الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم
لقد اقترن اسم «على مبارك» (1824 - 1893 م) فى تاريخ مصر الحديث بالجانب العملى للنهضة والعمران، ومن اللافت للنظر أن إسهاماته فى هذا المضمار كانت بارزة بشكل يثير الإعجاب والتقدير، ولا سيما بعد تولى الخديوى إسماعيل الحكم فى 18 من يناير 1863 م، والذى عهد إلى على مبارك قيادة مشروعه المعمارى العمرانى بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث، بشقّ الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المبانى والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، فضلا عن تعيينه ناظرا على القناطر الخيرية، وكذا تعيينه وكيلا عاما لديوان المدارس، وديوان الأشغال العمومية، وإدارة السكك الحديدية، ونظارة عموم الأوقاف، بالإضافة إلى الإشراف على الاحتفال بافتتاح قناة السويس.
ونظرا لبصماته الواضحة وكفاءته العالية فى كل عمل كان يوكل إليه، فقد تولى على مبارك ثلاث وزارات هى: الأوقاف، والمعارف، والأشغال العمومية.
وبالرغم من تعدد هذه المسئوليات إلا أن ذلك لم يشغله عن التأليف، فترك لنا مؤلفات متنوعة تدل على نبوغه فى ميدان العمل الإصلاحى، والتأليف
…
أهمها: تنوير الأفهام فى تغذى الأجسام، ونخبة الفكر فى تدبير نيل مصر، وعلم الدين، وآثار الإسلام فى المدنية والعمران، فضلا عن موسوعته العظيمة التى بين أيدينا: «الخطط التوفيقية الجديدة لمصر
…
القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة».
ويعد كتاب «الخطط التوفيقية» أطلس متكاملا لمدن مصر على مر العصور، حيث إنه يصف فيه بالتفصيل مدن مصر وقراها من أقدم العصور إلى الوقت الذى اندثرت فيه أو ظلت قائمة حتى عصره، واصفا ما بها من منشآت ومرافق مثل: المساجد والزوايا والأضرحة والأديرة والكنائس، وغير ذلك، ومن ثم فإن هذا الكتاب يخرج من كونه مؤلفا مهما إلى عمل موسوعى ينبض بالحياة بكل ما يتصل بمصر - بصفة عامة والقاهرة خاصة - من تاريخ سياسى واجتماعى واقتصادى، وبما اشتمل عليه مما لا يحصى من تراجم الأعلام فى قديم مصر وحديثها، مما جعل منه محاولة رائدة لكتابة تاريخ مصر وفق المعلومات الحديثة، حيث أضافت هذه الخطط إلى تاريخ مصر فى فرعى التاريخ القديم والحديث مادة علمية جديدة، وقد استفاد المؤلف فى كلا الفرعين من نتائج الكشوف الأثرية التى أجريت فى مصر فى القرن التاسع عشر الميلادى ومما كتبه الأوروبيون عن تاريخ مصر، وحيث إن على باشا مبارك شارك فى تنفيذ بعض المشروعات العمرانية العملاقة، أو عاصرها، فقد جاءت كتاباته عنها غاية فى الدقة، الأمر الذى جعل من هذه الخطط سجلا حافلا لمظاهر الحضارة التى أدخلت فى مصر فى العصر الحديث من توسع زراعى، وصناعى.
وقد نهج المؤلف فى كتابه هذا منهجا علميا، اعتمد فيه على كثير من المصادر والمراجع القديمة والحديثة (العربية وغير العربية)، مكملا وموضحا كثيرا من الأماكن والمعالم التى تغيرت أو اختفت بعد المقريزى، والتى أوردها فى كتابه الشهير «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» ، وفضلا عن ذلك، فقد تميزت الخطط التوفيقية بروح الفحص والنقد والمناقشة، ولم تقع أسيرة التقليد، حيث ناقش على مبارك ونظر فيما بين يديه من معلومات، كما اعتمد على العلوم المساعدة لفهم التاريخ مثل: الوثائق والنميات والآثار والنقوش، وقد استغرق المؤلف فى وصف هذه بضع عشرة سنة حتى فرغ من طباعتها، وقسمها إلى عشرين جزءا مما جعلها دائرة معارف متكاملة من العصر الفاطمى إلى عصر توفيق، حتى قيل عن كاتبها إن لم يكن له من الأعمال سواها لكفته ذكرا باقيا وأثرا شاهدا على عزيمة جبارة وعقل متوهج، وقلم متدفق.
ويسعد مكتبة الأسرة أن تعيد إصدار هذه الموسوعة الضخمة بأجزائها العشرين عن طبعتها الصادرة عام 2004 عن مركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية.