المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجهل ونقص العلم سبب في توليد الاختلاف المذموم - أدب الخلاف - ياسر برهامي - جـ ٥

[ياسر برهامي]

الفصل: ‌الجهل ونقص العلم سبب في توليد الاختلاف المذموم

‌الجهل ونقص العلم سبب في توليد الاختلاف المذموم

ومن أعظم أسباب الاختلاف المذموم: نقص العلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله لا ينزع العلم بعد إذ أعطاكموه انتزاعاً ولكن ينتزعه بقبض العلماء، فإذا قبض العلماء اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، متفق عليه.

فلقد كان أول شرك وقع على ظهر الأرض بسبب نقص العلم بموت العلماء، فبدأت البدع في الظهور، كما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:23]، قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا؛ فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت؛ فأنت ترى كيف كان نقص العلم سبباً لظهور البدع العملية أولاً لا الاعتقادية.

يعني: أول بدعة كانت بسبب الجهل، وما كان الناس يعتقدون فيها أي شيء، وكان غرضهم أن تحثهم هذه التماثيل على الاقتداء بالصالحين في عبادة الله عز وجل، فأصلها بدعة عملية، لكن سرعان ما تحولت إلى بدعة اعتقادية، وإلى شرك أكبر والعياذ بالله.

ثم لما زاد النقص بموت جهابذة العلماء؛ لأن هؤلاء أثناء وجودهم لم يكن أحد يقدر أن يظهر هذه الأشياء، ولم تظهر البدع في وجود العلماء؛ فلما مات العلماء وبقي عندهم أنصاف العلماء الذين ليس لديهم كل العلم بدأت البدع العملية لا الاعتقادية؛ لأنهم كانوا يعلمون حقيقة توحيد الله عز وجل، ولم يستطع الشيطان أن يصور لهم أن هؤلاء الصالحين كانوا يعبدون من دون الله، فلذلك نقول: وجود العلماء أولاً منع من ظهور البدع، ووجود تلامذة العلماء كان على الأقل يمنع من فساد العقيدة، ثم بعد ذلك لما نقص العلم بموت تلامذة العلماء ظهرت البدع الكفرية الاعتقادية وظهر الشرك، وأوحى الشيطان إليهم أنهم كانوا يسقون بهم، فبدءوا بالتوسل ثم زاد الأمر إلى أن وقعوا في الشرك، وعبدوا غير الله، ولقد جعل الله الجهل صفة الكفار والمنافقين، قال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} [التوبة:6]، فوصف الكفار بأنهم لا يعلمون، وقال تعالى:{وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8]، وقال:{وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، فقلة الفقه في الدين علامة عدم إرادة الخير، وبالتالي كانت تؤدي إلى ظهور البدع والاختلاف، وكفى بذلك سبباً في ضياع الأمة وظهور البدع.

وقد رأينا كيف كان ظهور البدع والنفاق سبباً لتسلط الأعداء، وقد ظهر هذا جلياً عندما تسلط الصليبيون على الأمة بعد ظهور الدولة الباطنية المسماة بالفاطمية، وتسلطها على كثير من بلاد المسلمين في مصر وأفريقيا والحجاز وأجزاء من الشام، فلم تقم للمسلمين قائمة إلا بعد زوال هذه الدولة الكافرة المنافقة على يدي صلاح الدين مبعوث نور الدين رحمهما الله تعالى.

ونرى كيف كان استفحال خطر الصوفية في الدولة العثمانية حتى حاربت دعوة التوحيد التي قام بها محمد بن عبد الوهاب حتى عاونت العدو الصليبي الأوروبي الحاقد المتربع على أكثر البلاد الإسلامية.

فهم لم ينسوا حربهم مع المسلمين، فأحد قادة الحرب العالمية الأولى من الحلفاء لما دخل دمشق ذهب إلى قبر صلاح الدين وضربه بقدمه وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين ، فهذا دليل على الحقد العظيم الذي يكنونه للإسلام وأهله.

وسبب كل هذا أهل البدع من الصوفية التي كانت تملأ السهل والوادي في ذلك الوقت، وكان ذلك هو السمة الغالبة على المسلمين في ذلك الوقت، فهذا خطر عظيم جداً سببه البدع التي منبعها أصلاً من الجهل، أو وجود زنادقة يحرصون على وجود البدع، ولكن لن توجد إلا مع الجهل.

ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من البدع كسبب من أسباب تفرق الأمة، وأمر بالسنة على طريقة الخلفاء الراشدين، وقال:(إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة).

فقوله: (عضوا عليها بالنواجذ) ، فيه الحذر من البدع؛ لأن كل بدعة ضلالة، وهذه هي القاعدة النبوية السلفية في مواجهة الاختلاف، وهي عقيدة أهل السنة في التمسك بالسنة على طريقة السلف رضوان الله عليهم، وليس العلاج كما يتوهم البعض هو التوقف بين أهل السنة وأهل البدع.

هذا هو منهج الإخوان في حال الاختلاف بين أهل البدع وأهل السنة أتباع السلف، فهو أصلاً يرى التوسط دائماً بين السلفية والصوفية، وبين عقيدة السلف وعقيدة الخلف، وبين السنة وبين الشيعة، وفي كل المسائل حتى بين الإسلام والعلمانية يحاول التوسط بقبول الشعارات الجاهلية على الأقل كالديمقراطية والحرية والمساواة، وأساس العلمانية هو هذه الشعارات، فتجد هذه الشعارات معكوسة أحياناً حينما ينادى بها كشعارات إسلامية، أو يطالب بها الإسلاميون، وهذه من أخطر الشعارات المنحرفة التي تؤدي إلى انحراف المنهج بالفعل، وقبول المنكرات التي تتضمنها هذه الشعارات.

ليس العلاج كما يظن البعض هو التوسط بين أهل السنة وأهل البدعة، ومحاولة التوفيق بين الأقوال المتناقضة والمذاهب المتباينة، أو سكوت كل فريق عن الآخر، يعني: أنت على ما أنت عليه وأنا على ما أنا عليه ، وكل واحد لا يتكلم في الآخر، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

ص: 8