيضًا لغة مشهورة، وحكي فيها فتح التاء وفتح الطاء، يقال فيها: خطأ يخطأ إذا فعل ما يأثم به"، انتهى.

وفي "التاج": "خطأ السهم من باب سأل، لغة في "خطئ" من باب علم".

وفي "القاموس": "الخَطْءُ وَالْخَطَأُ والخَطَاءُ: ضد الصواب، وقد أخطأ وخطئ وأخطيت لُغَيَّةً أو لُثْغَةٌ، والخطيئة الذنب أو ما تعمد منه، وخطئ من ذنبه وأخطأ: سلك سبيل خطأ عامدًا أو غيره"، انتهى

(2)

.

وفي قوله: "لُغَيَّةً أو لثغة" ردٌّ على قول المصنف: "إنه لغة مشهورة"، ثم

(1)

كذا في (أ) و (ب)، كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"المشهورة".

(2)

القاموس (ص 39).

ص: 1371

قوله: "فيغفر لهم" بصيغة المجهول في "أصل الجلال"، وبالمعلوم عند "الأصيل" وهو الأظهر.

(أ، ص) أي رواه: أحمد، وأبو يعلى؛ كلاهما عن أبي سعيد الخدري

(1)

.

(والذي نفسي) وفي نسخة: "نفس محمد [بيده]

(2)

(لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء) أي: الله، (بقومٍ) الباء للتعدية فيهما أي: لأذهبكم وأفناكم، وأظهر قومًا آخرين (يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) بالوجهين السابقين.

ولعل السر في هذا أن الملائكة معصومون عن المعصية والشياطين غير مستغفرين عن السيئة وغير قابلين للمغفرة، فلا بد من برزخٍ جامع بين حصول المعصية ووصول المغفرة، وهذا حال عوام المسلمين، فإن الأنبياء معصومون كالملائكة، والكفار لا يقبلون الغفران كالشياطين المردة. (م) أي: رواه مسلم عن أبي هريرة

(3)

.

(من استغفر الله) أي: بصدق الرغبة، (غفر الله له) أي: البتة. (ت، س) أي رواه: الترمذي، والنسائي، عن ابن عمر

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (3/ 238)، وأبو يعلى (4226). قال الهيثمي (10/ 215): رجاله ثقات.

(2)

من (أ) و (ج) فقط.

(3)

أخرجه مسلم (2749).

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (9988) والترمذي (3470) وقال الألباني: ضعيف جدًّا (الضعيفة 4067).

ص: 1372

(من أحبّ أن تسرّه) أي: تعجبه وتفرحه (صحيفته) أي: ما في صحيفة أعماله" (فليكثر فيها من الاستغفار) أي: لئلا يكون من أهل الإصرار، وليكون استغفاره محوًا لذنوبه فيصير من الأخيار الأبرار.

(طس) أي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن الزبير بن العوام

(1)

.

(ما من مسلم يعمل ذنبًا إلا وقف الملك) بصيغة الفاعل من الوقوف، بمعني: التوقف، وفي نسخة على البناء للمجهول من الوقف، بمعني: الحبس، أي: منع الملك، (الموكل بإحصاء ذنوبه ثلاث ساعات).

(فإن استغفر الله من ذنبه ذلك) أي: الواقع حينئذٍ، (في شيء من تلك الساعات) متعلق بـ "استغفر"، (لم يوقفه) من الإيقاف، بمعني: الإعلام، أي: لم يعلمه الله تعالى، أو الملك الموكل بإحصاء الذنوب المسلم، (عليه) أي: على ذلك الذنب.

ويجوز أن يكون بالتشديد من التوقيف، ففي "المغرب":"وقّفه أي: عرفه إياه، من وقفت القارئ توقيفًا: إذا أعلمته موضع الوقوف، ومنه: أوقفته على ذنبه، أي: عرفته إياه".

وفي "القاموس"

(2)

: "وقفته أنا: فعلت به ما وقف كوقفته وأوقفته،

(1)

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(843)، ورجاله ثقات كما في "المجمع"(1/ 208). انظر "الأحاديث الصحيحة"(2299). والحديث حسن كما في "صحيح الترغيب"(1619).

(2)

القاموس (1/ 860).

ص: 1373

وفلانًا على ذنبه: أطلعته، والدار: حبسه كأوقفه، وهذه رديئةٌ".

(ولم يعذب) بصيغة المجهول، أي: لم يعاقب المسلم، وفي نسخة:"ولم يعذبه"(يوم القيامة. مس) أي: رواه الحاكم عن أم عصمة العَوْصِية

(1)

بفتح العين وسكون الواو وبالصاد المهملة، نسبة إلى عَوْص بن عوف بن عذرة، بطن من كلب

(2)

، كذا في هامش "أصل الأصيل".

قال صاحب "السلاح ": "وكانت قد أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد".

(إن إبليس قال لربه عز وجل إيماء إلى صفة جلاله من العزة والغلبة، والكبرياء والعظمة، المقتضية لخلق أهل الضلالة، وإبقاء أسباب الغواية.

(وعزتك وجلالك) كما قال تعالى حكاية عنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} [ص: 82] وفي موضع: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [اأعراف: 16]، (لا أبرح) أي: لا أزال لكوني مظهر الجلال، ومظهر الضلال، (أغوي بني آدم) أي: أضلهم بخلاف الملائكة فإنه لا يقدر عليهم بالكلية.

وأما الشياطين فهم مجبولون على المعصية، قال المصنف:"بضم الهمزة، وكسر الواو: أضلهم"

(3)

(ما دامت الأرواح فيهم) أي: فإنه حينئذٍ

(1)

أخرجه الحاكم (4/ 262) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3765).

(2)

الإصابة (14/ 448).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

ص: 1374

وقت التكليف.

(فقال له ربه: فبعزتي وجلالي) ولعل ذكرهما للمشاكلة، وإلا فمقتضى ظاهر معنى المقابلة أن يقول:"فبرحمتي وجمالي"، (لا أبرح أغفر) أي:"لهم" كما في "أصل الأصيل"، (ما استغفروني).

ويحتمل -الله أعلم- أن التعبير بالعزة والجلال هنا للإشعار بأن -عزته وجلاله اقتضى ارتكاب الذنوب ومباشرة العيوب، ومع هذا جلاله متضمن لجماله لظهور كماله على ما ورد من حديث:"سبقت -أو غلبت- رحمتي غضبي". (أ، ص) أي رواه: أحمد، وأبو يعلى، عن أبي سعيد الخدري

(1)

.

(وتقدم حديث الرجل الذي جاء النبي) أي: أتاه، وفي نسخة:"جاء إلى النبي"، (صلى الله عليه وسلم فقال: واذنوباه!) بسكون الهاء [وسبق]

(2)

بيانه، (فقال: أين أنت من الاستغفار؟ مس) أي: رواه الحاكم عن جابر

(3)

.

(وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: واذنوباه!) بسكون الهاء بعد زيادة

(1)

أخرجه أحمد (3/ 29)، وعبد بن حميد (932)، وأبو يعلى (1399)، والحاكم (4/ 290)، وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضا: الطبراني في الأوسط (8788). قال الهيثمي (مجمع الزوائد 10/ 207): رواه أحمد، وأبو يعلى بنحوه، والطبراني في الأوسط، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي أبي يعلى.

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي ب (ب):"وتقدم".

(3)

سبق تخريجه.

ص: 1375

الألف في آخر المندوب لمد الصوت المطلوب في الندبة حال الوقف لبيان المدة دون الوصل إلا لضرورة الشعر، واختص المندوب وهو المتفجع عليه ثبوتًا بـ "وا" ممتازًا به عن المنادى لعدم دخوله عليه بخلاف "يا" فإنه مشترك بينهما فيقال: يا حسرتاه، ويا مصيبتاه!.

(واذنوباه!) التكرير للتأكيد أو للتكثير، ويؤيده قوله:(فقال: قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجي عندي من عملي) أي: من عباداتي، (فقالها) أي: الكلمات، (ثم قال: عد) بضم فسكون، أمر من العود، أي: قل مرة أخرى (فعاد) أي: فقالها ثانيًا (ثم قال: عد، فعاد، فقال: قم فقد غفر الله لك) رواه الحاكم عن جابر بن عبد الله الأنصاري

(1)

.

(ما من حافظَيْن) أي: من الملائكة، (يرفعان إلى الله في يومٍ) وكذا في ليلة، ولعل وجه تخصيصه وقوع أكثر الأعمال فيه، ولذا قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام: 60]، أو هو من

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 543)، وقال: حديث رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح ولم يخرجاه، وقال الذهبي: سمعه إبراهيم بن المنذر وهو مدنيون ولم يجرحوا، أما قول الحاكم: حديث رواته عن آخرهم مدنيون ممن لا يعرف واحد منهم بجرح ولم يخرجاه، فلا يكفي للاحتجاج بالرواة، فكونهم لم يعرفوا بجرح فكذا لم يعرفوا بتوثيق فهم في تعداد المجاهيل، والجهالة جرح، سيما مع التفرد، ومع ذلك فشيخ الحاكم لا يوثق بنقله.

فهذا الحديث بعيد عن الصحة أما من ناحية الدعاء به ففي الصحيح غنية عنه.

والحديث في "ضعيف الترغيب"(1007).

ص: 1376

باب الاكتفاء، أو ترك ذكر الليل للمقايسة.

(صحيفةً) أي: لأعمال بني آدم، (فيرى) أي: الله، بأن يتعلق علمه التنجيزي الظهوري على وفق علمه الأزلي البطوني فينظر صاحبها، (في أول الصحيفة، وفي آخرها استغفارًا) وفي نسخة بصيغة المجهول في "فَيَرَى"، وبرفع "استغفار".

(إلا قال تبارك وتعالى: قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة) أي: من الذنوب والعيوب، فينبغي أن يستغفر ربه أول ما يستنبه عن نومه كما يشير إليه قوله سبحانه:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]، وآخر ما يريد أنه يرقد ليكون إشارةً إلى خاتمة خيرٍ من الاستغفار وسائر الأذكار. (ر) أي: رواه البزار عن أنس رضي الله عنه

(1)

.

(من استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كتب الله بكل مؤمن ومؤمنة حسنةً) أي: في مقابلة استغفاره لهم. (ط) أي: رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت

(2)

.

(1)

أخرجه البزار كما في "كشف الأستار"(3252)، وقال: قال البزار: لا نعلم رواه عن الحسن، عن أنس إلا تمام، وهو صالح، ولم يرو هذا الحديث غيره، ولم يتابع عليه، تفرد به أنس.

وهو في "ضعيف الترغيب"(401) انظر "الأحاديث الضعيفة"(2239).

(2)

أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(2155).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 210): رواه الطبراني، وإسناده جيد.

ص: 1377

(وتقدم: من لزم الاستغفار) أي: وترك الإصرار، (ومن أكثر منه) أي: من الاستغفار، (جعل الله له من كل ضيقٍ) أي: من كل أمرٍ شديدٍ دينيٍّ أو دنيوي، [(مخرجًا)]

(1)

أي: مخلصًا ومنجىً ومناصًا.

(الحديث. د، س، ق، حب) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن ابن عباس

(2)

.

(وتقدم: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كل يوم

الحديث. ط) أي: رواه الطبراني عن أبي ذر

(3)

.

(وتقدم حديث الرجل الذي جاءه عليه السلام فقال: يا رسول الله، أحدنا يذنب؟ قال: يكتب عليه. ثم يستغفر) أي: "منه" كما في نسخة، (قال: يُغفر له) بصيغة المجهول، وقيل بالمعلوم، وفي نسخة:"قال: ثم يغفر له".

(طس، ط) أي: رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" جميعًا عن عقبة بن عامر

(4)

.

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د) و (م)، وفي (ب):"فرجًا".

(2)

سبق تخريجه.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

أخرجه الروياني في مسنده (173)، والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 287/ 791)، والأوسط 8689، وفي الدعاء (1781) والحاكم (1/ 95).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 200): رواه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده حسن.

قال الحافظ في "الأمالي المطلقة"(ص 134) قال: هذا حديث حسن =

ص: 1378

(يقول الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني) أي: بلسانك، (ورجوتني) أي: بجنانك، (غفرت لك على ما كان منك) أي: من تقصيرٍ في أركانك، أو تكاسل في إحسانك، (ولا أبالي) أي: من أحدٍ؛ لأنه لا يسأل عما يفعل، ولا معقب لحكمه، والشرك مستثنًى بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [أي: إلا بالتوبة]

(1)

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] أي: بالتوبة وبدونها.

(يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك) أي: وصلت من كثرتها أو عظمتها، (عَنَان السماء) بفتح أوله، أي: ما عنَّ لك منها وظهر إذا رفعت رأسك إليها، وقال المصنف:"بفتح العين: السحاب، يريد المبالغة في الكثرة"

(2)

.

(ثم استغفرتني) أي: ظاهرًا وباطنًا، (بالتوبة غفرت لك) وهذا شامل لجميع المذنبين من الظالمين، والأول للمقصرين من السابقين، ثم أشار إلى مرتبة المخلصين المقتصدين بقوله:(يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف، أي: ما يقارب مِلْأَهَا، مصدر قارب يقارب"

(3)

، انتهى.

وفيه: أن مصدر "قارب" إنما يكون بكسر القاف كقاتل قتالًا، وأما

= صحيح

رجاله رجال الصحيح من الليث فصاعدا لكن عبد الله بن صالح وإن كان البخاري يعتمده فإن حفظه ساء في الآخرة ولم أره إلا من طريقه.

(1)

من (أ) و (د) فقط.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 16/ ب، 17/ أ).

ص: 1379

الفُعال بالضم فهو للمبالغة كعجاب مبالغة عجيب، وأيضًا هو معارض لقوله:"ما يقارب ملأها" فإنه المعنى الإسمي لا المصدري.

وقال صاحب "السلاح": "بضم القاف، أي: ما يقرب ملأها، وحكى فيه صاحب "المطالع" الكسر"، انتهى.

والظاهر أن مراد صاحب "المطالع" أن الكسر لغة في ذلك المعنى لا أنه بمعنى المصدر؛ لأن معناه في هذا المقام لا يظهر، وقد ذكر النووي في "رياض الصالحين" أن قُراب الأرض:"بضم القاف، وروي بكسرها، والضم أشهر، وهو ما يقارب ملأها".

وفي "القاموس"

(1)

: "أن القَراب كـ "سحاب" بمعنى: القرب، وقراب الشيء بالكسر وقرابه بالضم: ما قارب قدره".

وقوله: (خطايا) تمييز، (ثم لقيتني) أي: يوم القيامة أو عند الموت؛ فإن: "من مات فقد قامت قيامته"، (لا تشرك بي) حال أو استئناف بيان، (شيئًا) أي: من الإشراك أو من الأشياء، (لآتيك) بالمد على صيغة المتكلم المضارع من الإتيان، وفي نسخة:"لأتيتك" أي: لأجيئك أو لجئتك، (بقرابها مغفرة. ت) أي: رواه الترمذي عن أنس

(2)

، وكذا أحمد،

(1)

القاموس المحيط (ص 123).

(2)

أخرجه الترمذي (3540)، وفيه كثير بن فائد قال عنه الحافظ في "التقريب" مقبول (ت 5655)، وإسناده حسن بشواهده وعند الطبراني في الكبير (12346) من رواية ابن عباس. انظر "الأحاديث الصحيحة"(127). والحديث حسن لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1619) و (1630).

ص: 1380

والدارمي، عن أبي ذر

(1)

.

(إن عبدًا أصاب ذنبًا فقال: رب، أذنبت ذنبًا فاغفره لي، فقال ربه) أي: لملائكته أو في ذاته، (أَعِلَمَ عبدي) بهمزة الاستفهام التقريري قبل الفعل الماضي، وفي "أصل الجلال" بلا استفهام، والمعني: قد علم عبدي (أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟) أي: يعاقب فاعله إن شاء أو إن لم يتب.

(غفرت لعبدي) أي: حيث تاب كما يدل عليه قوله: (ثم مكث) بفتح الكاف وضمها كما قرئ بهما في قوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: 22] أي: لبث، (ما شاء الله) أي: من الزمان، (ثم أصاب ذنبًا، فقال: رب، أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي).

قال القرطبي: "فائدةُ هذا الحديث: أن العود إلى الذنب، وإن كان أقبحَ من ابتدائه؛ لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة= لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم، والإلحاح في سؤاله، والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه".

(فقال: أَعَلِمَ عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا فقال: رب، أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي).

قال النووي: "في هذا الحديث: أن الذنوب ولو تكررت مئة مرة، بل

(1)

أخرجه أحمد (5/ 154).

ص: 1381

ألفا وأكثر، وتاب في كل مرة قبلت توبته، ولو تاب من الجميع توبةً واحدةً صحت توبته"، انتهى.

وقوله: (ثلاثًا) ليس ظرفًا لقوله: "غفرت" كما [يتبادر إلى]

(1)

وهم من لا فهم له، بل بيان لما وقع من تكرار السؤال والجواب في الحديث بين العبد والرب.

وقوله: (فليعمل ما شاء) مترتب على عادته المعروفة من الوقوع في المعصية والرجوع إلى التوبة، وليس المراد به الأمر على وجه الإباحة بالمخالفة، بل قد يطلق الأمر للتلطف وإظهار العناية والشفقة، كما تقول لمن تراقبه وتتقرب إليه وهو يباعد عنك ويقصر في حقك:"افعل ما شئت، فلست أعرض عنك، ولا أترك ودادك".

وهو في الحديث بهذا المعنى، أي: إن فعلت أضعاف ما كنت تفعل ثم استغفرت عنه غفرت لك، فإني أغفر الذنوب جميعًا ما دمت تائبًا عنها، مستغفرًا إياها.

(خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن أبي هريرة

(2)

.

(طوبى) فُعْلَى من الطيب، قلبت ياؤه واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها؛ ففي "الصحاح":"يقال: طوبى لك وطوباك".

(1)

كذا في (ب) و (د)، وفي (أ):"يتبادر إليه"، وفي (ج):"تبادر إلى".

(2)

أخرجه البخاري (7507)، ومسلم (2758)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (419).

ص: 1382

قلت: وفي التنزيل {طُوبَى لَهُمْ} [الرعد: 29]؛ فقيل: "طوبى: اسم شجرة في الجنة"، وقيل: " [اسم]

(1)

الجنة" على ما ذكره في "النهاية"، وقيل: كلمة إنشاء لأنه دعاء معناه: أصاب خيرًا". والأظهر أن معناه: الحالة الحسنى.

(لمن وجد) أي: صادف، (في صحيفته استغفارًا كثيرًا) قال السبكي الكبير: "الاستغفار: طلب المغفرة باللسان أو بالقلب أو بهما.

فالأول: فيه نفع؛ لأنه خير من السكوت، ولأنه يعتاد فعل الخير.

والثاني: نافع جدًّا.

والثالث: أبلغ منه لكنهما لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة، فإن العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة منه

".

إلى أن قال: "والذي ذكرته من أن معنى الاستغفار غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ، لكنه غلب عند كثير من الناس أن لفظ: "أستغفر الله" معناه التوبة، فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محالة".

ثم قال: "وذكر بعض العلماء: أن التوبة لا تتم إلا بالاستغفار لقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3]، والمشهور أنه لا يشترط"، كذا ذكره ميرك عن الشيخ.

قلت: الآية دالة على أن الاستغفار غير التوبة، وأنها تتم بدونه لعطفها عليه بـ "ثم" المشير بها إلى أنها أعلى مرتبة منه ومغايرةً له، فمعنى الآية: استغفروا بلسانكم وتوبوا إليه بجنانكم، فإن الجمع بينهما أولى في مرتبة إحسانكم.

(1)

من (ج) و (د) و"النهاية" فقط.

ص: 1383

(ق) أي: رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر -بضم الموحدة وسكون السين المهملة- بإسناد صحيح، ورواه النسائي أيضًا في "عمل اليوم والليلة"، ورواه البيهقي أيضًا

(1)

.

(وتقدم حديث الذي شكى إليه عليه السلام ذَرَب لسانه) بفتحتين أي: حِدّته، وفي "السلاح":"بفتح الذال المعجمة والراء: هو الفحش".

(فقال: أين أنت من الاستغفار؟) أي: حيث إنه يصلح لرفعه ودفعه. (مص، ي) أي رواه: ابن أبي شيبة، وابن السني، كلاهما عن حذيفة

(2)

.

(وكيفية الاستغفار) أي: الوارد على طريق الاختصار، (أستغفر الله، أستغفر الله) أي: على قصد التكرار والإكثار.

(مو م) أي: رواه مسلم موقوفًا عن الأوزاعي، قال ميرك:"ثقة فقيه كوفي، من كبار أتباع التابعين، واسمه عبد الرحمن بن عمرو"

(3)

.

وقد سبق رواية مسلم، والأربعة، عن ثوبان مرفوعًا: "أنه عليه السلام قال

(1)

أخرجه ابن ماجه (3818) عن عبد الله بن بسر، وأخرجه أبو نعيم (10/ 395) عن عائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3930). قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 309): رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30054)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(450)، والطبراني في "الدعاء"(1813)، (1815)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(362)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 267).

(3)

أخرجه مسلم (591) ولأبي داود (1513)، والترمذي (30) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (3/ 68 - 69).

ص: 1384

بعد فراغ صلاته: أستغفر الله ثلاث مرات" فلا وجه لنسبته إلى الأوزاعي.

(من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيّوم) بنصبهما صفة أو مدحًا، وفي نسخة برفعهما بدلًا من الضمير، أو على المدح، أو على أنه خبر مبتدإٍ محذوف.

(وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) بفتح الزاي وسكون الحاء وبالفاء، أي: فر من الجهاد ولقاء العدو في الحرب، والزحف: الجيش يزحفون إلى العدو، أي يمشون، يقال:"زحف إليه زحفًا، إذا مشى نحوه"، كذا في "النهاية"

(1)

والتحقيق: أن أصلَه من زحف الصبي قبل أن يمشي، ولما كان سير الجيش الكبير والجمع الكثير، يُرى في بادئ الرأي أنه بطيء= أطلق عليهم الزحف.

ومنه قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88]، ثم رأيته في "النهاية":"الزحف: الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف، من زحف الصبي، إذا دبّ على استه قليلًا قليلًا".

وقال المظهر: "هو اجتماع الجيش في وجه العدو، أي: من حرب الكفار له من حيث لا يجوز الفرار بأن لا يزيد العدو على مثلي عدد المسلمين".

(د، ت) أي رواه: أبو داود، والترمذي؛ كلاهما عن زيد مولى النبي عليه السلام، قال الترمذي:"هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"،

(1)

النهاية (2/ 297).

ص: 1385

يعني: من طريق بلال بن يسار بن زيد، قال: حدثني أبي، عن جدي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

قال الحافظ المنذري: "إسناده جيد متصل، فقد ذكر البخاري في "تاريخه" أن بلالًا سمع أباه يسارًا، وأن يسارًا سمع من أبيه زيدٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في يسارٍ والد بلال أنه بالباء الموحدة، أو بالياء المثناة التحتانية، وذكر البخاري في "تاريخه" أنه بالموحدة، والله أعلم".

وقال المصنف في "تصحيح المصابيح": "ليس زيد هذا زيد بن حارثة والد أسامة، بل هو أبو يسار روى عنه ابنه يسار هذا الحديث، ذكره البغوي في "معجم الصحابة"، وقال: "لا أعلم له غير هذا الحديث"".

وقال العسقلاني في "التقريب": "زيد والد يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم: صحابي له حديث، وذكر أبو موسى المديني أنه كان عبدًا نوبيًّا".

(ثلاث مرات. ت

(2)

، مو ط) رواه الترمذي من حديث زيد المذكور

(1)

أخرجه الترمذي (3577) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو داود (1517) وابن سعد (7/ 66)، والطبراني (5/ 89) رقم (4670)، قال المنذري: وذكره البغوي في معجم الصحابة: بالباء، وقال: لا أعلم لزيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وذكره البخاري في تاريخه: بالباء، وذكر أن بلالًا سمع من أبيه يسار وأن يسارًا سمع من أبيه زيد الله أعلم " الترغيب والترهيب"(2/ 470).

وانظر: تعقب الناجي على المنذري في عجالة الإملاء (4/ 578) ويسار بن زيد أبو بلال مولى النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن حبان في الثقات، وسكت عنه أبو حاتم، وقال الذهبي: لا يعرف. وقال الحافظ في "التقريب": مقبول (ت 7853).

(2)

بعدها في (أ) و (ج) و (د) و (م): "حب"، ولم يذكره المؤلف فيمن خرجوا الحديث.

ص: 1386

مرفوعًا، ورواه الطبراني موقوفًا من قول ابن مسعودٍ.

وقال صاحب "السلاح": "ورواه الحاكم من حديثه، وقال: "صحيح على شرطهما"".

(1)

وقال ميرك: "ورواه الحاكم عن ابن مسعودٍ، وقال: "على شرطهما" إلا أنه قال: "يقولها ثلاثًا"".

وقال صاحب "السلاح": "رواه الترمذي من حديث أبي سعيدٍ، وقال فيه: "ثلاث مراتٍ"".

(2)

وقال ميرك: "رواه الترمذي من حديث أبي سعيد بلفظ: "من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، ثلاث مرات، غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن كانت عدد ورق الشجر، وإن كانت عدد رمل عالج، وإن كانت عدد أيام الدنيا"، وليس فيه ذكر الفرار من الزحف، ثم قال الترمذي بعد إيراده: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه"".

(خمس مرات، غفر له وإن كان) أي: ولو كان (عليه) أي: من الذنوب (مثل زبد البحر) أي: في الكثرة والعظمة، وهو بالرفع على أنه اسم "كان"،

(1)

وصححه الحاكم (1/ 511)، انظر "الأحاديث الصحيحة"(2727).

والحديث صحيح لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1622).

(2)

أخرجه الترمذي (3394) فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي، وشيخه عطية العوفي وهما ضعيفان، وأخرجه أحمد (3/ 10)، وأبو يعلى (1339). والحديث في "ضعيف الترغيب"(349).

ص: 1387

وخبره "عليه" مقدّم. (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن أبي سعيد

(1)

.

(وإن كنّا) مخففة من الثقيلة بقرينة اللام في قوله: (لنَعُدّ) بفتح النون وضم العين وتشديد الدال، أي: لنحصي، (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: لقوله، (في المجلس الواحد: ربّ اغفر لي) وهو منصوب المحل على أنه مفعول، والمعني: اغفر لي فيما مضي (وتب علي) أي: وثبتني على التوبة فيما يبقى، أو وارجع على بالرحمة بتوفيق الطاعة، (إنك أنت التواب) أي: وهَّاب التوبة وموفقها، وقابلها ومثبتها.

(الرحيم. د، حب) أي: كثير الرحمة على أهل الطاعة والراجعين عن المعصية والغفلة وهو رواية أبي داود وابن حبان المرموزين فوقه على النسخ المصححة، و"الغفور"

(2)

بدلًا عنه برواية الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، على ما رمز رموزهم فوقه في الأصول المعتمدة، فهذا خلاف عارضٌ في أثناء الحديث، وتتمته المتفق عليها:(مئة مرة) لنعد على المفعول المطلق.

(عه، حب) أي رواه: الأربعة، وابن حبان؛ كلهم عن ابن عُمَر، قال الترمذي:"حسن غريب صحيح"

(3)

.

(وما أحسن قولَ الربيع) بالراء والموحدة على وزن البديع، (بن خُثَيم)

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30060).

(2)

كتب بعدها في (م) الرموز: "ت، س، ق"، وهي مثبتة في حاشية (ج).

(3)

أخرجه أبو داود (1516)، والترمذي (3434) وقال حديث حسن صحيح غريب، والنسائي في الكبرى (10292)، وفي عمل اليوم والليلة (458)، وابن ماجه (3814)، والبغوي (1289)، راجع الصحيحة (566).

ص: 1388

بضم المعجمة وفتح المثلثة: ابن عائذ بن عبد الله أبو يزيد الكوفي ثقة عابد

(1)

، قال له ابن مسعود:"لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك"

(2)

، كذا في "التقريب" للعسقلاني. رضي الله عنه كذا في النسخ الحاضرة كلها مع أنه ليس من الصحابة.

ولعل المصنف دعا له بهذا الدعاء لكمال رضاه عنه في قوله: (لا يقل أحدكم) أي: بلسانه من غير مواطأة جنانه، (أستغفر الله) أي: لئلا يكون كالمستهزيء بربه، (وأتوب إليه) فإنه بمجرد هذا اللفظ يكون من توبة الكذّابين، (فيكونَ) بالنصب على جواب النفي، والضمير لقوله المركب من الجملتين، (ذنبَا) أي: من جهة إخبار استغفاره، (وكذبًا) أي: من جهة دعوى توبته، وهو بفتح الكاف وكسر الذال، وفي نسخة صحيحة بكسر فسكون، ويمكن أن يكون قوله:"كذبًا" عطف تفسير لـ "ذنبًا".

(بل يقول: اللهم اغفر لي) أي: ليكون نصًّا في طلب المغفرة، ويخرج عن كونه إخبارًا، وكذا في قوله:(وتب على) أي: بتوفيق الطاعة،

(1)

الربيع بن خُثَيم بن عائذ بن عبد الله بن موهب الثوري أبو يزيد الكوفي. ثقة عابد مخضرم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وعن ابن مسعود وغيره، وعنه ابنه عبد الله ومنذر الثوري والشعبي وهلال بن يساف وإبراهيم النخعي وبكر بن ماعز وغيرهم. روى الإمام أحمد في الزهد عن ابن مسعود أنه كان يقول للربيع: والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك. مات سنة إحدى وقيل ثلاث وستين. أخرج له الشيخان وغيرهما. انظر ترجمته في: (التهذيب 3/ 210).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (36699).

ص: 1389

وبالرجوع على [بالرحمة]

(1)

.

(وليس) أي: معنى هذا القول، (كما فهم بعض أئمتنا) وهو الإمام النووي

(2)

على ما سيأتي، (أن الاستغفار على هذا الوجه يكون كذبًا) أي: فقط، (بل هو ذنب) أي: إثم آخر أيضًا، وإلا فكل كذب ذنب، (فإنه إذا استغفر من قلبٍ لاهٍ لا يستحضر طلب المغفرة، ولا يلجأ إلى الله بقلبه، فإن ذلك ذنب عقابُه الحرمان).

أقول: قد تقدم عن السبكي أن الاستغفار على كل حالٍ له نفعٌ. نعم، مع حضور القلب مع الرب نور على نور، فترك الكمال لا يعد ذنبًا، فإن العلماء أجمعوا على أن من ذكر الله أو استغفره بلسانه من غير إحضار جنانه لا يكون مذنبًا، بل يكون عابدًا باعتبار بعض أعضائه، وكذلك الجمهور من العلماء على عدم اشتراط حضور القلب في الصلاة إلا في مبدئها حال النية.

ثم قول المصنف: (وهذا كقول رابعة

(3)

: استغفارنا يحتاج إلى استغفارٍ كثيرٍ) صحيحٌ، لكن ليس مما يدل على أنها عدت الاستغفار اللساني ذنبًا شرعيًّا، بل أرادت به أن حسناتِ الأبرار سيئاتُ المقربين؛ فإن الغفلة عندهم معصية بل جعلها بعضهم كفرًا، وقد علم كل أناس مشربهم، كما يعلم كل طائفة من العلماء مذهبهم.

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"بالمرحمة".

(2)

الأذكار (ص 637).

(3)

الأذكار (ص 637).

ص: 1390

وهنا مسلك دقيق للصوفية حيث قالوا: "إن الاستغفار من الذنب ذنبٌ آخرُ لتضمنه دعوى الوجود والقدرة والفعل لما سواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله".

(وأما إذا قال: أتوب إلى الله، ولم يتب فلا شك أنه كذب) أقول: وكذا إذا قال: أستغفر الله، ولم يطلب المغفرة بأن يكون خالي الذهن، فلا شك أنه كذب، وأما إذا أريد بهما الدعاء -وإن كان بلفظ الإخبار- فلا يكون ذنبًا، ولا كذبًا، فيوافق حينئذٍ قوله:(وأما الدعاء بالمغفرة والتوبة فإنه وإن كان غافلا) أي: لاهيًا غيرَ مستحضر لطلب المغفرة، وحصول التوبة، ويستحق عليه المقت في الجملة، (فقد يصادف وقتًا) أي: يجد زمانًا لإجابة الدعاء ضمنًا، (فيقبل) بصيغة المجهول أي: فيقبل حينئذٍ دعاؤه، وإن لم يكن مقيّدًا بحضور قلبه وسائر شروطه.

(فمن أكثر طرق الباب) أي: دقه للدخول وملازمة الوصول (يوشك أن يلج) أي: يقرب أن يدخل إلى الباب، ويصل إلى مرتبة الثواب، وحسن المآب كما قيل:"من لج ولج".

وفيه: أن هذا المعنى يعم الدعاء والذكر والصلاة والتلاوة وسائر الوسائل مما دُوِّن فيه الرسائل، ويقصده كل طالب وسائل، سواء يكون بلفظ الإخبار أو على جهة الإنشاء.

(ويوضح ذلك) أي: يبين ما قررناه، ويعين ما حررناه، (إكثاره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد منه) أي: من قوله أستغفر الله، (مئة مرة) أي: لما كان

ص: 1391

له من حضور القلب مع شهود الرب، (وقطعه) أي: وقطع حكمه، المن قال: أستغفر الله وأتوب إليه بالمغفرة وإن كان قد فر من الزحف، مرة أو ثلاث مرات) أي: باختلاف الروايات.

ولا شك أن كون الاستغفار والتوبة على وجه الكفارة إنما يكون مشروطًا بالاستحضار دون الغفلة وأما كونه بدونه ذنبًا فلا دلالة عليه، ولا إشارة إليه، فالأمر موقوف لديه.

(فها) أي: فخذ أو فتنبه، (قد كشف لك الغطاء) بكسر الغين المعجمة، و"كشف" بصيغة المجهول أي: أزيل لأجلك الحجاب، ورفع لك النقاب، عن وجه الصواب في العطاء.

قال المنصف: "بيانه أن قول القائل: "أستغفر الله وأتوب إليه" لا بد أن يكون على حقيقته في استحضاره بقلبه لا بمجرد القول بحيث تكون التوبة بشروطها، وهي: الندم على ما تقدم منه، والإقلاع في الحال، والعزم على أن لا يعود. [وأضاف إليها بعضهم]

(1)

: مفارقة المكان الذي صدر عنه [فيه]

(2)

المعصية.

وزاد آخرون: هجر قرناءِ السوء الذين كانوا معه في المعصية. وشرط قوم: أن لا يعود بعدها إلى ذلك الذنب. فهذا يغفر له وإن كان قد فرَّ من

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"إليها واختار"، وفي "مفتاح الحصن الحصين":"وأضاف بعضهم".

(2)

كذا في (ب) و"مفتاح الحصن الحصين"، وفي (أ):"في".

ص: 1392

الزحف، وإن كان ذنوبه أكثر من زبد البحر، وأما الدعاء فلا يشترط فيه هذه الشروط"

(1)

.

قلت: وفيه بحثان:

أحدهما: أن التوبة بشروطها سبب تحقق المغفرة ووجوبها، لأنه لا يستحق المغفرةَ أحدٌ بدون وجودها، فـ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وهذه المغفرة قد تكون بلا سبب، وقد توجد بسبب ذكر أو عبادة مع حضورٍ أو غفلةٍ، فإن فضل الله واسع، ورحمته عظيمة.

وثانيهما: أن الدعاء أيضًا له شرائط لقبوله، وأركان لحصول وصوله، فلا كل دعوة مقبولة، ولا كل مسألة محصولة؛ فقد روى الترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ"، وقال:"هذا حديث غريب"

(2)

.

ولا يخفى أن الغرابة لا تنافي الحسن [والصحة]

(3)

، وأما ما قال صاحب "الأذكار":"إنه غريب ضعيف"، فلعل ضعفه من جهة أخرى،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ أ).

(2)

أخرجه الترمذي (3479) وقال: حديث غريب، والحاكم (1/ 493) وكذلك الطبراني في الأوسط (5109)، وتفرد به صالح بن بشير المري وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (2845) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) وفي السلسلة الصحيحة (564).

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"ولا الصحة".

ص: 1393

مع أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقًا مع أن الإجماع على أن الاستجابة الكاملة إنما تكون مع الدعوة بوجود الشروط التامة.

(فاختر لنفسك ما يحلو) بالتذكير، وفي نسخة بالتأنيث

(1)

، أي: ما يعجبك أو ما تستحسنه نفسك؛ ففي "الصحاح": "يقال: حَلَا عيني، وفي عيني، يحلو حلاوة، إذا أعجبك"، وقد أغرب الحنفي حيث قال:"إن كان بالياء آخر الحروف فهو من الحلاوة، يقال: حلا الشيء يحلو حلاوة، وإن كان بالتاء المثناة من فوقُ، فهو من قولهم: حلوته أحلوه حلوانًا"، ثم قال:"والحلوان مصدرٌ كالغفران، ونونه زائدة، وأصله من الحلاوة"، كذا في "النهاية"

(2)

.

(وفي كتاب "الزهد" عن لقمان: عود لسانك [باللهم]

(3)

اغفر لي فإن لله ساعاتٍ لا يرد فيهن سائلًا)

(4)

.

قلت: وكذلك ورد في الحديث: "إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها"

(5)

، وهو يعم الأدعية والأذكار، وسائر العبادات، على أي حالة من الحالات.

(1)

أي: فاختر لنفسك ما تحلو.

(2)

النهاية (1/ 418).

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"يا اللهم".

(4)

أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (971)

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 233)(519)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 231)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1917).

ص: 1394

وليس في هذا كله ما يناقض قول الإمام النووي حيث قال في "الأذكار": عن الربيع بن خثيم أنه: "لا تقل: أستغفر الله وأتوب إليه، فيكون ذنبًا وكذبًا إن لم تفعل، بل قل: اللهم اغفر لي، وتب علي".

قال النووي: "هذا أحسن، وأما كراهة "أستغفر الله"، وتسميته كذبًا، فلا يوافق عليه، لأن معنى أستغفر الله: أطلب المغفرة من الله، وليس هذا كذبًا".

قال: "ويكفي في رده حديث ابن مسعود بلفظ: "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه، وإن كان فر من الزحف"، أخرجه أبو داود، والترمذي، وصححه الحاكم"

(1)

.

وقال ميرك: "هذا في لفظ: "أستغفر الله"، وأما "أتوب إليه" فهو الذي عني الربيع أنه كذبٌ، وهو كذلك إذا قاله، ولم يفعل التوبة كما قال، وفي الاستدلال للرد عليه بحديث ابن مسعود نظر؛ لجواز أن يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شرط التوبة، ويحتمل أن يكون مراد الربيع مجموع اللفظين لا خصوص "أستغفر الله"، فيصح كلامه كله".

قلت: ويدل عليه عدوله عنهما بقوله: "اللهم اغفر لي، وتب علي".

والتحقيق أنه لم يرد به الذنب الشرعي الحقيقي، بل قصد التقصير الطريقي، والتنبيه على أن الدعاء حال الغفلة، أولى من الأذكار بلفظ الإخبار، خصوصًا عن التوبة، والله أعلم.

(1)

سبق تخريجه.

ص: 1395

(فضل القرآن العظيم وسُورٍ منه وآيات)

أي: هذا فصل فضل القرآن العظيم جملة، وفضائل بعض السور منه وبعض الآيات منها أو منه مخصوصة.

(اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة) أي: يحضر حضورًا مَعْنَوِيًّا، أو حسِّيّا صوريّا، (شفيعًا لأصحابه) أي: ممن يقرأ القرآن غيبًا أو عينًا. (م) أي: رواه مسلم عن أبي أُمامة الباهلي

(1)

.

(يقول الله سبحانه وتعالى؛ من شغله القرآن) أي: لفظًا أو حفظًا، مبنًى أو معنًى، أو عملًا، أو تخلقًا، (عن ذكري) أي: من سائر الأذكار، (ومسألتي) أي: من بقية الأدعية، (أَعْطيْتُهُ أفضلَ ما أعْطِي) على صيغة المضارع المعلوم المتكلم الواحد، أي: أفضل ما أعطيه (السائلين) أي: والذاكرين، فهو من باب الاكتفاء، أو المراد بـ "السائلين" الطالبون في ضمن الذكر أو الدعاء، بلسان القال، أو ببيان الحال.

ثم قوله: (وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه) جُملةٌ استئنافيةٌ قائمةٌ مقامَ العلة للجملة السابقة، أي: سواء يكون من تتمة كلام الله عز وجل على أنه حينئذٍ فيه التفات، أو على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأظهر؛ لئلا يحتاج إلى ارتكاب الالتفات، أو على أنه من كلام بعض الرواة على ما نُقل عن البخاري أنه قال: "هذا من كلام أبي

(1)

أخرجه مسلم (804).

ص: 1396

سعيد الخدري الراوي، أدرجه في الحديث ولم يثبت رفعه".

لكن فيه نظر؛ فإن هذه الجملة بانفرادها ذكرها السيوطي في "جامعه" -برواية البيهقي في "سننه"، وأبي يعلى في "معجمه"- عن أبي هريرة مرفوعًا، ولفظه:"فضل القرآن على سائر الكلام، كفضل الرحمن على سائر خلقه".

هذا، وقال المظهر:"يعني: من اشتغل بقراءة القرآن ولم يفرغ إلى الذكر والدعاء، أعطاه الله تعالى مقصوده ومراده أحسن وأكثر مما يُعطي الذي يطلبون من الله حوائجهم، والمعني: أنه لا يَظن القارئ أنه إذا لم يطلب من الله حوائجه لا يعطيه إياها، بل يعطيه أكمل الإعطاء؛ فإنه من كان الله كان الله له"، انتهى.

وعن الشيخ عبد الله بن خفيف الشيرازي قدس سرّه: "إنْ شَغَل القرآن القيام بواجبات إقامة فرائضه واجتناب محارمه، فإن من أطاع الله فقد ذكره وإن قلَّتْ صلاته وصومه، ومن عصاه فقد نَسيه وإن كثرت طاعته".

(ت، مي) أي: رواه الترمذي، والدارمي؛ كلاهما عن أبي سعيد الخدري، ولفظ الدارمي:"ذكري عن مسألتي"، ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" أيضًا، وقال العسقلاني

(1)

: "رجاله ثقات، إلا عطية العوفي [فقية]

(2)

ضعيف"

(3)

.

(1)

انظر الفتح (9/ 66).

(2)

هذا ما يقتضيه السياق، وفي (أ) و (ب) و (د):"فثقة"، وفي (ج):"فقيل إنه".

(3)

أخرجه الترمذي (2926) وإسناده ضعيف جدًّا. قال أبو حاتم في العلل (1738): "منكر". وفي إسناده عطية وهو العوفي قال عنه الحافظ في =

ص: 1397

قال المصنف: "وفي رواية: "من شغله القرآن وذكري عن مسألتي"، والجمع بين ذلك: أن تلاوة القرآن أفضل من الذكر بلا خلاف كما تقدم في أول الكتاب، إلا فيما شُرِعَ لغيره، ثم الذكر أفضل من الدعاء إلا فيما شرع فيه الدعاء.

والحاصل أن قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء من حيث النظر إلى كل منهما مجردًا، وقد يَعْرِضُ للمفضُول ما يجعله أولى من الفاضل بل يُعَيّنه، فلا يجوز أن يُعْدَل عنه إلي الفاضل. مثالها: أن التسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن فيهما؛ فإنها مَنْهي عنها نَهْيَ [كراهةٍ]

(1)

أو تحريمٍ، وكذلك التسبيح والتحميد في محلهما أفضل من القراءة، وكذلك التشهد، وكذا "رَبّ اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني" بين السجدتين= أفضل من القراءة والذكر. وأما الذكر عقيب السلام من الصلاة، من التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير= أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذا إجابة المؤذن والقول كما يقول أفضل من القراءة، وإن كان فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه؛ إذ لكل مقامٍ مقالٌ، فليُعْلم ذلك"

(2)

.

= "التقريب" صدوق يخطئ كثيرًا وكان شيعيًا مدلسًا (ت 4649). وانظر: الضعيفة (1335).

(1)

كذا في (ب) و"مفتاح الحصن الحصين"، وفي (أ) و (ج) و (د):"كراهية".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ أ).

ص: 1398

(تعلموا القرآن) أي: أوّلًا، (واقرءوه) أي: ثانيًا، وفي نسخة صحيحة:"فاقرءوه"، أي:[فَدَاوِمُوا]

(1)

على قرأته ومتابعته، فإن المتابعة هي المقصودة الأصلية من التلاوة؛ ولذا قال:(فإن مثل القرآن) أي: وصفه العجيب الشأن، (لمن تعلمه فقرأه، وقام به) أي: عملًا أو تعليمًا؛ لما في حديث: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، وفي كلام عيسى عليه السلام:"من عَلِم وعَمِل وعَلّم، يُدْعى في الملكوت عظيمًا".

(كمثلِ جِرَابٍ) بكسر الجيم، واحد الأجربة، معروفٌ، وفتحه خطأ، ذكره المصنف، ومن لطائف أهل اللغة:"لا يفتح الجراب ولا يكسر القنديل"، أي: وعاء، وفي "نسخة الجلال":"الجراب"[مُعَرَّفًا]

(2)

، قال الطيبي:"وخُصَّ الجراب بالذكر احترامًا؛ لأنه من أوعية المسك"، (مُلِئَ) بضم ميم، وكسر لام، فهمز، أي: امتلأ (مِسْكًا) تمييز، أي: طيبًا عظيمًا (يَفُوح رِيحُه) أي: يظهر [ريحه]

(3)

(في كل مكان).

(وَمَثَلُ من يتعلمه فَيَرْقُدُ) وفي نسخة: "ويرقد"(وهو في جوفه) جُملة حالية، أي: ينام ويغفل عنه، ولا يشتغل به على الوجه المذكور؛ لأن من كان كذلك كأنه نائمٌ، وذلك بقرينة مقابلته لقوله:"فقرأ وقام به"، فهو أولى من قول المصنف:""قام به" يعني قيام الليل"، بدليل قوله: "فيرقد

(1)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"فَدُومُوا".

(2)

كذا في (د)، وفي (أ) و (ج):"معروفا"، وفي (ب):"معرفٌ".

(3)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"رائحته".

ص: 1399

وهو في جوفه"

(1)

؛ فإنَّ صرف الثاني عن الظاهر أولى من حيث المعني من عكسه، كما اختاره، على أن مآل العبارتين واحد؛ فإن من جملة القيام به علمًا وعملًا قيام الليل صلاةً وقراءةً؛

[أو]

(2)

لأن بركة القيام بقراءته في الليل سبب لبركة القيام بمتابعته في النهار.

(كمثل جرابٍ أُوكي) بصيغة المجهول، أي: شُدَّ بالوكاءِ، وهو: الخيط الذي يشد به الوعاء (على مِسْكٍ) أي: مشتملًا عليه مانعًا من فوح الري لديه.

قال المظهر: "يعني: صَدْرُ القارئ كجراب، والقرآن في صدره كالمسك في الجراب؛ فإن من قرأَ يصل بركته منه إلى بيته وإلى السَّامِعِين، ويحصل استراحة وثوابٌ إلى حيث يصل إليه صَوته، فهو كجرابٍ مملوءٍ من المسك، إذا فُتِحَ رأسهُ تصل رائحته إلى كل مكان حوله، ومن تعلم القرآن ولم [يقرأه]

(3)

لم يصل بركته منه، لا إلى نفسه ولا إلى غيره، فيكون كجراب [مشدودٍ]

(4)

رَأسهُ وفيه مسك، فلا تصل رائحته منه إلى أحد".

(ت، س، ق، حب) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ أ).

(2)

من (أ) و (ج) فقط، وفي (د):"و".

(3)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"يقرأ".

(4)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"مسدود".

ص: 1400

حبان، عن أبي هريرة

(1)

.

(من قرأ حَرْفًا من كتاب الله فله) أي: "به"، كما في نسخة، والمعنى: فللقارئ بسبب ذلك الحرف أو بدله (حسنة) أي: عدلًا، (والحسنة بعشر أمثالها) أي: فضلًا، وهذا أقل ما ورد من المضاعفة، والمراد بالحرف حرف البناء المعَبَّر عنه بحرف الهجاء، فقوله:"أَلِف حرف ولام حرف وميم حرف"، مُسَمياتها لما تقرر من أن لفظ "ألف ولام وميم" أسماء لهذه المسميات، فحمل الحروف في الحديث على المذكورات مجازًا؛ لأنه المراد منه في مثل "ضرب"، في:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} ، كل واحد من "ضَهْ" وَ"رَهْ" وَ"بِهْ".

فعَلى هذا إن أريد بـ {أَلَمْ} مُفْتَتح سُورة الفيل يكون عدد الحسنات ثلاثين، وإن أريد به مفتتح سُورة البقرة وشِبْهها يبلغ العدد تسعين، كذا حَقَّقَهُ الطيبي وغيره من الشراح.

وقال المصنف: "أراد بالحرف الكلمة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا أقول: {ألم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، فلو كان المراد الحرف الهجائي لكان {ألم} تسعةَ أَحْرُفٍ، وقد بَيَّنْتُ ذلك وأوضحته في آخر كتاب "النشر""

(2)

.

(1)

أخرجه الترمذي (2876)، والنسائي (5/ 227)، وابن ماجه (217)، وابن حبان (5/ 499)(2126)، و (6/ 316)(2578)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2452).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ أ).

ص: 1401

(ت) أي: رواه الترمذي من حديث ابن مسعود، وقال:"حسن صحيح غريب، ووقفه بعضهم عليه"

(1)

.

(لا حسد) أي: لا غبطة، وهي: تمني النعمة من غير إرادة زوالها عن صاحبها، (إلا في اثنين) قال المصنف:"المراد بالحسد هنا هو الغبطة؛ فإن حقيقةَ الحسدِ أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنَّى زوالها عنه"، والمعنى: ليس الحسد يضر إلا في اثنين"

(2)

، انتهى، أي: في شخصين.

ويؤيده قوله: (رَجُلٍ) بالجر على البدل، وفي نسخة: بالرفع، على تقدير "أحدهما" أو "منهما"، وفي نسخة صحيحة:"اثنتين"، وهو "أصل الجلال"، بل قال العسقلاني:"إنه مُعْظم روايات البخاري"؛ فالتأنيث باعتبار النفسَين أو النَّسَمَتَيْن، فتتوافق الروايتان أو المعنى في خصلتين، فيحتاج إلى تقدير مُضاف أي: خصلة رجل.

(آتاه الله القرآن) أي: أعطاه قراءته أو حِفْظَهُ أو علمه، (فهو يقوم به) أي: علمًا وعملًا، (آناء الليل) أي: ساعاته، قال الأخفش: "واحدها إنًى مثل [مِعًى]

(3)

، وقال بعضهم: إِنًى، وإِنْوٌ"، ذكره المصنف

(4)

، وقال

(1)

أخرجه الترمذي (2910) وراجع الصحيحة (660).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب) بتصرف.

(3)

كذا في (د)، و"مفتاح الحصن الحصين"، و"مختار الصحاح"، وفي (أ) و (ب) و (ج):"مِنًا".

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب).

ص: 1402

الطيبي: "واحدها إنًى، وأَنًى، وإنْيٌ، وإِنْوٌ، أربع لغات". (وآناء النهار) وفي نسخة: "أطرافَ النهار".

(وَرَجُلٌ) بالوجهين، (آتاه مالًا فهو يُنْفِقهُ) أي: في الطاعات، كما ورد مُصَرّحًا به في الأحاديث الأخر على ما في "التصحيح"، (آناء الليل وآناء النهار).

والمعنى: لا ينبغي أن يتمنى الرجل أن يكون له مثل صاحب نعمةٍ نعمةً، إلا أن تكون النعمة مما يتقرب به إلى الله تعالى، كتلاوة القرآن والتصدق بالمال -أي: الحلال- وغيرهما من الخيرات، كذا ذكره المظهر، وفيه إشارة إلى أن ذكر الرجلين بطريق الحَصْر بناءً على نعمتي [العلم والمال]

(1)

، وإيماءً إلى أن العلم خير من المال، وأن العالم أفضل من العابد.

فارتفع ما استشكل الحنفي بأن: "الحصر المذكور فيه محتاج إلى بيان؛ لأن المجاهد في سبيل الله والشهيد في سبيله مثلًا وغيرهما في حكم هذين الصنفين، بل بعض الأحاديث تدل على زيادة فضلهم"، انتهى.

ولا يخفى أنّ جميع العبادات لا تخرج عن العلم بالقرآن المشتمل على الطاعات البدنية قولًا وفعلًا، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله:"فهو يقوم به"، ولعل ذكر المال من باب التخصيص بعد التعميم، أو للمقابلة المشعرة بأن صاحب المال المنفق في سبيله ولو كان ليس بعالمٍ لكن ينبغي أن [يغتبط]

(2)

(1)

هذا هو الأليق بالمسياق، وفي جميع النسخ:"العلمي والمالي".

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"يغبط"، وفي (ب):"يغبطه".

ص: 1403

به، لكن قد سبق في أول الكتاب حديث:"لو أنَّ رَجُلا في حجره دراهم يقسمها، وآخر يذكر الله، كان الذاكر لله أفضل"، ولا يبعد أن يرجع التقسيم إلى الفقير الصابر والغني الشاكر؛ فإن الغالب عدم الجمع بين العلم والمال، والله أعلم بالحال.

وقيل المعنى: "لو كان الحسد مجوزًا لجاز عليهما، فيكون مُبَالغة في بيان فضل كُلّ من هذين الوصفين"، وفي الإتيان بـ "الإيتاء"، إيماء إلى أن كلا منهما عَطِيّة إلهية، ونعمة ربانية، وأنه تعالى يخص من يشاء بما يشاء من النعم الدِّينية والمنح الدنيوية.

(خ، م) رواه البخاري، ومسلم؛ كلاهما عن ابن عمر، قال المصنف في "تصحيح المصابيح":"ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه"

(1)

.

(يُقال) أي: في الآخرة (لصاحب القرآن) أي: من يلازمه بالتلاوة والعمل به، وقيل: العالم بمعانيه، (اقرأ وارْتَقِ) أمر من الارتقاء، أي: اصعد، وهو كذا في جميع النسخ، لا من الثلاثي المجرد كما يُوهمُه كلام المصنف حيث قال: "من الرقِيّ، وهو: الصعود، وهذا يدله على أن حُفاظ القرآن المرتلين [له]

(2)

لهم أعلى منزلة في الجنة"

(3)

، انتهى.

(1)

أخرجه البخاري (7529)، ومسلم (815)، والترمذي (815)، والنسائي في الكبرى (8072)، وابن ماجه (4209).

(2)

من (أ) و"مفتاح الحصن الحصين".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب).

ص: 1404

يعني: كما يدل عليه قوله: (ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) منَ الترتيل وهو: التأنّي في القراءة، (فإنّ منزلتك) أي: مرتبتك المنتهية، ودرجتك العالية، وفي نسخة:"فإن منزلك"(عند آخر آية تقرأُ) أي: عند انتهائها بقدر آيها، وفيه إيماء إلى قول تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].

فقيل: "ورد في الأثر: أن درجات الجنة بعدد آي القرآن، فمن لازم القرآن في الدنيا عِلْمًا وعَملا، يستولي على أقصى درجات الجنة"، وقيل:"المراد أن الترقي ثابت دائمًا، فكما أن قراءته في حال الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له، كذلك حال القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى، وهذه القراءة كالتسبيح للملائكة لا يشغلهم عن مُسْتَلَذَّاتهم، بل هي أعظم مُسْتَلَذَّاتهم، ثم إن هذا للقارئ حق قراءته، وهو: أن يتدبر معناه ويتأَتّى بما هو مقتضاه، لا الذي يقرؤه والقرآن يلعنه".

(د، ت) أي رواه: أبو داود، والترمذي، عن ابن عمر، وقال الترمذي:"حسن صحيح"، وقال ميرك:"ورواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان أيضًا"

(1)

.

(الذي يقرأ القرآن وهو ماهِرٌ به) "أي: حاذقٌ في حفظه كامل في تلاوته،

(1)

أخرجه أبو داود (1464)، والترمذي (2914)، والنسائي في الكبرى (8056) وابن حبان (766) وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(2240).

ص: 1405

لا يتوقف فيه ولا يشق عليه قراءته؛ لجودة إتقانه، وحسن حفظه"، ذكره المصنف

(1)

. (مع السَّفَرة) بفتحتين، أي: الرسل أو الكتبة (الكرام) جمع كريم، (البَرَرَة) جمع بارّ، كالطلبة جمع طالب، من البرّ، وهو: الطاعة.

وقال المصنف: "السفرة جمع سافر، وهو: الرسول، والسفرة: الرسل عليهم السلام؛ لأنهم يُسْفِرُون إلى الناس برسالات الله، وقيل السَّفرة: الكتبة، والبررة: المطِيعُون، ويحتمل أن يكون له منازل في الآخرة يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله عز وجل"

(2)

.

(والذي يقرؤهُ ويتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ) أي: يتردد في تلاوته ويشق عليه لضعف حفظه، (له أجران) أي: أجر بالقراءة، وأجر بما عليه من المشقة، وليس المعنى: أن الذي يشق عليه القراءة يكون له من الأجر أكثر من الماهر، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا، فإنه مع السفرة وله أُجور كثيرة، ولم تكن هذه المنزلة لغيره، وكيف يلتحق به من لم يَعْتَنِ بكتاب الله تعالى وحِفظه وإتقانه، وكثرة تلاوته ودراسَتِهِ، حتى صار ماهرًا فيه"، انتهى كلام المصنف

(3)

.

(خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم؛ [كلاهما]

(4)

عن عائشة رضي الله

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب).

(4)

من (ج) و (د) فقط.

ص: 1406

عنها، ورواه الأربعة أيضًا، ذكره ميرك

(1)

.

(الفاتحة) في كثير من النسخ كُتِبَتْ بالحمرة وهو غير مُلائم؛ لأنه يوهم أن يكون عُنوانًا، والحال أنه ليس كذلك، بل [هو]

(2)

من نفس الحديث، والمعنى: سورة الفاتحة، أو فاتحة: الكتاب، أو القراءة، [أو]

(3)

الصلاة، ثم العَلَم للسورة المَعْهُودة، إما الفاتحة -كما أن فاتحة الكتاب أيضًا كذلك-، أو فاتحة الكتاب، والفاتحة اختصار منها، وإن اشتهر فيما بينهم أن الأعلام لا [تتغير]

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (4937)، ومسلم (798)، وأبو داود (1454)، والترمذي (2904)، وابن ماجه (3979).

(2)

من (أ) و (ج) و (د) فقط.

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"و".

(4)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"يتغيَّر".

ص: 1407

(أعظم سورة من القرآن)

أي: في الكيفية؛ لما قيل: أن جميع القرآن مندرج فيها إجمالًا؛ لما اشتملت على اسم الذات، وعُمْدة الصفات، وذكر المبدأ والمعاد، وعبادة العباد، والاستعانة المشعرة بالإعانة والإمداد، وبيان الصراط المستقيم، وتقسيم السالكين إلى أرباب النعيم وأصحاب الجحيم، على ما يقتضيه صفات الكمال، المشتملة على نُعوت الجمال والجلال.

(هي السَّبْع) وفي نسخة: "وهي السَّبع"، بيان لعدد آياتها، (المثاني) توضيحٌ لبعض صفاتها، فقال القاضي:"سُمّيت بالسبع المثاني؛ لأنها سبع آيات بالاتفاق، غير أنَّ منهم من عَدَّ التسمية آية دون: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ومنهم من عكس، و"مثنى" في الصلاة أو النزول؛ فإنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة، وبالمدينة لما حُوِّلت القبلة"

(1)

.

(1)

ذكر القرطبي رحمه الله قولين خلاف الاتفاق، ثم حكم عليهما بالشذوذ حيث قال:"أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات، إلا ما روي عن حسين الجعفي: أنها ست، وهذا شاذ، وإلا ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل "إياك نعبد" آية، وهي على عده ثمان آيات؛ وهذا شاذ.

وقد ذكر اتفاق العلماء على أنها سبع آيات، جمعٌ من المفسرين منهم الطبري، والبغوي، والبيضاوي [انظر الطبري: 1/ 37، ومعالم التنزيل: 1/ 37 وأنوار التنزيل: 1/ 5].

ص: 1408

(والقرآن العظيم) مَعْطُوف عليه إحدى صفتي الشيء على الآخر، انتهى، ومن باب إطلاق الكُلّ على الجزء، ومثله قوله تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3]، على قول من قال: المراد بالقرآن: سورة يوسف، ولعل المراد بقوله:"والقرآن العظيم"، أي: مجملًا" لما بيّناه مفصّلا.

وقال التوربشتي في "شرح المصابيح": اختلفوا في المثاني، فمنهم من ذهب إلى أنها من التثنية، بأن يكون جمع مثنى، أو مُثناة على صيغة المفعول منهما، بمعنى: مُرَدَّد ومكرر، ومنهم من ذهب إلى أنها من الثناء، بأن يكون جمع مُثْنٍ أو مُثْنِيَة على أنها اسم فاعل من الإثناء، وقد قيل في تأويلها على القول الأول أنها تثنَّى على مُرور الأوقات، وتُكررَّ فلا تنقطع، وتُدْرَس فلا تندرس، وقيل: لما تتثَنَّى وتجدَّدَ من فوائدها حالًا فحالًا، وقيل: لاقتران آية الرحمة باَية العذاب، وقيل: ينخرط في سلك المثاني ذكر حقوق الربوبية، وأحكام العبودية، وبيان سبيل السعادة والشقاوة ومصالح المعاد والمعاش، وذكر الدارين، ووصف المنزلين

(1)

.

وذهب ذاهب في تأويلها إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من آية إلَّا ولها ظهر وبطن"

(2)

، وقيل في تأوليها على أنها من الثناء: إنها

(1)

انظر إرشاد الساري للقسطلاني (7/ 5).

(2)

جاء عن الحسن يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع"، قال: فقلت: يا أبا سعيد ما =

ص: 1409

[تشتمل]

(1)

على ما هو ثناء على الله تعالى، فكأنها تثني على الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أو أنها تدعو بوصفها المعجز من غرابة النظم وغزارة المعنى إلى الثناء عليها، ثم على من يتعلمها ويعمل بها ويتلوها ويُعَلّمها.

والثاني فيما ورد به الحديث أنها الفاتحة، يحتمل وجهين سوى ما ذكرناه:

أحدهما: أنها سُمّيت مثاني؛ لأنها تكرر في الصلاة.

والآخر: لاشتمالها على قسمي الثناء والدعاء، ويقرب من ذلك ما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال الله تعالى: قسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين

"، انتهى.

فإن قيل: ففي الحديث: "هي السبع المثاني"، وفي كتاب الله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87]؟

أجيب: بأنه لا اختلاف بين الصيغتين، إذا جُعلت:{مِنَ} للبيان، وإن كانت للتبعيض كما ذهب إليه كثير من المفسرين، فيجوز أن يقال: إن الآية واردة على إطلاق المثاني على القرآن كله، لا على إطلاقها على الفاتحة فقط، وأمَّا العطف في الحديث، فمن قبيل عطف وصف على

= المطلع؟ قال: قوم يعملون به.

أخرجه ابن المبارك في الزهد (93، 94) وإسناده ضعيف، وهو مرسل.

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"اشتملت".

ص: 1410

وصف، لا من قبيل عطف الشيء على نفسه.

ولا يبعُد أن يقال: إن جُعِلَتْ {مِنَ} تبعيضية فرُوعي فيها ألفاظها، وإن جُعِلَتْ تَبْيينِيَّة فاعتبر معانيها، وبهذا يجمع بين الآية والحديث، لا سيما وقد ورد في "الصحيح":"أنه صلى الله عليه وسلم فسر الآية به".

وحينئذٍ لا يرد أن المثاني أطلقت على جميع القرآن في قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]؛ لاقتران آية الرحمة بالعذاب، أو لتكرار القصص والأحكام، وتبيين الحلال والحرام.

ثم قيل: "وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "أعظم سورة" اعتبارًا بعظمة قدرها، وكثرة أجرها، وتفردها بالخاصية التي لا يشاركها فيها غيرها، ولاشتمالها على معانٍ كثيرةٍ في ضمن مبانٍ يَسيرةٍ.

قال المصنف: "قوله: "الفاتحة أعظم سورة من القرآن"، وقوله في آية الكرسي: "أعظم آية، وسيدة آي القرآن"، وما جاء في فضل سورة الإخلاص = يدل على عظمها وفضلها في نفسها، وهذه مسألة اختلف الأئمة فيها، وهي أنه: هل يجوز تفضيل بعض القرآن على بعضٍ؟

فمنع ذلك أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني وجماعة من الفقهاء والأصوليين، وتأولوه بمعنى عظيم وفاضل ونحوه؛ لأن فضل بعضه يقتضي نقص المفضول، وليس في شيء من كلام اللهُ نقصٌ. وأجاز ذلك أبو إسحاق بن راهويه وجماعة، واختاره ابن عبد السلام بمعنى: أن الثواب المتعلق بها أكثر.

ص: 1411

لكن القول الأحسن أن القرآن كله كلام الله، والثواب على كل حرف عشرُ حسنات. وقد يكون بعضه أنفع من بعض عند الحاجة، فلا تقوم سورة الإخلاص مقام آية المواريث مثلًا، وآية الطلاق، وآية الخلع ونحوها، بل هذه الآيات ونحوها في وقتها وعند الحاجة أنفع من تلاوة سورة الإخلاص"

(1)

.

(2)

قلت: لابد من انضمام معنى سورة الإخلاص في كل حال من الأحوال، وكذا معنى سورة الفاتحة وآية الكرسي، بخلاف الآيات المذكورة، فإنها نافعة عند الحاجات المسطورة.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب).

(2)

نقل الإمام النووي عن القاضي عياض قوله: وفيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضله على سائر كتب الله تعالى. قال: وفيه خلاف للعلماء؛ فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني، وجماعة من الفقهاء والعلماء، لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضل، وليس في كلام الله نقص به، وتأويل هؤلاء ما ورد من إطلاق أعظم وأفضل في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم وفاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا: وهو راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك وجزيل ثوابه، والمختار جواز قول هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر، وهو معنى الحديث، الله أعلم. قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الألهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات، والله أعلم "شرح النووي"(6/ 341).

ص: 1412

وأيضًا نِسْبَة الأعظمية في المراتب العلمية إنما هي باعتبار شرف المعلومات العلية، فأين سورة الفاتحة عن سورة البقرة، وسورة الإخلاص عن {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} ، وآية الكرسي عن آية المداينة، وقس على هذا ثواب قراءة السور القرآنية والآيات الفرقانية؛ فإنها تختلف في الكمية والكيفية، يدركها أرباب الذوق وأصحاب الحال، دون المحبوسين في ضيق البال وحضيض القال.

ولذا قال الشّبْلي لما قيل له: "لِمَ لم يُفْتح باب الإفادة [لتنفع]

(1)

أصحاب الاستفادة؟ فقال: والذي نفسي بيده، لحضور قلبي في استغراق نور ربي خيرٌ من عُلوم الأولين والآخرين".

وهذا المعنى هو زبدة كلام الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وباقي الأحكام والأمور إنما هي من العوارض في سير السالكين، فاقصد المقصد الأقصى، والمسند الأعلى، والمقام الأسنى، والحالة الحسنى الموجبة للزيادة في الدنيا والعقبَى.

(خ، د، س، ق) أي رواه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي سعيد المُعَلَّى، وهو صحابي أنصاري مدني على ما ذكره ميرك

(2)

.

(أُعْطِيتُ فاتحة الكتاب من تحت العرش) أي: بعد ما كانت مُعَلقةً من

(1)

كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب) و (د):"لتنتفع".

(2)

أخرجه البخاري (4474) و (4647)(4753)، (5006)، وأبو داود (1458)، وابن ماجه (3785)، والنسائي (2/ 139).

ص: 1413

تحت العرش. (مس) أي: رواه الحاكم عن مَعْقِل بن يسار

(1)

.

(بَيْنَا جبريلُ) أي: بين أوقات فيها جبريل (قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم) وتحقيقه أن "بينا" و"بينما" و"بَيْنَ" معناها: الوسط.

و"بين": ظرف، إما للمكان، كقولك: جلست بين القوم وبين الدار، أو للزمان كما هنا، أي: الزمان الذي كان جبريل عليه السلام قاعدًا عند النبي صلى الله عليه وسلم.

(سمع) أي: جبريل (نَقِيضًا) أي: صوتًا (من فوقه) أي: من جهة السماء، قال المصنف:"هو -بالنون والقاف والضاد المعجمة-: الصوت، كصوت الباب إذا فتح، ومنه نقيض السقف: تحريك خشبه"

(2)

.

(فرفع) أي: جبريل (رأسه فقال) أي: جبريل (هذا) أي: صاحب هذا الصوت (مَلك نزل) أي: أراد النزول (إلى الأرض، لم ينزل قطّ إلا اليوم) فالضمائر الثلاثة إلى جبريل، وقيل: الأولان راجعان إلى النبي عليه السلام، والضمير في "قال" لجبريل.

وأما في قوله: (فسلم، وقال) فَلِلْمَلَكِ لا غير، (ابشر) من الإبشار، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: افرح (بِنُوريْنِ) أي: بحصول أمرين

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 559) وتعقبه الذهبي في التلخيص: "فيه عبيد الله بن أبي حميد تركوه.

وذكره الحافظ في الإتحاف (16898). وقال: عبيد الله بن حميد متروك.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 17/ ب، 18/ أ).

ص: 1414

مُنَوِّرَيْنِ؛ لأن كل واحد منهما نور يسعى بين يدي صاحبه، أو مرشد يدله على طريق مولاه على وجه يحبه ويرضاه، ويشغله عما سواه.

(أُوتِيتَهُمَا) أي: أعطيتهما خاصّة؛ لقوله: (لم يُؤتَهُمَا نبيّ قبلك: فاتحة الكتاب) يجوز فيه وفي أمثاله الحركات الثلاث، والبدل أولى على ما لا يخفى، (وخواتيم سورة البقرة) جمع: خاتَم، بفتح التاء وكسرها، وقيل: جمع خاتام، وهو لغة في الخاتم.

قال المصنف: "يريد الثلاث الآيات: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ

} إلى آخرها"

(1)

، وقال ميرك:"كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة المقروءة عند الشيخ، وكذا في أصل مسلم والنسائي والحاكم"، انتهى. وهو كذلك في "أصل الجلال" وسائر النسخ المعتمدة، وفي "أصل الأصيل" بلفظ:"وآخر سورة البقرة".

(لن تقرأ) وفي نسخة: "ولن تقرأ"(بحرف منهما) قال ميرك: "الباء زائدة، كقولك: أخذتُ بزمام الناقة، وأخذتُ زمامها، ويجوز أن تكون لإلصاق القراءة به"، انتهى. وتبعه الحنفي.

وفيه: أن القراءة تتعَدَّى بنفسها وبالباء؛ ففي "القاموس": "قرأه، وبه كنصره ومنعه، قراءة: تلاه".

وفي "أصل الجلال": "لن تقرأ الحرف منهما"(إلا أُعْطِيتَهُ) بصيغة

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

ص: 1415

المجهول، وقيل: أراد بالحرف الطرف منها؛ فإن حرف الشيء طرفه.

وكنَّى به عن جملة مُسْتقلة بنفسها، أي: أُعْطِيتَ ما اشتملت عليه تلك الجملة من المسْأَلة، كقوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، وكقوله:{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} ، ونظائر ذلك، ويكون التأويل فيما شذ من هذا القبيل من حَمْدٍ وثناءٍ أن يُعْطى ثوابه، ذكره التوربشتي.

ويمكن أن يُرَاد بالحرف: حرف التهجّي، ومعنى قوله "أعطيته" حينئذٍ: أعطيت ما تسأل من حوائجك الدنيوية والأخروية، أوس معناه: إلا أعطيت ثواب ذلك الحرف.

(م، س) أي رواه: مسلم، والنسائي؛ كلاهما من حديث ابن عباس، ورواه الحاكم أيضًا، وقال:"صحيح"

(1)

.

(1)

أخرجه مسلم (806)، والنسائي (2/ 138)، والحاكم (1/ 558).

قال الحاكم: على شرطهما، واستدراكه على البخاري صحيح، وأما استدراكه على مسلم فوهم لأن مسلمًا أخرجه.

ص: 1416

(البقرة)

(إنّ الشيطان) أي: جنس الشياطين أو رئيسهم، فغيره أولى، (يَفِرُّ) بتشديد الراء من الفرار، وقال المصنف:"بفتح الياء وكسر الفاء، أي: يهرب"

(1)

(من البيت الذي يقرأ) بصيغة المفعول، أي:[يُتْلَى]

(2)

فيه (البقرة) أي: سُورتها.

قال المصنف: "يدل على جواز إطلاق مثل ذلك على سور القرآن، فيقال: الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، دون قوله: سورة كذا، كما يجوز سورة الفاتحة وسورة آل عمران من غير كراهة. وكرهه بعضهم، وقال: إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران، والصحيح -بل الصواب- هو الأول"

(3)

، انتهى. والفرار يجوز أن يحمل على ظاهره، وأن يؤول بعدم الإغواء، واليأس عن الإضلال.

(م، ت، س) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، عن أبي هريرة

(4)

.

(اقرءوها) أي: "اقرءوا سورة البقرة" كما في "المشكاة"، (فإن

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"تتلى".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(4)

أخرجه مسلم (780) والترمذي (2880) والنسائي في "الكبرى"(8015، و (10801).

ص: 1417

أخذها) بحفظ لفظها ومبناها، ومراعاة معناها، (بركةٌ) أي: خيرٌ كثيرٌ، (وتركها) بالنصب، وفي نسخة بالرفع، وإهمالها -بأحد احتماليها- (حسرةٌ) أي: ندامةٌ عظيمةٌ. (ولا يستطيعها) بصيغة التذكير والتأنيث، أي: ولا يقدر على تحصيلها (البَطَلَةُ) قال المصنف: "بفتح الباء والطاء واللام، قيل هم: السحرة، يقال: "أبطل" إذا جاء بالباطل، ويحتمل أن يُراد: الشجعان من أهل الباطل"

(1)

، انتهى.

وكأنه أُخذ من البَطَل، بفتحتين، بمعنى: الشجيع، وجمعه: الأبطال، بمعنى: الشجعان، والأظهر أن يقال المرادب "البطلة": أصحاب البطالة والكسالة، وأرباب السّعة والغفلة.

وقال المظهر: "البطلة جمع باطل، والباطل: ضد الحق، [والباطل]

(2)

كسلان أيضًا، فيحتمل أن يكون معناه: لا يقدر الكسلان أن يتعلم سورة البقرة لطولها، ويحتمل أن يكون معناه: أن أهل السحر والباطل لا يجدون التوفيق لتعلمها ودرايتها".

(م) أي: رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي

(3)

.

(لكل شيءٍ سنامٌ) بفتح السين، أي: رفعةٌ وعُلُوٌّ، استعير من سنام الجمل، ثم كثر استعماله فيها حتى صار مثلًا، كذا حققه الطيبي.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"والبطال".

(3)

أخرجه مسلم (804)

ص: 1418

(وسنام القرآن البقرة) قال المصنف: "أي: أرفعه وأعلاه، وسَنام كل شيء أعلاه، يحتمل أن يراد: طولها، وأن يراد: ما جمعته من الأحكام، وأن يراد: نظم آيها، ويحتمل أن يراد ذلك كله"

(1)

.

(ت، مس، حب) أي رواه: الترمذي، والحاكم، وابن حبان، عن أبي هريرة

(2)

.

(من قرأها ليلًا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ، ومن قرأها نهارًا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيامٍ. حب) أي: رواه ابن حبان عن سَهْل بن سعد، ولفظ "الجامع": "إن لكل شيءٍ سَنامًا، وسنامُ القرآن البقرةُ، لا يقرَؤُها

لحديث. رواه: ابن حبان، والطبراني، والبيهقي، والضياء، عن سهل بن سعد"

(3)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(2)

أخرجه الترمذي (2878)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير. والحاكم (1/ 560) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والشيخين لم يخرجا عن حكيم بن جبير لوهن رواياته، إنما تركوه لغلوه في التشيع انظر "الأحاديث الضعيفة"(1348)

(3)

أخرجه أبو يعلى (7554)، والطبراني في "معجمه الكبير"(6/ 163) رقم (5864)، وابن حبان (780) والبيهقي في "الشعب"(2161).

ذكره "العقيلي": (2/ 6) في ترجمة خالد بن سعيد المديني عن أبي حازم وقال: لا يتابع على حديثه، وقال العقيلي: وفي فضل سورة البقرة رواية أحسن من هذا الإسناد وأصلح بخلاف هذا اللفظ وأما في تمثيل القرآن فليس فيه شيء يثبت مسندًا. =

ص: 1419

(أُعْطِيت) على صيغة المجهول، (البقرةَ) بالنصب على المفعول الثاني، أي: سُورتها، (من الذكر الأول) أي: اللوح المحفوظ، أو الكتب السماوية السابقة في النزول، كذا ذكره بعض الشراح، وقال المصنف:"يحتمل أن يعني اللوح المحفوظ"

(1)

، قال الحنفي:"يحتاج إلى بيان".

قلتُ: بيانه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105]، فقال البيضاوي:"أي: في كتاب داود من بعد التوراة"، وقيل:"المراد بالزبور: جنس الكتب المنزلة، وبالذكر: اللوح المحفوظ".

زاد صاحب "المدارك": "لأن الكل أخذوا منه، ودليله قراءة حمزة وخلف بضم الزاي، على جمع: الزبر، بمعنى: المزبور".

(مس) أي: رواه الحاكم عن معقل بن يسار، وقال:"صحيح الإسناد"

(2)

.

= وقال الهيثمي في المجمع (6/ 312): رواه الطبراني وفيه سعيد بن خالد الخذاعي المدني وهو ضعيف. قلت كذا قال وصوابه: خالد بن سعيد.

ونقله الحافظ في "اللسان" في ترجمته (2/ 376) وزاد: وذكره ابن حبان في الثقات (2: 72) وهو خالد بن سعيد بن مريم التيمي.

وقد جهله ابن القطان. وقال ابن المديني لا نعرفه.

انظر "الأحاديث الضعيفة"(1349).

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 259) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (950) والسلسلة الضعيفة (2886).

ص: 1420

(اقرءوا الزهراوين) الزهراء تأنيث الأزهر، بمعنى: المضيء، وقوله:(البقرة وآل عمران) بالنصب على البدلية، وفي نسخة: بالرفع، قال المصنف:"أي: المنيرتين، وسُميت البقرة وآل عمران "الزهراوين"؛ لنورهما وهدايتهما وعظم أجرهما"

(1)

، انتهى.

وقيل: "لاشتهارهما شبهتا بالشمس والقمر"، فقال ابن السّكيت:"الأظهر أن الشمس والقمر من قولهم: زهرت النار: أشرقت وأضاءت".

(فإنهما) أي: السورتين (تأتيان) بصيغة التأنيث على ما في الأصول المعتمدة، ووقع في "أصل الجلال" بالتحتانية على التذكير، ووجهه غير ظاهر.

والظاهر أنه تصحيف؛ فإنه وإن كان يمكن التغليب باعتبار لفظ المذكر في آل عمران على البقرة، لكنه غير مستقيم باعتبار ما بعده من الصفات المؤنثة، والمعنى: تحضران باعتبار ثوابهما، أو تَصَوُّرهما وتجليهما.

(يوم القيامة كأنهما) وفي نسخة: "كأنما"(غمامتان) أي: قطعتان من الغمام، بمعنى: السَّحَاب (أو كأنهما غيايتان) بالتحتانيتين بدل الميمين، فقال المصنف:"الغمامة والغياية: كل شيءٍ أظل الإنسان فوق رأسه من سحابةٍ وغيرها، قالوا المراد: ثوابهما يأتي كغمامَتَيْن"

(2)

، انتهى.

وفيه أنه إذا كانا مترادفيق فكيف يؤتي بـ "أَوْ" بين المتعاطفين مع أنه مخالف للغة؛ فإن الغمامة على ما في "القاموس": "هي السَّحابَة البيضاء،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

ص: 1421

والغياية: ما أظل فوق رأسك من سحابة أو غيرها"، فـ "أَوْ" للتخيير في التشبيه، ويحتمل أن يكون للشك، وأن يكون للتنويع باختلاف أنواع القرَّآء وأصناف القراءة.

ويناسبه ما في "القاموس" من أن: "الغياية: ضوء شُعاع الشمس"، ولا يبعد حينئذٍ أن يكون "أو" بمعنى:"بل"، لكن يُؤيّد إرادة التنويع قوله:(أو كأنهما فِرْقَان) بالكسر، أي: فَوجَان (من طيرٍ صواف) جمع: صافّةٍ بتشديد الفاء، وهي: "الجماعة التي [تقف]

(1)

على الصفّ، وجماعة الطير ترفع أجنحتها بعضها على بعض، والطير جمع طائرٍ، وقد يُطْلق الطير على الواحد"، كذا ذكره المظهر.

(تُحاجَّان) بضم أوله وتشديد جيمه، أي: تجادلان وتخاصمان، بمعنى: أنهما تشفعان وتدفعان (عن أصحابهما).

وقال المصنف: ""فِرقان": بكسر الفاء وإسكان الراء: تثنية فِرق، ومعناه: القطيع والجماعة، أي: قطيعان من الطير، وقوله: "صوافّ"، أي: باسطات أجنحتها في الطيران، يقيمان الحجة لقارئهما، [فتجادلان]

(2)

عنه"

(3)

، انتهى.

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"تصف".

(2)

كذا في "مفتاح الحصن الحصين" وهو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"فَتُحاولان".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

ص: 1422

والظاهر أن الضمير في "تُحاجّان" إلى السورتين في أي صُورة من الصور الثلاثة على وفق مراتب أصحابهما وأحبابهما.

فالأول: لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما. والثاني: لمن جمع بينهما.

والثالث: من ضم إليهما تعليم غيره لهما.

وقيل المعنى: "أنهما تدفعان الجحيم والزبانية عن أربابهما في العقبى، والأعداء وأنواع البلاء عن أصحابهما في الدنيا".

وقيل: "جعل صورتهما كالغمامتين ونحوهما؛ لأجل أن يكون لهما عظمٌ في قلوب أعداء قارئهما، ويحتمل أن يكون لأجل إظلالِ قارئهما يوم القيامة"، قال المظهر:"وهو الأظهر"، وأقولُ: لا منافاة بين الإظلال والإجلال.

(م) أي: رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي

(1)

، ورواه أحمد عن بريدة بلفظ:"تظلان صاحبهما يوم القيامة"

(2)

، على ما في "البُدُور السَّافرة في أحوال الآخرة".

(1)

أخرجه مسلم (804).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 352).

ص: 1423

(آية الكرسي)

(هي أعظم آيةٍ في كتابِ الله) أي: في الكيفية؛ لاشتمالها على أسماء الذات العَلِيَّة والصفات الجليّة، وإلا فآية المداينة أطولُ آية من الآيات القرآنية، ولعظمتها وَرَد في حقّها ما رواه أبو الشيخ في "الثواب" عن أنس مرفوعًا:"آية الكرسي رُبُع القرآن"

(1)

. (م، د) أي رواه: مسلم، وأبو داود،؛ كلاهما عن أبي بن كعب

(2)

.

(وهي سيدة آي القرآن) أي: أشرفُ آياته لما فيها من أسماء الله وصفاته. (ت، حب، مس) أي رواه: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، لكن الوسط عن سهل بن سعد، [والآخران]

(3)

عن أبي هريرة

(4)

.

(1)

أخرجه أبو الشيخ في الثواب كما في الكنز (2536)، والذهبي في السير من طريق أبي الشيخ (16/ 280) وفي إسناده سلمة بن وردان وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (2514). قال الهيثمي في المجمع (7/ 147): رواه الترمذي باختصار.

وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (20) والسلسلة الضعيفة (1548).

(2)

أخرجه مسلم (810)، وأبو داود (1460).

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"والآخر".

(4)

أخرجه الترمذي" (2878) والحاكم (2/ 259).

قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه.

ص: 1424

(لا تَضَعُهَا) بضم العين على أنه نفي، معناه: الإخبار، أي: لا [تجعلها]

(1)

(على مالٍ ولا ولدٍ) أي: بقراءتها لديهما، ودفع النفْث إليهما، أو بتعليقهما عليهما.

(فيقربك شيطان) بفتح الموحدة على أنه منصوب في جواب النفي، وفي نسخة: بالرفع، فقيل هكذا بنصب:"فيقربَك"، وكذا في:"فيقربها"، على ما سيأتي في تصحيح "الأصيل".

ثم الراء مفتوحةٌ على ما هو الصحيح، وفي بعض النسخ المصححة المقروءة ضبط بضم الراء، وهو ظاهر الخطأ، لأن "قَرِبَ" المتعدي: بالكسر، ومضارعه بالفتح، بخلاف قَرُبَ اللازم؛ فإنه بالضم فيهما.

ففي "القاموس": "قَرُبَ -كَكَرُمَ-: دَنَا، وقرِبه كسمع"، انتهى. ومنه: ما ورد في القرآن: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]، {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الأنعام: 152]، ونحوهما.

قيل: "الفاء فيه للتعقيب"، أي: لا يوجد ولا يحصُل وضعُها فيعقبه قربُ الشيطان، والنفي مسلط على المجموع، ويحتمل أن يكون للجمعية، أي: لا يجتمع وضعها وقرب الشيطان، وهذا أولى. (حب) أي: رواه ابن حبان عن سهل بن سعد

(2)

.

(1)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"تجعله".

(2)

من حديث أبي أيوب أخرجه أحمد (5/ 423) الترمذي (2880)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(787)، والطبراني (4011)، وأبو الشيخ في =

ص: 1425

(الآيتان: {آمَنَ الرَّسُولُ

} آخر البقرة) بالرفع، ويجوز نصبه، وفي نسخة:"آخر سورة البقرة"(لا تقرآن في دار) أي: مسكن، (ثلاث ليالٍ فيقربها) بالوجهين، (شيطان) وفي "نسخة الجلال": بالنون، بدل: الموحدة، والراء مفتوحة. (ت، س، حب، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، عن نعمان بن بشير

(1)

.

(إنَّ الله ختم البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه) أي: الحسي أو المعنوي (الذي تحت عرشه، فتعَلَّمُوهن) أي: كلماتهما، (وعلموهن نساءكم) أي: أزواجكم وبناتكم، ويحتمل شمولها للعَمَّات والخالات، ونحوهما من بقية القرابات.

(وأبناءكم) أي: أولادكم وأحفادكم، (فإنها) أي: تلك الكلمات أو كل واحدة من الآيتين (صلاة) أي: كالصلاة في حُصُول الصلاة، أو رحمة وسبب منحة.

(وقرآن) أي: مقروءٌ من أفضل الأذكار، وفي نسخة:"قُربان"، بضم أوله، أي: مما يتقرب به إلى الله، (ودُعاء) أي: مشتمل على نوع مسألةٍ.

= "العظمة"(1108)، والحاكم 3/ 459، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"(545) من طريق أبي أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

(1)

أخرجه الترمذي (2882) والنسائي (10803) والحاكم (1/ 562). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1799).

ص: 1426

وقال المصنف: "أي: فإن جملة الآيتين يُصلى [بهما]

(1)

، ويتلى قرآنًا، ويُدْعَا بهما"

(2)

. وقال ميرك: ضمير المؤنث راجعٌ إلى معنى الجماعة من الحروف في الآيتين، وعلى هذا قوله:"فتعلموهن"، نحو قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9].

والصلاةُ لا تحمل على الأركان المخصوصة؛ لأنها غيرها، ولا على الدعاء، وأما كونهما قربانًا، فإما إلى اللهُ فهو الإشارة بقوله:{وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، وإما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكره الطيبي. (مس) أي: رواه الحاكم عن أبي ذَرّ

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د) و"مفتاح الحصن الحصين":"بها".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 562) وقال: صحيح على شرط البخاري، وقال الذهبي في التلخيص: معاوية لم يحتج به البخاري ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلًا. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1601).

ص: 1427

(الأنعام)

(لما نزلت) أي: سورة الأنعام، على أن الأنعام يكون عنوانًا، ويمكن أن يكون "الأنعام" مبتدأ خبره "لما نزلت" (سبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: تسبيح تعجُّب، (ثم قال: لقد شيّع) بتشديد الياء التحتية، أي: صَاحَب (هذه السورة من الملائكة) أي: المنزلة معها، إما قُدَّامَها، أو وراءها، أو على طرفيها.

وهي محمولة على جبريل؛ لقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194]، (ما سَدُّوا) أي: جمع كثير، منعوا (الأفق) أي: من الرؤية، وهو بضمتين، جمع الآفاق، والمراد: أطراف السماء، قال المصنف:"يدل على أنها نزلت جملة واحدة". (مس) أي: رواه الحاكم عن جابر

(1)

.

(1)

أخرجه الحاكم (2/ 315) وقال صحيح على شرط مسلم وقد تعقب الذهبي الحاكم بقوله: "لا والله لم يدرك جعفر السدي، وأظن هذا موضوعًا".

ورواه عبد بن حميد عن جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن محمد بن المنكدر ليس فيه جابر.

كما قال الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة (3/ 561) في صحته نظر، فإن المحفوظ في هذا ما أخرجه عبد بن حميد، وانتهى وهذا الإسناد الذي عند الحاكم غريب جدًّا ولا يصح.

قال النووي رحمه الله كما في الفتاوى له (ص 47 - 48): ولم يثبت نزول الأنعام دفعة واحدة.

ص: 1428

(الكهف)

(من قرأها يوم الجمعة) بضمتين ويسكن الميم، (أضاء) يحتمل أن يكون متعديًّا ولازمًا، أي: أنار [و]

(1)

اسْتَنَار (له) أي: لقارئها (من النور) أي: من نور السورة، أو من نور أجرها، وقال المصنف:"أي: نور الهداية والتوفيق"

(2)

، انتهى. والحمل على ظاهره أولى؛ لعدم ما ينافيه عقلًا وشرعًا كما لا يخفى.

(ما بين الجمعتين) أي: السابقة واللاحقة، وهو: مفعول به على الأول، وظرف على الثاني، كذا قيل ونقله الحنفي، والصحيح أنه فاعل على الثاني، وفاعله على الأول الكهف، أو القارئ مجازًا. (مس) أي: رواه الحاكم عن أبي سعيد الخدري.

(من قرأها ليلةَ الجمعة، أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق) فالأول: إشارة إلى إحاطة النور مدة من الزمان، والثاني: للإيماء إلى إيصاله مسافة من المكان، واختصاصُ البيت العتيق المكرم المحترم دليل على كمال الجود والكرم. (مو مي) أي: رواه الدارمي موقوفًا من قول أبي سعيد الخدري

(3)

.

(1)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"أو".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(3)

أخرجه الدارمي (3407).

ص: 1429

(من قرأها بهما أنزلت) أي: من غير زيادة ونقصان، وقال المصنف:"أي: صحيحة بالترتيل والتجويد"

(1)

، (كانت له نورًا من مقامه إلى مكة).

قال المصنف: "أي: من مقامه الذي قرأها فيه، وفي الحديث الآخر: "يوم القيامة" زيادة، ويحتمل أن يريد به قدر ما كان في الدنيا"

(2)

، انتهى.

وبقي الكلام على أنه: من قرأها بمكة كانت له نورًا، إلى أين؟ فرأيت البيضاوي ذكر في "تفسيره" عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من قرأها عند مضجعه كان له نورًا في مضجعه يتلألأُ إلى مكة، حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم، وإن كان مضجعه بمكة كان له نورًا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يُصلون عليه حتى يستيقظ".

قال الشيخ زكريا في "حاشيته": "رواه البزار وغيره"، انتهى. وذكره في "المدارك" أيضًا، بلفظ:"من قرأ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ .. } فصلت: 6] " إلى آخرها، عند مضجعه

" وذكر نحوه.

وهذا الحديث يشير إلى أن كل ما يكون القارئ أقرب إلى مكة فبقدر ما ينقص من المسافة السفلية؛ لامتلاء النور يزاد له من المسافة العُلوية.

(ومن قرأ بعشْر آياتٍ) قال الحنفي: "الباء فيه وفيما بعده زائدة"، انتهى. وسبق أن الباء للتعدية لما تقدم في "القاموس": "أنه يقال: قرأه

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ).

ص: 1430

وقرأ به"، (من آخرها) الظاهر أن أولها: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ

} [الكهف: 101]، ليكون العدد عشرة كاملة، أو أولها: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا

} [الكهف: 102] إلى آخرها، على إسقاط كسر واحد، وهو الأنسب بالأولية المعنوية من اعتبار الآيات العددية، نظرًا إلى عدم تعلقها بما قبلها.

وقال المصنف: "أي: من قوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ

} الآيات، لم يَفْتَتِنْ لأن من جملتها:{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102]، وكذا قوله:"من حفظ عشر آيات من أولها"، إلى قوله:{أَبَدًا} ؛ لما فيها من العجائب، كذا قيل، وعندي: أن ذلك من الخصائص التي أطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا قوله:"من قرأ ثلاث آيات -يعني: من أول الكهف-، ومن أدرك الدجال فليقرأ عليه فواتحها؛ فإنه جوار من فتنته""

(1)

.

قلت: لا بِدْعَ أن يكون تلك الآيات باعتبار خاصّية مبانيها، أو بسبب تصور معانيها تكون موجبة لخلاص قارئها من الفتنة الحاصلة حينئذٍ؛ ولذا قال:(فخرج الدجال) أي: المسيح الدجال، أو: كل مُسَمّى بالدجال، وهو: الكذاب، ومنشأ الفساد والضلال، ومنه الحديث: "يكون في آخر الزمان [دَجَّالون]

(2)

كذَّابُون".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ أ، ب).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"ويدعي الألوهية".

ص: 1431

قال الطيبي: "اللَّام للعهد، وهو الذي يخرج في آخر الزمان ويدَّعي الألوهية، أو للجنس؛ فإن الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس؛ فإن الدجال صيغةُ مبالغةٍ من الدَّجْل، وهو: تمويه الشيء، وكل شيء غطّيْتَهُ فقد دَجَلْتَهُ".

(لم يسلَّطْ) بتشديد اللام المفتوحة، أي: الدجال (عليه) أي: على فتنة قارئها، ببركة قراءتها أو بمعاونة معرفتها، قال الطيبي:"يمكن أن يقال: إن أولئك الفئة كما عُصِمُوا من ذلك الجبار، كذلك يعصم الله القارئ من الجبارين والدجالين". (س، مس) أي رواه: النسائي، والحاكم؛ كلاهما عن أبي سعيد الخدري، واللفظ للنسائى، وقال:"رَفْعُهُ خطأٌ، والصواب أنه موقوفٌ"، كذا ذكره ميرك

(1)

.

(من قرأ سورة الكهف، كانت له نورًا يوم القيامة من مقامه إلى مكّة، ومن قرأ بعشر آياتٍ من آخرها، ثم خرج الدجال لم يضره) بفتح الراء المشددة وضمها، ولو روي بكسر الضاد وسكون الراء لجاز؛ حيث "ضار يضير" لغة في "ضَرَّ يَضُرُّ"، وبهما قرئ قوله تعالى:{لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ} [آل عمران: 120]، ومنه قوله تعالى:{لَا ضَيْرَ} [الشعراء: 51].

(1)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(952)، وفي "الكبرى"(9911)، وصححه الحاكم (1/ 564) وقال النسائي: وقفه أصح "التلخيص الحبير"(2/ 72). ثم رأيته في عمل اليوم والليلة (952) قال عقب رواية ابن السكن عن يحيى بن كثير: وهذا خطأ، والصواب موقوف".

ص: 1432

(طس) أي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد، واختُلِفَ أيضًا في رفعه ووقفه

(1)

.

(من حفظ عشر آياتٍ من أولها عُصِمَ) بصيغة المجهول، أي: حفظ ومنع (من الدجال) وفي رواية أبي داود والنسائي: "من فتنة الدجال"، ولذا كتب رمزهما فوقها، وهي "أصل الأصيل". (م، د، س، ت) أي رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، عن أبي الدرداء

(2)

.

(من حفظ عشر آياتٍ. م، د) أي: رواه مسلم، وأبو داود عنه أيضًا.

(من قرأ العشر. س) أي: رواه النسائي عنه أيضًا بهذا اللفظ في "الشرطيّة"، (الأواخر) صفة للعشر المضاف، أو [المعرف [

(3)

باللام، والأظهر أن يكون نعتًا للآخر، (من الكهف عُصِمَ من فتنة الدجال. م، د، س) أي رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن أبي الدرداء أيضًا.

(من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عُصِمَ من فتنة الدجال. ت) أي: رواه الترمذي عنه أيضًا.

وبيان هذه الروايات وتوضيح الاختلافات ما في "الترغيب" للمنذري: "عن أبي الدرداءِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ عشر آياتٍ من أول سورة

(1)

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(1478) صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2651).

(2)

أخرجه مسلم (809)، وأبو داود (4323)، والترمذي (2886)، والنسائي (10787).

(3)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"المعروف".

ص: 1433

الكهف عُصم من الدجال"، رواه مسلم واللفظ له، وأبو داود، والنسائي، وفي رواية لمسلم وأبي داود: "من آخر سورة الكهف"، وفي رواية للنسائي: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف"، ورواه الترمذي ولفظه: "من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال"".

ثم قيل في وجه الجمع بين الثلاث، وبين قوله عليه السلام:"من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصم من فتنة الدجال": "إن حديث العشر متأخرٌ، ومن عمل بالعشر فقد عمل بالثلاث"، وقيل:"حديث: "الثلاث" متأخر، ومن عُصم بثلاث فلا حاجة إلى العشر، وهذا أقرب إلى أحكام النسخ". قال ميرك: "بمجرد الاحتمال لا يحكم بالنسخ".

قلت: مع أنه لا يجري النسخ في الأخبار، إنما هو بالنسبة إلى الأحكام. وقيل:"حديث العشر في الحفظ، وحديث الثلاث في القراءة، فمن حفظ العشر وقرأ الثلاث كُفي وعُصم من فتنة الدجال". وقيل: "من حفظ العشر عصم منه إن لقيه، ومن قرأ الثلاث عصم من فتنته إن لم يلقه". وقيل: "المراد من الحفظ: القراءة عن ظهر القلب، والمراد من العصمة: الحفظ من آفات الدجال".

(من أدرك الدجالَ فليقرأ عليه فواتحها) أي: أوائلها، إما عشر آياتٍ أو ثلاثًا، (الحديث. م، عه) أي رواه: مسلم، والأربعة، عن النواس بن سمعان

(1)

.

(1)

أخرجه مسلم (2937). وأبو داود (4321) و (4322) والترمذي (2241)، و"ابن ماجه"(4076).

ص: 1434

(فإنها) أي: الآيات العشر (جِوَارٌ) بكسر الجيم، جمع جارٍ، بمعنى: مجير وحافظ له (من فتنته) أي: من فتنة الدجال؛ ففي "الصحاح": "الجار الذي أجرته من أن يظلمه ظالم، واستجاره من فلان فأجاره منه، وأجاره الله من العذاب: أنقذه". وأما ما نقله الحنفي عن الجوهري من أن: "الجار الذي يجاورك، تقول: جاورته مجاورة وجوارًا، والكسر أفصح" = فليس في محله، مع أن الفتح في مصدر باب المفاعلة غير معروف، والنسخ المعتمدة والأصول المعتبرة على الكسر، نعم، وقع في "أصل الجلال" ونسخة للأصيل:"فإنها جواركم من فتنته". (د) أي: رواه أبو دود عنه أيضًا.

(وأعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى) قال المصنف: "الطواسين، يعني: الشعراء، والنمل، والقصص، والحواميم: السبع، وألواح موسى عليه السلام: التي أعطاه الكل إياها في المناجاة، كانت من زبرجد، وكانت سبعةً، وقيل: لوحين"

(1)

، قلتُ: هذا مخالف لظاهر الكتاب والسنة. (مس) أي: رواه الحاكم عن معقل بن يسار

(2)

.

(قلب القرآن يس) قال المصنف: "قلبُ كل شيء لبّه وخالصه، قيل: وفيها قوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} [الأنبياء: 33] يقرأ [مقلوبًا]

(3)

، وهذا تمحُّل، وقد

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 259) والبيهقي في الشعب (2478).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (950) والسلسلة الضعيفة (2886).

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د) و"مفتاح الحصن الحصين"، وفي (أ):"من الطرفين".

ص: 1435

ورد في القرآن غير ذلك: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 4]، وأحسبه:{أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [طه: 14] "

(1)

، انتهى.

وأيضًا لا يلائمه أول حديث أنس -عند الترمذي والدارمي- أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل شيء قلبًا، وقلبُ القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مراتٍ"، وقال الترمذي:"هذا حديثٌ غريبٌ"، قيل:"لأنه من رواية هارون بن محمد، ولا يعرفه أهل الصناعة من رجال الحديث".

قلت: وهو لا يضرّ، وغايته أنه ضعيف، وبه يُعْمَل في الفضائل بلا خلاف، مع أنه مؤيد برواية الدارمي:(لَا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ الله والدَّارَ الْآخِرَةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ) بصيغة المجهول.

(اقرءوها على موتاكم) أي: حقيقةً ليحصل لهم ثوابها، [أو]

(2)

: ليستأنِسُوا بقراءتها، ويتَلَقَّنُوا معانيها من تذكر مبانيها، أو من حضره الموت، فهو من مجاز المشارفة، قال المصنف: "اقرءوها على موتاكم لما فيها من الآيات المتعلقة بالموت والبعث، مثل: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى

} [يس: 12]، ومثل:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [يس: 51] الآيات، وغير ذلك. ويحتمل أن يكون لخاصية فيها، وقد قيل: "إنها لِمَا قُرِئَتْ

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"أي".

ص: 1436

له"، وَرُوي مرفوعًا: "أن من قرأها [وهو]

(1)

خائفٌ أَمِنَ، أو جائعٌ شبع، أو عارٍ كُسِي، أو عاطِشٌ سُقِيَ .. " في خلال كثيرة، رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده""

(2)

، انتهى.

وقيل: "في سنده نظر"، لكن يشهد له:"كونه صلى الله عليه وسلم ليلة اجتمع النفر من قريش على قتله، فخرج وهو يقرأ الآيات من أول يس، وذرأ عليهم التراب"، مع أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقًا.

(س، د، ق، حب) أي رواه: النسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، عن معقلٍ أيضًا، ورواه أحمد، والحاكم وصححه

(3)

.

(1)

من (أ) فقط.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(3)

أحمد (5/ 26)، وأبو داود (3121)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(1075)، وابن ماجه (1448)، والحاكم (1/ 565) وقال: أوقفه يحيى بن سعيد وغيره، عن سليمان التيمي، والقول فيه قول ابن المبارك، إذ الزيادة من الثقة مقبول. قال الدارقطني كما في تلخيص الحبير (2/ 104): هذا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، لا يصح في الباب حديث.

وأعله ابن القطان بالاضطراب والوقف، وبجهالة حال أبي عثمان، تلخيص الحبير (2/ 104) وبيان الوهم (5/ 49).

وقال النووي في "الأذكار"(ص 117) والخلاصة (2/ 925) رقم (3278) وقال: فيه مجهولان. وانظر السلسلة الضعيفة (5861).

ص: 1437

(الفتح)

أي: سورة {إِنَّا فَتَحْنَا} المبدوءة بالفتح، أي: النازلة في فتح مكة بشارةً، أو في صُلح الحديبية، المترتب عليه فتح مكة إشارةً.

(هي أحَبُّ إليّ) لما فيها من البشارة والإشارة والمغفرة الكاملة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، (مما طلعت عليه الشمس) فيه إشكال تقدم جوابه. (خ، س، ت) أي رواه: البخاري، والنسائي، والترمذي، عن عمر رضي الله عنه

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري، (4177) و (4833) و (5012)، والترمذي (3262) ومن سورة الفتح، والنسائي في "الكبرى"(11499).

ص: 1438

(تبارك، الملك)

بالرفع على الحكاية، وفي نسخة: بالجر على الإضافة.

(ثلاثون آية) قال المصنف: "استدل بها من لا يرى البسملة آية؛ لأنها ثلاثون بغيرها ولا دليل فيه؛ لاحتمال أن تكون آيةً في أول السورة بذاتها لا منها، وهو أحد قولَي الشافعي، نعم، لا خلاف عنه أنها آية من الفاتحة كما عَدَّها المكي والكوفي"

(1)

، انتهى كلامه.

وفيه أن المروي عن الشافعي أيضًا: أن البسملة آية مستقلة كما مشى عليه الكوفي، أو جزء آية على ما ذهب إليه البصري، وكذا الخلاف في سائر السور عنه، والذي ذكره المصنف إنما هو قول ثالث، ففي الجملة فيه استدلال على من يرى البسملة آية مستقلة من السورة.

(شفعت) بصيغة المعلوم، من الشفاعة، وفي نسخة: بصيغة المجهول مشددًا، أي: قبلت شفاعته، والأول أقرب -كما قال صاحب "الأزهار" - وأنسب؛ لقوله:(لرجل حتى غفر له. حب، عه، مس) أي رواه: ابن حبان، والأربعة، والحاكم، عن أبي هريرة.

(تستغفر) أي: سورة الملك (لصاحبها) أي: لقارئها ومواظبها، (حتى يغفر له) بصيغة المجهول. (حب) أي: رواه ابن حبان عنه أيضًا.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

ص: 1439

(وَدِدْتُ) بكسر الدال، أي: أحببت أو تمنيت (أنها) أي: سورة الملك (في قلب كلّ مؤمن) بأن يكون حافظًا لها، ومُدَاومًا لقراءتها. (مس) أي: رواه الحاكم عن ابن عباس

(1)

.

(يؤتى الرجل في قبره) بصيغة المجهول من الإتيان، أي: يأتيه في قبره ملائكة العذاب، (فيؤتى رِجْلاه) تفصيل للجملة السابقة، والمعنى:[فيؤتى]

(2)

من قِبَل رجليه، (فتقول) أي: كل واحدة من رجليه، وفي نسخة: بالتذكير، أي: فيقول كل عُضْو منهما (ليس لكم) أي: أيها الملائكة، (سبيل) أي: طريق من أنواع التعرُّض إليّ، وسببه (أنه كان يقرأ بي) أي: بقوة قيامي في الصلاة، وفي نسخة:"فيَّ"، بتشديد الياء بعد كسر الفاء، أي: في حال قيامي (سورة الملك).

(ثم يُؤْتَى من صَدره من بطنه) بدل اشتمال بإعادة الجار، (ثم يؤتى من رأسه) أي: من جهة وجهه (كُلُّ) أي: كل واحد من الأعضاء (يقول ذلك) وفي نسخة: "كذلك"، أي: ليس لكم سبيل إليَّ، (فهي) أي: فهذه السور أو أعضاء القارئ (تمنع) أي: الرجل أو الملائكة (من عذاب القبر) أي: من جميع جوانبه، وفي نسخة:"عذابَ القبر"، بنزع الخافض.

(وهي) أي: هذه السورة (في التوراة) أي: مذكورة، وبهذه الشرطية

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 565) وقال هذا إسناد عند اليمانيين صحيح ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي فقال: حفص واه. (ضعيف جدا).

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"يؤتى".

ص: 1440

مسطورة، (من قرأها في ليلة فقد أكثر) أي: من الخير الناشئ عن القراءة، (وأطيب) أي: أطيب حاله وأطهر مآله. (مو مس) أي: رواه الحاكم موقوفًا عن ابن مسعود

(1)

.

(1)

أخرجه الحاكم (2/ 498) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وحسن الألباني إسناده في الصحيحة (1140)

ص: 1441

(إذا زلزلت)

أي: سُورته (رُبُع القرآن) بسكون الموحدة وضمّها، قال المصنف:"يحتمل لأنها مشتملة على الحساب، وهو بالنسبة إلى الحياة والموت والبعث والحساب"

(1)

، انتهى، وقيل:"لأن القرآن مشتمل على التوحيد والنبوَّات، وبيان أحكام المعاش، وأحوال المعاد، وهذه السورة مشتملة على الأخير". (ت) أي: رواه الترمذي عن أنس

(2)

.

(تعدل نصف القرآن) قال المصنف: "قيل: لأنها مشتملة على أحوال الآخرة، وأحوال الآخرة بالنسبة إلى أحوال الدنيا نِصْف، فهي ربُع من وجه، ونصف من وجه"

(3)

. (ت، مس) أي رواه: الترمذي، والحاكم، عن ابن عباس

(4)

.

(يا رسول الله أقرئني) من الإقراء، ومنه قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ} ،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(2)

أخرجه الترمذي (2895).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(4)

أخرجه الترمذي (2894) والحاكم (1/ 566) والبيهقي في الشعب (2514) وقال الحاكم: صحيح، وتعقبه الذهبي بقوله: بل يمان ضعفوه. وقال المناوي: وهذا حديث منكر، وتصحيح الحاكم مردود. انظر: التيسير شرح الجامع الصغير رقم (659). وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 62).

ص: 1442

أي: سنجعلك قارئًا، أي: علمني (سورة جامعة، فأقرأه: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ

} حتى فرغ منها) "وكونها جامعةً لأنه من تأمل قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

} إلى آخرها، وعمل بذلك = فقد جُمع له الخير"

(1)

.

(فقال) أي: الرجل السائل، (والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدًا) فكأنه قال: "حَسْبي ما سمعت، و [ما]

(2)

أبالي أن لا أسمع غيرَها"، (ثم أدبر الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح الرويجل) على تصغير التعظيم؛ لبُعْدِ غوره، وقوة إدراكه؛ ففي "الصحاح": "تصغير الرجل: رُجَيّل، ورويجل أيضًا على غير قياسٍ، كأنه تصغير راجل"، (مرتين) أي: كرره وأكده.

(د، س، مس، حب) أي رواه: أبو داود، والنسائي، والحاكم، وابن حبان، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال:"أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرئني سورة جامعة"

(3)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"لا".

(3)

أخرجه أبو داود (2789)(1399)، والنسائي (7/ 212)، وابن حبان في (5914) والحاكم (2/ 532) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه عبد الحق في "الأحكام الكبرى"(4/ 35).

ص: 1443

(الكافرون)

أي: سُورته، (رُبْع القرآن) قال المصنف:"قيل لأنها منسوخة الحكم ثابتة التلاوة، وهو قسم من أقسام القرآن الأربعة، وليس في القرآن سورة كلها كذلك غيرها، ويحتمل أن يكون فيها ذكر العبادة والعبادات بالنسبة إلى الأحكام ربع"

(1)

.

قلتُ: الأول مع كونه ليس متفقًا عليه [ليس]

(2)

فيه ما يوجب المدح لديه، وقال الحنفي:"قوله: ربُع، يحتاج إلى بيان". أقول [بيانه]

(3)

: إن المعتقدات ربُع، والعبادات ربُع، والمعاملات ربُع، والمخاصمات ربع، والأحسن ما قيل من أن:"القرآن مشتمل على تقرير التوحيد والنبوات وبيان أحكام المعاش والمعاد، وهذه السورة مشتملة على الأول، لأن البراءة من الشرك توحيد".

(ت) أي: رواه الترمذي عن أنس

(4)

.

(تعدل) بالتأنيث باعتبار السورة، ويجوز تذكيره نظرًا إلى لفظ "الكافرون"، أي: يُساوي (ربُع القرآن. ت، مس) أي رواه: الترمذي،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(2)

من (ج) و (د) فقط.

(3)

من (ج) و (د) فقط.

(4)

أخرجه الترمذي (2895) قال الترمذي: هذا حديث حسن.

ص: 1444

والحاكم، عن ابن عباس

(1)

.

(نِعم السورتان هما) أي: الكافرون والإخلاص، (تُقرءان) بصيغة المجهول، (في الركعتين قبل الفجر) قال المصنف:"أي: صلاة الفجر، يعني: أنهما تُقرءان في سنة الفجر"

(2)

، قلتُ: وكذْا في سنة المغرب، وصلاة الطواف، والاستخارة وغيرها.

(الكافرون والإخلاص) لاشتمالهما على التوحيد الحاصل بنفي السوى في السورة الأولى، وإثبات الوحدة المفهومة من السورة الثانية، ففي الحقيقة مشتملتان على مجمل معنى: لا إله إلا الله. (حب) أي: رواه ابن حبان عن عائشة

(3)

.

(إذا جاء نصر الله ربُع القرآن) قال المصنف: "يحتمل أن يقال: إن القرآن مشتمل على الإخبار بما يأتي وبما مضى وبالأمر والنهي، وهي

(4)

: [للإخبار]

(5)

بما يأتي من الفتح والنصر، وذلك ربع"

(6)

. (ت) أي: رواه

(1)

أخرجه الترمذي (2894) والحاكم (1/ 566) وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

(3)

أخرجه ابن حبان (2461).

(4)

أي: سورة النصر.

(5)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب) و"مفتاح الحصن الحصين":"الإخبار".

(6)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 18/ ب).

ص: 1445

الترمذي عن أنس

(1)

.

({قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثُلُثُ القرآن) بضمتين ويسكن اللام، قال المصنف:"معناه أن القرآن مشتملٌ على ثلاثة أقسام: قصص، وأحكام، وصفات؛ و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} متمحّضة للصفات، وهي جزء من هذه الأقسام، وقيل: إن ثواب قراءتها يُضاعَف بقدر ثواب ثلث القرآن بغير تضعيف"

(2)

، انتهى.

وقال ميرك: "أخرج أبو عبيد من حديث أبي الدرداء، قال: "جَزَّأَ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءًا من أجزاء القرآن"

(3)

.

وقال القرطبي

(4)

: "منهم من حمل الثلثية على تحصيل الثواب، فقال: معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن، وقيل: مثله بغير تضعيف، وهي دعوى بغير دليل، وإذا حُمِل على ظاهره فهل ذلك الثلث من القرآن مُعَيَّن أو غير مُعَيَّن؟ بمعنى: أي ثلث فُرِض منه فيه نظر يلزم من الثاني أن من قرأها ثلاثًا كان كمن قرأ ختمة كاملة، وقيل المراد: من عمل بما تضمَّنه من الإخلاص والتوحيد، كان كمن قرأ ثلث القرآن". وقال ابن عبد البر: "من لم يتأول هذا الحديث

(1)

أخرجه الترمذي (2893).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(3)

أخرجه مسلم (811).

(4)

الجامع لأحكام القرآن (20/ 247).

ص: 1446

أخلصُ ممن أجاب بالرأي".

(خ، م، ت، ق) أي رواه: البخاري عن أبي سعيد الخدري

(1)

، ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة

(2)

، ومسلم عن أبي الدرداءِ أيضًا

(3)

.

(تعدل) بالتأنيث، أي: سورة الإخلاص، وفي نسخة: بالتذكير، أي:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُسَاوي (ثلث القرآن). (خ، د، ت، ق) أي رواه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، وفي نسخة:"مس"، بدل:"ق".

(وقال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم حين نُقل عنده (عن رجل كان يقرأ بها) أي: بسورة الإخلاص، (لأصحابه) أي: المقتدين به [في الصلاة]

(4)

، والمقول:(أخبروه) أي: ذلك الرجل، (أن الله يحبه) أي: لكونه يحبُّ هذه السورة المشتملة على توحيد ذاته وتفريد صفاته. (خ، م، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، والنسائي، عن عائشة

(5)

.

قال المصنف: "تفصيله حديث عائشة في "الصحيحين": "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سَرِيّةٍ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه، لأي شيء

(1)

البخاري من رواية أبي سعيد (5015).

(2)

مسلم (812)، والترمذي (2902).

(3)

أخرجه مسلم (811)، والنسائي في اليوم والليلة (679).

(4)

كذا في (ب) و (ج) و (د) جعلت من الشرح، وفي (أ) و (م) جُعلت من المتن.

(5)

أخرجه البخاري (7375)، ومسلم (813)، والنسائي (2/ 170).

ص: 1447

يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي عليه السلام: أخبروه أن الله يحبه".

(وقال) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (لرجلٍ) قيل اسمه: كلثوم، وقيل: كرزم، والأول أصح، ذكره ميرك، (كان يُلازم قراءتها) أي: قراءة سورة الإخلاص (مع غيرها في الصلاة) أي: في صلاة الفرض أو النفل، إمامًا أو منفردًا، والمقول:(حبك إياها أدخلك الجنة) أي: صار سببًا لدخولك الجنة.

(خ، ت) أي رواه: البخاري، والترمذي، عن أنس:"أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني أحبُّ هذه السورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، قال: إنّ حبك إياها أدخلك الجنة"، كذا في "المشكاة"

(1)

.

وقال ميرك: "واعلم أن البخاري رواه معلقًا -وقد وصله: الترمذي، والبزار، والبيهقي، وقال الترمذي: "صحيح حسن غريب عنه"- أنه: "كان رجلًا من الأنصار يؤمّهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح بسورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلّمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتُ، وكانوا

(1)

البخاري (774) تعليقا، والترمذي عقب حديث (2903)، والدارمي (3438)، وأحمد (3/ 141 و 150).

ص: 1448

يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يَؤُمَّهُمْ غيره.

فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟

فقال: إني أحبها، فقال: حبك إياها أدخلك الجنة"".

(وسمع) أي: النبي عليه السلام، (رجلًا يقرؤها) أي: سورة الإخلاص، (فقال: وجبت الجنة) أي: ثبتت، [و]

(1)

وجبت بوعده سبحانه (أي: له) هذا من كلام بعض الرواة، أي: للرجل القارئ.

(ت، طا، س، مس) أي رواه: الترمذي، ومالك في "الموطأ"، والنسائي، والحاكم، عن أبي هريرة، قال: "أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلًا يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

} إلى آخره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت، فسألته: ماذا يا رسول الله؟ فقال: الجنة، فقال أبو هريرة: فأردتُ أن أذهب إلى الرجل فأبشرَه، ثم فرقتُ أن تفوتني الغداءُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآثرتُ الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب"، واللفظ لمالك، كذا في "السلاح"

(2)

.

(والذي نفسي بيده، إنها) بكسر الهمزة في جواب القسم، (لتعدل) بفتح اللام الأولى للتأكيد، أي: لتساوي (ثلث القرآن. خ، د، س) أي

(1)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (د):"أي"، وفي (ج):"أو".

(2)

أخرجه مالك في "الموطأ" 558، وأحمد (2/ 302) المرفوع منه و (535) بتمامه والترمذي (2897). والنسائي (2/ 171)، وفي "الكبرى"(1068) و (11651). والبزار (8784) والحاكم (1/ 566).

ص: 1449

رواه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، عن أبي سعيد الخدري

(1)

.

(من أراد أن ينام على فراشه) بكسر الفاء، أي: على مرقده، (فنام على يمينه) أي: مُعْتمدًا على يده اليمنى، ومتكئًا على جهتها، (ثم قرأ مئة مرة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ) أي: إلى آخرها، (إذا كان يوم القيامة، يقول الرب: يا عبدي، ادخل على يمينك) أي: على شق أيمنك، (الجنة) قال المصنف:"مناسبته ظاهرة من حيث إنه نام عن يمينه وقرأَهَا"

(2)

، انتهى.

وقيل: "على يمينك حال من فاعل "ادخل"، فطابق هذا قوله: "فنام على يمينه"، يعني: إذا أطعت رسولي، واضطجعت على يمينك في فراشك، وقرأت السورة التي فيها صِفَاتي = فأنتَ اليوم من أصحاب اليمين، فاذهب من جانب يمينك إلى الجنة"، ذكره المظهر.

(ت) أي: رواه الترمذي عن أنس

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري (5013) و (6643) و (7374)، وأحمد (3/ 15 و 23) وأبو داود (1461)، والنسائي (2/ 171).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(3)

أخرجه الترمذي (2897) وحاتم بن ميمون قال عنه الحافظ في التقريب "ضعيف"(1007). انظر: المجروحين لابن حبان (1/ 271)، وقال ابن عدي -وذكر هذا الحديث والذي قبله-: لا يرويهما غيره. الكامل (2/ 844 - 845).

ص: 1450

(الفلق والناس)

(ألا) بتخفيف اللام، على أن مجموعها كلمة واحدة، وهي حرف التنبيه، ويجوز أن يكون الهمزة للإنكار استفهامًا، و"لا" حرف نفي، والمراد بهما التقرير، (أعلمك خير سورتين) أي: في باب التعوذ (قُرِئتا) قال المصنف: "قوله: "خير سورتين قرئتا"، وقوله بعد: "ألم تر آياتٍ نزلت الليلة: الفلق والناس" = قال النووي: "فيه دليل واضح على كونهما من القرآن، وردٌّ على من نسب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه أن لفظة:"قل" من القرآن ثابتة في أول السورتين بعد البسملة، وقد اجتمعت الأمة على هذا"، انتهى. وما نسب إلى ابن مسعود لا يصح، بل تواتر عنه عندنا أنهما من القرآن، ولا يتم ختمُ القرآن إلا بهما، وصحت الأحاديث بذلك من طُرق، وانعقد إجماع المسلمين على ذلك"

(1)

، تم كلامه.

وفي "جواهر الفقه": "يكفر من أنكر كون المعوذتين من القرآن غير مُؤوَّل"، وقال بعض المتأخرين:"كفر مُطْلقا أوّل أو لم يُؤوّل"، وفي بعض الفتاوى:"وفي إنكار المعوذتين من القرآن اختلاف المشايخ"، والصحيح: أنه كفرٌ، كذا في "مفتاح السعادة".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

ص: 1451

(د، س) أي رواه: أبو داود، والنسائي، عن عقبة بن عامر

(1)

.

(اقرأ بهما) أي: بالمعوذتين، (ولن تقرأ بمثلهما) أي: في بابهما، والمعنى: لن تقرأ بتعوّذ مثل هاتين السورتين، بل هاتان السورتان أفضل التعاويذ. (س، حب) أي رواه: النسائي، وابن حبان، عن جابر

(2)

.

(وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجانّ) أي: أبي الجن، وهو إبليس، أو من جنسهم الشامل لجميع الشياطين، وفي "المغرب":"الجان: أبو الجن، وحية بيضاء صغيرة".

(وعين الإنسان) أي: التي تصيب الناس بسُوءٍ، إشارة إلى قوله تعالى:{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: 51]، (حتى نزلت المعوّذتان) قال المصنف:"بكسر الواو، يعني: الفلق والناس، فإذا كان معهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} قيل: المعوِّذات"

(3)

، (أخذ بهما وترك ما سواهما. ت، س، ق) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي سعيد

(4)

.

(1)

أخرجه أبو داود (1462)، والنسائي (2/ 158) وإسناده صحيح. والقاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن الدمشقي قال الحافظ: صدوق يغرب كثيرًا، التقريب (5505)، انظر للتفصيل: ميزان الاعتدال (3/ 373 - 374).

(2)

أخرجه النسائي (8/ 254)، وابن حبان (796). والحديث في "صحيح الترغيب"(1486).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(4)

أخرجه الترمذي (2058) في إسناده الجريري واسمه سعيد بن إياس اختلط =

ص: 1452

(ما سأل) بفتح همزة أو بألف، (سائل) أي: ما دَعا دَاعٍ ولا طَلب طالبٌ، (وما استعاذ مُستعيذ) أي: وما استجار مُسْتجير (بمثلهمَا) قال المظهر: "أي: ليس تعويذ مثلهما، بل هُما أفضل التعاويذ".

(س، مص) أي رواه: النسائي، وابن أبي شيبة، عن عقبة بن عامر، وليس رمز النسائي في بعض النسخ

(1)

.

(اقرأ بهما كلما نمت) أي: أردت المنام، وهو بكسر النون، وفي "أصل الجلال": بضمها، وهو سهو قلم؛ إذ النوم مصدر نام ينام، كخاف يخاف، من باب علم، بخلاف قمت؛ فإنه من قام يقوم، كقال يقول.

وأما الموت فجاء: من مات يموت ويمات؛ فلذا جاء الوجهان في مُتّ، نعم هو في المغالبة بضم النون، يقال:"ناومته فنمته بالضم"، أي: غلبته على ما في "القاموس".

وأما ما يتوهم من اعتبار المشاكلة، فليس له وَجْهٌ وَجيهٌ؛ لأن أصل السجع المعتبر بالفواصل بدونه حاصل، فالتزام الضم من لزوم ما لا يلزم [مع ما]

(2)

فيه من فساد المعنى كما تقدم، والله سبحانه أعلم.

= قبل موته وسمع منه ناس كثير بعد اختلاطه وقد تابع القاسم بن مالك العباد بن العوام عند ابن ماجه (3511) ولم ينص أحد منهما على أنهما سمعا منه قبل اختلاطه والراجح أنهما سمعا منه بعد الاختلاط.

وحسنه الترمذي وقال وفي الباب عن أنس.

(1)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(889)، وابن أبي شيبة (30220).

(2)

كذا (ج)، وفي (ب) و (د):"من ما"، وفي (أ):"مما".

ص: 1453

(وكلما قمتَ) أي: من النوم. (مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عنه أيضًا. (اقرأ بـ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)}؛ فإنك لن تقرأ بسورة أحبّ إلى الله) أي: في باب الاستعاذة، (وأبلغ) أفعل تفضيل من المبالغة، (منها) أي: من تلك السورة، وهو "أصل الجلال"، وفي نسخة:"منه"، أي: من {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، (فَإِنِ استطعت أن لا تفوتك) أي: قراءة هذه السورة على وجه المداومة والمواظبة (فافعل).

(مس) أي: رواه الحاكم عن عقبة أيضًا، وقال:"صحيح الإسناد"، ورواه ابن حبان أيضًا، ولفظه:"فإن استطعت أن لا تفوتك في الصلاة فافعل"

(1)

.

(لن تقرأ شيئًا أبلغَ) أي: في التعوّذ، (عند الله من {قل أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}. (ي) أي: رواه ابن السني عنه أيضًا

(2)

.

(ألم تر) كلمة تعجب وتعجيب، أي: ألم تعرف (آياتٍ نزلت الليلة) أي: البارحة، (لم تَر مثلهن قط) قال المصنف:"بالتاء مفتوحة ونصب "مثلهن"، وروي: "ألم يُرَ" بالياء مضمومة ورفع "مثلهن"، وروي بالنون

(1)

أخرجه أحمد (4/ 149/ 17474) و (4/ 159/ 17594)، والنسائي (2/ 158 و 8/ 254)، وفي "الكبرى"(1027 و 7790)، وابن حبان (1842) والحاكم (2/ 540).

(2)

ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(696).

ص: 1454

مفتوحة"

(1)

، انتهى، فيكون بنصب "مثلهن".

(الفلق والناس) بالنصب، على الإبدال من الآيات، أو بتقدير: أعني. (م، ت، س) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، عن عقبة أيضًا

(2)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(2)

أخرجه مسلم (814) والترمذي (2954) و (2905) وأبو داود (1462)، والنسائي (2/ 158).

ص: 1455

(والأدعية التي هي غير مخصوصةٍ بوقتٍ ولا سببٍ)

(اللهم إني أعوذ بك) أي: ألتجئ إليك (من العجز) أي: في العبادة، (والكسل) بفتحتين، أي: التثاقل في الطاعة على ما لا ينبغي فيه الكسل، ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة، فلا يكون معذورًا، بخلاف العاجز؛ فإنه معذورٌ لعدم القوة وفقدان الاستطاعة.

(والجبن) ضد الشجاعة، (والهرم) بفتحتين أيضًا، والمراد به: صَيْرورة الرجل خَرفًا من كبر السن، على ما ذكره المظهر، بحيث لم يميز بين الأمور المعقولة والمحسوسة والمنقولة.

(والمغرم والمأثم) بوزن المقتل فيهما على أنهما مصدران، بمعنى: الغرامة في حق الخالق أو الخلق، والإثم القاصر أو المتعدي، وقيل:"المغرم هو: الشيء الذي يغرم به للإنسان، أو لله تعالى".

وقال المصنف: "الاستعاذة من الكسل لما فيه من عدم انبعاث النفس للخير، وقلة الرغبة فيه مع إمكانه، ومن "الهرم"، وهو -كما في الحديث الآتي-: الاستعاذة من أرذل العُمر؛ لما في ذلك من اختلال العقل والخرف، وعدم الضبط والحفظ، وما يحدث على الحواس من الضعف وتشويه الصورة، والعجز عن كثير من الطاعات، والتقصير في بعضها"

(1)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

ص: 1456

قلتُ: المراد بـ "تشويه الصورة" تغييرها، كما هو مُشَاهَد في صُوَرٍ كثيرةٍ منهم، لا كما وهم الحنفي؛ حيث صَحَّف التشويه بالتسوية، فقال:"أي: عدم تميز الصورة عن مثلِها، واشتباه الأمثال بعضها بعضًا عنده"، انتهى. فإنه لا يخفى أن عدم تميز الصورة ليس مما يُستعاذ منها؛ لأنه أمر غير ضروري ولا مكروه شرعي ولا طَبَعِيٍّ، بل إنه يقرب إلى حال الفناء، المطلوب عند أرباب البقاء، بخلاف التشويه؛ فإنه تقبيح صوري يشبه الممسوخ الخلقي.

ثم قال المصنف: "ومن "المغرم" فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذب، وإذا وعد فأخلف"، واشتغل القلب بالدَّين، وقد يموت قبل أدائه فتبقى ذمته مرتهنة به، ومن "المأثم" أي: الشيء الذي يأثم به الآن، أو هو: الإثم نفسه فوضع الاسم موضع المصدر"

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وفتنة النار)"يعني: فتنة تؤدي إلى النار، والفتنة في الأصل هي الامتحان والاختبار"

(2)

.

(وفتنة القبر)"وهو سؤال الملكين الفَتَّانَيْن"، ذكره المصنف

(3)

، وإنما قيل للملكين: الفتَّانين بتشديد الفوقانية؛ لأنهما أرسلا للامتحان فيبالغان في الافتتان، (وعذاب القبر) قيل أي: فتنة تؤدي إلى عذاب القبر، وإلى

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

ص: 1457

عذاب النار كيلا يتكرر.

ويحتمل أن يُراد بفتنة النار: لسُؤال الخزنة على سبيل التوبيخ، كما أشار إليه قوله تعالى:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [الملك: 8].

(وشر فتنة الغِنَى)"مثل: الأشر، والبطر، والشح بحقوق المال، أو إنفاقه فيما لا يحل من: إسراف، وباطل، ومُفَاخرة به"

(1)

، ([ومن شر]

(2)

فتنة الفقر) "كـ: التسخط، وقلة الصبر، والوقوع في حرام وشبهة للحاجة"

(3)

، ذكره المصنف.

وقال بعض المحققين: "قيَّد فيهما بالشر؛ لأن كلا منهما فيه خير باعتبار، وشر باعتبار، فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يُخْرِجُ ما فيه من الخير سواء كَثُر أو قلّ".

قلت: وقد بين هذا المعنى في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"كاد الفقر أن يكون كفرًا".

ثم قيل: "المراد: فقر النفس"، وهو الذل لا يردُّهُ ملك الدنيا بحذافيرها، وليس في الحديث ما يدل على تفضيل أحدهما على الآخر".

قلت: لأن كلَّ ما هو مانع عن الحُضور فهو شُؤم عند أهل السرور،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (م):"وشر"، وفي (د):"و".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ).

ص: 1458

نعم الفقر أسلم بالنسبة إلى الغنى؛ حيثما يَجُرُّ الغِنَى إلى الطغيان والسلطنة، والفقر إلى الغَناءِ والمسكنة.

ولهذا وقعت ترْبيَةُ الله لأكثر الأنبياء ولعامَّة الأولياء بوصف الفقر الظاهري والغِنَى الباطني دُون أرباب الدنيا، حيث ابْتُلُوا بالغِنى الظاهري والفقر الباطني.

ولذا قال بعض الشراح عند قوله "ومن شرّ فتنة الفقر": "كالحسد على الأغنياء، والطمع في أموالهم، والتذلل لهم بما [يتدنَّسُ]

(1)

به عِرْضُه، وينثلم به دينُهُ، وعدم الرضى بما قسم الله له، إلى غير ذلك مما لا يحمد عاقبته".

وقال الطيبي: "إن فسرتَ الفتنة بالمحنة والمصيبة، فشرّها أن لا يصبر الرجل على لَأْوائِهَا، ويجزع من بلائها، وإن فسَّرْتَ بالامتحان والاختبار، فشرها أن لا يحمد في السراء والضراء".

وقال الغزاليّ قدس سره العاليّ: "فتنة الغِنى الحِرْصُ على جمع المال وحُبه على أن يكسبه من غير حله، ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه، وفتنة الفقر: يراد به الفقر الذي لا يَصْحبُه صَبْر ولا ورع، حتى يتورَّط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة، ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب"، نقله التوربشتي

(2)

.

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"يدنس".

(2)

فتح الباري (11/ 177).

ص: 1459

(ومن شر فتنة المسيح الدجال) سبق تحقيقه مبنًى ومعنًى، قال ابن بطّال:"وإنما تعوذ النبي عليه السلام من هذه الأمور تعليمًا لأمته؛ فإن الله تعالى آمنه من جميع ذلك وبذلك جزم عياض"، قلتُ: ومن وقوع ذلك بأمته، ذكره العسقلاني.

(اللهم اغسل خطاياي) أي: أنواع ذنوبي، (بماء الثلج) بفتح فسكون (والبرد) بفتحتين، قال المصنف:"خصهما بالذكر تأكيدًا للطهارة ومُبَالغة فيها؛ لأنهما ماء مفطوران على أصل خلقتهما، لم يُسْتعملا ولم تنلهما الأيدي ولا خاضتهما الأرجل، كسائر المياه التي خالطها التراب، وجرت في الأنهار، وجمعت في الحياض"

(1)

، انتهى.

وقال ابن دقيق العيد: "عبَّر بذلك عن غاية المحو؛ فإنّ الثوب الذي يتكرر عليه المُنْقِي يكون في غاية من النقاء".

ولهذا قال: (ونَقِّ قلبي من الخطايا كما يُنَقَّى الثوب الأبيض) بصيغة المجهول الغائب، وفي نسخة بصيغة المعلوم المخاطب، (من الدنس) بفتحتين، أي: الوسخ والدرن، وقال العسقلاني:"كأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم؛ لكونها مُسَبّبة عنها، فعبَّر عن إطفاء حرارتها بالغسل، وبالغ فيه باستعمال المياه الباردة غاية البرودة".

(وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) المراد بالمباعدة: محوما حصل منها والعِصْمة عما سيأتي، وهو مجاز؛ لأن

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ أ، ب).

ص: 1460

حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، وموقع التشبيه أنَّ التقاء المشرق والمغرب مُستحيل، فكأنه أراد أنه لا يبقى لها أثر منه بالكلية.

قال الكرماني: "وكرر لفظة "بين"؛ لأن العطف على الضمير المجرور يُعاد فيه الخافض"، ثم قال:"ويحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث الإشارة إلى الأزمنة الثلاثة، فالغسل للماضي، والتنقية للحال، والمباعدة في الاستقبال"، وقال ابن دقيق العيد:"يحتمل أن يكون المراد: أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو، كقوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286] ".

(ع) أي: رواه الجماعة عن عائشة

(1)

.

(اللهم أعوذ بك من العَجْز) هو: "عدم القدرة على الخير، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به، وكلاهما يُستحبُّ التعوذ منه"

(2)

، ذكره المصنف.

(والكسل) تقدم، (والجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة، ويضمان على ما في "القاموس"، (والهرم) بفتحتين، وسبق.

(وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) قال

(1)

أخرجه أحمد (6/ 57 و 6/ 207) والبخاري (6275)، ومسلم (589)، والترمذي (3495)، وأبو داود (880)، والنسائي (8/ 262) وابن ماجه (3838).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

ص: 1461

المصنف: "أي: الحياة والموت، واختلف في المراد بفتنة الموت، فقيل: فتنة القبر، وقيل: الفتنة عند الاحتضار"

(1)

، انتهى.

وأراد بالاحتضار: حُضُور الموت وظهور علامته، وأن كلا من المصدرين الميميَّيْن وُضع موضع الاسم، وقيل:"هما اسما زمان، أي: زمان الحياة وزمان الموت من أول النزع وهَلُمَّ جَرّا".

قال ابن بطال: "هذه كلمة جامعة لمعاني كثيرة، وينبغي للمرءِ أن يرغب إلى رَبِّه في دفع ما نزل به ودفع ما لم ينزل، ويستشعر الافتقار إلى ربه في جميع ذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جميع ما ذكر دفعًا عن أمته وتشريعًا لهم؛ حيث بيَّن لهم صفة المهم من الأدعية".

(خ، م، د، ت، حب، مس، صط) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، والطبراني في "الصغير"؛ كلهم عن أنس

(2)

.

(وأعوذ بك) هذا من تتمة الحديث السابق في بعض الروايات، لكن هذا لفظ الطبراني في "الصغير"، ولفظ الباقين (من القسوة) بفتح فسُكون بمعنى القساوة، وهي: غلظة القلب وشِدّته وحدّته، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ

(1)

"مفتاح الحصن الحَصين"(ل 19/ ب).

(2)

أحمد (3/ 214)، والبخاري (2668)، ومسلم (2756)، وأبو داود (1540)، والترمذي (3485) وقال: حسن صحيح. والنسائي (8/ 257)، وابن حبان (1009). وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (3074).

ص: 1462

{قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74]، وقال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22].

(والغفلة) أي: عن الذكر، وعن المذكور بفقد الحضور، أو عن الغفلة في الطاعة والسهو عنها، قال تعالى:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].

وقال المصنف: "يعني: قَسْوَة القلب، وهو: غِلَظُهُ وشدَّتُه، وعدم الرحمة على الخلق، والغفلة هي: الذهول عن الطاعة"

(1)

، (والعَيْلة) "بفتح العين المهملة: الفاقة، وهكذا العالة، والعوذ منه كالعوذ من الفقر، وقد تقدم"

(2)

.

(والذلّة)"من الذل، وهو: ضد العز، يعني: الهُونُ، كما وقع في دعائه صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف: "اللهم إليك أشكو ضعفَ قوتي، وقلةَ حيلتي، وهواني على الناس"

(3)

، انتهى. وهي بكسر الذال، والمراد بها: أن يكون ذليلًا، بحيث يَسْتخفه الناس ويَحْقِرُونَهُ ويعيبونه، ويشغلونه عما يَعْنِيه، ولا ينتفعُون بأوامره ونواهيه.

(والمسكنة) قال المصنف: "يعني: الحال السيئة، من الذل والخضوع

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

ص: 1463

والحاجة"

(1)

، قلت: وكأن في الاستعاذة منهما إشعار بقوله تعالى في حق الأعداء: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61]، وقيل:"الذلة: الشُّح، والمسكنة: الحرص"، أقول:"الذلة" هي: المذلة عند الأغنياء، و"المسكنة" هي: السكون إليهم، والتملق لديهم، والاعتماد عليهم.

(وأعوذ بك من الفقر) أراد به فقر النفس، أعني: الشَّرَهَ أو عدم اتصافها بصفات الكمال، وهو يقابل غنى النفس، الذي هو: قناعتها أو اتصافها بصفات الكمال، أو أراد به: قلة المال، وكثرة العيال، أو الحاجة إلى الناس.

(والكفر) هو ضد الإيمان، أو كفران النعمة ضد الشكر، (والفسوق) قال المصنف:"أي: الخروج عن الاستقامة وارتكاب المعاصي، (والشِقاق) بالكسر من الشقة، وهو: الشدة والثقل"

(2)

، انتهى.

والأظهر أنه بمعنى الخلاف كما في "المهذب"؛ لأنه يقع كل من المخالفين في شِق، أي: ناحية، على ما حققه الطيبي، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176]، والشقاق أيضًا يجيء بمعنى العداوة الباعثة على الخلاف، ومنه قوله تعالى:{فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2]، على أحد القولين.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

ص: 1464

(والسمعة والرياء) قال المصنف: "هو بضم السين، وهو: أن يفعل الفعل من الطاعة؛ ليسمعه الناس ويروه، لا يريد به الإخلاص، وكذلك الرياء"

(1)

.

قلت: المعنى الذي ذكره يصلح بطريق اللّف والنشر أن يكون معنًى للسمعة والرياء، وهو مطابق لما في أصل الاشتقاق المأخوذ منهما المعنيان، وإن كان كل واحد منهما يطلق على المعنيين جميعًا عند انفراده، لكن عند اجتماعهما يعطى كلّ ذي حق حقه.

ثم "الرياء": بكسر الراء وبعده همزة عند جمهور القراء، وذهب بعضهم إلى إبداله ياء في الوقف، إو مطلقًا، ويجري عليه ألسنة العامة.

(وأعوذ بك من الصمَمَ) بفتحتين، قال المصنف:"وهو عدم السمع"، (والبَكَم) بفتح الباء والكاف: الخرس"

(2)

، [انتهى]

(3)

، أي: عدم النطق، وخُصّا لأنهما بابان للاستفادة والإفادة، ولا يبعد أن يراد بهما: عدم سماع الحق ونفي كلام الحق، كما قيل في قوله تعالى:{صُمٌّ بُكْمٌ} .

(والجنون) أي: المزيل للعقل من إدراك الباطن الفائت به حسن السيرة، (والجذام) أي: المزيل للصورة الظاهرة على وجه النفرة؛ ففي "القاموس": "الجذام كغراب، علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها، وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(3)

من (ج) و (د) فقط.

ص: 1465

وسُقوطها عن تقرح"، انتهى.

والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من حصول عوارض هذه البلايا، مع التضمن لما هو [ذكر]

(1)

للنعماء، وشكر على ما منحه من العطايا، وطلب المزيد بالثبات، والدوام على تلك الصفات إلى حين الممات.

ثم عَمَّمَ سالكًا سبيل الإجمال، إظهارًا لعجزه عن عَدِّ نِعَمِه سبحانه على وجه الكمال، فقال:(وسيئ الأسقام) كـ: البرص، والعمى، والفالج، وإنما قيد الأسقام بالسيئ؛ لأن الأمراض مطهرة للسيئات، ومرقية للدرجات، وأكثر الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأولياء، فالتعوذ من جميع الأسقام ليس من دأب الكرام، قال المصنف:""سيئ الأسقام": قبيحها، أعاذنا الله تعالى منها"

(2)

.

وقال ميرك نقلًا عن المظهر: "إن الإضافة ليست بمعنى "من"، كما في قولك: خاتم فضة، بل هي من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: الأسقام السيئة، ولم يستعذ من الأسقام على الإطلاق؛ لأن منها ما إذا تحامل الإنسان [فيه]

(3)

على نفسه بالصبر خفَّتْ مؤنتُه مع عدم إزمانه، كالحمى والصداع والرمد، وإنما استعاذ من المزمن، فينتهي بصاحبه إلى حالة يفرُّ منه الحميم، ويقل دونها المؤن والمداوي، مع ما يورث من

(1)

كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب):"تذكر"، وفي (د):"مذكر".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(3)

من (ج) و (د) فقط.

ص: 1466

الشين، ومنها: الجنون الذي يزيل العقل، ولا يأمن صاحبه القتل، ومنها: البرص والجذام، وهما علتان لازمتان مع ما فيهما من القذارة والبشاعة وتغيير الصورة، وقد اتفقوا على أنهما يَعْدِيان إلى الغير، والله العاصم".

(وضَلَع الدين)"بفتح الضاد واللام، هو: ثقله، وهو في الأصل: الاعوجاج والميل، أي: يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال"

(1)

، ذكره المصنف، وحاصله كثرة ديون العباد بحيث يشغله ويمنعه حضور العبادة وحصول الاستقامة، بسبب كثرة المطالبة الواقعة في الذمة؛ ولذا ورد في الحديث:"لا هَمَّ إلا هَمَّ الدَّين".

(حب، مس، صط) أي رواه: ابن حبان، والحاكم، والطبراني في "الصغير"، عن أنس

(2)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) بضم فسُكون وبفتحهما، وتقدم الفرق بينهما، (والعجز والكسل والبُخْل) بضم فسُكون وبفتحهما، (والجُبْن) بضم فسُكون ويجوز ضمهما، وهو: ضد الشجاعة.

(وَضَلَع الدَّيْن) قال العسقلاني: "هو -بفتح المعجمة واللام-: الاعوجاج، يقال: ضَلَع بفتح اللام، أي: مال، والمراد به ها هنا: ثِقَل

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 530) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه الطبراني في الصغير (316)، وفي الدعاء (1343)، والبيهقي في الدعوات الكبير (297)، والضياء (6/ 344، رقم 2370). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1285).

ص: 1467

الدَّين وشدَّته، وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاءه، لا سيما مع المطالبة، فقد قال بعض السلف:"ما دخل هم الدين قلبًا إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه""، والقائل لهذا القول هو: سعيد بن المسيب رضي الله عنه، كذا ذكره الكرماني في شرحه على البخاري.

(وغلبة الرجال) قيل: "الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول، فكأنه إشارة إلى العَوْذ من أن يكون مظلومًا أو ظالمًا، وفيه إيماء إلى العوذ عن الجاه المُفْرِط عن الذل المهين"، وقال ميرك:"أي: شدة تَسلُّطِهمْ، استعاذ صلى الله عليه وسلم من أن يغلبه الرجال لما في ذلك من الوهن في النفس".

قال الكرماني: "هذا الدعاء من جوامع الكلم، لأن أنواع الرذائل ثلاثةٌ: نفسانيةٌ، وبدنيةٌ، وخارجيةٌ، بحسب القوى التي للإنسان، وهي ثلاثة: العقلية، والغضبية، والشهوانية، فالهم والحزن متعلق بالعقلية، والجبن بالغضبية، والبخل بالشهوانية، والعجز والكسل بالبدنية، والثاني يكون عند سلامة الأعضاء وتمام الآلات والقوى، والأول عند نقصان عُضو ونحوه، والضلع والغلبة بالخارجية، فالأول: ماليٌ والثاني: جاهيٌ، والدعاء مشتمل على جميع ذلك".

(خ، د، ت، س) أي رواه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي؛ كلهم عن أنس، وقال في "المشكاة":"متفق عليه"

(1)

.

(1)

أخرجه البخاري (6369)، ومسلم (2706)، وأبو داود (1541)، والترمذي (3484)، والنسائي (8/ 274).

ص: 1468

(اللهم إني أعوذ بك من البخل) أي: المورث للحرص، المانع عن الخير، (وأعوذ بك من الجبن) أي: المانع عن الشجاعة الباعثة على قهر أعداء الدين، [والمانع]

(1)

عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (وأعوذ بك أن أُرَدّ) بصيغة المجهول، أي: من أن أنقلب (إلى أرذل العُمُر) بضمتين، وبضم فسكون، وقد فسِّر بـ: الهرم، وعلل في قوله تعالى:{لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5]، ولا شك أنه حينئذٍ ليس له منفعة دينية ولا دنيوية، فالموت خيرٌ من [تلك]

(2)

الحياة.

وأما قول الحنفي: "إنه ليس بمخصوص بالهرم؛ لأنه شامل للعمر الذي فيه البلايا، مثل: كثرة العيال، مع قلة المال، وعدم الصبر والابتذال" = فليس في محله؛ فإنّه يرد عليه قوله: "أن أُرَدَّ".

مع أن المعنى الذي ذكره ليس يُستفاد من الكلام، لا لغةً ولا عرفًا، وكثرة العِيَال مع قلة المال هو من أوصاف الرجال، لكن مع الصبر والشكر في كل حال، وقد يؤخذ عدم الصبر من الجبن، أو من قوله:(وأعوذ بك من فتنة الدنيا) لأنها بظاهره شاملة لكل بَليَّةٍ، ومحنةٍ حِسِّية أو معنويّة، كائنة فيها مانعة عن أمور العقبى.

وقال العسقلاني: "قد فسر عبد الملك بن عُمَيْر أحد رواة هذا الحديث فتنة الدنيا بـ: "فتنة الدجال"، كما وقع عند الإسماعيلي: "قال شعبة:

(1)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"والمانعة".

(2)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"ذلك".

ص: 1469

سألتُ عبد الملك بن عمير عن فتنة الدنيا، فقال: الدجال"، وفي إطلاق الدنيا على الدجال إشارة إلى أن فتنته أعظمُ الفتن الكائنة في الدنيا، وقد ورد ذلك صَرِيحًا في حديث أبي أمامة، قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

"، فذكر الحديث، فيه: "أنه لم يكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذُرية آدم أعظم من فتنة الدجال"

(1)

، انتهى.

ولعل وجهه أن بقية فتن الدنيا أمر سهل بالنسبة إليها؛ فإنه يكلف الإنسان على الإيمان به، والكفر بربه، وإلا فالعذاب والعقاب، مع أن الوقت زمن القحط والبلاء وعنده -بحسب الظاهر- الوسع والعطاء، فكأنه عليه السلام تعوذ منه وعلّم أمته الحذر، مع أنه لم يوجد إلا في آخر الزمان عند ظهور المهدي ونزول عيسى عليه السلام إيماء إلى أن كل بلاء ديني أو دنيوي بالنسبة إلى فتنة الدجال أمره سهل، فيكون تسلية للأمة، وهذا من كمال الرحمة، وتمام الرأفة.

(وأعوذ بك من عذاب القبر) فإنه مُقَدّمة عذاب النار. (خ، ت، س) أي رواه: البخاري، والترمذي، والنسائي، عن سعد بن أبي وقاص.

(اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرَم) بفتحتين (وعذاب القبر، اللهم آت) أمر من الإيتاء، أي: أعط (نفسي تقواهما) أي: توفيقها بإلهامها والقيام بها، قال ميرك: "ينبغي أن يفسر التقوى بما يقابل الفجور في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)}

(1)

"فتح الباري"(11/ 179).

ص: 1470

[الشمس: 8]، وهي الاحتراز عن متابعة الهوى وارتكاب الفجور والفواحش؛ لأن الحديث هو البيان للآية".

(وزكّها) أمر من التزكية، أي: طهرها من الذنوب ونقها من العُيُوب، (أنت خير من زكاها) فيه إيماء إلى قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]، وإشارة إلى أن ضمير الفاعل في "زكاها" إلى "مَنْ"؛ ليستقم "أنت خير من زكاها"، وأما إذا كان راجعًا إلى الله تعالى فيتعين أنه هو المزكي لا غير على ما هو في الحقيقة كذلك، وأن الإسناد إلى غيره مجازي.

(أنت وليّها) أي: المتصرف فيها ومُصْلحها ومربيها (ومولاها) أي: ناصرُها وعاصمُها، وقال الحنفي:"عطف تفسيري".

(اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) أي: علم لا أعمل به ولا أعلِّمه، ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال، أو علم لا يحتاج إليه في الدين، أو لا يَرِدُ في تعلمه إذنٌ شرعيّ، وسيأتي فيه زيادة بيان.

(وقلبٍ لا يخشع) أي: لا يطمئن بذكر الله، ولا يسكن بما قدّره وقضاه، وأمره ونهاه، (ومن نفسٍ لا تشبع) أي: بما آتاه الله، حيث لا تقنع ولا تفتر عن الجمع؛ لشدة ما فيها من الحرص، أو يراد بها النهمة وكثرة الأكل، والمبالغة في حُصُول الشهوة.

(ومن دعوةٍ لا يُستجاب لها) الضمير عائد إلى الدعوة واللام زائدة، وفي "جامع الأصول":"دعوة لا يستجاب"، ذكره ميرك.

وفيه: أن الاستجابة قد تتعدى باللام، كقوله تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} ،

ص: 1471

وقد تقدم الفرق بينها وبين الإجابة، وليس ما في "جامع الأصول" نصّ على المقصود، إذ يحتمل أن يكون من باب الحذف والإيصال، وكذا ما ورد هنا في "مصنف ابن أبي شيبة":"ودعاء لا يستجاب"، على أنه يجوز تقدير:"له" في هذا المقام، والله أعلم بالمرام.

(م، ت، س، مص) أي رواه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي شيبة، عن زيد بن أرقم

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل، وسوء العُمُر) بضم الميم وسكونه، أي: أرذله، وهو: الهرم، وقال المصنف:"أي: عمر غير مرضي، لا يعمل فيه عمل صالح"

(2)

، انتهى.

وهو بضم السين ويجوز فتحها، ففي "الصحاح":"ساءَهُ يَسُوءُهُ سَوءًا، بالفتح، نقيض: سَرَّهُ، والاسم: السُّوء بالضم، ومن فتح فهو من المَسَاءَةِ، وقد قُرئَ بهما: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة: 98] "

(3)

، والحاصل: أنه عمر يَسوء صاحبه ولا يفرح به طالبه في العُقبى.

(وفتنة الصدر) قال المصنف: "يعني ما يوسوس به الشيطان في قلبه، كما في الحديث: "من وساوس الصدر""

(4)

، انتهى.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في (29734)، ومسلم (2722)، والنسائي (8/ 260)، والترمذي (3572).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(3)

الصحاح (1/ 55 - 56) مادة (س وأ).

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

ص: 1472

وقيل: "موت القلب وقساوته"، وقيل:"ما ينطوي عليه من غلّ وحسد وخُلق سيئ"، وقيل:"هي الضيق المشار إليه بقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] "، وهي: الإنابة إلى دار الغرور التي هي سجن المؤمن، والتجافي عن دار الخلود، وهي: التي عرضها كعرض السماء والأرض، عكس حال من شرح الله صدره حيث يميل إلى دار العُقبى، ويزهد في دار الدنيا، ويستعد للموت قبل نزوله.

(وعذابِ القبر) أي: مما يوجبه. (د، س، ق، حب) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، عن عمر رضي الله عنه

(1)

.

(اللهم أعوذ) وفي نسخة: "إني أعوذ"(بعزتك) أي: بقوتك وقدرتك، وسلطانك وغلبتك، (لا إله إلا أنت، أن تضلني) بضم التاء، من الإضلال، وهو: متعلق بـ "أعوذ"، أي: من أن تضلني، وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العِزّ.

(أنت الحي لا تموت) ولفظ "المشكاة": "أنت الحي الذي لا يموت"، (والجن) أي: الشامل للملائكة، (والإنس) أي: وأتباعهم من الحيوانات والحشرات (يموتون. م، خ، س) أي رواه: مسلم، والبخاري، والنسائي، عن ابن عباس، واللفظ لمسلم؛ ولذا قُدِّمَ على البخاري.

(اللهم إنا نعوذ بك من جَهْد البلاء) قال المصنف: "بفتح الجيم،

(1)

أخرجه أبو داود (1539)، والنسائي (8/ 255)، وابن ماجه (3844)، وابن حبان (1024).

ص: 1473

ورُوي بضمها، وقد روي عن ابن عمر أنه فسره بـ:"قلة المال، وكثرة العِيال"، وقيل:"الحالة الشاقة""

(1)

.

أقول: لا بد [لتفسير]

(2)

ابن عمر من قيد: عدم الصبر ووجود الجزع والفزع؛ لئلا يشكل بأكثر أحوال الأنبياء والأولياء، وكذا قوله:"الحالة الشاقة"، وإلا فأشد الناس بلاءً الأنبياء فالأمثل فالأمثل، فتأمل، وقيل:"هو ما يختار الموت عليها".

(ودَرَك الشقاء) بفتح الراء، وفي نسخة بسكونها، قال صاحب "السلاح":"الدرك -بفتح الراء-: اسم، وبالسكون: المصدر"، وفي "النهاية":"الدرك هو: اللحوق والوصول إلى الشيء، يقال: أدركته إدراكًا ودركًا"، انتهى.

والشقاء والشقاوة بالفتح نقيض السعادة على ما في "الصحاح"، وقال العسقلاني:"بمعجمة وقاف، وهو: الهلاك، وقد يطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك".

وقال المصنف: "المحفوظ فيه فتح الراء، وروي بإسكانها، يعني: أن يدركني شقاء وقد [يرد]

(3)

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(2)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي (أ):"من تفسير"، وفي (ب) و (ج) و (د):"تفسير".

(3)

كذا في (ج)، وفي (أ):"يراد"، وفي (ب) و (د):"ير"، وفي "مفتاح الحصن الحصين":"يريد".

ص: 1474

[أيضا](1) في أمور الآخرة"

(2)

.

(وسوء القضاء)"يحتمل في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل، ويحتمل أن يكون في الخاتمة"

(3)

، انتهى، وقال بعضهم:"هو ما يسوء الإنسان، أو يوقعه في المكروه".

وقال ابن بطال: "المراد بالقضاء: المَقْضِيّ؛ لأن حكم الله كله حسن لا سوءَ فيه"، وقال غيره:"القضاء: الحكم بالكليّات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر: الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل"، وقيل بعكس ذلك كما بيَّنَّاهُ في "المرقاة شرح المشكاة".

(وشماتة الأعداء) قال المصنف: "هي فرح العدوّ ببليّة تنزل بعدوّه، من شَمِتَ بكسر الميم يشمت بفتحها"

(4)

. (خ) أي: رواه البخاري عن أبي هريرة، ورواه مسلم والنسائي أيضًا

(5)

.

وقال بعض المحققين: "اعلم أنه يفهم من طرق هذا الحديث في "الصحيحين" أن المرفوع من الحديث ثلاثة جُمل من الجمل الأربع، والرابعة زادها سفيان بن عيينة -أحد رواة هذا الحديث- من قبل نفسه، لكن لم يبين فيها أنها ما هي، وقد بين الإسماعيلي في روايته نقلًا عن سفيان

= (1) من (أ) و (ج) و"مفتاح الحصن الحصين".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(5)

أخرجه البخاري (26347، 6616)، ومسلم (2707).

ص: 1475

أن الجملة التي زادها سفيان من قِبَله هي جملة: "شماتة الأعداء"".

أقول: جلالة سفيان تمنعه أن يزيد من قبل نفسه ما يدرج في لفظ النبوة، بل إنما هي زيادة روايته على سائر الرواة، وزيادة الثقة مقبولة، وسيأتي إثبات هذه الجملة في حديث آخر من غير طُرق الصحيحين، والله أعلم.

(اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل) معنى استعاذته "من شر ما لم أعمل" مخرج على وجهين:

أحدهما: أن يبتلى به في مستقبل الزمان.

والثاني: أن يتداخله العُجْب في ذلك، ذكره التوربشتي.

وفصَّلَه الأشرف، فقال:"استعاذ من أن يعمل في مستقبل الزمان ما لا يرضاه الله؛ فإنه لا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون"، وقيل:"أن يصير معجبًا بنفسه في ترك القبائح، وسأل أن يرى ذلك من فضل الله تعالى"، نقله ميرك.

(م، د، س، ق) أي رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من شر ما [عملت])

(2)

أي: من المعاصي، أو: من الطاعة المترتب عليها الغُرور والعُجب. (ومن شر ما لم [أعمل])

(3)

(1)

أخرجه مسلم (2716) وأبو داود (1550)، والنسائي (3/ 56)، وابن ماجه (3839)، وابن حبان (1031).

(2)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د) و (م):"عَلِمْتُ".

(3)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د) و (م):"أعلم".

ص: 1476

أي: من العبادات المفروضة عليَّ.

(س، مص) أي رواه: النسائي، وابن أبي شيبة، عن عائشة أيضًا رضي الله عنها

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) أي: الدينية، أو الدنيوية النافعة في الأمور الأخروية، (وتحوُّل عافيتك) بتشديد الواو المضمومة، أي: تبدل ما رزقتني من العافية إلى البلاء.

وفي رواية أبي داود: "وتحويل"، مصدر باب التفعيل للتعدي والتفعل لمطاوعه، لكن الثاني أوفق، وبمقابله الزوال أحق.

فإن قلتَ: ما الفرق بين الزوال والتحول؟ قلتُ: الزوال يقال في شيء كان ثابتًا في شيءٍ ثم فارقه، والتحوّل تغير الشيء وانفصاله عن غيره، فمعنى زوال النعمة ذَهابُها من غير بدل، وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض.

وقال المصنف: ""تحوُّل" بضم الواو مشددة، يعني: تحولها وانتقالها"

(2)

، (وفُجاءة نقمتك)"بضم الفاء وفتح الجيم ممدودة، من فاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب، وروي بفتح الفاء وإسكان الجيم من غير مَدّ"

(3)

، انتهى.

و"النقمة": بكسر فسكون، وفي نسخة بفتح فكسر، ككلمة وكلم، وخصّ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (29125) وفي "الكبرى"(7967) و (7968).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

ص: 1477

فجاءة النقمة بالذكر؛ لأنها أشد من أن تُصيب تدريجًا، كما ذكره المظهر. و"النقمة": العقوبة، ومنه قوله تعالى:{فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] أي: يعاقبه، على ما ذكره الجوهري.

ثم قوله: (وجميع سخطك) أي: جميع أسباب غضبك، إجمالٌ بعد تفصيل، وتعميم بعد تخصيص. (م، د، س) أي رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر، وكذا الترمذي على ما في "الجامع"

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من شرّ سمعي) بأن أسمع كلام الزور والبهتان والغيبة، وسائر أسباب العصيان، أو بأن لا أسمع كلمة الحق، وأن لا أقبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (ومن شر بصري) بأن أنظر إلى

(2)

محرم، أو أرى إلى أحدٍ بعين الاحتقار، أي: لا أتفكر في خلق السماء والأرض بنظر الفكر والاعتبار.

(ومن شر لساني) بأن أتكلم فيما لا يعنيني، أو أسكت عما لا يغنيني، (ومن شر قلبي) باشتغاله بغير أمر ربي، (ومن شر مَنِيّى) بأن أوقعه في غير محله، أو يوقعني في مقدمات الزنا؛ من النظر واللمس والمشي والعزم وأمثال ذلك.

قال في "سلاح المؤمن": "أراد به فَرْجَه، ووقع في رواية أبي داود:

(1)

أخرجه مسلم (2739) وأبو داود (1545) والنسائي في الكبرى (7955).

(2)

بعدها في (أ) و (ب) و (ج) و (د): "غير"، وضرب عليها في (د)، والصواب حذفها ليستقيم المعنى.

ص: 1478

"يعني: فرجه"، وقال بعض العلماء:"المني: جمع المنية، وهي طول الأمل"، وقال المصنف:"المني: ماء الرجل، يريد: وضعه فيما لا يحل"

(1)

، انتهى.

وفيه: أن الأولى من حيث المعنى أن لا يخص المني بماء الرجل، على ما في "المهذب"؛ لأن هذا الدعاء شامل أيضًا للنساء، وأيضًا شرّه ليس منحصرًا فيما ذكره، بل يعمّ مقدّماته أيضًا، على ما قدمناه.

(ت، د، س، مس) أي رواه: الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والحاكم، عن شكل بن حميد

(2)

.

(اللهم أعوذ) وفي نسخة: "إني أعوذ"(بك من الفقر) يحتمل أن يراد به: فقر النفس، أعني: الشره الذي يقابل غِنى النفس، الذي هو: قناعتها، يعني: من نفس حريص على جمع المال، ممتنع عن تحصيل الكمال، أو يراد: قلة المال، فالمراد: الاستعاذة من الفتن المتفرّعة عليها، كالجزع بقلة الصبر، وعدم الرضا بالقضاء.

(والفاقة) أي: شدة الحاجة إلى الخلق، (والذلة) أي: بأن يكون ذليلًا حتى يحقره الناس، قال بعض العلماء: "والمراد بهذه الأدعية تعليم

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب).

(2)

أخرجه أبو داود (1551)، والترمذي (3492) وقال: حسن غريب.

والنسائي (8/ 255). والحاكم (1/ 532) وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1292).

ص: 1479

الأمة"، انتهى.

وأما ما ورد من أن: "المؤمن لا يخلو من علةٍ أو قلة أو ذلة"، فالمراد بالعلة: المرض، وبالقلة: قدر القوت والكفاية من المال؛ حيث لا يقدر على الطاعات المالية، والإنفاق في سبيل الله، وطريق مرضاة مولاه، وبالذلة: عدم الجاه والاعتبار عند عامة الناس.

(وأعوذ بك من أن أَظْلِمَ) بصيغة [المعلوم]

(1)

، أي: أحدًا، (أو أُظْلَم) بصيغة المجهول، أي: من أحد، و"أو" للتنويع، وقال الحنفي:"بمعنى الواو". (د، س، ق، مس) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، عن أبي هريرة

(2)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الهدم) بفتح فسكون، وفي نسخة بفتحتين، قيل: وروي بالفتح، وهو اسم ما انهدم، وفي "القاموس":"الهَدَم بالتحريك: ما يهدم من جوانب البئر فسقط فيها".

(وأعوذ بك من التردي) أي: السقوط من موضعٍ عالٍ، أو: الوقوع في نحو بئرٍ، قال المصنف:"الهدْمُ -بإسكان الدال-: هدم البيت وغيره، يعني: الموت بالهدم. والتردّي -بفتح التاء والراء وتشديد الدال مكسورة-: من تردَّى يتردى، إذا سقط أو تهور من جبل"

(3)

.

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"الفاعل".

(2)

أخرجه أبو داود (1544)، والنسائي (8/ 261)، وابن ماجه (3842)، والحاكم (1/ 725) وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 19/ ب، 20/ أ).

ص: 1480

(وأعوذ بك من الغَرَق) بفتحهما مصدر: غَرِق في الماء، ومنه قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} [يونس: 90]، (والحرق) بالتحريك أيضًا: مصدر حرق في النار، وقد يُطلق على النار، أو لهبها على ما في "القاموس"، وفي "النهاية":"وإنما يُقالُ: الحرق بالنار والحرق معًا".

وإنما استعاذ من الهلاك بهذه الأشياء -مع ما فيه [من نيل]

(1)

الشهادة- لأنها مجهدة مقلقة، لا يكاد الإنسان يصبر عليها ويثبت عندها، فلعل الشيطان ينتهز فرصةً منه فيحمله على ما يخله ويضره بدينه؛ ولأنه يُعدّ فُجْأة، وهي:"أخذة أسف"، على ما ورد في الحديث.

وقيل: [لعله]

(2)

عليه الصلاة والسلام استعاذ منها؛ لأنها في الظاهر أمراض ومصائب ومحن وبلايا، كالأمراض السابقة المستعاذة منها، وأما ترتيب الشهادة عليها.

فالبناء على: أن الله تعالى يثيب المؤمن على المصائب كلّها حتى الشوكة يُشاكها، لكن مع هذا فالعافية أوسع، مع أن ظاهر هذه المذكورات مشعرة بالغضب صورة.

(والهرم) تقدم. (وأعوذ بك أن) ولفظ "المشكاة": "من أن"(يتخبَّطني الشيطان) بتشديد الموحدة، أي: يجعلني مُخَبَّطا مغلوبًا، أو مجنونًا، أو معتوهًا، أو ضالًّا، (عند الموت) وقال الطيبي: "هو: أن يضرب البعير

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"لنيل".

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"لأنه".

ص: 1481

الشيء تحت يده فيسقطه".

وقال المصنف: "أي: يلعب بي، وَيفْتِنُني ويغلبني، وأصله من الصَّرْعِ"

(1)

، انتهى. وقال الحنفي:"الأولى أن يقال: أصله من الخبط، بمعنى الصَّرْع".

قلت: كلاهما لا يظهر له وجه، ففي "القاموس":"خبطه يخبطه: ضربه شديدًا، وكذا البعير بيده الأرض، كتخبط: وطئه شديدًا، والشيطانُ فلانًا: مسه بأذًى، كتخبطه"، انتهى.

نعم قد يتولد الصَّرْع من مسه كما يُسْتفاد من قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275].

(وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مُدبِرًا) أي: فارًّا من الزحف، أو تاركًا للطاعة، أو مرتكبًا للمعصية، أو رجوعًا إلى الدنيا بعد الإقبال على العقبى، واختيار الغفلة والهوى إلى السوى [عن]

(2)

حضور المولى.

قيل: "هذا وأمثال ذلك تعليمٌ للأمة، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه الخبط والفرار من الزحف ونحوهما"، والأظهر: أن هذا كله تحدث بنعمة الله، وطلب الثبات عليها، والتلذذ بذكرها المتضمن لشكرها، الموجب لمزيد النعم، المقتضي لإزالة النقم.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"عند".

ص: 1482

(وأعوذ بك أن أموت) أي: من أن أموت (لَدِيغًا)"أي: ملدوغًا، فعيل بمعنى مفعول، من لدغته العقرب تلدغه، فهو ملدوغ، إذا ضربته بسمها"

(1)

، ذكره المصنف.

وفي "القاموس": "لدغته العقرب والحية"، فهو مستعمل في ذوات السموم من العقرب والحية وغيرهما، والاستعاذة مختصة بأن يموت عقيب اللدغ، فيكون من قبيل الفجأة، وإلا فصحَّ أنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدًا من أثر الأكل من الشاة المسمومة لليهودية، وكذا موت الصديق الأكبر من أثر لسع الحية في الغار.

(د، س، مس) أي رواه: أبو داود، والنسائي، والحاكم، عن أبي اليسر، كذا في أكثر النسخ، وهو الموافق لما في "المشكاة"، وفي نسخة:"كلهم عن أُبي بن كعب بن عمرو الأنصاري"، ونسب إلى ميرك، والله أعلم

(2)

.

(اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) وهي: الأحوال الباطنة، (والأعمال) أي: الأفعال الظاهرة، (والأهواء) وهي:"جمع الهوى، مصدر هواه، إذا أحبه، ثم سُمي بالهوى المشتهى، محمودًا كان أو مذمومًا، ثم غلب على غير المحمود"، كذا في "المغرب".

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

أخرجه أبو داود (1552)، والنسائي (8/ 283) وإسناده ضعيف لاضطرابه، فقد اختلف فيه على عبد الله بن سعيد بن أبي هند. انظر: العلل لابن أبي حاتم (2085).

وأخرجه أحمد (3/ 427)، والحاكم (1/ 531)، وقال: صحيح الإسناد.

ص: 1483

قال الطيبي: "الإضافة في القرينتين الأوليين من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، وفي الثالثة: بيانية؛ لأن الأهواء كلّها منكرة"، انتهى.

وهو مبني على غلبة العُرف، ويمكن أن يبنى على أصل المعنى اللغوي، بمعنى المشتهيات النفسية، فحينئذٍ [يكون مشتملًا]

(1)

على المنكرات والمعروفات؛ إذ قد يُوَافِق الهوى الهدى؛ ولذا قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].

والأنسب أن تكون القرائن على طبقٍ واحدٍ، وأغرب الحنفي حيث قال:"أي: الأخلاق المنكرة، فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، ويجوز أن تكون الإضافة على ظاهرها، بأن تكون الأخلاق منقسمة إلى قسمين: منكرة، وغير منكرة، وإنما العوذ من منكراتها"، انتهى. وغرابته لا تخفى على ذوي النهى. (ت، حب، مس) أي رواه: الترمذي، وابن حبان، والحاكم؛ كلُّهم عن قطبة بن مالك

(2)

.

(والأدواء) جمع: داء، والتقدير: ومن منكرات الأدواء، (ت) أي: رواه الترمذي، [هذه]

(3)

الزيادة عنه أيضًا، قال ميرك:"اعلم أنه يفهم من كلام "صاحب السلاح" أن زيادة "والأدواء" في "المستدرك" للحاكم، لا في

(1)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"تكون مشتملة".

(2)

أخرجه الترمذي (3591) وقال: حسن غريب والطبراني في الكبير (19/ 36) والحاكم (1/ 532). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1298).

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"وهذه".

ص: 1484

الترمذي؛ حيث قال بعد قوله "والأهواء": "رواه الترمذي، والحاكم، وابن حبان في "صحيحيهما"، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، وزاد في آخره: "والأدواء"، وفي بعض الروايات: "والأرواء"، وهذا لفظ الترمذي"، فتأمل فيه، والله أعلم".

قلت: يمكن الجمع بأن كلًّا منهما روى زيادة "الأدواء"، كما يدل عليه لفظ "الجامع":"اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء. رواه: الترمذي، والطبراني، والحاكم، عن عَم زياد بن علاقة".

(اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شرِّ ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت المستعان) أي: المطلوب منك المعونة، (وعليك البلاغ) قال المصنف:"أي: الكفاية، ويحتمل أن يراد به ما يبلغ إلى المطلوب من خير الدنيا والآخرة""

(1)

.

(ولا حول ولا قوة إلا بالله. ت) أي: رواه الترمذي عن أبي أمامة، قال: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاءٍ كثير لم نحفظ منه شيئًا، فقلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاءٍ كثير لم نحفظ منه شيئًا، قال: ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كلّه، تقولون: اللهم إنا نسألك

" إلى آخره. رواه الترمذي، وقال: "حسن غريب"، ذكره ميرك شاه

(2)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

أخرجه الترمذي (3521) وقال: حسن غريب.

ص: 1485

(اللهم إني أعوذ بك من جار السُّوء) بضم أوله، وفي نسخة بالفتح، أي: من جارٍ غير صالحٍ، أو من الجار المؤذي المسيء، (في دار الْمُقامة) بضم الميم، مصدر ميمي بمعنى الإقامة.

قال المصنف: "يجوز فيه ضم السين وفتحها، والضم أحسن، وهو الاسم من: ساءه يسوءه، كما في الحديث: "نعيذه من يوم السوء، وساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء". "في دار المقامة" أي: الإقامة"

(1)

.

(فإنّ جارَ البادية) أي: الجار الواقع في البدو وحال السفر (يتحوّل) أي: من مكان إلى مكان، إيماءً إلى أنه سريع الزوال سهل التحمل عنه في الأثقال، فجار الإقامة أحق بالاستعاذة من جار البادية؛ لأنه في مقام التحول والانتقال، ولا يبعد أن يكون إشارة بالجار السوء إلى النفس التي هي أعدى الأعداء بين جنبي الآدمي، أو الشيطان المسلط الذي يجري مجرى الدم في أعضاء الإنسان. (س، حب، مس) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم، عن أبي هريرة.

(أعوذ بالله من الكفر) أي: الشرك، أو الكفران، أو ستر الحق، أو الفقر الذي كاد أن يكون كفرًا، وهو المناسب لأن يكون قرينةً لقوله:(والدَّيْن) بالفتح؛ لكونه "شينُ الدِّين" بالكسر على ما ورد.

ولعل اقترانهما لأن الكفر هو عبادة المخلوق، والدَّين يورث المذلة عند الخلق فيكون خائفًا عنه، وراجيًا منه، فيقتضي نوعًا من الشرك، أو جمع

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

ص: 1486

بينهما نظرًا إلى حق الله وحق العبد؛ فإن الصّالح من يكون قائمًا بهما.

قال ميرك: "ساوى بين الدين والكفر، لأن الدائن شبيه بالمنافقين؛ لأنه "إذا غرم حدَّث فكذب، وإذا وعد أخلف"، كما ورد في الحديث، فالفقير الدائن أسوء حالًا من المنافق".

(س، حب، مس) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم، عن أبي سعيد الخدري.

(اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) أي: كثرته، فإنَّ قائله لا بد عند حاجته، (وغلبة العَدُوُّ) أي: من الكفار، أو من: الظلمة، والفسقة، [و]

(1)

المبتدعة، وفي رواية ابن حبان:"وغلبة العباد"، أي: تسلطهم، فهو يرجع إلى المعنى الأول.

(وشماتة الأعداء. مس، حب) رواه: الحاكم، وابن حبان، عن عبد الله بن عَمْرو بالواو، وفي نسخة بلا واو، وفي "سلاح المؤمن":"عن عبد الله بن عَمْرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعُوا بهذه الكلمات: اللهُمَّ إني أعوذ بك من غلبة الدين، وغلبة العدوّ، وشماتة الأعداء. رواه الحاكم على شرط مسلم، ورواه ابن حبان، ولفظه: "وغلبة العباد"".

(اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع) أي: علم لا أعمل به ولا أعلِّمه، أو علم لا يحتاج إليه في الدين، أو علم ليس فيه إذن شرعيّ، أو علم لا يهذب أخلاقه الباطنة، فيسري في الأعمال الظاهرة في العاجل ويعود إلى

(1)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"أو".

ص: 1487

الثواب الآجل.

وقال بعض المحققين: العلم لا يذم لذاته، بل لأسباب ثلاثة:

1 -

إما لكونه وسيلة إلى إيصال الضرر والشر، كعلم السحر والطلسمات؛ فإنهما لا يَصْلُحان إلا للإضرار.

2 -

وإما لكونه مضرًا بصاحبه في ظاهر الأمر، كعلم النجوم، وأقل مضاره أنه شروع فيما لا يعني، وتضييع العمر.

3 -

وإما لكونه دقيقا، لا يستقل به الخائض فيه، كالبحث عن الأسرار الإلهية.

وقال بعضهم: "قد استعاذ صلى الله عليه وسلم من نوع من العلوم، كما استعاذ من الشرك والنفاق ومساوئ الأخلاق، وهو العلم الذي لم يقترن به التقوى؛ فإنه باب من أبواب الدنيا وأرباب الهوى".

(وقلبٍ لا يخشع، ودعاءٍ لا يُسْمَع، ونفسٍ لا تشبع) قال بعض العلماء: اعلم أن في كلٍّ من القرائن الأربع ما يُشْعِرُ بأن وُجُودَهُ مَبْنيٌّ على غَايَتَهُ، وأن الغرض منه تلك الغاية، وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها، فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافًا بل يكون وبالًا؛ ولذلك استعاذ منه، وإن القلب إنما خلق لأن يتخشع للربّ، [وينشرح]

(1)

لذلك الصدر، ويقذف فيه النور، فإذا لم يكن كذلك كان قاسيًا فيجب أن يُسْتعاذ منه، قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22].

وإن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغُرور، وأنابت إلى دار

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"ويشرح".

ص: 1488

الخلود، فهي إذا كانت منهومة لا تشبع وحريصةً على الدنيا، كانت أعدى عدوّ المرء، فأولى الشيء يُستعاذ منه هي، وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله، ولم يخشع قلبُه، ولم تشبع نفسه، والله الهادي إلى صراطٍ مستقيمٍ.

(مس، مص) أي: رواه الحاكم، وابن أبي شيبة؛ كلاهما عن ابن مسعود، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة أيضًا.

(ومن الجوع) أي: المفرط المانع من الحضور، وإليه أشار صاحب البُرْدَة:

فَرُبَّ لمحمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التّخَمِ

(فإنه بئسَ الضجيع) أي: المضاجع، وهو: الذي ينام معك في فراشٍ واحد، أي: بئس الصاحب؛ لأنه يمنع استراحة البدن، وراحة القلب؛ فإنَّ الجوع يُضعف القُوى ويكثر أفكارًا ردية، وخيالاتٍ فاسدةٍ، فيخل بوظائف العبادات، ومن ثمة حرم صوم الوصال.

(مس، مص) أي: رواه الحاكم، وابن أبي شيبة، عن ابن مسعود، وهو من تتمة الحديث السابق، فلا وجه لتكرار الرمز، بل كان ينبغي أن يكتفى بالرمز هَا هُنا ليتبين أن رواية ابن أبي شيبة انتهت في هذا الدعاء

(1)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (393) والحاكم (1/ 534) وقال: صحيح الإسناد. وقال العراقي (1/ 279): وليس كما قال، إلا أنه ورد مفرقًا في أحاديث جيدة الأسانيد. وقال الذهبي: حميد متروك أهـ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1201) والسلسلة الضعيفة (2908).

ص: 1489

(ومن الخيانة) أي: في أمانة الخلق والخالق، (فبئست البطانة) أي: الخصلة الباطنة، وقال المصنف:"بكسر الباء: خاصّةُ الرجل، ويحتمل أن يراد خلاف الظهارة، وخلاف ما يظهره، فاستعاذته عليه السلام من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله، وتعليمًا لأمته وإرشادًا؛ ليقتدوا فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة"

(1)

، انتهى.

والأظهر أن المراد بالاستعاذة هي طلب الثبات، والاستقامة على صفات الكمال في كل حالٍ، وللإعلام بأن هذه أوصافٌ ذميمةٌ، فمن وجدت فيه يعالج في إزالتها، ومن فقدت فيه يحمد الله على ذلك، ويطلب ثباتها.

(ومن الكسل) أي: [في]

(2)

العبادة البدنية، (والبخل) أي: في الطاعة المالية، (والجبن) أي:[في]

(3)

الجهاد الأصغر والأكبر، (ومن الهرم) أي: ومن طول العمر في صرف المعصية، كما قال في موضع:"وسوء العمر" أو من ضعف الكبر المانع عن القيام بالعبادة.

(ومن أن أُرَدَّ إلى أرذل العُمُر) أي: الذي لا يعلم شيئًا من العلوم النافعة، (ومن فتنة الدجال) وهي كل فتنة تؤدي إلى الكفر والضلال، (وعذاب القبر) أي: مما يؤدي إلى عقاب البرزخ، (وفتنة المحيا والممات) تعميم وتتميم.

(اللهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) أي: موجبات غفرانك، قال

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"عن".

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"عن".

ص: 1490

المصنف: "جمع عزيمة، وهي ما عزم الله على العباد أن [يعطوه]

(1)

ليغفر لهم"

(2)

، انتهى. وهو كذا في النسخ بلفظ: "أن [يعطوه]

(3)

" والظاهر أنه سَهْو، وأن الصواب: أن يطيعوه.

(ومنجيات أمرك) "أي: ما فيه [نجاة من]

(4)

أمرك"

(5)

، قاله المصنف. والأظهر أن يقال: أي: مخلصات عُهْدة أمرك، (والسلامة من كل إثم) أي: معصية (والغنيمة من كل بر) أي: طاعة (والفوز) أي: الظفر (بالجنة، والنجاة) أي: الخلاص (من النار. مس) أي: رواه الحاكم عن ابن مسعود

(6)

.

(اللهم إني أسألك علمًا نافعًا) أي: في الدنيا والعُقبى (وأعوذ بك من علمٍ لا ينفع) أي: فيهما. (حب) أي: رواه ابن حبان عن جابر

(7)

.

(اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع) وهو أن لا يكون لله، (وعملٍ لا يرفع) أي: لبُطْلانه أو لعدم إخلاصه، (وقلبٍ لا يخشع) أي: لذكره،

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د) وفي (ب)"يعصوه" وفي "مفتاح الحصن الحصين""يفعلوه".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(3)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"يعصوه".

(4)

من "مفتاح الحصن الحصين " فقط.

(5)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(6)

أخرجه الحاكم (1/ 525) وقال: صحيح على شرط مسلم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1184) والسلسلة الضعيفة (2908).

(7)

أخرجه ابن حبان (82) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 181 - 182)، بلفظ المؤلف هنا، ونسبه إلى الطبراني في "الأوسط" وقال: إسناده حسن.

ص: 1491

(وقولٍ لا يسمع) أي: كلامٍ لا يقبل أو دعاء لا يُسْتجاب. (حب، مس، مص) أي رواه: ابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة، عن أنس

(1)

.

(نعوذ بالله من عذاب النار، نعوذ بالله من الفتن) أي: الدنيوية والأخروية، (ما ظهر منها وما بطن) أي: ما يتعلق بالأمر الظاهر أو الباطن، أو ما ظهر الآن، وما سيظهر في مستقبل الزمان، وفي بعض النسخ: "من [فتنة]

(2)

ماظهر منها وما بطن".

(نعوذ بالله من فتنة الدجال) أي: فإن غير فتنته سهلٌ في كل حالٍ، فهو تخصيص بعد تعميم للاهتمام به. (عو) أي: رواه أبو عوانة عن زيد بن ثابت

(3)

.

(اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا) أي: بالارتداد وعدم العلم كما كنا أول خلقتنا، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8]، (أو نفتن) بصيغة المجهول أي: نضل بالابتداع، أو بمخالفة الاتباع، (عن ديننا) فـ "أو" للتنويع، لا للشك كما توهم الحنفي، بل من قبيل قوله تعالى:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]، وقيل:"أشار بذلك إلى أن الرجوع على العقب كناية عن مخالفة الأمر الذي تكون الفتنة سببه"، انتهى.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 18)، وأحمد (3/ 192)، وابن حبان (83)، والحاكم (1/ 185)، والضياء (6/ 346، رقم 2373). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1290).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"فتنته".

(3)

أخرجه مسلم (2867).

ص: 1492

وخلاصته: أنه استعاذ [بالارتداد]

(1)

، وبما يكون سببه من فتنة العباد.

(مو خ م) رواه البخاري ومسلم موقوفًا من كلام ابن أبي مليكة، وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بالتصغير، أدرك ثلاثين من الصحابة، وهو ثقة فقيه، مات سنة سبع عشرة ومئة، ذكره ميرك، وفي بعض النسخ هنا تقديم وتأخير بين الدعاءين السابقين

(2)

.

(اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع) أي لا لي ولا لغيري (ومن قلبٍ لا يخشع) أي عند ذكر ربي، (ومن نفسٍ لا تشبع) أي: من الدنيا أو من شهواتها، (ومن دعاء لا يُسمع) أي لا يستجاب، (اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع) أي جميعها، وهو تأكيد وتأييد، وبمنزلة فذلكة. (مص، طس) أي رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر

(3)

، والطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس

(4)

.

(اللهم اغفر لي ذنوبي) أي: كلّها (وخطئي) أي: ذنبي الواقع خطأ، أو الصغائر، (وعَمْدِي) أي: ذنبي المتعمّد أو الكبائر، فالعطف تفصيلي. (طس) رواه الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس

(5)

.

(اللهم إني أعوذ بك من دعاءٍ لا يُسْمَع) أي: مما يوجب رد الدعاء،

(1)

أي: من الرجوع بالارتداد، كما فسره من قريب.

(2)

أخرجه البخاري (6593) و"مسلم"(6037).

(3)

رواية ابن عمرو: أخرجها الترمذي (3482)، والنسائي في الكبرى (7869).

(4)

رواية ابن عباس أخرجها الطبراني في المعجم الكبير (11/ 52) رقم (11020).

(5)

لم أقف عليه من رواية ابن عباس وقد ورد عند الطبراني في الأوسط من رواية أنس (662)، وأبي بن كعب (7110).

ص: 1493

(وقلبٍ لا يخشع) أي: مما يورث عدم خشوعه، (ونفس لا تشبع) أي: من الحرص المقتضي ذلك. (ط) رواه الطبراني عن جرير

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الكسل) أي: الضعف عن العبادة، (والهرم) أي: العجز عن العبادة، (وفتنة الصدر) أي: الباعثة على الشك والوسوسة، (وعذاب القبر). (ط) رواه الطبراني عن ابن عباس

(2)

.

(اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء) بضم السين ويفتح، أي: من يوم يقع فيه ما يسوء من أمر الدين أو الدنيا، (ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء) وهي ساعة الغفلة عن الطاعة، (ومن صاحب السوء) أي: الذي يدل على السوء، (ومن جار السوء) أي: المسيء، (في دار المقامة) أي: مكان الإقامة على وجه الإدامة. (ط) رواه الطبراني عن عقبة بن عامر

(3)

.

(اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون) وهو [في "أصل الجلال"]

(4)

، كما في "الأذكار" ومعناه: زوال العقل الذي هو منشأ الخيرات العلمية

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/ 305) رقم (2270) وقال الهيثمي (10/ 143): رجاله رجال الصحيح.

(2)

أخرجه الطبراني (12/ 108) رقم (12614). قال الهيثمي (10/ 143): فيه قابوس بن أبي ظبيان، وقد وثق، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

أخرجه الطبراني (17/ 294) رقم (810). قال الهيثمي (10/ 144): رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت، وهو ثقة. وأخرجه أيضًا: الديلمي (1873).

وحسنه الألباني في ضعيف الجامع (1299)، وصححه في الصحيحة (1443).

(4)

كذا في، (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"أصل في "جلال".

ص: 1494

والعملية، وفي "المشكاة" وقع:(والجذام) كما في نسخة هنا، وسبق مبناه ومعناه، (وسيئ الأسقام) أي: سائر الأسقام السيئة. (د، س، مص) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن أبي شيبة، عن أنس

(1)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الشقاق)"بكسر الشين، الخلاف والعداوة"

(2)

، ذكره المصنف، (والنفاق) وهو مخالفة الظاهر للباطن دينًا وديانة، (وسوءِ الأخلاق) أي: وباقي الأخلاق السيئة، فهو من عطف العام على الخاص، للتنبيه على أن الشقاق والنفاق أعظمها ضررًا، لأنه يسري ضررهما إلى الغير. (د) أي: رواه أبو داود عن أبي هريرة

(3)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة). (د) رواه أبو داود عنه أيضًا

(4)

.

(اللهم إني أعوذ بك من الأربع) اللام للعهد، بَيَّنَهُ بقوله: (من علم لا

(1)

أخرجه أحمد (3/ 192)، وأبو داود (1554)، والنسائي (8/ 270)، وابن حبان (1017)، والحاكم (1/ 712) والضياء (2363). وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (2897)، والطبراني في الصغير (316).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1281).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(3)

أخرجه أبو داود (1546)، والنسائي (8/ 264). ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (1198)، وضعيف أبي داود (332).

(4)

أخرجه أبو داود (1547)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (3354) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1283).

ص: 1495

ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ودعاءٍ) وفي نسخة:"ومن دعاء"(لا يُسمع). (د) أي: رواه أبو داود عنه أيضًا

(1)

.

(اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة) أي: [في]

(2)

كل حال حسنة، (وفي الآخرة حسنة) أي: كل مرتبة مستحسنة، (وقنا عذاب النار) قال المصنف:"كان أكثر دعائه عليه السلام لما جمعته من خيرات الدنيا والآخرة"، وقال النووي:"أظهر الأقوال في تفسير الحسنة في الدنيا أنها الصحة والعافية، وفي الآخرة الجنة والمغفرة"

(3)

، انتهى.

وعندي أن أجمعها أن يراد بالحسنة عمومها في كلٍّ منهما وتنكيرها، مثل:{عَلِمَتْ نَفْسٌ} للشمولى، وأعلاها أن يقال: حسنة الدنيا متابعة الأولى، وحسنة العُقبى الرفيق الأعلى، وعذاب النار حجاب المولى.

(خ، م، د، س) أي رواه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن أنس قال: "كان أكثر دعائه عليه السلام: [ربنا]

(4)

آتنا في الدنيا حسنة

" الحديث، كذا في "المشكاة"، وقال: "متفق عليه"

(5)

.

(1)

أخرجه أبو داود (1548)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (3837)، والترمذي (3482).

(2)

من (أ) فقط.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(4)

من (أ) فقط.

(5)

أخرجه البخاري (6389)، ومسلم (2690)، وأبو داود (1519)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1054).

ص: 1496

(اللهم اغفر لي خطيئتي) أي: ذنبي ويجوز تسهيل الهمزة فيقال: خطيَّتي [بالتشديد]

(1)

، (وجهلي) أي: ما صدر مني من أجل جهلي، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17]، قال البغوي:"أجمع السلف على أن من عصى الله فهو جاهل".

(وإسرافي) أي: مجاوزتي عن الحد (في أمري) يحتمل تعلّقه بما قبله، وبجميع ما تقدمه، (وما أنت أعلم به مني) أي: من المعاصي والسيئات والتقصيرات في الطاعات وهو تعميم وتتميم. (خ، م، مص) أي رواه: البخاري، ومسلم، وابن أبي شيبة، عن أبي موسى الأشعري

(2)

.

(اللهم اغفر لي جَدّي وهَزْلي) كذا في "أصل الجلال"، وهو مطابق لما في "المشكاة" وأكثر النسخ، وفي "الأصيل":"هزلي وجدي"، وهو أوفق لمراعاة الفواصل.

(وخطئي، وعمدي) الخطأ: نقيض الصواب، وقد يمدّ، والخطأ الذنب على ما في "الصحاح"، وقال ميرك:"كذا وقع في نسخ "الحصن" بلفظ ضد العمد"، لكن وقع عند أكثر رواة البخاري:"وخطاياي"، قال العسقلاني:"وقع في رواية الكشميهني: "خطئي"، وكذا أخرج البخاري في "أدب المفرد" بالسند الذي في الصحيح، وهو المناسب لذكر العمد، ولكن جمهور الرواة على الأول.

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"بتشديد الياء".

(2)

أخرجه البخاري (7004)، ومسلم (2719) وابن أبي شيبة (30005).

ص: 1497

والخطايا جمع خطيئة، وعطف العَمْد عليها من عطف الخاص على العام؛ فإن الخطيّة أعم من أن يكون عمدًا أو خطأً، أو من عطف أحد العامين على الآخر"، انتهى.

والمعنى أنه اعتبر المغايرة بينهما باختلاف الوصفين، كما في قوله تعالى:{تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1)} [النمل: 1].

(وكل ذلك) أي: وكل ما ذكر من الأمور (عندي) أي: موجود أو ممكن، وهو كالتذييل للسابق، قال النووي: "أي: أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها لي، [قاله]

(1)

تواضعًا وهضمًا لنفسه، وعن علي كرم الله وجهه:"عد فوات الكمال وترك الأولى ذنوبًا"، وقيل:"أراد ما كان قبل النبوة"، وقيل:"تعليمًا لأمته صلى الله عليه وسلم".

قلتُ: وما ذكره عليّ هو الأعلى، وبالاعتبار أولى؛ فإن حسنات الأبرار الطالبين سيئات الأحرار المقربين. (خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم، عن عائشة

(2)

.

(أنت المقدم، وأنت المؤخر) أي: تقدم من تشاء بتوفيقك إلى رحمتك، وتؤخر من تشاء عن ذلك، (وأنت على كل شيء قدير. خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم

(3)

، عنها أيضًا، والظاهر أن هذه الزيادة من تتمة

(1)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"قالها".

(2)

أخرجه البخاري (6399)، ومسلم (2719).

(3)

أخرجه البخاري (6399) ومسلم (2719).

ص: 1498

الحديث السابق؛ فلا وجه لتكرار الرموز، اللهم إلا أن يقال: هذه الزيادة في رواية دون الأخرى.

(اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن أبي موسى

(1)

، وهو في "المشكاة" متفق عليه وتقدم أيضًا.

(اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونقِّ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) سبق مُستوفًى مبنًى ومعنًى. (خ، م) أي رواه: البخاري، ومسلم؛ كلاهما عن عائشة

(2)

.

(اللهم مصرف القلوب) بتشديد الراء المكسورة، أي: محولها ومقلبها، (صرف قلوبنا على طاعتك) أي: احملها على عبادتك، واجعلها مائلة إلى طاعتك، وأول الحديث: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ثم قال: اللهم مصرف القلوب

" إلى آخره. (م، س) أي رواه: مسلم، والنسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص

(3)

.

(اللهم اهدني) أي: إلى مصالح أمري، أو ثبتني على الهداية إلى الصراط

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30005).

(2)

أخرجه البخاري (6275)، ومسلم (589)، والترمذي (3495)، وأبو داود (880)، والنسائي (8/ 262).

(3)

أخرجه مسلم (2654)، والنسائي في الكبرى (7739).

ص: 1499

المستقيم إلى نهاية الخاتمة، (وسددني) أمر من التسديد وهو التوفيق والتأييد، وقال المصنف:"من السداد بالفتح، وهو الاستقامة"

(1)

، انتهى.

ولعله أراد أن المعنى: اجعلني على السداد، ومنه قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} [الأحزاب: 70] إلى آخره، وقال الطيبي:"فيه معنى قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، أي: اهدني هداية لا أميل بها إلى طرفي الإفراط والتفريط". (م) أي: رواه مسلم عن عليّ

(2)

.

(اللهم إني أسألك الهدى) أي: في أمر العقبى، (والسداد) أي: في أمر الدنيا، بأن يكون لي منها ما يسدني عن الحاجة إلى غير المولى. (م) أي: رواه مسلم عن أبي هريرة

(3)

.

(اللهم إني أسألك الهدى) أي: في العقائد والأخلاق الباطنة، (والتقى) أي: في الأوامر والنواهي، وسائر الأعمال الظاهرة، (والعفاف) بالفتح، ففي "الصحاح" يقال:"عَفَّ عن الحرام عفافًا أي: كفَّ"، فيكون تخصيصًا بعد تعميمٍ، ونقل عن أبي الفتوح النيسابوري أنه قال:"العفاف إصلاح النفس والقلب"، فهو تعميم بعد تخصيص.

والأظهر أن يراد به التعفف عن السؤال وعدم التكفُّف بلسان الحال،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

أخرجه مسلم (2725)، وأبو داود (4225)، والنسائي (8/ 219).

(3)

أخرجه مسلم (7011).

ص: 1500

كما أشار إليه قوله سبحانه: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، أي: أصلًا، لا بلسان القال، ولا ببيان الحال.

(والغنى) أي: غنى القلب أو الاستغناء عن الخلق، وقال الطيبي:"أطلق الهدى والتقى ليتناول كلّ ما ينبغي أن يهتدى إليه من أمر المعاش والمعاد، ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقى منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق"، وطلب العفاف والغِنى تخصيص بعد تعميم، وهذا الدعاء من جوامع الكلم. (م، ت، ق) أي رواه: مسلم، والترمذي، وابن ماجة، عن ابن مسعود

(1)

.

(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) أي: ما يعتصم به في جميع أموري، والعصمة على ما في "الصحاح":"المنع والحفظ"، فقيل: هو مصدر هنا بمعنى الفاعل، وقد قال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103].

(وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) أي: مكان عيشي وزمان حياتي [بالكفاف]

(2)

فيما يحتاج إليه، وبأن يكون حلالا ومعينا على طاعة الله، (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) أي: مكان عودي، وزمان إعادتي، باللطف والتوفيق على العبادة، والإخلاص في الطاعة، وحسن الخاتمة،

(1)

أخرجه مسلم (2721)، والترمذي (3489)، وابن ماجة (3832).

(2)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"بالكفاية".

ص: 1501

(واجعل الحياة) أي: طول عمري (زيادة لي في كل خير) أي: من إيقان العلم، وإتقان العمل، (واجعل الموت) أي: تعجيل موتي (راحةً لي من كل شر) أي: من الفتن والمحن والابتلاء بالمعصية والغفلة.

وقال زين العرب: "بأن يكون الموت على شهادةٍ واعتقادٍ حسنٍ"، وقيل:"فيه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون""، وهذا هو النقصان الذي يقابل الزيادة في القرينة السابقة، ومُجْمَله: اجعل عمري مصروفًا فيما تحب، وجنبني عما تكره، فهذا الدعاء أيضًا من الجوامع. (م) أي: رواه مسلم عن أبي هريرة.

(اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني). (م) أي: رواه مسلم عن أبي مالك، عن أبيه

(1)

، قال ميرك:"من حديث أبي مالك سعد بن طارق، عن أبيه طارق بن أشيم - بالمعجمة والتحتانية بوزن أحمر - بن مسعود الأشجعي"، قال العسقلاني:"طارق بن أشيم صحابي له أحاديث، قال مسلم: لم يَرْو عنه إلَّا ابنه أبو مالك، وهو تابعي ثقة من صغار التابعين".

(واهدني). (م) أي: رواه مسلم عنه أيضًا، ولعل هذه الزيادة من طريق آخر من طُرق الرواية.

(رب أعني) بتشديد النون أمر من الإعانة أي: وفقني لذكرك وشكرك وحسن عبادتك، (ولا تعن علي) أي: ولا تغلب عليَّ من يمنعني من طاعتك، ويحجبني عن عبادتك من شياطين الإنس والجن.

(1)

أخرجه مسلم (2729).

ص: 1502

(وانصرني) أي: على نفسي وشيطاني وسائر أعدائي، (ولا تنصر عليَّ) أي: لا تسلط علي أحدًا من خلقك، (وامكر لي) قيل: مكر الله إيقاع البلاء بالأعداء من حيث لا يشعرون، (ولا تمكر عليَّ) قيل: هو استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنَّها مقبولة وهي مردودة، (واهدني ويسر الهدى لي) أي: سهل لي أسباب الهداية لأجلي، (وانصرني على من بغى عليَّ) أي: ظلم تعدى وطغى.

(رب اجعلني لك ذَكَّارًا) بتشديد الكاف، فعَّال لمبالغة ذاكر، (لك شكّارًا) قال المصنف:"أي: كثير الذكر لله، شكّارًا كثير الشكر لله"

(1)

انتهى.

(لك رَهَّابا) أي: "كثير الخوف"

(2)

، والرهبة من المعصية أو من الغضب والسخط، (لك مِطْواعًا) بكسر أوله أي: كثير الطوع، وهو الطاعة، ذكره الطيبي، وفي رواية ابن أبي شيبة:"مُطيعًا إليك" على ما في "حاشية الجلال"، وقال المصنف:"مِطْواعًا بكسر الميم، أي: مطيعًا منقادًا لأمره تعالى"

(3)

.

(لك مُخْبِتًا) من الخبت، وهو المطمئن من الأرض، قال تعالى:{وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [هود: 23] أي: اطمأنوا إلى ذكره، وسكنت نفوسهم إلى أمره، قال سبحانه:{وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 34، 35]، أي: خافت، فالمخبت هو الواقف بين الخوف والرجاء،

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

ص: 1503

وقال المصنف: "أي: خاشعًا من الإخبات وهو الخشوع والتواضع"

(1)

.

(إليك أَوَّاهًا) بتشديد الواو أي: كثير التأوّه، قال صاحب "السلاح":"أي: بَكّاء"، وقيل:"هو فعَّال للمبالغة أي: قائلًا كثيرًا لفظ "أَوَّه"، وهو صوت الحزين"، أي: اجعلني متوجّعًا على التفريط، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].

(منيبًا) أي: راجعًا إليك عن المعصية إلَّا الطاعة، وعن الغفلة إلَّا الحضرة، وتقديم الصلات على متعلقاتها للاهتمام وإرادة الاختصاص.

(رَبّ تقبَّل توبتي) أي: اجْعَلْهَا قابلة للقبول، (واغسل حَوبَتي) بفتح الحاء المهملة، والحَوْبُ بالفتح والضم: الإثم، كذا في "السلاح"، وغسلها كناية عن إزالتها بالكلية بحيث لا يبقئ منها أثر، (وأجب دعوتي) أي: استجب دعائي، (وثبت حُجّتي) قال المصنف أي: "قولي [دائمًا]

(2)

في الدنيا وعند جواب الملكين"

(3)

.

(وسدد لساني) أي: اجعل لساني سديدًا حتى لا أنطق إلَّا بالصدق، وأن لا أتكلم إلَّا بالحق، (واهدِ قلبي) أي: فإنه الأصل، (واسْلُلْ) بضم اللام [الأولى]

(4)

، أمر من سَلّ السيف، إذا أخرجه من الغمد، أي: أخرج.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

في "مفتاح الحصن الحصين": "وإيماني".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(4)

من (أ) فقط.

ص: 1504

(سَخيمة صَدري) السَّخيمة: الضغينة من السخمة وهي السواد، قال المصنف:"بفتح السين المهملة، وبالخاء المعجمة هي الحقد في النفس، والسَّلُّ: الإخراج"

(1)

، انتهى.

وإضافتها إلى الصدر لأن مبدأها القوة الغضبية التي في القلب الذي هو في الصدر، وسلها: إخراجها وتنقية الصدر منها، وفي رواية ابن أبي شيبة:"قلبي" موضع "صدري".

(عه، حب، مس، مص) أي رواه: الأربعة، وابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة، عن ابن عباس

(2)

.

(اللهم اغفر لنا وارحمنا، وارض عَنّا، وتقبَّل منّا) أي: عبادتنا (وأدخلنا الجَنَّة، ونجّنا) أي: خلصنا (من النار، وأصلح لنا شأننا) بالهمز ويبدل أي: أمرنا، (كله) أي: في الدنيا والأخري، قال المصنف:"الشأن: الحال، والأمر، والخطب"

(3)

. (ق، د) أي رواه: ابن ماجة، وأبو داود؛ كلاهما عن أبي أمامة الباهلي

(4)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

أخرجه أبو داود (1510)، والترمذي (3551)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (607)، وابن ماجة (3830)، وقال الترمذي:"حسن صحيح" وصححه الحاكم (1/ 520).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(4)

أخرجه "أبو داود"(5230) وابن ماجة (3836) إسناده ضعيف جدا لضعف رواته واضطرابه.

ص: 1505

(اللهم أَلِّفْ) أمر من التأليف [أو من]

(1)

الألفة، أي: أوقع [التأليف]

(2)

، (بين قلوبنا) أي: معشر المؤمنين (وأصلح ذات بيننا) أي: الأمور الواقعة والأحوال الكائنة بيننا، وقال الحنفي:"لفظة "ذات" مقحمة".

(واهدنا سبل السلام) أي: طرق السلامة من [آلافة]

(3)

في الدارين، أو طرق دار السلام، أو المراد بالسلام اسم الله، فالمقصود الطرق الموصلة إليه فإن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.

(ونجنا من الظلمات) أي: من ظلمات الشكوك والشبهة والأوهام، والكفر والنفاق والآثام (إلى النور) أي: نور الإيمان والإيقان والطاعة والإحسان، قال الحنفي في كلمة "إلى":"تحتاج إلى تقدير أو تضمين".

قلتُ: تضمن معنى الإخراج لقوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]، أي: خلصنا من الظلمات، مخرجًا وموصلًا لنا إلى النور.

ولعل نكتة جمع "الظلمات" وإفراد "النور": أن مرجع إفراد [ذلك]

(4)

هو العلم بالتوحيد، وظلمة الجهل أنواع من الكفر والمعاصي.

(وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) بدلان من الفواحش،

(1)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"من ".

(2)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ج) و (د):"التآلف".

(3)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"الآفات".

(4)

من (أ) فقط.

ص: 1506

(وبارك لنا في أسماعنا) بزيادة سماع الحق والأدلة النقلية (وأبصارنا) لنرى الآيات آلافاقية، (وقلوبنا) لندرك الآياتِ الأنفسية، ونفهم الدلائل العقلية، (وأزواجنا وذرياتظ) أي: بأن تجعلهم قرة أعيننا بأن نراهم مطيعين لربنا، (وتب علينا) أي: وفقنا بالتوبة، وتقبلها منا، وثبتنا عليها، (إنك أنت التواب الرحيم).

(واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها) أي: حامدين لها، وقال المصنف:"أي: قائلين"

(1)

، (قابليها) أي: قابلين لنعمتك، آخذين لها على نعت القبول ووصف الرضئ، وفي نسخة:"قائليها" على أنه اسم فاعل "قال"، وهو وقول المصنف لا يظهر لهما وجه وجيه.

وفي نسخة وهو "أصل جلال": "فَأبْلِيها"، بفتح فاء فهمز فسكون موحدة، وكسر لام، فياء ساكنة، وكتب الجلال تحته:"لعله قابلها"، أي: بلا ياءٍ، قيل:"ولعل الياء حَصَلَتْ من إشباع الكسرة"، وحاصله أنه من الإبلاء بمعنى الإعطاء، فالمعنى:"فأعْطِ النعم" على وجه الزيادة، (وأتمها علينا) من الإتمام وهو حُسْن الاختتام.

(د، حب، مس، ط) أي رواه: أبو داود، وابن حبان، والحاكم والطبراني، عن ابن مسعود

(2)

.

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

أخرجه أبو داود 969 وابن حبان (996) والحاكم (1/ 265)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأبو نعيم في الحلية (4/ 110). قال الهيثمي =

ص: 1507

(اللهم إني أسألك الثبات في الأمر) أي: أمر الدين (وأسألك عزيمة الرشد) قال المصنف: "بضم الراء وإسكان الشين: الصلاح والفلاح"

(1)

، انتهى.

وفي "النهاية": "الرشد: خلاف الغيّ"، ويؤيده قوله تعالى:{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، فالمعنى: أسألك الهداية المعزومة التي ليس فيها شيء من الرخصة، والمقصود لزومه، ففي "الصحاح":"عزمت علي الأمر عزمًا وعزيمة، إذا أردت فعله وقطعت عليه".

(وأسألك شكر نعمتك) أي: عليَّ بالهداية وغيرها (وحسن عبادتك) بالإخلاص ورعاية الآداب، (وأسألك لسانًا صادقًا وقلبًا سليمًا) أي: عن الغش والحقد، وسائر الأخلاق الدنية، أو سالمًا من التوجُّه إلى الأمور الدنيوية، أو سليمًا من غير محبة المولي، وملاحظة الإحكام الدينية.

وزاد الحاكم: (وخلقًا مستقيمًا) على ما في "حاشية الأصيل"، أي: معتدلًا متوسطًا بين طرفي الإفراط والتفريط.

(وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم) أي: من ارتكاب السيئات، ومن التقصيرات في الطاعات.

(إنك أنت علام الغيوب) بضم الغين المعجمة وكسرها أي: ما غاب

= (10/ 179): رواه الطبرايْى في الكبير والأوسط، وإسناد الكبير جيد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1174).

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

ص: 1508

عن العباد. (ت، حب، مس، مص) أي رواه: الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة، عن شداد بن أوس، وزاد الحاكم:"وخلقًا مستقيمًا"، وقال:"صحيح على شرط مسلم"، ذكره ميرك

(1)

.

(اللهم اغفر لي ما قدمت) أي: من الأعمال السيئة، (وما أخرت) أي: من السنن السيئة، (وأسررت وأعلنت) أي:"وما أسررت وما أعلنت" كما في نسخة، والمراد: استيفاء الذنوب بأنواعها وأصنافها، (ومما أنت أعلم به مني. مس، أ) أي: رواه الحاكم، وأحمد، كلاهما عن أبي هريرة

(2)

، ورواه الحاكم من حديث ابن عمرو أيضًا

(3)

.

(لا إلا إلَّا أنت. أ) أي: رواه أحمد عنه أيضًا هذه الزيادة.

(اللهم اقسم) أي: اجعل قسمًا ونصيبًا (لنا من خشيتك) أي: من خوفك المقرون بعظمتك (ما تحول) أي: تحجز وتمنع أنت أو هي، ويدل على الأول قوله:(ج) على ما في نسخة، ويؤيد الثاني ما ضبطه الجلال بصيغة التذكير على أن الضمير لـ "ما" أي: يحجب (بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا) بتشديد اللام المكسورة ويجوز

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (29358)، وأحمد (4/ 125) والترمذي (3407)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(812)، (626 - 628 - 629) والحاكم (1/ 558) وقال الترمذي: هذا حديث إنما من هذا الوجه، والجريري هو سعيد بن إياس أبو مسعود الجريري، وأبو العلاء اسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير.

(2)

أخرجه أحمد (2/ 291).

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 710)، وعنه البيهقي في "الدعوات الكبير"(202).

ص: 1509

تخفيفها أي: ما توصلنا (به جنتك).

(ومن اليقين) أي: بك وبأنه لا رادّ لقضائك، وبأنه لا يصيبنا إلَّا ما كتب الله لنا، وبأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة واستجلاب منفعة.

(ما تهون) بتشديد الواو المكسورة، وقد ضبط بالتذكير والتأنيث أي: تسهل وتخفف

(1)

، (به علينا مصائب الدنيا) وفي نسخة:"مصيبات الدنيا"، وهو بالنصب وفي نسخة بالرفع على أن"تهون" بفتح فضم مضارع "هان" مذكرًا أو مؤنثًا، قال المصنف:"وروي "ما يهون علينا" عدم"به" يقتضي أن يكون ["يهون"]

(2)

بالياء آخر الحروف، وإثبات "به" يقتضي أن يكون بالتاء المثناة فوق"

(3)

.

(ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا) لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده من طريقهما؛ لأن البراهين إما مأخوذة من الآيات المنزلة، وذلك من السمع، وإما من الآياتِ المنصوبة في الأفاق والأنفس، وذلك من البصر.

(وقوتنا) أي: قوة قلبنا، ومحل لُبّنا، وموضع حُبّنا، ومدار إيماننا، ومكان إيقاننا، أو المراد قوة سائر قوانا من الحواس الظاهرة والباطنة

(1)

بعدها في جميع النسخ: "وفي نسخة صحيحة"، وهي مقحمة في النص، والصواب حذفها ليستقيم المعنى.

(2)

من "مفتاح الحصن الحصين" فقط.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

ص: 1510

وباقي الأعضاء البدنية، (ما أحييتنا) أي: ما دمت أحييتنا للاحتياج إليها في حالة الحياة دون الممات.

(واجعله الوارث منا) قيل: الضمير للمصدر، أي: اجعل الجعل، وهو المفعول المطلق، والوارث هو المفعول الأول، و"منا" في موضع المفعول الثاني، أي: اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة عنا، كما قال تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام:{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5، 6].

وقيل: "الضمير للتمتع الذي دلّ عليه "متعنا"، ومعناه: واجعل تمتعنا بها باقيًا لنا، مأثورًا فيمن بعدنا، أو محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة، وهو المفعول الأول والوارث مفعولٌ ثانٍ، و" منّا": صلته".

وقيل: الضمير لما سبق من الإبصار والإسماع والقوة، وإفراده وتذكيره على تأويل المذكور، والمعنى: أثبتنا لزومها عند الموت لزوم الوارث، كذا حققه القاضي.

ويؤيد هذا الوجه الأخير الحديث الآتي: "واجعلهما الوارث" بجعل الضمير إلى"السمع والبصر"، والأظهر هنا أن يكون الضمير للتمتيع المأخوذة من قوله:"متعنا" كقوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، فإنه أنسب.

والمعنى: اجعل التمتيع المذكور باقيًا لنا إلى آخر عمرنا، فيكون تأكيدًا لما قبله وتأييدًا.

ص: 1511

(واجعل ثأرنا) أي: انتقامنا ونصرنا، (على من ظلمنا) أي: مقصورًا عليه، ولا تجعلنا ممن تعدَّى في طلب ثأره، وأخذ به غير الجاني، كما كان معهودًا في الجاهلية، أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا؛ فندرك ثأرنا، وأصل الثأر الحقد والغضب، ثم استعمل في مطالبة دم القتيل.

(وانصرنا على من عادانا) تعميم بعد تخصيص، (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) أي: لا تصبنا بما ينقص ديننا من أكل الحرام، واعتقاد السوء، والفترة في العبادة، والغفلة عن الطاعة.

(ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) الهم: القصد والحزن، أي: لا تجعل أكبر قصدنا أو حزننا لأجل الدنيا، بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفًا في عمل الآخرة، وفيه أن قليلًا من الهم مما لا بد منه في أمر المعاش مرخصٌ له، بل مستحبّ على ما صرح به القاضي.

(ولا مبلغ علمنا) بفتح الميم واللام بينهما موحدة ساكنة، وهو الغاية التي يبلغها الماشي والمحاسب، فيقف عندها أي: لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا [نتفكر]

(1)

إلَّا في أحوال الدنيا، واجعلنا متفكرين في أمور العُقبى متفحصين عن المعلوم [الذاخرة]

(2)

المتعلقة بأحوال الآخرة.

ومجمله لا تجعل علمنا غير متجاوزٍ عن الدنيا وفي بعض النسخ: "ولا غاية رغبتنا" لكن قال المصنف في "تصحيح المصابيح": "لم أره في الحديث".

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"نفكر".

(2)

كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب) و (د):"الفاخرة".

ص: 1512

(ولا تسلِّط علينا مَن لا يرحمنا) أي: من الكفار والفجار والظلمة بتوليتهم علينا، ولا تجعلنا مغلوبين لهم، ويجوز أن يحمل على ملائكة العذاب في القبر، أو في النار، ولا منع من إرادة معنى الجمع.

(ت، س، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، والحاكم، عن ابن عمر، وقال الترمذي:"حسن"، وقال الحاكم:"صحيح على شرط البخاري"

(1)

، وزاد في أوله:"اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني".

(اللهم زدنا) أي: من العلم والعمل، أو زدنا معاشر المسلمين، بمعنى: كَثِّرْنَا، الملائم لقوله:(ولا تنقصنا) بفتح حرف المضارعة وضم القاف، من "نقص" المتعدي على ما في النسخ المعتمدة والأصول المعتبرة، ففي "القاموس":"نقص لازم ومتعدٍّ".

وقال المصنف: "بضم التاء وبالصاد، أي: زدنا من الخير ولا تنقصنا منه"

(2)

. قال الحنفي: "الصواب: بفتح التاء من النقص من باب طلب"، انتهى.

ولا يخفى أن هذه التخطئة خطأٌ ظاهر؛ فإنه جاء في اللغة "نَقَضهُ، وَأَنْقَصَهُ،

(1)

أخرجه الترمذي (3502)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (401)، والحاكم (1/ 709) والبغوي في شرح السنة (1374)، قال المناوي (2/ 133): فيه عبيد اللَّه بن زحر ضعفوه، قال في المنار: فالحديث لأجله حسن لا صحيح.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1268) والكلم الطيب (225).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 25/ أ).

ص: 1513

[وَنَقَّصَهُ، وَانْتَقَصَهُ]

(1)

" على ما في "القاموس"؛ فيحمل كلام الشيخ على تلك اللغة، ويمكن أن يكون رواية، حيث صح كونه دراية، فلا معنى لجزمه بقوله: "والصواب: بفتح التاء" على الإطلاق، والله أعلم بالصواب.

(وأكرمنا) أمر من الإكرام، (ولا تُهِنَّا) بضم تاء وتشديد نون، على أنه نهي من الإهانة، قال الجوهري:"الهُونُ بالضم: الهوان، وأهانه: استخف".

قال القاضي: "أصله لا تهوننا، نقلت كسرة الواو إلى الهاء، وحُذفت الواو لسكونها وسكون النون الأولى ثم أدغمت النون الأولى في الثانية".

(وأعطنا) من الإعطاء، (ولا تحرمنا) بفتح التاء وكسر الراء على ما ضبط في الأصول المصححة، وفي "القاموس":"حرمه الشيء، كضربه وعلمه، حِرْمَانًا بالكسر: مَنَعَهُ حَقَّهُ، وَأَحْرَمَهُ: لُغَيَّةٌ".

(وآثِرْنَا) بالمد وكسر المثلثة، أمر من الإيثار، بمعنى: الاختيار، (ولا تؤثر علينا) قال القاضي:"يعني لا تغلب علينا أعداءنا، وعطف النواهي على الأوامر للتأكيد، وقد حذف ثواني المفعولات في بعض الألفاظ إرادةً لإجرائها مجرى: "فلان يعطي ويمنع"، مبالغةً وتعميمًا.

(وأرضنا) من الإرضاء أي: أرضنا (عنك) بمعنى: اجعلنا راضين بقضائك وقدرك، وبحكمك وأمرك، (وارضَ) بهمز وصل وفتح ضاد، أمر من الرضا، أي: كن راضيًا (عنا).

(ت، س، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، والحاكم، عن عمر بن

(1)

كذا في (د)، وفي (أ) و (ج):"وَنَقَّصَهُ، وَأَنْقَصَهُ"، وليست في (ب).

ص: 1514

الخطاب لجنه

(1)

، قال:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سُمِعَ عند وجهه دويٌّ كدويّ النحل، فأنزل عليه يومًا، فمكثنا ساعة، فَسُرِّيَ عَنْهُ، أي: كُشِفَ عَنْهُ ما اعتراه من الوحي، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا. ثم قال: أنزل عليّ عشر آيات، من أقامهن دخل الجَنَّة. ثم قرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختم عشر آيات".

(اللهم ألهمني) أمر من الإلهام أي: أعلمني (رشدي) بضم فسكون، وفي نسخة بفتحهما، وهما لغتان، وقرئ بهما {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، وفي "القاموس":"رشد كنَصَرَ وفَرِحَ رُشْدًا ورَشَدًا، ورشادًا: اهتدى".

وأمَّا ما ذكره الحنفي من أن: "الرشد: بضم الراء وفتحها مع سكون الشين وبفتحتين أيضًا، والرواية هنا على الأول، فوقع في غير محله، فإن الفتح مع السكون غير صحيح، والرواية غير منحصرة على الأول، فتأمل.

(وأعذني) بفتح همز فكسر عين، أمر من الإعاذة، أي: أجِرْني واحفظني (من شر نفسي. ت) أي: رواه الترمذي عن عمران بن حصين، وقال:"حسن غريب".

(اللهم قني) أي: احفظني (شر نفسي، واعزم لي على رُشد أمري)

(1)

أخرجه الترمذي (3173) والنسائي في "الكبرى"(1443) والحاكم (2/ 392).

وقال ابن كثير في "التفسير"(5/ 359) وقال الترمذي: منكر، لا نعرف أحدًا رواه غير يونس بن سليم، ويونس لا نعرفه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1208).

ص: 1515

يقال: عزمت على كذا، إذا فعلته وقطعت عليه، وهو أمر من العزم من باب ضَرَبَ، والمعنى: احكم لي على هداية أمري، وصلاح قدري.

(اللهم اغفر لي ما أسررت، وما أعلنت، وما أخطأت، وما عَمَدتُّ) بفتح الميم أي: قصدت، وهو المناسب لما قبله، وفي نسخة:"وما علمت"، وهو الملائم لقوله:(وما جهلت) بكسر الهاء، فقوله:"وما أخطأت"[يعني]

(1)

: أذنبت.

(مس، س، حب) أي: الحاكم، والنسائي، وابن حبان

(2)

، عن حصين بن عُبيد والد عمران المذكور، وهو صحابي خزاعي، لم يُصِبْ من نفى إسلامه.

(أسأل الله) بصيغة المتكلم، خبر بمعنى الدعاء أي: أطلب من الله (العافية في الدنيا والآخرة) أي: في أمورهما، أو العافية من المعاصي في الدنيا، ومن العقوبة في العقبى.

(ت) أي: رواه الترمذي عن العباس

(3)

، فيمكن أن يُقرأ:"اسأل" بصغة الأمر؛ ليوافق ما سيأتي أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عم، سلِ الله العافية في الدنيا والآخرة"، والله أعلم.

(اللهم إني أسألك فعل الخيرات) بكسر الفاء، وفي نسخة بفتحها، ففي "الصحاح": "الفَعْلُ بالفتح: المصدر، وبه قرأ بعضهم: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ

(1)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"بمعنى".

(2)

أخرجه ابن حبان (899)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(993)، والحاكم (1/ 510) وقال الألباني صحيح "المشكاة"(2476).

(3)

أخرجه الترمذي (3514) وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

ص: 1516

فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 73]، والفِعْل بالكسر الاسم".

(وترك المنكرات) أي: أسألك التوفيق على فعل الأعمال المعروفة، وترك الأمور المنكرة، (وحب المساكين) يحتمل إضافته إلى المفعول والفاعل، والأول أنسب لما قبله لفظًا، وأقرب في ملاحظته معنًى.

(وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة) أي: بلية أو عقوبة، (فتوفَّني غير مفتون) أي: فخُصّني بالوفاة حال كوني غيرَ مبتلًى، أو غيرَ مُعاقبٍ، (وأسألك حبك) أي: حبي إياك، أو حُبك إياي، فإنه الأصل النافع كما يشير إليه قوله تعالى:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، (وحب من يحبك) الأظهر أنه من إضافة المصدر إلى مفعوله، كما أنه متعين في قوله:(وحب عملٍ يُقرِّب) أي: يقربني (إلى حبك) أي: إيَّاي.

(ت، مس) أي: رواه الترمذي عن معاذ بن جبل، وقال:"حسن صحيح"، ورواه الحاكم عن ثوبان، وقال:"صحيح على شرط البخاري"، ذكره ميرك

(1)

.

(اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل) بالجر عطف على "من يحبك"، ويؤيده الحديث السابق، وبالنصب عطف على ألف،

(1)

أخرجه الترمذي (3235)، وقال أيضًا: وروى بشر بن بكر عن عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد عن عبد الرَّحمن بن عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح، وعبد الرَّحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 527).

ص: 1517

أي: أسألك العمل (الذي يبلغني حبك) بتشديد اللام ويجوز تخفيفها أي: يوصلني إلَّا حبك إياي، أو حُبي إياك.

(اللهم اجعل حبك) أي: حبي إياك (أحب إلي من نفسي) أي: من حب نفسي (وأهلي) قال القاضي: "عَدل عن: "اجعل نفسك أحب إليَّ من نفسي" مراعاة للأدب، حيمشا لم يرد أن يقال نفسه بنفسه عز وجل، فإن قيل: إنما عدل لأن النفس لا تطلق على الله تعالى.

قلتُ: بل إطلاقه صحيح، وقد ورد في التنزيل مشاكلة، قال الله تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] "، انتهى.

وفيه أن المشاكلة إنما تعتبر في الثاني دون الأول كما في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} [الشورى: 40"، و {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ

} [البقرة: 194] الآية، مع أن إطلاق النفس جاء من غير مشاكلة في قوله صلى الله عليه وسلم:"أنت كما أثنيت على نفسك".

(ومن الماء البارد) أي: من حبه، وفيه إشعار بأنه كان يحبه حُبّا بليغًا، وقد قال بعض العارفين:"إذا شربت عذبًا باردًا أحمد ربي من صميم قلبي".

وقال بعضهم: "أعاد "من " هنا ليدل على استقلال الماء البارد في كونه محبوبًا، وذلك في بعض الأحيان، فإنه يعدل بالروح للإنسان، وعن بعض الفضلاء: "إن الماء ليس له قيمة؛ لأنه لا يشترى إذا وجد، ولا يباع إذا فقد".

(ت، مس) أي رواه: الترمذي، والحاكم، كلاهما عن أبي الدرداء

(1)

(1)

أخرجه الترمذي (3485) وفي سنده عبد الله بن ربيعة بن يزيد الدمشقي. وقيل: =

ص: 1518

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان من دعاء داود عليه السلام يقول: اللهم إني أسألك حبك

" إل آحمره.

قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا ذكر داود عليه السلام يحدث عنه قال: "كان أعبد البشر"، انتهى.

وهو يحتمل أن يكون في عصره وزمانه، وأن يراد أنه أشكر الناس، قال تعالى {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} أي: بالغ في شكري، وابذل وُسعك فيه.

(اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم فكما رزقتني [مما]

(1)

أحب) أي: من العطيات، (فاجعله قوةً لي فيما تحب) أي: من الطاعات، ([اللهم]

(2)

وما زويت) أي: قبضته وصرفته، (عني مما أحب) أي: من النعم (فاجعله فراغًا فيما تحب) أي: من الأمر الأهم.

قال القاضي: "والمعنى ما صرفت عني من محابي فنحِّه عن قلبي، واجعله سببًا لفراغي لطاعتك، ولا تشغل به قلبي؛ فيُشغل عن عبادتك".

وتوضيحه ما ذكره ميرك بقوله: "المعنى: اجعل ما نحيته عني من محابي عونًا على شغلي لمحابك، وذلك أن الفراغ خلاف الشغل، فإذا زوى عنه

= ابن يزيد بن ربيعة، وهو مجهول، كما قال الحافظ في "التقريب"، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. والحاكم في المستدرك (2/ 433) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي في "التلخيص" بقوله: بل عبد الله بن يزيد الدمشقي هذا قال أحمد أحاديثه موضوعة.

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (م)، وفي (ب) و (د):"ما".

(2)

من (أ) و (م) فقط.

ص: 1519

الدنيا يتفرغ لمحاب المولي، وكان ذلك الفراغ عونًا على الاشتغال بالأمور النافعة في العقبى". (ت) أي: رواه الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي

(1)

.

(اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني) أي: الباقي عني، (وانصرني على من يظلمني) ورواية البزار:"ظلمني"، (وخذ منه) أي: ممن ظلمني (بثأري) الباء زائدة لتأكيد التعدية، وعند البزار:"وأرني فيه ثأري". (ت، مس، ر) أي رواه: الترمذي، والحاكم، والبزار؛ كلهم عن أبي هريرة

(2)

.

(يا مقلب القلوب) أي: محولها من حال إلى حال (ثبِّت قلبي على دينك. ت، س، مس، أ، ص) أي رواه: الترمذي عن أم سلمة

(3)

، والنسائي عن عائشة

(4)

، والحاكم عن جابر

(5)

، وأحمد عن أم سلمة أيضًا،

(1)

أخرجه الترمذي (3512)، وابن ماجة (3848) وإسناده ضعيف، فيه سلمة بن وردان قال عنه الحافظ: ضعيف، التقريب (2527) وقال الإمام أحمد: منكر الحديث برقم (1430)، برقم (2058)، وقال: ضعيف، برقم (3481) من كتابه العلل ومعرفة الرجال. وانظر: الضعفاء للنسائي (293).

(2)

أخرجه الترمذي (3606)، والبزار (8003) والحاكم (1/ 523) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضًا: البخاري في الأدب المفرد (650). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1310).

(3)

أخرجه أحمد في المسند (6/ 294) والترمذي (3517)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

(4)

أخرجه أحمد في المسند (2/ 418)، و"النسائي" في عمل اليوم والليلة (304).

(5)

أخرجه أبو يعلى (2318) والحاكم (2/ 288) وقال في المجمع (10/ 176): رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

ص: 1520

وأبو يعلى عن جابر أيضًا، وكان الأولى أن يرتب الرموز بذكر: الترمذي، وأحمد، والنسائي، والحاكم، وأبي يعلى.

(اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد) بتشديد الدال، قال المصنف:"أي: لا يتغير"

(1)

، (ونعيمًا لا ينفد) "بفتح الفاء وبالدال المهملة أي: لا يذهب ولا ينقص"

(2)

، (ومرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى درجة الجَنَّة) قال المصنف:"أي: أعلى مراتب الجَنَّة، ولا يلزم من مرافقته صلى الله عليه وسلم أن يكون في منزلته في الجَنَّة، فإن معناه أن يكون رفيقه في الجَنَّة؛ فيوفق للعمل بما ينال منه ذلك"

(3)

، انتهى.

(جنة الخلد) بدل من الجَنَّة، أو تأكيد، أو بدل من "درجة الجَنَّة"، أو من "أعلى"، والخلد: دوام البقاء. (س، حب، مس) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم، عن ابن مسعود

(4)

.

(اللهم إني أسألك صحة في إيمان، وإيمانًا في حسن خلق) بضمتين وسكون اللام، (ونجاحًا) بفتح النون أي: ظفرًا بالحوائج الدينية، (تتبعه) بضم أوله من الإتباع أي: تعقبه أنت يارب، (فلاحًا) أي: فوزًا بالمقاصد الأخروية، (ورحمة منك) أي: بتوفيق الطاعة، (وعافيه) أي:

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ أ، ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(4)

والحاكم في المستدرك (1/ 526).

ص: 1521

صحة تُعين على العبادة (ومغفرة منك) أي: من عندك لتقصيراتي، (ورضوانًا) بكسر الراء، ويضم أي: رضًا لا سخط بعده.

(س، مس) أي رواه: النسائي، والحاكم؛ كلاهما عن أنس

(1)

.

(اللهم انفعني بما علمتني) أي: عملًا وتعليمًا (وعلمني ما ينفعني) أي: كمالًا وتكميلًا، (وزدني علمًا) أي: لدُنِّيًّا، وَفَهْمَا عنديًّا (الحمد لله على كلّ حال) أي: موجب لمزيد كمال، (وأعوذ بالله من حال أهل النار) أي: فإن سائر الأحوال والأهوال سريعة الانتقال والزوال. (ت، ق، مص) أي رواه: الترمذي، وابن ماجة، وابن أبي شيبة، عن أبي هريرة

(2)

.

(اللهم بعلمك الغيب) الباء للاستعطاف، أي: أنشُدُك بحق علمك المغيبات عن الخلق فضلًا عن المشاهدات، فإن علمك محيط بالجزئيات والكليات، بل بالموجودات [والمعدومات]

(3)

، بل بما لم يكن لو كان كيف كان.

(وقدرتك على الخلق) أي: خلق كلّ شيء، أو على المخلوقات جميعًا،

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (9333) والحاكم (1/ 532) وعنه البيهقي في "الدعوات الكبير"(183) وكذلك أحمد (2/ 321). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1195) والسلسلة الضعيفة (2911).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(30006)، والترمذي (3599) وقال: حسن غريب. وابن ماجة (3833)، والبيهقي في شعب الإيمان (4376).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1183).

(3)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"والمعلومات".

ص: 1522

(أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي، وأسألك) عطف على "أنشدك" المقدَّر، أي: وأطلب منك (خشيتك) أي: خوفك المقرون بالتعظيم (في الغيب والشهادة) أي: في الحالين من الخلوة والجلوة، أو في الباطن والظاهر، والمراد استيعابها في جميع الأوقات. وقال الطيبي:"المراد بالخشية في الغيب والشهادة إظهارها في السر والعلانية".

(وكلمة الإخلاص)، ولفظ "المشكاة":"كلمة الحق"، (في الرضا والغضب) أي: في حال رضا الخلق وغضبهم. ذكره الطيببي، أو في حال رضائي وغضبي، ولعله أولى في المعني، وزاد في "المشكاة":"وأسألك القصد في الفقر والغنى" أي: الاقتصاد في الحالين، أو القصد الحسي حال وجودهما من الصبر والشكر".

(وأسألك نعيمًا لا ينفد) كذا في نسخة، (وقرة عين لا تنقطع) ففي "النهاية": "جعل الحر كناية عن الشر والشدة، والبرد كناية عن الخير [والهين]

(1)

".

وفي "الصحاح"

(2)

: "يقال: قرت عينه تقر، نقيض سخَنَت، فللسرور دمعة باردة، وللحزن دمعة حارة، فقيل: يحتمل أن يكون المعنى طلب نسل لا ينقطع؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] أو أراد المداومة على الصلوات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "قرة

(1)

كذا في "النهاية في غريب الحديث"، وهو الأليق بالسياق، وفي (أ) و (ب) و (ج):"والهينة"، وفي (د):"والبينة".

(2)

الصحاح (2/ 790).

ص: 1523

عيني في الصلاة". والأولى أن يراد بـ"قرة عين" أي: بردها، كناية عن كلّ خير كائن في الدنيا والعقبى.

(وأسألك الرضا) بالقصر، وقد يمد، ففي "الصحاح"

(1)

: "الرضا مقصورًا مصدر محض، والاسم الرضاء، ممدودًا"، (بالقضاء) أي: طيب الخاطر بما قدره الله وقضاه من الأمور الكونية، وبما حكم فيما أمر به، ونهى عنه من الأحوال الشرعية.

وقد قال العارفون: "الرضا بالقضاء باب الله الأعظم"، ويشير إليه قوله سبحانه:{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72]، و {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، فإنه في معنى:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54].

(وبرد العيش) أي: الحياة الطيبة الكاملة (بعد الموت)، قال المصنف:"أي الراحة الدائمة في البرزخ والقيامة"

(2)

، (ولذة النظر إلى وجهك) قال المصنف:"فيه أعظم دليلٍ على رؤية الله تعالى في دار الآخرة، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فلا حرمنا منه"

(3)

، (والشوق إلى لقائك) أي: الاشتياق إلى ملاقاتك في دار مجازاتك.

(وأعوذ بك من ضراء) أي: شدة [من]

(4)

علة أوفاقة (مضرة) بضم

(1)

الصحاح (6/ 2357).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(4)

من (أ) و (ج) فقط.

ص: 1524

فكسر، وهي التي لا صبر عليها، (وفتنة) أي: بلية ومحنة من كثرة مال أو وسعة جاه (مضلة) أي: موقعة في الضلالة، ولعل العدول عن السراء المقابل للضراء إلى الفتنة للإشعار بأن تحتها [امتحانًا كثيرًا ضرره]

(1)

، وإن كان في الضراء أيضًا ابتلاء لكنه أخف.

والحاصل: أن المؤمن الكامل، كما قال صلى الله عليه وسلم:"عَجَبًا لأمر المؤمن! إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له؛ وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا"، ولكن قال تعالى:{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: 15] أي: لمن لم يشغله محبة الأموال والأولاد عن خدمة رب العباد.

(اللهم زيِّنا بزينة الإيمان) أي: بتوفيق الطاعة وحلية الإحسان، (واجعلنا هداة) أي: هادين (مهتدين) إلى مراتب الإيقان، وفي وصف "الهداة" بـ"المهتدين": إشعار بأن الهادي إذا لم يكن مهتديًا في نفسه لم يصلح أن يكون هاديًا لغيره، وفي نسخة:"مهديين"، على وزن "مرقي" بمعنى مهتدين.

(س، مس، أ، ط) أي رواه: النسائي، والحاكم، وأحمد، والطبراني، عن عمار بن ياسر

(2)

.

(اللهم إني أسألك من الخير كله) بالجر على أنه تأكيد للخير، وبالنصب

(1)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"امتحان كثير ضررها".

(2)

أخرجه أحمد (4/ 264)، والنسائي (3/ 54)، والطبراني في "الدعاء" (625) والحاكم (1/ 705) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (1971). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1301).

ص: 1525

على أنه مفعول ثانٍ لـ"أسألك"، كذا ذكره الحنفي، والظاهر أن وجه النصب فيه أن يكون تأكيدًا لمحل الجار والمجرور، لا سما، و"من" زائدة لإرادة الاستغراق وإلا فيصير التقدير: أسألك كلّ الخير من الخير.

وكذا الحال في قوله: (عاجله وآجله) أي: بحسب تقديرهما، (ما علمت منه، وما لم أعلم) أي: منه، (وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ونبيك) وفي نسخة: "من شر ما عاذ به عبدك". وفي أخرى: "ما عاذ منه بك عبدك". لكن ليس لهما وجه ظاهر.

(اللهم إني أسألك الجَنَّة وما قرّب) بتشديد الراء أي: ما قربني (إليهما من قول أو عمل) أي: [ظاهري أو باطني]

(1)

، (وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل) فـ"أو" للتنويع فيهما.

(وأسألك أن تجعل كلل قضاء) أي: "قضيته" كما في نسخة، (لي خيرًا) مفعول ثانٍ، والظاهر أن "لي" متعلق به، وقدم للاهتمام والاختصاص.

(ق، حب، مس) أي رواه: ابن ماجة، وابن حبان، والحاكم، عن عائشة رضي الله عنها

(2)

.

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"ظاهر أو باطن".

(2)

أخرجه ابن ماجة (3846) وأحمد (6/ 57)، وابن حبان (869). وابن أبي شيبة (29345)، وأبو يعلى (4473). قال البوصيري (4/ 141): هذا إسناد فيه مقال. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1276).

ص: 1526

(وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل) مفعول ثانٍ لـ"أسألك"، ومفعولاه (عاقبتَهُ رشدًا) بضم فسكون وبفتحهما. (مس) أي: رواه الحاكم عن عائشة أيضًا هذه الزيادة

(1)

.

(اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا) من الإجارة أي: احفظنا (من خِزْي الدنيا) بكسر فسكون، أي: فضيحتها، (وعذاب الآخرة. حب، مس) أي رواه: ابن حبان، والحاكم

(2)

؛ كلاهما عن بسر بن أرطاة، بضم موحدة فسكون سين مهملة على ما في "التقريب"، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا

" إلى آخره.

(اللهم احفظني بالإسلام) يحتمل أن يكون الباء للاستعطاف أي: بحق الإسلام حال كوني (قائمًا، واحفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا) أي: نائمًا أو مضطجعًا أو متكئًا، والمطلوب هو المحافظة في جميع الأحوال، ويحتمل أن يكون الباء للمصاحبة متعلقة بالأحوال متقدمة عليها.

(1)

أخرجها الحاكم (1/ 522) وقال: عن جبر بن حبيب، فقال: عن القاسم، عن عائشة. قال الحاكم: هكذا قاله أبو نعامة، وشعبة أحفظ منه، وإذا خالفه، فالقول قول شعبة.

(2)

أخرجه أحمد (4/ 181)، وابن حبان (949)، والحاكم (3/ 683). قال الهيثمي (10/ 178): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد، وأحد أسانيد الطبراني ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1169).

ص: 1527

(ولا تشمت) من الإشمات أي: لا تفرح (بي) أي: بسبب ابتلائي بالبلاء الديني أو الدنيوي، (عدوًّا) أي: إنسيًّا أوجنيًّا، قال تعالى:{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطينَ الإنس والجن} ، (ولا حاسدًا) تخصيص للإيماء إلى أن عداوته أقوى.

(اللهم إني أسألك من كلّ خيرٍ خزائنه بيدك) يحتمل أن تكون الجملة صفة "خير"، أو استئناف تعليل، وهو أبلغ معنًى، والأول أظهر مبنًى، ويؤيده ما سيأتي في الحديث الآتي، وزاد في "سلاح المؤمن":"وأعوذ بك من كلّ شر خزائنه بيدك".

(مس، حب) أي: رواه الحاكم عن عبد الله بن مسعود

(1)

، وابن حبان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

(2)

.

(اللهم إني أعوذ بك من شر ما أنت آخذٌ بناصيته) أي: من شر كلّ شيء، (وأسألك من الخير الذي هو بيدك كله) بالجر على أنه تأكيد للخير، وفي نسخة بالرفع على أنه بدل من "هو"، وفي أخرى بالنصب على أنه بدل من محل الجار والمجرور، أو بتقدير أعني، وقدم الحنفي النصب على الوجوه، وقال:"إنه مفعول ثانٍ لـ"أسألك"، وفيه ما تقدم، والله أعلم. (حب) أي: رواه ابن حبان عن عمر أيضًا.

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 525) وقال: صحيح على شرط مسلم. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1260) والسلسلة الصحيحة (1540).

(2)

أخرجه ابن حبان (934).

ص: 1528

(اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك) بكسر الجيم على ما في الأصول المعتمدة والنسخ المصححة المعتبرة، وهي على ما في "النهاية"

(1)

الكلمة التي أوجبت لقائلها الجَنَّة، لكن الأولى وضع الخصلة أو الفعلة موضع الكلمة، ووقع في "نسخة الجلال" بفتح الجيم، والظاهر أنه سهو قلم.

ولا يبعد أن يقال: نسألك الحالات التي أوجبتها رحمتك، لكن يؤيد الأول قوله:(وعزائم مغفرتك) أي: نسألك أعمالًا يتعزم ويتأكد بها لي مغفرتك على ما في "النهاية".

(والسلامة من كلّ إثم، والغنيمة من كلّ بر، والفوز بالجنة والنجاة من النار. مس، ط) أي رواه: الحاكم والطبراني عن عمر

(2)

، وقال ميرك: "رواه الحاكم عن ابن مسعود،

(3)

ورواه الطبراني في "الدعاء" عن أنس

(4)

، وزاد في آخره: اللهم لا تدع لنا ذنبًا

إلى آخره".

قلت: الظاهر أن الطبراني له روايتان في "الكبير" مستقلتان، ورواية في "الدعاء" بالجمع بين الروايتين، والله أعلم.

(1)

النهاية (5/ 153).

(2)

لم أقف عليه.

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 525) وقال: صحيح على شرط مسلم. وعنه البيهقي في "الدعوات الكبير"(190). وقال النووي في "الرياض"(1/ 427): قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1184) والسلسلة الضعيفة (2908).

(4)

أخرجه الطبراني في الدعاء (1044).

ص: 1529

(اللهم لا تدع) أي: لا تترك (لنا ذنبًا إلَّا غفرته) استثناء مُفرَّغ أي: لا تدعه بوصف من الأوصاف إلَّا بهذا الوصف، كقوله تعالى:{لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]، (ولا همّا) أي: غمًّا (إلَّا فرجته) بتشديد الراء ويخفف، [أي]

(1)

كشفته وأزلته، (ولا دَيْنًا) أي: من حقوق اللَّه أو عباده (إلَّا قضيته) أي: وفقت على قضائه، (ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلَّا قضيتها) أي: قدرت قضاءها (يا أرحم الراحمين)، وفي "سلاح المؤمن":"برحمتك يا أرحم الراحمين". (ط، طب) أي: رواه الطبراني في "الكبير"، وفي "الدعاء" له أيضًا عن أنس

(2)

.

(اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. مس، أ) أي رواه: الحاكم، وأحمد، كلاهما عن أبي هريرة

(3)

.

(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ر) أي: رواه البزار عن ابن مسعود

(4)

، وكان الأولى أن يأتي بلفظ "أعنا"، ويكتب فوقه:

(1)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ) و (ب):"إلَّا".

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3398)، وفي الصغير (341). قال الهيثمي: فيه عباد بن عبد الصمد، وهو ضعيف (مجمع الزوائد 10/ 157).

(3)

أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 299) وعنه أبو نعيم في "الحلية"(9/ 223) باسناد صحيح عن أبي قرة موسى بن طارق عن موسى بن عقبة، عن أبي صالح السمان وعطاء بن يسار - أو أحدهما - عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. أما رواية الحاكم في المستدرك (1/ 499) في إسناده خارجة بن مصعب، وهو واه متروك.

(4)

أخرجه البزار في المسند (2075).

ص: 1530

"أعني"، ويجمع بين الرموز الثلاثة آخرًا، مع أن هذا الحديث وكثيرًا تكرر مما لم يعرف وجهه، وقد جمعت الأدعية المطلقة في "الحزب الأعظم"، وأظن أنه وصل خمسمائة دعاء.

(اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير) بهمز وصل وضم لام في النسخ كلها، وقال المصنف:"بضم الهمزة واللام، أي: كن لي خلفًا على ما غاب عني من مال وولد وغيره؛ ليعود إلي بخير"

(1)

، انتهى.

وقيل: الباء للتعدية أي: اجعل خيرًا من كلّ غائبة كانت لي خلفًا عنها، ويجوز أن يكون من الإخلاف حيث ذكر في "النهاية": "خلف الله لك خلفًا بخير، وأخلف عليك خيرًا أي: أبدلك بما ذهب منك، وعوَّضك عنه.

(مس) أي: رواه الحاكم عن ابن عباس

(2)

.

(اللهم إني أسألك عيشة) بالكسر (نقية) بتشديد التحتية، قال المصنف:"بكسر العين، أي: حياة طيبة، والنقي من كلّ شيء خياره وأنظفه وأطيبه، يريد عيشًا لا نكد فيه"

(3)

.

(وميتة سوية) أي: مستوية في الظاهر ومستقيمة في الباطن، قال

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(2)

أخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/ 455) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ فإنهما لم يحتجا بسعيد بن زيد أخي حماد بن زيد.

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

ص: 1531

المصنف: "بكسر الميم معتدلة على الوجه الحسن"

(1)

.

(ومردًّا) بفتح ميم وراء وتشديد دال أي: مرجعًا (غير مخزي) قال المصنف: "بفتح الميم وإسكان الخاء وكسر الزاي وتشديد الياء من الخزي، وهو الذل والهوان، وقد يكون الخزي بمعنى الهلاك والوقوع في البلية، (ولا فاضح) من فَضَحَهُ فافتضح، إذا انكشف مساوئه، نسأل الله العافية"

(2)

، انتهى. (مس) أي: رواه الحاكم عن ابن عُمَر بلا واو خلافًا لما في نسخة

(3)

.

(اللهم إني ضعيف) أي: في حد ذاتي ومرتبة صفاتي، (فقوِّ) بفتح قاف وتشديد واو أمر من التقوية في رضاك) أي: في تحصيل مرضاتك (ضعفي) أي: بتبديله وتحويله، (وخذ إلى الخير بناصيتي) وتقديم الجار للاختصاص والاهتمام، أي: اجعلني متوجهًا إلى الخير، ومعرضًا عن الشر.

(واجعل الإسلام) وهو الانقياد الكامل الشامل للظاهر والباطن، (منتهى رضائي) أي: نهاية مرضياتي وغاية متمنياتي، وفيه إيماء إلى قوله تعالى:{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 130]، إلى أن [قال]

(4)

: {إِذْ

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 541) وقال: صحيح الإسناد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1196) والسلسلة الضعيفة (2912).

(4)

ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.

ص: 1532

قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131].

(اللهم إني ضعيف فقوِّني) تأكيد لما سبق، (وإني ذليل) أي: بدون إعزازك، (فأعزني، وإني فقير) أي: محتاج إلى رزقك الحسي والمعنوي (فارزقني. مس، مص) أي رواه: الحاكم، وأبن أبي شيبة؛ كلاهما عن بريدة بن الحصيب الأسلمي

(1)

.

(اللهم أنت الأول) أي: بلا ابتداء (فلا شيء قبلك) أي: أزلًا (وأنت الآخر) أي: بلا انتهاء (فلا شيء بعدك) أي: أبدًا، (أعوذ بك من كلّ دابة) أي: من شر كلّ دابة (ناصيتُها بيدك) أي: أنت آخذٌ بناصيتها ومتصرف في حالتها.

(وأعوذ بك من الإثم) أي: من جنس المعصية (والكسل) أي: في الطاعة، والمقصود إظهار العجز في العبودية عند الحضرة الربوبية، (وعذاب القبر وفتنة القبر) وفي "نسخة الجلال":"فتنة الفقر".

(وأعوذ بك من المأثم والمغرم) أي: من الحضور في مكان الإثم المتعلق بحق الله، ومكان الجناية الموجبة للغرامة في حق العباد، وهو أبلغ من ارتكابهما كما لا يخفى على ما حقق في قوله تعالى:{فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 147].

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (29353)، والطبراني في الدعاء (8)، وفي الأوسط (6585)، والحاكم (1/ 527)، وانظر المجمع (10/ 182)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (2171)، والضعيفة (3358، 4061): موضوع.

ص: 1533

(اللهم نقِّني) أي: نظفني وطهرني (من خطاياي) أي: ذنوبي الصادرة مني، (كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) أي: الوسخ العارض في البياض الأصلي، المعبر عن الفطرة الجِبِلِّيَّة.

(اللهم باعد بيني وبين خطاياي) أي: المقدّرة علي الممكنة وقوعها لدي، (كما باعدت بين المشرق والمغرب)، والمقصود التضرع والابتهال عند ذي الجلال.

(هذا ما سأل محمدٌ ربَّه) أي: [وعلمه]

(1)

أمته أدبه، قال المصنف:"هو من تتمة دعائه عليه السلام، لا من قول الراوي"

(2)

.

(ط، طس) أي: رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" أيضًا عن أم سلمة عن النبي عليه السلام: "هذا ما سأل محمد ربه

"

(3)

.

(اللهم إني أسألك خير المسألة) أي: خير كلّ ما يُسأل عن حضرتك، (وخير الدعاء) أي: وخير كلّ مدعو ومطلوب من رحمتك، (وخير النجاح) أي: وخير كلّ ظفر وفوز على مقصود، (وخير العمل) أي: من

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"وعلم".

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(3)

أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير"(23/ 317) رقم (717)، وفي "معجمه الأوسط"(6218)، وفي "الدعاء"(1422).

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن زنبور، وعاصم بن عبيد، وهما ثقتان (مجمع الزوائد 10/ 160).

ص: 1534

جنس الأعمال الظاهرة والباطنة، (وخير الثواب) أي: الأجر والمثوبة، (وخير الحياة والممات) وفي نسخة:"وخير الممات"، أي: وخير مدتهما، أو خير ما فيهما.

(وثبتني) أي: على الحق، (وثقل موازيني) أي: موزونات أعمالي الصالحة، (وحقق إيماني) أي: بالثبات والدوام إلى الممات، (وارفع درجتي) أي: علمًا وعملًا، ودُنيا وأُخري، (وتقبَّل صلاتي) أي: وسائر عباداتي، (واغفر خطيئتي) أي: جميع سيئاتي، (وأسألك الدرجات العُلى) أي: العالية في المراتب الغالية، (من الجَنَّة، آمين).

(اللهم إني أسألك فواتح الخير) أي: مبادئه، (وخواتمه) أي: نهايته، (وجوامعه) أي: الخيرات الجامعة النافعة في الدنيا والآخرة، (وأوله وآخره) أي: الفرد الأول والآخر منه، (وظاهره وباطنه) والمقصود استيفاء أجناس الخير وأنواعه وأصنافه وأفراده، (والدرجات العُلى من الجَنَّة، آمين).

(اللهم إني أسألك خير ما آتي) بمد الهمزة وكسر التاء: متكلم مضارع من الإتيان أي: خير ما أظهره من القول باللسان، (وخير ما أفعل) أي: بسائر الأعضاء والأركان، (وخير ما أعمل) أي: من طريق القلب والجنان.

فالمقصود: استقصاء أعمال الخير من العبادات القولية والعبادات البدنية من الأعمال الظاهرية، والطاعات النفسية من الأخلاق الباطنية، وقال الحنفي:"ما آتي، أي: أفعل، والجمل الثلاث متحدة في المعنى ذكرت للتأكيد والمبالغة في محل الدعاء"، (وخير ما بطن، وخير ما ظهر) أي: في الكونين، (والدرجات العُلى من الجَنَّة، آمين).

ص: 1535

(اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري) أي: تزيد في رفعة ذكري، أو تديم رفعة شأني، وإلا فهو مرفوع الذكر بقوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 1 - 4].

وعلى هذا المنوال قوله: (وتضع وزري) أي: ثقل إثمي وتقصيري، (وتصلح أمري) أي: جميع شأني، (وتطهر قلبي) أي: عن العقائد الفاسدة والأخلاق الكاسدة، (وتحصن) بتشديد الصاد، وفي نسخة: بالتخفيف، أي: وتحفظ (فرجي) أي: من الميل إلى المحرم.

(وتنور قلبي) أي: [بأنوار]

(1)

المعلوم اللدنية والأسرار الربانية، وفي "سلاح المؤمن":"وتنور لي قلبي"، فلا تكرار بينه وبين ما سبق؛ لأن الأول إيماء إلى التخلية، والثاني إلى التجلية والتحلية، وفي "الكلم الطيب" ناقلًا عن الطبراني:"وتنور لي في قبري". (وتغفر لي ذنبي) أي: بمحوه، (وأسألك الدرجات العُلى من الجَنَّة، آمين).

(اللهم إني أسألك أن تبارك لي في سمعي، وفي بصري، وفي روحي، وفي خَلقي) بفتح أوله، (وفي خُلُقي) بضمتين، أو بضمّ أوله، أي: في ظاهري وباطني، (وفي أهلي، وفي محياي، وفي مماتي، وفي عملي) أي: في جميع أعمالي، أو في: عملي عند انتهاء أجلي؛ فإنّ الأعمال بالخواتيم.

(1)

كذا في (ب)، وفي (أ) و (ج) و (د):"بالأنوار".

ص: 1536

(وتقبل) بالنّصب عطفًا على "تبارك" على حذف إحدى التاءَين منه، أي: وأن تتقبل (حسناتي) وفي بعض النسخ: "وتقبل" بالسكون، على أنه صيغة الأمر، ويؤيده ما في "الكلم الطيب" من زيادة:"اللهم وتقبل حسناتي". (وأسألك الدرجات العُلى من الجَنَّة، آمين).

وفي ختم كلّ دعوةٍ بسؤال الدرجات العُلى من الجَنَّة إشعارٌ بأنها هي المطلوبة الأعلى والمقصودة الأسنى، وتكرار "آمين" لتأكيد طلب الإجابة في كلّ حين. (مس، ط، طس) أي رواه: الحاكم، والطبراني في "الكبير" وفي "الأوسط" أيضًا عن أمّ سلمة أيضًا

(1)

.

(اللهم اجعل أوسع رزقك عَليَّ) أي: المعنوي، (عند كبر سِني) أي:

(1)

أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير"(23/ 317) رقم (717)، وفي "معجمه الأوسط"(6218)، وفي "الدعاء"(1422) والحاكم (1/ 520) ومدار الحديث على عاصم بن أبي عبيد وهو مجهول، روى عنه: موسى بن عقبة. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الحاكم ثلاثة أحاديث وقال عقبها: صحيح الإسناد. انظر: التاريخ الكبير (6/ 479) الثقات لابن حبان (5/ 238) والجرح والتعديل (6/ 349).

وقال الدارقطني: يرويه موسى بن عقبة، واختلف عنه؛ فرواه سهيل بن أبي صالح، عن موسى بن عقبة، عن عاصم بن أبي عبيد، عن أم سلمة.

ورواه يوسف بن خالد السمتي، عن موسى بن عقبة، عن عاصم، عن شيخ كان يدخل على زينب، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها، عن النبي صلى الله عليه وسلم وكأن قول سهيل أشبه "العلل"(15/ 221).

ص: 1537

لأتقوى على إصلاح شأني، وفي "سلاح المؤمن":"اللهم اجعل أوسع رزقك عليَّ عند كبر سني، وانقطاع عُمري"، (وانقطاع عمري) أي: وعند انتهاء أجلي؛ ليكون حسن عملي على وفق منتهى أملي، والمصنف حمله على الرزق الحسي، حيثما قال:"يعني أنه في ذلك الوقت يكون ضعيفًا عن السعي والكدّ"

(1)

، انتهى.

وهو منافٍ لما ثبت "أنه صلى الله عليه وسلم مات مسكينًا" كما سأله [من]

(2)

ربه ومديونًا عن يهودي، بوضع درعه عنده، وأوصى عَلِيًّا كرم الله وجهه أن يقضيه عنه.

وأيضًا فمن المقرّر أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يعيش بالسعي والكد، وإنما كان يتعيش بالجهاد والاجتهاد والجد في الطاعة، والتوكل والاعتماد على ربّه، وقد عُرِضَ عليه كنوز الدنيا وصيرورة جبالها ذهبًا فأعرض عنها، واختار الفقر على الغنى استغناءً برزق المولى قائلًا:"أجوع يومًا فأصبر، وأشبع يومًا فأشكر"، وقد قال تعالى:{وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

(مس، طس) أي رواه: الحاكم، والطبراني في "الأوسط"؛ كلاهما عن عائشة رضي الله عنها

(3)

.

(اللهم اغفر لي ذنوبي وخطايَ) الخطأ نقيض الصواب، وقد يهمز

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(2)

هذا هو الصواب، وفي جميع النسخ:"عن".

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 542) وقال: حسن الإسناد والمتن غريب. وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (3611). قال الهيثمي (15/ 182): إسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1255) والصحيحة (1539).

ص: 1538

على ما في "الصحاح"

(1)

، وهو بغير مد في "الجلال"، وهو يحتمل أن يكون بألف بعده ياء مفتوحة، أو بهمز بعده ياء ساكنة.

وأما "أصل الجلال" فجمع بين الألف والهمزة، وفي نسخة:"خطاياي" بصيغة الجمع المكسر، لكن يؤيد الإفراد المضافَ المرادَ به الجنسُ قولُه:(وعمدي. حب) أي: رواه ابن حبان عن عثمان بن أبي العاص

(2)

(يا من لا تراه العيون) قال المصنف: "يعني في الدنيا، (ولا تخالطه الظنون) أي: لا يدخل في علمه شك، بل يعلم الجزئيات على التحقيق"

(3)

، انتهى.

والأولى أن يقال: المعنى لا تبلغ كنه ذاته وصفاته الأوهام والظنون، حتى يناسب ما قبله وما بعده، (ولا يصفه الواصفون) قال المصنف:"أي: يعجز الواصفون عن وصف حقيقته تبارك وتعالى"

(4)

.

(ولا تغيره الحوادث) أي: من الكائنات وجودًا وعدمًا؛ إذ لا يحله حادث، ولا يحل فيه سبحانه، فهو منزه عن الحلول والاتحاد خلافًا لما قاله الزندقة وأصحاب الإلحاد.

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 542) وقال: حسن الإسناد والمتن غريب. وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (3611). قال الهيثمي (10/ 182): إسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1255) والصحيحة (1539).

(2)

أخرجه ابن حبان (901).

(3)

الصحاح (1/ 47).

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

ص: 1539

(ولا يخشى الدوائر) أي: لا يخاف عواقب الأمور وحوادث الدهر، كما قال تعالى:{وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 15]، وورد:{لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41]، قال المصنف:"أي: دوائر الزمان وتقلباته"

(1)

.

([تعلم]

(2)

مثاقيل الجبال ومكاييل البحار) أي: مقاديرهما من عدد حصيات الجبال وقطرات البحار، (وعدد قطر الأمطار) أي: قطراتها النازلة من السماء فوق الجبال والبحار وغيرها، والقطر جمع قطرة على ما في "الصحاح"، والأصح أنه اسم جنس مفردُهُ بالتاء، (وعددَ ورق الأشجار) أي: وسائر الأنبات والأزهار، (وعدد ما أظلم عليه الليل، وأشرق عليه النهار) تعميم وتتميم أي: عدد ما دخل تحت ظلمة الليل وإشراق النهار.

(ولا تواري) أي: لا تخفي، ولا تستر، ولا تحجب، ولا تحجز، ولا تمنع (منه) أي: من الله (سماءٌ سماءً) فوقها أو تحتها، فإن علمه سبحانه يستوي فيه جميع الأشياء من العلويات والسفليات، والجزئيات والكليات في عالم الملك والملكوت، والغيب والشهادة؛ ولذا قال:(ولا أرض أرضًا، ولا بحر ما في قعره) أي: الجواهر والحيوانات والنباتات،

(ولا جبل ما في وعره) أي: جوفه من المعادن والينابيع وغيرهما، قال تعالى:{وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8].

(اجعل خير عُمُري آخره، وخير عملي خواتيمه) وفي نسخة:

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 25/ ب).

(2)

كذا في (أ) و (ج) و (م)، وفي (د):"يعلم"، وليست في (ب).

ص: 1540

"خواتمه"، وقد سبق تحقيقهما، (وخير أيامي يومَ ألقاك فيه) أي: وقت أحضر عندك بالموت أو بالبعث، وفي نسخة":"يوم لقائك". (طس) أي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن أنس

(1)

.

(يا ولي الإسلام) أي: متصرفه بتغير أحكامه، أو يا ناصر الإسلام، (وأهله) بالجر عطفًا على الإسلام، ولو روي بالنصب عطفًا على المضاف، لكان له وجه، كما قيل في قوله تعالى:{هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56]، أي: أهل أن ينقاد لحكمه ويطاع لأمره، (ثبتني به) أي: بقبوله والقيام بأحكامه، (حتى ألقاك. ط) أي: رواه الطبراني عنه أيضًا

(2)

.

(اللهم إني أسألك الرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة) متعلق بالشوق، أو بلقائك، ويمكن أن يكون بمعنى "مع"، (ولا فتنةٍ مُضلة) تقدم قريبًا مع تفاوت قليل لفظًا. (ط، طس) أي: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" معًا عن فَضالة بن عبيد

(3)

.

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (9411) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو مالك النخعي وهو ضعيف (مجمع الزوائد 10/ 110).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (661) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 10/ 176).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 319) رقم (825). وأخرجه أيضًا: في الأوسط (6091) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجالهما ثقات (مجمع الزوائد 10/ 177).

ص: 1541

(اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة. أ، ط) أي رواه: أحمد، والطبراني

(1)

؛ كلاهما من حديث بسر بن أرطاة، من صغار الصحابة، وقد مرَّ بهذا اللفظ قبل ذلك بورقتين، وأرقم عليه:"حب، مس"، فلا أدري ما فائدة التكرار وتغيير الأرقام، ذكره ميرك. يعني وكان يمكنه أن يجمع بين الرموز، حيث لفظ الحديث متحد.

(من كان ذلك دعاءه) بالنصب، ويجوز رفعه، والمراد من داوم عليه (مات قبل أن يُصيبه البلاء) أي: المتعوذ منه، أو جنس البلاء الذي يكون سبب الخزي في إحدى الدارين. (ط) أي: رواه الطبراني عنه أيضًا. قال المصنف: "حديث جليل ينبغي أن يواظب عليه فإنه مُجَرَّب"

(2)

.

(اللهم إني أسألك غناي) أي: غِنَى قلبي، (وغنى مولاي) أي: في يدي من غير صنيع للخلق في حقي، وأغرب الحنفي في قوله:"للمولى معانٍ كثيرة يمكن أن يراد أكثرها في هذا المقام".

نَعَم، لا يبعد أن يكون المراد بالمولى هنا الناصر، أي: وغنى من ينصرني في ديني.

(أ، ط) أي رواه: أحمد، والطبراني؛ كلاهما من حديث أبي صِرْمة

(3)

،

(1)

سبق تخريجه.

(2)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 453)، والطبراني (22/ 329، رقم 828). قال الهيثمي (10/ 178): رواه أحمد، والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، =

ص: 1542

بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، المازني الأنصاري، صحابي اسمه مالك بن قيس، وقيل: قيس بن صِرمة، وكان شاعرًا

(1)

.

(اللهم إني أسألك عيشة نقية، وميتة سوية، ومردًّا غير مخزي ولا فاضح. ط) أي: رواه الطبراني عن عمرو، بالواو، وقد سبق بعينه قريبًا، إلَّا أنه برمز آخَرَ

(2)

.

(اللهم اغفر لي) أي: بمحو سيئاتي، (وارحمني) بقبول حسناتي، (وأدخلني الجَنَّة) أي: بفضلك وكرمك، لا بعبادتي ولا بطاعاتي. (ط) عن ثابت بن زيد

(3)

.

(اللهم بارك لي في ديني الذي هو عصمة أمري) تقدم مبناه ومعناه، (وفي آخرتي التي إليها مصيري) أي: مرجعي ومآبي، ومكان حسابي، وزمان ثوابي.

= وكذلك الإسناد الآخر وإسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة الأنصار، وهي ثقة.

وأخرجه أيضًا: ابن أبي شيبة (6/ 24)، والبخاري في الأدب المفرد (662) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1197) والسلسلة الضعيفة (2912).

(1)

الإصابة (5/ 500).

(2)

أخرجه الطبراني وفيه السائب بن يزيد كما في مجمع الزوائد (10/ 179)، والحاكم (1/ 541) وقال: صحيح الإسناد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1196) والسلسلة الضعيفة (2912).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 154) رقم (6670)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (10/ 180)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2322).

ص: 1543

(وفي دنياي التي فيها بلاغي) أي: وصولي إلى المراتب العلمية والعملية، والاستعداد للمنازل العلية الرضية؛ لأنَّها دار العبادة ومزرعة السعادة، (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر. ر) أي: رواه البزار عن الزبير بن العوام

(1)

.

(اللهم اجعلني صبورًا) أي: كثير الصبر على [الطاعة، وعن المعصية، وفي المصيبة]

(2)

.

(واجعلني شكورًا) أي: كثير الشكر على نعمتك ومنحتك، بل وعلى نقمتك ومحنتك، (واجعلني في عيني صغيرًا) لئلا أقع في العجب والغرور، (وفي أعين الناس كبيرًا) ليؤثر فيهم وعظي وأمري ونهيي، ولا يقعوا في معصية لأجلي. (ر) أي: رواه البزار عن بريدة بن الْحُصَيب الأسلمي

(3)

.

(اللهم إني أسألك الطيبات) أي: الحلالات، أو المستلذات المقوية على الطاعات والعبادات، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ

(1)

أخرجه البزار (986) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير صالح بن محمد جزرة وهو ثقة (مجمع الزوائد 10/ 181).

(2)

كذا في (ج) و (د)، وفي (أ):"الطاعات، وكثير البعد عن المعاصي، وشديد الصبر على المصيبة"، وفي (ب):"الطاعة، وعلى المعصية، وفي المعصية".

(3)

أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد (10/ 181) قال الهيثمي: فيه عقبة بن عبد الله الأصم، وهو ضعيف، وحسن البزار حديثه. وأورده ابن أبي حاتم في العلل (2/ 162، رقم 1978) وقال: هذا منكر لا يعرف، وعقبة لين الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1167) والضعيفة (911).

ص: 1544

وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].

ولا يبعد أن يكون التقدير: فعل الطيبات من الأعمال الصالحات، فيوافق رواية:"فعل الخيرات" الملائمة لمقابلة قوله: (وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تتوب علي) أي: وأن توفقني للتوبة، وتقبلها مني، وتثبتني عليها.

(وإن أردت بعبادك فتنة) أي: بلية ومحنة (أن تقبضني) مفعول ثانٍ لـ "أسألك" المقدّر؛ إذ التقدير: وأسألك إن أردت بعبادك فتنة أن تقبضني، بكسر الباء أي:[تتوفاني]

(1)

(إليك غير مفتون) أي: سالمًا من الفتنة مقرونًا بحسن الخاتمة. (ر) أي: رواه البزار عن ثوبان مولى النبي عليه السلام

(2)

.

(اللهم إني أسألك علمًا نافعًا) أي: زيادة على ما عندي لقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]. (وأعوذ بك من علم لا ينفع) كعلم الأنساب، فإنه علم لا ينفع وجهل لا يضر، لكن الاشتغال به تضييع للعمر وغفلة عن الذكر والفكر؛ فيستعاذ منه لذلك. (ط، طس) أي: رواه

(1)

كذا في (أ)، وفي (ب):"توفني"، وفي (ج):"توفيتني"، وفي (د):"توفيني".

(2)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (4/ 60) رقم (3197)، الروياني (656) التوحيد لابن خزيمة (325) عن معاوية بن صالح عن أبي يحيى سليم يعني ابن عامر عن أبي يزيد عن أبي سلام الأسود عن ثوبان رضي الله عنه.

قال الهيثمي (7/ 177): أبو يحيى لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

ص: 1545

الطبراني في "الكبير" عن عائشة

(1)

، وفي "الأوسط" عن جابر

(2)

.

(اللهم إني أسألك علمًا نافعًا) وهو ما يعمل به، (وعملًا متقبلًا) بفتح الموحدة المشددة أي: مقبولًا، أو عملًا هو محل القبول، وقابل للوصول. (طس) أي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن جابر

(3)

.

(اللهم ضع) أمر من الوضع، أي: اجعل (في أرضنا بركتَها) بتكثير إنباتها، وتحصيل ثمراتها، وفيه إشارة إلى قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].

(وزينتها) إيماء إلى قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7]. (وَسَكنَها) قال المصنف: "بفتح السين والكاف، أي: غياث أهلها الذي تسكن نفوسهم إليه"

(4)

، انتهى.

وتقدم هذا في دعاء الاستسقاء، فلا يناسب ذكره في هذا المقام المعَنْوَن بـ"الأدعية التي هي غير مخصوصة بوقت ولا سبب". (ط) أي: رواه الطبراني عن سَمُرَةَ.

(اللهم إني أسألك) أي: معترفًا أو متوسلًا (بأنك الأول فلا شيء

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7139).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (9050) قال الهيثمي (10/ 182): إسناده حسن.

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1315) قال الهيثمي (10/ 182): رجاله وثقوا.

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

ص: 1546

قبلك، والآخر فلا شيء بعدك) مَرَّ مِرَارًا، (والظاهر) أي: بالصفات ووجود المصنوعات، (فلا شيء فوقك) أي: فوق ظهورك:

ففي كُلِّ شيءٍ له شاهدٌ

يدلُّ على أنَّهُ واحدُ

واختلف العارفون باختلاف مقاماتهم وتفاوت حالاتهم، فقال بعضهم:"ما رأيت شيئًا إلَّا ورأيت الله بعده". وقال بعضهم: "ما رأيت شيئًا إلَّا ورأيت الله قبله". وقال بعضهم: "ما رأيت شيئًا إلَّا ورأيت الله معه".

(والباطن) أي: بالذات (فلا شيء دونك) أي: في كمال البطون؛ ولذا لا يُكتنه كنه معرفته، ولا يدرك كمال عظمته، وقد قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، و {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج: 74]، أي: ما عرفوه حق معرفته، أو ما عظموه حق عظمته، (أن تقضي عنا الدين) أي: حق الناس (وأن تغنينا من الفقر) أي: من الحاجة إلى الخلق.

(مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة

(1)

.

(اللهم إني أستهديك) أي: أطلب هدايتك (لأرشد أمري) أي: أصلح أموري، (وأعوذ بك من شر نفسي) فإنها شر الأشرار، حيث لا [يضرني]

(2)

غير شرها.

(حب) أي: رواه ابن حبان عن عثمان بن أبي العاص

(3)

، كذا في

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (30012).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (د)، وفي (ج):"يضر بي".

(3)

أخرجه أحمد (4/ 21) وابن حبان (901)، والطبراني في "الكبير"(8369) من طريق موسى بن إسماعيل، والطبراني في "الدعاء"(1392) من طريق أبي =

ص: 1547

هوامش النسخ كلها، لكن قال صاحب "السلاح": "وعن عثمان بن أبي العاص وامرأة من قريش أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اغفر لي ذنوبي وخطائي وعمدي، وقال الآخر: وإني سمعته يقول: اللهم إني أستهديك

إلى آخره، رواه ابن حبان"، انتهى كلامه.

قال ميرك: "وهذا ليس نصًّا في أن هذا الحديث مرويّ عن عثمان بل يحتمل أن يكون مرويًّا عنه وأن يكون مرويًّا عن امرأة [من]

(1)

قريش فتأمل".

قلت: تأملنا فوجدنا فيما أملنا ما يدلُّ على أنه مروي عنه لا عنها، حيث قال: وقال الآخر: لأنه نص في أن القائل هو المذكر فتذكر وتدبر، فإن الأمر قد ظهر لمن تأخر، وإن كان الفضل لمن تقدم، والله أعلم.

(اللهم إني أستغفرك لذنبي، وأستهديك لمراشد أمري) أي: لمصالح شأني ومقاصده ومطالبه، فإن المراشد فسّره الجوهري بـ"مقاصد الطرق"، (وأتوب إليك فتب عليَّ) أي: تقبل توبتي، وثبتني عليها (إنك أنت ربي) أي: فأنت حسبي.

(اللهم فاجعل رغبتي) أي: طمعي (إليك، واجعل غناي في صدري)

= عمر حفص بن عمر، كلاهما عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد.

وفي رواية موسى بن إسماعيل: امرأة من قريش.

وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 177)، وقال: رواه أحمد والطبراني إلَّا أنه قال: وامرأة من قريش، ورجالهما رجال الصحيح.

(1)

من (أ) و (ب) فقط.

ص: 1548

أي: لا في يدي (وبارك لي فيما رزقتني) أي: بأن أقنع بالقليل، وأن أصرفه في رضاء [الخليل]

(1)

؛ رجاء الثواب الجزيل، (وتقبل مني) أي: عملي على وَفق أملي بفضلك وكرمك (إنك أنت ربي. مص) أي: رواه ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه

(2)

.

قال ميرك: "أورده صاحب "السلاح" عن عمر بن الخطاب موقوفًا عليه، وقال في آخره: "رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، فإن كان كذلك، فالظاهر إيراد "مو" قبل "مص"".

(يا من أظهر الجميل) أي: الأمر الجميل الذي نشأ من ظهور صفات الجمال، كما قال:"سبقت -أو غلبت- رحمتي غضبي".

(وستر القبيح) أي: الأمر المكروه الصادر من نعت الجلال، حيث نسبه إلى الشيطان، وسائر أرباب الضلال، أو معناه: يا من أظهر جميل عباده، وستر قبيحهم، فإن من جملة أسمائه "الستار"، ويؤيده "أصل الأصيل":"وستر عليّ القبيح" لا سيما وقد ضبط بتشديد ياء "علي" فالمعنى: يا من أظهر الجميل لدي، وستر القبيح علي.

(يا من لا يؤاخذ) أي: من شاء من عباده (بالجريرة) أي: بسبب الجريمة، (ولا يهتك) بكسر الفوقانية أي: لا يخرق (السِّتر) بكسر السين بمعنى الستارة أي: يا من لا يفضح بهتك الستر من شاء من خلقه.

(1)

كذا في (ب) و (ج) و (د)، وفي (أ):"الجليل".

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (29878).

ص: 1549

(يا عظيم العفو) كذا في "أصل الأصيل" ونسخة للجلال، (يا حسن التجاوز) بفتح الحاء والسين، على أنه صفة مشبهة، وهو ناظر إلى تأكيد معنى قوله:"ولا يهتك الستر"، كما أن قوله:(يا واسع المغفرة) ناظر إلى تأييد معنى قوله: "لا يؤاخذ بالجريرة"، وقوله:(يا باسط اليدين بالرحمة) مما يقوي معنى "يا عظيم العفو"، وبسط اليد كناية عن سعة العطاء، وإيراد التثنية لإرادة زيادة المبالغة.

(يا صاحب كل نجوى) أي: بالاطلاع عليها؛ لقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ

} [المجادلة: 7] الآية، وفيه إشعار بأنه يعلم السر وأخفى.

(يا منتهى كل شكوى) إشارة إلى أنه لا ينبغي الشكوى إلَّا إليه، كما قال يعقوب عليه السلام:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، وذلك أنه لا مستعان إلَّا هو، فلا يغاث إلَّا به، وما النصر إلَّا من عند الله العزيز الحكيم.

(يا كريم الصفح) أي: التجاوز، وأصله على ما في "النهاية"

(1)

من الإعراض بصفحة الوجه، كأنه أعرض بوجهه عن ذنبه، ومنه قوله تعالى:[{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: 13]]

(2)

.

(يا عظيم المنّ) أي: العطاء والإنعام والإحسان، (يا مبتدئ النعم) وفي نسخة:"يا مبتدئًا بالنعم"(قبل استحقاقها) أي: بسبب طاعة وعبادة،

(1)

النهاية (3/ 34).

(2)

هذا هو صواب الآية من سورة المائدة وفي جميع النسخ: "فأعرض عنهم واصفح".

ص: 1550

بل قدر النعم قبل استعداد مخلوقاته، مع أن الاستعداد والاستحقاق أيضًا من جملة إنعاماته.

(يا ربنا، ويا سيدنا) هكذا في "أصل الجلال" بالواو العاطفة، وهي ساقطة في "أصل الأصيل"، ووجودها هو المناسب لقوله:(ويا مولانا، ويا غاية رغبتنا) أي: نهاية مطلوباتنا، (أسألك يا ألله أن لا تشوي) أي: لا تحرق (خلقي بالنار) وفي نسخة: ["خلقنا"]

(1)

، وهو الملائم لما قبله لفظًا، ولعل وجه العدول أن الجمع فيما سبق عام للمؤمن والكافر، فلا بد أن يقيد عدم الإحراق بالنار لنفسه وفي معناه من تبعه.

(مس) أي: رواه الحاكم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده وقال:"صحيح الإسناد، فإن رواته كلهم مدنيون ثقات"

(2)

.

(1)

كذا في (أ) و (ج) و (د)، وفي (ب):"خلقتنا".

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 545) وعنه البيهقي في "الدعوات الكبير"(196).

ذكره الذهبي في "الميزان" قال: (1/ 136) في ترجمة أحمد بن محمد بن داود الصنعاني. أتى بخبر لا يحتمل،

قال الحاكم: صحيح الاسناد. قلت: كلا، قال: فرواته كلهم مدنيون. قلت: كلا. قال: ثقات. قلت: أنا أتهم به أحمد، وأما أفلح فذكره ابن أبي حاتم ولم يضعفه.

وافقه الحافظ في لسان الميزان (1/ 262) وزاد: "وقد جوزت في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أخت عبد الرزاق أنه هذا فإن أحدا ما قيل فيه أنه أحمد بن داود فكأنه نسب إلى جده وقد تقدم النقل عمن نسبه إلى الكذب".

ص: 1551

(تم نورك) أي: كمُل وشمل من أردت تنويره بالهداية (فهديت) أي: فأرشدته إلى طريق الحق (فلك الحمد) أي: على ذلك، وفيه إيماء إلى ما ورد "أن الله خلق الخلق في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل وغوى".

(عظُم) بضم الظاء أي: كثر (حلمك) أي: عفوك (فعفوت، فلك الحمد، بسطت يدك) بصيغة الواحدة وفي نسخة بصيغة الخطاب، فـ "يدك" بالنصب، وبسط اليد كناية عن نهاية الكرم وغاية الجود (فأعطيت، فلك الحمد).

(ربَّنا) أي: يا ربنا (وجهك أكرم الوجوه) أي: ذاتك أحسن الذوات وأنفعها وأجودها، (وجاهك أعظم الجاه) أي: والقرب إليك أعظم من كل منصب، (وعطيتك) أي: الخالية عن المنة والمذلة، (أفضل العطية وأهنأها) بهمزتين، أي: ألذها وأحسنها، (تطاع ربَّنا) أي: يا ربنا (فتشكر) أي: فتجازي المطيع على الطاعة، وتثيبه وتثني عليه في كل ساعة، والشكر في الأصل الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف، والمراد ها هنا لازمه، وهو إعطاء الجزاء على الطاعة والإطاعة، ومنه قوله تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ، ومن أسمائه سبحانه الشكور، وهو الذي يعطي الجزيل على القليل.

(وتُعصى) بصيغة المجهول، (ربَّنا) أي: يا ربنا (فتغفر) أي: لمن تشاء، (وتجيب المضطر) أي: إذا دعاك، (وتكشف الضر) بالضم ويفتح،

ص: 1552

أي: تزيل الضرر إذا شئت، (وتشفي) بفتح أوله أي: تعافي (السقيم) أي: المريض، (وتغفر الذنب) أي: الكبير (وتقبل التوبة) أي: من كمال الفضل والحلم، (ولا يجزي) بفتح الياء وكسر الزاي، من الجزاء بمعنى المجازاة، أي: لا يجازي (بآلائك) أي: نعمائك (أحد) ففي "الصحاح": "جزيته بما صنع جزاء، وجازيته بمعنًى".

(ولا يبلغ مدحتك) أي: لا يصل إلى كمال مدحك (قول قائل) من المادحين والواصفين. (ص، مو مص) أي: رواه أبو يعلى عن علي كرم الله وجهه مرفوعًا، وابن أبي شيبة عنه موقوفًا

(1)

.

(اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها) أي: رحمتك (إلا أنت) وكذا الفضل، ولعله من باب الاكتفاء، أو ترك ذكره [للمقايسة]

(2)

، وخصت الرحمة بالذكر لأنها أقرب، أو الضمير راجع إلى الصفة الشاملة للفضل والرحمة، كقوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]. (ط) أي: رواه الطبراني عن ابن مسعود

(3)

.

(1)

أخرجه أبو يعلى (440) مرفوعا، وابن أبي شيبة في المصنف موقوفا (29257). قال الهيثمي فرات لم يدرك عليا والخليل بن مرة وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور "مجمع الزوائد"(1/ 158).

(2)

كذا في (أ) و (ب) و (ج)، وفي (د):"للمناسبة".

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 178) رقم 10379). قال الهيثمي (مجمع الزوائد 10/ 159): رجاله رجال الصحيح غير محمد بن زياد البرجمي، وهو ثقة. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1543).

ص: 1553

(اللهم اغفر لي ما أخطأت، وما تعمدت، وما أسررت، وما أعلنت، وما جهلت، وما علمت) المراد استيفاء الذنوب، واستقصاء العيوب. (أ، ر، ط) أي رواه: أحمد، والبزار، والطبراني، عن عمران بن حصين

(1)

.

(اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا) أي: تعدينا على غيرنا، (وهزلنا) أي: في نحو الكذب [والسخرية]

(2)

، (وجدنا وخطاءنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا) أي: موجود أو ممكن. (أ، ط) أي رواه: أحمد، والطبراني؛ كلاهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص

(3)

.

(اللهم اغفر لي خطاي وعمدي، وهزلي وجدي، ولا تحرمني) بفتح أوله، ويجوز ضمه وكسر رائه، من الحرمان أي: لا تمنعني (بركة ما أعطيتني، ولا تفتني) بتشديد النون، أي: لا توقعني في الفتنة (ولا تضلني فيما أحرمتني) من الإحرام، أي: فيما جعلتني محرومًا. (طس) أي: رواه

(1)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 437)، والطبراني في المعجم الكبير (18/ 115) رقم (242).

قال الهيثمي (مجمع الزوائد 10/ 172) رواه أحمد، والبزار، والطبراني بنحوه، ورجالهم رجال الصحيح غير عون العقيلي، وهو ثقة.

(2)

من (ج) و (د) فقط.

(3)

أخرجه أحمد (2/ 173)، والطبراني في الدعاء (1794) وابن حبان (1027)، عن حيي بن عبد الله. قال: حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي، فذكره.

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 172) رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن.

ص: 1554

الطبراني في "الأوسط" عن أبي بن كعب

(1)

.

(اللهم أحسنت خلقي) وفي نسخة: "حسنت" بالتشديد أي: جعلت خلقي الظاهر حَسَنًا، (فأحسن خلقي) وفي رواية أبي يعلى:"فحسن خلقي"، أي: اجعل أخلاقي الباطنة مستحسنة. (أ، ص) أي رواه: أحمد، وأبو يعلى؛ كلاهما عن أم سلمة

(2)

.

(رب اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم) أي: الصراط المستقيم، والدين القويم. (أ، ص) أي رواه: أحمد، وأبو يعلى؛ كلاهما عن ابن مسعود

(3)

.

(سلوا الله العفو) أي: عن الذنوب (والعافية) أي: عن العيوب؛ (فإن أحدًا لم يُعْطَ) بصيغة المجهول، (بعد اليقين) أي: زوال الشك في الإيمان وكمال المعرفة والإيقان، وقال المصنف:"أي: العلم وزوال الشك، أي: في الإيمان"

(4)

، انتهى. (خيرًا من العافية).

(ت، س، ق، حب، مس) أي رواه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7110) قال الهيثمي (10/ 172): رجاله رجال الصحيح غير عصمة أبي حكيمة وهو ثقة.

(2)

أخرجه أحمد (6/ 68) وأبو يعلى (5075) قال الهيثمي (10/ 173): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1307).

(3)

أخرجه أحمد (6/ 303) وأبو يعلى (6893) قال الهيثمي (10/ 174): رواه أحمد وأبو يعلى بإسنادين حسنين. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3634).

(4)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

ص: 1555

وابن حبان، والحاكم؛ كلهم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه

(1)

، ولفظ الحاكم:"سلوا الله العفو والعافية واليقين في الأولى والآخرة".

(يا رسول الله، علمني شيئًا أدعُ الله به) وفي نسخة: "أدعو"، بالرفع على تقدير "أنا"، وأكثر النسخ على الجزم في جواب الأمر، (فقال: سل ربك العافية، فمكثت أيامًا) بفتح الكاف وضمها أي: لبثت مدة، (ثم جئت، فقلت: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله) بالجزم، وقيل: بالرفع، أي: أسأل ذلك الشيء (ربي) وأطلبه منه، (فقال: يا عم، سلِ الله العافية في الدنيا والآخرة. ط) أي: رواه الطبراني عن العباس رضي الله عنه.

(يا عم، أكثر الدعاء بالعافية) أمر من الإكثار. (ط) أي: رواه الطبراني عن العباس

(2)

.

(ما سأل الله) بالنصب، وهو في "أصل الأصيل" ثابت (العبادُ) بالرفع (شيئًا) أي: من الأشياء (أفضلَ من أن يغفر لهم ويعافيهم) أي: من ذنب

(1)

أخرجه أحمد (1/ 3 و 5 و 7 و 9)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(889)، وفي "الكبرى"(10718)، والترمذي (3558)، وابن ماجه (3849)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(3387).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (29185)، وأحمد (1/ 209)، والترمذي (3514)، وقال: صحيح.

قال الهيثمي: رواه كله الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح غير يزيد بن أبي زياد، وهو حسن الحديث .. (مجمع الزوائد 10/ 175).

ص: 1556

لا يغفر لهم. (ر) أي: رواه البزار عن أبي الدرداء

(1)

.

(يا رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى، قولي: اللهم ربَّ النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب) من الإذهاب أي: أزل (غيظ قلبي) أي: كل ما يغيظ به قلبي من غل وحقد وسائر الأخلاق الذميمة.

قال المصنف: "الغيظ هو غضب [كائن]

(2)

للعاجز، وذهابه من القلب نعمة لا مزيد عليها"

(3)

.

(وأجرني) من الإجارة، أي: احفظني (من مضلات الفتن) أي: في الفتن المضلة، ومن المحن المغوية (مما أحييتنا) أي: إلى أن [تَتَوَفَّانَا]

(4)

على هذه الصفة. (أ) أي: رواه أحمد عن أم سلمة

(5)

.

(1)

أخرجه البزار في المسند (4090) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 175) رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن السائب، وهو ثقة.

(2)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ) و (د):"كامن".

(3)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(4)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي (أ):"تتوفنا"، وفي (ب) و (ج):"توفينا"، وفي (د):"توفيتنا".

(5)

أخرجه أحمد (6/ 315 و 306) وأخرجه الترمذي مختصرًا (3522) وقال الترمذي: (هذا حديثٌ حسنٌ). وقال الزبيدي في إتحاف السادة (5/ 105): (ورأيت بخط الحافظ السخاوي ما نصُّه: هو في مسند أحمد من حديث أم سلمة في حديث طويل وسنده حسنٌ).

ص: 1557

(لا يقولن أحدكم: اللهم لقني حجتي) بتشديد القاف والنون، أي: ألهمني حجتي ودلني على بينتي، (فإن الكافر يلقن) بتشديد القاف المفتوحة أي: يعطى (حجته) بالنصب.

قال المصنف: "يلقنه الشيطان حجته الباطلة، قال تعالى: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى: 16]، والحجة الدليل"

(1)

انتهى.

وداحضة بمعنى باطلة، لا يقال: السؤال وقع من الله، فكيف قول المصنف:"يلقنه الشيطان"، فإن الأمر كله في الحقيقة راجع إلى الله، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وإنما الشياطين مظاهر الجلال، وينشأ منهم الإضلال، كما أن الأنبياء مظاهر الجمال، ويظهر منهم الإهداء والإكمال، فالتحقيق أن النهي إنما وقع عن تلقين الحجة على الإطلاق، والصواب تقييده بدليل قوله:(ولكن يقول: اللهم لقني حجة الإيمان عند الممات) أي: خصوصًا، فإن المدار على حسن الخاتمة، وضبط السيد أصيل الدين في الموضعين لفظ "لقنني" بالنونين، وهو غير صحيح من جهة الإملاء، ولعله أراد دفع وهم القراءة بنون واحدة، والله سبحانه أعلم.

(ط) أي: رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

(1)

"مفتاح الحصن الحصين"(ل 20/ ب).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1886) من رواية أبي هريرة. قال الهيثمي (10/ 182): فيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات.

ص: 1558

(فضل الصلاة والسلام على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام)

أي: هذه أحاديث واردة في فضيلة الصلاة والسلام على سيد الكرام ليكون مسك الختام، وقد جمعت أربعين حديثًا في هذه القضية، وصدرت بها في شرح الصلوات المحمدية المنسوبة إلى السادات البكرية، قدس الله أسرارهم السرية.

(ما جَلَسَ قومٌ مجلسًا) أي: جلوسًا، أو مكانه، أو زمانه، (لم يذكروا الله) أي: صفات ربهم (فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان) أي: ذلك المجلس (عليهم حسرة) وفي نسخة بالرفع، أي: وقع عليهم ندامة تامة (يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة) أي: ولو دخلوها (للثواب) أي: لإعطاء المثوبة بعد الحساب أو العذاب.

وفي بعض النسخ لفظ "للثواب" غير موجود، ويؤيده أنه لم يذكر صاحب "السلاح" لفظ "للثواب" لابن حبان، لكن ذكره المنذري في روايته ورواية أحمد والحاكم أيضًا، فتحصل أن لابن حبان روايتين، والله أعلم.

قال الحنفي: "يدل الحديث [بظاهره]

(1)

على أن كل أحد من آحاد القوم ينبغي أن يفعل هذين الأمرين، ولو انتفى عن واحد منهم كان

(1)

كذا في (أ) و (ج)، وفي (ب) و (د):"لظاهره".

ص: 1559

حسرة عليهم، وقيام واحد منهم [بهما]

(1)

ليس بكاف".

قلت: دلالته على أن كل أحد ينبغي مُسَلَّمٌ، لكن لو انتفى عن واحد لا يكون إلا حسرة عليه لا عليهم بلا شبهة، سواء قلنا: إنه من فروض العين أو الكفاية.

(حب، أ، د، ت، س، مس) أي رواه: ابن حبان، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم؛ كلهم عن أبي هريرة

(2)

، وقال الترمذي:"حسن"، ولفظه:"إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم"، ورواه أحمد عن أبي أمامة أيضًا

(3)

.

(أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة) بضمتين ويسكن الثاني، (فإن صلاتكم معروضة علي) لا خفاء في أن حديث: "إن لله تعالى ملائكة

(1)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"لهما".

(2)

أخرجه أحمد (2/ 389 و 2/ 515 و 2/ 527)، وأبو داود (4855) والترمذي (3380) والنسائي في "الكبرى" (10169) وابن حبان (590) وابن حبان (591 و 592) وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث صحيح. (نتائج الأفكار (2/ 34).

(3)

أخرجه الطبراني في "معجمه الكبير"(8/ 181/ 7751) وفي "مسند الشاميين"(882 و 895)، وفي الدعاء (1921).

قلت: وهو سند لا يثبت، إبراهيم بن محمد بن عرق، ذكره ابن ماكولا في الإكمال (7/ 21) قال: حمصي، حدث عن إبراهيم بن العلاء ومحمد بن مصفى وعمرو بن عثمان وسليمان بن سلمة ومحمد بن جعفر الأوصابي وعبد الوهاب بن الضحاك العرضي، روى عنه الطبراني. وقال الذهبي ونقله الحافظ في "اللسان" (1/ 105):"هو شيخ للطبراني غير معتمد".

ص: 1560

سياحين يبلغوني عن أمتي السلام" على ما سيأتي، يدل على أن الصلاة مطلقًا معروضة عليه، فالجمع بينهما بأن يوم الجمعة لمزيد الفضيلة تعرض عليه من غير واسطة، كما فرق بين الصلاة عند الروضة الشريفة وسائر البقاع المنيفة، فقد أخرج أبو الشيخ في كتاب "ثواب الأعمال" بسند جيد مرفوعًا: "من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيًا بلغته"

(1)

.

وأبعد الحنفي في قوله: "يقال: إن هذه الملائكة إنما يعرضون عليه في يوم الجمعة، وكذا الحال في رد الروح عليه ورده السلام على أنه يمكن أن يقال: إنه ليس من قبيل العرض"، انتهى.

وبعده لا يخفى، وسيأتي الكلام على رد روحه عليه السلام.

(د، س، ق، حب) أي رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان؛ كلهم من حديث أوس بن أوسٍ الثقفي، وهو صحابي، سكن الشام، ورواه الحاكم وصححه، ورواه أحمد أيضًا

(2)

.

(1)

عزاه له ابن حجر في (فتح الباري 488/ 6) ورواه البيهقي في الشعب (1583)(2/ 218).

ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال: هذا حديث لا يصح فيه محمد بن مروان قال ابن النمير: كذاب، وقال النسائي متروك انظر الموضوعات لابن الجوزي (1/ 303).

(2)

أخرجه أبو داود (1047)، والنسائي (3/ 91)، وابن ماجه (1085) وابن خزيمة (1733). وابن حبان (910) والحاكم (1/ 278) والبزار في مسنده (8/ 411 - 412 رقم 3485) وقال: وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلم أحدا =

ص: 1561

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يرويه إلا شداد بن أوس، ولا نعلم له طريقا غير هذا الطريق عن شداد، ولا رواه إلا حسين بن علي الجعفي ويقال: إن عبد الرحمن بن يزيد هذا هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ولكن أخطأ فيه أهل الكوفة أبو أسامة والحسين الجعفي على أن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم لا نعلم روى عن أبي الأشعث وإنما قالوا ذلك لأن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم: لين الحديث، فكان هذا الحديث فيه كلام منكر عن النبي فقالوا: هو لعبد الرحمن بن تميم أشبه.

تنبيه: وقع عند البزار شداد بن أوس والصواب أوس بن أوس.

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 197): سمعت أبي يقول عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي: أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد عن القسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله، ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا، وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة أنه قال:"أفضل الأيام يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة وفيه كذا" وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي. وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام (ص 80 - 84) هذا الحديث وبين علله وقد رد عليها وصحح الحديث. وصححه النووي في الأذكار (ص: 154).

قلت: وتتلخص مما مضى علتان: =

ص: 1562

قال الحافظ المنذري: "وله علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره من النقاد"، انتهى

(1)

.

وقال ميرك: "العلة المشار إليها هي أن كل من أخرج هذا الحديث أخرجه من طريق حسين بن علي بن الوليد الجعفي الكوفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصغاني، عن أوس بن أوس، وبعد تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم".

وقال البخاري: "حسين الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وهو غير محتج به،

= الأولى: وهم حسين بن علي بن الوليد الجعفي في إسناده فقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما هو ابن تميم، وابن تميم قال أبو داود والنسائي والدارقطني: متروك. انظر: التهذيب (5/ 197).

(1)

قول البخاري كما في علل الترمذي ص 392/ 102 قال محمد أهل الكوفة يروون عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أحاديث مناكير وإنما أرادوا عندي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو منكر الحديث وهو بأحاديثه أشبه منه بأحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.

وقال في التاريخ الكبير (5/ 365) عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم عنده مناكير ويقال هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وحسين فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر انظر الترغيب والترهيب (2/ 329).

ص: 1563

فلما حدث به حسين غَلِطَ في اسم الجد، وقال: ابن جابر، وقال غير واحد من الحفاظ: إن ابن تميم ضعيف عنده مناكير، وهو شيخ حسين في هذا الحديث"، انتهى.

لكنه معاضد بما سيأتي من حديث الحاكم عن أبي مسعود، وبما قال المنذري في "الترغيب" عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا علي من الصلاة في يوم الجمعة؛ فإن صلاة أمتي تعرض علي كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة"، رواه البيهقي بإسناد حسن، إلا أن مكحولًا قيل:"لم يسمع من أبي أمامة".

قلت: وهو غير ضائر عندنا على ما حققه ابن الهمام في "شرح الهداية".

(ليس يصلي علي) بتشديد الياء (أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته. مس) أي: رواه الحاكم عن أبي مسعود الأنصاري

(1)

.

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 421) هذا إسناد فيه أبو رافع، مختلف فيه، وعبد الرحمن بن بكار، صدوق تكلم فيه بل حجة، والحديث صحيح من طرق أخرى، عن أويس ابن أبي أويس، وغيره.

هو في الإتحاف لابن حجر 11: 231 (13936)، وعلى هامشه كتب ما يلي: ذكره ابن حجر في مسند عقبة بن عامر، وجدت بخط الشيخ القاسم الحنفي ليس هذا من مسند عقبة بن عامر، وإنما هو من حديث عقبة ابن عمرو أبي مسعود، ولم يقل الحاكم إلا عن ابن مسعود الأنصاري، وليس فيه عقبة فلينتبه. =

ص: 1564

(ما من أحد يسلّم علي إلا ردَّ الله علي رُوحي) أي: من الجناب لأجل الجواب، أو راحتي الزائدة (حتى أرُدَّ عليه السلام) قال صاحب "الأزهار":"الحديث يدل على بقاء الأرواح بعد الموت، وعلى بقاء أبدان الأنبياء، وعلى أن الأنبياء أموات في قبورهم، والصحيح خلافه؛ للأحاديث الصحيحة فيه"، انتهى.

يعني ورد في كثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة بأنهم أحياء في قبورهم مشغولون بعبادة ربهم، وقد أفرد السيوطي رسالة في هذا الباب، والله أعلم بالصواب.

(د) أي: رواه أبو داود عن أبي هريرة، ورواه أحمد أيضًا

(1)

.

(أولى الناس بي) أي: بشفاعتي أو أقربهم منزلة بي (يوم القيامة أكثرهم علي صلاة) أي: في الدنيا. (ت، حب) أي رواه: الترمذي، وابن حبان؛ كلاهما عن ابن مسعود

(2)

.

= قوله: هذا حديث صحيح الإسناد فإن أبا رافع هذا هو إسماعيل بن رافع ولم يخرجاه.

تعقبه الذهبي في "التلخيص"، قال: إسماعيل بن رافع أبو رافع ضعفوه.

وعنه: البيهقي في "حياة الأنبياء"(ص 2)(11)، وشعب الإيمان (2769)، وابن أبي عاصم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (57).

(1)

أخرجه أحمد (2/ 527)، وأبو داود (2041)، وإسناده حسن.

(2)

أخرجه الترمذي (484)، وابن حبان (911)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1821).

ص: 1565

(البخيل) أي: كل البخيل، أو البخيل الكامل على نفسه بامتناعه عن الخير الحاصل له وللغير (من ذُكِرْتُ) وفي بعض الروايات كرر الموصول للتأكيد والمبالغة بقوله:"البخيل الذي من ذكرت عنده"(فلم يصل علي. ت، س، حب، مس) أي رواه: الترمذي والنسائي عن علي، وابن حبان والحاكم عن حسين بن علي رضي الله عنهما.

(أكثروا الصلاة علي، فإنها زكاة) أي: طهرة من السيئات، أو نماء في الطاعات (لكم). وقيل:"بمنزلة زكاة وصدقة لفقرائكم". (ص) أي: رواه أبو يعلى عن أبي هريرة.

(رَغِمَ) بكسر الغين، وفي نسخة بفتحها، ففي "سلاح المؤمن":"رَغِمَ - بكسر الغين المعجمة - أي: لصق بالرغام، وهو التراب، وقال الهروي: "رواه ابن الأعرابي بفتح الغين، وقال: معناه ذلَّ""(أنف رجل ذُكِرْتُ عنده) بصيغة المفعول، (فلم يُصلِّ علي. ت، حب، ر، ط) أي رواه: الترمذي، وابن حبان، والبزار، والطبراني؛ كلهم من حديث أبي هريرة، وحسنه الترمذي.

ورواه الحاكم وابن حبان عن مالك بن الحويرث أيضًا، والطبراني من حديثه وحديث ابن عباس وكعب بن عجرة أيضًا، ذكره ميرك.

وفي بعض الهوامش: "رواه الترمذي وابن حبان عن ابن عباس، والبزار والطبراني عن أبي هريرة"، وفي بعضها:"رواه ابن حبان والطبراني عن مالك بن الحويرث، والطبراني عن ابن عباس وكعب بن عجرة".

ص: 1566

(من ذُكِرْتُ عنده فليصلِّ علي. س، طس، ص، ي) أي رواه: النسائي والطبراني في "الأوسط"، وأبو يعلى وابن السني؛ كلهم عن أنس، ورواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه.

(فإنه من صلّى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا) أي: بلا واسطة، وقيل:"هو أصل جزائه بلا ملاحظة تضعيف ثوابه". (ي) أي: رواه ابن السني بهذه الزيادة، قال ميرك:"ورواه الحاكم أيضًا".

(من ذكرني) أي: وكذا من ذُكِرْتُ عنده لما سبق (فليصل علي) الظاهر أن الأمر للوجوب، لكن قال الطَّحَاوِيُّ:"إنه يتداخل في المجلس كسجدة التلاوة". (ص) أي: رواه أبو يعلى عن أنس أيضًا.

(إن لله ملائكة) أي: جماعة من المقربين (سياحين) أي: سيارين في مجالس العلم والعمل وغيرهما، (يُبَلِّغُونِّي) بتشديد اللام من التبليغ، وفي نسخة بتخفيفه من الإبلاغ، وقرئ بهما قوله تعالى:{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي} [الأعراف: 62] ثم النون مشددة على أن أصله "يبلغونني"، فسكنت الأولى وأدغمت في الثانية، وفي نسخة مخففة على أنه حذف إحديهما على خلاف فيهما، وقرئ بالوجهين قوله تعالى:{أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} [الأنعام: 80] أي: يوصلون إلي.

(عن أمتي السلام) وكذا حكم الصلاة كما يدل عليه تعبيره بالسلام مرة وبالصلاة أخرى، فيستفاد منه أن الاكتفاء بأحدهما لا يكره خلافًا لما ذهب إليه النووي ومن تبعه، ولا دلالة في قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ

ص: 1567

وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] لأن الواو لمطلق الجمع الشامل للتفريق عند أرباب التحقيق، فإن الأمة مأمورون بالفعلين، فإذا صَلَّوْا مرة وسلّموا أخرى، خرجوا عن عهدة التكليف في الدنيا والأخرى، نَعَم، الجمع بينهما أفضل وأكمل.

(س، حب، مس) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم؛ كلهم عن ابن مسعود، وفي نسخة:"عن أبي مسعود".

(إني لقيت جبريل فبشرني، وقال) وفي نسخة: "فقال"(إن ربك يقول: من صلى عليك صليت عليه) أي: "عشرًا" كما في رواية، (ومن سلّم عليك سلّمت عليه) أي: عشرًا، وما أحسن سلامًا يورث السلام من الله السلام، ومن نبيه عليه السلام، المنتج لدخول دار السلام، المقتضي لموت صاحبه على الإسلام وحسن الاختتام.

(فسجدت لله شكرًا) أي: على هذا الإنعام. (مس، أ) أي رواه: الحاكم، وأحمد، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

(يا رسول الله) وفي نسخة: "قلت: يا رسول الله"(جَعَلْتُ [لك])

(1)

وفي نسخة صحيحة: "إني جعلت"، وفي أخرى:"أجعل لك"(صلاتي) أي: دعواتي (كلها) أي: منحصرة لك، ومخصوصة بك، ومصروفة إليك.

(قال) وفي نسخة: "صلى الله عليه وسلم"(إذًا) بالتنوين (يُكْفَى) بصيغة المجهول الغائب،

(1)

من (ج) فقط.

ص: 1568

وقوله: (همّك) بالرفع على تصحيح الأصيل، على أنه نائب الفاعل بناء على أن "كفي" متعدٍّ إلى واحد على ما يفهم من "التاج"، حيث قال:"كفاك الشيء، أي: حسبك". وهو الملائم لمقابلة قوله: (ويغفر ذنبك).

وفي كثير من النسخ: "تُكْفَى"، بصيغة المجهول المخاطب، ونصب "همك" على أن "كفي" متعدٍّ إلى مفعولين، كما يستفاد من المقدمة، حيث قال:"كفاه الشيء كفاية"، فمفعوله الأول ضمير الفاعل المخاطب، وثانيه "همك"، أي: إذًا تُكْفَى أنت همك على ما ذهب إليه الزعفراني من شراح "المصابيح".

قال صاحب "المفاتيح": "كفي متعدٍّ إلى مفعولين، وهنا مفعوله فيه ضمير أقيم مقام الفاعل، و"همك" مفعوله الثاني".

وأما ما ادعاه الحنفي من أن الرواية بالتاء المثناة من فوق، فدعوى بلا دليل؛ إذ مستنده في الرواية السيد جمال الدين، وهو تلميذ عمه السيد أصيل الدين، وقد علمت ضبطه وتصحيحه مع أن ميرك شاه بن السيد جمال الدين صرّح في شرح الشمائل أن ليس للمدعي رواية ولا سند معتمد عنهم.

(الحديثَ) أي: بطوله، كما سيأتي. (ت، مس، أ) أي رواه: الترمذي، والحاكم، وأحمد؛ كلهم عن أُبَيٍّ، "قال: قلت: يا رسول الله، إني أُكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت،

ص: 1569

فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا تُكْفَى همّك، ويغفر لك ذنبك".

رواه أحمد وعبد بن حميد في مسنديهما، والحاكم في "المستدرك"، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، واختصره فقال:"عن أبي، قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك"

(1)

.

(1)

أخرجه الترمذي (2457) أحمد (5/ 136)، وعبد بن حميد (170)، والحاكم (2/ 421 و 513)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 256 و 8/ 377)، والسلسلة الصحيحة (954)، وقال الترمذي: حديث حسن. وقد حسنه الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (4/ 16). قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (جلاء الأفهام): وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل احْتج بهِ الْأَئِمَّة الْكِبَار كالحميدي وَأحمد وَإِسْحَاق وَغَيرهم وَالتِّرْمِذِيّ يصحح هَذِه التَّرْجَمَة تَارَة ويحسنها تَارَة. ثم قال:

"وسُئِل شيخنا أبو العباس (ابن تيمية)، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبَيِّ بْنِ كَعْبٍ دعاءٌ يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم؟

فقال: إن زِدتَ فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير، إلى أن قَالَ:"إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ"؛ لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه رضي الله عنه ". اهـ.

ص: 1570

قال بعض المحدثين: "معنى الحديث أن أبي بن كعب كان له دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أجعل لك ربعه منه صلاة عليه إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا يكفى همك، ويغفر لك ذنبك؛ لأن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرًا، ومن صلى عليه الله لكفاه همه، وغفر ذنبه".

(من صلّى علي واحدة) أي: صلاة واحدة أو مرة واحدة (صلّى الله عليه عشرًا. م، د، ت، س، ط) أي رواه: مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة

(1)

،

والطبراني عن أبي موسى الأشعري

(2)

.

(جاء صلى الله عليه وسلم) أي: حَضَرَ (ذات يوم) أو يومًا من الأيام، وقيل: بإقحام "ذات" ليكون صريحًا بإرادة النهار دون الوقت الشامل للملوين، (والبِشر) بكسر الموحدة، أي: البهجة والسرور، (في وجهه) والجملة حالية (فقال: إنه) أي: الشأن.

(جاءني جبريل فقال: إن ربك يقول: أما يرضيك) أي: عني، وهو من الإرضاء، (يا محمد، أنه) أي: الشأن، وهو بفتح الهمزة على أنه مفعول ثانٍ لـ "يرضى" (لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صلّيت عليه عشرًا، ولا

(1)

أخرجه مسلم (408)، ووأبو داود (1530)، والترمذي (485)

(2)

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (10/ 163) قال الهيثمي: فيه حفص بن سليمان القارئ وثقه وكيع وغيره وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات.

ص: 1571

يسلّم عليك أحد من أمتك إلا سلّمت عليه عشرًا).

(س، حب، مس، مص، مي) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم، وابن أبي شيبة، والدارمي؛ كلهم عن أبي طلحة زيد بن ثابت الأنصاري. قال ميرك:"ورواه أحمد أيضًا"

(1)

.

(من صلّى علي واحدة صلّى الله عليه عشر صلوات، وحُطَّت) بضم حاء وتشديد طاء، أي: وضعت (عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات).

(س، حب، مس، ر، ط) أي رواه: النسائي، وابن حبان، والحاكم، والبزار، والطبراني؛ كلهم عن أنس

(2)

، والنسائي عن عمر بن سعد الأنصاري أيضًا، وزاد فيه:"وكتب له عشر حسنات"، كما ذكره المصنف بقوله:(وكتب له بها عشر حسنات. س، ط) أي رواه: النسائي عن عمر بن سعد

(3)

، والطبراني عن أبي بردة

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (4/ 30)، وابن أبي شيبة (8695 و 31788) والدارمي (2773) والنسائي (3/ 44 و 50) في "الكبرى" (9888) والحاكم (2/ 420) وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (829).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 102 و 3/ 261) والنسائي (3/ 50)، وفي "الكبرى"(1221)، وفي "عمل اليوم والليلة"(362 و 363 و 364) وابن حبان (904) والحاكم (1/ 550).

(3)

أخرجه النسائي في "الكبرى"(9892).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 195) رقم (513) وأورده الألباني في الصحيحة (3360).

ص: 1572

(من صلّى على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة صلى الله عليه وملائكته) بالرفع، وفي نسخة بالنصب، أي: مع ملائكته، (سبعين صلاة) يحتمل أن يراد بها الكثرة. (أ) أي: رواه أحمد عن ابن عمرو، بالواو.

(وكيف الصلاة) بفتح الفاء ورفع الصلاة، وفي نسخة بالضم وخفضها، وفي أخرى:"وكيفية الصلاة"(والسلام عليه صلى الله عليه وسلم تقدم) أي: في الصلاة بعد التشهد.

(قال علي رضي الله عنه: كل دعاء محجوب) أي: ممنوع عن كمال وصوله وجمال حصوله (حتى يصلى) بصيغة المجهول، وفي نسخة بصيغة الفاعل الغائب، أي: الداعي، وفي نسخة بالمخاطب، أي: تصلي أيها المخاطب أو الداعي (على محمد) وفي نسخة: "على النبي محمد"(صلى الله عليه وسلم، وآل محمد) الظاهر أنه عطف على محمد، وما بينهما جملة دعائية اعتراضية، ويحتمل أن يكون عطفًا على الضمير المجرور في "عليه"، بغير إعادة الجار عند من قال به من النحاة والقراء الأخيار. (طس) أي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن علي

(1)

.

قال ميرك: "هكذا رواه الطبراني في "الأوسط" موقوفًا، وروى الحسن

(1)

أخرجه الطبراني في "الأوسط"(721).

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات "مجمع الزوائد"(10/ 160) والحديث صحيح لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1676) وانظر السلسلة الصحيحة (2035).

ص: 1573

بن عرفة عن علي مرفوعًا، وسنده ضعيف، والصحيح وقفه، وكذا حديث عمر الذي بعده رواه الترمذي موقوفًا، وقد روي مرفوعًا أيضًا، والصحيح وقفه". لكن قال المحققون من علماء الحديث:"إن مثل هذا لا يقال من قبيل الرأي، فهو مرفوع حكمًا".

قلت: وعلى كل حالٍ فلا اعتراض على المصنف أصلًا بعدم إيراد "مو" قبل الرمز، مع أن الصحيح في كل منهما أنه موقوف؛ لأن اللفظ الذي أورده لا يصلح إلا أن يكون موقوفًا في اللفظ وإن كان في الحكم مرفوعًا؛ فاندفع ما قال الحنفي من أن ما روي عن علي وعمر يحتمل موقوفًا ومرفوعًا.

(وعن عمر رضي الله عنه أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد) وفي نسخة: " [فلا]

(1)

يصعد"، وهو بفتح الياء والعين، وفي نسخة بضم أوله، أي: لا يرتفع أو يرفع (منه) أي: من الدعاء بأنواعه (شيء) أي: ولو واحد، (حتى تصلي) أي: أنت (على نبيك)، وفيه تنبيه على أن المنشأ الحكم المذكور هو وصف النبوة، والعدول عن وصف الرسالة مع كونها أخص للمبالغة والدلالة على أنه بوصف النبوة إذا كان يستحق الصلاة، فكيف بنعت الرسالة.

ويمكن أن جهة النبوة التي هي ولايته المختصة بالتوجه إلى الحضرة أعلى وأعلى من نسبة الرسالة المشتغلة بالخلق، ولعل هذا هو الوجه في تخصيصه بوصف النبوة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى

(1)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج) و (د):"ولا".

ص: 1574

النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

(ت) أي: رواه الترمذي من طريق أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر، وسعيدٌ من كبار التابيعن، وأبوه صحابي

(1)

.

(وقال الشيخ أبو سليمان الداراني) نسبة إلى "داريا" قرية بالشام، والنسبة داراني على غير قياس على ما ذكره صاحب "القاموس"(رحمة الله عليه) وهو من جملة الأولياء الكبار.

(إذا سألت الله حاجة) أي: إذا أردت أن تسأل عن الله مطلوبًا (فابدأه) أي: سؤالك أو مسئولك (بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ادعُ بما شئت، ثم اختم بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه بكرمه يقبل الصلاتين) أي: لا محالة كرامةً لنبيه عليه السلام.

(وهو) أي: سبحانه (أكرم من أن يدع) أي: يترك (ما بينهما) أي: من الدعاء غير مقبول، وفي نسخة:"يدع بينهما" بدون "ما"، فالتقدير: هو أكرم من أن يدع الحاجة الواقعة بينهما. إلى هنا كلام الداراني.

ثم قال المصنف: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) تقدم مبناه ومعناه، وسبق أنه رواه أصحاب الكتب الستة، وهو أصح ألفاظ الصلوات

(1)

أخرجه الترمذي (486). وهو حديث صحيح لغيره كما في "صحيح الترغيب"(1676).

ص: 1575

الواردة في الصلاة وغيرها؛ فينبغي المواظبة والمداومة عليه.

(اللهم صلِّ عليه كلما ذكلره الذاكرون، اللهم صلِّ عليه كلما غفل عن ذكره الغافلون) والمقصود الدوام والاستمرار منه، فإن الزمان والمكان [لا يخلوان]

(1)

عن ذاكرٍ له وغافلٍ عنه (وسلِّم) بكسر اللام المشددة، (تسليمًا كثيرًا) فيه إيماء إلى أن التنوين في قوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] للتكثير المفيد للتعظيم.

(اللهم بحقه) أي: باحترامه واستحقاقه في جاهه (عندك) أي: في مقام قربك، (ارفع عن الخلق) أي: عن عمدتهم وزبدتهم، وهم المسلمون عامة في دار الإسلام وخاصة في بلدة الشام، (ما نزل بهم) من البلاء العام، (ولا تُسلِّط عليهم مَن لا يرحمهم) أي: من الظَّلَمَةِ الذين هم كالأنعام؛ (فقد حلَّ) أي: نزل (بهم ما لا يرفعه غيرك، ولا يدفعه) أي: عنهم (سواك) أي: سوى حكمك وأمرك.

(اللهم فرِّج) أي: أزل الكربة وكشف الغم (عنا يا كريم) أي: يا أكرم الأكرمين، (يا أرحم الراحمين) أي: بحرمة نبيك الكريم ورسولك الرحيم، واختم لنا بالخير، وادفع عنا شر الغير. اللهم سلِّط الظالمين على الظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين غانمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

(1)

هذا هو الأليق بالسياق، وفي جميع النسخ:"لا يخلو".

ص: 1576

(قال مؤلفه رحمه الله كذا في نسخة، وفيه دلالة على أن هذا من تصرف الكتاب بعد موته، وفي نسخة لبعض تلاميذه: "قال مؤلفه" (الشيخ الأجل) أي: الأعظم (رُحْلة أجلة العلماء) بضم راء وسكون حاء: مَنْ يرحل إليه لأخذ علم ونحوه، والأَجِلَّةُ: بفتح الهمز وكسر الجيم وتشديد لام، جمع الجليل بمعنى: العظيم.

(وارث علوم الأنبياء) أي: من الكتاب والسنة، والفقه وأحكام الملة، (ختم المحدثين) بمعنى خاتمهم مطلقًا، فإن من بعده لم يجئ مثله.

(وحيد العصر شرقًا وغربًا) لا سيما في علم [القراءة]

(1)

كما يظهر من "طيب نشره"، (وفريد الدهر برًّا وبحرًا) أي: بدوًا وحَضَرًا، (الذي نال في الآفاق حظًا) أي: نصيبًا وافرًا (من الاشتهار) أي: بعلمي القراءة والحديث، (اشتهار الشمس في نصف النهار) أي: كمال الظهور واستعلاء النور.

(صاحب الأنفاس القدسية) أي: حال تقريره، (والكمالات الأنسية) أي: وقت تحريره، (والأخلاق السَّنِيَّة) بفتح فكسر فتشديد أي: الرضية العلية (السُّنية) بضم فتشديد أي: المنسوبة إلى السنة من القراءة والرواية والدراية، (والملكات) أي: الحالات الباطنية (المَلَكيّة) أي: المشابهة بأحوال الملائكة العُلْوية.

(مولانا) أي: سيدنا، (ومخدومنا شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري) تقدم تحقيقه، (أفاض الله بركاته) أي: بركات أقواله وأعماله

(1)

كذا في (ب) و (ج)، وفي (أ):"القراءات".

ص: 1577

وأحواله (على العالمين عمومًا، وعلى أصحابه خصوصًا) أي: [من]

(1)

أدركه وصاحبه، سواء أخذ منه العلم أم لا.

وفي نسخة بخطه: (قال كاتبه: محمد بن محمد بن الجزري لطف الله تعالى في غربته، وأخذ بيده في شدته) إيماء إلى أن آخر تأليف هذا الحصن كان وقت الغربة وحال الشدة كما سيأتي.

(فرغت من ترصيف هذا الحصن الحصين) أي: تعميره، مأخوذ من الرَّصَف محركة، واحدة الرصف، حجارة مرصوفة بعضها إلى بعض في المسيل، ومنه عمل رصيف بَيِّنُ الرصافة، أي: محكم على ما في "القاموس"، وفي نسخة:"من تصنيف هذا الحصن الحصين".

(من كلام سيد المرسلين، يوم الأحد) ظرف "فرغت"(بعد الظهر) حال، (الثاني والعشرين) صفة يوم الأحد، (من ذي الحجة) بكسر الحاء، أي: من شهر مشتمل على وقت يقصد الحج فيه، فإن الحج قصد مكة للنسك، وبالكسر الاسم على ما حققه صاحب "القاموس"، زاد في نسخة (الحرام) بمعنى المحترم، أو باعتبار أنه كان القتال فيه حرامًا، فإنه من أشهر الحرم الأربعة.

(سنة إحدى وتسعين وسبع مئة) أي: من الهجرة (بمدرستي التي أنشأتها) أي: بنيتها ابتداء من عندي من غير سبق لأحد علي في بنائها (برأس عقبة الكَتَّان) بفتح كاف فتشديد تاء معروف، وثيابه معتدلة في

(1)

من (ج) فقط.

ص: 1578

الحر والبرد واليبوسة، ولا يلزق بالبدن، ويقل قَمْلُهُ. كذا في "القاموس".

فما اشتهر من أنه إنما يناسب الحر غير صحيح، والحاصل: أنها مكان يعمل فيه الكَتَّان واقع (داخل دمشق) بكسر الدال وفتح الميم ويكسر، وهو المشتهر بالشام (المحروسة) أي: المحفوظ من أنواع البلية (حماها الله تعالى) أي: صانها (من الآفات) أي: الدينية والدنيوية، (وسائر بلاد المسلمين) أي: صان جميعها أو باقيها، والأول أبلغ وآكد لخصوص الشام.

(هذا) أي: خذ هذا، أو اعلم، أو هذا التصنيف ختم (وجميع أبواب دمشق) أي: قلعته (مغلقة) بتشديد اللام المفتوحة أي: مصكوكة، (بل مشيدة) أي: مؤكدة ومؤيدة (بالأحجار) أي: الكبار المرصوفة من وراء الأبواب لزيادة التقوية.

(والخلائق) أي: أنواع وأصناف من الخلق (يستغيثون) أي: الله، (على الأسوار) أي: على كل جانب من جوانب السور، (والناس في جهد) بضم الجيم ويفتح أي: مشقة وتعب (عظيم من الحصار) بكسر الحاء أي: من جهة المحاصرة، (والمياه) أي: مياه الشام (مقطوعة) أي: ممنوعة من الوصول إلى داخلها.

(والأيادي) وفي نسخة: "والأيدي" إلى الله تعالى بالتضرع (مرفوعة، وقد أحرق ظواهر البلد) أي: نواحي الشام من البيوت والأشجار، (ونهب أكثره) أي: أكثر ما كان في ظواهر البلد من الأموال.

(وكل أحد خائف على نفسه) أي: كيوم القيامة، (وماله) أي: الذي

ص: 1579

به قوت حاله وقوة مجاله، (وأهله) أي: من عياله، ولفظة "أهله" مقدم على "ماله" في "أصيل" مؤخر في "جلال"، وضبط في بعض النسخ:"مآله" بهمز ممدود أي: ما يئول إليه أمره، (وَجِلٌ) بفتح فكسر جيم أي: خائف، (من ذنوبه وسوء أعماله) أي: الموجبة لسوء أحواله.

(وقد تحصن) بتشديد الصاد أي: استحكم الشام، (بما يقدر عليه) بصيغة المجهول، أي: بأقصى ما يمكن من [التحصن]

(1)

.

(فجعلت هذا) أي: التأليف المسمى بالحصن، (حصني) أي: حمايتي ووقايتي، (وتوكلت على الله) أي: في بدايتي ونهايتي، (وهو حسبي) أي: كَافِيَّ جميع أموري، (ونِعْمَ الوكيلُ) أي: الموكول إليه الأمرُ.

(وقد أجزت [أولادي]

(2)

أبا الفتح محمدًا وأبا بكر أحمد) كذا في "الجلال"، وفي "الأصيل":"محمدًا"، (وأبا القاسم عليًّا وأبا الخير محمدًا وفاطمة وعائشة وسلمى وخديجة روايته) أي: رواية كتاب الحصن، (عني مع جميع ما يجوز لي روايته) أي: من سائر مصنفاتي في علمي القراءة والحديث.

(وكذا أجزت أهل عصري) وتحقيق الإجازة وأنواعها بيناها في "شرح النخبة"(والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلاته) وفي نسخة: (على سيد الخلق) وفي نسخة: (وأشرفهم محمد، وعلى آله

(1)

كذا في (ج)، وفي (أ) و (ب):"التحصين".

(2)

كذا في (أ) و (ب)، وفي (ج):"لأولادي".

ص: 1580

وصحبه، وسلامه) أي: وسلام الله تعالى كذلك (عليه وعليهم)، انتهى.

وانتهى فراغ تحرير هذا الشرح وتنميقه بعون الله وتوفيقه بمكة المشرفة المكرمة قبالة القبلة المعظمة في النصف الأخير من جمادى الأخرى، من شهور عام ثمان بعد الألف من الهجرة النبوية، على صاحبها آلاف صلاة وألوف تحية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبرحمته تكمل العطيات، وتقبل الطاعات والعبادات، والمسئول من فضل أرباب الوصول ممن أخذ حظًّا من هذا المحصول الدعوة الخالصة بالجهة الخاصة لهذا الفقير الحقير الكسير بوصف الكثير القليل البضاعة والضعيف الاستطاعة عِلْمًا وعَمَلًا وقالًا وحالًا حال حياته ووقت مماته ممدًا ومعينًا، ويرحم الله عبدًا قال آمينا

(1)

.

(1)

كتب بعدها في (أ): "قال كاتبه: حررت وأرخت هذه النسخة الشريفة الجميلة، الموجبة للقبول والتعظيم نقلًا محررًا مقابلًا من نسخة الأصيل، وهي خط مؤلفه رحمه الله تعالى وكان ذلك بعون الله تعالى بمكة المكرمة في النصف الأول من رجب الفرد ثلاث وخمسين وألف من الهجرة النبوية، أفضل التحيات.

وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة المباركة في وقت بعد الظهر يوم الثلاثاء نصف ذي الحجة الذي هو من شهور سنة أربع عشرة ومئة وألف على يد الفقير الحقير المعترف بالذنب والتقصير الراجي عفو ربه الكريم رجب بن محمود الشهير بقيم جامع سلطان سليمان غفر الله له ولوالديه، ولمشايخه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".=

ص: 1581

قال كاتبه: كتبت وحررت هذه النسخة الشريفة من خط مؤلفه بعون الله تعالى بمكة المشرفة المكرمة في النصف الأول من رجَبٍ الفرد من شهور عام ثلاث وخمسين وألف من الهجرة النبوية عليه أفضل التحية.

وقد فرغت من كتابة هذه النسخة المباركة في يوم السبت المبارك سادس شهر صفر الخير من شهور عام تسعة وثمانين ومئة وألف من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، آمين.

= وكتب بعدها في (ج): "تمت هذه النسخة الميمونة مسمى شرح حصن حصين من تصنيف مولانا علي قاري رحمه الله تعالى، في شهر جمادى الآخر في تاريخ، جهارم سنة دويم في عهد باد شاه دين بناه سلطان السلاطين مالك ملك سليمان باد شاه بهادر شاه عالم خلد الله ملكه وإبقاؤه موافق سنة هجرة النبوي صلى الله عليه وآله وأصحابه وأزواجه وذرياته وأهل بيته وسلم، سنة يكهزار يكصد وبيت بد ستخط فقير الحقير تقصير خاكياتي بن زكران دين شيخ عبد الرسول ولد شيخ محمد القرشي الهاشمي عفي عنه".

ص: 1582

‌فهرس المصادر والمراجع

* الآحاد والمثاني، لأبي بكر بن أبي عاصم الشيباني المتوفى سنة 287 هـ، تحقيق: د/ باسم فيصل الجوابرة، دار الراية، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزجاني، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، دار الصميعي، عام 1415 هـ.

* ابن أبي حاتم الرازي وأثره في علوم الحديث، تأليف: الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، سعدي الهاشمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1402 هـ.

* إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، للمرتضى الزبيدي المتوفى سنة 1205 هـ، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

* إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852، تحقيق: نخبة من الأساتذة في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى.

* إثبات عذاب القبر، للإمام البيهقي المتوفى سنة 458، تحقيق: الدكتور شرف محمود القضاة، دار الفرقان، عمان، الأردن، الطبعة الثالثة، 1413 هـ.

ص: 1601

* الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية، تأليف: الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: د/ محمد إسحاق محمد إبراهيم، دار الراية، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* أحاديث أبي الزبير عن غير جابر، لأبي الشيخ عبد الله بن جعفر الأصبهاني المتوفى سنة 369، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* الأحاديث التي أعلها الإمام البخاري في كتابه التاريخ الكبير، رسالة ماجستير، إعداد: عادل بن عبد الشكور الزرقي، 1416 هـ، لم تطبع.

* الأحاديث التي بين أبو داود في سننه تعارض الرفع والوقف فيها، رسالة ماجستير، إعداد: محمد بن عبد العزيز الفراج، 1418 هـ، لم تطبع.

* الأحاديث التي ذكر الترمذي فيها اختلافًا في سننه، وليست في العلل الكبير، جمعًا ودراسة من أول أبواب الصوم إلى آخر أبواب البيوع، رسالة ماجستير، إعداد: بندر بن عبد الله الشويقي، لم تطبع، 1419 هـ.

* الأحاديث التي ذكر الترمذي فيها اختلافًا وليست في العلل الكبير من أول كتاب الاستئذان إلى أثناء كتاب التفسير، رسالة ماجستير، إعداد: عبد العزيز بن عبد الله الهليل، ولم تطبع.

* الأحاديث المختارة أو المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، للحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، مات سنة 643 هـ، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

* الأحاديث الواردة في فضل المدينة، تأليف: د/ صالح بن حامد الرفاعي، دار الخضيري، الطبعة الثالثة، 1418 هـ.

ص: 1602

* الأحكام الوسطى، لعبد الحق الإشبيلي، تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي، مكتبة الرشد بالرياض.

* أحكام أهل الذمة، للإمام ابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751، تحقيق: يوسف البكري وشاكر العاروري، دار رمادي للنشر، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* أحوال الرجال، لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى سنة 259 هـ، تحقيق: صبحي السامرائي، مؤسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* أخبار أصبهان، أو تاريخ أصبهان = ذكر أخبار أصبهان.

* أخبار القضاة، لمحمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع المتوفى سنة 306 هـ، عالم الكتب.

* أخبار مكة في قديم العهد وحديثه، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي، تحقيق: د/ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، دار خضر، بيروت/ الطبعة الثانية، 1414 هـ.

* أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، لأبي الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي المتوفى سنة 223 هـ، تحقيق: رشدي الصالح، دار الثقافة، الطبعة السادسة، 1414 هـ.

* أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، لأبي محمد جعفر بن حيان الأصبهاني، المعروف بأبي الشيخ المتوفى سنة 369، تحقيق: الدكتور السيد الجميلي، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1409 هـ.

ص: 1603

* الأدب المفرد، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ، تحقيق: سمير بن أمين الزهيري، مكتبة المعارف، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* الأربعون في الحث على الجهاد، للحافظ أبي القاسم ابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ، تحقيق: عبد الله بن يوسف، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* الأربعين المستغني بتعيين ما فيه عن المعين، المعروف بـ (الأربعين البلدانية)، للحافظ أبي الطاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني المتوفى سنة 576، تحقيق: مسعد السعدني، أضواء السلف، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* أربعين حديثًا للإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري المتوفى سنة 360، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، مكتبة المعلا، الكويت، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* الأربعين في الجهاد والمجاهدين، لأبي الفرج محمد بن عبد الرحمن المقرئ المتوفى سنة 618، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1413 هـ.

* الأربعين، لأبي بكر محمد بن إبراهيم المعروف بابن المقرئ المتوفى سنة 381 هـ، تحقيق: محمد زياد عمر تكلة، ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* الإرشاد في معرفة علماء الحديث، للحافظ أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي القزويني، تحقيق: محمد سعيد بن عمر إدريس، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

ص: 1604

* إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405 هـ.

* الأسامي والكنى، لأبي أحمد الحاكم الكبير المتوفى سنة 374 هـ، تحقيق: يوسف ابن محمد الدخيل، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* الأسامي والكنى، للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، رواية: ابنه صالح، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، مكتبة دار الأقصى، الكويت، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* أسباب نزول القرآن الكريم، للإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي، تحقيق: كمال بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، لابن عبد البر الأندلسي المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر النمري القرطبي، المتوفى سنة 463، طبعة دار صادر، بهامش الإصابة.

* أسد الغابة في معرفة الصحابة للإمام عز الدين أبي الحسن علي بن محمد الجزري ابن الأثير المتوفى سنة 630، تحقيق: الشيخ: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق: عز الدين علي السعيد، مكتبة الخانجي، الطبعة الثانية، 1413 هـ.

ص: 1605

* الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، طبعة دار صادر.

* أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، للإمام الدارقطني، تصنيف: الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ويعرف بابن القيسراني، تحقيق: محمود محمد والسيد يوسف، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل، المسمى: إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، للإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ تحقيق وتعليق: الدكتور زهير بن ناصر الناصر، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب كلاهما بدمشق وبيروت، الطبعة الأولى 1414 هـ.

* الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحافظ العلامة أبي بكر الحازمي المتوفى سنة 584، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الثانية، 1415 هـ.

* اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني المتوفى سنة 728 هـ، تحقيق: د/ ناصر بن عبد الكريم العقل، مكتبة الرشد، الطبعة الرابعة، 1414 هـ.

* إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة 544، تحقيق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للعلامة علاء الدين مغلطاي بن قليج الحنفي المتوفى سنة 762، تحقيق: عادل بن محمد وأسامة بن إبراهيم، الفاروق الحديثة للطباعة، الطبعة الأولى، 1422 هـ.

ص: 1606

* الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 هـ، تعليق وتخريج محمود مطرجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413 هـ.

* أمالي المحاملي، وهو القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي المتوفى سنة 330، رواية: ابن يحيى البيِّع، تحقيق: الدكتور إبراهيم إبراهيم القيسي، دار ابن القيم، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الأمالي، للإمام المحدث عبد الملك بن محمد بن بشران المتوفى سنة 430، المجلد الأول تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، والثاني بتحقيق: أحمد بن سليمان، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1418 و 1420 هـ.

* الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـ، تحقيق وتعليق: محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* الأموال، لحميد بن زنجويه المتوفى سنة 251 هـ، تحقيق: د/ شاكر ذيب فياض، مركز الملك فيصل، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة، لعلاء الدين مغلطاي المتوفى سنة 762 هـ تحقيق: دار التحقيق بدار الحرمين: السعيد عز الدين المرسي وآخرين، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1420 هـ.

* الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني المتوفى سنة 562 هـ، تعليق: عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

ص: 1607

* الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، للإمام أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة 318 هـ، تحقيق: د/ صغير أحمد بن محمد حنيف، دار طيبة، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* الإيمان، للحافظ محمد بن إسحاق بن منده المتوفى سنة 395، تحقيق: علي بن محمد الفقيهي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1407 هـ.

* البحر الزخار المعروف بمسند البزار، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن عمرو العتكي البزار المتوفى سنة 292 هـ، تحقيق: الدكتور محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن ببيروت ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1409 هـ.

* البداية والنهاية، للحافظ أبي الفداء ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* البعث والنشور، للإمام البيهقي المتوفى سنة 458، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، للحافظ نور الدين الهيثمي المتوفى سنة 807 هـ، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، دار الطلائع.

* بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني، تأليف: حماد بن محمد الأنصاري، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، لابن القطان الفاسي المتوفى سنة 628، تحقيق: د/ الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

ص: 1608

* تاريخ ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310، دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 1411 هـ.

* تاريخ أسماء الثقات، لابن شاهين، تحقيق عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية.

* التاريخ الأوسط، للإمام أبي عبد الله البخاري، تحقيق: محمد بن إبراهيم اللحيدان، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* تاريخ الثقات، للحافظ أحمد بن عبد الله العجلي المتوفى سنة 261 هـ، بترتيب الحافظ نور الدين الهيثمي، تحقيق: د/ عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* التاريخ الكبير، لابن أبي خيثمة أحمد بن زهير بن حرب، المتوفى سنة 279 هـ/ "إخبار المكيين" تحقيق: إسماعيل حسن حسين، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* التاريخ الكبير، للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، توزيع دار الباز.

* تاريخ المدينة المنورة (أخبار المدينة النبوية)، لأبي زيد عمر بن شبه النميري البصري المتوفى سنة 262 هـ، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، دار التراث، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

* تاريخ بغداد أو مدينة السلام، للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، دار الكتب العلمية.

ص: 1609

* تاريخ جرجان، للسهمي، تحقيق: العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دائرة المعارف العثمانية، تصوير عالم الكتب، الطبعة الرابعة، 1407 هـ.

* تاريخ خليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ، تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة، الطبعة الثانية، 1405 هـ.

* تاريخ مدينة دمشق، للحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر المتوفى سنة 571 هـ، دراسة وتحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* تاريخ يحيى بن معين، رواية: عباس بن محمد الدوري، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1399 هـ.

* تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، المكتبة العلمية.

* تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى سنة 742 هـ، ومعه النكت الظراف على الأطراف، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة بالهند والمكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ.

* تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل، للحافظ ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 826، تحقيق: عبد الله نوَّارة، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

ص: 1610

* التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، للإمام شمس الدين السخاوي، المتوفى سنة 902، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* التحقيق في أحاديث الخلاف، لأبي الفرج ابن الجوزي، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* التحقيق، لابن الجوزي، من أول الكتاب إلى مسائل الأوقات في الصلاة، تحقيق: د/ إبراهيم بن عبد الله اللاحم، رسالة دكتوراه لم تطبع.

* تخريج الأحاديث المرفوعة المسندة في كتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري، إعداد: الدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1420 هـ.

* التدوين في أخبار قزوين، للمؤرخ الكبير عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني، تحقيق: الشيخ عزيز الله العطاردي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* تذكرة الحفاظ أطراف أحاديث كتاب المجروحين، لابن حبان، للحافظ محمد بن طاهر القيسراني، المقدسي المتوفى سنة 507 هـ تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* تذكرة الحفاظ، للحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تصوير دار الكتب العلمية.

* الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك، للإمام أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين المتوفى سنة 385، تحقيق: صالح الوعيل، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

ص: 1611

* الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المتوفى سنة 656، تحقيق: مصطفى عمارة، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1388 هـ.

* الترغيب والترهيب، للحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني المعروف بقوام السنة المتوفى سنة 535، تحقيق: أيمن بن صالح بن شعبان، دار الحديث، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* تصحيفات المحدثين، لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى سنة 382، تحقيق: محمود أحمد ميرة، المطبعة العربية الحديثة، الطبعة الأولى، 1402 هـ.

* تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، دار الكتاب العربي.

* التعديل والتجريج لمن أخرج له البخاري في الجامع الصحيح، لأبي الوليد سليمان ابن خلف الباجي المتوفى سنة 474، تحقيق: الدكتور أبو لبابة حسين، دار اللواء، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان، تحقيق: خليل بن محمد العربي، الفاروق الحديثة للطباعة، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* تغليق التعليق، للحافظ ابن حجر، تحقيق سعيد عبد الرحمن موسى القزفي، المكتب الإسلامي ودار عمار، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى سنة 516، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك وآخر، دار المعرفة، الطبعة الثانية، 1407 هـ.

ص: 1612

* تفسير القرآن العظيم مسندًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، للإمام الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 هـ، تحقيق: أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* تفسير القرآن العظيم، للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ، تحقيق: سامي بن محمد السلامة، دار طيبة، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* تقريب التهذيب، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، تحقيق: محمد عوامة، دار الرشيد بحلب، الطبعة الثالثة، 1411 هـ.

* تقييد المهمل وتمييز المشكل، للحافظ أبي علي الحسين بن محمد الغساني الجياني، تحقيق: علي بن محمد العمران ومحمد عزيز شمس، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد، لأبي بكر محمد بن عبد الغني، المعروف بابن نقطة المتوفى سنة 629 هـ، طبعة دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار الحديث، 1407 هـ.

* التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، تحقيق: د/ شعبان محمد إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، 1399 هـ.

* التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، القرطبي المتوفى سنة 463 هـ حققه مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد بن عبد الكبير البكري، الطبعة الثانية، 1402 هـ.

ص: 1613

* التمييز، للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى سنة 261، تحقيق: د/ محمد مصطفى الأعظمي، مكتبة الكوثر، الطبعة الثالثة، 1410 هـ، ومعه: منهج النقد عند المحدثين نشأته وتاريخه للمحقق.

* تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لأبي الحسن علي بن محمد ابن عرَّاق الكناني المتوفى سنة 963، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1399 هـ.

* تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي، تحقيق: أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي المتوفى سنة 1386، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، دار الكتب السلفية.

* تهذيب الآثار، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، مسند عمر بن الخطاب، ومسند علي بن أبي طالب، ومسند ابن عباس، تحقيق: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، ومسند عبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير، بتحقيق: علي رضا بن عبد الله بن علي رضا، في دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1416 هـ.

* تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي المتوفى سنة 676 هـ، إدارة الطباعة المنيرية، دار الكتب العلمية.

* تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: إبراهيم الزيبق وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1416 هـ.

ص: 1614

* تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ جمال الدين المزي المتوفى سنة 742 هـ، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1413 هـ.

* توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852، تحقيق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* توضيح المشتبه، لابن ناصر الدين شمس الدين محمد بن عبد الله الدمشقي المتوفى سنة 842، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1414 هـ.

* الثقات، لابن حبان البستي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند، تصوير: مؤسسة الكتب الثقافية.

* جامع البيان في تفسير القرآن، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هـ.

* جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للحافظ صلاح الدين العلائي المتوفى سنة 761 هـ، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، الطبعة الثانية، 1407 هـ.

* جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي ثم الدمشقي، المشهور بابن رجب الحنبلي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1412 هـ.

* جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري المتوفى سنة 463 هـ، دار الفكر.

ص: 1615

* الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، تحقيق: د/ محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1414 هـ.

* الجامع لشعب الإيمان، للإمام البيهقي المتوفى سنة 458، تحقيق: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، الدار السلفية، الهند، ودار الريان، الطبعة الأولى، 1408 هـ، والاعتماد في الإحالات على هذه النسخة.

* الجامع، لمعمر بن راشد اليماني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي في آخر مصنف عبد الرزاق، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1403 هـ.

* الجرح والتعديل، للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 هـ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند، تصوير دار الكتب العلمية.

* جزء ابن الغطريف، وهو حديث الإمام الحافظ أحمد بن محمد بن الغطريف الجرجاني المتوفى سنة 377، تحقيق: الدكتور عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* جزء ابن عرفة، الحسن بن عرفة العبدي المتوفى سنة 257، تحقيق: د/ عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة دار الأقصى، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* جزء الألف دينار، وهو الخامس من الفوائد المنتقاة والأفراد الغرائب الحسان، لأبي بكر أحمد بن جعفر القطيعي، مات سنة 368 هـ، تحقيق وتخريج: بدر بن عبد الله البدر، دار النفائس بالكويت، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* الجزء الثالث والعشرون من حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد الذهلي القاضي المتوفى سنة 367، انتقاء: الدارقطني، تحقيق: حمدي عبد

ص: 1616

المجيد السلفي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* الجزء الخامس من الأفراد، لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين المتوفى سنة 385، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، وهو ضمن مجموع فيه من مصنفات ابن شاهين، دار الأثير، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* جزء حنبل، وهو التاسع من فوائد ابن السماك، تحقيق: هشام بن محمد، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* جزء علي بن محمد الحميري المتوفى سنة 323، تحقيق: الدكتور عبد العزيز بن سليمان البعيمي، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* جزء فيه أحاديث أبي عمرو بكر بن بكار القيسي البصري، رواية: أبي الشيخ الأصبهاني عن إبراهيم بن سعدان عنه، تحقيق: محمد زياد عمر تكلة، ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* جزء فيه أحاديث أبي محمد عبد الله بن محمد أبي الشيخ الأصبهاني المتوفى سنة 369 هـ، انتقاء أبي بكر بن مردويه المتوفى سنة 498 هـ، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* جزء فيه ستة مجالس من أمالي أبي بكر محمد بن سليمان الباغندي، تحقيق: محمد زياد عمر تكلة، ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* جزء فيه ما انتقى أبو بكر بن مردويه المتوفى سنة 410 على أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360 من حديثه لأهل البصرة، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، أضواء السلف، الطبعة الأولى، 1420 هـ.

ص: 1617

* الجهاد، للحافظ أبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل الشيباني المتوفى سنة 287، تحقيق: مساعد بن سليمان الراشد الحميد، ومعه تخريجه: السبيل الهاد إلى تخريج أحاديث كتاب الجهاد، للمحقق، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

* حجة الوداع، لأبي محمد بن حزم الأندلسي المتوفى سنة 456 هـ، تحقيق: أبي صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية للنشر، 1418 هـ.

* الحجة على أهل المدينة، للإمام محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة 189 هـ، تعليق وترتيب: السيد مهدي حسن الكبلائي، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403 هـ.

* حديث ابن الجعد، رواية وجمع الحافظ أبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، تحقيق: الشيخ عامر أحمد حيدر، مؤسسة ثادر، الطبعة الأولى، 1410 هـ. وقد سماه المحقق: مسند ابن الجعد.

* حديث أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ المتوفى سنة 381، تحقيق: محمد زياد عمر تكلة، ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* حديث إسماعيل بن جعفر المدني المتوفى سنة 180، رواية: علي بن حجر السعدي، تحقيق: عمر بن رفود السفياني، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* حديث الزهري: أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، المتوفي سنة 381 هـ، رواية أبي محمد الحسن بن علي الجوهري المتوفى سنة 454 هـ، تحقيق: د/ حسن بن محمد البلوط، أضواء السلف، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

ص: 1618

* حديث خيثمة بن سليمان الأطرابلسي المتوفى سنة 343، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، 1400 هـ.

* حديث محمد بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة 215، رواية: أبي مسلم الكجي عنه، تحقيق: مسعد السعدني، أضواء السلف، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* حديث هشام بن عمار، تحقيق: الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ، دار أشبيليا، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1387 هـ.

* خلق أفعال العباد، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: الدكتور عبد الرحمن عميرة، دار المعارف السعودية، 1398 هـ.

* الدر المنثور في التفسير المأثور، لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1403 هـ.

* الدعاء، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360 هـ، دراسة وتحقيق وتخريج: الدكتور محمد سعيد بن محمد حسن البخاري، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* الدعاء، للقاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي المتوفى سنة 330 هـ، تحقيق: د/ سعيد بن عبد الرحمن القزقي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الدعوات الكبير، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

ص: 1619

* دلائل النبوة، لقوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني المتوفى سنة 535، تحقيق: مساعد بن سليمان الراشد الحميد، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* دلائل النبوة، للبيهقي أحمد بن الحسين المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* دلائل النبوة، للحافظ أبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430، دون اسم المحقق ولا اسم الدار، ولكن توزيع: عباس أحمد الباز بمكة المكرمة، وطبع عام 1397 هـ.

* الدلائل في غريب الحديث، لأبي محمد القاسم بن ثابت السرقسطي، تحقيق: د/ محمد بن عبد الله القناص، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1422 هـ.

* ديوان الضعفاء والمتروكين، للحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق: لجنة من العلماء، دار القلم، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* ذخيرة الحفاظ المخرج على الحروف والألفاظ، للإمام الحافظ محمد بن طاهر المقدسي المتوفى سنة 507 هـ، رتبه وحققه وخرج أحاديثه: الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار السلف بالرياض، الطبعة الأولى، 1416 هـ.

* ذكر أخبار أصبهان، وهو تاريخ أصبهان، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ، دار الكتاب الإسلامي.

* ذيل تاريخ بغداد، لابن النجار محمد بن محمود البغدادي المتوفى سنة 643، طبعة دائرة المعارف العثمانية، تصوير: دار الكتب العلمية.

ص: 1620

* رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار، لأبي إسحاق برهان الدين الجعبري المتوفى سنة 732، تحقيق: الدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

* الزهد، لأبي بكر بن أبي عاصم المتوفى سنة 287، تحقيق: د/ عبد العلي عبد الحميد، الدار السلفية بالهند، الطبعة الأولى، 1403 هـ.

* الزهد، للإمام أحمد، دار الريان، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* الزهد، لهناد بن السري الكوفي المتوفى سنة 243، تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة، تأليف الدكتور خلدون الأحدب، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* سؤالات ابن الجنيد لأبي زكريا يحيى بن معين المتوفى سنة 233 هـ ويسمى تاريخ ابن الجنيد، تحقيق: د/ أحمد نور سيف، مكتبة الدار بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* سؤالات أبي داود، للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم، دراسة وتحقيق الدكتور زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* سؤالات أبي عبد الرحمن السلمي للدارقطني في الجرح والتعديل، تحقيق: د/ سليمان آنس، دار العلوم للطباعة والنشر، 1408 هـ.

* سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني في معرفة الرجال وجرحهم وتعديلهم، تحقيق: الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

ص: 1621

* سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي، تحقيق: سعدي الهاشمي، وهو مع كتابه: أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، طبعة الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1402 هـ.

* سؤالات البرقاني، للدارقطني، تحقيق: الدكتور عبد الحليم محمد أحمد القشقري، طبعة لاهور، باكستان، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* سؤالات الحاكم النيسابوري، للدارقطني في الجرح والتعديل، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* سؤالات حمزة بن يوسف السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره، لأبي الحسن الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، دار عمار، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني، المكتب الإسلامي ومكتبة المعارف.

* سلسلة الأحاديث الضعيفة، للألباني، المكتب الإسلامي ومكتبة المعارف، التواريخ مختلفة في السلسلتين جميعًا.

ص: 1622

* السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، تأليف: محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، تحقيق: محمد علي قطب، دار الحديث.

* السُّنة، لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال المتوفى سنة 311 هـ، تحقيق: د/ عطية الزهراني، دار الراية، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

* السنة، لأبي بكر بن عاصم المتوفى سنة 287، تحقيق: د/ باسم بن فيصل الجوابرة، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* السنة، للإمام محمد بن نصر المروذي المتوفى سنة 294، تحقيق: الدكتور عبد الله بن محمد البصيري، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1422 هـ.

* سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، 1395 هـ.

* سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة 275، تحقيق: محمد عوامة، دار القبلة ومؤسسة الريان والمكتبة المكية، الطبعة الأولى، 1419 هـ، وهذه النسخة هي المعتمدة.

* سنن أبي داود، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس، دار الحديث، حمص، والرجوع إليها عند الحاجة.

* سنن الترمذي "الجامع الكبير"، تحقيق: أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وكمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، والرجوع إليها عند الحاجة.

* سنن الدارقطني، الحافظ علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385، دار إحياء التراث العربي، ببيروت، 1413 هـ.

ص: 1623

* سنن الدارمي، الحافظ عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي المتوفى سنة 255 هـ، تحقيق: فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* السنن الصغير، للإمام أبي بكر البيهقي المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي وأحمد قباني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* السنن الكبرى، للبيهقي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند، تصوير دار المعرفة ببيروت، 1413 هـ.

* السنن المأثورة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204، رواية: أبي جعفر الطحاوي عن خاله المزني عنه، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* سنن النسائي أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب المتوفى سنة 303 هـ، وهي السنن الصغرى، دار الكتاب العربي.

* سنن النسائي الكبرى، تحقيق: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* السنن، لسعيد بن منصور، تحقيق ودراسة: الدكتور سعد بن عبد الله الحميد، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* السنن، للإمام الحافظ سعيد بن منصور الخراساني المتوفى سنة 227 هـ، بتحقيق وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الدار السلفية بالهند.

* سير أعلام النبلاء، للحافظ الذهبي، تحقيق: جماعة مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة، 1409 هـ.

ص: 1624

* شذرات الذهب في أخبار من ذهب، للمؤرخ أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089 هـ، دار الكتب العلمية.

* شرح السنة، للإمام الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 هـ، تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1403 هـ.

* شرح علل الترمذي، للحافظ ابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ، تحقيق: د/ همام عبد الرحيم سعيد، مكتبة المنار بالأردن، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* شرح مشكل الآثار، للإمام أبي جعفر الطحاوي المتوفى سنة 321 هـ، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* شرح معاني الآثار، للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى سنة 321 هـ، تحقيق: محمد زهري النجار ومحمد سعيد جاد الحق، عالم الكتب، الطبعة الأولى المنقحة والمرقمة والمفهرسة، 1414 هـ.

* شعب الإيمان، للبيهقي أحمد بن الحسين المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1410 هـ، والإحالة إلى هذه الطبعة عند الحاجة فقط.

* شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، لتقي الدين الفاسي، مات سنة 832 هـ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة، 1405 هـ.

* الشمائل المحمدية، للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة 279 هـ، تحقيق: محمد عفيف الزعبي، الطبعة الأولى، 1403 هـ.

ص: 1625

* صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1414 هـ.

* صحيح ابن خزيمة، تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1412 هـ.

* صحيح البخاري، الطبعة المصورة عن الطبعة السلطانية، وفيها تقديم للشيخ أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، وإليها الإحالة برقم الجزء والصفحة.

* صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، المطبعة السلفية، الطبعة الأولى، 1400 هـ، وإلى هذه النسخة الإحالة برقم الحديث.

* صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا، وإليها الإحالة برقم الحديث.

* صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430، تحقيق: سعيد اللحام، دار الفكر اللبناني.

* الضعفاء الصغير، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، الطبعة الأولى، 1396 هـ.

* الضعفاء الكبير، للحافظ أبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي، تحقيق: د/ عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى.

* الضعفاء لأبي زرعة الرازي، تحقيق: سعدي الهاشمي، وهو مع كتابه: أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، طبعة الجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1402 هـ.

ص: 1626

* الضعفاء والمتروكون، للحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزي، تحقيق: عبد اللهُ القاضي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* الضعفاء والمتروكين، للحافظ أبي عبد الرحمن النسائي المتوفى سنة 303 هـ، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، الطبعة الأولى، 1396.

* الطبقات الكبرى لابن سعد (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة)، تحقيق: د/ زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الثانية، 1408 هـ.

* الطبقات الكبرى، لابن سعد (الطبقة الخامسة من الصحابة/ قسم متمم)، تحقيق: د/ محمد بن صامل السلمي، مكتبة الصديق، الطائف، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

* الطبقات الكبرى، للحافظ محمد بن سعد البصري المتوفى سنة 230 هـ، طبعة دار صادر، بيروت، تصوير دار الفكر.

* طبقات علماء الحديث، للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الدمشقي المتوفى سنة 744، تحقيق: أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1417 هـ.

* الطبقات، للإمام خليفة بن خياط شباب العصفري المتوفى سنة 240 هـ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، دار طيبة، الطبعة الثانية، 1402 هـ.

ص: 1627

* عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، لابن العربي المالكي، المتوفى سنة 543 هـ، إعداد: الشيخ هشام سمير البخاري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* علل الترمذي الكبير بترتيب أبي طالب القاضي، تحقيق: صبحي السامرائي وأبي المعاطي النووي ومحمود الصعيدي، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

* علل الحديث، لابن أبي حاتم -أيضًا-، القسم الأول، تحقيق ودراسة: د/ عبد الله ابن عبد المحسن التويجري، رسالة دكتوراه لم تنشر.

* علل الحديث، لابن أبي حاتم -أيضًا-، تحقيق: أبي يعقوب نشأت بن كمال المصري، نشرة الفاروق الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1423 هـ.

* علل الحديث، لابن أبي حاتم، القسم الثالث، تحقيق ودراسة: د/ محمد بن تركي التركي، رسالة دكتوراه لم تنشر.

* علل الحديث، لابن أبي حاتم، القسم الثاني، تحقيق ودراسة: د/ ناصر بن محمد العبد الله، رسالة دكتوراه لم تنشر.

* علل الحديث، للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 هـ، طبعة دار المعرفة ببيروت، بعناية محب الدين الخطيب، 1405 هـ.

* العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، إدارة ترجمان السنة.

ص: 1628

* العلل الواردة في الأحاديث النبوية، للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق وتخريج: الدكتور محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة، الطبعة الأولى، 1405 هـ. مع التكملة.

* العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 هـ، رواية المروذي وغيره، تحقيق: الدكتور وصي الله بن محمد عباس، الدار السلفية بالهند، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 341 هـ، رواية ابنه عبد الله، تحقيق وتخريج: الدكتور وصي الله بن محمد عباس، المكتب الإسلامي ودار الخاني بالرياض، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني المتوفى سنة 858، توزيع: دار الباز.

* عمل اليوم والليلة، لأبي بكر بن السني، مات سنة 364 هـ، خرج أحاديثه وعلق عليه: عبد الله حجاج، دار الجيل، بيروت، ومكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1404 هـ.

* عمل اليوم والليلة، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، مات سنة 303 هـ، راجعه وعلق عليه: مركز الخدمات والأبحاث الثقافية/ مؤسسة الكتب الثقافية، دار الكتب العلمية، بيروت.

* العيال، للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا البغدادي المتوفى سنة 281 هـ، تحقيق: د/ نجم عبد الرحمن خلف، دار ابن القيم، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

ص: 1629

* غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1400 هـ.

* غرائب حديث الإمام مالك بن أنس، للحافظ أبي الحسين بن المظفر البزاز المتوفى سنة 379، تحقيق: رضا بن خالد الجزائري، دار السلف، الرياض، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* غريب الحديث، لابن الجوزي، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى سنة 224 هـ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار الكتاب العربي.

* غريب الحديث، للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي المتوفى سنة 285 هـ، تحقيق: د/ سليمان بن إبراهيم العايد، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* غريب الحديث، للإمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة 388 هـ، تحقيق: عبد الكريم بن إبراهيم الغرباوي، وتخريج: عبد القيوم عبد رب النبي، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، 1403 هـ.

* غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة، لأبي القاسم بن بشكوال المتوفى سنة 578 هـ، تحقيق: د/ عز الدين بن علي السعيد وآخرين، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود، لأبي إسحاق الحويني، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

ص: 1630

* الغيلانيات، وهي فوائد أبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي البزاز المتوفى سنة 354 هـ، تخريج: أبي الحسن الدارقطني، تحقيق: د/ مرزوق بن هياس الزهراني، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* الفائق في غريب الحديث، للعلامة جار الله الزمخشري، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1399 هـ.

* فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، طبعة دار الريان للتراث بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن رجب الحنبلي، تحقيق: جماعة في مكتب تحقيق دار الحرمين، الناشر مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* فتح المغيث شرح ألفية الحديث، للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 هـ، تحقيق: الشيخ علي حسين علي، دار الإمام الطبري، الطبعة الثانية، 1412 هـ.

* الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية، لمحمد بن علان المكي المتوفى سنة 1057، دار إحياء التراث العربي.

* فضائل الصحابة، للإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 341 هـ، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1403 هـ.

* فضائل القرآن، لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي المتوفى سنة 301 هـ، تحقيق: يوسف عثمان فضل الله جبريل، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

ص: 1631

* فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224، تحقيق: وهبي سليمان غادجي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* فضائل مكة الواردة في السنة، تأليف: د/ محمد بن عبد الله الغبان، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* فوائد أبي محمد الفاكهي، مات سنة 353 هـ، تحقيق: محمد بن عبد العناني، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* فوائد السمرقندي هي: الفوائد المنتقاة الحسان العوالي من حديث أبي عمرو عثمان بن أحمد بن محمد السمرقندي المتوفى سنة 345 هـ، رواية أبي طاهر الأنباري، تحقيق: د/ محمد بن عبد الكريم بن عبيد، طبعة جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للإمام محمد بن علي الشوكاني، المتوفى سنة 1250، تحقيق وتعليق: العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، مطبعة السنة المحمدية، تصوير: دار الكتب العلمية.

* الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب (المهروانيات)، للشيخ أبي القاسم يوسف بن محمد المهرواني المتوفى سنة 468، تخريج: الخطيب البغدادي، تحقيق: خليل بن محمد العربي، دار الراية، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* الفوائد المنتقاة عن الشيوخ العوالي، لأبي الحسن علي بن عمر الحربي المتوفى سنة 386، تحقيق: تيسير بن سعد أبو حيمد، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

ص: 1632

* الفوائد، لأبي الشيخ الأصبهاني المتوفى سنة 369، تحقيق: علي بن حسن الحلبي، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الفوائد، لأبي عمرو بن منده المتوفى سنة 475، تخريج أبي القاسم بن منده عن أبيه عن شيوخه، الجزء الأول، تحقيق: مسعد عبد الحميد، دار الصحابة للتراث، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الفوائد، لأبي عمرو بن منده، المتوفى سنة 475 هـ، تخريج: أبي القاسم بن منده عن أبيه عن شيوخه، الجزء الأول، تحقيق: مسعد عبد الحميد، دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الفوائد، للإمام الحافظ أبي الشيخ الأصبهاني المتوفى سنة 369، تحقيق: علي ابن حسن الحلبي، دار الصميعي، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الفوائد، للحافظ أبي القاسم تمام بن محمد الرازي المتوفى سنة 141 هـ، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد، الطبعة الثانية، 1414 هـ.

* القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية، 1371 هـ.

* القِرى لقاصد أم القُرى، لمحب الدين الطبري المتوفى سنة 694 هـ، تحقيق: مصطفى السقا، المكتبة العلمية، بيروت.

* الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق: عزت علي عبيد عطية وموسى علي الموشى، دار الكتب الحديثة، الطبعة الأولى، 1392 هـ.

ص: 1633

* الكامل في ضعفاء الرجال، للحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني المتوفى سنة 365 هـ، تحقيق: سهيل زكار، وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1409 هـ.

* كشف الأستار عن زوائد البزار، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة 807 هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1399 - 1405 هـ.

* الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات، لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال المتوفى سنة 929 هـ، تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي، المكتبة الإمدادية، الطبعة الثانية، 1420 هـ.

* اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، لجلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911، دار المعرفة، بيروت.

* لسان الميزان، للحافظ ابن حجر العسقلاني، دار الكتاب الإسلامي.

* المؤتلف والمختلف، للإمام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق: د/ موفق بن عبد الله بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* المتفق والمفترق، للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463، تحقيق: د/ محمد صادق الحامدي، دار القادري، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* المجالسة وجواهر العلم، تصنيف: أبي بكر أحمد بن مروان الدينوري المتوفى سنة 333، تحقيق: مشهور بن حسن بن سلمان، دار ابن حزم، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

ص: 1634

* المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، للإمام محمد بن حبان التميمي البستي المتوفى سنة 354 هـ، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي بحلب، الطبعة الثانية 1402 هـ.

* مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ أبي بكر الهيثمي، دار الريان، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* مجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، للإمام الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني المتوفى سنة 581، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، طبعة جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1406 هـ.

* المحلى، للإمام أبي محمد بن حزم الظاهري المتوفى سنة 456 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث.

* مختصر أحكام "مستخرج الطوسي على جامع الترمذي"، للحافظ أبي علي الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة 312 هـ، تحقيق: أنيس بن أحمد الأندونيسي، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم، تحقيق: عبد الله اللحيدان وسعد الحميد، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* مختصر الكامل في الضعفاء وعلل الحديث لابن عدي، للإمام تقي الدين المقريزي، المتوفى سنة 845 هـ، تحقيق: أيمن عارف الدمشقي، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* مختصر قيام الليل، لمحمد بن نصر المروذي المتوفى سنة 294، اختصره: العلامة أحمد بن علي المقريزي، اهتم بطبعه: عبد الحميد حبيب الله، نشر: حديث أكادي، باكستان، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

ص: 1635

المدخل إلى الصحيح، للحاكم أبي عبد الله النيسابوري المتوفى سنة 405، تحقيق: د/ ربيع بن هادي المدخلي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* المراسيل، للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي المتوفى سنة 327 هـ، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403 هـ.

* المراسيل، للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة 275 هـ، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي المتوفى سنة 739، وهو مختصر معجم البلدان لياقوت الحموي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1373 هـ.

* مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني، رسالة دكتوراه، إعداد: عبد الله بن محمد حسن دمفو، عام 1415 هـ.

* مسائل الإمام أحمد بن حنبل، رواية ابنه صالح المتوفى سنة 266 هـ، تحقيق: د/ فضل الرحمن بن دين محمد، الدار العلمية، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، رواية إسحاق بن منصور الكوسج، تحقيق ودراسة: صالح بن محمد المزيد، الطبعة الأولى 1415 هـ، مطبعة المدني.

ص: 1636

* مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله، زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1408 هـ.

* مسائل الإمام أحمد، لأبي داود، تحقيق: طارق بن عوض بن محمد/ مكتبة ابن تيمية، الطبعة الأولى، 1420 هـ.

* مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني عن الإمام أحمد، تحقيق: فايز أحمد حابس، رسالة دكتوراه لم تطبع.

* المستدرك على الصحيحين، للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

* مسند أبي بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد المتوفى سنة، 235، تحقيق: عادل ابن يوسف الفزاري وآخر، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* مسند أبي داود الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود المتوفى سنة 204، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، دار هجر، الطبعة الأولى، 1420 هـ، والأصل أن جميع الإحالات إلى هذه النسخة، وهي الطبعة المحققة. وأحيانا الرجوع إلى طبعة دائرة المعارف الهندية.

* مسند أبي عوانة الإسفراييني، وهو مستخرجه على صحيح مسلم، الأجزاء: الأول والثاني والرابع والخامس، بمطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند، وصورتها دار الكتبي، وأما الجزء الثالث فهو بتحقيق: أيمن عارف الدمشقي، مكتبة السنة، الطبعة الأولى، 1416 هـ. والرجوع إلى نسخة أيمن عارف الدمشقي، ط. أولى 1419 هـ.

ص: 1637

* مسند أبي يعلى الموصلي الحافظ أحمد بن علي بن المثنى المتوفى سنة 307 هـ، تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1416 هـ.

* مسند إسحاق بن راهويه المروزي المتوفى سنة 238 هـ، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان بالمدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* مسند الإمام أبي حنيفة، تأليف: أبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430، تحقيق: نظر محمد الفاريابي، مكتبة الكوثر، الرياض، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* مسند الإمام أحمد بن حنبل، طبعة دار صادر، تصوير دار الفكر، وإلى هذه النسخة الإحالة برقم الجزء والصفحة.

* مسند الإمام أحمد، تحقيق: جماعة من المحققين، بإشراف: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى مختلفة التاريخ، وإلى هذه النسخة الإحالة برقم الحديث، وهي الطبعة المحققة.

* مسند الإمام الشافعي المتوفى سنة 204 هـ، بترتيب: محمد عابد السندي، تحقيق: يوسف علي الزواوي وعزت العطار، دار الكتب العلمية.

* مسند الإمام الشافعي، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* مسند الحب بن الحب أسامة بن زيد، لأبي القاسم البغوي المتوفى سنة 317، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري حسن بن أمين بن المندورة، دار الضياء، الرياض، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

ص: 1638

* مسند الروياني الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن هارون، تحقيق: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى، 1416 هـ.

* مسند الشاميين، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة 360 هـ، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1413 هـ.

* مسند الشهاب، للقاضي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المتوفى سنة 454 هـ، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ، تحقيق: د/ عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، الطبعة الثانية، 1412 هـ.

* المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم، لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417 هـ.

* مسند الموطأ للحافظ عبد الرحمن بن عبد الله الجوهري المتوفى سنة 381 هـ، تحقيق: لطفي بن محمد الصغير وطه بن علي بوسريح، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1997 م.

* مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وهو قطعة من مسند الإمام يعقوب بن شيبة المتوفى سنة 262، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

ص: 1639

* مسند عائشة رضي الله عنها، لأبي بكر بن أبي داود السجستاني المتوفى سنة 316 هـ، تحقيق الشيخ: عبد الغفور عبد الحق حسين، مكتبة دار الأقصى، الكويت، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* مسند عبد الله بن المبارك المتوفى سنة 181، تحقيق: د: مصطفى عثمان محمد، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* مسند عبد الله بن عمر، لأبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي المتوفى سنة 273، تحقيق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، الطبعة الثانية، 1398 هـ.

* المسند، لأبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي المتوفى سنة 335 هـ، تحقيق: د/ محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

* مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للحافظ الكبير القاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة 544، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* مشيخة ابن البخاري، بقية المسندين علي بن أحمد المقدسي المتوفى سنة 960، تخريج: الحافظ جمال الدين أحمد بن محمد الظاهري الحنفي، تحقيق: د/ عوض عتقي الحازمي، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* مشيخة ابن طهمان، وهو إبراهيم بن طهمان المتوفى سنة 163، تحقيق: الدكتور محمد طاهر مالك، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1403 هـ.

ص: 1640

* المصاحف، لأبي بكر بن أبي داود السجستاني المتوفى سنة 316 هـ، دار الكتب العلمية، 1405 هـ.

* المصنف في الأحاديث والآثار، للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي المتوفى سنة 235 هـ، ضبط كمال يوسف الحوت، دار التاج، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

* المصنف، للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة 211 هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1403 هـ.

* المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، النسخة المسندة، للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852، تحقيق: غنيم بن عباس وياسر بن إبراهيم، دار الوطن، الطبعة الأولى 1418 هـ.

* معالم السنن، للإمام أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي، مات سنة 388 هـ، المكتبة العلمية، الطبعة الثانية، 1401 هـ.

* المعجم الأوسط، للطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، الطبعة الأولى، 1415 هـ.

* معجم الشيوخ، لأبي الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي المتوفى سنة 402 هـ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، مؤسسة الرسالة ودار الإيمان، الطبعة الثانية، 1407 هـ.

* معجم الصحابة، لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع المتوفى سنة 301 هـ، تحقيق: أبي عبد الرحمن صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

ص: 1641

معجم الصحابة، لأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي المتوفى سنة 317، تحقيق: محمد الأمين بن محمد محمود الجنكي، مكتبة دار البيان بالكويت، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* المعجم الصغير، للطبراني، ومعه "الروض الداني"، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي، دار عمار، الطبعة الأولى، 1405 هـ.

* المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.

* المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي المتوفى سنة 371 هـ، تحقيق: د/ زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

* معجم مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا المتوفى سنة 395، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثانية، 1394 هـ.

* المعجم، لابن المقرئ المتوفى سنة 381 هـ، تحقيق: عادل بن سعد، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* المعجم، لأبي سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي المتوفى سنة 341، تحقيق: عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1418 هـ.

* المعجم، للحافظ أبي يعلى الموصلي المتوفى سنة 307 هـ، تحقيق: حسين سليم أسد وآخر، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى، 1410 هـ.

ص: 1642

* معرفة الرجال عن يحيى بن معين، رواية أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، ويسمى: تاريخ ابن محرز، تحقيق: محمد كامل القصار ومحمد مطيع وغزوة بدير، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.

* معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد، للحافظ شمس الدين الذهبي، تحقيق وتعليق: أبي عبد الله سعيداي إدريس، دار المعرفة.

معرفة السنن والآثار، للبيهقي أحمد بن الحسين المتوفى سنة 458 هـ، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* معرفة الصحابة، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، للحافظ شمس الدين أبي عبد الله الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق: بشار عواد وشعيب الأرناؤوط وصالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1404 هـ.

* معرفة علوم الحديث، للإمام الحاكم أبي عبد الله النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ، طبع بعناية د/ معظم حسين، مكتبة طبرية.

* المعلم بفوائد مسلم، للإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازري المتوفى سنة 536، تحقيق: الشيخ محمد الشاذلي النيفر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1412 هـ.

* المغانم المطابة في معالم طابة، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى سنة 817، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1423 هـ.

ص: 1643

* المغني في الضعفاء، للحافظ شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق: نور الدين عتر.

* المغني، لأبي محمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 620، تحقيق: د/ عبد الله التركي ود/ عبد الفتاح الحلو، دار هجر، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، للحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902 هـ، تصحيح: عبد الله بن الصديق الغماري، الطبعة الأولى، 1407 هـ.

* المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي، للحافظ أبي بكر الهيثمي، تحقيق: سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1413 هـ.

* مكارم الأخلاق ومعاليها، لأبي بكر محمد بن حعفر الخرائطي المتوفى سنة 327 هـ تحقيق: سعاد سليمان الخندقاوي، الطبعة الأولى، 1411 هـ.

* مكارم الأخلاق، للإمام الطبراني المتوفى سنة 360 هـ، تحقيق: الدكتور: فاروق حمادة، طبع الرئاسة العامة للإفتاء والبحوث العلمية والدعوة والإرشاد، الطبعة الأولى، 1400 هـ.

* من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال، رواية أبي خالد الدقاق يزيد بن الهيثم ابن طهمان، ويسمى: تاريخ ابن طهمان، تحقيق: أحمد نور سيف، دار المأمون للتراث.

* المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة، المنسوب لأبي إسحاق إبراهيم الحربي، تحقيق: حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة، الطبعة الثانية، 1401 هـ.

ص: 1644

* المناسك، لسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156، تحقيق: الدكتور عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1421 هـ.

* المنتخب من العلل، للخلال، انتخاب: ابن قدامة المقدسي، قطعة منه، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، دار الراية، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* المنتخب من غرائب أحاديث مالك بن أنس، لأبي بكر بن المقرئ الأصبهاني المتوفى سنة 381، تحقيق: رضا بن خالد الجزائري، دار ابن حزم، الرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* المنتخب من مسند عبد بن حميد الإمام الحافظ المتوفى سنة 249 هـ، تحقيق: صبحي السامرائي ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1408 هـ.

* منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، لأحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي، المكتبة الإسلامية ببيروت.

* الموضوعات، لأبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1403 هـ.

* الموطأ، لعبد الله بن وهب، مات سنة 97 اهـ، تحقيق: هشام بن إسماعيل الصيني، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى"، 1420 هـ.

* الموطأ، للإمام مالك برواية سويد بن سعيد الحدثاني المتوفى سنة 240 هـ، تحقيق: عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1414 هـ.

ص: 1645

* الموطأ، للإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية، الطبعة الثانية.

* الموطأ، للإمام مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، الطبعة الثانية، 1413 هـ.

* الموطأ، للإمام مالك، برواية: ابن القاسم، وتلخيص: القابسي، تحقيق: محمد بن علوي المالكي، دار الشروق، الطبعة الثانية، 1458 هـ.

* الموطأ، للإمام مالك، برواية: ابن زياد، تحقيق: الشاذلي النيفر، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1454 هـ.

* الموطأ، للإمام مالك، برواية: أبي مصعب الزهري، المدني المتوفى سنة 242 هـ، تحقيق: د/ بشار عواد معروف ومحمود محمد خليل، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* الموطأ، للإمام مالك، برواية: عبد الله بن مسلمة القعنبي، تحقيق: عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1419 هـ.

* الناسخ والمنسوخ من الحديث، للحافظ أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين المتوفى سنة 385، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1412 هـ.

* النفح الشذي في شرح جامع الترمذي، لأبي الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري، تحقيق: الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1409 هـ.

ص: 1646