الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4
- 5 - قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} أَي يصدقونك بِمَا جِئْت بِهِ من الله وَمَا جَاءَ بِهِ من قبلك الْمُرْسلين لَا يفرقون بَينهم وَلَا يجحدون مَا جاؤوهم بِهِ من رَبهم {وبالآخرة هم يوقنون} أَي بِالْبَعْثِ وَالْقِيَامَة وَالْجنَّة وَالنَّار والحساب وَالْمِيزَان أَي لَا هَؤُلَاءِ الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم آمنُوا بِمَا كَانَ قبلك ويكفرون بِمَا جَاءَك من رَبك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك} قَالَ: هُوَ الْفرْقَان الَّذِي فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل {وَمَا أنزل من قبلك} أَي الْكتب الَّتِي خلت قبله {أُولَئِكَ على هدى من رَبهم وَأُولَئِكَ هم المفلحون} قَالَ: استحقوا الْهدى والفلاح بِحَق فاحقه الله عَلَيْهِم
وَهَذَا نعت أهل الإِيمان ثمَّ نعت الْمُشْركين فَقَالَ {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم} الْبَقَرَة الْآيَة 6 الْآيَتَيْنِ
فضل الْخمس الْآيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الْمسند وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فجَاء اعرابي فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِن لي أَخا وَبِه وجع قَالَ: وَمَا وَجَعه قَالَ: بِهِ لمَم قَالَ: فائتني بِهِ
فَوَضعه بَين فعوذه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِفَاتِحَة الْكتاب وَأَرْبع آيَات من أوّل سُورَة الْبَقَرَة وَهَاتين الْآيَتَيْنِ {وإلهكم إِلَه وَاحِد} الْبَقَرَة الْآيَة 163 وَآيَة الْكُرْسِيّ وَثَلَاث آيَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة وَآيَة من آل عمرَان (شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ)(آل عمرَان 18) وَآيَة من الْأَعْرَاف (إِن ربكُم الله)(الآعراف الْآيَة 54) وَآخر سُورَة الْمُؤمنِينَ (فتعالى الله الْملك الْحق)(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 116) وَآيَة من سُورَة الْجِنّ (وَأَنه تَعَالَى حد رَبنَا)(الْجِنّ الْآيَة 3) وَعشر آيَات من أول الصافات وَثَلَاث آيَات من آخر سُورَة الْحَشْر و (قل هُوَ الله أحد) و (المعوّذتين) فَقَامَ الرجل كَأَنَّهُ لم يشك قطّ
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن رجل عَن أَبِيه
مثله سَوَاء
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ أَربع آيَات من أول سُورَة الْبَقَرَة وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتين بعد آيَة الْكُرْسِيّ وَثَلَاثًا من آخر سُورَة الْبَقَرَة لم يقربهُ وَلَا أَهله يَوْمئِذٍ شَيْطَان وَلَا شَيْء يكرههُ فِي أَهله وَلَا مَاله وَلَا يقْرَأن على مَجْنُون إلَاّ أَفَاق
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ عشر آيَات من سُورَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة لم يدْخل ذَلِك الْبَيْت شَيْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى يصبح
أَربع من أَولهَا وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا وَثَلَاث خواتيمها
أَولهَا (لله مَا فِي السَّمَوَات)(الْبَقَرَة الْآيَة 284)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْمُغيرَة بَين سبيع وَكَانَ من أَصْحَاب عبد الله قَالَ: من قَرَأَ عشر آيَات من الْبَقَرَة عِنْد مَنَامه لم ينس الْقُرْآن
أَربع آيَات من أَولهَا وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا وَثَلَاث من آخرهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا مَاتَ أحدكُم فَلَا تَحْبِسُوهُ وأسرعوا بِهِ إِلَى قَبره وليقرأ عِنْد رَأسه بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وَعند رجلَيْهِ بخاتمة سُورَة الْبَقَرَة فِي قَبره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج قَالَ: قَالَ لي أبي: يَا بني إِذا وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: بِسم الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله
ثمَّ سنّ عَليّ التُّرَاب سنا ثمَّ اقْرَأ عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها
فَأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ذَلِك
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه من طَرِيق مُحَمَّد بن عَليّ المطلبي عَن خطاب بن سِنَان عَن قيس بن الرّبيع عَن ثَابت بن مَيْمُون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: نزلنَا يسيري فَأَتَانَا أهل ذَلِك الْمنزل فَقَالُوا: ارحلوا فانه لم ينزل عندنَا هَذَا الْمنزل أحد إِلَّا اتخذ مَتَاعه فَرَحل أَصْحَابِي وَتَخَلَّفت للْحَدِيث الَّذِي حَدثنِي ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَرَأَ فِي لَيْلَة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ آيَة لم يضرّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة سبع ضار وَلَا لص
طَار وعوفي فِي نَفسه وَأَهله وَمَاله حَتَّى يصبح
فَلَمَّا أمسينا حَتَّى رَأَيْتهمْ قد جَاءُوا أَكثر من ثَلَاثِينَ مرّة مخترطين سيوفهم فَمَا يصلونَ إِلَيّ فَلَمَّا أَصبَحت رحلت فلقيني شيخ مِنْهُم فَقَالَ: يَا هَذَا إنسي أم جني قلت: بل إنسي قَالَ: فَمَا بالك
لقد أَتَيْنَاك أَكثر من سبعين مرّة كل ذَلِك يُحَال بَيْننَا وَبَيْنك بسور من حَدِيد
فَذكرت لَهُ الحَدِيث وَالثَّلَاث وَثَلَاثُونَ آيَة أَربع آيَات من أول الْبَقَرَة إِلَى قَوْله {المفلحون} وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا إِلَى قَوْله (خَالدُونَ)(الْبَقَرَة الْآيَة 257) وَالثَّلَاث آيَات من آخر الْبَقَرَة (لله مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض)(الْبَقَرَة الْآيَة 284) وَثَلَاث آيَات من الْأَعْرَاف (إِن ربكُم الله) إِلَى قَوْله (من الْمُحْسِنِينَ)(الْأَعْرَاف الْآيَة 54 - 57) وَآخر بني إِسْرَائِيل (قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن)(الإِسراء الْآيَة 110) إِلَى آخرهَا وَعشر آيَات من أول الصافات إِلَى قَوْله (لَا زب) وآيتان من الرَّحْمَن (يَا معشر الْجِنّ والإِنس) إِلَى قَوْله (فَلَا تنتصران)(الرَّحْمَن الْآيَة 33 - 34) وَمن آخر الْحَشْر (لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل)(الْحَشْر الْآيَة 21) إِلَى آخر السُّورَة وآيتان من (قل أُوحِي إِلَيّ) إِلَى (وَأَنه تَعَالَى جد رَبنَا مَا اتخذ صَاحِبَة) إِلَى قَوْله (شططا)(الْجِنّ الْآيَة 1 - 4)
فَذكرت هَذَا الحَدِيث لشعيب بن حَرْب فَقَالَ لي: كُنَّا نسميها آيَات الْحَرْب وَيُقَال: إِن فِيهَا شِفَاء من كل دَاء
فعدّ عليّ الْجُنُون والجذام والبرص وَغير ذَلِك
قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ: فقرأتها على شيخ لنا قد فلج حَتَّى أذهب اللله عَنهُ ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ عشر من سُورَة الْبَقَرَة أوّل النَّهَار لَا يقربهُ شَيْطَان حَتَّى يُمْسِي وَإِن قَرَأَهَا حِين يُمْسِي لم يقربهُ حَتَّى يصبح وَلَا يرى شَيْئا يكرههُ فِي أَهله وَمَاله وَإِن قَرَأَهَا على مَجْنُون أَفَاق
أَربع آيَات من أوّلها وَآيَة الْكُرْسِيّ وآيتان بعْدهَا وَثَلَاث آيَات من آخرهَا
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أبصرهم غشاوة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم
أخرج ابْن جريج وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} وَنَحْو هَذَا من الْقُرْآن قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أَن يُؤمن جَمِيع النَّاس ويتابعوه على الْهدى فَأخْبرهُ الله أَنه لايؤمن إِلَّا من سبق لَهُ من الله السَّعَادَة فِي الذّكر الأوّل وَلَا يضل إِلَّا من سبق لَهُ من الله الشَّقَاء فِي الذّكر الأول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قيل يَا رَسُول الله أَنا تقْرَأ من الْقُرْآن فنرجو ونقرأ فنكاد نيأس فَقَالَ: أَلا أخْبركُم عَن أهل الْجنَّة وَأهل النَّار قَالُوا: بلَى يَا رَسُول اله (الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ هدى لِلْمُتقين) إِلَى قَوْله (المفلحون) هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة قَالُوا: إِنَّا نرجو أَن نَكُون هَؤُلَاءِ
ثمَّ قَالَ: {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم} إِلَى قَوْله {عَظِيم} هَؤُلَاءِ أهل النَّار
قُلْنَا لسنا هم يَا رَسُول الله قَالَ: أجل
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا} أَي بِمَا أنزل إِلَيْك وَإِن قَالُوا إِنَّا قد آمنا بِمَا جَاءَ من قبلك {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} أَي أَنهم قد كفرُوا بِمَا عِنْدهم من ذكرك وجحدوا مَا أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق لَك فقد كفرُوا بِمَا جَاءَك وَبِمَا عِنْدهم مِمَّا جَاءَهُم بِهِ غَيْرك فَكيف يسمعُونَ مِنْك إنذاراً وتخويفاً وَقد كفرُوا بِمَا عِنْدهم من نعتك {ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة} أَي عَن الْهدى أَن يصيبوه أبدا بِغَيْر مَا كذبُوا بِهِ من الْحق الَّذِي جَاءَك من رَبك حَتَّى يُؤمنُوا بِهِ وَإِن آمنُوا بِكُل مَا كَانَ قبلك وَلَهُم بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من خِلافك {عَذَاب عَظِيم} فَهَذَا فِي الْأَحْبَار من يهود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا}
قَالَ: نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي قادة الْأَحْزَاب وهم الَّذين ذكرهم فِي هَذِه الْآيَة (ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا)(إِبْرَاهِيم الْآيَة 28) قَالَ: فهم الَّذين قتلوا يَوْم بدر وَلم يدْخل من القادة أحد فِي الإِسلام إِلَّا رجلَانِ
أَبُو سُفْيَان وَالْحكم بن أبي الْعَاصِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} قَالَ: وعظتهم أم لم تعظهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} قَالَ: أطاعوا الشَّيْطَان فاستحوذ عَلَيْهِم فختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة فهم لَا يبصرون هدى وَلَا يسمعُونَ وَلَا يفقهُونَ وَلَا يعْقلُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الْخَتْم على قُلُوبهم وعَلى سمعهم والغشاوة على أَبْصَارهم
وَأخرج ابْن جريج عَن ابْن مَسْعُود قَالَ {ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم} فَلَا يعْقلُونَ وَلَا يسمعُونَ وَجعل على أَبْصَارهم يَقُول: أَعينهم {غشاوة} فَلَا يبصرون
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الأرزق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {ختم الله على قُلُوبهم} قَالَ: طبع الله عَلَيْهَا قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: وصهباء طَاف يهود بهَا فابرزها وَعَلَيْهَا ختم وَأخرج سعيد بن منصورعن الْحسن وَأبي رَجَاء قَرَأَ أَحدهمَا {غشاوة} وَالْآخر / غشوة /
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين} يَعْنِي الْمُنَافِقين من الْأَوْس والخزرج وَمن كَانَ على أَمرهم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
أَن سُورَة الْبَقَرَة إِلَى الْمِائَة مِنْهَا هِيَ رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أَحْبَار يهود وَمن الْمُنَافِقين من الْأَوْس والخزرج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين} قَالَ: المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة المُنَافِقُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر} حَتَّى بلغ {وَمَا كَانُوا مهتدين} قَالَ: هَذِه فِي الْمُنَافِقين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه} الْآيَة
قَالَ: هَذَا نعت الْمُنَافِق نعت عبدا خائن السريرة كثير الأخلاف يعرف بِلِسَانِهِ وينكر بِقَلْبِه وَيصدق بِلِسَانِهِ وَيُخَالف بِعَمَلِهِ وَيُصْبِح على حَال ويمسي على غَيره ويتكفأ تكفؤ السَّفِينَة كلما هبت ريح هَب فِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: لم يكن عِنْدهم أخوف من هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن عَتيق قَالَ: كَانَ مُحَمَّد يَتْلُو هَذِه الْآيَة عِنْد ذكر الْحجَّاج وَيَقُول: أَنا لغير ذَلِك أخوف {وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه وباليوم الآخر وَمَا هم بمؤمنين}
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي يحيى قَالَ سَأَلَ رجل حُذَيْفَة وَأَنا عِنْده فَقَالَ: وَمَا النِّفَاق قَالَ: أَن تَتَكَلَّم بِاللِّسَانِ وَلَا تعْمل بِهِ
قَوْله تَعَالَى: يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ أخرج أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده بِسَنَد ضَعِيف عَن رجل من الصَّحَابَة
أَن قَائِلا من السلمين قَالَ: يَا رَسُول الله مَا النجَاة غَدا قَالَ: لَا تخدع الله قَالَ وَكَيف نخادع الله قَالَ أَن تعْمل بِمَا أَمرك بِهِ تُرِيدُ بِهِ غَيره فَاتَّقُوا الرِّيَاء فَإِنَّهُ الشّرك بِاللَّه فَإِن الْمرَائِي يُنَادي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة على رُؤُوس الْخَلَائق بأَرْبعَة أَسمَاء
يَا كَافِر يَا فَاجر يَا خاسر يَا غادر
ضل عَمَلك وَبَطل أجرك فَلَا خلاق لَك الْيَوْم عِنْد الله فالتمس أجرك
مِمَّن كنت تعْمل لَهُ يَا مخادع وَقَرَأَ من الْقُرْآن (فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا)(الْكَهْف الْآيَة 110) الْآيَة (وَإِن الْمُنَافِقين يخادعون الله)(النِّسَاء الْآيَة 142) الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يخادعون الله} قَالَ: يظهرون لَا إِلَه إِلَّا الله يُرِيدُونَ أَن يحرزوا بذلك دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَفِي أنفسهم غير ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن وهب قَالَ: سَأَلت ابْن زيد عَن قَوْله {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا} قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ يخادعون الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا أَنهم يُؤمنُونَ بِمَا أظهروه
وَعَن قَوْله {وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم وَمَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: مَا يَشْعُرُونَ بِأَنَّهُم ضروا أنفسهم بِمَا أَسرُّوا من الْكفْر والنفاق ثمَّ قَرَأَ (يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا) قَالَ هم المُنَافِقُونَ حَتَّى بلغ قَوْله {وَيَحْسبُونَ أَنهم على شَيْء} المجادلة الْآيَة 18
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن قيس بن سعد قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَكْر والخديعة فِي النَّار لَكُنْت أمكر هَذِه الْأمة
قَوْله تَعَالَى: فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم الله مَرضا وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مرض} قَالَ: شكّ {فَزَادَهُم الله مَرضا} أَي قَالَ: شكا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: النِّفَاق {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} قَالَ: نكال موجع {بِمَا كَانُوا يكذبُون} قَالَ: يبدلون ويحرّفون
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: النِّفَاق قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: أجامل أَقْوَامًا حَيَاء وَقد أرى صدروهم تغلي عليّ مراضها قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} قَالَ {الْأَلِيم} الموجع قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: نَام من كَانَ خلياً من ألم وَبقيت اللَّيْل طولا لم أنم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {أَلِيم} فَهُوَ الموجع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ {الْأَلِيم} الموجع فِي الْقُرْآن كُله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مرض} قَالَ: رِيبَة وَشك فِي أَمر الله {فَزَادَهُم الله مَرضا} قَالَ: رِيبَة وشكا {وَلَهُم عَذَاب أَلِيم بِمَا كَانُوا يكذبُون} قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْكذب فَإِنَّهُ من بَاب النِّفَاق وَإِنَّا وَالله مَا رَأينَا عملا قطّ أسْرع فِي فَسَاد قلب عبد من كبر أَو كذب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: هَذَا مرض فِي الدّين وَلَيْسَ مَرضا فِي الأجساد
وهم المُنَافِقُونَ والْمَرَض الشَّك الَّذِي دخل فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل النِّفَاق
وَالْمَرَض فِي قلبوهم الشَّك فِي أَمر الله عز وجل {فَزَادَهُم الله مَرضا} قَالَ: شكا
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْعَذَاب الْأَلِيم
هم الموجع وكل شَيْء فِي الْقُرْآن من {الْأَلِيم} فَهُوَ الموجع
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون أَلا إِنَّهُم هم المفسدون وَلَكِن لايشعرون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} قَالَ: الْفساد هُوَ الْكفْر وَالْعَمَل بالمعصية
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون} قَالَ: إِذا ركبُوا مَعْصِيّة فَقيل لَهُم لَا تَفعلُوا كَذَا قَالُوا إِنَّمَا نَحن على الْهدى
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا نَحن مصلحون} أَي إِنَّمَا نُرِيد الإِصلاح بَين الْفَرِيقَيْنِ من الْمُؤمنِينَ وَأهل الْكتاب
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عباد بن عبد الله الْأَسدي قَالَ: قَرَأَ سلمَان هَذِه الْآيَة {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض قَالُوا إِنَّمَا نَحن مصلحون} قَالَ: لم يجىء أهل هَذِه الْآيَة بعد
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا كَمَا آمن النَّاس قَالُوا أنؤمن كَمَا آمن السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء وَلَكِن لَا يعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا كَمَا آمن النَّاس} قَالَ: صدقُوا كَمَا صدق أَصْحَاب مُحَمَّد أَنه نَبِي وَرَسُول وَأَن مَا أنزل عَلَيْهِ حق {قَالُوا أنؤمن كَمَا آمن السُّفَهَاء} يعنون أَصْحَاب مُحَمَّد {أَلا إِنَّهُم هم السُّفَهَاء} يَقُول: الْجُهَّال (وَلَكِن لَا يعلمُونَ) يَقُول: لَا يعْقلُونَ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله آمنُوا كَمَا من النَّاس قَالَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {كَمَا آمن السُّفَهَاء} قَالَ: يعنون أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَأخرج عَن الرّبيع وَابْن زيد مثله
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ إِنَّمَا نَحن مستهزءون الله يستهزىء بهم ويمدهم فِي طغيانهم يعمهون
أخرج الواحدي والثعلبي بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه وَذَلِكَ أَنهم خَرجُوا ذَات يَوْم فَاسْتَقْبَلَهُمْ نفر من أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالَ عبد الله بن أبي: انْظُرُوا كَيفَ أرد هَؤُلَاءِ السُّفَهَاء عَنْكُم فَذهب فَأخذ بيد أبي بكر فَقَالَ: مرْحَبًا بِالصديقِ سيد بني تَمِيم وَشَيخ الإِسلام وَثَانِي رَسُول الله فِي الْغَار الْبَاذِل نَفسه وَمَاله لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم
ثمَّ أَخذ بيد عمر فَقَالَ: مرْحَبًا بِسَيِّد عدي بن كَعْب الْفَارُوق الْقوي فِي دين الله الْبَاذِل نَفسه وَمَاله لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم
ثمَّ أَخذ بيد عَليّ وَقَالَ: مرْحَبًا بِابْن عَم رَسُول الله وَخَتنه سيد بني هَاشم مَا خلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
ثمَّ افْتَرَقُوا فَقَالَ عبد الله لأَصْحَابه: كَيفَ رَأَيْتُمُونِي فعلت فَإِذا رأيتموهم فافعلوا كَمَا فعلت فاثنوا عَلَيْهِ خيرا
فَرجع الْمُسلمُونَ إِلَى النَّبِي وَأَخْبرُوهُ بذلك فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: كَانَ رجال من الْيَهُود إِذا لقوا أَصْحَاب النَّبِي أَو بَعضهم قَالُوا: إِنَّا على دينكُمْ {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} وهم إخْوَانهمْ {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} أَي على مثل مَا أَنْتُم عَلَيْهِ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} قَالَ: ساخرون بأصحاب مُحَمَّد {الله يستهزئ بهم} قَالَ: يسخر بهم للنقمة مِنْهُم {ويمدهم فِي طغيانهم} قَالَ: فِي كفرهم {يعمهون} قَالَ يَتَرَدَّدُونَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} وهم مُنَافِقُو أهل الْكتاب فَذكرهمْ وَذكر استهزاءهم وَأَنَّهُمْ {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} على دينكُمْ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} بأصحاب مُحَمَّد
يَقُول الله {الله يستهزئ بهم} فِي الْآخِرَة يفتح لَهُم بَابا فِي جَهَنَّم من الْجنَّة ثمَّ يُقَال لَهُم: تَعَالَوْا فيقبلون يسبحون فِي النَّار والمؤمنون على الأرائك وَهِي السرر فِي الحجال ينظرُونَ إِلَيْهِم فَإِذا انْتَهوا إِلَى الْبَاب سد عَنْهُم فَضَحِك الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُم فَذَلِك قَول الله {الله يستهزئ بهم} فِي الْآخِرَة ويضحك الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُم حِين غلقت دونهم الْأَبْوَاب
فَذَلِك قَوْله (فاليوم ذالذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ)(المطففون الْآيَة 34)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} أَي صَاحبكُم رَسُول الله وَلكنه إِلَيْكُم خَاصَّة {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} من يهود الَّذين يأمرونهم بالتكذيب {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} أَي إِنَّا على مثل مَا أَنْتُم عَلَيْهِ {إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} أَي إِنَّمَا نَحن مستهزئون بالقوم وَنَلْعَب بهم
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْيَمَانِيّ أَنه قَرَأَ / وَإِذا لاقوا الَّذين آمنُوا /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَإِذا خلوا} قَالَ: مضوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} قَالَ: رؤوسهم فِي الْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} قَالَ: أَصْحَابهم من الْمُنَافِقين وَالْمُشْرِكين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} قَالَ: إِلَى إخْوَانهمْ من الْمُشْركين ورؤوسهم وَقَادَتهمْ فِي الشَّرّ {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ إِنَّمَا نَحن مستهزؤون} يَقُولُونَ: إِنَّمَا نسخر من هَؤُلَاءِ الْقَوْم ونستهزىء بهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله {الله يستهزئ بهم} قَالَ: يُقَال: لأهل النَّار وهم فِي النَّار اخْرُجُوا وتُفْتَحُ لَهُم أَبْوَاب النَّار فَإِذا رأوها قد فتحت أَقبلُوا إِلَيْهَا يُرِيدُونَ الْخُرُوج والمؤمنون ينظرُونَ إِلَيْهِم على الأرائك فَإِذا انْتَهوا إِلَى أَبْوَابهَا غلقت دونهم
فَذَلِك قَوْله {الله يستهزئ بهم} ويضحك عَلَيْهِم الْمُؤْمِنُونَ حِين غلقت دونهم
ذَلِك قَوْله فاليوم الَّذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ على الأرائك ينظرُونَ) (المطففون الْآيَة 34 - 35) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود ي قَوْله {ويمدهم} قَالَ: يملي لَهُم {فِي طغيانهم يعمهون} قَالَ: فِي كفرهم يتمادون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يعمهون} قَالَ: يتمادون
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {يعمهون} قَالَ: يَلْعَبُونَ ويترددون
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: أَرَانِي قد عمهت وشاب رَأْسِي وَهَذَا اللّعب شين بالكبير وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويمدهم} قَالَ: يزيدهم {فِي طغيانهم يعمهون} قَالَ: يَلْعَبُونَ ويترددون فِي الضَّلَالَة
قَوْله تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ وَمَا كَانُوا مهتدين
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} قَالَ: الْكفْر بالإِيمان
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} قَالَ: أخذُوا الضَّلَالَة تركُوا الْهدى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} قَالَ: آمنُوا ثمَّ كفرُوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} قَالَ: استحبوا الضلال على الْهدى {فَمَا ربحت تِجَارَتهمْ} قَالَ: قد وَالله رَأَيْتُمْ خَرجُوا من الْهدى إِلَى الضَّلَالَة وَمن الْجَمَاعَة إِلَى الْفرْقَة وَمن الْأَمْن إِلَى الْخَوْف وَمن السّنة إِلَى الْبِدْعَة
قَوْله تَعَالَى: مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا فَلَمَّا أَضَاءَت مَا حوله ذهب الله بنورهم وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون صم بكم عمي فهم لَا يرجعُونَ أَو كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات ورعد وبرق يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر الْمَوْت وَالله مُحِيط بالكافرين يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا ولوشاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم أَن الله على كل شَيْء قدير
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} الْآيَة
قَالَ: هَذَا ضربه الله لِلْمُنَافِقين كَانُوا يعتزون بِالْإِسْلَامِ فيناكحم الْمُسلمُونَ ويوارثوهم ويقاسمونهم الْفَيْء
فَلَمَّا مَاتُوا سلبم الله الْعِزّ كَمَا سلب صَاحب النَّار ضوءه {وتركهم فِي ظلمات} يَقُول فِي عَذَاب {صم بكم عمي} لَا يسمعُونَ الْهدى ولايبصرونه وَلَا يعقلونه {أَو كصيب} هُوَ الْمَطَر
ضرب مثله فِي الْقُرْآن {فِيهِ ظلمات} يَقُول: ابتلاء {ورعد وبرق} تخويف {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم} يَقُول: يكَاد مُحكم الْقُرْآن يدل على عورات الْمُنَافِقين {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ} يَقُول: كلما أصَاب المُنَافِقُونَ من الإِسلام اطمأنوا فَإِن أصَاب الإِسلام نكبة قَامُوا ليرجعوا إِلَى الْكفْر كَقَوْلِه (وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف
) (الْحَج الْآيَة 11) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} الْآيَة
قَالَ: إِن نَاس دخلُوا فِي الإِسلام مقدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة ثمَّ نافقوا فَكَانَ مثلهم كَمثل رجل كَانَ فِي ظلمَة فأوقدا نَارا {أَضَاءَت مَا حوله} من قذى أَو أَذَى فَأَبْصَرَهُ حَتَّى عرف مَا يَتَّقِي
فَبينا هُوَ كَذَلِك إِذْ طفئت ناره فَأقبل لَا يدْرِي مَا يَتَّقِي من أَذَى فَكَذَلِك الْمُنَافِق كَانَ فِي ظلمَة الشّرك فَأسلم فَعرف الْحَلَال من الْحَرَام وَالْخَيْر من الشَّرّ بَينا هُوَ كَذَلِك إِذْ كفر فَصَارَ لايعرف الْحَلَال من الْحَرَام وَلَا الْخَيْر من الشَّرّ فهم {صم بكم} فهم الخرس {فهم لَا يرجعُونَ} إِلَى الإِسلام
وَفِي قَوْله {أَو كصيب} الْآيَة
قَالَ: كَانَ رجلَانِ من الْمُنَافِقين من أهل الْمَدِينَة هربا من رَسُول الله إِلَى الْمُشْركين فَأَصَابَهُمَا هَذَا الْمَطَر الَّذِي ذكر الله
فِيهِ رعد شَدِيد وصواعق وبرق فَجعلَا كلما أصابتهما الصَّوَاعِق يجعلان أصابعهما فِي آذانهما من الْفرق أَن تدخل الصَّوَاعِق فِي مسامعهما فتقتلهما وَإِذا لمع الْبَرْق مشيا فِي ضوئه وَإِذا لم يلمع لم يبصرا
قاما مكانهما لَا يمشيان فَجعلَا يَقُولَانِ
ليتنا قد أَصْبَحْنَا فنأتي مُحَمَّد فنضع أَيْدِينَا فِي يَده فأصبحا فَأتيَاهُ فَأَسْلمَا ووضعا أَيْدِيهِمَا فِي يَده وَحسن إسلامهما
فَضرب الله شَأْن هذَيْن الْمُنَافِقين الخارجين مثلا لِلْمُنَافِقين الَّذين بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ المُنَافِقُونَ إِذا حَضَرُوا مجْلِس النَّبِي صلى الله عليه وسلم جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم فرقا من كَلَام
النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن ينزل فيهم شَيْء أَو يذكر بِشَيْء فيقتلوا كَمَا كَانَ ذَانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما فِي آذانهما {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ} فَإِذا كثرت أَمْوَالهم وولدهم وَأَصَابُوا غنيمَة وفتحاً {مَشوا فِيهِ} وَقَالُوا: إِن دين مُحَمَّد حِينَئِذٍ صدق: واستقاموا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ ذَانك المنافقان يمشيان إِذا أَضَاء بهما الْبَرْق {وَإِذا أظلم عَلَيْهِم قَامُوا} فَكَانُوا إِذا هَلَكت أَمْوَالهم وولدهم وأصابهم الْبلَاء قَالُوا هَذَا من أجل دين مُحَمَّد وَارْتَدوا كفَّارًا كَمَا كَانَ ذَانك المنافقان حِين أظلم الْبَرْق عَلَيْهِمَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَمثل الَّذِي استوقد} قَالَ: ضربه الله مثلا لِلْمُنَافِقِ
وَقَوله {ذهب الله بنورهم} أما {النُّور} فَهُوَ إِيمَانهم الَّذِي يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَأما الظلمَة فَهِيَ ضلالهم وكفرهم
وَفِي قَوْله {أَو كصيب} الْآيَة
قَالَ الصيب الْمَطَر
وَهُوَ مثل الْمُنَافِق فِي ضوء مَا تكلم بِمَا مَعَه من كتاب الله وَعمل مراءاة للنَّاس فَإِذا خلا وَحده عمل بِغَيْرِهِ فَهُوَ فِي ظلمَة مَا أَقَامَ على ذَلِك وَأما {الظُّلُمَات} فالضلالة وَأما {الْبَرْق} فالإِيمان
وهم أهل الْكتاب {وَإِذا أظلم عَلَيْهِم} فَهُوَ رجل يَأْخُذ بِطرف الْحق لَا يَسْتَطِيع أَن يُجَاوِزهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مثلهم} الْآيَة
قَالَ: ضرب الله مثلا لِلْمُنَافِقين يبصرون الْحق وَيَقُولُونَ بِهِ حَتَّى إِذا خَرجُوا من ظلمَة الْكفْر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فتركهم فِي ظلمات الْكفْر لَا يبصرون هدى وَلَا يستقيمون على حق {صم بكم عمي} عَن الْخَيْر {فهم لَا يرجعُونَ} إِلَى هدى وَلَا إِلَى خير
وَفِي قَوْله {أَو كصيب} الْآيَة
يَقُول: هم من ظلمات ماهم فِيهِ من الْكفْر والحذر من الْقَتْل على الَّذِي هم عَلَيْهِ من الْخلاف والتخويف مِنْكُم على مثل مَا وصف من الَّذِي هم فِي ظلمَة الصيب فَجعل أَصَابِعه فِي أُذُنَيْهِ من الصَّوَاعِق {حذر الْمَوْت وَالله مُحِيط بالكافرين} منزل ذَلِك بهم من النقمَة {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم} أَي لشدَّة ضوء الْحق {كلما أَضَاء لَهُم مَشوا فِيهِ} أَي يعْرفُونَ الْحق ويتكلمون بِهِ فهم من قَوْلهم بِهِ على استقامة فَإِذا ارتكسوا مِنْهُ إِلَى الْكفْر {قَامُوا} أَي متحيرين {وَلَو شَاءَ الله لذهب بسمعهم} أَي لما سمعُوا تركُوا من الْحق بعد مَعْرفَته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا}
قَالَ: أما إضاءة النَّار فإقبالهم إِلَى الْمُؤمنِينَ وَالْهدى وَذَهَاب نورهم إقبالهم إِلَى الْكَافرين والضلالة وإضاءة الْبَرْق على نَحْو الْمثل {وَالله مُحِيط بالكافرين} قَالَ: جامعهم فِي جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مثلهم كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لِلْمُنَافِقين
إِن الْمُنَافِق تكلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله فناكح بهَا الْمُسلمين ووارث بهَا الْمُسلمين وغازى بهَا الْمُسلمين وحقن بهَا دَمه وَمَاله
فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْمَوْت لم يكن لَهَا أصل فِي قلبه وَلَا حَقِيقَة فِي عمله فسلبها الْمُنَافِق عِنْد الْمَوْت فَترك فِي ظلمات وعمى يتسكع فِيهَا
كَمَا كَانَ أعمى فِي الدُّنْيَا عَن حق الله وطاعته صم عَن الْحق فَلَا يبصرونه {فهم لَا يرجعُونَ} عَن ضلالتهم وَلَا يتوبون وَلَا يتذكرون {أَو كصيب من السَّمَاء فِيهِ ظلمات ورعد وبرق يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر الْمَوْت} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لِلْمُنَافِقِ لجنبه لَا يسمع صَوتا إِلَّا ظن أَنه قد أُتِي وَلَا يسمع صياحاً إِلَّا ظن أَنه قد أُتِي وَلَا يسمع صياحاً إِلَّا ظن أَنه ميت
أجبن قوم وأخذله للحق
وَقَالَ الله فِي آيَة أُخْرَى (يحسبون كل صَيْحَة عَلَيْهِم)(المُنَافِقُونَ الْآيَة 4){يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم} الْآيَة
قَالَ {الْبَرْق} هُوَ الإِسلام والظلمَة هُوَ الْبلَاء والفتنة
فَإِذا رأى الْمُنَافِق من الإِسلام طمأنينة وعافية ورخاء وسلوة من عَيْش {قَالُوا إِنَّا مَعكُمْ} ومنكم وَإِذا رأى من الإِسلام شدَّة وبلاء فقحقح عِنْد الشدَّة فَلَا يصبر لبلائها وَلم يحْتَسب أجرهَا وَلم يرج عَاقبَتهَا
إِنَّمَا هُوَ صَاحب دنيا لَهَا يغْضب وَلها يرضى وو كَمَا هُوَ نَعته الله
واخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو كصيب من السَّمَاء} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالربيع وَعَطَاء
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا الصيب من هَهُنَا
وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يكَاد الْبَرْق}
قَالَ: يلتمع {يخطف أَبْصَارهم} وَلما يخطف
وكل شَيْء فِي الْقُرْآن يكَاد وأكاد وكادوا فَإِنَّهُ لَا يكون أبدا
وَأخرج وَكِيع عَن الْمُبَارك بن فضَالة قَالَ: سَمِعت الْحُسَيْن يقْرؤهَا {يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم}
قَوْله تَعَالَى: يَا آيها النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون
أخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا كَانَ (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا) أنزل بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ {يَا أَيهَا النَّاس} فبمكة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَرَأنَا الْمفصل وَنحن بِمَكَّة حجيجاً لَيْسَ فِيهَا (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي التَّفْسِير عَن عَلْقَمَة قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا النَّاس} فَهُوَ مكي وكل شَيْء فِي الْقُرْآن (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا) فَإِنَّهُ مدنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضحاكمثله
وَأخرج أَبُو عبيد عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: ماكان فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا النَّاس} ويابني آدم فَإِنَّهُ مكي وَمَا كَانَ (ياأيها الَّذين آمنُوا) فَإِنَّهُ مدنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ: ماكان (ياأيها النَّاس) بمكه وماكان (ياأيها الَّذين آمنُوا) بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ: مَا كَانَ من حج أَو فَرِيضَة فَإِنَّهُ نزل بِالْمَدِينَةِ أَو حد أَو جِهَاد فَإِنَّهُ نزل بِالْمَدِينَةِ
وَمَا كَانَ من ذكر الْأُمَم والقرون وَضرب الْأَمْثَال فَإِنَّهُ نزل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن أَي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: كل سُورَة فِيهَا (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا) فَهِيَ مدنيه
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فيقوله {يَا أَيهَا النَّاس} فَهِيَ لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا من الْكفَّار وَالْمُؤمنِينَ {اعبدوا} قَالَ: وحدوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ} يَقُول: خَلقكُم وَخلق الَّذين من قبلكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَوْله {لَعَلَّكُمْ} يَعْنِي كي غير آيَة فِي الشُّعَرَاء (لَعَلَّكُمْ تخلدون)(الشُّعَرَاء 129) يَعْنِي كأنكم تخلدون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عون بن عبد الله بن غنية قَالَ {لَعَلَّ} من الله وَاجِب
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} قَالَ: تطعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} قَالَ: تَتَّقُون النَّار
قَوْله تَعَالَى: الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً وَأَنْتُم تعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {الَّذِي جعل لكم الأَرْض فراشا} قَالَ: هِيَ فرَاش يمشي عَلَيْهَا وَهِي المهاد والقرار {وَالسَّمَاء بِنَاء} قَالَ بنى السَّمَاء على الأَرْض كَهَيئَةِ الْقبَّة وَهِي سقف على الأَرْض
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جُبَير بن مطعم قَالَ جَاءَ اعرابي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله جهدت الْأَنْفس وضاعت الْعِيَال ونهكت الْأَمْوَال وَهَلَكت الْمَوَاشِي
استسق لنا رَبك فَإنَّا نستشفع بِاللَّه عَلَيْك وَبِك على الله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ الله فَمَا زَالَ يسبح حَتَّى عرف ذَلِك فِي وُجُوه أَصْحَابه فَقَالَ: وَيحك أَتَدْرِي مَا الله إِن شَأْنه أعظم من ذَاك وَإنَّهُ لَا يستشفع بِهِ على أحد وَإنَّهُ لفوق
سمواته على عَرْشه وعرشه على سمواته وسمواته على أرضيه هَكَذَا - وَقَالَ بأصابعه مثل الْقبَّة - وَإنَّهُ لئط بِهِ أطيط الرحل بالراكب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة قَالَ: السَّمَاء مقببة على الأَرْض مثل الْقبَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: شَيْء من أَطْرَاف السَّمَاء محدق بالأرضين والبحار كأطراف الْفسْطَاط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن أبي برة قَالَ: لَيست السَّمَاء مربعة وَلكنهَا مقببة يَرَاهَا النَّاس خضراء
أما قَوْله تَعَالَى {وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم} أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن
أَنه سُئِلَ الْمَطَر من السَّمَاء أم من السَّحَاب قَالَ: من السَّمَاء إِنَّمَا السَّحَاب علم ينزل عَلَيْهِ المَاء من السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: لَا أَدْرِي الْمَطَر أنزل قَطْرَة من السَّمَاء فِي السَّحَاب أم خلق فِي السَّحَاب فَأمْطر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: السَّحَاب غربال الْمَطَر وَلَوْلَا السَّحَاب حِين ينزل المَاء من السَّمَاء لأفسد مَا يَقع عَلَيْهِ من الأَرْض وَالْبذْر ينزل من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَالِد بن معدان قَالَ: الْمَطَر مَاء يخرج من تَحت الْعَرْش فَينزل من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَيْثُ يجمع فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فيجتمع فِي مَوضِع يُقَال لَهُ الايرم فتجيء السَّحَاب السود فتدخله فتشربه مثل شرب الاسفنجة فيسوقها الله حَيْثُ يَشَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: ينزل المَاء من السَّمَاء السَّابِعَة فَتَقَع القطرة مِنْهُ على السحابة مثل الْبَعِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَالِد بن يزِيد قَالَ: الْمَطَر مِنْهُ من السَّمَاء وَمِنْه مَاء يسْقِيه الْغَيْم من الْبَحْر فيعذبه الرَّعْد والبرق
فَأَما مَا كَانَ من الْبَحْر فَلَا يكون لَهُ نَبَات وَأما النَّبَات فَمَا كَانَ من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: مَا أنزل الله من السَّمَاء قَطْرَة إِلَّا أنبت بهَا فِي الأَرْض عشبة أَو فِي الْبَحْر لؤلؤة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا جَاءَ الْقطر من السَّحَاب تفتحت لَهُ الأصداف فَكَانَ لؤلؤاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يخلق الله اللُّؤْلُؤ فِي الأصداف من الْمَطَر تفتح الأصداف أفواهها عِنْد الْمَطَر فاللؤلؤة الْعَظِيمَة من القطرة الْعَظِيمَة واللؤلؤة الصَّغِيرَة من القطرة الصَّغِيرَة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر عَن الْمطلب بن حنْطَب
أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من سَاعَة من ليل وَلَا نَهَار إِلَّا وَالسَّمَاء تمطر فِيهَا يصرفهُ الله حَيْثُ يَشَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا نزل مطر من السَّمَاء إِلَّا وَمَعَهُ الْبذر
أما انكم لوبسطتم نطعاً لرأيتموه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمَطَر مزاجه من الْجنَّة فَإِذا عظم المزاج عظمت الْبركَة وَإِن قل الْمَطَر وَإِذا قل المزاج قلت الْبركَة وَإِن كثر الْمَطَر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: مَا من عَام بِأَمْطَر من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء وَينزل مَعَ الْمَطَر كَذَا وَكَذَا من الْمَلَائِكَة ويكتبون حَيْثُ يَقع ذَلِك الْمَطَر وَمن يرزقه وَمَا يخرج مِنْهُ مَعَ كل قَطْرَة
أما قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً وَأَنْتُم تعلمُونَ} أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً} أَي لَا تُشْرِكُوا بِهِ غَيره من الأنداد الَّتِي لَا تضر وَلَا تَنْفَع {وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَنه لَا رب لكم يرزقكم غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الأنداد هُوَ الشّرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله الأنداد قَالَ: أشباهاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً} قَالَ: أكفاء من الرِّجَال تطعيونهم فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله عز وجل {أنداداً} قَالَ: الْأَشْبَاه والأمثال قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول لبيد:
أَحْمد الله فَلَا ندّ لَهُ بيدَيْهِ الْخَيْر مَا شَاءَ فعِّل وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أنداداً} قَالَ: شُرَكَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَوْف بن عبد الله قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم من الْمَدِينَة فَسمع منادياً يُنَادي للصَّلَاة فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: على الْفطْرَة فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ: خلع الأنداد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رجل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ الله وشئت فَقَالَ: جَعَلتني لله ندا مَا شَاءَ الله وَحده
وَأخرج ابْن سعد عَن قتيلة بنت صَيْفِي قَالَ جَاءَ حبر من الْأَحْبَار إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد نعم الْقَوْم أَنْتُم لَوْلَا أَنكُمْ تشركون قَالَ: وَكَيف قَالَ: يَقُول أحدكُم: لَا والكعبة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِنَّه قد قَالَ فَمن حلف فليحلف بِرَبّ الْكَعْبَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد نعم الْقَوْم أَنْتُم لَوْلَا أَنكُمْ {وتجعلون لَهُ أندادا} قَالَ: وَكَيف ذَلِك قَالَ: يَقُول أحدكُم مَا شَاءَ الله وشئت
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم للحبر: إِنَّه قد قَالَ فَمن قَالَ مِنْكُم فَلْيقل مَا شَاءَ ثمَّ شِئْت
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن طفيل بن سَخْبَرَة أَنه رأ ى فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنَّهُ مرّ برط من الْيَهُود فَقَالَ: أَنْتُم نعم الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ تَزْعُمُونَ أَن عُزَيْرًا ابْن الله فَقَالُوا: وَأَنْتُم نعم الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ تَقولُونَ مَا شَاءَ الله وَشاء مُحَمَّد
ثمَّ مر برهط من النَّصَارَى فَقَالَ: أَنْتُم نعم الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ تَقولُونَ الْمَسِيح ابْن الله قَالُوا: وَأَنْتُم نعم الْقَوْم لَوْلَا أَنكُمْ تَقولُونَ مَا شَاءَ الله وَشاء مُحَمَّد
فَلَمَّا أصبح أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَخَطب فَقَالَ: إِن طفيلاً رأى رُؤْيا وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ كلمة كَانَ يَمْنعنِي الْحيَاء مِنْكُم فَلَا تقولوها وَلَكِن قُولُوا: مَا شَاءَ الله وَحده لَا شريك لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة ابْن الْيَمَان عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَقولُوا مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان
قُولُوا: مَا شَاءَ الله ثمَّ شَاءَ فلَان
وَأخرج ابْن جريج عَن قَتَادَة فِي قَوْله فَلَا تجْعَلُوا لله
أنداداً أَي عدلاء {وَأَنْتُم تعلمُونَ} قَالَ: إِن الله خَلقكُم وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَا تجْعَلُوا لله أنداداً} أَي عدلاء {وَأَنْتُم تعلمُونَ} قَالَ تعلمُونَ أَنه إِلَه وَاحِد فِي التَّوْرَاة والإِنجيل لَا ند لَهُ
قَوْله تَعَالَى: وَأَن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله وَادعوا شهداءكم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار الَّتِي وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة أعدت للْكَافِرِينَ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من الْأَنْبِيَاء نَبِي إِلَّا أعطي مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه الله إليّ فأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تَابعا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم فِي ريب} الْآيَة قَالَ: هَذَا قَول الله لمن شكّ من الْكفَّار فِي مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم فِي ريب} قَالَ: فِي شكّ {مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله} قَالَ: من مثل هَذَا الْقُرْآن حَقًا وصدقاً لَا بَاطِل فِيهِ وَلَا كذب
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جريروابن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأتوا بِسُورَة من مثله} قَالَ: مثل الْقُرْآن {وَادعوا شهداءكم من دون الله} قَالَ: نَاس يشْهدُونَ لكم إِذا أتيتم بهَا أَنه مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَادعوا شهداءكم} قَالَ: أعوانكم على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} فقد بَين لكم الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريج عَن قَتَادَة {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} يَقُول: لن تقدروا على ذَلِك وَلنْ تطيقوه
أما قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا النَّار} أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا مر أحدكُم فِي الصَّلَاة بِذكر النَّار فلسيتعذ بِاللَّه من النَّار وَإِذا مر أحدكُم بِذكر الْجنَّة فليسأل الله الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي ليلى قَالَ صليت إِلَى جنب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَمر بِآيَة فَقَالَ: أعوذ بِاللَّه من النَّار ويل لأهل النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر يَقُول: أنذركم النَّار أنذركم النَّار حَتَّى سقط أحد عطفي رِدَائه على مَنْكِبَيْه
وَأما قَوْله تَعَالَى {الَّتِي وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} أخرج عبد بن حميد من طَرِيق طَلْحَة عَن مُجَاهِد
أَنه كَانَ يقْرَأ كل شَيْء فِي الْقُرْآن {وقودها} بِرَفْع الْوَاو الأولى إِلَّا الَّتِي فِي وَالسَّمَاء ذَات البروج (النَّار ذَات الْوقُود)(البروج الْآيَة 5) بِنصب الْوَاو
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وهناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْحِجَارَة الَّتِي ذكرهَا الله فِي الْقُرْآن فِي قَوْله {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} حِجَارَة من كبريت خلقهَا الله عِنْده كَيفَ شَاءَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ حِجَارَة فِي النَّار من كبريت أسود يُعَذبُونَ بِهِ مَعَ النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: هِيَ حِجَارَة من كبريت خلقهَا الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فأعدها للْكَافِرِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ تَلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذِه الْآيَة {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} فَقَالَ: أوقد عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى احْمَرَّتْ وَألف عَام حَتَّى ابْيَضَّتْ وَألف عَام حَتَّى اسودت فَهِيَ سَوْدَاء مظْلمَة لَا يطفأ لهبها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أوقدت النَّار ألف سنة حَتَّى احْمَرَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى ابْيَضَّتْ ثمَّ أوقد عَلَيْهَا ألف سنة حَتَّى اسودت فَهِيَ سَوْدَاء مظْلمَة
وَأخرج أَحْمد وَمَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ نَار بني آدم الَّتِي توقدون جُزْء من سبعين جُزْء من نَار جَهَنَّم
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن كَانَت لكَافِيَة قَالَ: فَإِنَّهَا فضلت عَلَيْهَا بِتِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْءا كُلهنَّ مثل حرهَا
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أترونها حَمْرَاء مثل نَاركُمْ هَذِه الَّتِي توقدون إِنَّهَا لأشد سواداً من القار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم لكل جُزْء مِنْهَا حرهَا
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم لَوْلَا أَنَّهَا أطفئت بِالْمَاءِ مرَّتَيْنِ مَا انتفعتم مِنْهَا بِشَيْء وَإِنَّهَا لتدعو الله أَن لَا يُعِيدهَا فِيهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا من تِلْكَ النَّار وَلَوْلَا أَنَّهَا ضربت فِي الْبَحْر مرَّتَيْنِ مَا امنتفعتم مِنْهَا بِشَيْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن نَاركُمْ هَذِه جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم ضربت بِمَاء الْبَحْر مرَّتَيْنِ وَلَوْلَا ذَلِك مَا جعل الله فِيهَا مَنْفَعَة لأحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: إِن نَاركُمْ هَذِه تعوّذ من نَار جَهَنَّم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {أعدت للْكَافِرِينَ} أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أعدت للْكَافِرِينَ} قَالَ: أَي لمن كَانَ على مثل مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْكفْر
قَوْله تَعَالَى: وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أَن لَهُم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل وأتوابه متشابها وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة وهم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج ابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة ة الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الْبَعْث وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن اسامة ابْن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا هَل مشمر للجنة فَإِن للجنة لَا خطر لَهَا هِيَ وَرب الْكَعْبَة نور يتلألأ وَرَيْحَانَة تزهر وَقصر مشيد ونهر مطرد وَثَمَرَة نضيجة
وَزَوْجَة حسناء جميلَة وحلل كَثِيرَة ومقام فِي أَبَد فِي فَاكِهَة دَار سليمَة وَفَاكِهَة خضرَة وخيرة ونعمة فِي محلّة عالية بهية قَالُوا: نعم يَا رَسُول الله قَالَ: قُولُوا إِن شَاءَ الله قَالَ الْقَوْم: إِن شَاءَ الله
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله حَدثنَا عَن الْجنَّة مَا بناؤها قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وحصاؤها الؤلؤ والياقوت وملاطها الْمسك وترابها الزَّعْفَرَان من يدخلهَا ينعم لَا ييأس ويخلد لَا يَمُوت
لَا تبلى ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْجنَّة كَيفَ هِيَ قَالَ من يدْخل الْجنَّة يحيا لَا يَمُوت وينعم لَا ييأس
لَا تبلى ثِيَابه وَلَا يفنى شبابه
قيل يَا رَسُول الله كَيفَ بناؤها قَالَ: لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة وملاطها مسك أذفر وحصاؤها اللُّؤْلُؤ والياقوت وترابها الزَّعْفَرَان
أخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة ومجامرهم الالوّة وأمشاطهم الذَّهَب ترابها زعفران وطيبها مسك
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة ودرمها اللُّؤْلُؤ والياقوت ورضاضها اللُّؤْلُؤ وترابها الزَّعْفَرَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَرض الْجنَّة بَيْضَاء عرصتها صخور الكافور وَقد أحَاط بِهِ الْمسك مثل كُثْبَان الرمل فِيهَا أَنهَار مطردَة
فيجتمع أهل الْجنَّة أَوَّلهمْ وَآخرهمْ يَتَعَارَفُونَ فيبعث الله عَلَيْهِم ريح الرَّحْمَة فتهيج عَلَيْهِم الْمسك فَيرجع الرجل إِلَى زوجه وَقد ازْدَادَ حسنا وطيباً فَتَقول: لقد خرجت من عِنْدِي وَأَنا بك معجبة وَأَنا بك الْآن أَشد إعجاباً
وَأخرج أَبُو نعيم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أَرض الْجنَّة فضَّة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله أحَاط حَائِط الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من
فضَّة ثمَّ شقق فِيهَا الْأَنْهَار وغرس فِيهَا الْأَشْجَار فَلَمَّا نظرت الْمَلَائِكَة إِلَى حسنها وزهرتها قَالَت: طوباك منَازِل الْمُلُوك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن أبي سعيد
أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ ابْن صائد عَن تربة الْجنَّة فَقَالَ درمكة بَيْضَاء مسك خَالص
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي زميل
أَنه سَأَلَ ابْن عَبَّاس مَا أَرض الْجنَّة قَالَ: مرمرة بَيْضَاء من فضَّة كَأَنَّهَا مرْآة قَالَ: مَا نورها قَالَ: مَا رَأَيْت السَّاعَة الَّتِي يكون فِيهَا طُلُوع الشَّمْس فَذَلِك نورها إِلَّا أَنه لَيْسَ فِيهَا شمس وَلَا زمهرير قَالَ: فَمَا أنهارها أَفِي أخدُود قَالَ: لَا وَلكنهَا نقيض على وَجه الأَرْض لاتفيض هَهُنَا وَلَا هَهُنَا قَالَ: فَمن حللها قَالَ: فِيهَا الشّجر الثَّمر كَأَنَّهُ الرُّمَّان فَإِذا أَرَادَ ولي الله مِنْهَا كسْوَة انحدرت إِلَيْهِ من أَغْصَانهَا فانفلقت لَهُ من سبعين حلَّة ألواناً بعد ألوان ثمَّ لتطبق فترجع كَمَا كَانَت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله جنَّة عدن بِيَدِهِ وذلل فِيهَا ثمارها وشق فِيهَا أنهارها ثمَّ نظر إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت (قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ)(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 1) فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجاورني فِيك بخيل
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله خلق جنَّة عدن بَيْضَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَوضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول صلى الله عليه وسلم الله لَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس أَو تغرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَابْن ماجة عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الشبر فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَو أَن مَا يقل ظفر مِمَّا فِي الْجنَّة بدا لتزخرفت لَهُ مابين خوافق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَو أَن رجلا من أهل الْجنَّة اطلع فَبَدَا أساوره لطمس ضوء الشَّمْس كَمَا تطمس الشَّمْس ضوء النُّجُوم
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أنس قَالَ: أُصِيب حَارِثَة يَوْم بدر فَجَاءَت أمه فَقَالَت: يَا رَسُول الله قد علمت منزلَة حَارِثَة مني فَإِن يكن فِي الْجنَّة صبرت وَإِن يكن غير ذَلِك ترى مَا أصنع فَقَالَ إِنَّهَا لَيست بجنة وَاحِدَة إِنَّهَا جنان كَثِيرَة وَإنَّهُ فِي الفردوس الْأَعْلَى
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من خَافَ ادَّلَجَ وَمن أدْلج بلغ الْمنزل أَلا إِن سلْعَة الله غَالِيَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن أُبيّ كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من خَافَ ادَّلَجَ وَمن أدْلج بلغ الْمنزل
أَلا إِن سلْعَة الله غَالِيَة أَلا إِن سلْعَة الله الْجنَّة جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: وَالَّذِي أنزل الْكتاب على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِن أهل الْجنَّة ليزدادون حسنا وجمالاً كَمَا يزدادون فِي الدُّنْيَا قباحة وهرماً
أما قَوْله تَعَالَى: {تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار}
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنهَار الْجنَّة تفجر من تَحت جبال مسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي التَّفْسِير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وصحه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن أَنهَار الْجنَّة تفجر من جبل مسك
وَأخرج أَحْمد مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أَنهَار الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن فِي الْجنَّة نَهرا يُقَال لَهُ البيدخ عَلَيْهِ قباب من ياقوت تَحْتَهُ جوَار نابتات يَقُول: أهل الْجنَّة انْطَلقُوا بِنَا إِلَى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تِلْكَ الْجَوَارِي فَإِذا أعجب رجل مِنْهُم بِجَارِيَة مس معصمها فتبعته وتنبت مَكَانهَا آخرى
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء الْمَقْدِسِي فِي صفة الْجنَّة وَصَححهُ عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه
الرُّؤْيَا الْحَسَنَة فَجَاءَت إمراءة فَقَالَت: يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي أخرجت فأدخلت الْجنَّة فَسمِعت وجبة التجّت لَهَا الْجنَّة فَإِذا أَنا بفلان وَفُلَان حَتَّى عدت اثْنَي عشر رجلا وَقد بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة قبل ذَلِك فجيء بهم عَلَيْهِم ثِيَاب طلس تشخب أوداجهم فَقيل: اذْهَبُوا بهم إِلَى نهر البيدخ فغمسوا فِيهِ فَخَرجُوا وحوهم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر وَأتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عَلَيْهَا وَجِيء بصحفة من ذهب فِيهَا بسرة فَأَكَلُوا من بسره مَا شاؤا فَمَا يقبلونها لوجهة إِلَّا أكلُوا من فَاكِهَة مَا شاؤا فجَاء البشير فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَانَ كَذَا وَكَذَا
وَأُصِيب فلَان وَفُلَان حَتَّى عدَّ اثْنَي عشر رجلا فَقَالَ: عليّ بِالْمَرْأَةِ فَجَاءَت فَقَالَ: قصي رُؤْيَاك على هَذَا فَقَالَ الرجل: هُوَ كَمَا قَالَت أُصِيب فلَان وَفُلَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن فِي الْجنَّة نَهرا طول الْجنَّة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بِأَحْسَن أصوات يسْمعهَا الْخَلَائق حَتَّى مَا يرَوْنَ أَن فِي الْجنَّة لَذَّة مثلهَا
قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَة وَمَا ذَاك الْغناء قَالَ: إِن شَاءَ الله التَّسْبِيح والتحميد وَالتَّقْدِيس وثناء على الرب
وَأخرج أَحْمد بن حَنْبَل فِي الزّهْد وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي المديح عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: إِن فِي الْجنَّة نَهرا ينْبت الْحوَاري الابكار
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن أنس مَرْفُوعا فِي الْجنَّة نهر يُقَال لَهُ الريان عَلَيْهِ مَدِينَة من مرجان لَهَا سَبْعُونَ ألف بَاب من ذهب وَفِضة لحامل الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مَسْرُوق قَالَ: أَنهَار الْجنَّة تجْرِي فِي غير أخدُود ونخل الْجنَّة نضيد من أَصْلهَا إِلَى فرعها
وَثَمَرهَا أَمْثَال القلال كلّما نزعت ثَمَرَة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى والعنقود إثنا عشر ذِرَاعا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم والضياء الْمَقْدِسِي كِلَاهُمَا فِي صفة الْجنَّة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَعَلَّكُمْ تظنون أَن أَنهَار الْجنَّة أخدُود فِي الأَرْض لَا
وَالله أَنَّهَا لسائحة على وَجه الأَرْض افتاه خيام اللُّؤْلُؤ وطينها الْمسك الأذفر
قلت: يَا رَسُول الله مَا الأذفر قَالَ: الَّذِي لَا خلط مَعَه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه والضياء عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أَنهَار الْجنَّة تشخب من جنَّة عدن فِي حوبة ثمَّ تصدع بعد أَنهَارًا
وَأما قَوْله تَعَالَى {كلما رزقوا مِنْهَا} الْآيَة وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا} قَالَ: أَتَوا بالثمرة فِي الْجنَّة فينظروا إِلَيْهَا فَقَالُوا {هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} فِي الدُّنْيَا وَأتوا بِهِ متشابهاً اللَّوْن والمرأى وَلَيْسَ يشبه الطّعْم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن زيد {كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} يَعْنِي بِهِ مَا رزقوا بِهِ من فَاكِهَة الدُّنْيَا قبل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} أَي فِي الدُّنْيَا {وَأتوا بِهِ متشابهاً} قَالَ: يشبه ثمار الدُّنْيَا غير أَن ثَمَر الْجنَّة أطيب
وَأخرج مُسَدّد وهناد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجنَّة شيءإلا الْأَسْمَاء
وَأخرج الديلمي عَن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: فِي طَعَام الْعرس مِثْقَال من ريح الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} قَالَ: قَوْلهم من قبل مَعْنَاهُ
مثل الَّذِي كَانَ بالْأَمْس
وَأخرج ابْن جرير عَن يحيى بن كثير قَالَ: يُؤْتى أحدهم بالصحفة فيأكل مِنْهَا ثمَّ يُؤْتى بِأُخْرَى فَيَقُول: هَذَا الَّذِي أَتَيْنَا بِهِ من قبل فَيَقُول الْملك: كل اللَّوْن وَاحِد والطعم مُخْتَلف
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأتوا بِهِ متشابهاً} قَالَ: متشابهاً فِي اللَّوْن مُخْتَلفا فِي الطّعْم
مثل الْخِيَار من القثاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأتوا بِهِ متشابهاً} قَالَ: خياراً كُله لَا رذل فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَأتوا بِهِ متشابهاً} قَالَ: خِيَار كُله يشبه بعضه بَعْضًا لَا رذل فِيهِ
ألم تَرَ إِلَى ثمار الدُّنْيَا كَيفَ ترذلون بعضه
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لاينزع رجل من أهل الْجنَّة من ثَمَرَة إِلَّا أُعِيد فِي مَكَانهَا مِثْلَاهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه من طَرِيق ابْن حَيْوَة عَن خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان قَالَ: بَينا أَسِير فِي أَرض الجزيرة إِذْ مَرَرْت برهبان وقسيسين واساقفة فَسلمت فَردُّوا السَّلَام فَقلت: أَيْن تُرِيدُونَ فَقَالُوا: نُرِيد رَاهِبًا فِي هَذَا الدَّيْر نأتيه فِي كل عَام فيخبرنا بِمَا يكون فِي ذَلِك الْعَام لمثله من قَابل فَقلت: لَآتِيَن هَذَا الراهب فلأنظرن مَا عِنْده - وَكنت معنياً بالكتب - فَأَتَيْته وهوعلى بَاب ديره فَسلمت فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مِمَّن أَنْت فَقلت: من الْمُسلمين قَالَ: أَمن أمة مُحَمَّد فَقلت: نعم
فَقَالَ: من عُلَمَائهمْ أَنْت أم من جهالهم قلت: مَا أَنا من عُلَمَائهمْ وَلَا من جهالهم قَالَ: فانكم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ تدخلون الْجنَّة فتأكلون من طعامها وتشربون من شرابها وَلَا تبولوا وَلَا تتغوطون قلت: نَحن نقُول ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك قَالَ: فَإِن لَهُ مثلا فِي الدُّنْيَا فَأَخْبرنِي ماهو قلت: مثله كَمثل الْجَنِين فِي بطن أمه أَنه يَأْتِيهِ رزق الله وَلَا يَبُول وَلَا يتغوّط
قَالَ: فتربد وَجهه ثمَّ قَالَ لي: أما أَخْبَرتنِي أَنَّك لست من عُلَمَائهمْ قلت: مَا كذبتك قَالَ: فانكم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ تدخلون الْجنَّة فتأكلون من طعامها وتشربون من شرابها وَلَا ينقص ذَلِك مِنْهَا شَيْئا قلت: نَحن نقُول ذَلِك وَهُوَ كَذَلِك قَالَ: فَإِن لَهُ مثلا فِي الدُّنْيَا فَأَخْبرنِي مَا هُوَ قلت: مثله فِي الدُّنْيَا كَمثل الْحِكْمَة لَو تعلم مِنْهَا الْخلق أَجْمَعُونَ لم ينقص ذَلِك مِنْهَا شَيْئا فتربد وَجهه ثمَّ قَالَ: أما أَخْبَرتنِي أَنَّك لست من عُلَمَائهمْ قلت: وَمَا كذبتك مَا أَنا من عُلَمَائهمْ وَلَا من جهالهم
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: من الْحيض وَالْغَائِط والنخامة والبزاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: من القذر والأذى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: لَا يحضن وَلَا يحدثن وَلَا يتنخمن
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وهناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: من الْحيض وَالْغَائِط وَالْبَوْل والمخاط والنخامة والبزاق والمني وَالْولد
وَأخرج وَكِيع وهناد عَن عَطاء فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: لَا يحضن ولايمنين ولايلدن ولايتغوطن ولايبلن ولايبزقن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَهُم فِيهَا أَزوَاج مطهرة} قَالَ: طهرهن الله من كل بَوْل وغائط وقذر ومآثم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الْجنَّة صورتهم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لايبصقون فِيهَا ولايتمخطون ولايتغوطون آنيتهم وأمشاطهم من الذَّهَب وَالْفِضَّة ومجامرهم من الألوّة ورضخهم الْمسك وَلكُل وَاحِد مُهِمّ زوجتان يرى مخ سَاقهَا من وَرَاء اللَّحْم من الْحسن لااختلاف بَينهم وَلَا تباغض قُلُوبهم على قلب رجل وَاحِد يسبحون الله بكرَة وعشيا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تدخل الْجنَّة وُجُوههم كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
والزمرة الثَّانِيَة أحسن كَوْكَب دري فِي السَّمَاء لكل إمرىء زوجتان على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلَّة يرى مخ ساقهن من وَرَاء الْحلَل
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة الَّذِي لَهُ ثَمَانُون ألف خَادِم وإثنتان وَسَبْعُونَ زَوْجَة ومنصب لَهُ قبَّة من لُؤْلُؤ وَيَاقُوت وَزَبَرْجَد كَمَا بَين الْجَابِيَة وَصَنْعَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والبيقهي فِي النَّعْت عَن أبي هُرَيْرَة أَنهم تَذَاكَرُوا الرِّجَال أَكثر فِي الْجنَّة أم النِّسَاء فَقَالَ: ألم يقل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا فِي الْجنَّة أحد إِلَّا لَهُ زوجتان
إِنَّه ليرى مخ ساقهما من وَرَاء سبعين حلَّة مَا فِيهَا عزب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَزَّار عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يزوّج العَبْد فِي الْجنَّة سبعين زَوْجَة فَقيل: يارسول الله يطيقها قَالَ: يعْطى قوّة مائَة
وَأخرج ابْن السكن فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن حَاطِب بن أبي بلتعة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول يزوّج الْمُؤمن فِي الْجنَّة اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من نسَاء الْآخِرَة واثنتين من نسَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من أحد يدْخلهُ الله الْجنَّة إِلَّا زوّجه اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة
اثْنَتَيْنِ من الْحور الْعين وَسبعين من مِيرَاثه من أهل الْجنَّة مَا مِنْهُنَّ وَاحِدَة إِلَّا وَلها قبل شهي وَله ذكر لَا ينثني
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة من لَهُ سبع دَرَجَات وَهُوَ على السَّادِسَة وفوقه السَّابِعَة وَإِن لَهُ لثلثمائة خَادِم وَيغدى عَلَيْهِ كل يَوْم وَيرَاح بثلثمائة صَحْفَة من ذهب فِي كل صَحْفَة لون لَيْسَ فِي الْأُخْرَى وَأَنه ليلذ أوّله كَمَا يلذ آخِره وانه ليقول: يَا رب لَو أَذِنت لي لأطعمت أهل الْجنَّة وسقيتهم لم ينقص مِمَّا عِنْدِي شَيْء وَأَن لَهُ من الْحور الْعين لإِثنتين وَسبعين زَوْجَة وَأَن الْوَاحِدَة مِنْهُنَّ لتأْخذ مقعدتها قدر ميل من الأَرْض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يزوّج كل رجل من أهل الْجنَّة بأَرْبعَة آلَاف بكر وَثَمَانِية آلَاف أيم وَمِائَة حوراء
فيجتمعن فِي كل سَبْعَة أَيَّام فيقلن بِأَصْوَات حسان لم يسمع الْخَلَائق بمثلهن: نَحن الخالدات فَلَا نبيد وَنحن الناعمات فلانبأس وَنحن الراضيات فَلَا نسخط وَنحن المقيمات فَلَا نظعن طُوبَى لمن كَانَ لنا وَكُنَّا لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَو أَن امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة اطَّلَعت إِلَى الأَرْض لَأَضَاءَتْ مَا بَينهمَا ولملأت مَا بَينهمَا ريحًا وَلنَصِيفهَا على رَأسهَا - يَعْنِي الْخمار - خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة عَن ابْن عَبَّاس
لَو أَن امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة بصقت فِي سَبْعَة أبحر كَانَت تِلْكَ الأبحر أحلى من الْعَسَل
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَو اطَّلَعت امْرَأَة من نسَاء أهل الْجنَّة إِلَى الأَرْض لملأت الأَرْض ريح مسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري عَن كَعْب قَالَ: لَو أَن امْرَأَة من أهل
الْجنَّة أطلعت كفها لأضاء مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَالنَّسَائِيّ وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم قَالَ: جَاءَ رجل من أهل الْكتاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم تزْعم أَن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجل ليؤتى قوّة مائَة رجل مِنْكُم
فِي الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع والشهوة قَالَ: فَإِن الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب يكون لَهُ الْحَاجة وَالْجنَّة طَاهِرَة لَيْسَ فِيهَا قذر وَلَا أَذَى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: حَاجتهم عرق يفِيض مثل ريح مسك فَإِذا كَانَ ذَلِك ضمر لَهُ بَطْنه
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي أُمَامَة أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل تتناكح أهل الْجنَّة فَقَالَ: دحاماً دحاماً
لَا مني وَلَا منية
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ والخطيب والبغدادي فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل يَا رَسُول الله هَل نصل إِلَى نسائنا فِي الْجنَّة فَقَالَ: إِن الرجل ليصل فِي الْيَوْم إِلَى مائَة عذراء
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل يَا رَسُول الله أنفضي إِلَى نسائنا فِي الْجنَّة كَمَا نفضي إلَيْهِنَّ فِي الدُّنْيَا قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن الرجل ليفضي فِي الْغَدَاة الْوَاحِدَة إِلَى مائَة عذراء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تتناك أهل الْجنَّة فَقَالَ: نعم
بفرج لَا يمل وَذكر لَا ينثني وشهوة لَا تَنْقَطِع دحماً دحماً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل تمس أهل الْجنَّة أَزوَاجهم قَالَ: نعم
بِذكر لَا يمل وَفرج لَا يحفى وشهوة لَا تَنْقَطِع
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة وَابْن أبي حَاتِم عَن سليم بن عَامر والهيثم الطَّائِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الْبضْع فِي الْجنَّة قَالَ: نعم بقبل شهي وَذكر لَا يمل وَأَن الرجل ليتكىء فِيهَا المتكأ مِقْدَار أَرْبَعِينَ سنة لَا يتحوّل عَنهُ وَلَا يمله يَأْتِيهِ فِيهِ مَا اشتهت نَفسه ولذت عينه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن خَارجه العذري قَالَ: سَمِعت رجلا بتبوك قَالَ يَا رَسُول الله أيباضع أهل الْجنَّة قَالَ: يُعْطي الرجل مِنْهُم من القوّة فِي الْيَوْم الْوَاحِد أفضل من سبعين مِنْكُم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم
أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْبَوْل والجنابة عرق يسيل من تَحت ذوائبهم إِلَى أَقْدَامهم مسك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لَيْسَ فِي الْجنَّة مني وَلَا منية إِنَّمَا يدحمونهن دحماً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن طَاوس قَالَ: أهل الْجنَّة ينْكحُونَ النِّسَاء وَلَا يلدن لَيْسَ فِيهَا مني وَلَا منية
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي
مثله
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وهناد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: فِي الْجنَّة جماع مَا شِئْت وَلَا ولد قَالَ: فيلتفت فَينْظر النظرة فتنشأ لَهُ الشَّهْوَة ثمَّ ينظر النظرة فتنشأ لَهُ شَهْوَة أُخْرَى
وَأخرج الضياء الْمَقْدِسِي فِي صفة الْجنَّة عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه سُئِلَ انطأ فِي الْجنَّة قَالَ: نعم
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ دحماً دحماً
فَإِذا قَامَ عَنْهَا رجعت مطهرة بكرا
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أهل الْجنَّة إِذا جامعوا نِسَاءَهُمْ عَادوا ابكاراً
وَأخرج عبد بن حميد وَأحمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله ابْن عَمْرو قَالَ: إِن الْمُؤمن كلما أَرَادَ زوجتة وجدهَا بكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: طول الرجل من أهل الْجنَّة تسعون ميلًا
وَطول الْمَرْأَة ثَلَاثُونَ ميلًا
ومقعدتها جريب وَأَن شَهْوَته لتجري فِي جَسدهَا سبعين عَاما تَجِد اللَّذَّة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث عَن معَاذ ابْن جبل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تؤذي امْرَأَة زَوجهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَت زَوجته من الْحور الْعين: قَاتلك الله فَإِنَّمَا هُوَ عنْدك دخيل يُوشك أَن يفارقك إِلَيْنَا
أما قَوْله تَعَالَى: {وهم فِيهَا خَالدُونَ}
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وهم فِيهَا خَالدُونَ} أَي خَالدُونَ أبدا
يُخْبِرهُمْ أَن الثَّوَاب بِالْخَيرِ وَالشَّر مُقيم على أَهله لَا انْقِطَاع لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وهم فِيهَا خَالدُونَ} يَعْنِي لَا يموتون
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل وهم فِيهَا خَالدُونَ قَالَ: مَاكِثُونَ لَا يخرجُون مِنْهَا أبدا قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عدي بن زيد: فَهَل من خَالِد إِمَّا هلكنا وَهل بِالْمَوْتِ يَا للنَّاس عَار وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار
ثمَّ يَقُول مُؤذن بَينهم: يَا أهل النَّار لَا موت وَيَا أهل الْجنَّة لَا موت كل خَالِد فِيمَا هُوَ فِيهِ
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَال لأهل الْجنَّة خُلُود وَلَا موت وَلأَهل النَّار خُلُود وَلَا موت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتى بِالْمَوْتِ فِي هَيْئَة كَبْش أَمْلَح فَيُوقف على الصِّرَاط فَيُقَال: يَا أهل الْجنَّة
فيطلعون خَائِفين وجلين مَخَافَة أَن يخرجُوا مِمَّا هم فِيهِ فَيُقَال: تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ: نعم هَذَا الْمَوْت فَيُقَال: يَا أهل النَّار
فيطلعون مستبشرين فرحين أَن يخرجُوا مِمَّا هم فِيهِ
فَيُقَال: أتعرفون هَذَا فَيَقُولُونَ: نعم
هَذَا الْمَوْت
فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح على الصِّرَاط فَيُقَال لِلْفَرِيقَيْنِ: خُلُود فِيمَا تَجِدُونَ لَا موت فِيهَا أبدا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَعثه إِلَى الْيمن فَلَمَّا قدم عَلَيْهِم قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُول رَسُول الله إِلَيْكُم إِن المردّ إِلَى الله إِلَى جنَّة أَو نَار خُلُود بِلَا موت وَإِقَامَة بِلَا ظعن وأجساد لَا تَمُوت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو قيل لأهل النَّار مَاكِثُونَ فِي النَّار عدد كل حَصَاة فِي الدُّنْيَا لفرحوا بهَا وَلَو قيل لأهل الْجنَّة إِنَّكُم مَاكِثُونَ عدد كل حَصَاة لحزنوا وَلَكِن جعل لَهُم الْأَبَد
قَوْله تَعَالَى: إِن الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا فَأَما الَّذين آمنُوا فيعرفون أَنه الْحق من رَبهم وَأما الَّذين كفرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مثلا يضل بِهِ من كثيرا وَيهْدِي بِهِ كثيرا وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويفسدون فِي الأَرْض أُولَئِكَ هم الخاسرون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالُوا: لما ضرب الله هذَيْن المثلين لِلْمُنَافِقين قَوْله {كَمثل الَّذِي استوقد نَارا} وَقَوله {أَو كصيب من السَّمَاء} قَالَ المُنَافِقُونَ: الله أَعلَى وَأجل من أَن يضْرب هَذِه الْأَمْثَال
فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا} إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ هم الخاسرون}
وَأخرج عبد الْغَنِيّ الثَّقَفِيّ فِي تَفْسِيره والواحدي عَن الن عَبَّاس قَالَ: إِن الله ذكر آلِهَة الْمُشْركين فَقَالَ (وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا) وَذكر كيد الْآلهَة كبيت العنكبوت فَقَالُوا: أَرَأَيْت حَيْثُ ذكر الله الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت فِيمَا أنزل من الْقُرْآن على مُحَمَّد
أَي شَيْء كَانَ يصنع بِهَذَا فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لما ذكر الله العنكبوت والذباب قَالَ الْمُشْركُونَ: مَا بَال العتكبوت والذباب يذكران فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: لما أنزلت (يَا أَيهَا النَّاس ضرب مثل) قَالَ الْمُشْركُونَ: مَا هَذَا من الْأَمْثَال فَيضْرب أَو مَا يشبه هَذَا الْأَمْثَال
فَأنْزل الله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} لم يرد الْبَعُوضَة إِنَّمَا أَرَادَ الْمثل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الْبَعُوضَة أَضْعَف مَا خلق الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أَيهَا النَّاس لَا تغتروا بِاللَّه فَإِن الله لَو كَانَ مغفلاً شَيْئا لأغفل الْبَعُوضَة والذرة والخردلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {فَأَما الَّذين آمنُوا فيعلمون أَنه الْحق} قَالَ: يُؤمن بِهِ الْمُؤْمِنُونَ ويعلمون أَنه الْحق من رَبهم ويهديهم الله بِهِ ويعرفه الفاسون فيكفرون بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {يضل بِهِ كثيرا} يَعْنِي الْمُنَافِقين {وَيهْدِي بِهِ كثيرا} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَفِي قَوْله {الَّذين ينقضون عهد الله} فأقروا بِهِ ثمَّ كفرُوا فنقضوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} يَقُول: يعرفهُ الْكَافِرُونَ فيكفرون بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} يَقُول: فسقوا فأضلم الله بفسقهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: الحرورية هم {الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} قَالَ: إيَّاكُمْ وَنقض هَذَا الْمِيثَاق
وَكَانَ يسميهم الْفَاسِقين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} قَالَ: إيَّاكُمْ وَنقض هَذَا الْمِيثَاق فَإِن الله قد كره نقضه وأوعد فِيهِ وَقدم فِيهِ فِي آي من الْقُرْآن تقدمة ونصيحة وموعظة وَحجَّة
مَا نعلم الله أوعد فِي ذَنْب مَا أوعد فِي نقض هَذَا الْمِيثَاق
فَمن أعْطى عهد الله وميثاقه من ثَمَرَة قلبه فليوف بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَلا لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ وَلَا دين لمن لَا عهد لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت وَأبي أُمَامَة
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث ابْن عمر
مثله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حسن الْعَهْد من الإِيمان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} قَالَ: الرَّحِم والقرابة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {ويفسدون فِي الأَرْض} قَالَ: يعْملُونَ فِيهَا بالمعصية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ هم الخاسرون} يَقُول هم أهل النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء نسبه الله إِلَى غير أهل الإِسلام من اسْم
مثل خاسر ومسرف وظالم وفاسق فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْكفْر وَمَا نسبه إِلَى أهل الإِسلام فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الذَّنب
قَوْله تَعَالَى: كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم} قَالَ: لم تَكُونُوا شَيْئا فخلفكم {ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {وكنتم أَمْوَاتًا} فِي أصلاب آبائكم لم تَكُونُوا شَيْئا حَتَّى خَلقكُم ثمَّ يميتكم موتَة الْحق ثمَّ يُحْيِيكُمْ حَيَاة الْحق حِين يبعثكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أصلاب آبَائِهِم فأحياهم الله فَأخْرجهُمْ ثمَّ أماتهم الموتة الَّتِي لابد مِنْهَا ثمَّ أحياهم للبعث يَوْم الْقِيَامَة
فهما حياتان وموتتان
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن أبي صَالح فِي الْآيَة قَالَ {يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ} فِي الْقَبْر ثمَّ يميتكم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: لم تَكُونُوا شَيْئا حَتَّى خَلقكُم ثمَّ يميتكم موتَة الْحق ثمَّ يُحْيِيكُمْ وَقَوله (رَبنَا أمتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ) مثلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة يَقُول: لم يَكُونُوا شَيْئا ثمَّ أماتهم ثمَّ أحياهم ثمَّ يَوْم الْقِيَامَة يرجعُونَ إِلَيْهِ بعد الْحَيَاة
قَوْله تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن سبع سموات وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} قَالَ: سخر لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا كَرَامَة من الله ونعمة لِابْنِ آدم
مَتَاعا وبلغة وَمَنْفَعَة إِلَى أجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} قَالَ: سخر لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} قَالَ: خلق الله الأَرْض قبل السَّمَاء فَلَمَّا خلق الأَرْض ثار مِنْهَا دُخان فَذَلِك قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن سبع سماوات} يَقُول: خلق سبع سموات بَعضهنَّ فَوق بعض وَسبع أَرضين بَعضهنَّ تَحت بعض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود وَعَن نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن سبع سماوات} قَالَ: إِن الله كَانَ عَرْشه على المَاء وَلم يخلق شَيْئا قبل المَاء فَلَمَّا أَرَادَ أَن يخلق أخرج من المَاء دخاناً فارتفع فَوق المَاء فسما سَمَاء ثمَّ أيبس المَاء فَجعله أَرضًا فتقها وَاحِدَة ثمَّ فتقها فَجَعلهَا سبع أَرضين فِي يَوْمَيْنِ
فِي الْأَحَد والإِثنين فخلق الأَرْض على حوت وَهُوَ الَّذِي ذكره فِي قَوْله (ن والقلم) والحوت فِي المَاء وَالْمَاء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك وَالْملك على صَخْرَة والصخرة فِي الرّيح وَهِي الصَّخْرَة الَّتِي ذكرهَا لُقْمَان
لَيست فِي السَّمَاء وَلَا فِي الأَرْض فَتحَرك الْحُوت فاضطرب
فتزلزلت الأَرْض فأرسى عَلَيْهَا الْجبَال فالجبال تَفْخَر على الأَرْض
فَذَلِك قَوْله (وَجعل لَهَا رواسي أَن تميد بكم) وَخلق الْجبَال فِيهَا وأقوات أَهلهَا وشجرها وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ: فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَذَلِكَ قَوْله (إِنَّكُم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض) إِلَى قَوْله (وَبَارك فِيهَا) يَقُول: أنبت شَجَرهَا وَقدر فِيهَا أقواتها يَقُول لأَهْلهَا (فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين) يَقُول: من سَأَلَ فَهَكَذَا الْأَمر {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} وَكَانَ ذَلِك الدُّخان من تنفس المَاء حِين تتنفس ثمَّ جعلهَا سَمَاء وَاحِدَة ثمَّ فتقها فَجَعلهَا سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ: فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة وَإِنَّمَا سمي يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ جمع فِيهِ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض (وَأوحى فِي كل سَمَاء أمرهَا) قَالَ: خلق فِي كل سَمَاء خلقهَا
من الْمَلَائِكَة والخلق الَّذِي فِيهَا من الْبحار وجبال الْبرد وَمِمَّا لَا يعلم
ثمَّ زين السَّمَاء بالكواكب فَجَعلهَا زِينَة وحفظاً من الشَّيَاطِين فَلَمَّا فرغ من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} يَعْنِي خلق سبع سموات قَالَ: أجْرى النَّار على المَاء فبخر الْبَحْر فَصَعدَ فِي الْهَوَاء فَجعل السَّمَوَات مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} قَالَ: ارْتَفع
وَفِي قَوْله {فسوّاهن} قَالَ: سوى خَلقهنَّ
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لما أَرَادَ الله أَن يخلق الْأَشْيَاء إِذا كَانَ عَرْشه على المَاء وَإِذ لَا أَرض وَلَا سَمَاء
خلق الرّيح فسلطها على المَاء حَتَّى اضْطَرَبَتْ أمواجه وأثار ركامه فَأخْرج من المَاء دخاناً وطيناً وزبداً فَأمر الدُّخان فعلا وسمل ونما فخلق مِنْهُ السَّمَوَات وَخلق من الطين الْأَرْضين وَخلق من الزّبد الْجبَال
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَخذ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بيَدي فَقَالَ: خلق الله التربة يَوْم السبت وَخلق الْجبَال يَوْم الْأَحَد وَخلق الشّجر يَوْم الإِثنين وَخلق الْمَكْرُوه يَوْم الثُّلَاثَاء وَخلق النُّور يَوْم الْأَرْبَعَاء وَبث فِيهَا الدَّوَابّ يَوْم الْخَمِيس وَخلق آدم يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَعُثْمَان بن
سعيد الدَّارمِيّ فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو أَحْمد وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ كم بَين السَّمَاء وَالْأَرْض قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمن مسيرَة سَمَاء إِلَى سَمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وكثف كل سَمَاء خَمْسمِائَة سنة وَفَوق السَّمَاء السَّابِعَة بَحر
بَين أَعْلَاهُ واسفله كَمَا بَين السَّمَاء وَأَرْض ثمَّ فَوق ذَلِك ثَمَانِيَة أوعال بَين وركهن وأظلافهن كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ فَوق ذَلِك الْعَرْش بَين أَسْفَله وَأَعلاهُ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالله سبحانه وتعالى علمه فَوق ذَلِك وَلَيْسَ يخفى عَلَيْهِ من أَعمال بني آدم شَيْء
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فس مُسْنده وَالْبَزَّار وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام كَذَلِك إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة
والأرضون مثل ذَلِك وَمَا بَين السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى الْعَرْش مثل جَمِيع ذَلِك وَلَو حفرتم لصاحبكم ثمَّ دليتموه لوجد الله ثمَّة يَعْنِي علمه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فمرت سَحَابَة فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذِه قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم فَقَالَ: هَذِه الغبابة هَذِه روايا الأَرْض يَسُوقهَا الله إِلَى بلد لَا يعبدونه وَلَا يشكرونه
هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سَمَاء
هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك موجاً مكفوفاً وسقفاً مَحْفُوظًا
هَل تدروت مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سَمَاء
هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك سَمَاء أُخْرَى
هَل تَدْرُونَ كم مَا بَينهمَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن بَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام حَتَّى عد سبع سموات بَين كل سمائين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا فَوق ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن فَوق ذَلِك الْعَرْش
فَهَل تَدْرُونَ كم بَينهمَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِن بَين ذَلِك كَمَا بَين السمائين ثمَّ قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا هَذِه هَذِه أَرض
هَل تَدْرُونَ ماتحتها
قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أَرض أُخْرَى وَبَينهمَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام حَتَّى عد سبع أَرضين بَين كل أَرضين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بَين السَّمَاء وَالْأَرْض خَمْسمِائَة عَام وَمَا بَين كل سماءين خَمْسمِائَة عَام ومصير كل سَمَاء - يَعْنِي غلظ ذَلِك - مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمَا بَين السَّمَاء إِلَى الْكُرْسِيّ مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَمَا بَين الْكُرْسِيّ وَالْمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَالْعرش على المَاء وَالله فَوق الْعَرْش وَهُوَ يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: تبَارك الله مَا أَشد بياضها وَالثَّانيَِة أَشد بياضها مِنْهَا ثمَّ كَذَلِك حَتَّى بلغ سبع سموات
وَخلق فَوق السَّابِعَة المَاء وَجعل فَوق المَاء الْعَرْش وَجعل فَوق السَّمَاء الدُّنْيَا الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والرجوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا هَذِه السَّمَاء قَالَ: هَذِه موج مكفوف عَنْكُم
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: السَّمَاء الدُّنْيَا موج مكفوف وَالثَّانيَِة مرمرة بَيْضَاء وَالثَّالِثَة حَدِيد وَالرَّابِعَة نُحَاس وَالْخَامِسَة فضَّة وَالسَّادِسَة ذهب وَالسَّابِعَة ياقوتة حَمْرَاء وَمَا فَوق ذَلِك صحارى من نور وَلَا يعلم مَا فَوق ذَلِك إِلَّا الله وَملك مُوكل بالحجب يُقَال لَهُ ميطاطروش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: السَّمَاء الدُّنْيَا من زمردة خضراء وَاسْمهَا رقيعاء وَالثَّانيَِة من فضَّة بَيْضَاء وَاسْمهَا أزقلون وَالثَّالِثَة من ياقوتة حَمْرَاء وَاسْمهَا قيدوم وَالرَّابِعَة من درة بَيْضَاء وَاسْمهَا ماعونا وَالْخَامِسَة من ذهبة حَمْرَاء وَاسْمهَا ريقا وَالسَّادِسَة من ياقوتة صفراء وَاسْمهَا دقناء وَالسَّابِعَة من نور وَاسْمهَا عريبا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: اسْم السَّمَاء الدُّنْيَا رقيع وَاسم السَّابِعَة الصُّرَاخ
وَأخرج عُثْمَان ابْن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سيد السَّمَوَات السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الْعَرْش وَسيد الْأَرْضين الأَرْض الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: كتب ابْن عَبَّاس إِلَى أبي الْجلد يسْأَله عَن السَّمَاء من أَي شَيْء هِيَ فَكتب إِلَيْهِ: إِن السَّمَاء من موج مكفوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَبَّة الْعَوْفِيّ قَالَ: سَمِعت عليا ذَات يَوْم يحلف وَالَّذِي خلق السَّمَاء من دُخان وَمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: السَّمَاء أَشد بَيَاضًا من اللَّبن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: تَحت الْأَرْضين صَخْرَة بلغنَا أَن تِلْكَ الصَّخْرَة مِنْهَا خضرَة السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تَفَكَّرُوا فِي كل شَيْء وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَات الله فَإِن بَين السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى كرسيه سَبْعَة آلَاف نور
وَهُوَ فَوق ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فسواهن سبع سماوات} قَالَ: بَعضهنَّ فَوق بعض بَين كل سمائين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
أما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} أخرج ابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن أعدل آيَة فِي الْقُرْآن آخرهَا اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن {إِذْ} فقد كَانَ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {إِنِّي جَاعل} قَالَ: فَاعل
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {جُعِلَ} فَهُوَ خُلِقَ
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله أخرج آدم من الْجنَّة قبل أَن يخلقه ثمَّ قَرَأَ {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لقد أخرج الله آدم من الْجنَّة قبل أَن يدخلهَا قَالَ الله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} وَقد كَانَ فِيهَا قبل أَن يخلق بألفي عَام الْجِنّ بَنو الجان ففسدوا فِي الأَرْض وسفكوا الدِّمَاء
فَلَمَّا أفسدوا فِي الأَرْض بعث عَلَيْهِم جُنُودا من الْمَلَائِكَة فضربوهم حَتَّى ألحقوهم بجزائر البحور فَلَمَّا قَالَ الله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} كَمَا فعل أُولَئِكَ الجان فَقَالَ الله {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من حَيّ من أَحيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ خلقُوا من نَار السمُوم من بَين الْمَلَائِكَة وَكَانَ اسْمه الْحَارِث فَكَانَ خَازِنًا من خزان الْجنَّة وخلقت الْمَلَائِكَة كلهم من نور غير هَذَا الْحَيّ وخلقت الْجِنّ من مارج من نَار
وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهبت فَأول من سكن الأَرْض الْجِنّ فأفسدوا فِيهَا وسفكوا الدِّمَاء وَقتلُوا بَعضهم بَعْضًا فَبعث الله اليهم إِبْلِيس فِي جند من الْمَلَائِكَة فَقَتلهُمْ حَتَّى ألحقهم بجزائر البحور واطراف الْجبَال فَلَمَّا فعل إِبْلِيس ذَلِك اغْترَّ بِنَفسِهِ وَقَالَ: قد صنعت شَيْئا لم يصنعه أحد فَاطلع الله على ذَلِك من قلبه وَلم يطلع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة
فَقَالَ الله للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} فَقَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} كَمَا أفسدت الْجِنّ قَالَ {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} يَقُول: إِنِّي قد أطلعت من قلب ابليس على مَا لم تطلعوا عَلَيْهِ من كبره واغتراره
ثمَّ أَمر بتربة آدم فَرفعت فخلق الله آدم عليه السلام من طين (لازب) واللازب اللزج الطّيب من (حمإ مسنون) منتن وَإِنَّمَا كَانَ حمأمسنون بعد التُّرَاب فخلق مِنْهُ آدم بِيَدِهِ فَمَكثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة جسداً ملقى فَكَانَ ابليس يَأْتِيهِ يضْربهُ بِرجلِهِ فيصلصل فيصوت ثمَّ يدْخل من فِيهِ وَيخرج من دبره وَيدخل من دبره وَيخرج من فِيهِ ثمَّ يَقُول: لست شَيْئا
ولشيء مَا خلقت وَلَئِن سلطت عَلَيْك لأهلنك وَلَئِن سلطت عَليّ لأعصينك
فَلَمَّا نفخ الله فِيهِ من روحه أَتَت النفخة من قبل رَأسه فَجعل لَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا فِي جسده إِلَّا صَار لَحْمًا ودماً فَلَمَّا انْتَهَت النفخة
إِلَى سرَّته نظر إِلَى جسده فأعجبه مَا رأى من جسده فَذهب لينهض فَلم يقدر
فَهُوَ قَول الله (خلق الإِنسان من عجل)
فَلَمَّا تمت النفخة فِي جسده عطس فَقَالَ (الْحَمد لله رب الْعَالمين) بإلهام من الله فَقَالَ الله لَهُ يَرْحَمك الله يَا آدم ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة الَّذين كَانُوا مَعَ إِبْلِيس خَاصَّة دون الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَوَات: (اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر) لما حدث فِي نَفسه من الْكبر فَقَالَ: لَا أَسجد لَهُ وَأَنا خير مِنْهُ وأكبر سنا وَأقوى خلقا فأبلسه الله وآيسه من الْخَيْر كُله وَجعله شَيْطَانا رجيماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِن الله خلق الْمَلَائِكَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَخلق الْجِنّ يَوْم الْخَمِيس وَخلق آدم يون الْجُمُعَة فَكفر قوم من الْجِنّ
فَكَانَت الْمَلَائِكَة تهبط إِلَيْهِم فِي الأَرْض فتقاتلهم فَكَانَت الدِّمَاء وَكَانَ الْفساد فِي الأَرْض
فَمن ثمَّ قَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: لما خلق الله النَّار ذعرت مِنْهَا الْمَلَائِكَة ذعراً شَدِيدا وَقَالُوا: رَبنَا لم خلقت هَذِه قَالَ: لمن عَصَانِي من خلقي - وَلم يكن لله خلق يمئذ إِلَّا الْمَلَائِكَة - قَالُوا: يَا رب وَيَأْتِي دهر نَعْصِيك فِيهِ قَالَ: لَا
إِنِّي أُرِيد أَن أخلق فِي الأَرْض خلقا وَأَجْعَل فِيهَا خَليفَة يسفكون الدِّمَاء ويفسدون فِي الأَرْض قَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} فاجعلنا نَحن فِيهَا {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة
لما فرغ الله من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش فَجعل إِبْلِيس على ملك سَمَاء الدُّنْيَا
وَكَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خَزَائِن الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا فَوَقع فِي صَدره كبر وَقَالَ: مَا أَعْطَانِي الله هَذَا إِلَّا لمزيد أَو لمزية لي فَاطلع الله على ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ للملائكو {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالُوا رَبنَا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء}
قَالَ {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة} الْآيَة
قَالَ: إِن الله قَالَ للْمَلَائكَة: إِنِّي خَالق بشرا وَإِنَّهُم
متحاسدون فَيقْتل بَعضهم بَعْضًا ويفسدون فِي الأَرْض
فَلذَلِك قَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد} قَالَ: وَكَانَ إِبْلِيس أَمِيرا على مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا فاستكبر وهم بالمعصية وطغى فَعلم الله ذَلِك مِنْهُ
فَذَلِك قَوْله {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} وَإِن فِي نفس إِبْلِيس بغياً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} قَالَ: قد علمت الْمَلَائِكَة وَعلم الله أَنه لاشيء أكره عِنْد الله من سفك الدِّمَاء وَالْفساد فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن بطة فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إيَّاكُمْ والرأي فَإِن الله تَعَالَى رد الرَّأْي على الْمَلَائِكَة وَذَلِكَ أَن الله قَالَ {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالَت الْمَلَائِكَة {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
{قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّوْبَة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن أول من لبّى الْمَلَائِكَة قَالَ الله {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء} قَالَ: فزادوه فَأَعْرض عَنْهُم فطافوا بالعرش سِتّ سِنِين يَقُولُونَ: لبيْك لبيْك اعتذاراً إِلَيْك لبيْك لبيْك نستغفرك ونتوب إِلَيْك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن سابط أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: دحيت الأَرْض من مَكَّة وَكَانَت الْمَلَائِكَة تَطوف بِالْبَيْتِ فَهِيَ أول من طَاف بِهِ وَهِي الأَرْض الَّتِي قَالَ الله {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} وَكَانَ النَّبِي إِذا هلك قومه نجا هُوَ والصالحون أَتَاهَا هُوَ وَمن مَعَه فيعبدون الله بهَا حَتَّى يموتوا فِيهَا وان قبر نوح وَهود وَشُعَيْب وَصَالح بَين زَمْزَم وَبَين الرُّكْن وَالْمقَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} قَالَ التَّسْبِيح التَّسْبِيح والتَّقْدِيس الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: أحب الْكَلَام إِلَى الله مَا اصطفاه الله لملائكته
سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ - وَفِي لفظ - سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير إِن عمر بن الْخطاب سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن صَلَاة الْمَلَائِكَة فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن
أهل السَّمَاء الدُّنْيَا سُجُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْملك والملكوت وَأهل السَّمَاء الثَّانِيَة رُكُوع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّة والجبروت وَأهل السَّمَاء الثَّالِثَة قيام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {ونقدس لَك} قَالَ: نصلي لَك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ التَّقْدِيس التَّطْهِير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ونقدس لَك} قَالَ: نعظمك ونكبرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح فِي قَوْله {وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} قَالَ: نعظمك ونمجدك
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير فِي قَوْله {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ
علم من إِبْلِيس وخلقه لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ: كَانَ فِي علم الله أَنه سَيكون من تِلْكَ الخليقة أَنْبيَاء ورسل وَقوم صَالِحُونَ وساكنو الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الأمل عَن الْحسن قَالَ: لما خلق الله آدم وَذريته قَالَت الْمَلَائِكَة: رَبنَا إِن الأَرْض لم تسعهم قَالَ: إِنِّي جَاعل موتا قَالُوا: إِذا لَا يهنأ لَهُم الْعَيْش قَالَ: إِنِّي جَاعل أملاً
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن عمر أَنه سمع رَسُول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن آدم لما أهبطه إِلَى الأَرْض قَالَت الْمَلَائِكَة: أَي رب {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قَالُوا: رَبنَا نَحن أطوع لَك من بني آدم قَالَ الله للْمَلَائكَة: هلموا ملكَيْنِ من الْمَلَائِكَة حَتَّى نهبطهما إِلَى الأَرْض فَنَنْظُر كَيفَ يعملان فَقَالُوا: رَبنَا هاروت وماروت
قَالَ فاهبطا إِلَى الأَرْض فتمثلت لَهما الزهرة امْرَأَة من أحسن الْبشر فجاءتهما فَسَأَلَاهَا نَفسهَا
فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تتكلما بِهَذِهِ الْكَلِمَة من الْإِشْرَاك قَالَا: وَالله لَا نشْرك بِاللَّه أبدا
فَذَهَبت عَنْهُمَا ثمَّ رجعت بصبي تحمله فَسَأَلَاهَا نَفسهَا فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تقتلا هَذَا الصَّبِي قَالَا: لَا وَالله لَا نَقْتُلهُ أبدا
فَذَهَبت ثمَّ رجعت بقدح من خمر فَسَأَلَاهَا نَفسهَا فَقَالَت: لَا وَالله حَتَّى تشربا هَذَا الْخمر فشربا فسكرا فوقعا عَلَيْهَا وقتلا الصَّبِي
فَلَمَّا افاقا قَالَت الْمَرْأَة: وَالله مَا تركتما شَيْئا ابيتماه عَليّ قد فعلتماه حِين سكرتما
فخيرا عِنْد ذَلِك بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن الله خلق آدم من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الأَرْض فجَاء بَنو آدم على قدر الأَرْض
جَاءَ مِنْهُم الْأَحْمَر والأبيض وَالْأسود وَبَين ذَلِك والسهل والحزن والخبيث وَالطّيب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خلقت الْكَعْبَة قبل الأَرْض بألفي سنة قَالُوا كَيفَ خلقت قبل وَهِي من الأَرْض قَالَ: كَانَت حَشَفَة على المَاء عَلَيْهَا ملكان يسبحان اللَّيْل وَالنَّهَار ألفي سنة فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يخلق الأَرْض دحاها مِنْهَا فَجَعلهَا فِي وسط الأَرْض فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يخلق آدم بعث ملكا من حَملَة الْعَرْش يَأْتِي بِتُرَاب من الأَرْض فَلَمَّا هوى ليَأْخُذ قَالَت الأَرْض: أَسأَلك بِالَّذِي أرسلك أَن لَا تَأْخُذ مني الْيَوْم شَيْئا يكون مِنْهُ للنار نصيب غَدا فَتَركهَا فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى ربه قَالَ: مَا مَنعك أَن تَأتي بِمَا أَمرتك قَالَ: سَأَلتنِي بك فعظمت أَن أرد شَيْئا سَأَلَني بك فَأرْسل ملكا آخر فَقَالَ: مثل ذَلِك حَتَّى أرسلهم كلهم فَأرْسل ملك الْمَوْت فَقَالَت لَهُ: مثل ذَلِك قَالَ: إِن الَّذِي أَرْسلنِي أَحَق بِالطَّاعَةِ مِنْك
فَأخذ من وَجه الأَرْض كلهَا
من طيبها وخبيثها حَتَّى كَانَت قَبْضَة عِنْد مَوضِع الْكَعْبَة فجَاء بِهِ إِلَى ربه فصب عَلَيْهِ من مَاء الْجنَّة فجاءحمأ مسنوناً فخلق مِنْهُ آدم بِيَدِهِ ثمَّ مسح على ظَهره فَقَالَ: تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ فَتَركه أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا ينْفخ فِيهِ الرّوح ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح فَجرى فِيهِ الرّوح من رَأسه إِلَى صَدره فَأَرَادَ أَن يثب
فَتلا أَبُو هُرَيْرَة (خلق الإِنسان من عجل)
فَلَمَّا جرى فِيهِ الرّوح قعد جَالِسا فعطس فَقَالَ الله: قل الْحَمد لله
فَقَالَ:
الْحَمد لله فَقَالَ: رَحِمك رَبك ثمَّ قَالَ: انْطلق إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة فَسلم عَلَيْهِم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالُوا: وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَقَالَ: هَذِه تحيتك وتحية ذريتك
يَا آدم
أَي مَكَان أحب إِلَيْك أَن أريك ذريتك فِيهِ فَقَالَ: بِيَمِين رَبِّي وكلتا يَدي رَبِّي يَمِين
فَبسط يَمِينه فَأرَاهُ فِيهَا ذُريَّته كلهم وَمَا هُوَ خَالق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
الصَّحِيح على هَيئته والمبتلى على هَيئته والأنبياء على هيئتهم
فَقَالَ: أَي رب أَلا عافيهتم كلهم فَقَالَ: إِنِّي أَحْبَبْت أَن أشكر فَرَأى فِيهَا رجلا ساطعاً نوره فَقَالَ: أَي رب من هَذَا فَقَالَ: هَذَا ابْنك دَاوُد فَقَالَ: كم عمره قَالَ: سِتُّونَ سنة قَالَ: كم عمري قَالَ: ألف سنة قَالَ: انقص من عمري أَرْبَعِينَ سنة فزدها فِي عمره ثمَّ رأى آخر ساطعاً نوره لَيْسَ مَعَ أحد من الْأَنْبِيَاء مثل مَا مَعَه فَقَالَ: أَي رب من هَذَا قَالَ: هَذَا ابْنك مُحَمَّد وَهُوَ أوّل من يدْخل الْجنَّة فَقَالَ آدم: الْحَمد لله الَّذِي جعل من ذريتي من يسبقني إِلَى الْجنَّة وَلَا أحسده
فَلَمَّا مضى لآدَم ألف سنة إِلَّا أَرْبَعِينَ جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة تتوفاه عيَانًا قَالَ: مَا تُرِيدُونَ قَالُوا: أردنَا أَن نتوفاك قَالَ: بَقِي من أَجلي أَرْبَعُونَ قَالُوا: أَلَيْسَ قد أعطيتهَا ابْنك دَاوُد قَالَ: مَا أَعْطَيْت أحدا شَيْئا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: جحد آدم وجحدت ذُريَّته وَنسي ونسيت ذُريَّته
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود ونا س من الصَّحَابَة قَالُوا: بعث الله جِبْرِيل إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض: أعوذ مِنْك أَن تنقص مني فَرجع وَلم يَأْخُذ شَيْئا وَقَالَ: يَا رب إِنَّهَا أعاذت بك فأعذتها
فَبعث الله مِيكَائِيل كَذَلِك
فَبعث ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ: وَأَنا أعوذ بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض وخلط وَلم يَأْخُذ من مَكَان وَاحِد وَأخذ من تربة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء - فَذَلِك خرج بَنو آدم مُخْتَلفين - فَصَعدَ بِهِ فَبل التُّرَاب حَتَّى صَار طينا (لَا زبا) واللازب: هُوَ الَّذِي يلزق بعضه بِبَعْض ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة: إِنِّي خَالق بشرا من طين فخلقه الله بِيَدِهِ لِئَلَّا يتكبر عَلَيْهِ إِبْلِيس فخلقه بشرا سوياً فَكَانَ جسداً من طين أَرْبَعِينَ سنة من مِقْدَار يَوْم الْجُمُعَة فمرت بِهِ الْمَلَائِكَة ففزعوا مِنْهُ لما رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَّدهم مِنْهُ فَزعًا إِبْلِيس فَكَانَ يمر بِهِ فيضربه فيصوّت الْجَسَد كَمَا يصوّت الفخار يكون لَهُ
صلصلة فَيَقُول: لأمر مَا خلقت وَيدخل من فِيهِ وَيخرج من دبره وَيَقُول للْمَلَائكَة: لَا ترهبوا مِنْهُ فَإِن ربكُم صَمد وَهَذَا أجوف لَئِن سلطت عَلَيْهِ لأهلكنه
فَلَمَّا بلغ الْحِين الَّذِي يُرِيد الله أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح قَالَ للْمَلَائكَة: إِذا نفخت فِيهِ من روحي فاسجدوا لَهُ فَلَمَّا نفخ فِيهِ الرّوح فَدخل فِي رَأسه عطس فَقَالَت الْمَلَائِكَة: الْحَمد لله فَقَالَ: الْحَمد لله فَقَالَ الله لَهُ: يَرْحَمك رَبك
فَلَمَّا دخلت الرّوح فِي عُنُقه نظر إِلَى ثمار الْجنَّة فَلَمَّا دخلت إِلَى جَوْفه اشْتهى الطَّعَام فَوَثَبَ قبل أَن تبلغ إِلَى رجلَيْهِ عجلاً إِلَى ثمار الْجنَّة
وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى (خلق الإِنسان من عجل)
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رب الْعِزَّة إِبْلِيس فَأخذ من أَدِيم الأَرْض: من عذبها ومالحها فخلق مِنْهَا آدم
فَكل شَيْء خلقه من عذبها فَهُوَ صائر إِلَى السَّعَادَة وَإِن كَانَ ابْن كَافِرين وكل شَيْء خلقه من مالحها فَهُوَ صائر إِلَى الشَّقَاء وَإِن كَانَ ابْن نبيين
قَالَ: وَمن ثمَّ قَالَ إِبْلِيس: (أأسجد لمن خلقت طيناً) إِن هَذِه الطينة أَنا جِئْت بهَا
وَمن ثمَّ سمي آدم لِأَنَّهُ أَخذ من أَدِيم الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: إِن آدم خلق من أَدِيم الأَرْض
فِيهِ الطّيب والصالح والرديء فَكل ذَلِك أَنْت رَاء فِي وَلَده
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِن آدم خلق من ثَلَاث تربات: سَوْدَاء وبيضاء وحمراء
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَعبد بن حميد وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: خلق الله آدم من أَرض يُقَال لَهَا دحناء
وَأخرج الديلمي عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا الْهوى وَالْبَلَاء والشهوة معجونة بطينة آدم عليه السلام
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لما صوّر الله تَعَالَى آدم فِي الْجنَّة تَركه مَا شَاءَ أَن يتْركهُ فَجعل إِبْلِيس يطِيف بِهِ ينظر مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أجوف علم أَنه خلق لَا يَتَمَالَك
وَلَفظ أبي الشَّيْخ قَالَ: خلق لَا يَتَمَالَك ظَفرت بِهِ
وَأخرج ابْن حبَان عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لما نفخ الله فِي آدم الرّوح فَبلغ الرّوح رَأسه عطس فَقَالَ (الْحَمد لله رب الْعَالمين) فَقَالَ لَهُ تبارك وتعالى: يَرْحَمك الله
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله آدم عطس فألهمه الله ربه أَن قَالَ: الْحَمد لله قَالَ لَهُ ربه: يَرْحَمك الله
فَلذَلِك سبقت رَحمته غَضَبه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما فرغ الله من خلق آدم وَجرى فِيهِ الرّوح عطس فَقَالَ: الْحَمد لله فَقَالَ لَهُ ربه: يَرْحَمك الله
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن الله خلق آدم من تُرَاب ثمَّ جعله طيناً ثمَّ تَركه حَتَّى إِذا كَا حمأ مسنوناً خلقه وصوّره ثمَّ تَركه حَتَّى إِذا كَانَ صلصالاً كالفخار وَجعل إِبْلِيس يمر بِهِ فَيَقُول: لقد خلقت لأمر عَظِيم ثمَّ نفخ الله فِيهِ من روحه فَكَانَ أوّل شَيْء جرى فِيهِ الرّوح بَصَره وخياشيمه فعطس فلقنه الله حمد ربه فَقَالَ الرب: يَرْحَمك رَبك
ثمَّ قَالَ: يَا آدم اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ النَّفر فَقل لَهُم وَانْظُر مَاذَا يَقُولُونَ فجَاء فَسلم عَلَيْهِم فَقَالُوا: وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله فجَاء إِلَى ربه فَقَالَ: مَاذَا قَالُوا لَك وَهُوَ أعلم بِمَا قَالُوا لَهُ قَالَ: يَا رب سلمت عَلَيْهِم فَقَالُوا وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة الله قَالَ: يَا آدم هَذِه تحيتك وتحية ذريتك قَالَ: يَا رب وَمَا ذريتي قَالَ: اختر يَدي قَالَ: أخْتَار يَمِين رَبِّي وكلتا يَدي رَبِّي يَمِين
فَبسط الله كَفه فَإِذا كل ماهو كَائِن من ذُريَّته فِي كف الرَّحْمَن عز وجل
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خلق الله آدم وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا قَالَ: اذْهَبْ فَسلم على أُولَئِكَ النَّفر من الْمَلَائِكَة فاسمع مَا يحيونك فَإِنَّهَا تحيتك وتحية ذريتك
فَذهب فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله فزادوه وَرَحْمَة الله
فَكل من يدْخل الْجنَّة على صُورَة آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا فَلم تزل الْخلق تنقص حَتَّى الْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة جردا مردا بيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ ابناء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وهم عبى خلق آدم طوله سِتُّونَ ذِرَاعا فِي عرض سَبْعَة أَذْرع
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: خير يَوْم طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة
فِيهِ خلق الله آدم وَفِيه أَدخل الْجنَّة وَفِيه أهبط مِنْهَا وَفِيه مَاتَ وَفِيه تيب عَلَيْهِ وَفِيه تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي نَضرة قَالَ: لما خلق الله آدم ألْقى جسده فِي السَّمَاء لَا روح فِيهِ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَلَائِكَة راعهم مَا رَأَوْهُ من خلقه فَأَتَاهُ إِبْلِيس فَلَمَّا رأى خلقه منتصباً راعه فَدَنَا مِنْهُ فنكته بِرجلِهِ فصل آدم فَقَالَ: هَذَا أجوف لَا شَيْء عِنْده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: خلق الله آدم فِي سَمَاء الدُّنْيَا وَإِنَّمَا أَسجد لَهُ مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا وَلم يسْجد لَهُ مَلَائِكَة السَّمَوَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن زيد يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَن الله لما أَرَادَ أَن يخلق آدم بعث ملكا وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ وافرة فَقَالَ: اقبض لي مِنْهَا قَبْضَة آتني بهَا أخلق مِنْهَا خلقا قَالَت: فَإِنِّي أعوذ بأسماء الله إِن تقبض الْيَوْم مني قَبْضَة يخلق خلقا يكون لِجَهَنَّم مِنْهُ نصيب فعرج الْملك وَلم يقبض شَيْئا فَقَالَ لَهُ: مَالك
قَالَ: عاذت باسمائك أَن أَقبض مِنْهَا خلقا يكون لحهنم مِنْهُ نصيب فَلم أجد عَلَيْهَا نجازا فَبعث ملكا خر فَلَمَّا أَتَاهَا قَالَت لَهُ مثل مَا قَالَت للأوّل ثمَّ بعث الثَّالِث فَقَالَت لَهُ مثل قَالَت لَهما فعرج وَلم يقبض مِنْهَا شَيْئا فَقَالَ لَهُ الرب تَعَالَى مثل مَا قَالَ للَّذين قبله
ثمَّ دَعَا إِبْلِيس - واسْمه يَوْمئِذٍ فِي الْمَلَائِكَة حباب - فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ فاقبض لي من الأَرْض قَبْضَة فَذهب حَتَّى أَتَاهَا فَقَالَت لَهُ مثل مَا قَالَت للَّذين من قبله من الْمَلَائِكَة فَقبض مِنْهَا قَبْضَة وَلم يسمع لحرجها فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ الله تَعَالَى: مَا أعاذت بأسمائي مِنْك قَالَ: بلَى
قَالَ: فَمَا كَانَ من أسمائي مَا يعيذها مِنْك قَالَ: بلَى
وَلَكِن أَمرتنِي فأطعتك فَقَالَ الله: لأخلقن مِنْهَا خلقا يسوء وَجهك فَألْقى الله تِلْكَ القبضة فِي نهر من أنهر الْجنَّة حَتَّى صَارَت طيناً فَكَانَ أول طين ثمَّ تَركهَا حَتَّى صَارَت حمأ مسنوناً منتن الرّيح ثمَّ خلق مِنْهَا آدم ثمَّ تَركه فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى صَار صلصللا كالفخار يبس حَتَّى كَانَ كالفخار
ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح بعد ذَلِك وَأوحى الله الى مَلَائكَته: إِذا نفخت فِيهِ من الرّوح فقعوا لَهُ ساجدين وَكَانَ
آدم مُسْتَلْقِيا فِي الْجنَّة فَجَلَسَ حِين وجد مس الرّوح فعطس فَقَالَ الله لَهُ: أَحْمد رَبك فَقَالَ: يَرْحَمك رَبك
فَمن هُنَالك يُقَال: سبقت رَحمته غَضَبه
وسجدت الْمَلَائِكَة إِلَّا هُوَ قَامَ فَقَالَ (مَا مَنعك أَن لَا تسْجد إِذْ أَمرتك أستكبرت أم كنت من العالين) فاخبر الله أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يعلن على الله مَا لَهُ يكيد على صَاحبه فَقَالَ (أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين قَالَ: فاهبط مِنْهَا فَمَا يكون لَك أَن تتكبر فِيهَا) إِلَى قَوْله (ولاتجد أَكْثَرهم شاكرين) وَقَالَ الله (إِن إِبْلِيس قد صدق عَلَيْهِم ظَنّه) وَإِنَّمَا كَانَ ظَنّه أَن لَا يجد أَكْثَرهم شاكرين
قَوْله تَعَالَى: وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة فَقَالَ انبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا إِنَّك أَنْت الْعَلِيم الْحَكِيم قَالَ يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ ألم أقل لكم إِنِّي أعلم غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأعلم ماتبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض الْحمرَة وَالْبَيَاض والسواد وَكَذَلِكَ ألوان النَّاس مُخْتَلفَة فِيهَا الْأَحْمَر والأبيض وَالْأسود وَالطّيب والخبيث
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله آدم من أَدِيم الأَرْض
من طِينَة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أَتَدْرُونَ لم سمي آدم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علمه اسْم الصحفة وَالْقدر وكل شَيْء حَتَّى الفسوة والفسية
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علمه اسْم كل شَيْء
حَتَّى علمه الْقَصعَة والقصيعة والفسوة والفسية
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علمه اسْم كل شَيْء
حَتَّى الْبَعِير وَالْبَقَرَة وَالشَّاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: مَا خلق الله
وَأخرج الديلمي عَن أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مثلت لي أمتِي فِي المَاء والطين وَعلمت الْأَسْمَاء كَمَا علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا
وَأخرج وَكِيع فِي تَارِيخه وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن عَطِيَّة بن يسر مَرْفُوعا
فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ علم الله فِي تِلْكَ الْأَسْمَاء ألف حِرْفَة من الْحَرْف وَقَالَ لَهُ: قل لولدك وذريتك يَا آدم إِن لم تصبروا عَن الدُّنْيَا فَاطْلُبُوا الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْحَرْف وَلَا تطلبوها بِالدّينِ فَإِن الدّين لي وحدي خَالِصا
ويل لمن طلب الدُّنْيَا بِالدّينِ ويل لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: أَسمَاء ذُريَّته أَجْمَعِينَ {ثمَّ عرضهمْ} قَالَ: أَخذهم من ظَهره
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: أَسمَاء الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علم آدم من الْأَسْمَاء أَسمَاء خلقه ثمَّ قَالَ مَا لم تعلم الْمَلَائِكَة فَسمى كل شَيْء باسمه وَأَلْجَأَ كل شَيْء إِلَى جنسه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} قَالَ: علم الله آدم الْأَسْمَاء كلهَا وَهِي هَذِه الْأَسْمَاء الَّتِي يتعارف بهَا النَّاس
انسان دَابَّة وَأَرْض وبحر وَسَهل وحمار وَأَشْبَاه ذَلِك من الْأُمَم وَغَيرهَا {ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة} يَعْنِي عرض أَسمَاء جَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي علمهَا آدم من أَصْنَاف الْخلق {فَقَالَ أنبئوني} يَقُول: أخبروني {بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين} إِن كُنْتُم تعلمُونَ أَنِّي لم أجعَل فِي الأَرْض خَليفَة {قَالُوا سُبْحَانَكَ} تَنْزِيها لله من أَن يكون يعلم الْغَيْب أحد غَيره تبنا إِلَيْك {لَا علم لنا} تبرياً مِنْهُم من علم الْغَيْب {إِلَّا مَا علمتنا} كَمَا علمت آدم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ثمَّ عرضهمْ} قَالَ: عرض أَصْحَاب
الْأَسْمَاء على الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله لما أَخذ فِي خلق آدم قَالَت الْمَلَائِكَة: مَا الله خَالق خلقا أكْرم عَلَيْهِ منا وَلَا أعلم منا
فابتلوا بِخلق آدم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن قَالَا: لما أَخذ الله فِي خلق آدم همست الْمَلَائِكَة فِيمَا بَينهَا فَقَالُوا: لن يخلق الله خلقا إِلَّا كُنَّا أعلم مِنْهُ وَأكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ
فَلَمَّا خلقه أَمرهم أَن يسجدوا لَهُ لما قَالُوا
ففضله عَلَيْهِم فَعَلمُوا أَنهم لَيْسُوا بِخَير مِنْهُ فَقَالُوا: إِن لم نَكُنْ خيرا مِنْهُ فَنحْن أعلم مِنْهُ لأَنا كُنَّا قبله {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} فَعلم اسْم كل شَيْء
جعل يُسَمِّي كل شَيْء باسمه وعرضوا عَلَيْهِ أمة {ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة فَقَالَ انبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين} ففزعوا إِلَى التَّوْبَة فَقَالُوا {سُبْحَانَكَ لَا علم لنا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّك أَنْت الْعَلِيم الْحَكِيم} قَالَ: الْعَلِيم الَّذِي قد كمل فِي علمه {الْحَكِيم} الَّذِي قد كمل فِي حكمه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {إِن كُنْتُم صَادِقين} قَالَ: إِن بني آدم يفسدون فِي الأَرْض ويسفكون الدِّمَاء
وَفِي قَوْله {وَأعلم مَا تبدون} قَالَ: قَوْلهم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا}
{وَمَا كُنْتُم تكتمون} يَعْنِي مَا أسر إِبْلِيس فِي نَفسه من الْكبر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأعلم مَا تبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون} قَالَ: مَا أسر إِبْلِيس من الْكفْر فِي السُّجُود
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأعلم مَا تبدون} قَالَ: مَا تظْهرُونَ {وَمَا كُنْتُم تكتمون} يَقُول: اعْلَم السِّرّ كَمَا أعلم الْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله {مَا تبدون} يَعْنِي قَوْلهم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} {وَمَا كُنْتُم تكتمون} يَعْنِي قَول بَعضهم لبَعض: نَحن خير مِنْهُ وَأعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مهْدي بن مَيْمُون قَالَ: سَمِعت الْحسن وَسَأَلَهُ الْحسن بن دِينَار فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد أَرَأَيْت قَول الله للْمَلَائكَة {وَأعلم مَا تبدون وَمَا كُنْتُم تكتمون} مَا الَّذِي كتمت الْمَلَائِكَة قَالَ: إِن الله لما خلق آدم رَأَتْ الْمَلَائِكَة خلقا عجبا فكأنهم دخلهم من ذَلِك شَيْء قَالَ: ثمَّ أقبل بَعضهم على بعض
فأسروا ذَلِك بَينهم فَقَالَ بعضه لبَعض: مَا الَّذِي يهمكم من هَذَا الْخلق إِن الله لَا يخلق خلقا إِلَّا كُنَّا أكْرم عَلَيْهِ مِنْهُ
فَذَلِك الَّذِي كتمت
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس أَبى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اسجدوا لآدَم} قَالَ: كَانَت السَّجْدَة لآدَم وَالطَّاعَة لله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: أَمرهم أَن يسجدوا فسجدوا لَهُ كَرَامَة من الله أكْرم بهَا آدم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي إِبْرَاهِيم الْمُزنِيّ أَنه سُئِلَ عَن سُجُود الْمَلَائِكَة لآدَم فَقَالَ: إِن الله جعل آدم كالكعبة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن عباد بن حعفر المَخْزُومِي قَالَ: كَانَ سُجُود الْمَلَائِكَة لآدَم إِيمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ضَمرَة قَالَ: سَمِعت من يذكر أَن أول الْمَلَائِكَة خرَّ سَاجِدا لله حِين أمرت الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم اسرافيل فأثابه الله بذلك أَن كتب الْقُرْآن فِي جَبهته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: لما أَمر الله الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم كَانَ أول من سجد إسْرَافيل فأثابه الله أَن كتب الْقُرْآن فِي جَبهته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم} قَالَ: كَانَت السَّجْدَة لآدَم وَالطَّاعَة لله وحسد عَدو الله إِبْلِيس آدم على مَا أعطَاهُ من الْكَرَامَة فَقَالَ: أَنا ناريٌّ وَهَذَا طينيٌّ
فَكَانَ بَدْء الذُّنُوب الْكبر
استكبر عَدو الله أَن يسْجد لآدَم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس اسْمه عزازيل وَكَانَ من أشرف الْمَلَائِكَة من ذَوي الأجنحة الْأَرْبَعَة ثمَّ أبلس بعد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي إِبْلِيس لِأَن الله أبلسه من الْخَيْر كُله آيسه مِنْهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَاق فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس قبل أَن يركب الْمعْصِيَة من الْمَلَائِكَة اسْمه عزازيل وَكَانَ من سكان الأَرْض وَكَانَ أَشد الْمَلَائِكَة اجْتِهَادًا وَأَكْثَرهم علما
فَذَلِك دَعَاهُ إِلَى الْكبر وَكَانَ من حَيّ يُسمون جنا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: كَانَ اسْم إِبْلِيس الْحَرْث
وَأخرج وَكِيع وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من خزان الْجنَّة وَكَانَ يدبر أَمر السَّمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كَانَ إِبْلِيس رَئِيس مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من أشرف الْمَلَائِكَة من أكبرهم قَبيلَة وَكَانَ خَازِن الْجنان وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا سُلْطَان الأَرْض
فَرَأى أَن لذَلِك عَظمَة وسلطاناً على أهل السَّمَوَات فاضمر فِي قلبه من ذَلِك كبرا لم يُعلمهُ إِلَّا الله فَلَمَّا أَمر الله الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لآدَم خرج كبره الَّذِي كَانَ يسر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله خلق خلقا فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} فَقَالُوا: لَا نَفْعل فَبعث نَارا فأحرقهم ثمَّ خلق هَؤُلَاءِ فَقَالَ {اسجدوا لآدَم} فَقَالُوا: نعم
وَكَانَ إِبْلِيس من أُولَئِكَ الَّذين أَبَوا أَن يسجدوا لآدَم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما خلق الله الْمَلَائِكَة قَالَ (إِنِّي خَالق بشرا من طين) فَإِذا أَنا خلقته فاسجدوا لَهُ فَقَالُوا: لَا نَفْعل
فارسل عَلَيْهِم نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ
وَخلق مَلَائِكَة أُخْرَى فَقَالَ (إِنِّي خَالق بشرا من طين) فَإِذا أَنا خلقته فاسجدوا لَهُ
فَأَبَوا فَأرْسل عَلَيْهِ نَارا فَأَحْرَقَتْهُمْ ثمَّ خلق مَلَائِكَة أُخْرَى فَقَالَ (إِنِّي خَالق بشرا من طين) فَإِذا أَنا خلقته فاسجدوا لَهُ
فَقَالُوا: سمعنَا وأطعنا إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْكَافرين الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن عَامر الْمَكِّيّ قَالَ: خلق الله الْمَلَائِكَة من نور وَخلق الجان من نَار وَخلق الْبَهَائِم من مَاء وَخلق آدم من طين فَجعل الطَّاعَة فِي الْمَلَائِكَة وَجعل الْمعْصِيَة فِي الْجِنّ والإِنس
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن الله أَمر آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَقَالَ: لَك الْجنَّة وَلمن سجد من ذريتك وَأمر إِبْلِيس بِالسُّجُود فَأبى أَن يسْجد فَقَالَ: لَك النَّار وَلمن أَبى من ولدك أَن يسْجد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان عَن ابْن عمر قَالَ: لَقِي إِبْلِيس مُوسَى فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنْت الَّذِي اصطفاك الله بِرِسَالَاتِهِ وكلمك تكليما إِذْ تبت وَأَنا أُرِيد أَن أَتُوب فاشفع لي إِلَى رَبِّي أَن يَتُوب عليّ قَالَ مُوسَى: نعم
فَدَعَا مُوسَى ربه فَقيل يَا مُوسَى قد قضيت حَاجَتك فلقي مُوسَى إِبْلِيس قَالَ: قد أمرت أَن تسْجد لقبر آدم ويتاب عَلَيْك
فاستكبر وَغَضب وَقَالَ: لم أَسجد حَيَاء أَسجد بِهِ مَيتا ثمَّ قَالَ إِبْلِيس: يَا مُوسَى إِن لَك عليّ حَقًا بِمَا شفعت لي إِلَى رَبك فاذكرني عِنْد ثَلَاث لَا أهْلكك فِيهِنَّ
اذْكُرْنِي حِين تغْضب فَإِنِّي أجري مِنْك مجْرى الدَّم واذكرني حِين تلقى الزَّحْف فَإِنِّي آتِي ابْن آدم حِين يلقى الزَّحْف
فاذكره وَلَده وَزَوجته حَتَّى يولي وَإِيَّاك أَن تجَالس امْرَأَة لَيست بِذَات محرم فَإِنِّي رسولها إِلَيْك وَرَسُولك إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس قَالَ: إِن نوحًا لما ركب السَّفِينَة أَتَاهُ إِبْلِيس فَقَالَ لَهُ نوح: من أَنْت قَالَ: أَنا إِبْلِيس قَالَ: فَمَا جَاءَ بك قَالَ: جِئْت تسْأَل لي رَبِّي هَل لي من تَوْبَة فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن تَوْبَته أَن يَأْتِي قبر آدم فَيسْجد لَهُ قَالَ: أما أَنا لم أَسجد لَهُ حَيا أَسجد لَهُ مَيتا قَالَ: فاستكبر وَكَانَ من الْكَافرين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة قَالَ: كَانَ أول خَطِيئَة كَانَت الْحَسَد
حسد إِبْلِيس آدم أَن يسْجد لَهُ حِين أَمر فَحَمله الْحَسَد على الْمعْصِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: ابْتَدَأَ الله خلق إِبْلِيس على الْكفْر والضلالة وَعمل بِعَمَل الْمَلَائِكَة فصيره إِلَى مَا بدىء إِلَيْهِ خلقه من الْكفْر قَالَ الله {وَكَانَ من الْكَافرين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ من الْكَافرين} قَالَ: جعله الله كَافِرًا لَا يَسْتَطِيع أَن يُؤمن
قَوْله تَعَالَى: وَقُلْنَا يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغداً حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت آدم نَبيا كَانَ قَالَ: نعم
كَانَ نَبيا رَسُولا كَلمه الله قبلا قَالَ لَهُ {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي ذَر قلت يَا رَسُول الله من أول الْأَنْبِيَاء قَالَ: آدم
قلت: نَبِي كَانَ قَالَ: نعم مُكَلم
قلت: ثمَّ من قَالَ: نوح وَبَينهمَا عشرَة آبَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ قلت: يَا رَسُول الله أَي الْأَنْبِيَاء كَانَ أول قَالَ: آدم قلت: يَا رَسُول الله وَنَبِي كَانَ قَالَ: نعم
نَبِي مُكَلم
قلت: كم كَانَ المُرْسَلُونَ يَا رَسُول الله قَالَ: ثلثمِائة وَخَمْسَة عشر
جماً غفيراً
وَأخرج عبد بن حميد والآجري فِي الْأَرْبَعين عَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول من كَانَ أَوَّلهمْ - يَعْنِي الرُّسُل - قَالَ: آدم قلت: يَا رَسُول الله أَنَبِي مُرْسل قَالَ: نعم
خلقه الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه وسواه قبلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله أَنَبِي كَانَ آدم قَالَ: نعم
مُكَلم
قَالَ: كم بَينه وَبَين نوح قَالَ: عشرَة قُرُون قَالَ: كم بَين نوح وَبَين ابراهيم قَالَ: عشرَة قُرُون قَالَ: يَا رَسُول الله كم الْأَنْبِيَاء قَالَ: مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا
قَالَ: يَا رَسُول الله كم كَانَت الرُّسُل من ذَلِك قَالَ: ثلثمِائة وَخَمْسَة عشر
جماً غفيراً
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن أَبَا ذَر قَالَ: يَا نَبِي الله أَي الْأَنْبِيَاء كَانَ أول قَالَ: آدم
قَالَ: أونبي كَانَ آدم قَالَ: نعم
نَبِي مُكَلم خلقه اله بِيَدِهِ ثمَّ نفخ فِيهِ من روحه ثمَّ قَالَ لَهُ يَا آدم قبلا
قلت: يَا رَسُول الله كم وفى عدَّة الْأَنْبِيَاء قَالَ: مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا
الرُّسُل من ذَلِك ثلثمِائة وَخَمْسَة عشر
جماً غفيراً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الشُّكْر والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن الْحسن قَالَ: قَالَ مُوسَى يَا رب كَيفَ يَسْتَطِيع آدم أَن يُؤَدِّي شكر مَا صنعت إِلَيْهِ خلقته بِيَدِك ونفخت فِيهِ من روحك
وأسكنته جنتك وَأمرت الْمَلَائِكَة فسجدوا لَهُ فَقَالَ: يَا مُوسَى علم أَن ذَلِك مني فحمدني عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِك شكرا لما صنعت إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: خلق الله آدم يَوْم الْجُمُعَة وَأدْخلهُ الْجنَّة يَوْم الْجُمُعَة فَجعله فِي جنَّات الفردوس
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا سكن آدم الْجنَّة إِلَّا مابين صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله آدم من أَدِيم الأَرْض يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر فَسَماهُ آدم ثمَّ عهد إِلَيْهِ فنسي فَسَماهُ الإِنسان
قَالَ ابْن عَبَّاس: فتالله مَا غَابَتْ الشّمس من ذَلِك الْيَوْم حَتَّى أهبط من الْجنَّة إِلَى الأَرْض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: لبث آدم فِي الْجنَّة سَاعَة من نَهَار
تِلْكَ السَّاعَة مائَة وَثَلَاثُونَ سنة من أَيَّام الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا كَانَ آدم عليه السلام فِي الْجنَّة إِلَّا مِقْدَار مَا بَين الظّهْر وَالْعصر
وَأخرج عبد الله فِي زوائده عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ: مكث آدم فِي الْجنَّة ربع النَّهَار وَذَلِكَ ساعتان وَنصف وَذَلِكَ مِائَتَان سنة وَخَمْسُونَ سنة فَبكى على الْجنَّة مائَة سنة
أما قَوْله تَعَالَى: {وزوجك} أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق السّديّ بن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن ابْن مسعو وناس من الصَّحَابَة قَالُوا: لما سكن آدم الْجنَّة كَانَ يمشي فِيهَا وحشاً لَيْسَ لَهُ زوج يسكن إِلَيْهَا فَنَامَ نومَة فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا عِنْد رَأسه امْرَأَة قَاعِدَة خلقهَا الله من ضلعه فَسَأَلَهَا مَا أَنْت قَالَت: امْرَأَة قَالَ: وَلم خلقت قَالَت: لتسكن إليّ قَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة ينظرُونَ مَا يبلغ علمه: مَا اسْمهَا يَا آدم قَالَ: حَوَّاء
قَالُوا: لم سميت حوّاء قَالَ: لِأَنَّهَا خلقت من حَيّ فَقَالَ الله {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة}
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُجَاهِد قَالَ: نَام آدم فخلقت حَوَّاء من قصيراه فَاسْتَيْقَظَ فرآها فَقَالَ: من أَنْت فَقَالَت: أَنا أسا
يَعْنِي امْرَأَة بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا فَإِن الْمَرْأَة خلقت من ضلع وَأَن أَعْوَج شَيْء من الضلع رَأسه وَإِن ذهبت تُقِيمهُ كَسرته وَإِن تركته تركته وَفِيه عوج
فَاسْتَوْصُوا بِالنسَاء خيرا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سميت حَوَّاء لِأَنَّهَا أم كل حَيّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سميت الْمَرْأَة مرأة لِأَنَّهَا خلقت من الْمَرْء وَسميت حَوَّاء لِأَنَّهَا أم كل حَيّ
وَأخرج إِسْحَاق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء قَالَ: لما سجدت الْمَلَائِكَة لآدَم نفر إِبْلِيس نفرة ثمَّ ولى هَارِبا وَهُوَ يلْتَفت أَحْيَانًا ينظر هَل عصى ربه أحد غَيره
فَعَصَمَهُمْ الله ثمَّ قَالَ الله لآدَم: قُم يَا آدم فَسلم عَلَيْهِم
فَقَامَ فَسلم عَلَيْهِم وردوا عَلَيْهِ ثمَّ عرض الْأَسْمَاء على الْمَلَائِكَة فَقَالَ الله لملائكته: زعتم أَنكُمْ أعلم مِنْهُ (انبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين قَالُوا سُبْحَانَكَ) إِن الْعلم مِنْك وَلَك وَلَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا فَلَمَّا أقرُّوا بذلك (قَالَ يَا آدم أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ) فَقَالَ آدم: هَذِه نَاقَة جمل بقرة نعجة شَاة فرس وَهُوَ من خلق رَبِّي
فَكل شَيْء سمي آدم فَهُوَ اسْمه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَجعل يدهو كل شَيْء باسمه حِين يمر بَين يَدَيْهِ حَتَّى بَقِي الْحمار وَهُوَ أخر شَيْء مر عَلَيْهِ
فجَاء الْحمار من وَرَاء ظَهره فَدَعَا آدم: أقبل يَا حمَار
فَعلمت الْمَلَائِكَة أَنه أكْرم على الله وَأعلم مِنْهُم ثمَّ قَالَ لَهُ ربه: يَا آدم ادخل الْجنَّة تحيا وتكرم فَدخل الْجنَّة فَنَهَاهُ عَن الشَّجَرَة قبل أَن يخلق حَوَّاء
فَكَانَ آدم لَا يسْتَأْنس إِلَى خلق فِي الْجنَّة وَلَا يسكن إِلَيْهِ وَلم يكن فِي الْجنَّة شَيْء يُشبههُ فالقى الله عَلَيْهِ النّوم وَهُوَ أوّل نوم كَانَ فانتزعت من ضلعه الصُّغْرَى من جَانِبه الْأَيْسَر فخلقت حَوَّاء مِنْهُ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ آدم جلس فَنظر إِلَى حَوَّاء تشبهه من أحسن الْبشر وَلكُل امْرَأَة فضل على الرجل بضلع وَكَانَ الله علم آدم اسْم كل شَيْء فَجَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة فهنوه وسلموا عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا آدم مَا هَذِه قَالَ: هَذِه مرأة قيل لَهُ: فَمَا اسْمهَا قَالَ: حَوَّاء فَقيل لَهُ: لم سميتها حَوَّاء قَالَ: لِأَنَّهَا خلقت من حَيّ
فَنفخ بَينهمَا من روح الله فَمَا كَانَ من شَيْء يتراحم النَّاس بِهِ فَهُوَ من فضل رحمتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَشْعَث الْحدانِي قَالَ: كَانَت حَوَّاء من نسَاء الْجنَّة وَكَانَ الْوَلَد يرى فِي بَطنهَا إِذا حملت ذكر أم أُنْثَى من صفاتها
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لما خلق الله آدم وَخلق لَهُ زَوجته بعث إِلَيْهِ ملكا وأمرة بِالْجِمَاعِ فَفعل فَلَمَّا فرغ قَالَت لَهُ حَوَّاء: يَا آدم هَذِه طيب زِدْنَا مِنْهُ
أما قَوْله تَعَالَى {وكلا مِنْهَا رغداً} أخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالَ الرغد الهنيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الرغد سَعَة العيشة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وكلا مِنْهَا رغداً حَيْثُ شئتما} قَالَ: لَا حِسَاب عَلَيْكُم
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم السنبلة
وَفِي لفظ الْبر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم الْبر وَلَكِن الْحبَّة مِنْهَا فِي الْجنَّة كمكلي الْبَقر أَلين من الزّبد وَأحلى من الْعَسَل
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: هِيَ السنبلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّجَرَة الَّتِي نهى عَنْهَا آدم
الْكَرم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج وَكِيع وَابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن جعدة بن هُبَيْرَة قَالَ: الشَّجَرَة الَّتِي افْتتن بهَا آدم الْكَرم وَجعلت فتْنَة لوَلَده من بعده وَالَّتِي أكل مِنْهَا آدم الْعِنَب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هِيَ اللوز
قلت: كَذَا فِي النُّسْخَة وَهِي قديمَة وَعِنْدِي أَنَّهَا تصحفت من الْكَرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا التينة
وَأخرج ابْن جرير عَن بعض الصَّحَابَة قَالَ: هِيَ تينة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: هِيَ التِّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط قَالَ: هِيَ الأترج
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن شُعَيْب الحيائي قَالَ: كَانَت الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم وَزَوجته شبه الْبر
تسمى الرعة وَكَانَ لباسهم النُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَت الشَّجَرَة من أكل مِنْهَا أحدث ولاينبغي أَن يكون فِي الْجنَّة حدث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} قَالَ: ابتلى الله آدم كَمَا ابتلى الْمَلَائِكَة قبله وكل شَيْء خلق مبتلى وَلم يدع الله شَيْئا من خلقه إِلَّا ابتلاه بِالطَّاعَةِ فَمَا زَالَ الْبلَاء بِآدَم حَتَّى وَقع فِيمَا نهي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ابتلى الله آدم فأسكنه الْجنَّة يَأْكُل مِنْهَا رغداً حَيْثُ شَاءَ وَنَهَاهُ عَن شَجَرَة وَاحِدَة أَن يَأْكُل مِنْهَا وَقدم إِلَيْهِ فِيهَا
فَمَا زَالَ بِهِ الْبلَاء حَتَّى وَقع بِمَا نهي عَنهُ فبدت لَهُ سوءته عِنْد ذَلِك وَكَانَ لَا يَرَاهَا فأهبط من الْجنَّة
قَوْله تَعَالَى: فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عدوّ وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأزلهما} قَالَ: فأغواهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة {فأزلهما} فنحاهما
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قراءتنا فِي الْبَقَرَة مَكَان {فأزلهما} فوسوس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالُوا: لما قَالَ الله لآدَم {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} أَرَادَ إِبْلِيس أَن يدْخل عَلَيْهِمَا الْجنَّة
فَأتى الْحَيَّة هِيَ دَابَّة لَهَا أَربع قَوَائِم كَأَنَّهَا الْبَعِير وَهِي كأحسن الدَّوَابّ فكلمها أَن تدخله فِي فمها حَتَّى تدخل بِهِ إِلَى آدم فادخلته فِي فمها فمرت الْحَيَّة على الخزنة فَدخلت وَلَا يعلمُونَ لما أَرَادَ الله من الْأَمر فَكَلمهُ من فمها فَلم يبال بِكَلَامِهِ فَخرج إِلَيْهِ فَقَالَ (يَا آدم هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى) وَحلف لَهما بِاللَّه (إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين) فَأبى آدم أَن يَأْكُل مِنْهَا فَقَعَدت حَوَّاء فَأكلت ثمَّ قَالَت: يَا آدم كل فَإِنِّي قد أكلت فَلم يضر بِي
فَلَمَّا أكل (بَدَت لَهما سوآتهما وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن عدوّ الله إِبْلِيس عرض نَفسه على دَوَاب الأَرْض أَنَّهَا تحمله حَتَّى يدْخل الْجنَّة مَعهَا ويكلم آدم
فَكل الدَّوَابّ أَبى ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى كلم الْحَيَّة فَقَالَ لَهَا: أمنعك من ابْن آدم فَإنَّك فِي ذِمَّتِي إِن أدخلتني الْجنَّة فَحَملته بَين نابين حَتَّى دخلت بِهِ فَكَلمهُ من فِيهَا وَكَانَت كاسية تمشي على أَربع قَوَائِم فاعراها الله وَجعلهَا تمشي على بَطنهَا
يَقُول ابْن عَبَّاس: فاقتلوها حَيْثُ وجدتموها اخفروا ذمَّة عدوّ الله فِيهَا
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله عَنْهَا آدم وَزَوجته السنبلة فَلَمَّا (أكلا مِنْهَا بَدَت لَهما سوآتهما) وَكَانَ الَّذِي دارى عَنْهُمَا من سوآتهما أظفارهما (وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة) ورق التِّين يلزقان بعضه إِلَى بعض فَانْطَلق آدم موليا فِي الْجنَّة فَأخذت بِرَأْسِهِ شَجَرَة من شجر الْجنَّة فناداه بِهِ: يَا آدم أمني تَفِر قَالَ: لَا وَلَكِنِّي استحيتك يَا رب قَالَ: أما كَانَ لَك فِيمَا منحتك من الْجنَّة وأبحتك مِنْهَا مندوحة عَمَّا حرمت عَلَيْك قَالَ: بلَى يَا رب وَلَك - وَعزَّتك - مَا حسبت أَن أحدا يحلف بك كَاذِبًا قَالَ: فبعزتي لأهبطنك إِلَى الأَرْض ثمَّ لَا تنَال الْعَيْش إِلَّا كدا
فاهبطا من الْجنَّة وَكَانَا يأكلان مِنْهَا رغداً فاهبط إِلَى غير رغد من طَعَام وَلَا شراب فَعلم صَنْعَة الْحَدِيد وَأمر بالحرث فحرث فزرع ثمَّ سقى حَتَّى إِذا بلغ حصد درسه ثمَّ ذراه ثمَّ طحنه عجنه ثمَّ خبزه ثمَّ أكله فَلم يبلغهُ حَتَّى بلغ مِنْهُ مَا شَاءَ الله أَن يبلغ وَكَانَ آدم حِين أهبط من الْجنَّة بَكَى بكاء لم يبكه أحد فَلَو وضع بكاء دَاوُد على خطيئته وبكاء يَعْقُوب على ابْنه وبكاء ابْن آدم على أَخِيه حِين قَتله ثمَّ بكاء أهل الأَرْض مَا عدل ببكاء آدم عليه السلام حِين أهبط
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْعَزِيز بن عميرَة قَالَ قَالَ الله لآدَم اخْرُج من جواري وَعِزَّتِي لَا يجاورني فِي دَاري من عَصَانِي يَا جِبْرِيل أخرجه اخراجاً غير عنيف فَأخذ بِيَدِهِ يُخرجهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَاق فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبيّ بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن آدم كَانَ رجلا طوَالًا كَأَنَّهُ نَخْلَة سحوق سِتِّينَ ذِرَاعا كثير شعر الرَّأْس
فَلَمَّا ركب الْخَطِيئَة بَدَت لَهُ عَوْرَته وَكَانَ لَا يَرَاهَا قبل ذَلِك فَانْطَلق هَارِبا فِي الْجنَّة فتعلقت بِهِ شَجَرَة فَأخذت بناصيته فَقَالَ لَهَا: أرسليني قَالَ: لست بمرسلتك وناداه ربه: يَا آدم أمني تَفِر قَالَ: يَا رب إِنِّي استحييتك قَالَ: يَا آدم اخْرُج من جواري فبعزتي لَا أساكن من عَصَانِي وَلَو خلقت ملْء الأَرْض مثلك خلقا ثمَّ عصوني لاسكنتهم دَار العاصين
قَالَ: أَرَأَيْت إِن أَنا تبت وَرجعت أتتوب عليَّ قَالَ: نعم
يَا آدم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من حَدِيث أنس
مثله
وَأخرج ابْن منيع وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْبكاء وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ الله لآدَم: يَا آدم مَا حملك على أَن أكلت من الشَّجَرَة الَّتِي نهيتك عَنْهَا قَالَ: يَا رب زينته لي حَوَّاء قَالَ: فَإِنِّي عَاقبَتهَا بِأَن لَا تحمل إِلَّا كرها وَلَا تضع إِلَّا كرها ودميتها فِي كل شهر مرَّتَيْنِ قَالَ: فرنت حَوَّاء عِنْد ذَلِك فَقيل لَهَا: عَلَيْك الرنة وعَلى بناتك
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن عَسَاكِر عَن عمر بن الْخطاب عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله بعث جِبْرِيل إِلَى حَوَّاء حِين دميت فنادت رَبهَا جَاءَ مني دم لَا أعرفهُ
فناداها لأدمينك وذريتك ولأجعنله لَك كَفَّارَة وَطهُورًا
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْلَا بَنو اسرائيل لم يخنز اللَّحْم وَلَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والخطيب فِي التَّارِيخ والديلمي فِي مُسْند الفردوس وَابْن عَسَاكِر بسندٍ واهٍ عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فضلت على آدم بخصلتين
كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم وَكَانَ أزواجي عوناً لي
وَكَانَ شَيْطَان آدم كَافِرًا وَزَوجته عوناً لَهُ على خطيئته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد
أَن آدم ذكر مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِن أفضل مَا فضل بِهِ عَليّ ابْني صَاحب الْبَعِير أَن زَوجته كَانَت عوناً لَهُ على دينه وَكَانَت زَوْجَتي عوناً لي على الْخَطِيئَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: تحاج آدم ومُوسَى فحج آدم مُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي أغويت النَّاس وأخرجتهم من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي أعطَاهُ الله كل شَيْء واصطفاه برسالته قَالَ: نعم
قَالَ: فتلومني على أَمر قدر عليّ قبل أَن أخلق
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: احْتج آدم ومُوسَى
فَقَالَ مُوسَى: أَنْت خلقك الله بِيَدِهِ أسكنك جنته وَأسْندَ لَك مَلَائكَته فأخرجت ذريتك من الْجنَّة وأشقيتهم فَقَالَ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله بِكَلَامِهِ ورسالاته تلومني فِي شَيْء وجدته قد قدر عليّ قبل أَن أخلق فحج آدم مُوسَى
وَأخرج أَبُو دَاوُد والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن مُوسَى قَالَ يَا رب أرنا آدم الَّذِي أخرجنَا وَنَفسه من الْجنَّة فَأرَاهُ الله آدم فَقَالَ: أَنْت أَبونَا آدم فَقَالَ لَهُ آدم: نعم
قَالَ: أَنْت الَّذِي نفخ الله فِيك من روحه وعلمك الْأَسْمَاء كلهَا وأَمر الْمَلَائِكَة فسجدوا لَك قَالَ: نعم
فَقَالَ: مَا حملك على أَن أخرجتنا من الْجنَّة فَقَالَ لَهُ آدم: وَمن أَنْت قَالَ: مُوسَى قَالَ: أَنْت نَبِي بني إسرائي الَّذِي كلمك الله من وَرَاء الْحجاب لم يَجْعَل بَيْنك وَبَينه رَسُولا من خلقه قَالَ: نعم
قَالَ: فَمَا وجدت أَن ذَلِك كَانَ فِي كتاب الله قبل أَن أخلق قَالَ: نعم
قَالَ: فَلم تلومني فِي شَيْء سبق فِيهِ من الله الْقَضَاء قبل قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: عِنْد ذَلِك فحج آدم مُوسَى
فحج آدم مُوسَى
وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلي وَالطَّبَرَانِيّ والآجري عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: احْتج آدم ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: يَا آدم أَنْت الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ
وَنفخ فِيك من روحه وأسجد لَك مَلَائكَته وأسكنك جنته وَفعلت مَا فعلت فأخرجت ولدك من الْجنَّة فَقَالَ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي بَعثك الله رسَالَته وكلمك وآتاك التَّوْرَاة وقربك نجيا أَنا أقدم أم الذّكر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم مُوسَى
وَأخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات عَن أبي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: احْتج آدم ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ وأسجد لَك مَلَائكَته وعملت الْخَطِيئَة الَّتِي أخرجتك من الْجنَّة قَالَ آدم ك أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله برسالته وَأنزل عَلَيْك التَّوْرَاة وكلمك تكليماً فبكم خطيئتي سبقت خلقي قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم مُوسَى
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: التقى آدم ومُوسَى عليهما السلام فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ وأسجد لَك مَلَائكَته وأدخلك جنته ثمَّ أخرجتنا مِنْهَا فَقَالَ لَهُ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله برسالته وقربك نجيا وَأنزل عَلَيْك التَّوْرَاة فأسألك بِالَّذِي أَعْطَاك ذَلِك بكم تَجدهُ كتب عليّ قبل أَن أخلق قَالَ: أَجِدهُ كتب عَلَيْك بِالتَّوْرَاةِ بألفي عَام فحج آدم مُوسَى
أما قَوْله تَعَالَى {وَقُلْنَا اهبطوا} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عدوّ} قَالَ: آدم وحوّاء وإبليس والحية {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} قَالَ: الْقُبُور {ومتاع إِلَى حِين} قَالَ: الْحَيَاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عدوّ} قَالَ: آدم والحية والشيطان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة عَن أبي صَالح قَالَ {اهبطوا} قَالَ: آدم وحوّاء والحية
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ {اهبطوا} يَعْنِي آدم وحوّاء وإبليس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن قتل الْحَيَّات فَقَالَ: خلقت هِيَ والإِنسان كل وَاحِد مِنْهُمَا عدوّ لصَاحبه
إِن رَآهَا أفزعته وَإِن لدغته أوجعته
فَاقْتُلْهَا حَيْثُ وَجدتهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر} فَوق الأَرْض ومستقر تَحت الأَرْض
قَالَ {ومتاع إِلَى حِين} حَتَّى يصير إِلَى الْجنَّة أَو إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهبط آدم إِلَى أَرض يُقَال لَهَا دجنا بَين مَكَّة والطائف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: اهبط آدم بالصفا وحوّاء بالمروة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
إِن أوّل مَا أهبط الله آدم إِلَى أَرض الْهِنْد
وَفِي لفظ بدجناء أَرض الْهِنْد
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أطيب ريح الأَرْض الْهِنْد
أهبط بهَا آدم فعلق رِيحهَا من شجر الْجنَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهبط آدم بِالْهِنْدِ وحوّاء بجدة فجَاء فِي طلبَهَا حَتَّى أَتَى جمعا فازدلفت إِلَيْهِ حوّاء
فَلذَلِك سميت الْمزْدَلِفَة واجتمعا بِجمع فَلذَلِك سميت جمعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَجَاء بن أبي سَلمَة قَالَ: أهبط آدم يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ مطأطئاً رَأسه وأهبط إِبْلِيس مشبكاً بَين أَصَابِعه رَافعا رَأسه إِلَى السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن حميد بن هِلَال قَالَ: إِنَّمَا كره التخصر فِي الصَّلَاة لِأَن إِبْلِيس أهبط متخصراً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: نزل آدم عليه السلام بِالْهِنْدِ فاستوحش فَنزل جِبْرِيل بِالْأَذَانِ: الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مرَّتَيْنِ أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله مرَّتَيْنِ
فَقَالَ: وَمن مُحَمَّد هَذَا قَالَ: هَذَا آخر ولدك من الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِن آدم لما أهبط إِلَى الأَرْض هَبَط بِالْهِنْدِ وَإِن رَأسه كَانَ ينَال السَّمَاء وَإِن الأَرْض شكت إِلَى رَبهَا ثقل آدم فَوضع الْجَبَّار تَعَالَى يَده على رَأسه فَانْحَطَّ مِنْهُ سَبْعُونَ ذِرَاعا وَهَبَطَ مَعَه بالعجوة والاترنج والموز
فَلَمَّا أهبط قَالَ: رب هَذَا العَبْد الَّذِي جعلت بيني وَبَينه عَدَاوَة إِن لم تَعْنِي عَلَيْهِ لَا أقوى عَلَيْهِ قَالَ: لَا
يُولد لَك ولد إِلَّا وكلت بِهِ ملكا قَالَ: رب زِدْنِي قَالَ: أجازي السَّيئَة بِالسَّيِّئَةِ وبالحسنة عشرَة أَمْثَالهَا إِلَى مَا أَزِيد قَالَ: رب زِدْنِي قَالَ: بَاب التَّوْبَة لَهُ مَفْتُوح مَا دَامَ الرّوح فِي الْجَسَد قَالَ إِبْلِيس: يَا رب هَذَا العَبْد الَّذِي أكرمته إِن لم تَعْنِي عَلَيْهِ لَا أقوى عَلَيْهِ قَالَ: لَا يُولد لَهُ ولد إِلَّا ولد لَك ولد قَالَ: يَا رب زِدْنِي قَالَ: تجْرِي مِنْهُ مجْرى الدَّم وتتخذ فِي صدروهم بُيُوتًا قَالَ: رب زِدْنِي قَالَ (اجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد)(الْإِسْرَاء آيَة 64)
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما خلق الله آدم كَانَ رَأسه يمس السَّمَاء فوطاه الله إِلَى الأَرْض حَتَّى صَار سِتِّينَ ذِرَاعا فِي سَبْعَة أَذْرع عرضا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لما أهبط الله آدم أهبطه بِأَرْض الْهِنْد وَمَعَهُ غرس من شجر الْجنَّة فغرسه بهَا وَكَانَ رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض وَكَانَ يسمع كَلَام الْمَلَائِكَة فَكَانَ ذَلِك يهوّن عَلَيْهِ وحدته فغمز غمزة فتطأطأ إِلَى سبعين ذِرَاعا فَأنْزل الله إِنِّي منزل عَلَيْك بَيْتا يُطَاف حوله كَمَا تَطوف الْمَلَائِكَة حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده كَمَا تصلي الْمَلَائِكَة حول عَرْشِي
فَأقبل نَحْو الْبَيْت فَكَانَ مَوضِع كل قدم قَرْيَة وَمَا بَين قَدَمَيْهِ مفازة حَتَّى قدم مَكَّة فَدخل من بَاب الصَّفَا وَطَاف بِالْبَيْتِ وصلّى عِنْده ثمَّ خرج إِلَى الشَّام فَمَاتَ بهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أهبط آدم إِلَى الأَرْض فزعت الوحوش وَمن فِي الأَرْض من طوله فأطر مِنْهُ سَبْعُونَ ذِرَاعا
وَأخرج ابْن جرير فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن آدم حِين خرج من الْجنَّة كَانَ لَا يمر بِشَيْء إِلَّا عنت بِهِ فَقيل للْمَلَائكَة: دَعوه فليتزوّد مِنْهَا مَا شَاءَ
فَنزل حِين نزل بِالْهِنْدِ وَلَقَد حج مِنْهَا أَرْبَعِينَ حجَّة على رجلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عَطاء بن أبي ريَاح قَالَ: هَبَط آدم بِأَرْض الْهِنْد وَمَعَهُ أَعْوَاد أَرْبَعَة من أَعْوَاد الْجنَّة وَهِي هَذِه التب تتطيب بهَا النَّاس وَأَنه حج هَذَا الْبَيْت على بقرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: أخرج آدم من الْجنَّة للساعة التَّاسِعَة أَو الْعَاشِرَة فَأخْرج مَعَه غصناً من شجر الْجنَّة على رَأسه تَاج من شجر الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: أهبط آدم بِالْهِنْدِ وهبطت حوّاء بجدة وَهَبَطَ إِبْلِيس بدست بيسان الْبَصْرَة على أَمْيَال وهبطت الْحَيَّة باصبهان
وَأخرج ابْن جرير فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر قَالَ: إِن الله أوحى إِلَى آدم وَهُوَ بِبِلَاد الْهِنْد أَن حج هَذَا الْبَيْت فحج فَكلما وضع قَدَمَيْهِ صَار قَرْيَة ومابين خطوتيه مفازة حَتَّى انْتهى إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ وَقضى الْمَنَاسِك كلهَا ثمَّ أَرَادَ الرُّجُوع فَمضى حَتَّى إِذا كَانَ بالمازمين تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَة فَقَالَت: برَّ حجك يَا آدم فدخله من ذَلِك
فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك الْمَلَائِكَة مِنْهُ قَالَت: يَا آدم إِنَّا قد حجَجنَا هَذَا قبلك قبل أَن تخلق بألفي عَام
فتقاصرت إِلَيْهِ نَفسه
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والاصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: حج آدم عليه السلام فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: برَّ نُسكك يَا آدم لقد حجَجنَا قبلك بألفي عَام
وَأخرج الْخَطِيب فِي التَّارِيخ بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف عَن يحيى بن أَكْثَم أَنه قَالَ فِي مجْلِس الواثق: من حلق رَأس آدم حِين حج فتعايا الْفُقَهَاء عَن الْجَواب فَقَالَ الواثق: أَنا أحضر من ينبئكم بالْخبر
فَبعث إِلَى عَليّ بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عَليّ بن مُوسَى بن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحِين بن عَليّ بن أبي طَالب فَسَأَلَهُ
فَقَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَمر جِبْرِيل أَن ينزل بياقوتة من الْجنَّة فهبط بهَا فَمسح بهَا رَأس آدم فَتَنَاثَرَ الشّعْر مِنْهُ فَحَيْثُ بلغ نورها صَار حرما
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله لما أخرج آدم من الْجنَّة زوّده من ثمار الْجنَّة وَعلمه صَنْعَة كل شَيْء
فثماركم من ثمار الْجنَّة غير أَن هَذِه تَتَغَيَّر وَتلك لَا تَتَغَيَّر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وصحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
مَوْقُوفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهبط آدم بِثَلَاثِينَ صنفا من فَاكِهَة الْجنَّة مِنْهَا مَا يُؤْكَل دَاخله وخارجه وَمِنْهَا مَا يُؤْكَل دَاخله ويطرح خَارجه وَمِنْهَا مَا يُؤْكَل خَارجه ويطرح دَاخله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْبكاء عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة قَالَ: أول شَيْء أكله آدم حِين أهبط إِلَى الأَرْض الكمثرى وَإنَّهُ لما أَرَادَ أَن يتغوّط أَخذه من ذَلِك كَمَا يَأْخُذ الْمَرْأَة عِنْد الْولادَة فَذهب شرقاً وغرباً لَا يدْرِي كَيفَ يصنع حَتَّى نزل إِلَيْهِ جِبْرِيل فأقعى آدم فَخرج ذَلِك مِنْهُ فَلَمَّا وجد رِيحه مكث يبكي سبعين سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ثَلَاثَة أَشْيَاء أنزلت مَعَ آدم
السندان والكلبتان والمطرقة
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ بِسَنَد ضَعِيف عَن سلمَان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن آدم أهبط إِلَى الأَرْض وَمَعَهُ السندان والكلبتان والمطرقة واهبطت حَوَّاء بجدة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِن الله لما خلق الدُّنْيَا لم يخلق فِيهَا ذَهَبا وَلَا فضَّة فَلَمَّا أَن أهبط آدم وحواء أنزل مَعَهُمَا ذَهَبا وَفِضة فسلكه ينابيع الأَرْض مَنْفَعَة لأولادهما من بعدهمَا وَجعل ذَلِك صدَاق آدم لحواء
فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتزوّج إِلَّا بِصَدَاق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما أهبط الله آدم أهبطه بأَشْيَاء ثَمَانِيَة: أَزوَاج من الإِبل وَالْبَقر والضأن والمعز وأهبطه بباسنة فِيهَا بذر وتعريشة عنبة وَرَيْحَانَة والباسنة: قيل: آلَات الصناع وَقيل هِيَ سكَّة الْحَرْث وَلَيْسَ بعربي مَحْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن السّري بن يحيى قَالَ: اهبط آدم من الْجنَّة وَمَعَهُ البذور فَوضع إِبْلِيس عَلَيْهَا يَده فَمَا أصَاب يَده ذهيت منفعَته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: هَبَط آدم وحواء عريانيين جَمِيعًا عَلَيْهِمَا ورق الْجنَّة فَأَصَابَهُ الْحر حَتَّى قَعَدَ يبكي وَيَقُول لَهَا: يَا حَوَّاء قد آذَانِي الْحر فَجَاءَهُ جِبْرِيل بِقطن وأمرها أَن تغزل وَعلمهَا وَعلم آدم وَأمر آدم بالحياكة وَعلمه وَكَانَ لم يُجَامع إمرائته فِي الْجنَّة حَتَّى هَبَط مِنْهَا وَكَانَ كل مِنْهُمَا ينَام على حِدة حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل فَأمره أَن يَأْتِي أَهله وَعلمه كَيفَ يأيتها فَلَمَّا أَتَاهَا جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: كَيفَ وجدت امْرَأَتك قَالَ: صَالِحَة
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس مَرْفُوعا أول من حاك آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ آدم عليه السلام حراثاً وَكَانَ إِدْرِيس خياطاً وَكَانَ نوح نجاراً وَكَانَ هود تَاجِرًا وَكَانَ إِبْرَاهِيم رَاعيا وَكَانَ دَاوُد زراداً وَكَانَ سُلَيْمَان خوّاصاً وَكَانَ مُوسَى أَجِيرا وَكَانَ عِيسَى سياحا وَكَانَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم شجاعاً جعل رزقه تَحت رمحه
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل عِنْده: أدن مني أحَدثك عَن الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين فِي كتاب الله
أحَدثك عَن آدم كَانَ حراثاً وَعَن نوح كَانَ نجاراً وَعَن إِدْرِيس كَانَ خياطاً وَعَن دَاوُد كَانَ زراداً وَعَن مُوسَى كَانَ رَاعيا وَعَن إِبْرَاهِيم كَانَ زراعاً عَظِيم الضِّيَافَة وَعَن شُعَيْب كَانَ رَاعيا وَعَن لوط كَانَ زراعاً وَعَن صَالح كَانَ تَاجِرًا وَعَن سُلَيْمَان كَانَ ولي الْملك
ويصوم من الشَّهْر ستّة أَيَّام فِي أَوله وَثَلَاثَة فِي وَسطه وَثَلَاثَة فِي آخِره وَكَانَ لَهُ تِسْعمائَة سَرِيَّة وثلاثمائة مهرية وأحدثك عَن ابْن الْعَذْرَاء البتول عِيسَى
إِنَّه كَانَ لَا يخبىء شَيْئا لغد وَيَقُول: الَّذِي غداني سَوف يعشيني وَالَّذِي عشاني سَوف يغديني ويعبد الله ليلته كلهَا وَهُوَ بِالنَّهَارِ يسبح ويصوم الدَّهْر وَيقوم اللَّيْل كُله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل آدم بِالْحجرِ الْأسود من الْجنَّة يمسح بِهِ دُمُوعه وَلم ترق دموع آدم حِين خرج من الْجنَّة حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِن آدم لما أهبط إِلَى الأَرْض شكا إِلَى ربه الوحشة فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن انْظُر بحيال بَيْتِي الَّذِي رَأَيْت ملائكتي يطوفون بِهِ فَاتخذ بَيْتا فَطُفْ بِهِ كَمَا رَأَيْت ملائكتي يطوفون بِهِ
فَكَانَ مَا بَين يَدَيْهِ مفاوز وَمَا بَين قَدَمَيْهِ الْأَنْهَار والعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: نزل آدم بِالْهِنْدِ فَنَبَتَتْ شَجَرَة الطّيب
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج آدم من الْجنَّة بَين الصَّلَاتَيْنِ
صلاه الظّهْر وَصَلَاة الْعَصْر فَأنْزل إِلَى الأَرْض
وَكَانَ مكثه فِي الْجنَّة نصف يَوْم من أَيَّام الْآخِرَة وَهُوَ خَمْسمِائَة سنة من يَوْم كَانَ مِقْدَاره اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة وَالْيَوْم ألف سنة مِمَّا يعد أهل الدُّنْيَا
فأهبط آدم على جبل بِالْهِنْدِ يُقَال لَهُ نود وأُهْبِطَت حَوَّاء بجدة فَنزل آدم مَعَه ريح الْجنَّة فعلق بشجرها وأوديتها فَامْتَلَأَ مَا هُنَالك
طيبا ثمَّ يُؤْتى بالطيب من ريح آدم وَقَالُوا: أنزل عَلَيْهِ من طيب الْجنَّة أَيْضا وَأنزل مَعَه الْحجر الْأسود وَكَانَ أَشد بَيَاضًا من الثَّلج وعصا مُوسَى وَكَانَت من آس الْجنَّة
طولهَا عشرَة أَذْرع على طول مُوسَى
وَمر ولبان
ثمَّ أنزل عَلَيْهِ بعد السندان والكلبة والمطرقتان فَنظر آدم حِين أهبط على الْجَبَل إِلَى قضيب من حَدِيد نابت على الْجَبَل فَقَالَ: هَذَا من هَذَا فَجعل يكسر أشجاراً قد عتقت ويبست بالمطرقة ثمَّ أوقد على ذَلِك الْقَضِيب حَتَّى ذاب فَكَانَ أول شَيْء ضرب مِنْهُ مدية فَكَانَ يعْمل بهَا ثمَّ ضرب التَّنور وَهُوَ الَّذِي وَرثهُ نوح وَهُوَ الَّذِي فار بِالْهِنْدِ بِالْعَذَابِ
فَلَمَّا حج آدم عليه السلام وضع الْحجر الْأسود على أبي قبيس فَكَانَ يضيء لأهل مَكَّة فِي ليَالِي الظُّلم كَمَا يضيء الْقَمَر فَلَمَّا كَانَ قبيل الإِسلام بِأَرْبَع سِنِين وَقد كَانَ الْحيض وَالْجنب يَعْمِدُونَ إِلَيْهِ يمسحونه فاسود فأنزلته قُرَيْش من أبي قبيس وَحج آدم من الْهِنْد أَرْبَعِينَ حجَّة إِلَى مَكَّة على رجلَيْهِ
وَكَانَ آدم حِين اهبط يمسح رَأسه السَّمَاء فَمن ثمَّ صلع وأورث وَلَده الصلع ونفرت من طوله دَوَاب الْبر فَصَارَت وحشاً يَوْمئِذٍ وَكَانَ آدم وَهُوَ على ذَلِك الْجَبَل قَائِما يسمع أصوات الْمَلَائِكَة ويجد ريح الْجنَّة
فهبط من طوله ذَلِك إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا فَكَانَ ذَلِك طوله حَتَّى مَاتَ
وَلم يجمع حسن آدم لأحد من وَلَده إِلَّا ليوسف عليه السلام وَأَنْشَأَ آدم يَقُول: رب كنت جَارك فِي دَارك لَيْسَ لي رب غَيْرك وَلَا رَقِيب دُونك آكل فِيهَا رغداً وأسكن حَيْثُ أَحْبَبْت فأهبطتني إِلَى هَذَا الْجَبَل الْمُقَدّس فَكنت أسمع أصوات الْمَلَائِكَة وأراهم كَيفَ يحفونَ بعرشك وَأَجد ريح الْجنَّة وطيبها
ثمَّ أهبطتني إِلَى الأَرْض وحططتني إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا فقد انْقَطع عني الصَّوْت وَالنَّظَر وَذهب عني ريح الْجنَّة فَأَجَابَهُ الله تبارك وتعالى: لمعصيتك يَا آدم فعلت ذَلِك بك
فَلَمَّا رأى الله عري آدم وحواء أمره أَن يذبح كَبْشًا من الضَّأْن من الثَّمَانِية الْأزْوَاج الَّتِي أنزل الله من الْجنَّة فَأخذ آدم كَبْشًا وذبحه ثمَّ أَخذ صوفه فغزلته حَوَّاء ونسجته هُوَ فنسج آدم جُبَّة لنَفسِهِ وَجعل لحواء درعاً وخماراً فلبساه وَقد كَانَا اجْتمعَا بِجمع فسميت (جمعا وتعارفا بِعَرَفَة فسميت عَرَفَة وبكيا عاى مَا فاتهما مائَة سنة وَلم يأكلا وَلم يشربا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ أكلا وشربا وهما يَوْمئِذٍ على نود الْجَبَل الَّذِي أهبط عَلَيْهِ آدم وَلم يقرب حَوَّاء مائَة سنة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
أَن آدم كَانَ لغته فِي الْجنَّة الْعَرَبيَّة فَلَمَّا عصى سلبه الله الْعَرَبيَّة فَتكلم بالسُّرْيَانيَّة فَلَمَّا تَابَ رد عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: أوحى الله إِلَى الْملكَيْنِ: أخرجَا آدم وحواء من جواري فَإِنَّهُمَا عصياني فَالْتَفت آدم إِلَى حَوَّاء باكياً وَقَالَ: استعدي لِلْخُرُوجِ من جوَار الله هَذَا أول شُؤْم الْمعْصِيَة فَنزع جِبْرِيل التَّاج عَن رَأسه وَحل مِيكَائِيل الاكليل عَن جَبينه وَتعلق بِهِ غُصْن فَظن آدم أَنه قد عوجل بالعقوبة فَنَكس رَأسه يَقُول: الْعَفو الْعَفو فَقَالَ الله: فرار مني فَقَالَ: بل حَيَاء مِنْك يَا سَيِّدي
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء
أَن آدم لما أهبط من الْجنَّة خر فِي مَوضِع الْبَيْت سَاجِدا فَمَكثَ أَرْبَعِينَ سنة لَا يرفع رَأسه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض قيل لَهُ: لن تَأْكُل الْخبز بالزيت حَتَّى تعْمل عملا مثل الْمَوْت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: لما أهبط آدم وإبليس ناح إِبْلِيس حَتَّى بَكَى آدم ثمَّ حدا ثمَّ ضحك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن آدم قبل أَن يُصِيب الذَّنب كَانَ أَجله بَين عَيْنَيْهِ وأمله خَلفه فَلَمَّا أصَاب الذَّنب جعل الله أمله بَين عَيْنَيْهِ وأجله خَلفه فَلَا يزَال يؤمل حَتَّى يَمُوت
وَأخرج وَكِيع وَأحمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: كَانَ آدم قبل أَن يُصِيب الْخَطِيئَة أَجله بَين عَيْنَيْهِ وأمله وَرَاء ظَهره فَلَمَّا أصَاب الْخَطِيئَة حوّل أمله بَين عَيْنَيْهِ وأجله وَرَاء ظَهره
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ عقل آدم مثل عقل جَمِيع وَلَده
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن
أَن آدم لما أهبط إِلَى الأَرْض تحرّك بَطْنه فَأخذ لذَلِك غم فَجعل لَا يدْرِي كَيفَ يصنع فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن اقعد فَقعدَ فَلَمَّا قضى حَاجته فَوجدَ الرّيح جزع وَبكى وعض على أُصْبُعه فَلم يزل يعَض عَلَيْهَا ألف عَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَكَى آدم حِين أهبط من الْجنَّة بكاء لم يبكه أحد فَلَو أَن بكاء جَمِيع بني آدم مَعَ بكاء دَاوُد على خطيئته مَا عدل بكاء
آدم حِين أخرج من الْجنَّة وَمكث أَرْبَعِينَ سنة لَا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخطيب وَابْن عَسَاكِر مَعًا فِي التَّارِيخ عَن بُرَيْدَة يرفعهُ قَالَ: لَو أَن بكاء دَاوُد وبكاء جَمِيع أهل الأَرْض يعدل بكاء آدم مَا عدله
وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ: لَو وزن دموع آدم بِجَمِيعِ دموع وَلَده لرجحت دُمُوعه على جَمِيع دموع وَلَده
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ: بَكَى آدم على الْجنَّة ثلثمِائة سنة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: أَن الله لما أهبط آدم وحواء قَالَ: اهبطوا إِلَى الأَرْض فلدوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أهبط آدم إِلَى الأَرْض قَالَ لَهُ ربه عز وجل: ابْن للخراب ولد للفناء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما أهبط آدم إِلَى الأَرْض كَانَ فِيهَا نسر وحوت فِي الْبَحْر وَلم يكن فِي الأَرْض غَيرهمَا فَلَمَّا رأى النسْر آدم وَكَانَ يأوي إِلَى الْحُوت ويبيت عِنْده كل لَيْلَة قَالَ: يَا حوت لقد أهبط ايوم إِلَى الأَرْض شَيْء يمشي على رجلَيْهِ ويبطش بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُوت: لَئِن كنت صَادِقا مَالِي فِي الْبَحْر مِنْهُ منجى وَلَا لَك فِي الْبر
قَوْله تَعَالَى: فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الصَّغِير وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لما أذْنب آدم بالذنب الَّذِي أذنبه رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد إِلَّا غفرت لي فَأوحى الله إِلَيْهِ: وَمن مُحَمَّد فَقَالَ: تبَارك اسْمك
لما خلقتني رفعت رَأْسِي إِلَى عرشك فَإِذا فِيهِ مَكْتُوب لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فَعلمت أَنه لَيْسَ أحد أعظم عنْدك قدرا مِمَّن جعلت اسْمه مَعَ اسْمك
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم انه آخر النَّبِيين من ذريتك وَلَوْلَا هُوَ مَا خلقتك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات}
قَالَ: أَي رب ألم تخلقني بِيَدِك قَالَ: بلَى
قَالَ: أَي رب ألم تنفخ فيّ من روحك قَالَ: بلَى
قَالَ أَي رب ألم تسبق إِلَيّ رحمتك قبل غضبك قَالَ: بلَى
قَالَ: أَي رب أَرَأَيْت إِن تبت وأصلحت أَرَاجِعِي أَنْت إِلَى الْجنَّة قَالَ: نعم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض قَامَ وَجَاء الْكَعْبَة فصلى رَكْعَتَيْنِ فألهمه الله هَذَا الدُّعَاء: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وَتعلم حَاجَتي فَأعْطِنِي سؤلي وَتعلم مَا فِي نَفسِي فَاغْفِر لي ذَنبي
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك إِيمَانًا يُبَاشر قلبِي ويقيناً صَادِقا حَتَّى أعلم أَنه لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا كتبت لي وأرضني بِمَا قسمت لي
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنك وَلنْ يدعوني أحد بِهَذَا الدُّعَاء إِلَّا غفرت لَهُ ذَنبه وكفيته المهم من أمره وزجرت عَنهُ الشَّيْطَان واتجرت لَهُ من وَرَاء كل تار وَأَقْبَلت إِلَيْهِ الدُّنْيَا راغمة وَإِن لم يردهَا
وَأخرج الجندي وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر فِي فَضَائِل مَكَّة عَن عَائِشَة قَالَت: لما أَرَادَ الله أَن يَتُوب على آدم أذن لَهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا - وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ ربوة حَمْرَاء - فَلَمَّا صلى رَكْعَتَيْنِ قَامَ اسْتقْبل الْبَيْت وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي فَأعْطِنِي سؤلي وَتعلم مَا فِي نَفسِي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك إِيمَانًا يُبَاشر قلبِي ويقيناً صَادِقا حَتَّى أعلم أَنه لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا كتبت لي وَالرِّضَا بِمَا قسمت لي
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد غفرت ذَنْبك وَلنْ يَأْتِي أحد من ذريتك يدعوني بِمثل مَا دعوتني إِلَّا غفرت ذنُوبه وكشفت غمومه وهمومه ونزعت الْفقر من بَين عَيْنَيْهِ واتجرت لَهُ من وَرَاء كل تَاجر وجاءته الدُّنْيَا وَهِي راغمة وَإِن كَانَ لَا يريدها
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد لابأس بِهِ عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض طَاف بِالْبَيْتِ أسبوعاً وَصلى حذاء الْبَيْت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وَتعلم حَاجَتي فَأعْطِنِي سؤلي وَتعلم مَا عِنْدِي فَاغْفِر لي ذُنُوبِي
أَسأَلك إِيمَانًا يباهي قلبِي ويقيناً صَادِقا حَتَّى أعلم أَنه لَا يُصِيبنِي إِلَّا مَا كتيت لي ورضّني بِقَضَائِك
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم إِنَّك دعوتني بِدُعَاء فاستجبت
لَك فِيهِ وَلنْ يدعوني بِهِ أحد من ذريتك إِلَّا استجبت لَهُ وغفرت لَهُ ذَنبه وفرجت همه وغمه واتجرت لَهُ من وَرَاء كل تَاجر وأتته الدُّنْيَا راغمة وَإِن كَانَ لَا يريدها
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نعيم عَن عبيد ان عُمَيْر اللثي قَالَ: قَالَ آدم: يَا رب أَرَأَيْت مَا أتيت أَشَيْء كتبته عليّ قبل أَن تخلقني أَو شَيْء ابتدعته على نَفسِي قَالَ: بل شَيْء كتبته عَلَيْك قبل أَن أخلقك قَالَ: يَا رب فَكَمَا كتبته عَليّ فاغفره لي
فَذَلِك قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد والن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: ذكر لنا أَنه قَالَ: يَا رب أَرَأَيْت إِن تبت وأصلحت قَالَ: فَإِنِّي إِذن أرجعك إِلَى الْجنَّة (قَالَا رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) فَاسْتَغْفر آدم ربه وَتَابَ إِلَيْهِ فَتَابَ عَلَيْهِ
وَأما عَدو الله إِبْلِيس فوَاللَّه مَا تنصل من ذَنبه وَلَا سَأَلَ التَّوْبَة حِين وَقع بِمَا وَقع بِهِ وَلكنه سَأَلَ النظرة إِلَى يَوْم الدّين فَأعْطى الله كل وَاحِد مهما مَا سَأَلَ
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: قَوْله (رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ هُوَ قَوْله (رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا
) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: هُوَ قَوْله (رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا
) الْآيَة
وَلَو سكت الله عَنْهَا لتفحص رجال حَتَّى يعلمُوا مَا هِيَ
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: هُوَ قَوْله (رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَعَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن اسحق التَّمِيمِي قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس مَا الْكَلِمَات الَّتِي تلقى آدم من ربه قَالَ: علم شَأْن الْحَج
فَهِيَ الْكَلِمَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن زيد ي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فارحمني إِنَّك أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فتب عَليّ إنت أَنْت التوّاب الرَّحِيم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أنس فِي قَوْله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات} قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فارحمني إِنَّك أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
وَذكر أَنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَكِن شكّ فِيهِ
وَأخرج هناد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما أصَاب آدم الْخَطِيئَة فزع إِلَى كلمة الاخلاص فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس
إِن آدم عليه السلام طلب التَّوْبَة مِائَتي سنة حَتَّى أَتَاهُ الله الْكَلِمَات ولقنه إِيَّاهَا قَالَ: بَينا آدم عليه السلام جَالس يبكي وَاضع رَاحَته على جَبينه إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل فَسلم عَلَيْهِ فَبكى آدم وَبكى جِبْرِيل لبكائه فَقَالَ لَهُ: يَا آدم مَا هَذِه البلية الَّتِي أجحف بك بلاؤها وشقاؤها وَمَا هَذَا الْبكاء قَالَ: يَا جِبْرِيل وَكَيف لَا أبْكِي وَقد حوّلني رَبِّي من ملكوت السَّمَوَات إِلَى هوان الأَرْض وَمن دَار الْمقَام إِلَى دَار الظعن والزوال وَمن دَار النِّعْمَة إِلَى دَار الْبُؤْس والشقاء وَمن دَار الْخلد إِلَى دَار الفناء كَيفَ أحصي يَا جِبْرِيل هَذِه الْمُصِيبَة فَانْطَلق جِبْرِيل إِلَى ربه فَأخْبرهُ بقالة آدم فَقَالَ الله عز وجل: انْطلق يَا جِبْرِيل إِلَى آدم فَقل: يَا آدم ألم أخلقك بيَدي قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ: ألم أنفخ فِيك من روحي قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ: ألم أَسجد لَك ملائكتي
قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ ألم أسكنك جنتي قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ: ألم آمُرك فعصيتني قَالَ: بلَى يَا رب قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وارتفاعي فِي علو مَكَاني لَو ان ملْء الأَرْض رجَالًا مثلك ثمَّ عصوني لأنزلتهم منَازِل العاصين غير أَنه يَا آدم قد سبقت رَحْمَتي غَضَبي قد سَمِعت صَوْتك وتضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك فَقل: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي فارحمني إِنَّك أَنْت خير الرَّاحِمِينَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك عملت سوءا وظلمت نَفسِي
فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
فَذَلِك قَوْله {فَتلقى آدم من ربّه كَلِمَات} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن أبي طَالب قَالَ: لما أصَاب آدم الْخَطِيئَة عظم كربه وَاشْتَدَّ ندمه
فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا آدم هَل أدلك على بَاب توبتك الَّذِي يَتُوب الله عَلَيْك مِنْهُ قَالَ: بلَى يَا جِبْرِيل قَالَ: قُم فِي مقامك الَّذِي تناجي فِيهِ ربّك فمجده وامدح فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَى الله من الْمَدْح قَالَ: فَأَقُول مَاذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: فَقل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر كُله وَهُوَ على كل شَيْء قدير
ثمَّ تبوء بخطيئتك فَتَقول: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت
رب إِنِّي ظلمت نَفسِي وعملت السوء فَاغْفِر لي إِنَّه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت
الله إِنِّي أَسأَلك بجاه مُحَمَّد عَبدك وكرامته عَلَيْك أَن تغْفر لي خطيئتي
قَالَ: فَفعل آدم فَقَالَ الله: يَا آدم من علمك هَذَا فَقَالَ: يَا رب إِنَّك لما نفخت فيّ الرّوح فَقُمْت بشرا سوياً أسمع وَأبْصر وأعقل وَأنْظر رَأَيْت على سَاق عرشك مَكْتُوبًا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ مُحَمَّد رَسُول الله فَلَمَّا لم أر أثر اسْمك اسْم ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل غير اسْمه علمت أَنه أكْرم خلقك عَلَيْك
قَالَ: صدقت
وَقد تبت عَلَيْك وغفرت لَك خطيئتك قَالَ: فَحَمدَ آدم ربه وشكره وَانْصَرف بأعظم سرُور وَلم ينْصَرف بِهِ عبد من عِنْد ربه
وَكَانَ لِبَاس آدم النُّور قَالَ الله (ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوآتهما) ثِيَاب النُّور قَالَ: فَجَاءَتْهُ الْمَلَائِكَة أَفْوَاجًا تهنئه يَقُولُونَ: لتهنك تَوْبَة الله يَا أَبَا مُحَمَّد
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قَتَادَة قَالَ: الْيَوْم الَّذِي تَابَ الله فِيهِ على آدم يَوْم عَاشُورَاء
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس بسندٍ واهٍ عَن عَليّ قَالَ سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن قَول الله {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ} فَقَالَ: إِن الله أهبط آدم بِالْهِنْدِ وحوّاء بجدة وإبليس ببيسان والحية بأصبهان
وَكَانَ للحية قَوَائِم كقوائم الْبَعِير وَمكث آدم بِالْهِنْدِ مائَة سنة باكياً على خطيئته حَتَّى بعث الله إِلَيْهِ جِبْرِيل وَقَالَ: يَا آدم ألم أخلقك بيَدي ألم أنفخ فِيك من روحي ألم أَسجد لَك ملائكتي ألم أزوّجك حَوَّاء أمتِي قَالَ: بلَى
قَالَ: فَمَا هَذَا الْبكاء قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي من الْبكاء وَقد أخرجت من جوَار الرَّحْمَن قَالَ: فَعَلَيْك بهؤلاء الْكَلِمَات
فَإِن الله قَابل توبتك وغافر ذَنْبك
قل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد سُبْحَانَكَ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت عملت سوءا وظلمت نَفسِي فتب عليّ إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
فَهَؤُلَاءِ الْكَلِمَات الَّتِي تلقى آدم
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْكَلِمَات الَّتِي تلقاها آدم من ربه فَتَابَ عَلَيْهِ قَالَ: سَأَلَ بِحَق مُحَمَّد وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن إِلَّا تبت عَليّ فَتَابَ عَلَيْهِ
وَأخرج الْخَطِيب فِي أَمَالِيهِ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن آدم لما أكل من والشجرة أوحى الله إِلَيْهِ: اهبط من جواري
وَعِزَّتِي لَا يجاورني من عَصَانِي
فهبط إِلَى الأَرْض مسوداً فَبَكَتْ الأَرْض وضجت
فَأوحى الله: يَا آدم صم لي الْيَوْم يَوْم ثَلَاثَة عشر
فصامه فَأصْبح ثلثه أَبيض ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ: صم لي هَذَا الْيَوْم يَوْم أَرْبَعَة عشر
فصامه فَأصْبح ثُلُثَاهُ أَبيض ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ صم لي هَذَا الْيَوْم يَوْم خَمْسَة عشر
فصامه فَأصْبح كُله أَبيض
فسميت أَيَّام الْبيض
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: لما أهبط الله آدم من الْجنَّة إِلَى الأَرْض قَالَ لَهُ: يَا آدم أَربع احفظهن
وَاحِدَة لي عنْدك وَأُخْرَى لَك عِنْدِي وَأُخْرَى بيني وَبَيْنك وَأُخْرَى بَيْنك وَبَين النَّاس
فَأَما الَّتِي لي عنْدك فتعبدني لَا تشرك بِي شَيْئا وَأما الَّتِي لَك عِنْدِي فأوفيك عَمَلك لَا أظلمك شَيْئا وَأما الَّتِي بيني وَبَيْنك فتدعوني فاستجيب لَك وَأما الَّتِي بَيْنك وَبَين النَّاس فترضى للنَّاس أَن تَأتي إِلَيْهِم بِمَا ترْضى أَن يؤتوا إِلَيْك بِمثلِهِ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان قَالَ: لما خلق الله آدم قَالَ: يَا آدم وَاحِدَة لي وَوَاحِدَة لَك وَوَاحِدَة بيني وَبَيْنك
فَأَما الَّتِي لي فتعبدني لَا تشرك بِي شَيْئا وَأما الَّتِي لَك فَمَا عملت من شَيْء جزيتك بِهِ وَأَن أَغفر فَأَنا غَفُور رَحِيم وَأما الَّتِي بيني وَبَيْنك فمنك الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء وَعلي الاجابة وَالعطَاء
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن سلمَان رَفعه
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض مكث فِيهَا مَا شَاءَ الله أَن يمْكث ثمَّ قَالَ لَهُ بنوه: يَا أَبَانَا تكلم
فَقَامَ خَطِيبًا فِي أَرْبَعِينَ ألفا من وَلَده وَولد وَلَده فَقَالَ: إِن الله أَمرنِي فَقَالَ: يَا آدم أقلل كلامك ترجع إِلَى جواري
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض أَكثر ذُريَّته فَنمت فَاجْتمع إِلَيْهِ ذَات يَوْم وَلَده وَولد وَلَده فَجعلُوا يتحدثون حوله وآدَم سَاكِت لَا يتَكَلَّم فَقَالُوا: يَا أَبَانَا مَا لنا نَحن نتكلم وَأَنت سَاكِت لَا تَتَكَلَّم فَقَالَ: يَا بني إِن الله لما أهبكني من جواره إِلَى الأَرْض عهد إِلَيّ فَقَالَ: يَا آدم أقل الْكَلَام حَتَّى ترجع إِلَى جواري
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن فضَالة بن عبيد قَالَ: إِن آدم كبر حَتَّى تلعب بِهِ بَنو بنيه فَقيل لَهُ: أَلا تنْهى بني بنيك أَن يلعبوا بك قَالَ: إِنِّي رَأَيْت مَا لم يرَوا وَسمعت مَا لم يسمعوا وَكنت فِي الْجنَّة وَسمعت الْكَلَام إِن رَبِّي وَعَدَني إِن أَنا أسكت فمي أَن يدخلني الْجنَّة
وَأخرج ابْن الصّلاح فِي أَمَالِيهِ عَن مُحَمَّد بن النَّضر قَالَ: قَالَ آدم: يَا رب شغلتني بكسب يَدي فعلمني شَيْئا فِيهِ مجامع الْحَمد وَالتَّسْبِيح
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم إِذا أَصبَحت فَقل ثَلَاثًا وَإِذا أمسيت فَقل ثَلَاثًا
الْحَمد لله رب الْعَالمين حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده
فَذَلِك مجامع الْحَمد وَالتَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ آدم عليه السلام يشرب من السَّحَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن كَعْب قَالَ: أوّل من ضرب الدِّينَار وَالدِّرْهَم
آدم عليه السلام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن يحيى قَالَ: أوّل من ضرب الدِّينَار وَالدِّرْهَم آدم وَلَا تصلح الْمَعيشَة إِلَّا بهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: أوّل من مَاتَ آدم عليه السلام
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لما حضر آدم قَالَ لِبَنِيهِ: أنطلقوا فاجنوا لي من ثمار الْجنَّة فَخَرجُوا فاستقبلتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: أَيْن تُرِيدُونَ قَالُوا: بعثنَا أَبونَا لنجني لَهُ من ثمار الْجنَّة فَقَالُوا: ارْجعُوا فقد كفيتم
فَرَجَعُوا مَعَهم حَتَّى دخلُوا على آدم فَلَمَّا رأتهم حَوَّاء ذعرت مِنْهُم وَجعلت تَدْنُو إِلَى آدم وتلصق بِهِ فَقَالَ: إِلَيْك عني
إِلَيْك عني فَمن قبلك أتيت
خلّي بيني وَبَين مَلَائِكَة رَبِّي قَالَ: فقبضوا روحه ثمَّ غسلوه وحنطوه وكفنوه ثمَّ صلوا عَلَيْهِ ثمَّ حفروا لَهُ ودفنوه ثمَّ قَالُوا: يَا بني آدم هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم فكذلكم فافعلوا
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن أبي
مَوْقُوفا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن آدم لما حَضرته الْوَفَاة أرسل الله إِلَيْهِ بكفن وحنوط من الْجنَّة فَلَمَّا رَأَتْ حَوَّاء الْمَلَائِكَة جزعت فَقَالَ: خليّ بيني وَبَين رسل رَبِّي
فَمَا لقِيت الَّذِي لقِيت إِلَّا مِنْك وَلَا أصابني الَّذِي أصابني إِلَّا مِنْك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لآدَم بنُون
ودّ سواع ويغوث ويعوق ونسر
فَكَانَ أكبرهم يَغُوث فَقَالَ لَهُ: يَا بني انْطلق
فَإِن لقِيت أحدا من الْمَلَائِكَة فَأمره يجيئني بِطَعَام من الْجنَّة وشراب من شرابها
فَانْطَلق فلقي جِبْرِيل بِالْكَعْبَةِ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك قَالَ: ارْجع فَإِن أَبَاك يَمُوت
فَرجع فوجداه يجود بِنَفسِهِ فَوَلِيه جِبْرِيل فَجَاءَهُ بكفن وحنوط وَسدر ثمَّ قَالَ: يَا بني آدم أَتَرَوْنَ مَا أصنع بأبيكم فاصنعوه بموتاكم فغسلوه وكفنوه وحنطوه ثمَّ حملوه إِلَى الْكَعْبَة فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا ووضعوه مِمَّا يَلِي الْقبْلَة عِنْد الْقُبُور ودفنوه فِي مَسْجِد الْخيف
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلى جِبْرِيل على آدم وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا
صلى جِبْرِيل بِالْمَلَائِكَةِ يَوْمئِذٍ فِي مَسْجِد الْخيف وَأخذ من قبل الْقبْلَة ولحد لَهُ وسنم قَبره
وَأخرج أَوب نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أُتِي بِجنَازَة فصلى عَلَيْهَا وَكبر أَرْبعا وَقَالَ: كَبرت الْمَلَائِكَة على آدم أَربع تَكْبِيرَات
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ألحد آدم وَغسل بِالْمَاءِ وترا
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: هَذِه سنة ولد آدم من بعده
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن أبي فراس قَالَ: قبر آدم فِي مغارة فِيمَا بَين بَيت الْمُقَدّس وَمَسْجِد إِبْرَاهِيم وَرجلَاهُ عِنْد الصَّخْرَة وَرَأسه عِنْد مَسْجِد إِبْرَاهِيم
وبَينهمَا ثَمَانِيَة عشر ميلًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: بَكت الْخَلَائق على آدم حِين توفّي سَبْعَة أَيَّام
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ أحد من أهل الْجنَّة إِلَّا يدعى باسمه إِلَّا آدم فَإِنَّهُ يكنى أَبَا مُحَمَّد وَلَيْسَ أحد من أهل الْجنَّة إِلَّا وهم جرد مرد إِلَّا مَا كَانَ من مُوسَى بن عمرَان فَإِن لحيته تبلغ سرته
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أهل الْجنَّة لَيست لَهُم كنى إِلَّا آدم فَإِنَّهُ يكنى أَبَا مُحَمَّد تَعْظِيمًا وتوقيراً
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب قَالَ: لَيْسَ أحد فِي الْجنَّة لَهُ لحية إِلَّا آدم عليه السلام لَهُ لحية سَوْدَاء إِلَى سرته: وَذَلِكَ أَنه لم يكن لَهُ فِي الدُّنْيَا لحية وَإِنَّمَا كَانَت اللحى بعد آدم وَلَيْسَ أحد يكنى فِي الْجنَّة غير آدم
يكنى فِيهَا أَبَا مُحَمَّد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: لَيْسَ أحد فِي الْجنَّة لَهُ كنية إِلَّا آدم يكنى أَبَا مُحَمَّد
أكْرم الله بذلك مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن غَالب بن عبد الله الْعقيلِيّ قَالَ: كنية آدم فِي الدُّنْيَا أَبُو الْبشر وَفِي الْجنَّة أَبُو مُحَمَّد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن خَالِد بن معدان قَالَ: أهبط آدم بِالْهِنْدِ وَإنَّهُ لما توفّي حمله خَمْسُونَ وَمِائَة رجل من بنيه إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ طوله ثَلَاثِينَ ميلًا ودفنوه بهَا وَجعلُوا رَأسه عِنْد الصَّخْرَة وَرجلَيْهِ خَارِجا من بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثِينَ ميلًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: إِن آدم لما طؤطىء منع كَلَام الْمَلَائِكَة - وَكَانَ يسْتَأْنس بكلامهم - بَكَى على الْجنَّة مائَة سنة فَقَالَ الله عز وجل لَهُ: يَا آدم مَا يحزنك قَالَ: كَيفَ لَا أَحْزَن وَقد اهبطتني من الْجنَّة وَلَا أَدْرِي أَعُود إِلَيْهَا أم لَا فَقَالَ الله تَعَالَى: يَا آدم قل: اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك
سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب إِنِّي عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت خير الغافرين
وَالثَّانيَِة: اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك
رب إِنِّي عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت أرْحم الرَّاحِمِينَ
والثالثه اللَّهُمَّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك لَا شريك لَك رب عملت سوءا وظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
فَهِيَ الْكَلِمَات الَّتِي أنزل الله على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم} قَالَ: وَهِي لوَلَده من بعده وَقَالَ آدم لآبن لَهُ يُقَال هبة الله
ويسميه أهل التَّوْرَاة وَأهل الإِنجيل شِيث: تعبد لِرَبِّك واسأله أيردني إِلَى الْجنَّة أم لَا فتعبد الله وَسَأَلَ
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي راده إِلَى الْجنَّة فَقَالَ: أَي رب إِنِّي لست آمن أَن أبي سيسألني الْعَلامَة فَألْقى الله سوارا من أسورة الحورفلما أَتَاهُ قَالَ: مَا وَرَاءَك قَالَ: اُبْشُرْ قَالَ: أَخْبرنِي أَنه رادك إِلَى الْجنَّة قَالَ: فَمَا سَأَلته الْعَلامَة
فَأخْرج السوار فَرَآهُ فَعرفهُ فَخر سَاجِدا فَبكى حَتَّى سَالَ من عَيْنَيْهِ نهر من دموع
وآثاره تعرف بِالْهِنْدِ
وَذكر أَن كنز الذَّهَب بِالْهِنْدِ مِمَّا ينْبت من ذَلِك السوار ثمَّ قَالَ: استطعم لي رَبك من ثَمَر الْجنَّة
فَلَمَّا خرج من عِنْده مَاتَ آدم فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِلَى أَيْن قَالَ: إِن أبي أَرْسلنِي أَن اطلب إِلَى رَبِّي أَن يطعمهُ من ثَمَر الْجنَّة قَالَ: فَإِن ربه قضى أَن لَا يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا حَتَّى يعود إِلَيْهَا وَأَنه قد مَاتَ فَارْجِع فواره فَأخذ جِبْرِيل عليه السلام فَغسله وكفنه وحنطه وَصلى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ جِبْرِيل: هَكَذَا فَاصْنَعُوا بموتاكم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: قبر آدم عليه السلام بني فِي مَسْجِد الْخيف وقبر حَوَّاء بجدة
وَأخرج ابْن أبي حنيفَة فِي تَارِيخه وَابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ وَالشعْبِيّ قَالَا: لما هَبَط آدم من الْجنَّة وانتشر وَلَده أرخ بنوه من هبوط آدم فَكَانَ ذَلِك التَّارِيخ حَتَّى بعث الله نوحًا فأرّخوا ببعث نوح حَتَّى كَانَ الْغَرق فَكَانَ التَّارِيخ من الطوفان إِلَى نَار إِبْرَاهِيم فأرّخ بَنو اسحق من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى بعث يُوسُف وَمن بعث يُوسُف إِلَى مبعث مُوسَى وَمن مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان وَمن ملك سُلَيْمَان إِلَى ملك عِيسَى وَمن مبعث عِيسَى إِلَى مبعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأرخ بَنو اسماعيل من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى بِنَاء الْبَيْت حِين بناه إِبْرَاهِيم واسماعيل
فَكَانَ التَّارِيخ من بِنَاء الْبَيْت حَتَّى تَفَرَّقت معد فَكَانَ كلما خرج قوم من تهَامَة أَرخُوا مخرجهم حَتَّى مَاتَ كَعْب بن لؤَي
فأرّخوا من مَوته إِلَى الْفِيل فَكَانَ التَّارِيخ من الْفِيل حَتَّى أرخ عمر بن الْخطاب من الْهِجْرَة
وَذَلِكَ سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْعَزِيز بن عمرَان قَالَ: لم يزل للنَّاس تَارِيخ كَانُوا يؤرخون فِي الدَّهْر الأوّل من هبوط آدم من الْجنَّة فَلم يزل ذَلِك حَتَّى بعث الله نوحًا فارخوا من دُعَاء نوح على قومه ثمَّ أَرخُوا من الطوفان ثمَّ أَرخُوا من نَار إِبْرَاهِيم ثمَّ أرخ بَنو اسماعيل من بُنيان الْكَعْبَة ثمَّ أَرخُوا من موت كَعْب بن لؤَي ثمَّ أَرخُوا من عَام الْفِيل ثمَّ أرخ الْمُسلمُونَ بعد من هِجْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله تَعَالَى: قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا فإمَّا يَأْتينكُمْ مني هدى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم ولاهم يَحْزَنُونَ وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعًا فإمَّا يَأْتينكُمْ مني هدى} قَالَ: الْهدى الْأَنْبِيَاء وَالرسل وَالْبَيَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن اتبع هُدَايَ} الْآيَة
قَالَ: مَا زَالَ لله فِي الأَرْض أَوْلِيَاء مُنْذُ هَبَط آدم مَا أخلى الأَرْض لابليس إِلَّا وفيهَا أَوْلِيَاء لَهُ يعْملُونَ لله بِطَاعَتِهِ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {فَمن اتبع هُدَايَ} بتثقيل الْيَاء وَفتحهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فَلَا خوف عَلَيْهِم} يَعْنِي فِي الْآخِرَة {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} يَعْنِي لَا يَحْزَنُونَ للْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة قَالَ: لما هَبَط إِبْلِيس قَالَ: أَي رب قد لعنته فَمَا علمه قَالَ: السحر
قَالَ: فَمَا قِرَاءَته قَالَ: الشّعْر
قَالَ: فَمَا كِتَابه قَالَ: الوشم
قَالَ: فَمَا طَعَامه قَالَ: كل ميتَة وَمَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ
قَالَ: فَمَا شرابه قَالَ: كل مُسكر
قَالَ: فَأَيْنَ مَسْكَنه قَالَ: الْحمام
قَالَ: فَأَيْنَ مَجْلِسه قَالَ: الْأَسْوَاق
قَالَ: فَمَا صَوته قَالَ: المزمار
قَالَ: فَمَا مصائده: قَالَ: النِّسَاء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول صلى الله عليه وسلم قَالَ إِبْلِيس لرَبه تَعَالَى: يَا رب قد أهبط آدم وَقد علمت أَنه سَيكون كتاب ورسل فَمَا كِتَابهمْ ورسلهم قَالَ: رسلهم الْمَلَائِكَة والنبيون وكتبهم التَّوْرَاة والإِنجيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان
قَالَ: فَمَا كتابي قَالَ: كتابك الوشم وقراءتك الشّعْر ورسلك الكهنة وطعامك مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ وشرابك كل مُسكر وصدقك الْكَذِب وبيتك الْحمام ومصائدك النِّسَاء ومؤذنك المزمار ومسجدك الْأَسْوَاق
قَوْله تَعَالَى: يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم وإيي فارهبون وآمنوا بِمَا أنزلت مُصدقا لما مَعكُمْ وَلَا تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ وَلَا تشتروا بآيتي ثمنا قَلِيلا وإيي فاتقون وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واركعوا مَعَ الراكعين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِسْرَائِيل يَعْقُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز قَالَ: كَانَ يَعْقُوب رجلا بطيشاً فلقي ملكا فعالجه فصرعه الْملك فَضَربهُ على فَخذيهِ فَلَمَّا رأى يَعْقُوب مَا صنع بِهِ بَطش بِهِ فَقَالَ: مَا أَنا بتاركك حَتَّى تسميني اسْما
فَسَماهُ إِسْرَائِيل
قَالَ أَبُو مجلز: أَلا ترى أَنه من أَسمَاء الْمَلَائِكَة إِسْرَائِيل وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل إِلَّا عشرَة
نوح وَهود وَصَالح وَلُوط وَشُعَيْب وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل واسحق وَمُحَمّد عليه السلام وَلم من الْأَنْبِيَاء من لَهُ اسمان إِلَّا إِسْرَائِيل وَعِيسَى فإسرائيل يَعْقُوب وَعِيسَى الْمَسِيح
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس: أَن إِسْرَائِيل وَمِيكَائِيل وَجِبْرِيل وإسرافيل كَقَوْلِك عبد الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن الْحَرْث الْبَصْرِيّ قَالَ ايل الله بالعبرانية
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا بني إِسْرَائِيل} قَالَ: للأحبار من الْيَهُود {اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} أَي آلائي عنْدكُمْ وَعند آبائكم لما كَانَ نجاهم بِهِ من فِرْعَوْن وَقَومه {وأوفوا بعهدي} الَّذِي أخذت بأعناقكم للنَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَكُم {أوف بعهدكم} انجز لكم مَا وعدتكم عَلَيْهِ بتصديقكم مَعَه واتباعه بِوَضْع مَا كَانَ عَلَيْهِم من الإِصر والأغلال {وإياي فارهبون} أَن انْزِلْ بكم مَا أنزلت بِمن كَانَ قبلكُمْ من آبائكم من النقمات {وآمنوا بِمَا أنزلت مُصدقا لما مَعكُمْ وَلَا تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ} وعندكم بِهِ من الْعلم مَا لَيْسَ عِنْد غَيْركُمْ {وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} أَي لَا تكتموا مَا عنْدكُمْ من الْمعرفَة برسولي وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَأَنْتُم تجدونه عنْدكُمْ فِيمَا تعلمُونَ من الْكتب الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي} يَقُول: مَا أَمرتكُم بِهِ من طَاعَتي ونهيتكم عَنهُ من معصيتي فِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيره {أوف بعهدكم} يَقُول: أَرض عَنْكُم وأدخلكم الْجنَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قَالَ: هُوَ الْمِيثَاق الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم فِي سُورَة (لقد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل
) (الْمَائِدَة الْآيَة 12) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميدعن قَتَادَة فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قَالَ: الْعَهْد الَّذِي أَخذ الله عَلَيْهِم وَأَعْطَاهُمْ الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة (لقد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل
) (الْمَائِدَة الْآيَة 12) إِلَى قَوْله (ولأدخلنكم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قَالَ: أَوْفوا بِمَا افترضت عَلَيْكُم أوف لكم بِمَا رَأَيْت الْوَعْد لكم بِهِ على نَفسِي
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} قَالَ: أَوْفوا بطاعتي أوف لكم بِالْجنَّةِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وآمنوا بِمَا أنزلت} قَالَ: الْقرَان {مُصدقا لما مَعكُمْ} قَالَ: التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَلَا تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: يَقُول يَا معشر أهل الْكتاب آمنُوا بِمَا أنزلت على مُحَمَّد مُصدقا لما مَعكُمْ لأنكم تجدونه مَكْتُوبًا عنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَلَا تَكُونُوا أوّل كَافِر بِهِ} يَقُول: لَا تَكُونُوا أوّل من كفر بِمُحَمد {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا} يَقُول: لَا تَأْخُذُوا عَلَيْهِ أجرا
قَالَ: وَهُوَ مَكْتُوب عِنْدهم فِي الْكتاب الأوّل: يَا ابْن آدم علم مجَّانا كَمَا علمت مجَّانا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} قَالَ: لَا تَأْخُذ على مَا علمت أجرا فَإِنَّمَا أجر الْعلمَاء والحكماء على الله وهم يجدونه عِنْدهم يَا ابْن آدم علم مجَّانا كَمَا علمت مجَّانا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} قَالَ: لَا تخلطوا الصدْق بِالْكَذِبِ {وتكتموا الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} قَالَ: لَا تكتموا الْحق وَأَنْتُم قد علمْتُم أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميدعن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} قَالَ: لَا تلبسوا الْيَهُودِيَّة والنصرانية بالإِسلام وَأَنْتُم تعلمُونَ أَن دين الله الإِسلام وَأَن الْيَهُودِيَّة والنصرانية بِدعَة لَيست من الله {وتكتمون الْحق وَأَنْتُم تعلمُونَ} قَالَ: كتموا مُحَمَّدًا وهم يعلمُونَ أَنه رَسُول الله يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر وَيحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي زيد فِي قَوْله {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} قَالَ: الْحق التَّوْرَاة الَّتِي أنزل الله وَالْبَاطِل الَّذِي كتبوه بِأَيْدِيهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وتكتموا الْحق} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واركعوا} قَالَ: صلوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {واركعوا مَعَ الراكعين} قَالَ: أَمرهم أَن يركعوا مَعَ أمة مُحَمَّد يَقُول: كونُوا مِنْهُم وَمَعَهُمْ
قَوْله تَعَالَى: أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} قَالَ: أُولَئِكَ أهل الْكتاب كَانُوا يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم وهم يَتلون الْكتاب وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا فِيهِ
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ والواحدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي يهود أهل الْمَدِينَة كَانَ الرجل مِنْهُم يَقُول لصهره ولذوي قرَابَته وَلمن بَينه وَبينهمْ رضَاع من الْمُسلمين: اثْبتْ على الدّين الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ وَمَا يَأْمُرك بِهِ هَذَا الرجل - يعنون بِهِ مُحَمَّدًا - فَإِن أمره حق وَكَانُوا يأمرون النَّاس بذلك وَلَا يَفْعَلُونَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ} قَالَ: بِالدُّخُولِ فِي دين مُحَمَّد {وَأَنْتُم تتلون} يَقُولُونَ: تدرسون الْكتاب بذلك {أَفلا تعقلون} تفهمون ينهاهم عَن هَذَا الْخلق الْقَبِيح
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: تنهون النَّاس عَن الْكفْر لما عنْدكُمْ من النُّبُوَّة والعهد من التَّوْرَاة وَأَنْتُم تكفرون بِمَا فِيهَا من عهدي إِلَيْكُم فِي تَصْدِيق رَسُولي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي قلَابَة فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: لَا يفقه الرجل كل الْفِقْه حَتَّى يمقت النَّاس فِي ذَات الله ثمَّ يرجع إِلَى نَفسه فَيكون لَهَا أَشد مقتاً
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْت لَيْلَة أُسري بِي رجَالًا تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار كلما قرضت رجعت فَقلت لجبريل: من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ خطباء من أمتك كَانُوا يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم وهم يَتلون الْكتاب أَفلا يعْقلُونَ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ يُجاء بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار فتندلق بِهِ أقتابه فيدور بهَا كَمَا يَدُور
الْحمار برحاه فيطف بِهِ أهل النَّار فَيَقُولُونَ: يَا فلَان مَالك مَا أَصَابَك ألم تكن تَأْمُرنَا بِالْمَعْرُوفِ وتنهانا عَن الْمُنكر
فَيَقُول: كنت آمركُم بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتيه وأنهاكم عَن الْمُنكر وآتيه
وَأخرج الْخَطِيب فِي اقْتِضَاء الْعلم بِالْعَمَلِ وَابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اطلع قوم من أهل الْجنَّة على قوم من أهل النَّار فَقَالُوا: بِمَ دَخَلْتُم النَّار وَإِنَّمَا دَخَلنَا الْجنَّة بتعليمكم قَالُوا: إِنَّا كُنَّا نأمركم وَلَا نَفْعل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي اقْتِضَاء الْعلم بِالْعَمَلِ وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن الْوَلِيد بن عقبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن اناساً من أهل الْجنَّة يتطلعون إِلَى أنَاس من أهل النَّار فَيَقُولُونَ: بِمَ دَخَلْتُم النَّار فوَاللَّه مَا دَخَلنَا الْجنَّة إِلَّا بتعليمكم فَيَقُولُونَ: إِنَّا كُنَّا نقُول وَلَا نَفْعل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْوَلِيد بن عقبَة أَنه خطب النَّاس فَقَالَ فِي خطبَته: ليدخلن امراء النَّار ويدخلن من أطاعهم الْجنَّة فَيَقُولُونَ لَهُم وهم فِي النَّار: كَيفَ دَخَلْتُم النَّار وَإِنَّمَا دَخَلنَا الْجنَّة بطاعتكم فَيَقُولُونَ لَهُم: إِنَّا كُنَّا نأمركم بأَشْيَاء نخالف إِلَى غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: يشرف قوم فِي الْجنَّة على قوم فِي النَّار فَيَقُولُونَ: مَا لكم فِي النَّار وَإِنَّمَا كُنَّا نعمل بِمَا تعلمُونَ
قَالُوا: كُنَّا نعلمكم وَلَا نعمل بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن الشّعبِيّ قَالَ: يطلع قوم من أهل الْجنَّة إِلَى قوم من النَّار فَيَقُولُونَ: مَا أدخلكم النَّار وَإِنَّمَا دَخَلنَا الْجنَّة بِفضل تأدبيكم وتعليمكم قَالُوا: إِنَّا كُنَّا نأمر بِالْخَيرِ وَلَا نفعله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي الِاقْتِضَاء والأصبهاني فِي التَّرْغِيب بِسَنَد جيد عَن جُنْدُب بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الْعَالم الَّذِي يعلم النَّاس الْخَيْر وَلَا يعْمل بِهِ كَمثل السراج يضيء للنَّاس وَيحرق نَفسه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ: إِن مثل الَّذِي يعظ النَّاس وينسى نَفسه كَمثل الْمِصْبَاح يضيء لغيره وَيحرق نَفسه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي الِاقْتِضَاء عَن أبي بزْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مثل الَّذِي يعلم النَّاس وينسى نَفسه كَمثل الفتيلة تضيء للنَّاس وَتحرق نَفسهَا
وَأخرج ابْن قَانِع فِي مُعْجَمه والخطيب فِي الِاقْتِضَاء عَن سليك قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا علم الْعَالم وَلم يعْمل كَانَ كالمصباح يضيء للنَّاس وَيحرق نَفسه
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يجاء بالعالم السوء يَوْم الْقِيَامَة فيقذف فِي جَهَنَّم فيدور بقصبه - قلت: مَا قصبه قَالَ: أمعاؤه - كَمَا يَدُور الْحمار بالرحى فَيُقَال: يَا ويله بِمَ لقِيت هَذَا وَإِنَّمَا اهتدينا بك قَالَ: كنت أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من دَعَا النَّاس إِلَى قَول أَو عمل وَلم يعْمل هُوَ بِهِ لم يزل فِي ظلّ سخط الله حَتَّى يكف أَو يعْمل مَا قَالَ ودعا إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس
أَنه جَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس إِنِّي اريد أَن آمُر بِالْمَعْرُوفِ وأنهى عَن الْمُنكر
قَالَ: أَو بلغت ذَلِك قَالَ: أَرْجُو
قَالَ: فَإِن لم تخش أَن تفتضح بِثَلَاثَة أحرف فِي كتاب الله فافعل
قَالَ: وَمَا هن قَالَ: قَوْله عز وجل {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} أحكمت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فالحرف الثَّانِي قَالَ قَوْله تَعَالَى (لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتاً عِنْد الله أَن تَقولُوا مَالا تَفْعَلُونَ)(الصَّفّ الْآيَة 3) أحكمت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فالحرف الثَّالِث قَالَ قَول العَبْد الصَّالح شُعَيْب (مَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ)(هود الْآيَة 88) أحكمت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فابدأ بِنَفْسِك
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الشّعبِيّ قَالَ: مَا خطب خطيب فِي الدُّنْيَا إِلَّا سيعرض الله عَلَيْهِ خطبَته مَا أَرَادَ بهَا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: ويل للَّذي لَا يعلم مرّة وَلَو شَاءَ الله لعلمه وويل للَّذي يعلم وَلَا يعْمل سبع مَرَّات
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: ويل للَّذي لَا يعلم وَلَو شَاءَ الله لعلمه وويل لمن يعلم ثمَّ لايعمل سبع مَرَّات
قَوْله تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} قَالَ: إنَّهُمَا معونتان من الله فاستعينوا بهما
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الصَّبْر اعْتِرَاف العَبْد لله بِمَا أصَاب مِنْهُ واحتسابه عِنْد الله رَجَاء ثَوَابه وَقد يجزع الرجل وَهُوَ متجلد لَا يرى مِنْهُ إِلَّا الصَّبْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: الصَّبْر صبران: صَبر عِنْد الْمُصِيبَة حسن وَأحسن مِنْهُ الصَّبْر عَن محارم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: الصَّبْر بَابَيْنِ الصَّبْر لله فِيمَا أحب وَإِن ثقل على الْأَنْفس والأبدان وَالصَّبْر عَمَّا كره وَإِن نازعت إِلَيْهِ الاهواء فَمن كَانَ هَكَذَا فَهُوَ من الصابرين الَّذين يسلم عَلَيْهِم إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصَّبْر وَأَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبْر ثَلَاثَة فَصَبر على الْمُصِيبَة وصبر على الطَّاعَة وصبر على الْمعْصِيَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَفِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت رَدِيف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا غُلَام أَلا أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن قلت: بلَى
قَالَ: احفظ الله يحفظك احفظ الله تَجدهُ أمامك تعرف إِلَى الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة وَاعْلَم أَن مَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَأَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَإِن الْخَلَائق لَو اجْتَمعُوا على أَن يعطوك شَيْئا لم يرد الله أَن يعطيكه لم يقدروا على ذَلِك أَو أَن يصرفوا عَنْك شَيْئا أَرَادَ اله أَن يعطيكه لم يقدروا على ذَلِك وَأَن قد جف الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا سَأَلت فَسَأَلَ الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه وَإِذا اعتصمت فاعتصم بِاللَّه واعمل لله بالشكر فِي الْيَقِين وَاعْلَم أَن الصَّبْر على مَا تكره خير كثير وَأَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ الكرب إِن مَعَ الْعسر يسرا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الإِفراد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن
سهل بن سعد السَّاعِدِيّ
ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لعبد الله بن عَبَّاس أَلا أعلمك كَلِمَات تنْتَفع بِهن قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: احفظ الله يحفظك احفظ الله تَجدهُ أمامك تعرف إِلَى الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة فَإِذا سَأَلت فَسَأَلَ الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه جف الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن فَلَو جهد الْعباد أَن ينفعوك بِشَيْء لم يَكْتُبهُ الله عَلَيْك لم يقدروا عَلَيْهِ وَلَو جهد الْعباد أَن يضروك بِشَيْء لم يَكْتُبهُ الله عَلَيْك لم يقدروا عَلَيْهِ فَإِن اسْتَطَعْت أَن تعْمل لله بِالصّدقِ فِي الْيَقِين فافعل فَإِن لم تستطع فَإِن فِي الصَّبْر على مَا تكره خيرا كثيرا وَاعْلَم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ الكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت ذَات يَوْم رَدِيف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا أعلمك خِصَالًا ينفعك اله بِهن قلت: بلَى
قَالَ: عَلَيْك بِالْعلمِ فَإِن الْعلم خَلِيل الْمُؤمن والحلم وزيره وَالْعقل دَلِيله وَالْعَمَل قيمه والرفق أَبوهُ واللين أَخُوهُ وَالصَّبْر أَمِير جُنُوده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخرائطي فِي كتاب الشُّكْر عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الإِيمان نِصْفَانِ
فَنصف فِي الصَّبْر وَنصف فِي الشُّكْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبْر نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا مثله
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنه الْمَحْفُوظ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الإِيمان على أَربع دعائم
على الصَّبْر وَالْعدْل وَالْيَقِين وَالْجهَاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَي الإِيمان أفضل قَالَ: الصَّبْر والسماحة
قيل: فَأَي الْمُؤمنِينَ أكمل إِيمَانًا قَالَ: أحْسنهم خلقا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: بَينا أَنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا جَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا الإِيمان قَالَ: الصَّبْر والسماحة
قَالَ: فَأَي الإِسلام أفضل قَالَ: من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده
قَالَ: فَأَي الْهِجْرَة أفضل قَالَ: من هجر السوء
قَالَ: فَأَي الْجِهَاد أفضل
قَالَ: من أهرق دَمه وعقر جَوَاده
قَالَ: فَأَي الصَّدَقَة أحسن أفضل قَالَ: جهد الْمقل
قَالَ: فَأَي الصَّلَاة أفضل قَالَ: طول الْقُنُوت
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَي الْعَمَل أفضل قَالَ: الصَّبْر والسماحة
قَالَ: أُرِيد أفضل من ذَلِك
قَالَ: لَا تتهم الله فِي شَيْء من قَضَائِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: الإِيمان الصَّبْر والسماحة الصَّبْر عَن محارم الله وَأَدَاء فَرَائض الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الْإِيمَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ: الصَّبْر من الإِيمان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد إِذا قطع الرَّأْس نَتن بَاقِي الْجَسَد وَلَا إِيمَان لمن لَا صَبر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ادخل نَفسك فِي هموم الدُّنْيَا واخرج مِنْهَا بالصب وليردك عَن النَّاس مَا تعلم من نَفسك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قضى نهمته فِي الدُّنْيَا حيل بَينه وَبَين شَهْوَته فِي الْآخِرَة وَمن مد عَيْنَيْهِ إِلَى زِينَة المترفين كَانَ مهيناً فِي ملكوت السَّمَاء وَمن صَبر على الْقُوت الشَّديد أسْكنهُ الله الفردوس حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ قد أَفْلح من أسلم وَكَانَ رزقه كفافاً وصبر على ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْحُوَيْرِث أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ طُوبَى لمن رزقه الله الكفاف وصبر عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عسعس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلا فَسَأَلَ عَنهُ فجَاء فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي اردت أَن آتِي هَذَا الْجَبَل فأخلو فِيهِ واتعبد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لصبر أحدكُم سَاعَة على مَا يكره فِي بعض مَوَاطِن الإِسلام خير من عِبَادَته خَالِيا أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عسعس بن سَلامَة عَن أبي حَاضر الْأَسدي أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلا فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل: إِنَّه قد تفرد يتعبد
فَبعث إِلَيْهِ فَأتى إِلَيْهِ فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا إِن موطناً من مَوَاطِن الْمُسلمين أفضل من عبَادَة الرجل وَحده سِتِّينَ سنة
قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الْمُسلم الَّذِي يخالط النَّاس ويصبر على أذاهم خير من الْمُسلم الَّذِي لَا يخالط النَّاس وَلَا يصبر على أذاهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّكُم يسره أَن يَقِيه الله من فيح حهنم ثمَّ قَالَ: أَلا إِن عمل الْجنَّة خزن بِرَبْوَةٍ ثَلَاثًا أَلا إِن عمل النَّهَار سهل لشَهْوَة ثَلَاثًا والسعيد من وقى الْفِتَن وَمن ابتلى فَصَبر فيا لَهَا ثمَّ يَا لَهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا صَبر أهل بَيت على جهد ثَلَاثًا إِلَّا أَتَاهُم الله برزق
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول من حَدِيث ابْن عمر
مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من جَاع أَو احْتَاجَ فكتمه النَّاس كَانَ حَقًا على الله أَن يرزقه رزق سنة من حَلَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا من مُؤمن تَقِيّ يحبس الله عَنهُ الدُّنْيَا ثَلَاثَة أَيَّام وَهُوَ فِي ذَلِك رَاض عَن الله من غير جزع إِلَّا وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن شُرَيْح قَالَ: إِنِّي لأصاب بالمصيبة فَأَحْمَد الله عَلَيْهَا أَربع مَرَّات: أَحْمَده إِذْ لم تكن أعظم مِمَّا هِيَ وأحمده إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْر عَلَيْهَا وأحمده إِذْ وفقني للاسترجاع لما أَرْجُو فِيهِ من الثَّوَاب وأحمده إِذْ لم يَجْعَلهَا فِي ديني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم فَقَالَ هَل مِنْكُم من يُرِيد أَن يؤتيه الله علما بِغَيْر تعلم وهدياً بِغَيْر هِدَايَة هَل مِنْكُم من يُرِيد أَن يذهب الله عَنهُ الْعَمى ويجعله بَصيرًا أَلا إِنَّه من زهد الدُّنْيَا وَقصر أمله فِيهَا أعطَاهُ الله علما بِغَيْر تعلم وَهدى بِغَيْر هِدَايَة أَلا إِنَّه سَيكون بعدكم قوم لايستقيم لَهُم الْملك إِلَّا بِالْقَتْلِ والتجبر وَلَا الْغَنِيّ إِلَّا بالبخل وَالْفَخْر وَلَا الْمحبَّة إِلَّا باللاستجرام فِي الدّين وَاتِّبَاع الْهوى إِلَّا فَمن أدْرك ذَلِك الزَّمَان مِنْكُم فَصَبر للفقر وَهُوَ يقدر على الْغنى وصبر للبغضاء وَهُوَ يقدر على الْمحبَّة وصبر على الذل وَهُوَ يقدر على الْعِزّ لَا يُرِيد بذلك إِلَّا وَجه الله أعطَاهُ ثَوَاب خمسين صديقا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الإِيمان الصَّبْر والسماحة
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّه من يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن
يغنه الله وَمن يتصبر يصبره الله وَلم تعطوا عطاءا خيرا وأوسع من الصَّبْر
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: وجدنَا خير عيشنا الصَّبْر
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: مَا نَالَ رجلا من جسيم الْخَيْر شَيْء إِلَّا بِالصبرِ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّلَاة} أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} قَالَ: على مرضاة الله وَاعْلَمُوا أَنَّهُمَا من طَاعَة الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير عَن حُذَيْفَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا حز بِهِ أَمر فزع إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَت لَيْلَة ريح كَانَ مفزعه إِلَى الْمَسْجِد حَتَّى يسكن وَإِذا حدث فِي السَّمَاء حدث من كسوف شمس أَو قمر كَانَ مفزعه إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن صُهَيْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانُوا - يَعْنِي الْأَنْبِيَاء - يفزعون إِذا فزعوا إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ فِي مسير لَهُ فنعي إِلَيْهِ ابْن لَهُ فَنزل فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ اسْترْجع وَقَالَ: فعلنَا كَمَا أمرنَا الله فَقَالَ {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس
أَنه نعي إِلَيْهِ أَخُوهُ قثم وَهُوَ فِي مسير فَاسْتَرْجع ثمَّ تنحى عَن الطَّرِيق فصلى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فيهمَا الْجُلُوس ثمَّ قَامَ يمشي إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبَادَة بن مُحَمَّد بن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: لما حضرت عبَادَة الْوَفَاة قَالَ: أحرج على إِنْسَان مِنْكُم يبكي فَإِذا خرجت نَفسِي فتوضؤوا وأحسنوا الْوضُوء ثمَّ ليدْخل كل إِنْسَان مِنْكُم مَسْجِدا فَيصَلي ثمَّ يسْتَغْفر لِعِبَادِهِ ولنفسه فَإِن الله تبارك وتعالى قَالَ {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} ثمَّ أَسْرعُوا بِي إِلَى حفرتي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد
ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أمه أم كُلْثُوم بنت عقبَة وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول فِي قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} قَالَت: غشي على الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن غشية فظنوا أَنه افاض نَفسه فِيهَا فَخرجت امْرَأَته أم كُلْثُوم إِلَى الْمَسْجِد تستعين بِمَا أمرت بِهِ من الصَّبْر وَالصَّلَاة فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: أغشي عليّ آنِفا قَالُوا: نعم
قَالَ: صَدقْتُمْ إِنَّه جَاءَنِي ملكان فَقَالَا لي: انْطلق نحاكمك إِلَى الْعَزِيز الْأمين
فَقَالَ ملك آخر: ارْجِعَا فَإِن هَذَا مِمَّن كتبت لَهُ السَّعَادَة وهم فِي بطُون أمهاتهم ويستمع بِهِ بنوه مَا شَاءَ الله فَعَاشَ بعد ذَلِك شهرا ثمَّ مَاتَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مقَاتل بن حبَان فِي قَوْله {وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة} يَقُول: اسْتَعِينُوا على طلب الْآخِرَة بِالصبرِ على الْفَرَائِض وَالصَّلَاة فحافظوا عَلَيْهَا وعَلى مواقيتها وتلاوة الْقُرْآن فِيهَا وركوعها وسجودها وتكبيرها وَالتَّشَهُّد فِيهَا وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وإكمال ظُهُورهَا فَذَلِك إِقَامَتهَا وإتمامها قَوْله {وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين} يَقُول: صرفك عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة كبر ذَلِك على الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {إِلَّا على الخاشعين} يَعْنِي المتواضعين
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَإِنَّهَا لكبيرة} قَالَ: لثقيلة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِنَّهَا لكبيرة} قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ واله يَا مُحَمَّد إِنَّك لتدعونا إِلَى أَمر كَبِير
قَالَ: إِن الصَّلَاة والإِيمان بِاللَّه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا على الخاشعين} قَالَ: المصدقين بِمَا أنزل الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا على الخاشعين} قَالَ: الْمُؤمنِينَ حَقًا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِلَّا على الخاشعين} قَالَ: الْخَائِفِينَ
قَوْله تَعَالَى: الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم وَإِنَّهُم إِلَيْهِ رَاجِعُون
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كل ظن فِي الْقُرْآن فَهُوَ يَقِين
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: مَا كَانَ من ظن الْآخِرَة فَهُوَ علم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِنَّهُم إِلَيْهِ رَاجِعُون} قَالَ: يسيقنون أَنهم رَاجِعُون إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
قَوْله تَعَالَى: يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمني الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب أَنه كَانَ إِذا تَلا {اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} قَالَ: مضى الْقَوْم وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ أَنْتُم
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة فِي قَوْله {اذْكروا نعمتي} قَالَ: أيادي الله عَلَيْكُم وأيامه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم} قَالَ: نعْمَة الله الَّتِي أنعم على بني إِسْرَائِيل فِيمَا سمي وَفِيمَا سوى ذَلِك فجر لَهُم الْحجر وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فِرْعَوْن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} قَالَ: فضلوا على الْعَالم الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَلكُل زمَان عَالم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} قَالَ: على من هم بَين ظهريه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} قَالَ: بِمَا أعْطوا من الْملك وَالرسل والكتب على من كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان فَإِن لكل زمَان عَالما
قَوْله تَعَالَى: وَاتَّقوا يَوْمًا لاتجزى نفس عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل وَلَا هم ينْصرُونَ
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَرَأت على أبي بن كَعْب
{وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس} بِالتَّاءِ {وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة} بِالتَّاءِ {وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل} بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} قَالَ: لَا تغني نفس مُؤمنَة عَن نفس كَافِرَة من الْمَنْفَعَة شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر بن قيس الْملَائي عَن رجل من بني أُميَّة من أهل الشَّام أحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله مَا الْعدْل قَالَ: الْعدْل الْفِدْيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل} قَالَ: بدل الْبَدَل الْفِدْيَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قراءتنا قبل الْخمسين من الْبَقَرَة مَكَان / لَا تقبل مِنْهَا شَفَاعَة / لَا يُؤْخَذ
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ نجيناكم من آل فِرْعَوْن يسومونكم سوء الْعَذَاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نِسَاؤُكُمْ وَفِي ذَلِكُم بلَاء من ربكُم عَظِيم
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت الكهنة لفرعون: إِنَّه يُولد فِي هَذَا الْعَام مَوْلُود يذهب بملكك
فَجعل فِرْعَوْن على كل ألف امْرَأَة مائَة رجل وعَلى كل مائَة عشرَة وعَلى كل عشر رجلا فَقَالَ: انْظُرُوا كل امْرَأَة حَامِل فِي الْمَدِينَة فَإِذا وضعت حملهَا ذكرا فاذبحوه وَإِن أَتَت أُنْثَى فَخلوا عَنْهَا وَذَلِكَ قَوْله {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {يسومونكم سوء الْعَذَاب} الْآيَة
قَالَ: إِن فِرْعَوْن ملكهم أَرْبَعمِائَة سنة فَقَالَ لَهُ الكهنة: سيولد الْعَام بِمصْر غُلَام يكون هلاكك على يَدَيْهِ
فَبعث فِي أهل مصر للنِّسَاء قوابل فَإِذا ولدت امْرَأَة غُلَاما أَتَى بِهِ فِرْعَوْن فَقتله ويستحي الْجَوَارِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بلَاء من ربكُم عَظِيم} يَقُول: نعْمَة
وَأخرج وَكِيع عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَفِي ذَلِكُم بلَاء من ربكُم عَظِيم} قَالَ: نعْمَة من ربكُم عَظِيمَة
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر فأنجيناكم وأغرقنا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُم تنْظرُون
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ فرقنا بكم الْبَحْر فأنجيناكم وأغرقنا آل فِرْعَوْن وَأَنْتُم تنْظرُون} قَالَ: أَي وَالله لفرق بهم الْبَحْر حَتَّى صَار طَرِيقا يبساً يَمْشُونَ فِيهِ (فأنجاهم وَأغْرقَ آل فِرْعَوْن) عدوهم نعم من عِنْد الله يعرفهُمْ لكيما يشكروا ويعرفوا حَقه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة فَرَأى الْيَهُود يَصُومُونَ يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الْيَوْم الَّذِي تصومون قَالُوا: هَذَا يَوْم صَالح نجى الله فِيهِ بني إِسْرَائِيل من عدوهم فصامه مُوسَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: نَحن أَحَق بمُوسَى مِنْكُم فصامه وَأمر بصومه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير
أَن هِرقل كتب إِلَى مُعَاوِيَة وَقَالَ: إِن كَانَ بَقِي فيهم شَيْء من النبوّة فسيخبرني عَمَّا أسألهم عَنهُ
قَالَ: وَكتب إِلَيْهِ يسْأَله عَن المجرة وَعَن الْقوس وَعَن الْبقْعَة الَّتِي لم تصبها الشَّمْس إِلَّا سَاعَة وَاحِدَة قَالَ: فَلَمَّا أَتَى مُعَاوِيَة الْكتاب وَالرَّسُول قَالَ: إِن هَذَا شَيْء مل كنت آبه لَهُ أَن أسأَل عَنهُ إِلَى يومي هَذَا من لهَذَا قَالُوا: ابْن عَبَّاس
وطوى مُعَاوِيَة كتاب هِرقل وَبَعثه إِلَى ابْن عَبَّاس فَكتب إِلَيْهِ: إِن الْقوس أَمَان لأهل الأَرْض من الْغَرق والمجرة بَاب السَّمَاء الَّذِي تشق مِنْهُ وَأما الْبقْعَة الَّتِي لم تصبها الشَّمْس إِلَّا سَاعَة من نَهَار فالبحر الَّذِي أفرج عَن بني إِسْرَائِيل
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فلق الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل يَوْم عَاشُورَاء
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ وعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ اتخذتم الْعجل من بعده وَأَنْتُم ظَالِمُونَ
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِذ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة} قَالَ: ذَا القعده وَعشرا من ذِي الْحجَّة وَذَلِكَ حِين خلف مُوسَى أَصْحَابه
واستخلف عَلَيْهِم هَارُون فَمَكثَ على الطّور أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَأنزل عَلَيْهِم التَّوْرَاة فِي اللَّوْح فقربه الرب نجياً وَكَلمه وَسمع صرير الْقَلَم وبلغنا أَنه لم يحدث حَدثا فِي الْأَرْبَعين لَيْلَة حَتَّى هَبَط الطّور
أما قَوْله {ثمَّ اتخذتم} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اسْم عجل بني سرائيل الَّذِي عبدوه يهبوب
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم من بعد ذَلِك لَعَلَّكُمْ تشكرون
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {ثمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم من بعد ذَلِك} يَعْنِي من بعد مَا اتخذتم الْعجل
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَالْفرْقَان لَعَلَّكُمْ تهتدون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وَالْفرْقَان} قَالَ: الْكتاب هُوَ الْفرْقَان فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْفرْقَان جماع اسْم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم ذَلِك خير لكم عِنْد بارئكم فَتَابَ عَلَيْكُم إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر مُوسَى قومه عَن أَمر ربه أَن يقتلُوا أنفسهم واحتبى الَّذين عكفوا على الْعجل فجلسوا وَقَامَ الَّذين لم يعكفوا على الْعجل فَأخذُوا الخناجر بِأَيْدِيهِم وأصابتهم ظلمَة شَدِيدَة فَجعل يقتل بَعضهم بَعْضًا فانجلت الظلمَة عَنْهُم وَقد أجلوا عَن سبعين ألف قَتِيل كل من قتل مِنْهُم كَانَت لَهُ تَوْبَة وكل من وَبَقِي كَانَت لَهُ تَوْبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ: قَالُوا لمُوسَى: مَا تَوْبَتنَا قَالَ: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا فَأخذُوا السكاكين فَجعل الرجل يقتل أَخَاهُ وأباه وَابْنه - وَالله لَا يُبَالِي من قتل - حَتَّى قتل مِنْهُم سَبْعُونَ ألفا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: مرهم فَلْيَرْفَعُوا أَيْديهم وَقد غفر لمن قتل وتيب على من بَقِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَ: أَمر الْقَوْم بشديدة من الْبلَاء فَقَامُوا يتناحرون بالشفار وَيقتل بَعضهم بَعْضًا حَتَّى بلغ الله نقمته فيهم وعقوبته فَلَمَّا بلغ ذَلِك سَقَطت الشفار من أَيْديهم وَأمْسك عَنْهُم الْقَتْل فَجعله الله للحي مِنْهُم تَوْبَة وللمقتول شَهَادَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لما أمرت بَنو إسرائي بقتل أَنْفسهَا برزوا وَمَعَهُمْ مُوسَى فاضطربوا بِالسُّيُوفِ وتطاعنوا بالخناجر ومُوسَى رَافع يَدَيْهِ حَتَّى إِذا أفنوا بَعضهم قَالُوا: يَا نَبِي الله ادْع لنا وَأخذُوا بعضديه فَلم يزل أَمرهم على ذَلِك حَتَّى إِذا قبل الله تَوْبَتهمْ قبض أَيْديهم بَعضهم عَن بعض فَألْقوا السِّلَاح وحزن مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل للَّذي كَانَ من الْقَتْل فيهم فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: مَا يحزنك
أما من قتل مِنْكُم فحي عِنْدِي يرْزق وَأما من بَقِي فقد قبلت تَوْبَته
فسر بذلك مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {إِلَى بارئكم} قَالَ: خالقكم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول تبع: شهِدت على أَحْمد أَنه رَسُول من الله باري النسم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِلَى بارئكم} قَالَ: خالقكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ أَمر مُوسَى قومه عَن أَمر ربه أَن يقتل بَعضهم بعض بالخناجر فَفَعَلُوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وَأَنْتُم تنْظرُون ثمَّ بعثناكم من بعد موتكم لَعَلَّكُمْ تشكرون
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى نرى الله جهرة} قَالَ: عَلَانيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة} قَالَ: هم السبعون الَّذِي اخْتَارَهُمْ مُوسَى {فأخذتكم الصاعقة} قَالَ: مَاتُوا {ثمَّ بعثناكم من بعد موتكم} فبعثوا من بعد الْمَوْت ليستوفوا آجالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: عُوقِبَ الْقَوْم فأماتهم الله عُقُوبَة ثمَّ بَعثهمْ إِلَى بَقِيَّة آجالهم ليتوفوها
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {فأخذتكم الصاعقة} قَالَ: الْعَذَاب وَأَصله الْمَوْت
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت ربيعَة وَهُوَ يَقُول: وَقد كنت أخْشَى عَلَيْك الحتوف وَقد كنت آمنك الصاعقة
قَوْله تَعَالَى: وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام وأنزلنا عَلَيْكُم الْمَنّ والسلوى كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم وَمَا ظلمونا وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} قَالَ: غمام أبرد من هَذَا وَأطيب وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الَّذِي جَاءَت فِيهِ الْمَلَائِكَة يَوْم بدر وَكَانَ مَعَهم فِي التيه
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} قَالَ: لَيْسَ بالسحاب هُوَ الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة وَلم يكن إِلَّا لَهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} قَالَ: هُوَ السَّحَاب الْأَبْيَض الَّذِي لَا مَاء فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مجلز فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} قَالَ: ظلل عَلَيْهِم فِي التيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قتاد فِي قَوْله {وظللنا عَلَيْكُم الْغَمَام} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْبَريَّة ظلل عَلَيْهِم الْغَمَام من الشَّمْس وأطعمهم الْمَنّ والسلوى حِين برزوا إِلَى الْبَريَّة فَكَانَ الْمَنّ يسْقط عَلَيْهِم فِي محلتهم سُقُوط الثَّلج أَشد بَيَاضًا من الثَّلج يسْقط عَلَيْهِم من طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس فَيَأْخُذ الرجل قدر مَا يَكْفِيهِ يَوْمه ذَلِك فَإِن تعدى فسد وَمَا يبْقى عِنْده حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم سادسه جُمُعَة أَخذ مَا يَكْفِيهِ ليَوْم سادسه وَيَوْم سابعه فيبقي عِنْده لِأَن إِذا كَانَ يَوْم عيد لَا يشخص فِيهِ لأمر معيشة وَلَا لطلب شَيْء وَهَذَا كُله فِي الْبَريَّة
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ {الْمَنّ} شَيْء أنزلهُ الله عَلَيْهِم مثل الطل شبه الرب الغليظ {والسلوى} طير أكبر من العصفور
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: {الْمَنّ} صمغة {والسلوى} طَائِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالُوا يَا مُوسَى كَيفَ لنا بِمَاء هَهُنَا أَيْن الطَّعَام فَأنْزل الله عَلَيْهِم الْمَنّ فَكَانَ يسْقط على شَجَرَة الترنجبين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه
أَنه سُئِلَ مَا الْمَنّ قَالَ: خبز الرقَاق مثل الذّرة أَو مثل النقي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ {الْمَنّ} شراب كَانَ ينزل عَلَيْهِم مثل الْعَسَل فيمزجونه بِالْمَاءِ ثمَّ يشربونه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمَنّ ينزل عَلَيْهِم بِاللَّيْلِ على الْأَشْجَار فيغذون إِلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شاؤوا {والسلوى} طَائِر شَبيه بالسماني كَانُوا يَأْكُلُون مِنْهُ مَا شاؤوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {الْمَنّ} الَّذِي يسْقط من السَّمَاء على الشّجر فتأكله النَّاس {والسلوى} هُوَ السماني
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن زيد قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الكمأة من الْمَنّ وماؤها شِفَاء للعين
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
مثله
وَأخرج النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر بن عبد الله وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة {والسلوى} طَائِر يشبه السماني
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك أَنه كَانَ يَقُول: السماني هِيَ السلوى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت السلوى طيراً إِلَى الْحمرَة تحشرها عَلَيْهِم الرّيح الْجنُوب فَكَانَ الرجل مِنْهُم يذبح مِنْهَا قدر مَا يَكْفِيهِ يَوْمه ذَلِك فَإِذا تعدى فسد وَلم يبْق عِنْده حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم سادسه يَوْم جمعته أَخذ مَا يَكْفِيهِ ليَوْم سادسه وَيَوْم سابعه
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: سَأَلت بَنو إِسْرَائِيل مُوسَى اللَّحْم فَقَالَ الله: لأطعمنهم من أقل لحم يعلم فِي الأَرْض
فَأرْسل عَلَيْهِم ريحًا فأذرت عِنْد مساكنهم السلوى - وَهُوَ السماني - ميلًا فِي ميل قيد رمح فِي السَّمَاء فجنوا للغد فنتن اللَّحْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه أَنه سُئِلَ عَن السلوى فَقَالَ: طير سمين مثل الْحمام وَكَانَ يأيتهم فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ سبت إِلَى سبت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا ظلمونا} قَالَ: نَحن أعز من أَن نظلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} قَالَ: يضرون
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْنَا ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُم رغدا وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطياكم وسنزيد الْمُحْسِنِينَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ادخُلُوا هَذِه الْقرْيَة} قَالَ: بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب} قَالَ: بَاب ضيق
{سجدا} قَالَ: ركعا {وَقُولُوا حطة} قَالَ: مغْفرَة قَالَ: فَدَخَلُوا من قبل استاههم وَقَالُوا: حِنْطَة استهزاء قَالَ: فَذَلِك قَوْله عز وجل (فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير الَّذِي قيل لَهُم)(الْبَقَرَة الْآيَة 59)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب سجدا} قَالَ: هُوَ أحد أَبْوَاب بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ يدعى بَاب حطة
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قيل لَهُم {ادخُلُوا الْبَاب سجدا} فَدَخَلُوا مقنعي رؤوسهم {وَقُولُوا حطة} فَقَالُوا: حِنْطَة حَبَّة حَمْرَاء فِيهَا شعيرَة فَذَلِك قَوْله {فبدل الَّذين ظلمُوا} الْبَقَرَة الْآيَة 59 وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنهم قَالُوا: هطى سمقاثا ازبة مزبا
فَهِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ حَبَّة حِنْطَة حَمْرَاء مثقوبة فِيهَا شعيرَة سَوْدَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقُولُوا حطة} أَي احطط عَنَّا خطايانا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب سجدا} قَالَ: طأطئوا رؤوسكم {وَقُولُوا حطة} قَالَ: قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقُولُوا حطة} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْبَاب قبل الْقبْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: بَاب حطة من أَبْوَاب بَيت الْمُقَدّس أَمر مُوسَى قومه أَن يدخلُوا ويقولوا حطة وطؤطىء لَهُم الْبَاب ليخفضوا رؤوسهم فَلَمَّا سجدوا قَالُوا حِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وادخلوا الْبَاب سجدا} قَالَ: كُنَّا نتحدث أَنه بَاب من أَبْوَاب بَيت الْمُقَدّس {وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: من كَانَ خاطئا غفرت لَهُ خطيئته وَمن كَانَ محسناً زَاده الله
إحساناً (فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير الَّذِي قيل لَهُم)(الْبَقَرَة الْآيَة 59) قَالَ: بَين لَهُم أمرا علموه فخالفوه إِلَى غَيره جرْأَة على الله وعتواً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وسنزيد الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: من كَانَ قبلكُمْ محسناً زيد فِي إحسانه وَمن كَانَ مخطئاً نغفر لَهُ خطيئته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: قيل لبني إِسْرَائِيل ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة فبدلوا فَدَخَلُوا يزحفون على استاههم وَقَالُوا حَبَّة فِي شَعْرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دخلُوا الْبَاب الَّذِي أمروا أَن يدخلُوا فِيهِ سجدا يزحفون على استاههم وهم يَقُولُونَ: حِنْطَة فِي شعيرَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الله لبني إِسْرَائِيل {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: سرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذا كَانَ من آخر اللَّيْل اجتزنا فِي بَريَّة يُقَال لَهَا ذَات الحنظل فَقَالَ: مَا مثل هَذِه الثَّنية اللَّيْلَة إِلَّا كَمثل الْبَاب الَّذِي قَالَ الله لبني إِسْرَائِيل {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِنَّمَا مثلنَا فِي هَذِه الْأمة كسفينة نوح وَكتاب حطة فِي بني إِسْرَائِيل
قَوْله تَعَالَى: فبدل الَّذين ظلمُوا قولا غير الَّذِي قيل لَهُم فأنزلنا على الَّذين ظلمُوا رجزا من السَّمَاء بِمَا كَانُوا يفسقون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء فِي كتاب الله من الرجز يَعْنِي بِهِ الْعَذَاب
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن مَالك وَأُسَامَة بن زيد وَخُزَيْمَة بن ثَابت قَالُوا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن هَذَا الطَّاعُون رجز وَبَقِيَّة عَذَاب عذب بِهِ أنَاس من قبلكُمْ فَإِذا كَانَ بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا وَإِذا بَلغَكُمْ أَن بِأَرْض فَلَا تدخلوها
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: الرجز الْغَضَب
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا يَا مُوسَى اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا قد علم كل أنَاس مشاربهم كلوا وَاشْرَبُوا من رزق الله وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْآيَة
قَالَ: ذَلِك فِي التيه ضرب لَهُم مُوسَى الْحجر فَصَارَ فِيهِ اثْنَتَا عشرَة عينا من مَاء لكل سبط مِنْهُم عين يشربون مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْبَريَّة حَيْثُ خَشوا الظمأ استسقى مُوسَى فَأمر بِحجر أَن يضْربهُ وَكَانَ حجرا طورانياً من الطّور يحملونه مَعَهم حَتَّى إِذا نزلُوا ضربه مُوسَى بعصاه {فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا قد علم كل أنَاس مشربهم} قَالَ: لكل سبط مُهِمّ عين مَعْلُومَة يَسْتَفِيد ماءها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: انفجر لَهُم الْحجر بضربة مُوسَى اثْنَتَيْ عشرَة عينا كل ذَلِك كَانَ فِي تيههم حِين تاهوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جوبير أَنه سُئِلَ فِي قَوْله {قد علم كل أنَاس مشربهم} قَالَ: كَانَ مُوسَى يضع الْحجر وَيقوم من كل سبط رجل وَيضْرب مُوسَى الْحجر فينفجر مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا فينتضح من كل عين على رجل فيدعو ذَلِك الرجل سبطه إِلَى تِلْكَ الْعين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض} قَالَ: لَا تسعوا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} قَالَ: لَا تسعوا فِي الأَرْض فَسَادًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَلَا تعثوا} قَالَ: يَعْنِي وَلَا تَمْشُوا بِالْمَعَاصِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} قَالَ: لَا تسيروا فِي الأَرْض مفسدين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقَالَ: اشربوا يَا حمير: فَقَالَ الله تَعَالَى لَهُ: لاتسم عبَادي حميرا
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد فَادع لنا رَبك يخرج لنا مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قَالَ أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير اهبطوا مصرا فَإِن لكم مَا سَأَلْتُم وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد} قَالَ: الْمَنّ والسلوى استبدلوا بِهِ البقل وَمَا ذكر مَعَه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالُوا: ملوا طعامهم فِي الْبَريَّة وَذكروا عيشهم الَّذِي كَانُوا فِيهِ قبل ذَلِك فَقَالُوا {ادْع لنا رَبك} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وفومها} قَالَ: الْخبز
وَفِي لفظ: الْبر
وَفِي لفظ: الْحِنْطَة بِلِسَان بني هَاشم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {وفومها} قَالَ: الْحِنْطَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أحيحة بن الجلاح وَهُوَ يَقُول: قد كنت أغْنى النَّاس شخصا وَاحِدًا ورد الْمَدِينَة عَن زراعة فوم وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء فِي قَوْله {وفومها} قَالَا: الْخبز
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن وَأبي مَالك فِي قَوْله {وفومها} قَالَا: الْخبز
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن وَأبي مَالك فِي قَوْله {وفومها} قَالَا: الحنظة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الفوم الثوم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: الفوم الثوم - وَفِي بعض الْقِرَاءَة وثومها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود: أَنه قَرَأَ وثومها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قرائتي قِرَاءَة زيد وَأَنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قِرَاءَة ابْن مَسْعُود هَذَا أَحدهَا {من بقلها وقثائها وفومها}
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {وفومها} قَالَ: الفوم الْحِنْطَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا محجن الثَّقَفِيّ وَهُوَ يَقُول: قد كنت أحسبني كأغنى وَاحِد قدم الْمَدِينَة عَن زراعة فوم قَالَ: يَا ابْن الْأَزْرَق وَمن قَرَأَهَا على قِرَاءَة ابْن مَسْعُود فَهُوَ المنتن قَالَ أُميَّة ابْن أبي الصَّلْت: كَانَت مَنَازِلهمْ إِذْ ذَاك ظَاهِرَة فِيهَا الفراديس والفومات والبصل وَقَالَ أُميَّة ابْن الصَّلْت أَيْضا: أنفي الدياس من الفوم الصَّحِيح كَمَا أنفي من الأَرْض صوب الوابل الْبرد وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى} قَالَ: أردأ
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اهبطوا مصرا} قَالَ: مصرا من الْأَمْصَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {اهبطوا مصرا} يَقُول: مصرا من الْأَمْصَار
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {اهبطوا مصرا} قَالَ: يَعْنِي بِهِ مصر فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش أَنه كَانَ يقْرَأ {اهبطوا مصرا} بِلَا تَنْوِين وَيَقُول: هِيَ مصر الَّتِي عَلَيْهَا صَالح بن عليَّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة} قَالَ: هم أَصْحَاب الْجِزْيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن {وَضربت عَلَيْهِم الذلة والمسكنة} قَالَ: يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {والمسكنة} قَالَ: الْفَاقَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وباؤوا بغضب من الله} قَالَ: استحقوا الْغَضَب من الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وباؤوا} قَالَ: انقلبوا
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَيقْتلُونَ النَّبِيين}
أخرج أَبُو دَاوُد والطاليسي وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل فِي الْيَوْم تقتل ثَلَاثمِائَة نَبِي ثمَّ يُقِيمُونَ سوق بقلهم فِي آخر النَّهَار
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة رجل قتل نَبيا أَو قَتله نَبِي وَإِمَام ضَلَالَة وممثل من الممثلين
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن أبي ذَر قَالَ جَاءَ اعرابي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا نبيء الله
قَالَ: لست بنبيء الله ولكنني نَبِي الله قَالَ الذَّهَبِيّ: مُنكر لم يَصح
وَأخرج ابْن عدي عَن حمْرَان بن أعين أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة أَتَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا نبيء الله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لست بنبيء الله ولكنني نَبِي الله
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ مَا همز رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا أَبُو بكر وَلَا عمر وَلَا الْخُلَفَاء وَإِنَّمَا الْهَمْز بِدعَة من بعدهمْ
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
أخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي سَنَده وَابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أهل دين كنت مَعَهم فَذكر من صلَاتهم وعبادتهم فَنزلت {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} الْآيَة
وَأخرج الواحدي عَن مُجَاهِد قَالَ: لما قصّ سلمَان على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قصَّة أَصْحَابه قَالَ: هم فِي النَّار
قَالَ سلمَان: فأظلمت عَليّ الأَرْض فَنزلت {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} إِلَى قَوْله {يَحْزَنُونَ} قَالَ: فَكَأَنَّمَا كشف عني جبل
وَأخرج ابْن جرير وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} الْآيَة
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب سلمَان الْفَارِسِي وَكَانَ رجلا من جند نيسابور وَكَانَ من أَشْرَافهم وَكَانَ ابْن الْملك صديقا لَهُ مؤاخياً لَا يقْضِي وَاحِد مِنْهُمَا أَمر دون صَاحبه وَكَانَا يركبان إِلَى الصَّيْد جَمِيعًا فَبَيْنَمَا هما فِي الصَّيْد إِذْ رفع لَهما بَيت من عباءة فَأتيَاهُ فَإِذا هما فِيهِ بِرَجُل بَين يَدَيْهِ مصحف يقْرَأ فِيهِ وَهُوَ يبكي فَسَأَلَاهُ مَا هَذَا فَقَالَ: الَّذِي يُرِيد أَن يعلم هَذَا لَا يقف موقفكما فَإِن كنتما تريدان أَن تعلما مَا فِيهِ فانزلا حَتَّى أعلمكما فَنزلَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهما: هَذَا كتاب جَاءَ من عِنْد الله أَمر فِيهِ بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته فِيهِ أَن لَا تسرق وَلَا تَزني وَلَا تَأْخُذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ فَقص عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ وَهُوَ الإِنجيل الَّذِي أنزل الله على عِيسَى فَوَقع فِي قلوبهما وتابا فاسلما وَقَالَ لَهما: إِن ذَبِيحَة قومكما عَلَيْكُمَا حرَام فَلم يَزَالَا مَعَه كَذَلِك يتعلمان مِنْهُ حَتَّى كَانَ عيد للْملك فَجمع طَعَاما ثمَّ جمع
النَّاس والأشراف وَأرْسل إِلَى ابْن الْملك رَسُولا فَدَعَاهُ إِلَى ضيعته ليَأْكُل مَعَ النَّاس فَأبى الْفَتى وَقَالَ: إِنِّي عَنْك مَشْغُول فَكل أَنْت وَأَصْحَابك فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ من الرُّسُل أخْبرهُم أَنه لَا يَأْكُل من طعامهم فَبعث الْملك إِلَى ابْنه وَدعَاهُ وَقَالَ: مَا أَمرك هَذَا قَالَ: إِنَّا لَا نَأْكُل من ذبائحكم إِنَّكُم كفار لَيْسَ تحل ذبائحكم
فَقَالَ لَهُ الْملك: من أَمرك هَذَا فَأخْبرهُ أَن الراهب أمره بذلك فَدَعَا الراهب فَقَالَ: مَاذَا يَقُول ابْني قَالَ: صدق ابْنك
قَالَ لَهُ: لَوْلَا الدَّم فِينَا عَظِيم لقتلتك وَلَكِن اخْرُج من أَرْضنَا فَأَجله أَََجَلًا فَقَالَ سلمَان: فقمنا نبكي عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهما: إِن كنتما صَادِقين فَإنَّا فِي بيعَة فِي الْموصل سِتِّينَ رجلا نعْبد الله فأتونا فِيهَا فَخرج الراهب وَبَقِي سلمَان وَابْن الْملك فَجعل سلمَان يَقُول لِابْنِ الْملك: انْطلق بِنَا
وَابْن الْملك يَقُول: نعم
وَجعل ابْن الْملك يَبِيع مَتَاعه يُرِيد الجهاز فَلَمَّا أَبْطَأَ على سلمَان خرج سلمَان حَتَّى أَتَاهُم فَنزل على صَاحبه وَهُوَ رب الْبيعَة فَكَانَ أهل تِلْكَ الْبيعَة أفضل مرتبَة من الرهبان فَكَانَ سلمَان مَعَه يجْتَهد فِي الْعِبَادَة ويتعب نَفسه فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَرَأَيْت الَّذِي تَأْمُرنِي بِهِ هُوَ أفضل أَو الَّذِي أصنع قَالَ: بل الَّذِي تصنع
قَالَ: فخلّ عني
ثمَّ إِن صَاحب الْبيعَة دَعَاهُ فَقَالَ أتعلم أَن هَذِه الْبيعَة لي وَأَنا أَحَق النَّاس بهَا وَلَو شِئْت أَن أخرج مِنْهَا هَؤُلَاءِ لفَعَلت وَلَكِنِّي رجل أَضْعَف عَن عبَادَة هَؤُلَاءِ وَأَنا أُرِيد أَن أتحول من هَذِه الْبيعَة إِلَى بيعَة أُخْرَى هم أَهْون عبَادَة من هَهُنَا فَإِن شِئْت أَن تقيم هُنَا فأقم وَإِن شِئْت أَن تَنْطَلِق معي فَانْطَلق
فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَي البيعتين أفضل أَهلا قَالَ: هَذِه
قَالَ سلمَان: فَأَنا أكون فِي هَذِه فَأَقَامَ سلمَان بهَا وَأوصى صَاحب الْبيعَة بسلمان يتعبد مَعَهم
ثمَّ إِن الشَّيْخ أَرَادَ أَن يَأْتِي بَيت الْمُقَدّس فَدَعَا سلمَان فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن آتِي بَيت الْمُقَدّس فَإِن شِئْت أَن تَنْطَلِق معي فَانْطَلق وَإِن شِئْت أَن تقيم فاقم
قَالَ لَهُ سلمَان: أَيهمَا أفضل أَنطلق مَعَك أَو أقيم قَالَ: لَا بل تَنْطَلِق
فَانْطَلق مَعَه فَمروا بمقعد على ظهر الطَّرِيق ملقى فَلَمَّا رآهما نَادَى يَا سيد الرهبان ارْحَمْنِي رَحِمك الله فَلم يكلمهُ وَلم ينظر إِلَيْهِ وانطلقا حَتَّى أَتَيَا بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ الشَّيْخ لسلمان: أخرج فاطلب الْعلم فَإِنَّهُ يحضر هَذَا الْمَسْجِد عُلَمَاء الأَرْض
فَخرج سلمَان يسمع مِنْهُم فَرجع يَوْمًا حَزينًا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مَالك يَا سلمَان قَالَ: إِن الْخَيْر كُله قد
ذهب بِهِ من كَانَ قبلنَا من الْأَنْبِيَاء والأتباع
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ: لَا تحزن فَإِنَّهُ قد بَقِي نَبِي لَيْسَ من نَبِي بِأَفْضَل تبعا مِنْهُ وَهَذَا الزَّمَان الَّذِي يخرج فِيهِ وَلَا أَرَانِي أدْركهُ وَأما أَنْت فشاب فلعلك أَن تُدْرِكهُ وَهُوَ يخرج فِي أَرض الْعَرَب فَإِن أَدْرَكته فَآمن بِهِ وَاتبعهُ
قَالَ لَهُ سلمَان: فَأَخْبرنِي عَن علامته بِشَيْء
قَالَ: نعم وَهُوَ مختوم فِي ظَهره بِخَاتم النُّبُوَّة وَهُوَ يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة ثمَّ رجعا حَتَّى بلغا مَكَان المقعد فناداهما فَقَالَ: يَا سيد الرهبان ارْحَمْنِي رَحِمك الله فعطف إِلَيْهِ حِمَاره فَأخذ بِيَدِهِ فرفعه فَضرب بِهِ الأَرْض ودعا لَهُ وَقَالَ: قُم باذن الله
فَقَامَ صَحِيحا يشْتَد
فَجعل سلمَان يتعجب وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ وَسَار الراهب فغيب عَن سلمَان وَلَا يعلم سلمَان
ثمَّ إِن سلمَان فزع بِطَلَب الراهب فَلَقِيَهُ رجلَانِ من الْعَرَب من كلب فَسَأَلَهُمَا هَل رَأَيْتُمَا الراهب فَأَنَاخَ أَحدهمَا رَاحِلَته قَالَ: نعم [] راعي الصرمة هَذَا فَحَمله فَانْطَلق بِهِ إِلَى الْمَدِينَة قَالَ سلمَان: فَأَصَابَنِي من الْحزن شَيْء لم يُصِبْنِي مثله قطّ فاشترته امْرَأَة من جُهَيْنَة فَكَانَ يرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلَام لَهَا يتراوحان الْغنم هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا وَكَانَ سلمَان يجمع الدَّرَاهِم ينْتَظر خُرُوج مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم
فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا يرْعَى إِذْ أَتَاهُ صَاحبه بعقبة فَقَالَ لَهُ: أشعرت أَنه قد قدم الْمَدِينَة الْيَوْم رجل يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ لَهُ سلمَان: أقِم فِي الْغنم حَتَّى آتِيك
فهبط سلمَان إِلَى الْمَدِينَة فَنظر إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَدَار حوله فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عرف مَا يُرِيد فَأرْسل ثَوْبه حَتَّى خرج خَاتمه فَلَمَّا رَآهُ أَتَاهُ وَكَلمه ثمَّ انْطلق فَاشْترى بِدِينَار بِبَعْضِه شَاة فشواها وببعضه خبْزًا ثمَّ أَتَاهُ بِهِ فَقَالَ: ماهذه قَالَ سلمَان: هَذِه صَدَقَة
قَالَ: لَا حَاجَة لي بهَا فأخرجها فليأكلها الْمُسلمُونَ
ثمَّ انْطلق فَاشْترى بِدِينَار آخر خبْزًا وَلَحْمًا ثمَّ أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا هَذَا قَالَ: هَذِه هَدِيَّة
قَالَ: فَاقْعُدْ فَكل
فَقعدَ فأكلا مِنْهَا جَمِيعًا
فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثه إِذْ ذكر أَصْحَابه فَأخْبرهُ خبرهم فَقَالَ: كَانُوا وَيَصُومُونَ ويؤمنون بك وَيشْهدُونَ أَنَّك ستبعث نَبيا فَلَمَّا فرغ سلمَان من ثنائه عَلَيْهِم قَالَ لَهُ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم يَا سلمَان هم من أهل النَّار فَاشْتَدَّ ذَلِك على سلمَان وَقد كَانَ قَالَ لَهُ سلمَان: لَو أدركوك صدقوك واتبعوك
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ سَأَلَ سلمَان الْفَارِسِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أُولَئِكَ النَّصَارَى وَمَا رأى أَعْمَالهم قَالَ: لم يموتوا على الْإِسْلَام
قَالَ سلمَان: فأظلمت عليَّ الأَرْض وَذكرت اجتهادهم فَنزلت هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} فَدَعَا سلمَان فَقَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَابك ثمَّ قَالَ: من مَاتَ على دين عِيسَى قبل أَن يسمع بِي فَهُوَ على خير وَمن سمع بِي وَلم يُؤمن فقد هلك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا} الْآيَة
قَالَ: فَأنْزل الله بعد هَذَا (وَمن يتبع غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين) وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن نجي عَن عَليّ قَالَ: إِنَّمَا سميت الْيَهُود لأَنهم قَالُوا: إِنَّا هدنا إِلَيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: نَحن أعلم النَّاس من أَيْن تسمت الْيَهُود باليهودية بِكَلِمَة مُوسَى عليه السلام إِنَّا هدنا إِلَيْك وَلم تسمت النَّصَارَى بالنصرانية من كلمة عِيسَى عليه السلام كونُوا أنصار الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نَحن أعلم النَّاس من أَيْن تسمت الْيَهُود باليهودية وَلم تسمت النَّصَارَى بالنصرانية إِنَّمَا تسمت الْيَهُود باليهودية بِكَلِمَة قَالَهَا مُوسَى إِنَّا هُنَا إِلَيْك فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا هَذِه الْكَلِمَة كَانَت تعجبه فتسموا الْيَهُود وَإِنَّمَا تسمت النَّصَارَى بالنصرانية لكلمة قَالَهَا عِيسَى من أَنْصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون: نَحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: إِنَّمَا سموا نَصَارَى بقرية يُقَال لَهَا ناصرة ينزلها عِيسَى بن مَرْيَم فَهُوَ اسْم تسموا بِهِ وَلم يؤمروا بِهِ
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سميت النَّصَارَى لِأَن قَرْيَة عِيسَى كَانَت تسمى ناصرة
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الصابئون قوم بَين الْيَهُود وَالْمَجُوس وَالنَّصَارَى لَيْسَ لَهُم دين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: الصابئون لَيْسُوا بيهود وَلَا نَصَارَى هم قوم من الْمُشْركين لَا كتاب لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الصابئين فَقَالَ: هم قوم بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس لَا تحل ذَبَائِحهم وَلَا مناكحهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الصابئون منزله بَين النَّصْرَانِيَّة والمجوسية
لفظ ابْن أبي حَاتِم: منزلَة بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ذهبت الصابئون إِلَى الْيَهُود فَقَالُوا: مَا أَمركُم قَالُوا: نَبينَا مُوسَى جَاءَنَا بِكَذَا وَكَذَا ونهانا عَن كَذَا وَكَذَا وَهَذِه التَّوْرَاة فَمن تابعنا دخل الْجنَّة ثمَّ أَتَوا النَّصَارَى فَقَالُوا فِي عِيسَى مَا قَالَت الْيَهُود فِي مُوسَى وَقَالُوا هَذَا الإِنجيل فَمن تابعنا دخل الْجنَّة فَقَالَت الصابئون هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ نَحن وَمن اتَّبعنَا فِي الْجنَّة وَالْيَهُود يَقُولُونَ نَحن وَمن اتَّبعنَا فِي الْجنَّة فَنحْن بِهِ لاندين فسماهم الله الصابئين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: الصابئون فرقة من أهل الْكتاب يقرؤون الزبُور
وَأخرج وَكِيع عَن السّديّ قَالَ الصابئون من أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: الصابئون قوم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَيصلونَ إِلَى غير الْقبْلَة ويقرؤون الزبُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الصابىء: الَّذِي يعرف الله وَحده وَلَيْسَت لَهُ شَرِيعَة يعْمل بهَا وَلم يحدث كفرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: الصابئون قَالَ: الصابئون مِمَّا يَلِي الْعرَاق وهم بكوثى يُؤمنُونَ بالنبيين كلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن عَبَّاس قَالَ: يَقُولُونَ الصابئون: وَمَا الصابئون [] الصابئون وَيَقُولُونَ: الخاطئون وَمَا الخاطئون الخاطئون
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم الطّور خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ثمَّ توليتم من بعد ذَلِك فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته لكنتم من الخاسرين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم الطّور} فَقَالَ: جبل نزلُوا بِأَصْلِهِ فَرُفِعَ فَوْقهم فَقَالَ: لتأخذن أَمْرِي أَو لأرمينكم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الطّور الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ التَّوْرَاة وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل أَسْفَل مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الطّور مَا أنبت من الْجبَال وَمَا لم ينْبت فَلَيْسَ بطور
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الطّور الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: النبط يسمون الْجَبَل الطّور
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خُذُوا مَا آتيناكم بقوّة} قَالَ: بجد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {واذْكُرُوا مَا فِيهِ} يَقُول: اقرؤوا مَا فِي التَّوْرَاة وَاعْلَمُوا بِهِ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} قَالَ: لَعَلَّكُمْ تنزعون عَمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ
قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد علمْتُم الَّذين اعتدوا مِنْكُم فِي السبت فَقُلْنَا لَهُم كونُوا قردة خَاسِئِينَ فجعلنها نكالاً لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا وموعظة لِلْمُتقين
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَقَد علمْتُم} قَالَ: عَرَفْتُمْ وَهَذَا تحذير لَهُم من الْمعْصِيَة يَقُول: احذورا أَن يُصِيبكُم مَا أصَاب أَصْحَاب السبت إِذْ عصوني اعتدوا يَقُول: اجترؤوا فِي السبت بصيد السّمك فَقُلْنَا لَهُم {كونُوا قردة خَاسِئِينَ} فمسخهم الله قردة بمعصيتهم وَلم يَعش مسخ فَوق ثَلَاثَة أَيَّام وَلم يَأْكُل وَلم يشرب وَلم ينسل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الَّذين اعتدوا فِي السبت فَجعلُوا قردة فواقاً ثمَّ هَلَكُوا مَا كَانَ للمسخ نسل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القردة والخنازير من نسل الَّذين مسخوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: انْقَطع ذَلِك النَّسْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {فَقُلْنَا لَهُم كونُوا قردة خَاسِئِينَ} قَالَ: مسخت قُلُوبهم وَلم يمخوا قردة وَإِنَّمَا هُوَ مثل ضربه الله لَهُم مثل الْحمار يحمل أسفاراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أحلّت لَهُم الْحيتَان وَحرمت عَلَيْهِم يَوْم السبت ليعلم من يطيعه مِمَّن يعصيه فَكَانَ الْقَوْم فيهم ثَلَاثَة أَصْنَاف وَأما صنف فَأمْسك وَنهى عَن الْمعْصِيَة وَأما صنف فَأمْسك عَن حُرْمَة الله وَأما صنف فانتهك الْمعْصِيَة ومرن على الْمعْصِيَة فَلَمَّا أَبَوا إِلَّا عتواً عَمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ {قُلْنَا لَهُم كونُوا قردة خَاسِئِينَ} وَصَارَ الْقَوْم قردوا تعاوى لَهَا الذئاب بعد مَا كَانُوا رجَالًا وَنسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خَاسِئِينَ} قَالَ: ذليلين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خَاسِئِينَ} قَالَ: صاغرين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فجعلناها نكالاً لما بَين يَديهَا} من الذُّنُوب {وَمَا خلفهَا} من الْقرى {وموعظة لِلْمُتقين} الَّذين من بعدهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فجعلناها} يَعْنِي الْحيتَان {نكالاً لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا} من الذُّنُوب الَّتِي عمِلُوا قبل وَبعد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فجعلناها} قَالَ: فَجعلنَا تِلْكَ الْعقُوبَة وَهِي المسخة {نكالاً} عُقُوبَة {لما بَين يَديهَا} يَقُول: ليحذر من بعدهمْ عقوبتي {وَمَا خلفهَا} يَقُول: للَّذين بقوا مَعَهم {وموعظة} تذكرة وعبرة لِلْمُتقين
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان فِي قَوْله {نكالاً لما بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا} قَالَ: من الذُّنُوب {وموعظة لِلْمُتقين} قَالَ: لأمة مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبجوا بقرة قَالُوا أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت مدينتان فِي بني إِسْرَائِيل
وأحداها حَصِينَة وَلها أَبْوَاب وَالْأُخْرَى خربة
فَكَانَ أهل الْمَدِينَة الحصينة إِذا أَمْسوا أغلقوا أَبْوَابهَا فَإِذا أَصْبحُوا قَامُوا على سور الْمَدِينَة فنظروا هَل حدث فِيمَا حولهَا حَادث فَأَصْبحُوا يَوْمًا فَإِذا شيخ قَتِيل مطروح بِأَصْل مدينتهم فَأقبل أهل الْمَدِينَة الخربة فَقَالُوا: قتلتم صاحبنا وَابْن أَخ لَهُ شَاب يبكي عَلَيْهِ وَيَقُول: قتلتم عمي
قَالُوا: وَالله مَا فتحنا مدينتنا مُنْذُ أغلقناها وَمَا لدينا من دم صَاحبكُم هَذَا فَأتوا مُوسَى فَأوحى الله إِلَى مُوسَى {أَن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} إِلَى قَوْله {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
قَالَ: وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل غُلَام شَاب يَبِيع فِي حَانُوت لَهُ وَكَانَ لَهُ أَب شيخ كَبِير فَأقبل رجل من بلد آخر يطْلب سلْعَة لَهُ عِنْده فَأعْطَاهُ بهَا ثمنا فَانْطَلق مَعَه ليفتح حانوته فيعطيه الَّذِي طلب والمفتاح مَعَ أَبِيه فَإِذا أَبوهُ نَائِم فِي ظلّ الْحَانُوت فَقَالَ: أيقظه
قَالَ ابْنه: إِنَّه نَائِم وَأَنا أكره أَن أروّعه من نومته
فانصرفا فَأعْطَاهُ ضعف مَا أعطَاهُ على أَن يوقظه فَأبى فَذهب طَالب السّلْعَة
فَاسْتَيْقَظَ الشَّيْخ فَقَالَ لَهُ ابْنه: يَا أَبَت وَالله لقد جَاءَ هَهُنَا رجل يطْلب سلْعَة كَذَا فَأعْطى بهَا من الثّمن كَذَا وَكَذَا فَكرِهت أَن أروعك من نومك فلامه الشَّيْخ فعوّضه الله من بره بوالده أَن نتجت من بقر تِلْكَ الْبَقَرَة الَّتِي يطْلبهَا بَنو إِسْرَائِيل فَأتوهُ فَقَالُوا لَهُ: بعناها فَقَالَ: لَا
قَالُوا: إِذن نَأْخُذ مِنْك
فَأتوا مُوسَى فَقَالَ: اذْهَبُوا فارضوه من سلْعَته
قَالُوا: حكمك قَالَ: حكمي أَن تضعوا الْبَقَرَة فِي كفة الْمِيزَان ذَهَبا صامتاً فِي الكفة الْأُخْرَى فَإِذا مَال الذَّهَب أَخَذته فَفَعَلُوا وَأَقْبلُوا بالبقرة حَتَّى انْتَهوا بهَا إِلَى قبر الشَّيْخ وَاجْتمعَ أهل المدينتين فذبحوها فَضرب ببضعة من لَحمهَا الْقَبْر فَقَامَ الشَّيْخ ينفض رَأسه يَقُول: قتلني ابْن أخي طَال عَلَيْهِ عمري وَأَرَادَ أَخذ مَالِي وَمَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ: كَانَ رجل من بني إِسْرَائِيل عقيماً لَا يُولد لَهُ وَكَانَ لَهُ مَال
كثير وَكَانَ ابْن أَخِيه وَارثه فَقتله ثمَّ احتمله لَيْلًا فَوَضعه على بَاب رجل مِنْهُم ثمَّ أصبح يَدعِيهِ عَلَيْهِم حَتَّى تسلحوا وَركب بَعضهم إِلَى بعض فَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُم: علا م يقتل بَعْضكُم بَعْضًا وَهَذَا رَسُول الله فِيكُم فَأتوا مُوسَى فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فَقَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة قَالُوا أتتخذنا هزوا قَالَ أعوذ بِاللَّه أَن أكون من الْجَاهِلين} قَالَ: فَلَو لم يعترضوا لاجزأت عَنْهُم أدنى بقرة وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد عَلَيْهِم حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْبَقَرَة الَّتِي أمروا بذبحها فوجدوها عِنْد رجل لَيْسَ لَهُ بقرة غَيرهَا فَقَالَ: وَالله لَا أنقصها من ملْء جلدهَا ذَهَبا فذبحوها فضربوه بِبَعْضِهَا فَقَامَ فَقَالُوا: من قَتلك فَقَالَ: هَذَا لِابْنِ أَخِيه ثمَّ مَال مَيتا فَلم يُعْط من مَاله شَيْئا وَلم يُورث قَاتل بعد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عُبَيْدَة قَالَ: أوّل مَا قضي أَنه لَا يَرث الْقَاتِل فِي صَاحب بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: أوّل مَا منع الْقَاتِل الْمِيرَاث لَكَانَ صَاحب الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن شَيخا من بني إِسْرَائِيل على عهد مُوسَى كَانَ مكثراً من المَال وَكَانَ بَنو أَخِيه فُقَرَاء لَا مَال لَهُم وَكَانَ الشَّيْخ لَا ولد لَهُ وَكَانَ بَنو أَخِيه ورثته فَقَالُوا: لَيْت عمنَا قد مَاتَ فورثنا مَاله وَأَنه لما تطاول عَلَيْهِم أَن لَا يَمُوت أَتَاهُم الشَّيْطَان فَقَالَ: هَل لكم إِلَى أَن تقتلُوا عمكم وتغرموا أهل الْمَدِينَة الَّتِي لَسْتُم بهَا دِيَته وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَتَا مدينتين كَانُوا فِي إِحْدَاهمَا وَكَانَ الْقَتِيل إِذْ قتل فَطرح بَين المدينتين قيس مَا بَين الْقَتِيل والقريتين فَأَيّهمَا كَانَت أقرب إِلَيْهِ غرمت الدِّيَة وَأَنَّهُمْ لما سوّل لَهُم الشَّيْطَان ذَلِك عَمدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ طرحوه على بَاب الْمَدِينَة الَّتِي لَيْسُوا بهَا فَلَمَّا أصبح أهل الْمَدِينَة جَاءَ بَنو أخي الشَّيْخ فَقَالُوا: عمنَا قتل على بَاب مدينتكم فوَاللَّه لتغرمنَّ لنا دِيَته
قَالَ: أهل الْمَدِينَة نقسم بِاللَّه مَا قتلنَا وَلَا علمنَا قَاتلا وَلَا فتحنا بَاب مدينتنا مُنْذُ أغلق حَتَّى أَصْبَحْنَا فعمدوا إِلَى مُوسَى فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: قل لَهُم {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} فتضربوه بِبَعْضِهَا
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ لبني إِسْرَائِيل مَسْجِد لَهُ اثْنَا عشر بَابا لكل سبط مِنْهُم بَاب يدْخلُونَ مِنْهُ وَيخرجُونَ فَوجدَ قَتِيل على بَاب سبط من
الأسباط قتل على بَاب سبط وجر إِلَى بَاب سبط آخر فاختصم فِيهِ أهل السبطين
فَقَالَ هَؤُلَاءِ: أَنْتُم قتلتم هَذَا وَقَالَ الْآخرُونَ: بل أَنْتُم قَتَلْتُمُوهُ ثمَّ جررتموه إِلَيْنَا
فاختصموا إِلَى مُوسَى فَقَالَ {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} الْآيَة
{قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك} قَالَ: فَذَهَبُوا يطلبونها فَكَأَنَّهَا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِم فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا {قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ إِن الْبَقر تشابه علينا وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} وَلَوْلَا أَنهم قَالُوا إِن شَاءَ الله مَا وجدوها {قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة لَا ذَلُول} أَلا وَإِنَّمَا كَانَت الْبَقَرَة يَوْمئِذٍ بِثَلَاثَة دَنَانِير وَلَو أَنهم أخذُوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم
فَذَهَبُوا يطلبونها فيجدون هَذِه الصّفة عِنْد رجل فَقَالُوا: تبيعنا هَذِه الْبَقَرَة قَالَ: أبيعها
قَالُوا: بكم تبيعها قَالَ: بِمِائَة دِينَار
فَقَالُوا: إِنَّهَا بقرة بِثَلَاثَة دَنَانِير فابوا أَن يأخذوها فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: وجدناها عِنْد رجل فَقَالَ لَا أنقطكم من مائَة دِينَار وَإِنَّهَا بقرة بِثَلَاثَة دَنَانِير قَالَ: هُوَ أعلم هُوَ صَاحبهَا إِن شَاءَ بَاعَ وَإِن لم شَاءَ لم يبع فَرَجَعُوا إِلَى الرجل فَقَالُوا: قد أخذناها بِمِائَة دِينَار
فَقَالَ: لَا أنقصها عَن مِائَتي دِينَار
فَقَالُوا سُبْحَانَ الله
قد بعتنا بِمِائَة دِينَار ورضيت فقد أخذناها
قَالَ: لَيْسَ أنقصها من مِائَتي دِينَار
فتركوها وَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا لَهُ: قد أعطاناها بِمِائَة دِينَار فَلَمَّا رَجعْنَا إِلَيْهِ قَالَ: لَا أنقصها من مِائَتي دِينَار
قَالَ: هُوَ أعلم إِن شَاءَ بَاعهَا وَإِن شَاءَ لم يبعها فعادوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: قد أخذناها بِمِائَتي دِينَار
فَقَالَ: لَا أنقصها من أَرْبَعمِائَة دِينَار
قَالُوا: قد كنت أعطيتناها بِمِائَتي دِينَار فقد أخذناها فَقَالَ: لَيْسَ أنقصها من أَرْبَعمِائَة دِينَار فتركوها وعادوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: قد أعطيناه مِائَتي دِينَار فَأبى أَن يَأْخُذهَا وَقَالَ: لَا أنقصها من أَرْبَعمِائَة دِينَار
فَقَالَ: هُوَ أعلم هُوَ صَاحبهَا إِن شَاءَ بَاعَ وَإِن شَاءَ لم يبع فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: قد أخذناها بأربعمائة دِينَار فَقَالَ: لَا أنقصها من ثَمَانمِائَة دِينَار
فَلم يزَالُوا يعودون إِلَى مُوسَى ويعودون عَلَيْهِ فَكلما عَادوا إِلَيْهِ أَضْعَف عَلَيْهِ الثّمن حَتَّى قَالَ: لَيْسَ أبيعها إِلَّا بملء مسكها فَأَخَذُوهَا فذبحوها فَقَالَ: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا فضربوه بفخذها فَعَاشَ
فَقَالَ: قتلني فلَان
فَإِذا هُوَ رجل كَانَ لَهُ عَم وَكَانَ لِعَمِّهِ مَال كثير وَكَانَ لَهُ ابْنة فَقَالَ: أقتل
عمي هَذَا وأرث مَاله وأتزوج ابْنَته فَقتل عَمه فَلم يَرث شَيْئا وَلم يُورث قَاتل مُنْذُ ذَلِك شَيْئا قَالَ مُوسَى: إِن لهَذِهِ الْبَقَرَة لشأنا ادعوا إليَّ صَاحبهَا فَدَعوهُ فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن هَذِه الْبَقَرَة وَعَن شَأْنهَا قَالَ: نعم
كنت رجلا أبيع فِي السُّوق وأشتري فسامني رجل بضَاعَة عِنْدِي فَبِعْته إِيَّاهَا وَكنت قد أشرفت مِنْهَا على فضل كَبِير فَذَهَبت لآتيه بِمَا قد بِعته فَوجدت الْمِفْتَاح تَحت رَأس والدتي فَكرِهت أَن أوقظها من نومها وَرجعت إِلَى الرجل فَقلت: لَيْسَ بيني وَبَيْنك بيع فَذهب ثمَّ رجعت فنتجت لي هَذِه الْبَقَرَة فَألْقى الله عَلَيْهَا مني محبَّة فَلم يكن عِنْدِي شَيْء أحب إليَّ مِنْهَا فَقيل لَهُ إِنَّمَا أصبت هَذَا ببر والدتك
قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك فافعلوا مَا تأمرون قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا لَوْنهَا قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين قَالُوا ادْع لنا رَبك يبين لنا مَا هِيَ إِن الْبَقر تشابه علينا وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّه يَقُول إِنَّهَا بقرة لَا ذَلُول تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث مسلمة لاشية قَالُوا ألن جِئْت بِالْحَقِّ فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
أخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل لَو أخذُوا أدنى بقرة لأجزاهم ذَلِك أَو لأجزأت عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أَن بني إِسْرَائِيل قَالُوا {وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} مَا أعْطوا أبدا وَلَو أَنهم اعْترضُوا بقرة من الْبَقر فذبحوها لأجزأت عَنْهُم وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد الله عَلَيْهِم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَو أَن بني إِسْرَائِيل أخذُوا أدنى بقرة فذبحوها أَجْزَأت عَنْهُم وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا وَلَوْلَا أَنهم قَالُوا {وَإِنَّا إِن شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ} مَا وجدوها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أمروا بِأَدْنَى بقرة وَلَكنهُمْ لما شَدَّدُوا على أنفسهم شدد الله عَلَيْهِم وَلَو لم يستثنوا مَا بيّنت لَهُم آخر الْأَبَد
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول إِنَّمَا أَمر الْقَوْم بِأَدْنَى بقرة وَلَكنهُمْ لما شَدَّدُوا على أنفسهم شدد عَلَيْهِم وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو لم يستثنوا مَا بيّنت لَهُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو أخذُوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عَنْهُم وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا وتعنتوا مُوسَى فَشدد الله عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا فارض وَلَا بكر عوان بَين ذَلِك} قَالَ: الفارض الهرمة وَالْبكْر الصَّغِيرَة والعوان النّصْف
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {لَا فارض} قَالَ: الْكَبِيرَة الهرمة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لعمري لقد أَعْطَيْت ضيفك فارضاً تساق إِلَيْهِ مَا تقوم على رجل قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا} الفاقع الصافي اللَّوْن من الصُّفْرَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: سدماً قَلِيلا عَهده بانيسه من بَين اصفر فَاقِع ودفان وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير
أَنه كَانَ يسْتَحبّ أَن يسكت على بكر ثمَّ يَقُول: عوان بَين ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عوان بَين ذَلِك} قَالَ: بَين الصَّغِيرَة والكبيرة وَهِي أقوى مَا يكون وَأحسنه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: شَدِيدَة الصُّفْرَة تكَاد من صفرتها تبيض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي قَوْله {صفراء} قَالَ: صفراء الظلْف {فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: صافي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: صَاف لَوْنهَا {تسر الناظرين} قَالَ: تعجب الناظرين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والخطيب والديلمي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من لبس نعلا صفراء لم يزل فِي سرُور مَا دَامَ لَابسهَا وَذَلِكَ قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {صفراء فَاقِع لَوْنهَا} قَالَ: سَوْدَاء شَدِيدَة السوَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة
أَنه قَرَأَ / أَن الباقر تشابه علينا /
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى عَن يعمر
أَنه قَرَأَ / إِن الباقر تشابه علينا /
وَقَالَ: الباقر أَكثر من الْبَقر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قراءتنا {إِن الْبَقر تشابه علينا}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِنَّهَا بقرة لَا ذَلُول} أَي لم يذله الْعَمَل {تثير الأَرْض} يَعْنِي لَيست بذلول فتثير الأَرْض {وَلَا تَسْقِي الْحَرْث} يَقُول: وَلَا تعْمل فِي الْحَرْث {مسلمة} قَالَ: من الْعُيُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بقرة لَا ذَلُول تثير} يَقُول: لَيست بذلول فتفعل ذَلِك {مسلمة} قَالَ: من الشّبَه قَالَ {لَا شية فِيهَا} قَالَ: لَا بَيَاض وَلَا سَواد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {مسلمة} قَالَ: لَا عوار فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطِيَّة {لَا شية فِيهَا} قَالَ: لَوْنهَا وَاحِد لَيْسَ فِيهَا لون سوى لَوْنهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا ذَلُول} يَعْنِي صنفة يَقُول: لم يذلها الْعَمَل {مسلمة} قَالَ: من الْعُيُوب {لَا شية فِيهَا} قَالَ: لَا بَيَاض فِيهَا {قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} قَالُوا: الْآن بيّنت لنا {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {فذبحوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} لغلاء ثمنهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن أَصْحَاب الْبَقَرَة بني إِسْرَائِيل طلبوها أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى وجدوها عِنْد رجل فِي بقر لَهُ وَكَانَت بقرة تعجبه فَجعلُوا يعطونه بهَا فيأبى حَتَّى أَعْطوهُ ملْء مسكها دَنَانِير فذبحوها فضربوه بعضو مِنْهَا فَقَامَ تشخب اوداجه دَمًا فَقَالُوا لَهُ: من قَتلك قَالَ: قتلني فلَان
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: الذّبْح والنحر فِي الْبَقر سَوَاء لِأَن الله يَقُول {فذبحوها}
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ لبني إِسْرَائِيل الذّبْح وَأَنْتُم لكم النَّحْر ثمَّ قَرَأَ {فذبحوها} {فصل لِرَبِّك وانحر} سُورَة الْكَوْثَر الْآيَة 2
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قتلتم نفسا فأدّارأتم فِيهَا وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جريرعن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ قتلتم نفسا فأدّارأتم فِيهَا} قَالَ: اختلفتم فِيهَا {وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون} قَالَ: ماتغيبون
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون} أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْمسيب بن رَافع قَالَ: مَا عمل رجل حَسَنَة فِي سَبْعَة أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وَمَا عمل رجل سَيِّئَة فِي سَبْعَة أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وتصديق ذَلِك كتاب الله {وَالله مخرج مَا كُنْتُم تكتمون}
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو أَن رجلا عمل فِي صَخْرَة صماء لَا بَاب فِيهَا وَلَا كوَّة خرج عمله إِلَى النَّاس كَائِنا مَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: من عمل عملا كَسَاه الله رِدَاءَهُ وَإِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كَانَت لَهُ
سريرة صَالِحَة أَو سَيِّئَة أظهر الله عَلَيْهِ مِنْهَا رِدَاء يعرف بِهِ
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابه من الْمُؤمن قَالُوا الله رَسُوله أعلم
قَالَ: الْمُؤمن الَّذِي لَا يَمُوت حَتَّى يملاء الله مسامعه مِمَّا يحب وَلَو أَن عبدا اتَّقى الله فِي جَوف بَيت إِلَى سبعين بَيْتا على كل بَيت بَاب من حَدِيد لألبسه الله رِدَاء عمله حَتَّى يتحدث بِهِ النَّاس وَيزِيدُونَ
قَالُوا: وَكَيف يزِيدُونَ يَا رَسُول الله قَالَ: لِأَن التقي لَو يَسْتَطِيع أَن يزِيد فِي بره لزاد
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من الْكَافِر قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: الْكَافِر الَّذِي لَا يَمُوت حَتَّى يملاء الله مسامعه مِمَّا يكره وَلَو أَن فَاجِرًا فجر فِي جَوف بَيت إِلَى سبعين بَيْتا على كل بَيت بَاب من حَدِيد لألبسه الله رِدَاء عمله حَتَّى يتحدث بِهِ النَّاس وَيزِيدُونَ
قَالُوا: وَكَيف يزِيدُونَ يَا رَسُول الله قَالَ: لِأَن الْفَاجِر لَو يَسْتَطِيع أَن يزِيد فِي فجوره لزاد
وَأخرج ابْن عدي عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله مرد كل امرىء رِدَاء عمله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ثَابت قَالَ: كَانَ يُقَال لَو أَن ابْن آدم عمل بِالْخَيرِ فِي سبعين بَيْتا لكساه الله تَعَالَى رِدَاء عمله حَتَّى يعرف بِهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: النَّاس يعرف أَعْمَالهم من تَحت كنف الله فَإِذا أَرَادَ الله بِعَبْد فضيحة أخرجه من تَحت كنفه فبدت عَوْرَته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ رَفعه قَالَ: لَا يهتك الله عبدا وَفِيه مِثْقَال حَبَّة من خير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَو أَن عبدا اكتتم بِالْعبَادَة كَمَا يكتتم بِالْفُجُورِ لأظهر الله ذَلِك مِنْهُ
قَوْله تَعَالَى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى ويريكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تعقلون
أخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} قَالَ: ضرب بالعظم الَّذِي يَلِي الغضروف
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم ضربوه بفخذها فَلَمَّا فعلوا أَحْيَاهُ الله حَتَّى أنبأهم بقاتله الَّذِي قَتله وَتكلم ثمَّ مَاتَ
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: ضربوه بفخذها فحي فَمَا زَاد على أَن قَالَ: قتلني فلَان ثمَّ عَاد فَمَاتَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: ضرب بفخذ الْبَقَرَة فَقَامَ حَيا فَقَالَ: قتلني فلَان ثمَّ عَاد فِي ميتَته
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: ضرب بالبضعة الَّتِي بَين الْكَتِفَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: أَمرهم أَن يَأْخُذُوا عظما فيضربوا بِهِ الْقَتِيل فَفَعَلُوا فَرجع الله روحه فَسمى قَاتله ثمَّ عَاد مَيتا كَمَا كَانَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن فَتى من بني إِسْرَائِيل كَانَ برا بوالدته وَكَانَ يقوم ثلث اللَّيْل يُصَلِّي وَيجْلس عِنْد رَأس والدته ثلث اللَّيْل فيذكرها بالتسبيح والتهليل وَالتَّكْبِير والتحميد وَيَقُول: يَا أمه إِن كنت ضعفت عَن قيام اللَّيْل فكبري الله وسبيحه وهلليه فَكَانَ ذَلِك عملهما الدَّهْر كُله فَإِذا أصبح أَتَى الْجَبَل فاحتطب على ظَهره فَيَأْتِي بِهِ السُّوق فيبيعه بِمَا شَاءَ الله أَن يَبِيعهُ فَيتَصَدَّق بِثُلثِهِ ويبقي لعبادتع ثلثا وَيُعْطِي الثُّلُث أمه وَكَانَت أمه تَأْكُل النّصْف وَتَتَصَدَّق بِالنِّصْفِ وَكَانَ ذَلِك عملهما الدَّهْر كُله
فَلَمَّا طَال عَلَيْهَا قَالَت: يابني اعْلَم أَنِّي قد ورثت من أَبِيك بقرة وختمت عُنُقهَا وتركتها فِي الْبَقر على اسْم إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب قَالَت وسأبين لَك مَا لَوْنهَا وهيئتها فَإِذا أتيت الْبَقر فادعها باسم إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَأَنَّهَا تفعل كَمَا وَعَدتنِي وَقَالَت: إِن علامتها لَيست بهرمة وَلَا فتية غير أَنَّهَا بَينهمَا وَهِي صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين إِذا نظرت إِلَى جلدهَا يخيل إِلَيْك أَن شُعَاع الشَّمْس يخرج من جلدهَا وَلَيْسَت بالذلول وَلَا صعبة تثير الأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث مسلمة لاشية فِيهَا ولونها وَاحِد فَإِذا رَأَيْتهَا فَخذ بعنقها فَإِنَّهَا تتبعك بِإِذن إِلَه إِسْرَائِيل
فَانْطَلق الْفَتى وَحفظ وَصِيَّة والدته وَسَار فِي الْبَريَّة يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثًا حَتَّى إِذا كَانَ صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم انْصَرف فصاح بهَا فَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل واسحق وَيَعْقُوب إِلَّا مَا أتيتني فَأَقْبَلت الْبَقَرَة عَلَيْهِ وَتركت الرَّعْي فَقَامَتْ بَين يَدي الْفَتى فَأخذ بعنقها فتكلمت الْبَقَرَة وَقَالَت: يَا أَيهَا الْفَتى الْبر بوالدته اركبني فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْك
قَالَ الْفَتى: لم تَأْمُرنِي والدتي أَن أركب عَلَيْك وَلكنهَا أَمرتنِي أَن أسوقك سوقاً فَأحب أَن أبلغ قَوْلهَا
فَقَالَت: بإله إِسْرَائِيل لَو ركبتني مَا كنت لتقدر عَليّ فَانْطَلق يَا أَيهَا الْفَتى الْبر بوالدته لَو أَنَّك أمرت هَذَا الْجَبَل أَن ينقلع لَك من أَصله لانقلع لبرك بوالدتك ولطاعتك إلهك
فَانْطَلق حَتَّى إِذا كَانَ من مسيرَة يَوْم من منزله استقبله عدوّ الله إِبْلِيس فتمثل لَهُ على صُورَة رَاع من رُعَاة الْبَقر فَقَالَ: يَا أَيهَا الْفَتى من أَيْن جِئْت بِهَذِهِ الْبَقَرَة أَلا تركبها فَإِنِّي أَرَاك قد أعييت أَظُنك لَا تملك من الدُّنْيَا مَالا غير هَذِه الْبَقَرَة فَإِنِّي أُعْطِيك الْأجر ينفعك وَلَا يَضرهَا فَإِنِّي رجل من رُعَاة الْبَقر اشْتقت إِلَى أَهلِي فَأخذت ثوراً من ثيراني فَحملت عَلَيْهِ طَعَامي وزادي حَتَّى غذا بلغت شطر الطَّرِيق أَخَذَنِي وجع بَطْني فَذَهَبت لأقضي حَاجَتي فَعدا وسط الْجَبَل وَتَرَكَنِي وَأَنا أطلبه وَلست أقدر عَلَيْهِ فَأَنا أخْشَى على نَفسِي الْهَلَاك وَلَيْسَ معي زَاد وَلَا مَاء فَإِن رَأَيْت أَن تحملنِي على بقرتك فتبلغني مرَاعِي وتنجيني من الْمَوْت وَأُعْطِيك أجرهَا بقرتين
قَالَ الْفَتى: إِن بني آدم لَيْسَ بِالَّذِي يقتلهُمْ الْيَقِين وتهلكهم أنفسهم فَلَو علم الله مِنْك الْيَقِين لبلغك بِغَيْر زَاد وَلَا مَاء وَلست بِرَاكِب أمرا لم أومر بِهِ إِنَّمَا أَنا عبد مَأْمُور وَلَو علم سَيِّدي أَنِّي عصيته فِي هَذِه الْبَقَرَة لأهلكني وعاقبني عُقُوبَة شَدِيدَة وَمَا أَنا بمؤثر هَوَاك على هوى سَيِّدي فَانْطَلق يَا أَيهَا الرجل بِسَلام فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس: أُعْطِيك بِكُل خطْوَة تخطوها إِلَى منزلي درهما فَذَلِك مَال عَظِيم وتفدي نَفسِي من الْمَوْت فِي هَذِه الْبَقَرَة
قَالَ الْفَتى: إِن سَيِّدي لَهُ ذهب الأَرْض وفضتها فَإِن أَعْطَيْتنِي شَيْئا مِنْهَا علم أَنه من مَاله وَلَكِن أَعْطِنِي من ذهب السَّمَاء وفضتها فَأَقُول أَنه لَيْسَ هَذَا من مَالك فَقَالَ إِبْلِيس: وَهل فِي السَّمَاء ذهب وَفِضة أَو هِيَ يقدر أحد على هَذَا قَالَ الْفَتى: أَو هَل يَسْتَطِيع العَبْد بِمَا لم يَأْمر بِهِ سَيّده كَمَا لَا تَسْتَطِيع أَنْت ذهب السَّمَاء وفضتها
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: أَرَاك أعجز العبيد فِي أَمرك
قَالَ لَهُ الْفَتى: إِن الْعَاجِز من
عصى ربه
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: مَا لي لَا أرى مَعَك زادا ولاماء قَالَ الْفَتى: زادي التَّقْوَى وطعامي الْحَشِيش وشرابي من عُيُون الْجبَال قَالَ إِبْلِيس: أَلا آمُرك بِأَمْر يرشدك قَالَ: مر بِهِ نَفسك فَإِنِّي على رشاد إِن شَاءَ الله
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: مَا أَرَاك تقبل نصيحة قَالَ لَهُ الْفَتى: الناصح لنَفسِهِ من أطَاع سَيّده وَأدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ فَإِن كنت شَيْطَانا فأعوذ بِاللَّه مِنْك وَإِن كنت آدَمِيًّا فَاخْرُج فَلَا حَاجَة لي فِي صحابتك
فجمد إِبْلِيس عِنْد ذَلِك ثَلَاث سَاعَات مَكَانَهُ وَلَو ركبهَا لَهُ إِبْلِيس مَا كَانَ الْفَتى يقدر عَلَيْهَا وَلَكِن الله حَبسه عَنْهَا
فَبَيْنَمَا الْفَتى يمشي إِذْ طَار طَائِر من بَين يَدَيْهِ فاختلس الْبَقَرَة ودعاها الْفَتى وَقَالَ: بإله إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل واسحق وَيَعْقُوب إِلَّا مَا أتيتني فَأَتَت الْبَقَرَة إِلَيْهِ وَقَامَت بَين يَدَيْهِ فَقَالَت: يَا أَيهَا الْفَتى ألم تَرَ إِلَى ذَلِك الطَّائِر الَّذِي طَار من بَين يَديك فَإِنَّهُ إِبْلِيس عَدو الله اختلسني فَلَمَّا ناديتني بإله إِسْرَائِيل جَاءَ ملك من الْمَلَائِكَة فانتزعني مِنْهُ فردني إِلَيْك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك فَانْطَلق فلست ببارحتك حَتَّى تَأتي أهلك إِن شَاءَ الله
قَالَ: فَدخل الْفَتى إِلَى أمه يخبرها الْخَبَر فَقَالَت: يَا بني إِنِّي أَرَاك تحتطب على ظهرك اللَّيْل والنَّهَار فتشخص فَاذْهَبْ بِهَذِهِ الْبَقَرَة فبعها وَخذ ثمنهَا فتقوّ بِهِ وودع بِهِ نَفسك
قَالَ الْفَتى: بكم أبيعها قَالَت: بِثَلَاثَة دَنَانِير على رضَا مني
فَانْطَلق الْفَتى إِلَى السُّوق فَبعث الله إِلَيْهِ ملكا من الْمَلَائِكَة ليري خلقه قدرته فَقَالَ للفتى: بكم تبيع هَذِه الْبَقَرَة أَيهَا الْفَتى فَقَالَ: أبيعها بِثَلَاثَة دَنَانِير على رضَا من والدتي
قَالَ: لَك سِتَّة دَنَانِير وَلَا تستأمر والدتك
فَقَالَ: لَو أَعْطَيْتنِي زنتها لم أبعها حَتَّى أستأمرها فَخرج الْفَتى فَأخْبر والدته الْخَبَر فَقَالَت: بعها بِسِتَّة دَنَانِير على رضَا مني
فَانْطَلق الْفَتى وَأَتَاهُ الْملك فَقَالَ: مَا فعلت فَقَالَ: أبيعها بِسِتَّة دَنَانِير على رضَا من والدتي
قَالَ: فَخذ اثْنَي عشر دِينَارا وَلَا تستأمرها
قَالَ: لَا
فَانْطَلق الْفَتى إِلَى أمه فَقَالَت: يَا بني إِن الَّذِي يَأْتِيك ملك من الْمَلَائِكَة فِي صُورَة آدَمِيّ فَإِذا أَتَاك فَقل لَهُ: إِن والدتي تقْرَأ عَلَيْك السَّلَام وَتقول: بكم تَأْمُرنِي أَن أبيع هَذِه الْبَقَرَة قَالَ لَهُ الْملك: يَا أَيهَا الْفَتى يَشْتَرِي بقرتك هَذِه مُوسَى بن عمرَان لقتيل يقتل من بني إِسْرَائِيل وَله مَال كثير وَلم يتْرك أَبوهُ ولدا غَيره وَله أَخ لَهُ بنُون كَثِيرُونَ فَيَقُولُونَ كَيفَ لنا أَن نقْتل هَذَا الْغُلَام ونأخذ مَاله فدعوا الْغُلَام إِلَى منزلهم
فَقَتَلُوهُ فطرحوه إِلَى جَانب دَارهم فَأصْبح أهل الدَّار فأخرجوا الْغُلَام إِلَى بَاب الدَّار وَجَاء بَنو عَم الْغُلَام فَأخذُوا أهل الدَّار فَانْطَلقُوا بهم إِلَى مُوسَى فَلم يدر مُوسَى كَيفَ يحكم بَينهم من أجل أَن أهل الدَّار بُرَآء من الْغُلَام
فشق ذَلِك على مُوسَى فَدَعَا ربه فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن خُذ بقرة صفراء فاقعا لوناه فاذبحها ثمَّ اضْرِب الْغُلَام بِبَعْضِهَا
فعمدوا إِلَى بقرة الْفَتى فاشتروها على أَن يملؤوا جلدهَا دَنَانِير ثمَّ ذبحوها ثمَّ ضربوا الْغُلَام بِبَعْضِهَا فَقَامَ يُخْبِرهُمْ فَقَالَ: إِن بني عمي قتلوني وَأهل الدَّار مني بُرَآء فَأَخذهُم مُوسَى فَقَالُوا: يَا مُوسَى أتتخذنا هزوا قد قتلنَا ابْن عمنَا مَظْلُوما وَقد علمُوا أَن سيفضحوا فعمدوا إِلَى جلد الْبَقَرَة فملؤوه دَنَانِير ثمَّ دفعوه إِلَى الْفَتى فَعمد الْفَتى فَتصدق بالثلثين على فُقَرَاء بني إِسْرَائِيل وتقوّى بِالثُّلثِ {كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى ويريكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تعقلون}
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ قست قُلُوبكُمْ من بعد ذَلِك فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة وَإِن من الْحِجَارَة لما يتفجر مِنْهُ الأتهار وَإِن مِنْهَا لما يشقق فَيخرج مِنْهُ المَاء وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ثمَّ قست قُلُوبكُمْ من بعد ذَلِك} قَالَ: من بعد مَا أَرَاهُم الله من إحْيَاء الْمَوْتَى وَمن بعد مَا أَرَاهُم من أَمر الْقَتِيل {فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة} ثمَّ عذر الله الْحِجَارَة وَلم يعْذر شقي ابْن آدم فَقَالَ {وَإِن من الْحِجَارَة لما يتفجر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِن مِنْهَا لما يشقق فَيخرج مِنْهُ المَاء وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن من الْحِجَارَة} الْآيَة
أَي أَن من الْحِجَارَة لألين من قُلُوبكُمْ لما تدعون إِلَيْهِ من الْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كل حجر يتفجر مِنْهُ المَاء أَو يشقق عَن مَاء أَو يتردى من رَأس جبل فَمن خشيَة الله
نزل بذلك الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن مِنْهَا لما يهْبط من خشيَة الله} قَالَ: إِن الْحجر ليَقَع على ألرض وَلَو اجْتمع عَلَيْهِ كثير من النَّاس مَا استطاعوه وَإنَّهُ ليهبط من خشيَة الله
قَوْله تَعَالَى: أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم وَقد كَانَ فريق مِنْهُم يسمعُونَ كَلَام الله ثمَّ يحرفونه من بعد مَا عقلوه وهم يعلمُونَ
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ثمَّ قَالَ الله لنَبيه وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ يؤيسهم مِنْهُم {أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم وَقد كَانَ فريق مِنْهُم يسمعُونَ كَلَام الله} وَلَيْسَ قَوْله التَّوْرَاة كلهَا وَقد سَمعهَا وَلَكنهُمْ الَّذين سَأَلُوا مُوسَى رُؤْيَة رَبهم فَأَخَذتهم الصاعقة فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أفتطمعون أَن يُؤمنُوا لكم} الْآيَة
قَالَ: فَالَّذِينَ يحرفونه وَالَّذين يكتبونه م الْعلمَاء مِنْهُم وَالَّذين نبذوا كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ هَؤُلَاءِ كلهم يهود
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يسمعُونَ كَلَام الله} قَالَ: هِيَ التَّوْرَاة حرفوها
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض قَالُوا أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم ليحاجوكم بِهِ عِنْد ربكُم أَفلا تعقلون أوَ لَا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} أَي بصاحبكم رَسُول الله وَلكنه إِلَيْكُم خَاصَّة وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض قَالُوا: لَا تحدثُوا الْعَرَب بِهَذَا فَإِنَّكُم قد كُنْتُم تستفتحون بِهِ عَلَيْكُم فَكَانَ مِنْهُم {ليحاجوكم بِهِ عِنْد ربكُم} أَي يقرونَ أَنه نَبِي وَقد علمْتُم أَنه قد أَخذ عَلَيْكُم الْمِيثَاق باتباعه وَهُوَ يُخْبِرهُمْ أَنه النَّبِي الَّذِي كَانَ ينْتَظر ونجده فِي كتَابنَا اجحدوه وَلَا تقروا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين من الْيَهُود
وَقَوله {بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} يَعْنِي بِمَا أكْرمكُم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: قَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم قُرَيْظَة تَحت حصونهم فَقَالَ يَا إخْوَان القردة والخنازير وَيَا عَبدة الطاغوت
فَقَالُوا: من أخبر هَذَا الْأَمر مُحَمَّد مَا خرج هَذَا الْأَمر إِلَّا مِنْكُم {أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} بِمَا حكم الله ليَكُون لَهُم حجَّة عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يدخلن علينا قَصَبَة الْمَدِينَة إِلَّا مُؤمن
فَقَالَ: رُؤَسَاء الْيَهُود: اذْهَبُوا فَقولُوا آمنا واكفروا إِذا رجعتم إِلَيْنَا فَكَانُوا يأْتونَ الْمَدِينَة بالبكر ويرجعون إِلَيْهِم بعد الْعَصْر وَهُوَ قَوْله (وَقَالَت طَائِفَة من أهل الْكتاب آمنُوا بِالَّذِي أنزل على الَّذين آمنُوا وَجه النَّهَار واكفروا آخِره)(آل عمرَان الْآيَة 72) وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذا دخلُوا الْمَدِينَة نَحن مُسلمُونَ ليعلموا خبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأمره فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ يظنون أَنهم مُؤمنُونَ فَيَقُولُونَ لَهُم: أَلَيْسَ قد قَالَ لكم فِي التَّوْرَاة كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُونَ: بلَى
فَإِذا رجعُوا إِلَى قَومهمْ قَالُوا {أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي نَاس من الْيَهُود آمنُوا ثمَّ نافقوا فَكَانُوا يحدثُونَ الْمُؤمنِينَ من الْعَرَب بِمَا عذبُوا بِهِ فَقَالَ بَعضهم لبَعض {أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم} من الْعَذَاب لِيَقُولُوا نَحن أحب إِلَى الله مِنْكُم وَأكْرم على الله مِنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَن امْرَأَة من الْيَهُود أَصَابَت فَاحِشَة فجاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَبْتَغُونَ مِنْهُ الحكم رَجَاء الرُّخْصَة فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم وَهُوَ ابْن صوريا فَقَالَ لَهُ: احكم
قَالَ: فجبؤه
والتجبئة يحملونه على حمَار ويجعلون على وَجهه إِلَى ذَنْب الْحمار
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أبحكم الله حكمت قَالَ: لَا
وَلَكِن نِسَاءَنَا كن حسانا فأسرع فِيهِنَّ رجالنا فغيرنا الحكم وَفِيه أنزلت {وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا} قَالُوا: هم الْيَهُود وَكَانُوا إِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا فصانعوهم بذلك ليرضوا عَنْهُم وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض نهى بَعضهم بَعْضًا أَن يحدثوا بِمَا فتح الله عَلَيْهِم وَبَين لَهُم فِي كِتَابه من أَمر مُحَمَّد عليه السلام رفعته ونبوته وَقَالُوا: إِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك احْتَجُّوا عَلَيْكُم بذلك عِنْد ربكُم {أَفلا تعقلون أَو لَا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون} قَالَ: مَا يعلنون من أَمرهم وَكَلَامهم إِذا لقوا الَّذين آمنُوا وَمَا يسرون إِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض من كفرهم بِمُحَمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم بِهِ وهم يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {أَو لَا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون} يَعْنِي من كفرهم بِمُحَمد وتكذيبهم بِهِ {وَمَا يعلنون} حِين قَالُوا للْمُؤْمِنين: آمنا
قَوْله تَعَالَى: وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني وَإِن هم إِلَّا يظنون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأميون قوم لم يصدقُوا رَسُولا أرْسلهُ الله وَلَا كتابا أنزلهُ فَكَتَبُوا كتابا بِأَيْدِيهِم ثمَّ قَالُوا لقوم سفلَة جهال: هَذَا من عِنْد الله
وَقَالَ: قد أخْبرهُم أَنهم يَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِم ثمَّ سماهم أُمِّيين لجحودهم كتب الله وَرُسُله
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب} قَالَ: مِنْهُم من لَا يحسن أَن يكْتب
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب} قَالَ: لَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ {وَإِن هم إِلَّا يظنون} وهم يجحدون نبؤتك بِالظَّنِّ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب} قَالَ: نَاس من يهود لم يَكُونُوا يعلمُونَ من الْكتاب شَيْئا وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ بِغَيْر مَا فِي كتاب الله ويقولن هُوَ من الْكتاب أماني تمنونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أماني} قَالَ: إِلَّا أَحَادِيث
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أماني} قَالَ: إِلَّا قولا يَقُولُونَ بأفواههم كذبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا أماني} قَالَ: إِلَّا كذبا {وَإِن هم إِلَّا يظنون} قَالَ: الا يكذبُون
قَوْله تَعَالَى: فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ
أخرج وَكِيع وَابْن الْمُنْذر وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم} قَالَ: نزلت فِي أهل الْكتاب
وَأخرج أَحْمد وهناد بن السّري بن الزّهْد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ويل وادٍ فِي حهنم يهوي فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قبل أَن يبلغ قَعْره
وَأخرج ابْن جرير عَن عُثْمَان بن عَفَّان عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم} قَالَ: الويل جبل فِي النَّار وَهُوَ الَّذِي أنزل فِي الْيَهُود لأَنهم حرفوا التَّوْرَاة زادوا فِيهَا مَا أَحبُّوا ومحوا مِنْهَا مَا كَانُوا يكْرهُونَ ومحوا اسْم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من التَّوْرَاة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن فِي النَّار [] حجرا يُقَال لَهَا ويل يصعد عَلَيْهِ العرفاء وينزلون فِيهِ
وَأخرج الْحَرْبِيّ فِي فَوَائده عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَيحك يَا عَائِشَة
فَجَزِعت مِنْهَا
فَقَالَ لي: يَا حميراء إت وَيحك أَو ويك رَحْمَة فَلَا تحجزعي مِنْهَا وَلَكِن اجزعي من الويل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي دَلَائِل النبوّة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الويح وَالْوَيْل بَابَانِ
فَأَما الويح فباب رَحْمَة وَأما الويل فباب عَذَاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ويل وادٍ فِي جَهَنَّم يسيل من صديد أهل النَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: الويل وَاد من فيح فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: ويل وَاد فِي جَهَنَّم لَو سيرت فِيهِ الْجبَال لماعت من شدَّة حره
وَأخرج هناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ويل سيل من صديد فِي أصل جَهَنَّم وَفِي لفظ ويل وَاد فِي جَهَنَّم يسيل فِيهِ صديده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى عفرَة قَالَ: إِذا سَمِعت الله يَقُول: ويل هِيَ النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب} الْآيَة
قَالَ: هم أَحْبَار الْيَهُود وجدوا صفة النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَكْتُوبَة فِي التَّوْرَاة أكحل أعين ربعَة جعد الشّعْر حسن الْوَجْه فَلَمَّا وجدوه فِي التَّوْرَاة محوه حسداً وبغياً فَأَتَاهُم نفر من قُرَيْش فَقَالُوا: تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة نَبيا أُمِّيا فَقَالُوا: نعم نجده طَويلا أَزْرَق سبط الشّعْر فانكرت قُرَيْش وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا منا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وصف الله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاة فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حسده أَحْبَار الْيَهُود فغيَّروا صفته فِي كِتَابهمْ وَقَالُوا: لَا نجد نَعته عندنَا وَقَالُوا للسفلة: لَيْسَ هَذَا نعت النَّبِي الَّذِي يحرم كَذَا وَكَذَا كَمَا كتبوه وغيَّروا نعت هَذَا كَذَا كَمَا وصف فلبسوا على النَّاس وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك لِأَن الْأَحْبَار كَانَت لَهُم مأكلة يُطعمهُمْ إِيَّاهَا السفلة لقيامهم على التَّوْرَاة فخافوا أَن تؤمن السفلة فتنقطع تِلْكَ المأكلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: يَا معشر الْمُسلمين كَيفَ تسْأَلُون أهل الْكتاب عَن شَيْء وَكِتَابكُمْ الَّذِي أنزل الله على نبيه أحدث أَخْبَارًا لله تعرفونه غضاً مَحْضا لم يشب
وَقد حَدثكُمْ الله أَن أهل الْكتاب قد بدلُوا كتاب الله وغيروه وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِم الْكتاب وَقَالُوا: هُوَ من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا أَفلا يَنْهَاكُم مَا جَاءَكُم من الْعلم عَن مسائلهم وَلَا وَالله مَا رَأينَا مِنْهُم أحدا قطّ سألكم عَن الَّذِي أنزل إِلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ كَانَ نَاس من الْيَهُود يَكْتُبُونَ كتابا من عِنْدهم ويبيعونه من الْعَرَب ويحدثونهم أَنه من عِنْد الله فَيَأْخُذُونَ ثمنا قَلِيلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر واين أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ نَاس من بني إِسْرَائِيل كتبُوا كتابا بِأَيْدِيهِم ليتأكلوا النَّاس فَقَالُوا: هَذِه من عِنْد الله وَمَا هِيَ من عِنْد الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا} قَالَ: عرضا من عرض الدُّنْيَا {وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ} يَقُول: مِمَّا يَأْكُلُون بِهِ النَّاس السفلة وَغَيرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه كره كِتَابَة الْمَصَاحِف بِالْأَجْرِ وتلا هَذِه الْآيَة {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم} الْآيَة
وَأخرج وَكِيع عَن الْأَعْمَش
أَنه كره أَن يكْتب الْمَصَاحِف بِالْأَجْرِ وتأوّل هَذِه الْآيَة {فويل للَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا من عِنْد الله}
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه يكره شِرَاء الْمَصَاحِف وَبَيْعهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن أبي الضُّحَى قَالَ: سَأَلت ثَلَاثَة من أهل الْكُوفَة عَن شِرَاء الْمَصَاحِف
عبد الله بن يزِيد الخطمي ومسروق بن الأجدع وشريحاً فكلهم قَالَ: لَا نَأْخُذ لكتاب الله ثمنا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق قَتَادَة عَن زُرَارَة عَن مطرف قَالَ: شهِدت فتح تستر مَعَ الْأَشْعَرِيّ فأصبنا دانيال بالسوس وأصبنا مَعَه ربطتين من كتَّان وأصبنا مَعَه ربعَة فِيهَا كتاب الله وَكَانَ أول من وَقع عَلَيْهِ رجل من بلعنبر يُقَال لَهُ حرقوص فَأعْطَاهُ الْأَشْعَرِيّ الربطتين وَأَعْطَاهُ مِائَتي دِرْهَم وَكَانَ مَعنا أجِير نَصْرَانِيّ يُسمى نعيماً فَقَالَ: بيعوني هَذِه الربعة بِمَا فِيهَا فَقَالُوا: إِن يكن فِيهَا ذهب أَو فضَّة أَو كتاب الله
قَالَ: فَإِن الَّذِي فِيهَا كتاب الله فكرهوا أَن يبيعوه الْكتاب فَبِعْنَاهُ الربعة بِدِرْهَمَيْنِ وَوَهَبْنَا لَهُ الْكتاب
قَالَ قَتَادَة: فَمن ثمَّ كره بيع الْمَصَاحِف لِأَن الْأَشْعَرِيّ وَأَصْحَابه كَرهُوا بيع ذَلِك الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن: أَنَّهُمَا كرها بيع الْمَصَاحِف
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف فَقَالَ: إِن إِبْرَاهِيم يكره بيعهَا وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن سَالم قَالَ: كَانَ ابْن عمر إِذا أَتَى على الَّذِي يَبِيع الْمَصَاحِف قَالَ: بئس التِّجَارَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عبَادَة بن نسي
أَن عمر كَانَ يَقُول: لَا تَبِيعُوا الْمَصَاحِف وَلَا تشتروها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم
أَن عمر كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن مَسْعُود: أَنه كره بيع الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: وددت أَن الْأَيْدِي تقطع على بيع الْمَصَاحِف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد من طَرِيق سعيد بن جُبَير قَالَ: وددت أَن الْأَيْدِي قطعت على بيع الْمَصَاحِف وشرائها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عِكْرِمَة قَالَ: سَمِعت سَالم بن عبد الله يَقُول: بئس التِّجَارَة الْمَصَاحِف
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله: أَنه كره بيع الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد عَن عبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ: أَنه كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف قَالَ: وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يشددون فِي بيع الْمَصَاحِف ويرونه عَظِيما
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب: أَنه كره بيع الْمَصَاحِف كَرَاهِيَة شَدِيدَة وَكَانَ يَقُول: أعن أَخَاك بِالْكتاب أَو هَب لَهُ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عليّ بن حُسَيْن قَالَ: كَانَت الْمَصَاحِف لَا تبَاع وَكَانَ
الرجل يَأْتِي بِوَرَقَة عِنْد الْمِنْبَر فَيَقُول من الرجل يحْتَسب فَيكْتب لي ثمَّ يَأْتِي الآخر فَيكْتب حَتَّى يتم الْمُصحف
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مَسْرُوق وعلقمة وَعبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ وَشُرَيْح وَعبادَة
أَنهم كَرهُوا بيع الْمَصَاحِف وشراءها وَقَالُوا: لَا نَأْخُذ لكتاب الله ثمنا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن إِبْرَاهِيم عَن أَصْحَابه قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ بيع الْمَصَاحِف وشراءها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن أبي الْعَالِيَة
أَنه كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف وَقَالَ: وددت أَن الَّذين يبيعون الْمَصَاحِف ضربوا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ بيع الْمَصَاحِف وكتابتها بِالْأَجْرِ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ عَطاء: لم يكن من مضى يبيعون الْمَصَاحِف إِنَّمَا حدث ذَلِك الْآن وَإِنَّمَا يَجْلِسُونَ بمصاحفهم فِي الْحجر فَيَقُول أحدهم للرجل إِذا كَانَ كَاتبا وَهُوَ يطوف: يَا فلَان إِذا فرغت تعال فَاكْتُبْ لي
قَالَ: فَيكْتب الْمُصحف وَمَا كَانَ من ذَلِك حَتَّى يفرغ من مصحفه
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: كَانَ فِي أوّل الزَّمَان يَجْتَمعُونَ فيكتبون الْمَصَاحِف ثمَّ أَنهم استأجروا الْعباد فكتبوها لَهُم ثمَّ أَن الْعباد بعد أَن كتبوها باعوها وأوّل من بَاعهَا هم الْعباد (الْعباد: جمع عبد وهم قبائل شَتَّى من الْعَرَب اجْتَمعُوا بِالْحيرَةِ على المسيحية قبل الْإِسْلَام وَالنِّسْبَة عبَادي)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن عمرَان بن جرير قَالَ: سَأَلت أَبَا مجلز عَن بيع الْمَصَاحِف قَالَ: إِنَّمَا بِيعَتْ فِي زمن مُعَاوِيَة فَلَا تبعها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: كتاب الله أعز من أَن يُبَاع
وَأخرج ابْن سعيد عَن حَنْظَلَة قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ طَاوس فَمر بِقوم يبيعون الْمَصَاحِف فَاسْتَرْجع
ذكر من رخص فِي بيعهَا وشراءها أخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف فَقَالَ: لَا بَأْس إِنَّمَا يَأْخُذُونَ أجور أَيْديهم
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن الْحَنَفِيَّة أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف قَالَ: لَا بَأْس إِنَّمَا يَبِيع الْوَرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَا بَأْس بِبيع الْمَصَاحِف إِنَّهُم لَا يبيعون كتاب الله إِنَّمَا يبيعون الْوَرق وَعمل أَيْديهم
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ: لَا بَأْس بشرَاء الْمَصَاحِف وَأَن يعْطى الْأجر على كتَابَتهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن مطر الْوراق
أَنه سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف فَقَالَ: كَانَ خيرا أَو حبرًا هَذَا الْأمة لَا يريان يَبِيعهَا بَأْسا الْحسن وَالشعْبِيّ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن حميد
أَن الْحسن كَانَ يكره بيع الْمَصَاحِف فَلم يزل بِهِ مطر الْوراق حَتَّى رخص فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد من طرق عَن الْحسن قَالَ: لَا بَأْس بِبيع الْمَصَاحِف ونقطها بالآجر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن الحكم: أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا بشرَاء الْمَصَاحِف وَبَيْعهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن أبي شهَاب مُوسَى بن نَافِع قَالَ: قَالَ لي سعيد بن جُبَير: هَل لَك فِي مصحف عِنْدِي قد كفيتك عرضه فتشتريه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِف وَلَا تبعها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رخص فِي شِرَاء الْمَصَاحِف وَكره فِي بيعهَا
قَالَ ابْن أبي دَاوُد: كَذَا قَالَ رخص كَأَنَّهُ صَار مُسْندًا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله فِي بيع الْمَصَاحِف قَالَ: ابتعها وَلَا تبعها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن سعيد بن الْمسيب وَسَعِيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر
مثله
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة قل أتخذتم عِنْد الله لن يخلف الله عَهده أم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والواحدي عَن ابْن عَبَّاس أَن يهود كَانُوا يَقُولُونَ: مُدَّة الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سنة وَإِنَّمَا نعذب لكل ألف سنة من أَيَّام الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النَّار وَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَة أَيَّام معدودات ثمَّ يَنْقَطِع الْعَذَاب فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار} إِلَى قَوْله {هم فِيهَا خَالدُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والواحدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وجد أهل الْكتاب مسيرَة مَا بَين طرفِي جَهَنَّم مسيرَة أَرْبَعِينَ فَقَالُوا: لن يعذب أهل النَّار إِلَّا قدر أَرْبَعِينَ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ألجموا فِي النَّار فَسَارُوا فِيهَا حَتَّى انْتَهوا إِلَى سقر وفيهَا شَجَرَة الزقوم إِلَى آخر يَوْم من الْأَيَّام الْمَعْهُودَة فَقَالَ لَهُ خَزَنَة النَّار: يَا أَعدَاء الله زعمتم أَنكُمْ لن تعذبوا فِي النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة فقد انْقَضى الْعدَد وَبَقِي الْأَبَد فَيَأْخُذُونَ فِي الصعُود يرهقون على وُجُوههم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
أَن الْيَهُود قَالُوا: لن تمسنا النَّار إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُدَّة عبَادَة الْعجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: اجْتمعت يهود يَوْمًا فخاصموا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات وَسموا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يخلفنا فِيهَا نَاس وأشاروا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ورد يَده على رؤوسهم كَذبْتُمْ بل أَنْتُم خَالدُونَ مخلدون فِيهَا لَا نخلفكم فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أبدا ففيهم أنزلت هَذِه الْآيَة {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة} يعنون أَرْبَعِينَ لَيْلَة
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ للْيَهُود أنْشدكُمْ بِاللَّه وبالتوراة الَّتِي أنزل الله على مُوسَى يَوْم طور سيناء من أهل النَّار الَّذين أنزلهم الله فِي التَّوْرَاة قَالُوا: إِن رَبهم غضب عَلَيْهِم غضبة فنمكث فِي النَّار أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ نخرج فتخلفوننا فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كَذبْتُمْ وَالله لَا نخلفكم فِيهَا أبدا فَنزل الْقُرْآن تَصْدِيقًا لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لَهُم {وَقَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة} إِلَى قَوْله {وهم فِيهَا خَالدُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ والدارمي وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ لما افتتحت خَيْبَر أهديت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم شَاة فِيهَا سم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا لي من كَانَ هَهُنَا من الْيَهُود فَقَالَ لَهُم: من أبوكم قَالَ: فلَان
قَالَ: كَذبْتُمْ بل أبوكم فلَان
قَالُوا: صدقت وبررت
ثمَّ قَالَ لَهُم: هَل أَنْتُم صادقيّ عَن شَيْء إِن سألتكم عَنهُ قَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم وَإِن كذبناك عرفت كذبنَا كَمَا عَرفته فِي أَبينَا
فَقَالَ لَهُم: من أهل النَّار قَالُوا: نَكُون فِيهَا يَسِيرا ثمَّ تخلفوننا فِيهَا
فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اخْسَئُوا - وَالله - لَا نخلفكم فِيهَا أبدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل أتخذتم عِنْد الله عهدا} أَي موثقًا من الله بذلك أَنه كَمَا تَقولُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قَالَت الْيَهُود مَا قَالَت قَالَ الله لمُحَمد {قل أتخذتم عِنْد الله عهدا} يَقُول: أدخرتم عِنْد الله عهدا
يَقُول: اقلتم لَا إِلَه إِلَّا الله لم تُشْرِكُوا وَلم تكفرُوا بِهِ فَإِن كُنْتُم قُلْتُمُوهَا فارجوا بهَا وَإِن كُنْتُم لم تقولوها فَلم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل أتخذتم عِنْد الله} قَالَ: بفراكم وبزعمكم أَن النَّار لَيْسَ تمسكم إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة يَقُول: إِن كُنْتُم اتخذتم عِنْد الله عهدا بذلك فَلَنْ يخلف الله عَهده {أم تَقولُونَ على الله مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ: قَالَ الْقَوْم: الْكَذِب وَالْبَاطِل وَقَالُوا عَلَيْهِ مَالا يعلمُونَ
قَوْله تَعَالَى: بلَى من كسب سَيِّئَة وأحاطت بِهِ خطيئته فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {بلَى من كسب} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: أحَاط بِهِ شركه
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بلَى من كسب سَيِّئَة} أَي من عمل مثل أَعمالكُم وَكفر بِمَا كَفرْتُمْ بِهِ حَتَّى يُحِيط كفره بِمَا لَهُ من حَسَنَة {فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} أَي من آمن بِمَا كَفرْتُمْ بِهِ وَعمل بِمَا تركْتُم من دينه فَلهم الْجنَّة خَالِدين فِيهَا يُخْبِرهُمْ أَن الثَّوَاب بِالْخَيرِ وَالشَّر مُقيم على أَهله أبدا لَا انْقِطَاع لَهُ أبدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: هِيَ الْكَبِيرَة الْمُوجبَة لأَهْلهَا النَّار
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} مَا الْخَطِيئَة قَالَ: اقرؤوا الْقُرْآن فَكل آيَة وعد الله عَلَيْهَا النَّار فَهِيَ الْخَطِيئَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: الذُّنُوب تحيط بالقلوب فَكلما عمل ذَنبا ارْتَفَعت حَتَّى تغشى الْقلب حَتَّى يكون هَكَذَا وَقبض كَفه ثمَّ قَالَ: والخطيئة كل ذَنْب وعد الله عَلَيْهِ النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع بن خَيْثَم فِي قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت على خطيئته قبل أَن يَتُوب
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {وأحاطت بِهِ خطيئته} قَالَ: مَاتَ بِذَنبِهِ
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين إحسانا وَذي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَقُولُوا للنَّاس حسنا وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة ثمَّ توليتم إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم وَأَنْتُم معرضون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} أَي ميثاقكم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} الْآيَة
قَالَ: أَخذ مواثيقهم أَن يخلصوا لَهُ وَأَن لَا يعبدوا غَيره
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} قَالَ: مِيثَاق أَخذه الله على بني إِسْرَائِيل فَاسْمَعُوا على مَا أَخذ مِيثَاق الْقَوْم {لَا تَعْبدُونَ إِلَّا الله وبالوالدين إحساناً} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حمي عَن عِيسَى بن عمر قَالَ: قَالَ الْأَعْمَش: نَحن نَقْرَأ / لَا يعْبدُونَ إِلَّا الله / بِالْيَاءِ لأَنا نَقْرَأ آخر الْآيَة {ثمَّ توَلّوا} عَنهُ وَأَنْتُم تقرؤون {ثمَّ توليتم} فاقرؤوها لَا تَعْبدُونَ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَ: الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر أَمرهم أَن يأمروا بِلَا إِلَه إِلَّا الله من لم يقلها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَ: الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَ: يَعْنِي النَّاس كلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء وَأبي جَعْفَر فِي قَوْله {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} قَالَا: للنَّاس كلهم
وَأخرج أَبُو عبيد سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الْملك بن سُلَيْمَان أَن زيد ابْن ثَابت كَانَ يقْرَأ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا} وَكَانَ ابْن مَسْعُود يقْرَأ {وَقُولُوا للنَّاس حسنا}
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ توليتم} أَي تركْتُم ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ توليتم} قَالَ: أعرضتم عَن طَاعَتي {إِلَّا قَلِيلا مِنْكُم} وهم الَّذين اخترتهم لطاعتي
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دمائكم وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم وتخرجون فريقاً مِنْكُم من دِيَارهمْ تظاهرون عَلَيْهِم
بالإثم والعدوان وَإِن يأتوكم أسرى تفادوهم وَهُوَ محرم عَلَيْكُم إخراجهم أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض فَمَا جَزَاء من يفعل ذَلِك مِنْكُم إِلَّا خزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْقيمَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب وَمَا الله بغافل عَمَّا تعقلون أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة فَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينْصرُونَ
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم
أَنه قَرَأَ {لَا تسفكون دماءكم} بِنصب التَّاء وَكسر الْفَاء وَرفع الْكَاف
وَأخرج عبد بن حميد عَن طَلْحَة بن مصرف أَنه قَرَأَهَا {تسفكون} بِرَفْع الْفَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم لَا تسفكون دماءكم} يَقُول: لَا يقتل بَعْضكُم بَعْضًا {وَلَا تخرجُونَ أَنفسكُم من دِيَاركُمْ} يَقُول: لَا يخرج بَعْضكُم بَعْضًا من الديار ثمَّ أقررتم بِهَذَا الْمِيثَاق وَأَنْتُم تَشْهَدُون
يَقُول: وَأَنْتُم شُهُود
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ أقررتم وَأَنْتُم تَشْهَدُون} إِن هَذَا حق من ميثاقي عَلَيْكُم {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم} أَي أهل الشّرك ختى تسفكوا دماءكم مَعَهم {وتخرجون فريقاً مِنْكُم من دِيَارهمْ} قَالَ: تخرجونهم من دِيَارهمْ مَعَهم {تظاهرون عَلَيْهِم بالإِثم والعدوان} فَكَانُوا إِذا كَانَ بَين الْأَوْس والخزرج حَرْب خرجت بَنو قينقاع مَعَ الْخَزْرَج وَخرجت النَّضِير وَقُرَيْظَة من الْأَوْس وَظَاهر كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ حلفاءه على إخوانه حَتَّى تسافكوا دِمَاءَهُمْ فَإِذا وضعت أَوزَارهَا افْتَدَوْا أَسْرَاهُم تَصْدِيقًا لما فِي التَّوْرَاة {وَإِن يأتوكم أُسَارَى تفادوهم} وَقد عَرَفْتُمْ أَن ذَلِك عَلَيْكُم فِي دينكُمْ {وَهُوَ محرم عَلَيْكُم} فِي كتابكُمْ {إخراجهم} {أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض} أتفادونهم مُؤمنين بذلك وتخرجونهم كفرا بذلك
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة أَن عبد الله بن سَلام مر على رَأس الجالوت بِالْكُوفَةِ وَهُوَ يفادي من النِّسَاء من لم يَقع عَلَيْهِ الْعَرَب وَلَا يفادي من وَقع عَلَيْهِ الْعَرَب فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام: أما مَكْتُوب عنْدك فِي كتابك أَن فادوهن كُلهنَّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه قَرَأَ {وَإِن يأتوكم أُسَارَى تفادوهم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {أُسَارَى تفادوهم}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قراءتنا / وَإِن يؤخذوا تفدوهم /
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: يكون أول الْآيَة عَاما وَآخِرهَا خَاصّا وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة (وَيَوْم الْقِيَامَة يردون إِلَى أَشد الْعَذَاب وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} قَالَ: استحبوا قَلِيل الدُّنْيَا على كثير الْآخِرَة
قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات وأيدناه بِروح الْقُدس أفكلما جَاءَكُم رَسُول بِمَا لَا تهوى أَنفسكُم استكبرتم ففريقاً كَذبْتُمْ وفريقاً تقتلون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وقفينا} اتَّبعنَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جوبير عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة مفصلة محكمَة {وقفينا من بعده بالرسل} يَعْنِي رَسُولا يدعى اشمويل بن بابل ورسولاً يَدعِي مشتانيل ورسولاً يدعى شعيا بن أمصيا ورسولاً يدعى حزقيل ورسولاً يدعى أرميا بن حلقيا وَهُوَ الْخضر ورسولاً يدعى دَاوُد بن أيشا وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَان ورسولاً يدعى الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم فَهَؤُلَاءِ الرُّسُل ابتعثهم الله وانتخبهم للْأمة بعد مُوسَى بن
عمرَان وَأخذ عَلَيْهِم ميثاقاً غليظاً أَن يؤدوا إِلَى أممهم صفة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَصفَة أمته
وَأما قَوْله تَعَالَى {وآتينا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَينَات} أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم قَالَ: هِيَ الْآيَات الَّتِي وضعت على يَده من احياء الْمَوْتَى وخلقه من الطين كَهَيئَةِ الطير وإبراء الأسقام وَالْخَبَر بِكَثِير من الغيوب وَمَا رد عَلَيْهِم من التَّوْرَاة مَعَ الإِنجيل الَّذِي أحدث الله إِلَيْهِ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وأيدناه بِروح الْقُدس} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأيدناه} قَالَ: قوّيناه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: روح الْقُدس
الِاسْم الَّذِي كَانَ عِيسَى يحيي بِهِ الْمَوْتَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الْقُدس الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: الْقُدس هُوَ الرب تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْقُدس الطُّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: الْقُدس الْبركَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد فِي قَوْله {وأيدناه بِروح الْقُدس} قَالَ: أَعَانَهُ جِبْرِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: روح الْقُدس جِبْرِيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: روح الْقُدس جِبْرِيل
وَأخرج ابْن سعيد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان منبراً فِي الْمَسْجِد فَكَانَ ينافح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أيد حسان بِروح الْقُدس كَمَا نافح عَن نبيه
وَأخرج ابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي: أَن نفسا لن تَمُوت حَتَّى تستكمل رزقها فَاتَّقُوا الله واجملوا فِي الطّلب
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كلمة روح الْقُدس لن يُؤذن للْأَرْض أَن تَأْكُل من لَحْمه
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ففريقاً كَذبْتُمْ وفريقاً تقتلون}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {فريقا} يَعْنِي طَائِفَة
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا مَا يُؤمنُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي الْقلب لتقلبه
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {قُلُوبنَا غلف} مثقلة كَيفَ تتعلم وَإِنَّمَا قُلُوبنَا غلف للحكمة أَي أوعية للحكمة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قُلُوبنَا غلف} مَمْلُوءَة علما لَا تحْتَاج إِلَى علم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَلَا غَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة فِي قَوْله {وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف} قَالَ: هِيَ الْقُلُوب المطبوع عَلَيْهَا
وَأخرج وَكِيع عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {قُلُوبنَا غلف} قَالَ: عَلَيْهَا طَابع
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف} عَلَيْهَا غشاوة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالُوا قُلُوبنَا غلف} قَالَ: قَالُوا لَا تفقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الإِخلاص وَابْن جرير عَن حُذَيْفَة قَالَ: الْقُلُوب أَرْبَعَة
قلب أغلف فَذَلِك قلب الْكَافِر وقلب مصفح فَذَلِك قلب الْمُنَافِق وقلب أجرد فِيهِ مثل السراج فَذَلِك قلب الْمُؤمن وقلب فِيهِ إِيمَان ونفاق فَمثل الإِيمان كَمثل شَجَرَة يمدها مَاء طيب وَمثل النِّفَاق كَمثل قرحَة يمدها الْقَيْح وَالدَّم فَأَي الْمَادَّتَيْنِ غلبت صاحبتها أهلكته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: تعرض فتْنَة على الْقُلُوب فَأَي قلب أنكرها نكتت فِي قلبه نُكْتَة بَيْضَاء وَأي قلب لم ينكرها نكتت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء ثمَّ تعرض فتْنَة أُخْرَى على الْقُلُوب فَإِن أنكرها الْقلب الَّذِي أنكرها نكتت فِي قلبه نُكْتَة بَيْضَاء وَإِن لم ينكرها نكتت نُكْتَة سَوْدَاء ثمَّ تعرض فتْنَة أُخْرَى فَإِن أنكرها ذَلِك الْقلب الَّذِي اشْتَدَّ وابيض وَصفا وَلم تضره فتْنَة أبدا وَإِن لم ينكرها فِي الْمَرَّتَيْنِ الأوليتين أسود وارتد ونكس فَلَا يعرف حَقًا وَلَا يُنكر مُنْكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الايمان وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: إِن الإِيمان يَبْدُو لَحْظَة بَيْضَاء فِي الْقلب فَكلما ازْدَادَ الإِيمان عظما ازْدَادَ ذَلِك الْبيَاض فَإِذا اسْتكْمل الإِيمان ابيض الْقلب كُله وَإِن النِّفَاق لَحْظَة سَوْدَاء فِي الْقلب فَكلما ازْدَادَ النِّفَاق عظما ازْدَادَ ذَلِك السوَاد فَإِذا اسْتكْمل النِّفَاق اسود الْقلب كُله وأيم الله لَو شققتم على قلب مُؤمن لوجدتموه أَبيض وَلَو شققتم عَن قلب مُنَافِق لوجدتموه أسود
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد جيد عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْقُلُوب أَرْبَعَة
قلب أجرد فِيهِ مثل السراج يزهر وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح وَأما الْقلب الأجرد فَقلب الْمُؤمن سراجه فِيهِ نوره وَأما الْقلب الأغلف فَقلب الْكَافِر وَأما الْقلب المنكوس فَقلب الْمُنَافِق الْكَافِر عرف ثمَّ أنكر وَأما الْقلب المصفح فَقلب فِيهِ إِيمَان ونفاق وَمثل الإِيمان كَمثل البقلة يمدها المَاء الطّيب وَمثل النِّفَاق كَمثل القرحة يمدها الْقَيْح وَالدَّم فَأَي الْمَادَّتَيْنِ غلبت على الْأُخْرَى غلبت عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان الْفَارِسِي مَوْقُوفا مثله سَوَاء
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فقليلاً مَا يُؤمنُونَ} أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فقليلاً مَا يُؤمنُونَ} قَالَ: لَا يُؤمن مِنْهُم إِلَّا قَلِيل
قَوْله تَعَالَى: وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم وَكَانُوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ فلعنة الله على الْكَافرين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن {مُصدق لما مَعَهم} قَالَ: من التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَكَانُوا من قبل يستفتحون} الْآيَة
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل من
طَرِيق عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة الْأنْصَارِيّ حَدثنِي أَشْيَاخ منا قَالُوا: لم يكن أحد من الْعَرَب أعلم بشأن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم منا كَانَ مَعنا يهود وَكَانُوا أهل كتاب وَكُنَّا أَصْحَاب وثن وَكُنَّا إِذا بلغنَا مِنْهُم مَا يكْرهُونَ قَالُوا: إِن نَبيا يبْعَث الْآن قد أظل زَمَانه نتبعه فنقتلكم مَعَه قتل عَاد وإرم فَلَمَّا بعث الله رَسُوله اتبعناه وكفروه بِهِ ففينا - وَالله - وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكَانُوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفرُوا} الْآيَة كلهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْعَرَب تمر باليهود فيؤذونهم وَكَانُوا يَجدونَ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاة فَيسْأَلُونَ الله أَن يَبْعَثهُ نَبيا فيقاتلون مَعَه الْعَرَب فَلَمَّا جَاءَهُم مُحَمَّد كفرُوا بِهِ حِين لم يكن من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت يهود بني قُرَيْظَة وَالنضير من قبل أَن يبْعَث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يستفتحون الله يدعونَ على الَّذين كفرُوا وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نستنصرك بِحَق النَّبِي الْأُمِّي إلَاّ نصرتنا عَلَيْهِم فينصرون {فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا} يُرِيد مُحَمَّدًا وَلم يشكوا فِيهِ {كفرُوا بِهِ}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ يهود أهل الْمَدِينَة قبل قدوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا قَاتلُوا من يليهم من مُشْركي الْعَرَب من أَسد وغَطَفَان وجهينة وعذرة يستفتحون عَلَيْهِم ويستنصرون يدعونَ عَلَيْهِم باسم نَبِي الله فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ رَبنَا انصرنا عَلَيْهِم باسم نبيك وبكتابك الَّذِي تنزل عَلَيْهِ الَّذِي وعدتنا إِنَّك باعثه فِي آخر الزَّمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْيَهُود تستفتح بِمُحَمد على كفار الْعَرَب يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ابْعَثْ النَّبِي الَّذِي نجده فِي التَّوْرَاة يعذبهم ويقتلهم فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّد كفرُوا بِهِ حِين رَأَوْهُ بعث من غَيرهم حسداً للْعَرَب وهم يعلمُونَ أَنه رَسُول الله
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت يهود خَيْبَر تقَاتل غطفان فَكلما الْتَقَوْا هزمت يهود فعاذت بِهَذَا الدُّعَاء: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك بِحَق مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي وعدتنا أَن تخرجه لنا فِي آخر الزَّمَان إِلَّا نصرتنا عَلَيْهِم فَكَانُوا إِذا الْتَقَوْا دعوا بِهَذَا فهزموا غطفان فَلَمَّا بعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم كفرُوا بِهِ
فَأنْزل الله {وَكَانُوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفرُوا} يَعْنِي وَقد كَانُوا يستفتحون بك يَا مُحَمَّد إِلَى قَوْله {فلعنة الله على الْكَافرين}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
أَن يهود كَانُوا يستفتحون على الْأَوْس والخزرج برَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فَلَمَّا بَعثه الله من الْعَرَب كفرُوا بِهِ وجحدوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ فَقَالَ لَهُم معَاذ ابْن جبل وَبشر بن الْبَراء ودادو بن سَلمَة: يَا معشر يهود اتَّقوا الله وَأَسْلمُوا فقد كُنْتُم تستفتحون علينا بِمُحَمد وَنحن أهل شرك وتخبرونا بِأَنَّهُ مَبْعُوث وتصفونه بِصفتِهِ
فَقَالَ سَلام بن مشْكم أحد بني النَّضِير: مَا جَاءَنَا بِشَيْء نعرفه وَمَا هُوَ بِالَّذِي كُنَّا نذْكر لكم فَأنْزل الله {وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن سَلمَة بن سَلامَة وقش وَكَانَ من أهل بدر قَالَ: كَانَ لنا جَار يَهُودِيّ فِي بني عبد الْأَشْهَل فَخرج علينا يَوْمًا من بَيته قبل مبعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِيَسِير حَتَّى وقف على مجْلِس بني الْأَشْهَل قَالَ سَلمَة: وَأَنا يَوْمئِذٍ أحدث من فِيهِ سنا عليّ بردة مُضْطَجعا فِيهَا بِفنَاء أَهلِي فَذكر الْبَعْث وَالْقِيَامَة والحساب وَالْمِيزَان وَالْجنَّة وَالنَّار قَالَ: ذَلِك لأهل شرك أَصْحَاب أوثان لَا يرَوْنَ أَن بعثاً كَائِن بعد الْمَوْت
فَقَالُوا لَهُ: وَيحك يَا فلَان
ترى هَذَا كَائِنا أَن النَّاس يبعثون بعد مَوْتهمْ إِلَى دَار فِيهَا جنَّة ونار يجزنون فِيهَا بأعمالهم فَقَالَ: نعم وَالَّذِي يحلف بِهِ يودّ أَن لَهُ بحظه من تِلْكَ النَّار أعظم تنور فِي الدُّنْيَا يحمونه ثمَّ يدخلونه إِيَّاه فيطيونه عَلَيْهِ وَأَن ينجو من تِلْكَ النَّار غَدا
قَالُوا لَهُ: وَيحك وَمَا آيَة ذَلِك قَالَ: نَبِي يبْعَث من نَحْو هَذِه الْبِلَاد وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو مَكَّة واليمن
فَقَالُوا: وَمَتى نرَاهُ قَالَ: فَنظر إِلَيّ وَأَنا من أحدثهم سنا أَن يستنفذ هَذَا الْغُلَام عمره يُدْرِكهُ قَالَ سَلمَة: فوَاللَّه مَا ذهب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى بعث الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بَين أظهرنَا فَآمَنا بِهِ وَكفر بِهِ بغياً وحسداً فَقُلْنَا وَيلك يَا فلَان أَلَسْت بِالَّذِي قلت لنا قَالَ: بلَى وَلَيْسَ بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَكَانُوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفرُوا} يَقُول يستنصرون بِخُرُوج مُحَمَّد على مُشْركي الْعَرَب يَعْنِي بذلك أهل الْكتاب فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا ورأوه من غَيرهم كفرُوا بِهِ وحسدوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود عرفُوا مُحَمَّدًا أَنه نَبِي وَكَفرُوا بِهِ
قَوْله تَعَالَى: بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم أَن يكفروا بِمَا أنزل الله بغيا أَن ينزل الله من فَضله على من يَشَاء من عباده فباوءوا بغضب على غضب وللكافرين عَذَاب مهين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم} الْآيَة
قَالَ: هم الْيَهُود كفرُوا بِمَا أنزل الله وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بغياً وحسداً للْعَرَب {فباؤوا بغضب على غضب} قَالَ: غضب الله عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ بكفرهم بالإِنجيل وبعيسى وبكفرهم بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {بئْسَمَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم} قَالَ: بئس مَا باعوا بِهِ أنفسهم حَيْثُ باعوا نصِيبهم من الْآخِرَة بطمع يسير من الدُّنْيَا
قَالَ: وَهل تعرف ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: يعْطى بهَا ثمنا فيمنعها وَيَقُول صَاحبهَا أَلا تشرى وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بغياً أَن ينزل الله} أَي أَن الله جعله من غَيرهم {فباؤوا بغضب} بكفرهم بِهَذَا النَّبِي {على غضب} كَانَ عَلَيْهِم فِيمَا ضيعوه من التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {فباؤوا بغضب على غضب} قَالَ: كفرهم بِعِيسَى وكفرهم بِمُحَمد
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {فباؤوا بغضب} الْيَهُود غضب بِمَا كَانَ من تبديلهم التَّوْرَاة قبل خُرُوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم {عَليّ غضب} جحودهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وكفرهم بِمَا جَاءَ بِهِ
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُم آمنُوا بِمَا أنزل الله قَالُوا نؤمن بِمَا أنزل علينا ويكفرون بِمَا وَرَاءه وَهُوَ الْحق مُصدقا لما مَعَهم قل فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله من قبل إِن كُنْتُم مُؤمنين وَلَقَد جَاءَكُم مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثمَّ اتخذتم الْعجل من بعده وَأَنْتُم ظَالِمُونَ
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {ويكفرون بِمَا وَرَاءه} قَالَ: بِمَا بعده
وَأخرج ابْن جرير عَن الدي فِي قَوْله {ويكفرون بِمَا وَرَاءه} قَالَ: الْقُرْآن
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم الطّور خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة قَالُوا سمعنَا وعصينا وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم قل بئْسَمَا يَأْمُركُمْ بِهِ آيمانكم إِن كُنْتُم مُؤمنين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} قَالَ: أشربوا حبه حَتَّى خلص ذَلِك إِلَى قُلُوبهم
قَوْله تَعَالَى: قل إِن كَانَت لكم الدَّار
الْآخِرَة عِنْد الله خَالِصَة من دون النَّاس فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم وَالله عليم بالظالمين
أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ (قَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هود أَو نَصَارَى)(الْبَقَرَة الْآيَة 111) وَقَالُوا (نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه)(الْمَائِدَة الْآيَة 18) فَأنْزل الله {قل إِن كَانَت لكم الدَّار الْآخِرَة عِنْد الله خَالِصَة من دون النَّاس فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين} فَلم يَفْعَلُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: قل لَهُم يَا مُحَمَّد {إِن كَانَت لكم الدَّار الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة كَمَا زعتم {خَالِصَة من دون النَّاس} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {فتمنوا الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين} انها لكم خَالِصَة من دون المؤنين فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن كُنْتُم فِي مَقَالَتَكُمْ صَادِقين قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولهَا رجل مِنْكُم إِلَّا غص بريقه فَمَاتَ مَكَانَهُ فَأَبَوا أَن يَفْعَلُوا وكرهوا مَا قَالَ لَهُم فَنزل {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا بِمَا قدمت أَيْديهم} يَعْنِي عملته أَيْديهم {وَالله عليم بالظالمين} إِنَّهُم لن يَتَمَنَّوْهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عِنْد نزُول هَذِه الْآيَة: وَالله لَا يتمنونه أبدا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فتمنوا الْمَوْت} أَي ادعوا بِالْمَوْتِ على أَي الْفَرِيقَيْنِ أكذب فَأَبَوا ذَلِك وَلَو تمنوه يَوْم قَالَ ذَلِك مَا بَقِي على وَجه الأَرْض يَهُودِيّ إِلَّا مَاتَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله (قل إِن لكم الدَّار الْآخِرَة) يَعْنِي الْجنَّة {خَالِصَة} خَاصَّة {فتمنوا الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} لأنعم يعلمُونَ أَنهم كاذبون {بِمَا قدمت} قَالَ: أسلفت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو تمنى الْيَهُود الْمَوْت لماتوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو تمنوا الْمَوْت لشرق أحدهم بريقه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَو أَن الْيَهُود تمنوا الْمَوْت لماتوا ولرأوا مَقَاعِدهمْ من النَّار
قَوْله تَعَالَى: ولتجدنهم أحرص النَّاس على حَيَاة وَمن الَّذين أشركوا يودّ أحدهم لَو يعمر ألف سنة وَمَا هُوَ بمزحزحه من الْعَذَاب أَن يعمر وَالله بَصِير بِمَا يعْملُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولتجدنهم أحرص النَّاس على حَيَاة} قَالَ: الْيَهُود {وَمن الَّذين أشركوا} قَالَ: الْأَعَاجِم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولتجدنهم أحرص النَّاس على حَيَاة} يَعْنِي الْيَهُود {وَمن الَّذين أشركوا} وَذَلِكَ أَن الْمُشرك لَا يَرْجُو بعثاً بعد الْمَوْت فَهُوَ يحب طول الْحَيَاة وَأَن الْيَهُودِيّ قد عرف مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من الخزي بِمَا صنع بِمَا عِنْده من الْعلم {وَمَا هُوَ بمزحزحه} قَالَ: بمنجيه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يودّ أحدهم لَو يعمر ألف سنة} قَالَ: هُوَ قَول الْأَعَاجِم إِذا عطس أحدهم زه هزا رسال يَعْنِي ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا هُوَ بمزحزحه} قَالَ: هم الَّذين عَادوا جِبْرِيل
قَوْله تَعَالَى: قل من كَانَ عَدو لجبريل فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن الله مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ وَهدى وبشرى للْمُؤْمِنين من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَإِن الله عَدو الْكَافرين
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْفِرْيَابِي وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حضرت عِصَابَة من الْيَهُود نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم حَدثنَا عَن خلال نَسْأَلك عَنْهُن لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي
قَالَ سلوني عَمَّا شِئْتُم وَلَكِن اجعلوا لي ذمَّة الله وَمَا أَخذ يَعْقُوب على نبيه لَئِن أَنا حدثتكم شَيْئا فعرفتموه للتتابعني قَالُوا: فَذَلِك لَك
قَالُوا: أَربع خلال نَسْأَلك عَنْهَا
أخبرنَا أَي طَعَام حرم إِسْرَائِيل على نَفسه من قبل أَن تنزل التَّوْرَاة وَأخْبرنَا كَيفَ مَاء الرجل من مَاء الْمَرْأَة وَكَيف الْأُنْثَى مِنْهُ وَالذكر وَأخْبرنَا كَيفَ هَذَا النَّبِي الْأُمِّي فِي النّوم وَمن وليه من الْمَلَائِكَة فَأخذ عَلَيْهِم عهد الله لَئِن
أَخْبَرتكُم لتتابعني فَأَعْطوهُ مَا شَاءَ من عهد وميثاق
قَالَ: فأنشدكم بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة هَل تعلمُونَ أَن إِسْرَائِيل مرض مَرضا طَال سقمه فَنَذر نذرا لَئِن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ وَأحب الطَّعَام إِلَيْهِ وَكَانَ أحب الطَّعَام إِلَيْهِ لُحْمَان الْإِبِل وَأحب الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلْبَانهَا فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ
قَالَ: أنْشدكُمْ بِالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ هَل تعلمُونَ أَن مَاء الرجل أَبيض غليظ وَأَن مَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق فَأَيّهمَا علا كَانَ لَهُ الواد والشبه بِإِذن الله إِن علا مَاء الرجل كَانَ ذكرا بِإِذن الله وَإِن علا مَاء الْمَرْأَة كَانَ أُنْثَى بِإِذن الله قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ قَالَ: فأنشدكم بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى هَل تعلمُونَ أَن النَّبِي الْأُمِّي هَذَا تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه قَالُوا: نعم
قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِم
قَالُوا: أَنْت الْآن فحدثنا من وليك من الْمَلَائِكَة فَعندهَا نتابعك أَو نُفَارِقك قَالَ: وليي جِبْرِيل وَلم يبْعَث الله نَبيا قطّ إِلَّا وَهُوَ وليه
قَالُوا: فَعندهَا نُفَارِقك لَو كَانَ وليك سواهُ من الْمَلَائِكَة لأتبعناك وَصَدَّقنَاك
قَالَ: فَمَا يمنعكم أَن تُصَدِّقُوهُ قَالُوا: هُوَ عدوّنا
فَأنْزل الله تَعَالَى {من كَانَ عدوا لجبريل} إِلَى قَوْله {كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ} فَعِنْدَ ذَلِك باؤوا بغضب على غضب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ نزل عمر رضي الله عنه بِالرَّوْحَاءِ فَرَأى نَاسا يبتدرون أحجاراً فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالُوا: يَقُولُونَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى إِلَى هَذِه الْأَحْجَار فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ رَاكِبًا مر بواد فَحَضَرت الصَّلَاة فصلَّى ثمَّ حدث فَقَالَ: إِنِّي كنت أغشى الْيَهُود يَوْم دراستهم فَقَالُوا: مَا من أَصْحَابك أحد أكْرم علينا مِنْك لِأَنَّك تَأْتِينَا
قلت: وَمَا ذَاك إِلَّا أَنِّي أعجب من كتب الله كَيفَ يصدق بَعْضهَا بَعْضًا كَيفَ تصدق التَّوْرَاة وَالْفرْقَان التَّوْرَاة فَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَأَنا أكلمهم فَقلت: أنْشدكُمْ بِاللَّه وَمَا تقرؤون من كِتَابه أتعلمون أَنه رَسُول الله قَالُوا: نعم
فَقلت: هلكتم وَالله تعلمُونَ أَنه رَسُول الله ثمَّ لَا تتبعونه فَقَالُوا: لم نهلك وَلَكِن سألناه من يَأْتِيهِ بنبوّته فَقَالَ: عدوّنا جِبْرِيل لِأَنَّهُ ينزل بالغلظة والشدة وَالْحَرب والهلاك وَنَحْو هَذَا فَقلت فَمن سلمكم من الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: مِيكَائِيل ينزل بالقطر وَالرَّحْمَة وَكَذَا
قلت: وَكَيف منزلتهما من ربهما فَقَالُوا: أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر من الْجَانِب الآخر
قلت: فَإِنَّهُ لَا يحل لجبريل أَن يعادي مِيكَائِيل وَلَا يحل
لميكائيل أَن يسالم عدوّ جِبْرِيل وَإِنِّي أشهد أَنَّهُمَا وربهما سلم لمن سالموا وَحرب لمن حَاربُوا ثمَّ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنا أُرِيد أَن أخبرهُ فَلَمَّا لَقيته قَالَ: أَلا أخْبرك بآيَات أنزلت عليّ قلت: بلَى يَا رَسُول الله فَقَرَأَ {من كَانَ عدوا لجبريل} حَتَّى بلغ {الْكَافرين} قلت: وَالله يَا رَسُول الله مَا قُمْت من عِنْد الْيَهُود إِلَّا إِلَيْك لأخبرك بِمَا قَالُوا إِلَيّ وَقلت لَهُم فَوجدت الله قد سبقني
صَحِيح الإِسناد وَلَكِن الشّعبِيّ لم يدْرك عمر
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ عمر يَأْتِي يهود يكلمهم فَقَالُوا: إِنَّه لَيْسَ من أَصْحَابك أحد أَكثر إتياناً إِلَيْنَا مِنْك فَأخْبرنَا من صَاحب صَاحبك الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْي فَقَالَ: جِبْرِيل
قَالُوا: ذَاك عدونا من الْمَلَائِكَة وَلَو أَن صَاحبه صَاحب صاحبنا لاتبعناه فَقَالَ عمر: وَمن صَاحب صَاحبكُم قَالُوا: مِيكَائِيل
قَالَ: وَمَا هما قَالُوا: أما جِبْرِيل فَينزل بِالْعَذَابِ والنقمة وَأما مِيكَائِيل فَينزل بالغيث وَالرَّحْمَة وَأَحَدهمَا عَدو لصَاحبه
فَقَالَ عمر
وَمَا منزلتهما قَالُوا: إنَّهُمَا من أقرب الْمَلَائِكَة مِنْهُ أَحدهمَا عَن يَمِينه وكلتا يَدَيْهِ يَمِين وَالْآخر على الشق الآخر
فَقَالَ عمر: لَئِن كَانَا كَمَا تَقولُونَ مَا هما بعدوّين ثمَّ خرج من عِنْدهم فَمر بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {من كَانَ عدوّاً لجبريل} الْآيَة
فَقَالَ عمر: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ أَنه الَّذِي خاصمتهم بِهِ آنِفا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا عمر بن الْخطاب انْطلق ذَات يَوْم إِلَى الْيَهُود فَلَمَّا أبصروه رحبوا بِهِ فَقَالَ عمر: وَالله مَا جِئْت لِحُبِّكُمْ وَلَا للرغبة فِيكُم وَلَكِنِّي جِئْت لأسْمع مِنْكُم وسألوه فَقَالُوا: من صَاحب صَاحبكُم فَقَالَ لَهُم: جِبْرِيل قَالُوا: ذَاك عدوّنا من الْمَلَائِكَة يطلع مُحَمَّد على سرنا وَإِذا جَاءَ جَاءَ بِالْحَرْبِ وَالسّنة وَلَكِن صاحبنا مِيكَائِيل وَإِذا جَاءَ جَاءَ بِالْخصْبِ وَالسّلم
فَتوجه نَحْو رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه حَدِيثهمْ فَوَجَدَهُ قد أنزل هَذِه الْآيَة {قل من كَانَ عدوا لجبريل} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ لما كَانَ لعمر أَرض بِأَعْلَى الْمَدِينَة يَأْتِيهَا وَكَانَ مَمَره على مدارس الْيَهُود وَكَانَ كلما مر دخل عَلَيْهِم فَسمع مِنْهُم وَإنَّهُ دخل عَلَيْهِم ذَات يَوْم فَقَالَ لَهُم: أنْشدكُمْ بالرحمن الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى بطور سيناء أتجدون مُحَمَّدًا عنْدكُمْ قَالُوا: نعم إِنَّا نجده مَكْتُوبًا عندنَا وَلَكِن صَاحبه
من الْمَلَائِكَة الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْوَحْي جِبْرِيل وَجِبْرِيل عدونا وَهُوَ صَاحب كل عَذَاب وقتال وَخسف وَلَو كَانَ وليه مِيكَائِيل لآمَنَّا بِهِ فَإِن مِيكَائِيل صَاحب كل رَحْمَة وكل غيث
قَالَ عمر: فَأَيْنَ مَكَان جِبْرِيل من الله قَالُوا: جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره
قَالَ عمر: فأشهدكم أَن الَّذِي عدوّ للَّذي عَن يَمِينه عدوّ للَّذي هُوَ عَن يسَاره وَالَّذِي عَدو للَّذي عَن يسَاره عدوّ للَّذي هُوَ عَن يَمِينه وَأَنه من كَانَ عدوّهما فَإِنَّهُ عدوّ لله ثمَّ رَجَعَ عمر ليخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فَوجدَ جِبْرِيل قد سبقه بِالْوَحْي فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ {قل من كَانَ عدوا لجبريل} الْآيَة
فَقَالَ عمر: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد جِئْت وَمَا أُرِيد إِلَّا أَن أخْبرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى
أَن يَهُودِيّا لَقِي عمر فَقَالَ: إِن جِبْرِيل الَّذِي يذكر صَاحبكُم عدوّ لنا
فَقَالَ عمر {من كَانَ عدوّاً لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عدوّ للْكَافِرِينَ} قَالَ: فَنزلت على لِسَان عمر وَقد نقل ابْن جرير الاجماع على أَن سَبَب نزُول الْآيَة ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ سمع عبد الله بن سَلام بِمقدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِأَرْض يخْتَرف فَأتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي سَائِلك عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي
مَا أول اشراط السَّاعَة وَمَا أول طَعَام أهل الْجنَّة وَمَا ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه أَو أمه قَالَ: أَخْبرنِي جِبْرِيل بِهن آنِفا
قَالَ: جِبْرِيل قَالَ: نعم
قَالَ: ذَاك عَدو الْيَهُود من الْمَلَائِكَة
فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {من كَانَ عدوّاً لجبريل فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك} قَالَ: أما أوّل أَشْرَاط السَّاعَة فَنَار تخرج من الْمشرق فتحشر النَّاس إِلَى الْمغرب وَأما أول مَا يَأْكُل أهل الْجنَّة فَزِيَادَة كبد حوت وَأما مَا ينْزع الْوَلَد إِلَى أَبِيه وَأمه فَإِذا سبق مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع إِلَيْهِ الْوَلَد وَإِذا سبق مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل نزع إِلَيْهَا
قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِنَّهُ نزله على قَلْبك بِإِذن الله} يَقُول: جِبْرِيل نزل بِالْقُرْآنِ بِإِذن الله يشدد بِهِ فُؤَادك ويربط بِهِ على قَلْبك {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} يَقُول: لما قبله من الْكتب الَّتِي أنزلهَا والآيات وَالرسل الَّذين بَعثهمْ الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ}
قَالَ: من التَّوْرَاة والإِنجيل {وَهدى وبشرى للْمُؤْمِنين} قَالَ: جعل الله هَذَا الْقُرْآن هدى وبشرى للْمُؤْمِنين لِأَن الْمُؤمن إِذا سمع الْقُرْآن حفظه ووعاه وانتفع بِهِ وَاطْمَأَنَّ إلبه وَصدق بموعود الله الَّذِي وعده فِيهِ وَكَانَ على يَقِين من ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عبيد الله العكي عَن رجل من قُرَيْش قَالَ: سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْيَهُود فَقَالَ أَسأَلكُم بِكِتَابِكُمْ الَّذِي تقرؤون هَل تجدونه قد بشر بِي عِيسَى أَن يأيتكم رَسُول اسْمه أَحْمد فَقَالُوا: اللَّهُمَّ وجدناك فِي كتَابنَا وَلَكنَّا كرهنا لِأَنَّك تستحل الْأَمْوَال وتهرق الدِّمَاء فَأنْزل الله {من كَانَ عدوًّا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله} الْآيَة
وَأما قَوْله تَعَالَى {وَجِبْرِيل وميكال}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جِبْرِيل كَقَوْلِك عبد الله جبر عبد وايل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جِبْرِيل عبد الله وَمِيكَائِيل عبيد الله وكل اسْم فِيهِ ايل فَهُوَ معبد لله
وَأخرج الديلمي عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اسْم جِبْرِيل عبد الله وَاسم اسرافيل عبد الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عليّ بن حُسَيْن قَالَ: اسْم جِبْرِيل عبد الله وَاسم مِيكَائِيل عبيد الله وَاسم اسرافيل عبد الرَّحْمَن وكل شَيْء رَاجع إِلَى ايل فَهُوَ معبد لله عز وجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: جِبْرِيل اسْمه عبد الله وَمِيكَائِيل اسْمه عبيد الله قَالَ: والإِل الله وَذَلِكَ قَوْله (لَا يرقبون فِي مُؤمن إلاًّ ولاذمة)(التَّوْبَة الْآيَة 10) قَالَ: لَا يرقبون الله
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن يعمر أَنه كَانَ يَقْرَأها جبرال وَيَقُول جبر هُوَ عبد وَال هُوَ الله
وَأخرج وَكِيع عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ مثقلة {وَجِبْرِيل وميكال}
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: جبر عبد وايل الله وميك عبد وايل الله واسراف عبد وايل الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ جِبْرِيل يناجيه إِذْ انْشَقَّ أفق السَّمَاء فَأقبل جِبْرِيل يتضاءل وَيدخل بعضه فِي بعض وَيَدْنُو من الأَرْض فَإِذا ملك قد مثل بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام ويخيرك بَين أَن تكون نَبيا ملكا وَبَين أَن تكون نَبيا عبدا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
فَأَشَارَ جِبْرِيل إليّ بِيَدِهِ أَن تواضع فَعرفت أَنه لي نَاصح فَقلت: عبد نَبِي
فعرج ذَلِك الْملك إِلَى السَّمَاء فَقلت: يَا جِبْرِيل قد كنت أردْت أَن أَسأَلك عَن هَذَا فَرَأَيْت من حالك ماشغلني عَن الْمَسْأَلَة فَمن هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا اسرافيل خلقه الله يَوْم خلقه بَين يَدَيْهِ صافا قَدَمَيْهِ لايرفع طرفه بَينه وَبَين الرب سَبْعُونَ نورا مَا مِنْهَا نور يدنو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ بَين يَدَيْهِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَإِذا أذن الله فِي شَيْء فِي السَّمَاء أَو فِي الأَرْض ارْتَفع ذَلِك اللَّوْح فَضرب جَبهته فَينْظر فِيهِ فَإِذا كَانَ من عَمَلي أَمرنِي بِهِ وَإِن كَانَ من عمل مِيكَائِيل أمره بِهِ وَإِن كَانَ من عمل ملك الْمَوْت أمره بِهِ
قلت: يَا جِبْرِيل على أَي شَيْء أَنْت قَالَ: على الرِّيَاح والجنود
قلت: على أَي شَيْء مِيكَائِيل قَالَ: على النَّبَات والقطر
قلت: على أَي شَيْء ملك الْمَوْت قَالَ: على قبض الْأَنْفس وَمَا ظَنَنْت أَنه هَبَط إِلَّا بِقِيَام السَّاعَة وَمَا ذَاك الَّذِي رَأَيْته مني إِلَّا خوفًا من قيلم السَّاعَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أخْبركُم بِأَفْضَل الْمَلَائِكَة جِبْرِيل وَأفضل النَّبِيين آدم وَأفضل الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَأفضل الشُّهُور رَمَضَان وَأفضل اللَّيَالِي لَيْلَة الْقدر وَأفضل النِّسَاء مَرْيَم بنت عمرَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الْعَزِيز بن عُمَيْر قَالَ: اسْم جِبْرِيل فِي الْمَلَائِكَة خَادِم الله عز وجل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ جِبْرِيل عليه السلام: إِن رَبِّي عز وجل ليبعثني على الشَّيْء لأمضيه فأجد الْكَوْن قد سبقني إِلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُوسَى بن عَائِشَة قَالَ: بَلغنِي أَن جِبْرِيل إِمَام أهل السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: جِبْرِيل على ريح الْجنُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ثَابت قَالَ: بلغنَا أَن الله تَعَالَى وكَّل جِبْرِيل بحوائج النَّاس فَإِذا دَعَا الْمُؤمن قَالَ يَا جِبْرِيل احْبِسْ حَاجته فَإِنِّي أحب دعاءه وَإِذا دَعَا الْكَافِر قَالَ: يَا جِبْرِيل اقْضِ حَاجته فَإِنِّي أبْغض دعاءه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبد الله بن عبيد قَالَ إِن جِبْرِيل مُوكل بالحوائج فَإِذا سَأَلَ الْمُؤمن ربه قَالَ: احْبِسْ احْبِسْ حبا لدعائه أَن يزْدَاد وَإِذا سَأَلَ الْكَافِر قَالَ: أعْطه أعْطه بغضاً لدعائه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن جِبْرِيل مُوكل بحاجات الْعباد فَإِذا دَعَا الْمُؤمن قَالَ: يَا جِبْرِيل احْبِسْ حَاجَة عَبدِي فَإِنِّي أحبه وَأحب صَوته وَإِذا دَعَا الْكَافِر قَالَ: يَا جِبْرِيل اقْضِ حَاجَة عَبدِي فَإِنِّي أبغضه وَأبْغض صَوته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: وددت أَنِّي رَأَيْتُك فِي صُورَتك قَالَ: وتحب ذَلِك قَالَ: نعم
قَالَ: موعدك كَذَا وَكَذَا من اللَّيْل بَقِيع الْغَرْقَد فَلَقِيَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم موعده فنشر جنَاحا من أجنحته فسد أفق السَّمَاء حَتَّى مَا يرى من السَّمَاء شَيْء
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رَأَيْت جِبْرِيل مهبطاً قد مَلأ مَا بَين الْخَافِقين عَلَيْهِ ثِيَاب سندس مُعَلّق بهَا اللُّؤْلُؤ والياقوت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح بن عبيد أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما صعد إِلَى السَّمَاء رأى جِبْرِيل فِي خلقته منظومة أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت قَالَ: فخيل إليّ أَن مَا بَين عَيْنَيْهِ قد سد الْأُفق وَكُنَّا أرَاهُ قبل ذَلِك على صور مُخْتَلفَة وَأكْثر مَا كنت أرَاهُ على صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ وَكنت أَحْيَانًا أرَاهُ كَمَا يرى الرجل صَاحبه من وَرَاء الغربال
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة وَقَتَادَة
دخل حَدِيث بَعضهم لبَعض لجبريل جَنَاحَانِ وَعَلِيهِ وشاح من در منظوم وَهُوَ براق الثنايا أجلى الجبينين وَرَأسه حُبكَ حبكاً مثل المرجان وَهُوَ اللُّؤْلُؤ كَأَنَّهُ الثَّلج وَقَدمَاهُ إِلَى الخضرة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا بَين مَنْكِبي جِبْرِيل مسيرَة خَمْسمِائَة عَام للطائر السَّرِيع الطيران
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه
أَنه سُئِلَ عَن خلق جِبْرِيل فَذكر أَن مَا بَين مَنْكِبَيْه من ذِي إِلَى ذِي خَفق الطير سَبْعمِائة عَام
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمار بن أبي عمار
إِن حَمْزَة بن عبد الْمطلب قَالَ: يَا رَسُول الله أَرِنِي جِبْرِيل على صورته
قَالَ إِنَّك لَا تَسْتَطِيع أَن ترَاهُ
قَالَ: بلَى فأرنيه
قَالَ: فَاقْعُدْ
فَقعدَ فَنزل جِبْرِيل على خَشَبَة كَانَت الْكَعْبَة يلقِي الْمُشْركُونَ عَلَيْهَا ثِيَابهمْ إِذا طافوا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ارْفَعْ طرفك
فَانْظُر فَرفع طرفه فَرَأى قَدَمَيْهِ مثل الزبرجد الْأَخْضَر فَخر مغشياً عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن ابْن شهَاب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَأَلَ جِبْرِيل أَن يترأى لَهُ فِي صورته فَقَالَ جِبْرِيل: إِنَّك لن تطِيق ذَلِك
قَالَ: إِنِّي أحب أَن تفعل
فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمصلى فِي لَيْلَة مُقْمِرَة فَأَتَاهُ جِبْرِيل فِي صورته فَغشيَ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين رَآهُ ثمَّ أَفَاق وَجِبْرِيل مُسْنده وَوَاضِع إِحْدَى يَدَيْهِ على صَدره والآخرى بَين كَتفيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا كنت أرى أَن شَيْئا من الْخلق هَكَذَا فَقَالَ جِبْرِيل: فَكيف لَو رَأَيْت إسْرَافيل إِن لَهُ لاثني عشر جنَاحا مِنْهَا جنَاح فِي الْمشرق وَجَنَاح فِي الْمغرب وَإِن الْعَرْش على كَاهِله وَإنَّهُ لَيَتَضَاءَل أَحْيَانًا لِعَظَمَة الله عز وجل حَتَّى يصير مثل الْوَصع حَتَّى مَا يحمل عرشته إِلَّا عَظمته
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أبي جَعْفَر قَالَ: كَانَ أَبُو بكر يسمع مُنَاجَاة جِبْرِيل لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يرَاهُ
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما رَأَيْت جِبْرِيل لم يره خلق إِلَّا عمي إِلَّا أَن يكون نَبيا وَلَكِن أَن جعل ذَلِك فِي آخر عمرك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة لنهرا مَا يدْخلهُ جِبْرِيل من دخلة فَيخرج فينتفض إِلَّا خلق الله من كل قَطْرَة تقطر ملكا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَلَاء بن هَارُون قَالَ: لجبريل فِي كل يَوْم انغماسة فِي نهر الْكَوْثَر ثمَّ ينتفض فَكل قَطْرَة يخلق مِنْهَا ملك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن جِبْرِيل ليأتيني كَمَا يَأْتِي الرجل صَاحبه فِي ثِيَاب بيض مَكْفُوفَة بِاللُّؤْلُؤِ والياقوت رَأسه كالحبك وشعره كالمرجان ولونه كالثلح أجلى الجبين براق الثنايا عَلَيْهِ وشاحان من در
منظوم وجناحاه أخضران وَرجلَاهُ مغموستان فِي الخضرة وَصورته الَّتِي صور عَلَيْهَا تملأ مَا بَين الأفقين وَقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: أشتهي أَن أَرَاك فِي صُورَتك يَا روح الله
فتحوّل لَهُ فِيهَا فسدَّ مَا بَين الأفقين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل هَل ترى رَبك قَالَ: إِن بيني وَبَينه لسَبْعين حِجَابا من نَار أَو نور لَو رَأَيْت أدناه لاحترقت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَد واه عَن أبي هرير
أنَّ رجلا من الْيَهُود أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَل احتجب الله بِشَيْء عَن خلقه غير السَّمَوَات قَالَ: نعم بَينه وَبَين الْمَلَائِكَة الَّذين حول الْعَرْش سَبْعُونَ حِجَابا من نور وَسَبْعُونَ حِجَابا من نَار وَسَبْعُونَ حِجَابا من ظلمَة وَسَبْعُونَ حِجَابا من رفارف الاستبرق وَسَبْعُونَ حِجَابا من ظلمَة وَسَبْعُونَ حِجَابا من رفاف السندس وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أَبيض وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أَخْضَر وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أَحْمَر وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أصفر وَسَبْعُونَ حِجَابا من در أَخْضَر وَسَبْعُونَ حِجَابا من ضِيَاء وَسَبْعُونَ حِجَابا من ثلج وَسَبْعُونَ حِجَابا من برد وَسَبْعُونَ حِجَابا من عَظمَة الله الَّتِي لَا تُوصَف قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن ملك الله الَّذِي يَلِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِن الْملك الَّذِي يَلِيهِ إسْرَافيل ثمَّ جِبْرِيل ثمَّ مِيكَائِيل ثمَّ ملك الْمَوْت عليهم السلام
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عمرَان الْجونِي أَنه بلغه أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يبكي فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَمَا يبكيك قَالَ: وَمَالِي لَا أبْكِي
فوَاللَّه مَا جَفتْ لي عين مُنْذُ خلق الله النَّار مَخَافَة أَن أعصيه فيقذفني فِيهَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن رَبَاح قَالَ حدثت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لجبريل: لم تأتني إِلَّا وَأَنت صَار بَين عَيْنَيْك قَالَ: إِنِّي لم أضْحك مُنْذُ خلقت النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو الشَّيْخ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لجبريل: مَالِي لم أر مِيكَائِيل ضَاحِكا قطّ قَالَ: مَا ضحك مِيكَائِيل مُنْذُ خلقت النَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ نظر الله إِلَى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وهما يَبْكِيَانِ فَقَالَ الله: مَا يبكيكما وَقد علمتما إِنِّي لَا أجور
فَقَالَا: يَا رب إِنَّا لَا نَأْمَن مكرك
قَالَ: هَكَذَا فافعلا فَإِنَّهُ لَا يَأْمَن مكري إِلَّا كل خاسر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق اللَّيْث عَن خَالِد بن سعيد قَالَ: بلغنَا أَن إسْرَافيل
يُؤذن لأهل السَّمَاء فَيُؤذن لأثنتي عشرَة سَاعَة من النَّهَار ولاثنتي عشرَة سَاعَة من اللَّيْل لكل سَاعَة تأذين يسمع تأذينه من فِي السَّمَوَات السَّبع وَمن فِي الْأَرْضين السَّبع إِلَّا الْجِنّ والإِنس ثمَّ يتَقَدَّم بهم عَظِيم الْمَلَائِكَة فَيصَلي بهم
قَالَ: وبلغنا أَن مِيكَائِيل يؤم الْمَلَائِكَة فِي الْبَيْت الْمَعْمُور
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن زيد بن رفيع قَالَ دخل على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَهُوَ يستاك فناول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جِبْرِيل السِّوَاك فَقَالَ جِبْرِيل: كبر
قَالَ جِبْرِيل: ناول مِيكَائِيل فَإِنَّهُ أكبر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْخلق أكْرم على الله عز وجل قَالَ: لَا أَدْرِي
فَجَاءَهُ جِبْرِيل عليه السلام فَقَالَ: يَا جِبْرِيل أَي الْخلق أكْرم على الله قَالَ: لَا أَدْرِي
فعرج جِبْرِيل ثمَّ هَبَط فَقَالَ: أكْرم الْخلق على الله جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واسرافيل وَملك الْمَوْت فأمَّا جِبْرِيل فَصَاحب الْحَرْب وَصَاحب الْمُرْسلين وَأما مِيكَائِيل فَصَاحب كل قَطْرَة تسْقط وكل ورقة تنيت وكل ورقة تسْقط وَأما ملك الْمَوْت فَهُوَ مُوكل بِقَبض كل روح عبد فِي بر أَو بَحر وَأما إسْرَافيل فأمين الله بَينه وَبينهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقرب الْخلق إِلَى الله جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وهم مِنْهُ مسيرَة خمسين ألف سنة جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره وإسرافيل بَينهمَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن خَالِد بن أبي عمرَان قَالَ: جِبْرِيل أَمِين الله إِلَى رسله وَمِيكَائِيل يتلَقَّى الْكتب الَّتِي تلقى من أَعمال النَّاس وإسرافيل كمنزلة الْحَاجِب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إسْرَافيل صَاحب الصُّور وَجِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره وَهُوَ بَينهمَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: إِن أدنى الْمَلَائِكَة من الله جِبْرِيل ثمَّ مِيكَائِيل فَإِذا ذكر عبدا بِأَحْسَن عمله قَالَ: فلَان بن فلَان عمل كَذَا وَكَذَا من طَاعَتي صلوَات الله عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَ مِيكَائِيل جِبْرِيل مَا أحدث رَبنَا فَيَقُول:
فلَان بن فلَان ذكر بِأَحْسَن عمله فصلى عَلَيْهِ صلوَات الله عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَ مِيكَائِيل من يرَاهُ من أهل السَّمَاء فَيَقُول: مَاذَا أحدث رَبنَا فَيَقُول: ذكر فلَان بن فلَان بِأَحْسَن عمله فصلى عَلَيْهِ صلوَات الله عَلَيْهِ فَلَا يزَال يَقع إِلَى الأَرْض
وَإِذا ذكر عبدا بِأَسْوَأ عمله قَالَ: عَبدِي فلَان بن فلَان عمل كَذَا وَكَذَا من معصيتي فلعنتي عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَ مِيكَائِيل جِبْرِيل مَاذَا أحث رَبنَا فَيَقُول: ذكر فلَان بن فلَان بِأَسْوَأ عمله فَعَلَيهِ لعنة الله فَلَا يزَال يَقع من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى يَقع إِلَى الأَرْض
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وزيراي من السَّمَاء جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَمن أهل الأَرْض أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن الله أيدني بأَرْبعَة وزراء اثْنَيْنِ من أهل السَّمَاء جِبْرِيل وَمِيكَائِيل واثنين من أهل الأَرْض أبي بكر وَعمر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أم سَلمَة
أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي السَّمَاء ملكَيْنِ أَحدهمَا يَأْمر بالشدة وَالْآخر يَأْمر باللين وكل مُصِيب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل
ونبيان أَحدهمَا يَأْمر باللين وَالْآخر يَأْمر بالشده وكل مُصِيب وَذكر إِبْرَاهِيم ونوحاً ولي صاحبان أَحدهمَا يَأْمر باللين وَالْآخر يَأْمر بالشده وكل مُصِيب وَذكر أَبَا بكر وَعمر
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ جَاءَ فِئَام النَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله زعم أَبُو بكر أَن الْحَسَنَات من الله والسيئات من الْعباد وَقَالَ عمر: الْحَسَنَات والسيئات من الله فتابع هَذَا قوم وَهَذَا قوم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لأقضين بَيْنكُمَا بِقَضَاء إسْرَافيل بَين جِبْرِيل وَمِيكَائِيل إِن مِيكَائِيل قَالَ بقول أبي بكر وَقَالَ جِبْرِيل بقول عمر
فَقَالَ جِبْرِيل لميكائيل: إِنَّا مَتى تخْتَلف أهل السَّمَاء تخْتَلف أهل الأَرْض فلنتحاكم إِلَى إسْرَافيل فتحاكما إِلَيْهِ فَقضى بَينهمَا بِحَقِيقَة الْقدر خَيره وشره وحلوه ومره كُله من الله ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا بكر إِن الله لَو أَرَادَ أَن لَا يعْصى لم يخلق إِبْلِيس
فَقَالَ أَبُو بكر: صدق الله وَرَسُوله
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي الْمليح عَن أَبِيه أَنه صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَكْعَتي
الْفجْر فصلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ خفيفتين قَالَ: فَسَمعته يَقُول: اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَمُحَمّد أعوذ بك من النَّار ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أُغمي عَلَيْهِ وَرَأسه فِي حجرها فَجعلت تمسح وَجهه وَتَدْعُو لَهُ بالشفاء فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: لَا بل أسأَل الله الرفيق الْأَعْلَى مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل عَلَيْهِم السَّلَام
قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْك آيَات بَيِّنَات وَمَا يكفر بهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ أَو كلما عَاهَدُوا عهدا نبذه فريق مِنْهُم بل أَكْثَرهم لَا يُؤمنُونَ وَلما جَاءَهُم رَسُول من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم نبذ فريق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورهمْ كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ ابْن صوريا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: يَا مُحَمَّد مَا جئتنا بِشَيْء نعرفه مَا أنزل الله عَلَيْك من آيَة بَيِّنَة فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْك آيَات بَيِّنَات وَمَا يكفر بهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} وَقَالَ مَالك بن الضَّيْف: حِين بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَذكر مَا أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق وَمَا عهد إِلَيْهِم فِي مُحَمَّد وَالله مَا عهد إِلَيْنَا فِي مُحَمَّد وَلَا أَخذ علينا ميثاقاً فَأنْزل الله تَعَالَى {أَو كلما عَاهَدُوا عهدا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْك آيَات بَيِّنَات} يَقُول: فَأَنت تتلوه عَلَيْهِم وتخبرهم بِهِ غدْوَة وَعَشِيَّة وَبَين ذَلِك
وَأَنت عِنْدهم أُمِّي لم تقْرَأ كتابا وَأَنت تخبرهم بِمَا فِي أَيْديهم على وَجهه فَفِي ذَلِك عِبْرَة لَهُم وَبَيَان وَحجَّة عَلَيْهِم لَو كَانُوا يعلمُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نبذه} قَالَ: نقضه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {نبذه فريق مِنْهُم} قَالَ: لم يكن فِي الأَرْض عهد يعاهدون إِلَيْهِ إِلَّا نقضوه ويعاهدون الْيَوْم وينقضون غَدا قَالَ: وَفِي قِرَاءَة عبد الله: نقضه فريق مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلما جَاءَهُم رَسُول من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم} الْآيَة
قَالَ: وَلما جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم عارضوه بِالتَّوْرَاةِ فاتفقت التَّوْرَاة وَالْقُرْآن فنبذوا التَّوْرَاة وَأخذُوا بِكِتَاب آصف وسحر هاروت وماروت كَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ مَا فِي التَّوْرَاة من الْأَمر بِاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وتصديقه
قَوْله تَعَالَى: وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله ويتعلمون مَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَاله فِي الْآخِرَة من خلاق ولبئس مَا شروا بِهِ أنفسهم لَو كَانُوا يعلمُونَ
أخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وصحه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الشَّيَاطِين كَانُوا يسْتَرقونَ السّمع من السَّمَاء فَإِذا سمع أحدهم بِكَلِمَة حق كذب عَلَيْهَا ألف كذبة فاشربتها قُلُوب النَّاس واتخذوها دواوين فَاطلع الله على ذَلِك سُلَيْمَان بن دَاوُد فَأَخذهَا فقذفها تَحت الْكُرْسِيّ فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان قَامَ شَيْطَان بِالطَّرِيقِ فَقَالَ: أَلا أدلكم على كنز سُلَيْمَان الَّذِي لَا كنز لأحد مثل كنزه الممنع قَالُوا: نعم
فأخرجوه فَإِذا هُوَ سحر فتناسخها الْأُمَم وَأنزل الله عذر سُلَيْمَان فِيمَا قَالُوا من السحر فَقَالَ {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان} الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ آصف كَاتب سُلَيْمَان وَكَانَ يعلم الِاسْم الْأَعْظَم وَكَانَ يكْتب كل شَيْء بِأَمْر سُلَيْمَان ويدفنه تَحت كرسيه فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَان أخرجته الشَّيَاطِين فَكَتَبُوا بَين كل سطرين سحرًا وَكفرا وَقَالُوا: هَذَا
الَّذِي كَانَ سُلَيْمَان يعْمل بِهِ فاكفره جهال النَّاس وسبوه ووقف علماؤهم فَلم يزل جهالهم يَسُبُّونَهُ حَتَّى أنزل الله على مُحَمَّد {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما ذهب ملك سُلَيْمَان ارْتَدَّ فِئَام من الْجِنّ والإِنس وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى سُلَيْمَان ملكه وَقَامَ النَّاس على الدّين ظهر على كتبهمْ فدفنها تَحت كرسيه وَتُوفِّي حدثان ذَلِك فَظهر الْجِنّ والإِنس على الْكتب بعد وَفَاة سُلَيْمَان وَقَالُوا: هَذَا كتاب من الله نزل على سُلَيْمَان أخفاه عَنَّا فَأَخَذُوهُ فجعلوه دينا فَأنْزل الله {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين} أَي الشَّهَوَات الَّتِي كَانَت الشَّيَاطِين تتلو وَهِي المعازف واللعب وكل شَيْء يصد عَن ذكر الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان إِذا أَرَادَ أَن يدْخل الْخَلَاء أَو يَأْتِي شَيْئا من شَأْنه أعْطى الجرادة وَهِي امْرَأَته خَاتمه فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يَبْتَلِي سُلَيْمَان بِالَّذِي ابتلاه بِهِ أعْطى الجرادة ذَلِك الْيَوْم خَاتمه فجَاء الشَّيْطَان فِي صُورَة سُلَيْمَان فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتمِي
فَأَخذه فلبسه فَلَمَّا لبسه دَانَتْ لَهُ الشَّيَاطِين وَالْجِنّ والإِنس فَجَاءَهَا سُلَيْمَان فَقَالَ: هَاتِي خَاتمِي
فَقَالَت: كذبت لست سُلَيْمَان
فَعرف أَنه بلَاء ابْتُلِيَ بِهِ فَانْطَلَقت الشَّيَاطِين فَكتبت فِي تِلْكَ الْأَيَّام كتبا فِيهَا سحر وَكفر ثمَّ دفنوها تَحت كرْسِي سُلَيْمَان ثمَّ أخرجوها فقرؤوها على النَّاس وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ سُلَيْمَان يغلب النَّاس بِهَذِهِ الْكتب فبرىء النَّاس من سُلَيْمَان وأكفروه حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأنزل عَلَيْهِ {وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا}
وَأخرج ابْن جرير عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: قَالَ الْيَهُود: انْظُرُوا إِلَى مُحَمَّد يخلط الْحق بِالْبَاطِلِ يذكر سُلَيْمَان مَعَ الْأَنْبِيَاء إِنَّمَا كَانَ ساحراً يركب الرّيح فَأنْزل الله {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِن الْيَهُود سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم زَمَانا عَن أُمُور من التَّوْرَاة لَا يسألونه عَن شَيْء من ذَلِك إِلَّا أنزل الله عَلَيْهِ مَا سَأَلُوا عَنهُ فيخصمهم فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَالُوا هَذَا أعلم بِمَا أنزل علينا منا وَإِنَّهُم سَأَلُوهُ عَن السحر وخاصموه بِهِ فَأنْزل الله {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين} الْآيَة
وَإِن الشَّيَاطِين عَمدُوا إِلَى كتاب فَكَتَبُوا فِيهِ السحر وَالْكهَانَة وَمَا شَاءَ الله من ذَلِك فدفنوه تَحت مجْلِس سُلَيْمَان وَكَانَ سُلَيْمَان لَا يعلم الْغَيْب فَلَمَّا فَارق سُلَيْمَان الدُّنْيَا اسْتخْرجُوا ذَلِك السحر وخدعوا بِهِ النَّاس وَقَالُوا: هَذَا علم كَانَ سُلَيْمَان يَكْتُمهُ
ويحسد النَّاس عَلَيْهِ فَأخْبرهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الحَدِيث فَرَجَعُوا من عِنْده وَقد حزنوا وأدحض الله حجتهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن خصيف قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَان إِذا نَبتَت الشَّجَرَة قَالَ: لأي دَاء أَنْت فَتَقول: لكذا وَكَذَا
فَلَمَّا نَبتَت الشَّجَرَة الخرنوبة قَالَ: لأي شَيْء أنتِ قَالَت: لمسجدك أخربه
فَلم يلبث أَن توفّي فَكتب الشَّيَاطِين كتابا فجعلومه فِي مصلى سُلَيْمَان فَقَالُوا: نَحن ندلكم على مَا كَانَ سُلَيْمَان يداوي بِهِ فَانْطَلقُوا فَاسْتَخْرَجُوا ذَلِك الْكتاب فغذا فِيهِ سحر ورقى فَأنْزل الله {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين} إِلَى قَوْله {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} وَذكر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أبي (وَمَا يُتْلَى على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر) سبع مرار فَإِن أَبى إِلَّا أَن يكفر علماه فَيخرج مِنْهُ نور حَتَّى يسطع فِي السَّمَاء قَالَ: الْمعرفَة الَّتِي كَانَ يعرف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مجلز قَالَ: أَخذ سُلَيْمَان من كل دَابَّة عهدا فَإِذا أُصِيب رجل فَيسْأَل بذلك الْعَهْد خلي عَنهُ فَرَأى النَّاس بذلك السجع وَالسحر وَقَالُوا: هَذَا كَانَ يعْمل بِهِ سُلَيْمَان
فَقَالَ الله {وَمَا كفر سُلَيْمَان} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا تتلو} قَالَ: مَا تتبع
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء فِي قَوْله {مَا تتلوا الشَّيَاطِين} قَالَ: يُرَاد مَا تحدث
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {على ملك سُلَيْمَان} يَقُول: فِي ملك سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا كفر سُلَيْمَان} يَقُول: مَا كَانَ عَن مشورته وَلَا رضَا مِنْهُ وَلكنه شَيْء افتعلته الشَّيَاطِين دونه {يعلمُونَ النَّاس السحر وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} فالسحر سحران سحر تعلمه الشَّيَاطِين وسحر يُعلمهُ هاروت وماروت
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} قَالَ: هَذَا سحر خاصموه بِهِ فَإِن كَلَام الْمَلَائِكَة فِيمَا بَينهم إِذا عَلمته الإِنس فَصنعَ وَعمل بِهِ كَانَ سحرًا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: أما السحر فَإِنَّمَا يُعلمهُ الشَّيَاطِين وَأما الَّذِي يُعلمهُ الْملكَانِ فالتفريق بَين الْمَرْء وزوجه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} قَالَ: التَّفْرِقَة بَين الْمَرْء وزوجه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} قَالَ: لم ينزل الله السحر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ فِي الْآيَة قَالَ: هما ملكان من مَلَائِكَة السَّمَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَنهُ مَرْفُوعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى
إِنَّه كَانَ يقْرؤهَا (وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ دَاوُد وَسليمَان)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك
أَنه قَرَأَ {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} وَقَالَ: هما علجان من أهل بابل
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل {بِبَابِل هاروت وماروت} يعلمَانِ النَّاس السحر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} قَالَ: مَا أنزل على جِبْرِيل وَمِيكَائِيل السحر
وَأما قَوْله تَعَالَى: {بِبَابِل} أخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ قَالَ إِن حَبِيبِي صلى الله عليه وسلم نهاني أَن أُصَلِّي بِأَرْض بابل فَإِنَّهَا ملعونة
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق نعيم بن سَالم - وَهُوَ مُتَّهم - عَن أنس بن مَالك قَالَ: لما حشر الله الْخَلَائق إِلَى بابل بعث إِلَيْهِم ريحًا شرقية وغربية وقبلية وبحرية فَجمعتهمْ إِلَى بابل فَاجْتمعُوا يَوْمئِذٍ ينظرُونَ لما حشروا لَهُ إِذْ نَادَى مُنَاد: من جعل الْمغرب عَن يَمِينه والمشرق عَن يسَاره واقتصد إِلَى الْبَيْت الْحَرَام بِوَجْهِهِ فَلهُ كَلَام أهل السَّمَاء
فَقَامَ يعرب بن قحطان فَقيل لَهُ: يَا يعرب بن قحطان بن هود أَنْت هُوَ فَكَانَ أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ فَلم يزل الْمُنَادِي يُنَادي: من فعل كَذَا وَكَذَا فَلهُ كَذَا وَكَذَا حَتَّى افْتَرَقُوا على اثْنَيْنِ وَسبعين لِسَانا وَانْقطع الصَّوْت وتبلبلت الألسن فسميت بابل وَكَانَ اللِّسَان يَوْمئِذٍ بابلياً وهبطت مَلَائِكَة الْخَيْر وَالشَّر وملائكة الْحيَاء والإِيمان وملائكة الصِّحَّة والشفاء وملائكة الْغنى وملائكة الشّرف وملائكة الْمُرُوءَة وملائكة الْجفَاء وملائكة الْجَهْل
وملائكة السَّيْف وملائكة الْبَأْس حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْعرَاق فَقَالَ بَعضهم لبَعض: افْتَرَقُوا
فَقَالَ ملك الإِيمان: أَنا أسكن الْمَدِينَة وَمَكَّة
فَقَالَ ملك الْحيَاء: أَنا أسكن مَعَك
وَقَالَ ملك الشِّفَاء: أسكن الْبَادِيَة
فَقَالَ ملك الصِّحَّة: وَأَنا مَعَك
وَقَالَ ملك الْجفَاء: وَأَنا أسكن الْمغرب
فَقَالَ ملك الْجَهْل
وَأَنا مَعَك
وَقَالَ ملك السَّيْف: أَنا أسكن الشَّام
فَقَالَ ملك الْبَأْس: وَأَنا مَعَك
وَقَالَ ملك الْغنى: أَنا أقيم هَهُنَا
فَقَالَ ملك الْمُرُوءَة: أَنا مَعَك
فَقَالَ ملك الشّرف: وَأَنا مَعَكُمَا
فَاجْتمع ملك الْغنى والمروءة والشرف بالعراق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله عز وجل خلق أَرْبَعَة أَشْيَاء وأردفها أَرْبَعَة أَشْيَاء خلق الجدب وأردفه الزّهْد وَأَسْكَنَهُ الْحجاز وَخلق الْعِفَّة وأردفها الْغَفْلَة وأسكنها الْيمن وَخلق الرزق وأردفه الطَّاعُون وَأَسْكَنَهُ الشَّام وَخلق الْفُجُور وأردفه الدِّرْهَم وَأَسْكَنَهُ الْعرَاق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى كَعْب الْأَحْبَار أَن اختر لي الْمنَازل
فَكتب إِلَيْهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه بلغنَا أَن الْأَشْيَاء اجْتمعت فَقَالَ السخاء: أُرِيد الْيمن
فَقَالَ حسن الْخلق: أَنا مَعَك
وَقَالَ الْجفَاء: أُرِيد الْحجاز
فَقَالَ الْفقر: أَنا مَعَك
قَالَ الْبَأْس: أُرِيد الشَّام
فَقَالَ السَّيْف: أَنا مَعَك
وَقَالَ الْعلم: أُرِيد الْعرَاق
فَقَالَ الْعقل: أَنا مَعَك
وَقَالَ الْغَنِيّ: أُرِيد مصر
فَقَالَ الذل: أَنا مَعَك
فاختر لنَفسك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا ورد الْكتاب على عمر قَالَ: الْعرَاق إِذن فالعراق إِذن
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حَكِيم بن جَابر قَالَ: أخْبرت أَن الإِسلام قَالَ: أَنا لَاحق بِأَرْض الشَّام
قَالَ الْمَوْت: وَأَنا مَعَك
قَالَ الْملك: وَأَنا لَاحق بِأَرْض الْعرَاق
قَالَ الْقَتْل: وَأَنا مَعَك
قَالَ الْجُوع: وَأَنا لَاحق بِأَرْض الْعَرَب
قَالَت الصِّحَّة: وَأَنا مَعَك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن دَغْفَل قَالَ: قَالَ المَال: أَنا أسكن الْعرَاق
فَقَالَ الْغدر: أَنا أسكن مَعَك
وَقَالَت الطَّاعَة: أَنا أسكن الشَّام
فَقَالَ الْجفَاء: أَنا أسكن مَعَك
وَقَالَت الْمُرُوءَة: أَنا أسكن الْحجاز
فَقَالَ: وَأَنا أسكن مَعَك
وَأما قَوْله تَعَالَى: {هاروت وماروت} قد تقدم حَدِيث ابْن عمر فِي قصَّة آدم وَبقيت آثَار أخر
أخرج سعيد وَابْن جرير والخطيب فِي تَارِيخه عَن نَافِع قَالَ: سَافَرت مَعَ ابْن عمر فَلَمَّا كَانَ من آخر اللَّيْل قَالَ: يَا نَافِع انْظُر هَل طلعت الْحَمْرَاء قلت: لَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ قلت: قد طلعت
قَالَ: لَا مرْحَبًا بهَا وَلَا أَهلا
قلت: سُبْحَانَ الله
نجم مسخر سامع مُطِيع قَالَ: مَا قلت لَك إِلَّا مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْمَلَائِكَة قَالَت: يَا رب كَيفَ صبرك على بني آدم فِي الْخَطَايَا والذنُوب قَالَ: إِنِّي ابتليتهم وعافيتكم
قَالُوا: لَو كُنَّا مكانهم مَا عصيناك
قَالَ: فَاخْتَارُوا ملكَيْنِ مِنْكُم فَلم يألوا جهداً أَن يختاروا فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فَنزلَا فَألْقى الله عَلَيْهِم الشبق
قلت: وَمَا الشبق قَالَ: الشَّهْوَة
فَجَاءَت امْرَأَة يُقَال لَهَا الزهرة فَوَقَعت فِي قلوبهما فَجعل كل وَاحِد مِنْهُمَا يخفي عَن صَاحبه مَا فِي نَفسه ثمَّ قَالَ أَحدهمَا للْآخر: هَل وَقع فِي نَفسك مَا وَقع فِي قلبِي قَالَ: نعم فطلباها لأنفسهما فَقَالَت: لَا أمكنكما حَتَّى تعلماني الِاسْم الَّذِي تعرجان بِهِ إِلَى السَّمَاء وتهبطان بِهِ فأبيا ثمَّ سألاها أَيْضا فَأَبت ففعلا فَلَمَّا استطيرت طمسها الله كوكباً وَقطع أجنحتهما ثمَّ سَأَلَا التَّوْبَة من ربهما فخيرهما فَقَالَ: إِن شئتما رددتكما إِلَى مَا كنتما عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عذبتكما وَإِن شئتما عذبتكما فِي الدُّنْيَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رددتكما إِلَى مَا كنتما عَلَيْهِ
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: إِن عَذَاب الدُّنْيَا يَنْقَطِع وَيَزُول فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا على عَذَاب الْآخِرَة
فَأوحى الله إِلَيْهِمَا: أَن ائتيا بابل
فَانْطَلقَا إِلَى بابل فَخسفَ بهما فهما منكوسان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض معذبان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عنمجاهد قَالَ: كنت مَعَ ابْن عمر فِي سفر فَقَالَ لي: ارمق الْكَوْكَب فَإِذا طلعت أيقظني فَلَمَّا طلعت أيقظته فَاسْتَوَى جَالِسا فَجعل ينظر إِلَيْهَا ويسبها سباً شَدِيدا فَقلت: يَرْحَمك الله أَبَا عبد الرَّحْمَن نجم سَاطِع مُطِيع مَاله تسبه فَقَالَ: أما أَن هَذِه كَانَت بغيا فِي بني إِسْرَائِيل فلقي الْملكَانِ مِنْهَا مَا لقيا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق مُوسَى بن جُبَير عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أشرفت الْمَلَائِكَة على الدُّنْيَا فرأت بني آدم يعصون فَقَالَت: يَا رب مَا أَجْهَل هَؤُلَاءِ مَا أقل معرفَة هَؤُلَاءِ بعظمتك
فَقَالَ الله: لَو كُنْتُم فِي مسالخهم لعصيتموني
قَالُوا: كَيفَ يكون هَذَا وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ: فَاخْتَارُوا مِنْكُم ملكَيْنِ فَاخْتَارُوا هاروت وماروت ثمَّ أهبطا إِلَى الأَرْض وَركبت فيهمَا شهوات مثل بني آدم ومثلت لَهما امْرَأَة فَمَا عصما حَتَّى وَاقعا الْمعْصِيَة فَقَالَ الله: اختارا عَذَاب الدُّنْيَا أَو عَذَاب الْآخِرَة فَنظر أَحدهمَا إِلَى صَاحبه قَالَ: مَا تَقول فاختر قَالَ: أَقُول أَن عَذَاب الدُّنْيَا يَنْقَطِع وَأَن عَذَاب الْآخِرَة لَا يَنْقَطِع فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا فهما اللَّذَان ذكر الله فِي كِتَابه {وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ} الْآيَة
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْعُقُوبَات وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِن هَذِه الزهرة تسميها الْعَرَب الزهرة والعجم أناهيذ وَكَانَ الْملكَانِ يحكمان بَين النَّاس فأتتهما فأرادها كل وَاحِد عَن غير علم صَاحبه فَقَالَ أَحدهمَا: يَا أخي إِن فِي نَفسِي بعض الْأَمر أُرِيد أَن أذكرهُ لَك
قَالَ: اذكره لَعَلَّ الَّذِي فِي نَفسِي مثل الَّذِي فِي نَفسك فاتفقا على أَمر فِي ذَلِك
فَقَالَت الْمَرْأَة: أَلا تخبراني بِمَا تصعدان بِهِ إِلَى السَّمَاء وَبِمَا تهبطان بِهِ إِلَى الأَرْض فَقَالَا: باسم الله الْأَعْظَم
قَالَت: مَا أَنا بمؤاتيتكما حَتَّى تعلمانيه
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: علمهَا إِيَّاه
فَقَالَ: كَيفَ لنا بِشدَّة عَذَاب الله قَالَ الآخر: إِنَّا نرجو سَعَة رَحْمَة الله فعلمها إِيَّاه فتكلمت بِهِ فطارت إِلَى السَّمَاء فَفَزعَ ملك فِي السَّمَاء لصعودها فطأطأ رَأسه فَلم يجلس بعد ومسخها الله كوكبا
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الزهرة فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي فتنت الْملكَيْنِ هاروت وماروت
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الْعَبَّاس قَالَ: كَانَت الزهرة امْرَأَة فِي قَومهَا يُقَال لَهَا فِي قَومهَا بيذخت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الْمَرْأَة الَّتِي فتن بهَا الْملكَانِ مسخت فَهِيَ هَذِه الكوكبة الْحَمْرَاء يَعْنِي الزهرة
وَأخرج موحد بن عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن كَعْب قَالَ: ذكرت
الْمَلَائِكَة أَعمال بني آدم وَمَا يأْتونَ من الذُّنُوب فَقيل: لَو كُنْتُم مكانهم لأتيتم مثل الَّذِي يأْتونَ فَاخْتَارُوا مِنْكُم اثْنَيْنِ فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فَقيل لَهما: إِنِّي أرسل إِلَى بني آدم رسلًا فَلَيْسَ بيني وبينكما رَسُول أنزلكما لَا تُشركا بِي شَيْئا وَلَا تزنيا وَلَا تشربا الْخمر قَالَ كَعْب: فوَاللَّه مَا أمسيا من يومهما الَّذِي أهبطا فِيهِ حَتَّى استكملا جَمِيع مَا نهيا عَنهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يَقُول: أطلعت الْحَمْرَاء بعد فَإِذا رَآهَا قَالَ: لَا مرْحَبًا
ثمَّ قَالَ: إِن ملكَيْنِ من الْمَلَائِكَة هاروت وماروت سَأَلَا الله أَن يهبطا إِلَى الأَرْض فأهبطا إِلَى الأَرْض فَكَانَا يقضيان بَين النَّاس فَإِذا أمسيا تكلما بِكَلِمَات فعرجا بهَا إِلَى السَّمَاء فقيض الله لَهما امْرَأَة من أحسن النَّاس وألقيت عَلَيْهِمَا الشَّهْوَة فَجعلَا يؤخرانها وألقيت فِي نفسيهما فَلم يَزَالَا يفْعَلَانِ حَتَّى وعدتهما ميعاداً فأتتهما لِلْمِيعَادِ فَقَالَت: كلماني الْكَلِمَة الَّتِي تعرجان بهَا فعلماها الْكَلِمَة فتكلمت بهَا فعرجت إِلَى السَّمَاء فمسخت فَجعلت كَمَا ترَوْنَ فَلَمَّا أمسيا تكلما بِالْكَلِمَةِ فَلم يعرجا فَبعث إِلَيْهِمَا إِن شئتما فعذاب الْآخِرَة وَإِن شئتما فعذاب الدُّنْيَا إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: بل نَخْتَار عَذَاب الدُّنْيَا ألف ألف ضعف فهما يعذبان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كنت نازلا عِنْد عبد الله بن عمر فِي سفر فَلَمَّا كَانَ ذَات لَيْلَة قَالَ لغلامه: انْظُر طلعت الْحَمْرَاء لَا مرْحَبًا بهَا وَلَا أَهلا وَلَا حياها الله هِيَ صَاحِبَة الْملكَيْنِ قَالَت الْمَلَائِكَة: كَيفَ تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدَّم الْحَرَام وينتهكون محارمك ويفسدون فِي الأَرْض قَالَ: إِنِّي قد ابتليتهم فَلَعَلَّ أَن أبتليكم بِمثل الَّذِي ابتليتهم بِهِ فَعلْتُمْ كَالَّذي يَفْعَلُونَ
قَالُوا: لَا
قَالَ: فَاخْتَارُوا من خياركم اثْنَيْنِ
فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فَقَالَ لَهما: إِنِّي مهبطكما إِلَى الأَرْض ومعاهد إلَيْكُمَا أَن لَا تشركا وَلَا تزنيا وَلَا تخونا
فأهبطا إِلَى الأَرْض وَألقى عَلَيْهِمَا الشبق وأهبطت لَهما الزهرة فِي أحسن صُورَة امْرَأَة فتعرضت لَهما فأراداها عَن نَفسهَا فَقَالَت: إِنِّي على دين لَا يصلح لأحد أَن يأتيني إِلَّا من كَانَ على مثله
قَالَا: وَمَا دينك قَالَت: الْمَجُوسِيَّة
قَالَا: أنشرك هَذَا شَيْء لَا نقر بِهِ
فَمَكثت عَنْهُمَا مَا شَاءَ الله ثمَّ تعرضت لَهما فأراداها عَن نَفسهَا فَقَالَت: مَا شئتما غير أَن لي زوجا وَأَنا أكره أَن يطلع على هَذَا مني فافتضح وَإِن أقررتما لي بديني
وشرطتما أَن تصعدا بِي إِلَى السَّمَاء فعلت
فأقرا لَهَا بدينها وأتياها فِيمَا يريان ثمَّ صعدا بهَا إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا انتهيا إِلَى السَّمَاء اختطفت مِنْهُمَا وَقطعت أجنحتهما فوقعا خَائِفين نادمين يَبْكِيَانِ
وَفِي الأَرْض نَبِي يَدْعُو بَين الجمعتين فَإِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة أُجِيب فَقَالَا: لَو أَتَيْنَا فلَانا فَسَأَلْنَاهُ يطْلب لنا التَّوْبَة
فَأتيَاهُ فَقَالَ: رحمكما الله كَيفَ تطلب أهل الأَرْض لأهل السَّمَاء قَالَا: إِمَّا ابتلينا
قَالَ: ائتياني يَوْم الْجُمُعَة فَأتيَاهُ فَقَالَ: مَا أجبْت فيكما بِشَيْء ائتياني فِي الْجُمُعَة الثَّانِيَة فَأتيَاهُ فَقَالَ: اختارا فقد خيرتما إِن أحببتما معافاة الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة وَإِن أحببتما فعذاب الدُّنْيَا وأنتما يَوْم الْقِيَامَة على حكم الله
فَقَالَ أَحدهمَا: الدُّنْيَا لم يمض مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل وَقَالَ الآخر: وَيحك
إِنِّي قد أطعتك فِي الأول فأطعني الْآن وَإِن عذَابا يفنى لَيْسَ كعذاب يبْقى
قَالَ: إننا يَوْم الْقِيَامَة على حكم الله فَأَخَاف أَن يعذبنا
قَالَ: لَا إِنِّي أَرْجُو أَن علم الله أَنا قد اخترنا عَذَاب الدُّنْيَا مَخَافَة عَذَاب الْآخِرَة لَا يجمعهما الله علينا
قَالَ فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا فَجعلَا فِي بكرات من حَدِيد فِي قليب مَمْلُوءَة من نَار أعاليهما أسافلهما قَالَ ابْن كثير: إِسْنَاده يَد وَهُوَ أثبت وَأَصَح إِسْنَادًا من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح عَن نَافِع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما وَقع النَّاس من بني آدم فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ من الْمعاصِي وَالْكفْر بِاللَّه قَالَت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء: رب هَذَا الْعَالم الَّذِي إِنَّمَا خلقتهمْ لعبادتك وطاعتك وَقد وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ وركبوا الْكفْر وَقتل النَّفس وَأكل مَال الْحَرَام وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر فَجعلُوا يدعونَ عَلَيْهِم وَلَا يعذرنهم
فَقيل: إِنَّهُم فِي غيب فَلم يعذروهم
فَقيل لَهُم: اخْتَارُوا مِنْكُم من أفضلكم ملكي آمرهما وأنهاهما فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فأهبطا إِلَى الأَرْض وَجعل لَهما شهوات بني آدم وَأَمرهمَا أَن يعبداه وَلَا يشركا بِهِ شَيْئا ونهاهما عَن قتل النَّفس الْحَرَام وَأكل مَال الْحَرَام وَعَن الزِّنَا وَشرب الْخمر فلبثا فِي الأَرْض زَمَانا يحكمان بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَذَلِكَ فِي زمَان إِدْرِيس وَفِي ذَلِك الزَّمَان امْرَأَة حسنها فِي النِّسَاء كحسن الزهرة فِي سَائِر الْكَوَاكِب
وإنهما أَتَيَا عَلَيْهَا فخضعا لَهَا فِي القَوْل وأراداها عَن نَفسهَا فَأَبت إِلَّا أَن يَكُونَا على أمرهَا ودينها فَسَأَلَاهَا عَن دينهَا فأخرجت لَهما صنماً فَقَالَت: هَذَا أعبده
فَقَالَا: لَا حَاجَة لنا فِي عبَادَة هَذَا
فذهبا فغبرا مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَيَا عَلَيْهَا فأراداها عَن نَفسهَا فَفعلت مثل ذَلِك فذهبا ثمَّ أَتَيَا فأراداها عَن نَفسهَا فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُمَا أَبَيَا أَن يعبدا الصَّنَم قَالَ لَهما: اختارا أحد الْخلال الثَّلَاث
إِمَّا أَن تعبدا هَذَا الصَّنَم أَو أَن تقتلا هَذَا النَّفس ووإما أَن تشربا هَذَا الْخمر فَقَالَا: كل هَذَا لَا يَنْبَغِي وأهون الثَّلَاثَة شرب الْخمر
فَأخذت مِنْهُمَا فواقعا الْمَرْأَة فخشيا أَن يخبر الإِنسان عَنْهُمَا فقتلاه فَلَمَّا ذهب عَنْهُمَا السكر وعلما مَا وَقعا فِيهِ من الْخَطِيئَة أَرَادَ أَن يصعد إِلَى السَّمَاء فَلم يستطيعا وحيل بَينهمَا وَبَين ذَلِك وكشف الغطاء فِيمَا بَينهمَا وَبَين أهل السَّمَاء فَنَظَرت الْمَلَائِكَة إِلَى مَا وَقعا فِيهِ فعجبوا كل الْعجب وَعرفُوا أَنه من كَانَ فِي غيب فَهُوَ أقل خشيَة فَجعلُوا بعد ذَلِك يَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض فَنزل فِي ذَلِك (وَالْمَلَائِكَة يسبحون بِحَمْد رَبهم وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض)(الشورى الْآيَة 5)
فَقيل لَهما: اختارا عَذَاب الدُّنْيَا أَو عَذَاب الْآخِرَة فَقَالَا: أما عَذَاب الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَنْقَطِع وَيذْهب وَأما عَذَاب الْآخِرَة فَلَا انْقِطَاع لَهُ فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا فَجعلَا بِبَابِل فهما يعذبان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أهل سَمَاء الدُّنْيَا أشرفوا على أهل الأَرْض فرأوهم يعْملُونَ بِالْمَعَاصِي فَقَالُوا: يَا رب أهل الأَرْض يعْملُونَ بِالْمَعَاصِي فَقَالَ الله: أَنْتُم معي وهم غُيُبٌ عني
فَقيل لَهُم: اخْتَارُوا مِنْكُم ثَلَاثَة: فَاخْتَارُوا مِنْهُم ثَلَاثَة على أَن يهبطوا إِلَى الأَرْض يحكمون بَين أهل الأَرْض وَجعل فيهم شَهْوَة الْآدَمِيّين - فَأمروا أَن لَا يشْربُوا خمرًا وَلَا يقتلُون نفسا وَلَا يزنوا وَلَا يسجدوا لوثن
فاستقال مِنْهُم وَاحِد فأقيل فاهبط اثْنَان إِلَى الأَرْض فأتتهما امْرَأَة من أحسن النَّاس يُقَال لَهَا أناهيلة فهوياها جَمِيعًا ثمَّ أَتَيَا منزلهَا فاجتمعا عِنْدهَا فأراداها فَقَالَت لَهما: لَا حَتَّى تشربا خمري وتقتلا ابْن جاري وتسجدوا لوثني
فَقَالَا: لَا نسجد
ثمَّ شربا من الْخمر ثمَّ قتلا ثمَّ سجدا فَأَشْرَف أهل السَّمَاء عَلَيْهِمَا وَقَالَت لَهما: أخبراني بِالْكَلِمَةِ الَّتِي إِذا قلتماها طرتما فأخبراها فطارت فمسخت جَمْرَة وَهِي هَذِه الزهرة وَأما هما فَأرْسل إِلَيْهِمَا سُلَيْمَان بن دَاوُد فخيرهما بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا فهما مناطان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس قَالَا: لما كثر بَنو آدم وعصوا دعت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم وَالْأَرْض وَالْجِبَال: رَبنَا لَا تمهلهم
فَأوحى الله إِلَى الْمَلَائِكَة: إِنِّي أزلت الشَّهْوَة والشيطان من قُلُوبكُمْ وَلَو تركتكم لفعلتم أَيْضا
قَالَ: فَحَدثُوا أنفسهم أَن لَو ابتلوا لعصموا فَأوحى اله إِلَيْهِم: أَن اخْتَارُوا ملكَيْنِ من أفضلكم
فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فأهبطا إِلَى الأَرْض وأنزلت الزهرة إِلَيْهِمَا فِي صُورَة امْرَأَة من أهل فَارس يمونها بيدخت
قَالَ: فواقعاها بالخطيئة فَكَانَت الْمَلَائِكَة يَسْتَغْفِرُونَ للَّذين آمنُوا فَلَمَّا وَقعا بالخطيئة اسْتَغْفرُوا لمن فِي الأَرْض فخيرا بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله فِي هَذِه الْآيَة
كَانَا ملكَيْنِ من الْمَلَائِكَة فاهبطا ليحكما بَين النَّاس وَذَلِكَ أَن الْمَلَائِكَة سخروا من حكام بني آدم فحاكمت إِلَيْهِمَا امْرَأَة فخافا لَهَا ثمَّ ذَهَبا يصعدان فحيل بَينهمَا وَبَين ذَلِك وَخيرا بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن خصيف قَالَ: كنت مَعَ مُجَاهِد فَمر بِنَا رجل من قُرَيْش فَقَالَ لَهُ مُجَاهِد: حَدثنَا مَا سَمِعت من أَبِيك قَالَ: حَدثنِي أبي: أَن الْمَلَائِكَة حِين جعلُوا ينظرُونَ إِلَى أَعمال بني آدم وَمَا يركبون من الْمعاصِي الخبيثة وَلَيْسَ يستر النَّاس من الْمَلَائِكَة شَيْء فَجعل بَعضهم يَقُول لبَعض: انْظُرُوا إِلَى بني آدم كَيفَ يعْملُونَ كَذَا وَكَذَا مَا أجرأهم على الله يعيبونهم بذلك فَقَالَ الله لَهُم: لقد سَمِعت الَّذِي تَقولُونَ فِي بني آدم فَاخْتَارُوا مِنْكُم ملكَيْنِ أهبطهما إِلَى الأَرْض وَاجعَل فيهمَا شَهْوَة بني آدم فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فَقَالُوا: يَا رب لَيْسَ فِينَا مثلهمَا
فأهبطا إِلَى الأَرْض وَجعلت فيهمَا شَهْوَة بني آدم ومثلت لَهما الزهرة فِي صُورَة امْرَأَة فَلَمَّا نظرا إِلَيْهَا لم يتمالكا أَن تناولا مَا الله أعلم بِهِ وَأخذت الشَّهْوَة بأسماعهما وأبصارهما فَلَمَّا أَرَادَا أَن يطيرا إِلَى السَّمَاء لم يستطيعا فأتاهما ملك فَقَالَ: إنَّكُمَا قد فعلتما مَا فعلتما فاختاراعذاب الدُّنْيَا أَو عَذَاب الْآخِرَة
فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: مَاذَا ترى قَالَ: أرى أَن أعذب فِي الدُّنْيَا ثمَّ أعذب أحبّ إليّ من أَن أعذب سَاعَة وَاحِدَة فِي الْآخِرَة فهما معلقان منكسان فِي السلَاسِل وَجعلا فتْنَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله أفرج السَّمَاء إِلَى مَلَائكَته ينظرُونَ إِلَى أَعمال بني آدم فَلَمَّا أبصروهم يعْملُونَ بالخطايا قَالُوا: يَا رب هَؤُلَاءِ بَنو آدم الَّذِي خلقت بِيَدِك وأسجدت لَهُ ملائكتك وعلمته أَسمَاء كل شَيْء يعْملُونَ بالخطايا
قَالَ: أما إِنَّكُم لَو كُنْتُم مكانهم لعملتم مثل أَعْمَالهم
قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا فأمِروا أَن يختاروا من يهْبط إِلَى الأَرْض فَاخْتَارُوا هاروت وماروت وأهبطا إِلَى الأَرْض وَأحل لَهما مَا فِيهَا من شَيْء غير أَنَّهُمَا لَا يشركا بِاللَّه شَيْئا وَلَا يسرقا وَلَا يزنيا وَلَا يشربا الْخمر وَلَا يقتلا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ فَعرض لَهما امْرَأَة قد قسم لَهَا نصف الْحسن يُقَال لَهَا بيذخت فَلَمَّا أبصراها أراداها قَالَت: لَا إِلَّا أَن تشركا بِاللَّه وتشربا الْخمر وتقتلا النَّفس وتسجدا لهَذَا الصَّنَم
فَقَالَا: مَا كُنَّا نشْرك بِاللَّه شَيْئا فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: ارْجع إِلَيْهَا
فَقَالَت: لَا إِلَّا أَن تشربا الْخمر فشربا حَتَّى ثملا وَدخل عَلَيْهِمَا سَائل فقتلاه فَلَمَّا وَقعا فِيمَا وَقعا فِيهِ أفرج الله السَّمَاء لملائكته فَقَالُوا: سُبْحَانَكَ
أَنْت أعلم
فَأوحى الله إِلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد أَن يخيرهما بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا فكبلا من أكعبهما إِلَى أعناقهما بِمثل أَعْنَاق البخت وَجعلا بِبَابِل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم احْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَسحر من هاروت وماروت
وَأخرج الْخَطِيب فِي رِوَايَة مَالك عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أخي عِيسَى: معاشر الحواريين احْذَرُوا الدُّنْيَا لَا تسحركم لهي وَالله أَشد سحرًا من هاروت وماروت وَاعْلَمُوا أَن الدُّنْيَا مُدبرَة وَالْآخِرَة مقبلة وَإِن لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا بَنِينَ فكونوا من أَبنَاء الْآخِرَة دون بني الدُّنْيَا فاليوم عمل وَلَا حِسَاب وَغدا الْحساب وَلَا عمل
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الله بن بسر الْمَازِني قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اتَّقوا الدُّنْيَا فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنَّهَا لأسحر من هاروت وماروت
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: لما وَقع النَّاس من بني آدم فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ من الْمعاصِي وَالْكفْر بِاللَّه قَالَت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء: أَي رب هَذَا الْعَالم إِنَّمَا خلقتهمْ لعبادتك وطاعتك وَقد ركبُوا الْكفْر وَقتل النَّفس الْحَرَام وَأكل المَال الْحَرَام
وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَشرب الْخمر فَجعلُوا يدعونَ عَلَيْهِم وَلَا يعذرونهم
فَقيل لَهُم: إِنَّهُم فِي غيب فَلم يعذروهم فَقيل لَهُم: اخْتَارُوا مِنْكُم ملكَيْنِ آمرهما بأَمْري وأنهاهما عَن معصيتي
فَاخْتَارُوا هاروت وماروت فأهبطا إِلَى الأَرْض وَجعل بهما شهوات بني إِسْرَائِيل وأمرا أَن يعبدا الله وَلَا يشركا بِهِ شَيْئا ونهيا عَن قتل النَّفس الْحَرَام وَأكل المَال الْحَرَام وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا وَشرب الْخمر فلبثا على ذَلِك فِي الأَرْض زَمَانا يحكمان بَين النَّاس بِالْحَقِّ وَذَلِكَ فِي زمَان إِدْرِيس
وَفِي ذَلِك الزَّمَان امْرَأَة حسنها فِي سَائِر النَّاس كحسن الزهرة فِي سَائِر الْكَوَاكِب وَإِنَّهَا أَبَت عَلَيْهِمَا فخضعا لَهَا بالْقَوْل وأراداها على نَفسهَا وَإِنَّهَا أَبَت إِلَّا أَن يَكُونَا على أمرهَا ودينها وإنهما سألاها عَن دينهَا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ فأخرجت لَهما صنماً فَقَالَت: هَذَا أعبده
فَقَالَا: لَا حَاجَة لنا فِي عبَادَة هَذَا فذهبا فصبرا مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَيَا عَلَيْهَا فخضعا لَهَا مَا شَاءَ الله بالْقَوْل وأراداها على نَفسهَا فَقَالَت: لَا إِلَّا أَن تَكُونَا على مَا أَنا عَلَيْهِ
فَقَالَا: لَا حَاجَة لنا فِي عبَادَة هَذَا
فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُمَا قد أَبَيَا أَن يعبدا الصَّنَم قَالَت لَهما: اختارا إِحْدَى الْخلال الثَّلَاث
إِمَّا أَن تعبدا الصَّنَم أَو تقتلا النَّفس أَو تشربا الْخمر فَقَالَا: كل هَذَا لَا يَنْبَغِي وأهون الثَّلَاثَة شرب الْخمر
وسقتهما الْخمر حَتَّى إِذا أخذت الْخمْرَة فيهمَا وَقعا بهَا فَمر إِنْسَان وهما فِي ذَلِك فخشيا أَن يفشي عَلَيْهِمَا فقتلاه
فَلَمَّا أَن ذهب عَنْهُمَا السكر عرفا مَا قد وَقعا فِيهِ من الْخَطِيئَة وأرادا أَن يصعدا إِلَى السَّمَاء فَلم يستطيعا وكشف الغطاء فِيمَا بَينهمَا وَبَين أهل السَّمَاء فَنَظَرت الْمَلَائِكَة إِلَى مَا قد وَقعا فِيهِ من الذُّنُوب وَعرفُوا أَنه من كَانَ فِي غيب فَهُوَ أقل خشيَة فَجعلُوا بعد ذَلِك يَسْتَغْفِرُونَ لمن فِي الأَرْض فَلَمَّا وَقعا فِيمَا وَقعا فِيهِ من الْخَطِيئَة قيل لَهما: اختارا عَذَاب الدُّنْيَا أَو عَذَاب اللآخرة فَقَالَا: أما عَذَاب الدُّنْيَا فَيَنْقَطِع وَيذْهب وَأما عَذَاب الْآخِرَة فَلَا انْقِطَاع لَهُ فاختارا عَذَاب الْآخِرَة فَجعلَا بِبَابِل فهما يعذبان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن هاروت وماروت أهبطا إِلَى الأَرْض فَإِذا أتاهما الْآتِي يُرِيد السحر نهياه أَشد النَّهْي وَقَالا لَهُ: إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر
وَذَلِكَ أَنَّهُمَا علما الْخَيْر وَالشَّر وَالْكفْر والإِيمان فعرفا أَن السحر من الْكفْر فَإِذا أَبى عَلَيْهِمَا أمراه أَن يَأْتِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَإِذا أَتَاهُ عاين الشَّيْطَان فَعلمه فَإِن تعلمه خرج مِنْهُ النُّور فَينْظر إِلَيْهِ ساطعاً فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة أَنا قَالَت: قدمت على امْرَأَة من أهل دومة الجندل تبتغي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد مَوته حَدَاثَة ذَلِك تسأله عَن شَيْء دخلت فِيهِ من أَمر السحر وَلم تعْمل بِهِ
قَالَت: كَانَ لي زوج غَابَ عني فَدخلت على عَجُوز فشكوت إِلَيْهَا فَقَالَت: إِن فعلت مَا آمُرك فأجعله يَأْتِيك فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل جَاءَتْنِي بكلبين أسودين فركبت أَحدهمَا وَركبت الآخر فَلم يكن كشيء حَتَّى وقفنا بِبَابِل فَإِذا أَنا برجلَيْن معلقين بِأَرْجُلِهِمَا فَقَالَا: مَا جَاءَ بك فَقلت: أتعلم السحر
فَقَالَا: إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفري وارجعي
فأبيت وَقلت: لَا
قَالَا: فاذهبي إِلَى ذَلِك التَّنور فبولي بِهِ ثمَّ ائتي فَذَهَبت فاقشعر جلدي وَخفت ثمَّ رجعت إِلَيْهِمَا فَقلت: قد فعلت
فَقَالَا: مَا رَأَيْت فَقلت: لم أر شَيْئا
فَقَالَا: كذبت لم تفعلي ارجعي إِلَى بلادك وَلَا تكفري فَإنَّك على رَأس أَمرك فأبيت
فَقَالَا اذهبي إِلَى ذَلِك التَّنور فبولي بِهِ وَذَهَبت فبلت فِيهِ فَرَأَيْت فَارِسًا مقنعا بحديد خرج مني حَتَّى ذهب فِي السَّمَاء وَغَابَ عني حَتَّى مَا أرَاهُ وجئتهما فَقلت: قد فعلت
فَقَالَا: فَمَا رَأَيْت فَقلت: رَأَيْت فَارِسًا مقنعا خرج مني فَذهب فِي السَّمَاء حَتَّى مَا أرَاهُ
قَالَا: صدقت ذَلِك إيمانك خرج مِنْك اذهبي
فَقلت للْمَرْأَة: وَالله مَا أعلم شَيْئا وَلَا قَالَا لي شَيْئا
فَقَالَت: لَا لم تريدي شَيْئا إِلَّا كَانَ خذي هَذَا الْقَمْح فابذري فبذرت وَقلت اطلعِي فاطلعت قلت احقلي فاحقلت ثمَّ قلت افركي فأفركت ثمَّ قلت ايبسي فأيبست ثمَّ قلت اطحني فأطحنت ثمَّ قلت اخبزي فأخبزت فَلَمَّا رَأَيْت أَنِّي لَا أُرِيد شَيْئا إِلَّا كَانَ سقط فِي يَدي وندمت وَالله يَا أم الْمُؤمنِينَ مَا فعلت شَيْئا وَلَا أَفعلهُ أبدا فَسَأَلت رَسُول أَصْحَاب الله صلى الله عليه وسلم وهم يَوْمئِذٍ متوافرون فَمَا دروا مَا يَقُولُونَ لَهَا وَكلهمْ خَافَ أَن يفتيها بِمَا لَا يُعلمهُ إِلَّا أَنه قد قَالَ لَهَا ابْن عَبَّاس أَو بعض من كَانَ عِنْده لَو كَانَ أَبَوَاك حيين أَو أَحدهمَا لكانا يكفيانك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن هَارُون بن ربَاب قَالَ: دخلت على عبد الْملك بن مَرْوَان وَعِنْده رجل قد ثنيت لَهُ وسَادَة وَهُوَ متكىء عَلَيْهَا فَقَالُوا هَذَا قد لَقِي هاروت وماروت
فَقلت: هَذَا
قَالُوا: نعم
فَقلت حَدثنَا رَحِمك الله
فأنشلأ يحدث فَلم يَتَمَالَك من الدُّمُوع فَقَالَ: كنت غُلَاما حَدثا وَلم أدْرك أبي وَكَانَت
أُمِّي تُعْطِينِي من المَال حَاجَتي فأنفقه وأفسده وأبذره وَلَا تَسْأَلنِي أُمِّي عَنهُ فَلَمَّا طَال ذَلِك وَكَبرت أَحْبَبْت أَن أعلم من أَيْن لأمي هَذِه الْأَمْوَال فَقلت لَهَا يَوْمًا: من أَيْن لَك هَذِه الْأَمْوَال فَقَالَت: يَا بني كل وتنعم وَلَا تسْأَل فَهُوَ خير لَك فأححت عَلَيْهَا فَقَالَت: إِن أَبَاك كَانَ ساحراً فَلم أزل أسألها وألح فأدخلتني بَيْتا فِيهِ أَمْوَال كَثِيرَة فَقَالَت: يَا بني هَذَا كُله لَك فَكل وتنعم وَلَا تسْأَل عَنهُ
فَقلت: لَا بُد من أَن أعلم من أَيْن هَذَا
قَالَ: فَقَالَت: يَا بني كل وتنعم وَلَا تسْأَل فَهُوَ خير لَك
قَالَ: فألححت عَلَيْهَا فَقَالَت: إِن أَبَاك كَانَ ساحراً وَجمع هَذِه الْأَمْوَال من السحر
قَالَ: فَأكلت مَا أكلت وَمضى مَا مضى ثمَّ تفكرت قلت: يُوشك أَن يذهب هَذَا المَال ويفنى فَيَنْبَغِي أَن أتعلم السحر فأجمع كَمَا جمع أبي فَقلت لأمي: من كَانَ خَاصَّة أبي وَصديقه من أهل الأَرْض قَالَت: فلَان لرجل فِي مكانٍ مَا
فتجهزت فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ: من الرجل قلت: فلَان بن فلَان صديقك
قَالَ: نعم مرْحَبًا مَا جَاءَ بك فقد ترك أَبوك من المَال مَا لَا يحْتَاج إِلَى أحد قَالَ: فَقلت: جِئْت لأتعلم السحر
قَالَ: يَا بني لَا تريده لَا خير فِيهِ
قلت: لابد من أَن أتعلمه
قَالَ: فناشدني وألح عَليّ أَن لَا أطلبه وَلَا أريده
فَقلت: لَا بُد من أَن أتعلمه
قَالَ: أما إِذا أَبيت فَاذْهَبْ فَإِذا كَانَ يَوْم كَذَا وَكَذَا فوافن هَهُنَا
قَالَ: فَفعلت فوافيته قَالَ: فَأخذ يناشدني أَيْضا وينهاني وَيَقُول: لَا تُرِيدُ السحر لَا خير فِيهِ
فأبيت عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي قد أَبيت قَالَ: فَإِنِّي أدْخلك موضعا فإياك أَن تذكر الله فِيهِ
قَالَ: فَأَدْخلنِي فِي سرب تَحت الأَرْض
قَالَ: فَجعلت أَدخل ثلثمِائة وَكَذَا مرقاة وَلَا أنكر من ضوء النَّهَار شَيْئا قَالَ: فَلَمَّا بلغت أَسْفَله إِذا أَنا بهاروت وماروت معلقان بالسلاسل فِي الْهَوَاء قَالَ: فَإِذا أعينهما كالترسة ورؤوسهما ذكر شَيْئا لَا أحفظه وَلَهُمَا أَجْنِحَة فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِمَا قلت: لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: فضربا بأجنحتهما ضربا شَدِيدا وصاحا صياحاً شَدِيدا سَاعَة ثمَّ سكتا ثمَّ قلت: أَيْضا لَا إِلَه إِلَّا الله ففعلا مثل ذَلِك ثمَّ قلت الثَّالِثَة ففعلا مثل ذَلِك أَيْضا ثمَّ سكتا وَسكت فَنَظَرا إِلَيّ فَقَالَا لي: آدَمِيّ
فَقلت: نعم
قَالَ: قلت مَا بالكما حِين ذكرت الله فعلتما مَا فعلتما
قَالَا: إِن ذَلِك اسْم لم نَسْمَعهُ من حِين خرجنَا من تَحت الْعَرْش
قَالَا: من أمة من قلت: من أمة مُحَمَّد
قَالَا: أَو قد بعث قلت: نعم
قَالَا: اجْتمع النَّاس على رجل وَاحِد أَو هم مُخْتَلفُونَ قلت: قد اجْتَمعُوا على رجل وَاحِد
قَالَ: فساءهما ذَلِك فَقَالَا: كَيفَ ذَات بَينهم قلت سِّيىء
فسرهما ذَلِك فَقَالَا: هَل بلغ الْبُنيان بحيرة الطبرية قلت: لَا
فساءهما ذَلِك فسكتا
فَقلت لَهما: مَا بالكما حِين أخبرتكما باجتماع النَّاس على رجل وَاحِد ساءكما ذَلِك فَقَالَا: إِن السَّاعَة لم تقرب مَا دَامَ النَّاس على رجل وَاحِد
قلت: فَمَا بالكما سركما حِين أخبرتكما بِفساد ذَات الْبَين قَالَا: لأَنا رجونا اقتراب السَّاعَة
قَالَ: قلت: فَمَا بالكما سَاءَ كَمَا أَن الْبُنيان لم يبلغ بحيرة الطبرية قَالَا: لِأَن السَّاعَة لَا تقوم أبدا حَتَّى يبلغ الْبُنيان بحيرة الطبرية
قَالَ: قلت لَهما: أوصياني
قَالَا: إِن قدرت أَن لَا تنام فافعل فَإِن الْأَمر جد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: وَأما شَأْن هاروت وماروت فَإِن الْمَلَائِكَة عجبت من ظلم بني آدم وَقد جَاءَتْهُم الرُّسُل والبينات فَقَالَ لَهُم رَبهم: اخْتَارُوا مِنْكُم ملكَيْنِ أنزلهما فِي الأَرْض بَين بني آدم فَاخْتَارُوا فَلم يألوا بهاروت وماروت فَقَالَ لَهما حِين أنزلهما: أعجبتما من بني آدم وَمن ظلمهم ومعصيتهم وَإِنَّمَا تأتيهم الرُّسُل والكتب من وَرَاء وَرَاء وأنتما لَيْسَ بيني وبينكما رَسُول فافعلا كَذَا وَكَذَا ودعا كَذَا وَكَذَا فَأَمرهمَا بِأَمْر ونهاهما ثمَّ نزلا على ذَلِك لَيْسَ أحد لله أطوع مِنْهُمَا فحكما فعدلا فَكَانَا يحكمان النَّهَار بَين بني آدم فَإِذا أمسيا عرجا وَكَانَا مَعَ الْمَلَائِكَة وينزلان حِين يصبحان فيحكمان فيعدلان حَتَّى أنزلت عَلَيْهِمَا الزهرة فِي أحسن صُورَة امْرَأَة تخاصم فقضيا عَلَيْهَا
فَلَمَّا قَامَت وجد كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي نَفسه فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: وجدت مثل مَا وجدت قَالَ: نعم
فبعثا إِلَيْهَا أَن ائتينا نقض لَك
فَلَمَّا رجعت قضيا لهاوقالا لَهَا: ائتينا فاتتهما فكشفا لَهَا عَن عورتها وَإِنَّمَا كَانَت شهوتهما فِي أَنفسهمَا وَلم يَكُونَا كبني آدم فِي شَهْوَة النِّسَاء ولذتها فَلَمَّا بلغا ذَلِك واستحلاه وافتتنا طارت الزهرة فَرَجَعت حَيْثُ كَانَت فَلَمَّا أمسيا عرجا فزجرا فَلم يُؤذن لَهما وَلم تحملهما أجنحتهما فاستغاثا بِرَجُل من بني آدم فَأتيَاهُ فَقَالَا: ادْع لنا رَبك
فَقَالَ: كَيفَ يشفع أهل الأَرْض لأهل السَّمَاء قَالَا:: سمعنَا رَبك يذكرك بِخَير فِي السَّمَاء
فوعدهما يَوْمًا وَعدا
يَدْعُو لَهما فَدَعَا لَهما فاستجيب لَهُ فخيرا بَين عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة فَنظر أَحدهمَا إِلَى صَاحبه فَقَالَا: نعلم أَن أَفْوَاج عَذَاب الله فِي االآخرة كَذَا وَكَذَا فِي الْخلد [] نعم وَمَعَ الدُّنْيَا سبع مَرَّات مثلهَا فأمرا أَن ينزلا بِبَابِل فثم عذابهما وَزعم أَنَّهُمَا معلقان فِي الْحَدِيد مطويان يصطفقان بأجنحتهما
وَأخرج الزبير بن البكار فِي الموفقيات وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن المسوخ فَقَالَ: هم ثَلَاثَة عشر
الْفِيل والدب وَالْخِنْزِير والقرد والجريث والضب والوطواط وَالْعَقْرَب والدعموص وَالْعَنْكَبُوت والأرنب وَسُهيْل والزهرة فَقيل: يَا رَسُول الله وَمَا سَبَب مسخهن فَقَالَ: أما الْفِيل فَكَانَ رجلا جباراً لوطياً لَا يدع رطبا وَلَا يَابسا وَأما الدب فَكَانَ مؤنثاً يَدْعُو النَّاس إِلَى نَفسه وَأما الْخِنْزِير فَكَانَ من النَّصَارَى الَّذين سَأَلُوا الْمَائِدَة فَلَمَّا نزلت كفرُوا وَأما القردة فيهود اعتدوا فِي السبت وَأما الجريث فَكَانَ ديوثا الرِّجَال إِلَى حليلته وَأما الضَّب فَكَانَ إعرابياً يسرق الْحَاج بِمِحْجَنِهِ وَأما الوطواط فَكَانَ رجلا يسرق الثِّمَار من رُؤُوس النّخل وَأما الْعَقْرَب فَكَانَ رجلا لَا يسلم أحد من لِسَانه وَأما الدعموص فَكَانَ نماماً يفرق بَين الْأَحِبَّة وَأما العنكبوت فامرأة سحرت زَوجهَا وَأما الأرنب فامرأة كَانَت لَا تطهر من حيض وَأما سُهَيْل فَكَانَ عشاراً بِالْيمن وَأما الزهرة فَكَانَت بِنْتا لبَعض مُلُوك بني إِسْرَائِيل افْتتن بهَا هاروت وماروت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد ضَعِيف عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي حِين غير حِينه الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا جِبْرِيل مَالِي أَرَاك متغير اللَّوْن فَقَالَ: مَا جئْتُك حَتَّى أَمر الله بمفاتيح النَّار
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا جِبْرِيل صف لي النَّار وانعت لي جَهَنَّم
فَقَالَ جِبْرِيل: إِن الله تبارك وتعالى أَمر بجهنم فَأوقد عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى ابْيَضَّتْ ثمَّ أَمر فَأوقد عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى احْمَرَّتْ ثمَّ أَمر فَأوقد عَلَيْهَا ألف عَام حَتَّى اسودت فَهِيَ سَوْدَاء مظْلمَة لَا يضيء شررها وَلَا يطفأ لهبها وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن ثقب ابرة فتح من جَهَنَّم لمات من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا من حره وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن ثوبا من ثِيَاب الْكفَّار علق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لمات من فِي الأَرْض جَمِيعًا من حره وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن خَازِنًا من خَزَنَة جَهَنَّم برز إِلَى أهل الدُّنْيَا فنظروا إِلَيْهِ
لمات من فِي الأَرْض كلهم من قبح وَجهه وَمن نَتن رِيحه وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو أَن حَلقَة من حلق سلسلة أهل النَّار الَّتِي نعت الله فِي كِتَابه وضعت على جبال الدُّنْيَا لارفضت وَمَا تقارت حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الأَرْض السُّفْلى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حسبي يَا جِبْرِيل فَنظر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيل وَهُوَ يبكي فال: تبْكي يَا جِبْرِيل وَأَنت من الله بِالْمَكَانِ الَّذِي أَنْت فِيهِ فَقَالَ: وَمَا لي لَا أبْكِي أَنا أَحَق بالبكاء لعَلي أكون فِي علم الله على غير الْحَال الَّتِي أَنا عَلَيْهَا وَمَا أَدْرِي لعَلي ابْتُلِيَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ إِبْلِيس فقد كَانَ من الْمَلَائِكَة وَمَا أَدْرِي لعَلي ابْتُلِيَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ هاروت وماروت فَبكى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبكى جِبْرِيل فَمَا زَالا يَبْكِيَانِ حَتَّى نوديا: أَن يَا جِبْرِيل وَيَا مُحَمَّد ان الله قد أمنكما أَن تعصياه
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة} أخرج ابْن جرير عَن الْحُسَيْن وَقَتَادَة قَالَا: كَانَا يعلمَانِ السحر فَأخذ عَلَيْهِمَا أَن لَا يعلمَا أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا نَحن فتْنَة} قَالَ: بلَاء
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تكفر} أخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: من أَتَى كَاهِنًا أَو ساحراً فَصدقهُ بِمَا يَقُول فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد
وَأخرج الْبَزَّار عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ منا من تطير أَو تطير لَهُ أَو تكهن أَو تكهن لَهُ أَو سحر أَو سحر لَهُ وَمن عقد عقدَة وَمن أَتَى كَاهِنًا فَصدقهُ بِمَا يَقُول فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن صَفْوَان بن سليم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم شَيْئا من السحر قَلِيلا أَو كثيرا كَانَ آخر عَهده من الله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فيتعلمون مِنْهُمَا} الْآيَة أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه} قَالَ: يؤخرون أَحدهمَا عَن صَاحبه ويبغضون أَحدهمَا إِلَى صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان فِي قَوْله {إِلَّا بِإِذن الله} قَالَ: بِقَضَاء الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد علمُوا} قَالَ: لقد علم أهل
الْكتاب فِيمَا يقرؤون من كتاب الله وَفِيمَا عهد لَهُم أَن السَّاحر لَا خلاق لَهُ عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج مُسلم عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان يضع عَرْشه على المَاء ثمَّ يبْعَث سراياه فِي النَّاس فأقربهم عِنْده منزلَة أعظمهم عِنْده فتْنَة فَيَقُول: مَا زلت بفلان حَتَّى تركته وَهُوَ يَقُول كَذَا وَكَذَا
فَيَقُول إِبْلِيس: لَا وَالله مَا صنعت شَيْئا وَيَجِيء أحدهم فَيَقُول مَا تركته حَتَّى فرقت بَينه وَبَين أَهله فيقربه ويدنيه ويلتزمه وَيَقُول: نعم أَنْت
وَأخرج أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: قَالَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب لذريح أبي قيس: أحل لَك أَن فرقت بَين نَفسِي وبيني وَأما سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: مَا أُبَالِي أفرقت بَين الرجل وَامْرَأَته أَو مشيت إِلَيْهِمَا بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي رهم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أفضل الشَّفَاعَة أَن يشفع بَين اثْنَيْنِ فِي النِّكَاح
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} قَالَ: قوام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} قَالَ: من نصيب
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} قَالَ: من نصيب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَهُوَ يَقُول: يدعونَ بِالْوَيْلِ فِيهَا لَا خلاق لَهُم إِلَّا سرابيل من قطر وأغلال وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} قَالَ: من نصيب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن {مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} قَالَ: لَيْسَ لَهُ دين
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ولبئس مَا شروا} الْآيَة أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {ولبئس مَا شروا} قَالَ: باعوا
قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَنهم آمنُوا وَاتَّقوا لمثوبة من عِنْد الله خير لَو كَانُوا يعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن لَو فَإِنَّهُ لَا يكون أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لمثوبة} قَالَ: ثَوَاب
قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَقولُوا رَاعنا وَقُولُوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عَذَاب أَلِيم
أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس
أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: اعهد إِلَيّ
فَقَالَ: إِذا سَمِعت الله يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فأوعها سَمعك فَإِنَّهُ خير يَأْمر بِهِ أَو شَرّ ينْهَى عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد ين حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن خَيْثَمَة قَالَ: مَا تقرؤون فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فَإِنَّهُ فِي التَّوْرَاة يَا أَيهَا الْمَسَاكِين
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَيْثَمَة قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فَهُوَ فِي التَّوْرَاة والإِنجيل يَا أَيهَا الْمَسَاكِين
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {رَاعنا} بِلِسَان الْيَهُود السب الْقَبِيح فَكَانَ الْيَهُود يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم سرا فَلَمَّا سمعُوا أَصْحَابه يَقُولُونَ أعْلنُوا بهَا فَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِك وَيضْحَكُونَ فِيمَا بَينهم فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {لَا تَقولُوا رَاعنا} وَذَلِكَ أَنَّهَا سبة بلغَة الْيَهُود
فَقَالَ تَعَالَى {وَقُولُوا انظرنا} يُرِيد اسمعنا فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ بعْدهَا: من سمعتموه يَقُولهَا فاضربوا عُنُقه فانتهت الْيَهُود بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ارعنا سَمعك وَإِنَّمَا رَاعنا كَقَوْلِك اعطنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: كَانَ رجلَانِ من الْيَهُود مَالك بن الصَّيف وَرِفَاعَة بن زيد إِذا لقيا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَا لَهُ وهما يكلمانه: رَاعنا سَمعك واسمع غير مسمع فَظن الْمُسلمُونَ أَن هَذَا شَيْء كَانَ أهل الْكتاب يعظمون بِهِ أنبياءهم فَقَالُوا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَلِك فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَقولُوا رَاعنا} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أدبر ناداه من كَانَت لَهُ حَاجَة من الْمُؤمنِينَ فَقَالُوا: ارعنا سَمعك فاعظم الله رَسُوله أَن يُقَال لَهُ ذَلِك وَأمرهمْ أَن يَقُولُوا انظرنا ليعززوا رَسُوله ويوقروه
وَأخرج عبد ين حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} قَالَ: قولا كَانَت الْيَهُود تَقوله استهزاء فكرهه الله للْمُؤْمِنين أَن يَقُولُوا كَقَوْلِهِم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} قَالَ: كَانَ أنَاس من الْيَهُود يَقُولُونَ: رَاعنا سَمعك حَتَّى قَالَهَا أنَاس من الْمُسلمين فكره الله لَهُم مَا قَالَت الْيَهُود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن إِسْحَاق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} أَي ارعنا سَمعك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ماهد فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} قَالَ: خلافًا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} لَا تَقولُوا اسْمَع منا ونسمع مِنْك {وَقُولُوا انظرنا} أفهمنا بَين لنا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: أَن مُشْركي الْعَرَب كَانُوا إِذا حدث بَعضهم بَعْضًا يَقُول أحدهم لصَاحبه: ارعني سَمعك
فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن عَطاء فِي قَوْله {لَا تَقولُوا رَاعنا} قَالَ: كَانَت لُغَة فِي الْأَنْصَار فِي الْجَاهِلِيَّة ونهاهم الله أَن يقولوها وَقَالَ {وَقُولُوا انظرنا واسمعوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه قَرَأَ: رَاعنا وَقَالَ: الراعن من يَقُول السخري مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {واسمعوا} قَالَ: اسمعوا مَا يُقَال لكم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أنزل الله آيَة فِيهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَّا وعليّ رَأسهَا وأميرها
قَالَ أَبُو نعيم: لم نَكْتُبهُ مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث ابْن أبي خَيْثَمَة وَالنَّاس رَأَوْهُ مَوْقُوفا
قَوْله تَعَالَى: مَا يود الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَلَا الْمُشْركين أَن ينزل عَلَيْكُم من خير من ربكُم وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء} قَالَ: الْقُرْآن وَالسَّلَام
قَوْله تَعَالَى: مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا ألم تعلم أَن الله على كل شَيْء قدير ألم تعلم أَن الله لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا لكم من دون الله من ولي وَلَا نصير
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ مِمَّا ينزل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْوَحْي بِاللَّيْلِ وينساه بِالنَّهَارِ فَأنْزل الله {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَرَأَ رجلَانِ من الْأَنْصَار سُورَة أقرأها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَا يقرآن بهَا فقاما يقرآن ذَات لَيْلَة يصليان فَلم يقدرا مِنْهَا على حرف فأصبحا غاديين على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهَا مِمَّا نسخ أَو نسي فالهوا عَنهُ فَكَانَ الزُّهْرِيّ يقْرؤهَا {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها} بِضَم النُّون خَفِيفَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عمر: اقرؤنا أبي واقضانا عَليّ وَإِنَّا لندع شَيْئا
من قِرَاءَة أبي وَذَلِكَ أَن أَبَيَا يَقُول: لَا أدع شَيْئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد قَالَ الله (مَا ننسخ من آيَة أَو ننساها)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن فِي الْمَصَاحِف وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعد بن أبي وَقاص أَنه قَرَأَ (مَا ننسخ من آيَة أَو ننساها) فَقيل لَهُ: إِن سعيد بن الْمسيب يقْرَأ {ننسها} قَالَ سعد: إِن الْقُرْآن لم ينزل على الْمسيب وَلَا آل الْمسيب قَالَ الله (سنقرئك فَلَا تنسى)(الْأَعْلَى الْآيَة 6)
(وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت)(الْكَهْف الْآيَة 24)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله (مَا ننسخ من آيَة أَو ننساها) يَقُول: مَا نبدا من آيَة أَو نتركها لَا نبدلها {نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} يَقُول: خير لكم فِي الْمَنْفَعَة وأرفق بكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خَطَبنَا عمر فَقَالَ: يَقُول الله تَعَالَى (ماننسخ من آيَة أَو ننساها) أَي نؤخرها
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ (أَو ننساها)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن مُجَاهِد قَالَ فِي قِرَاءَة أبي ((ماننسخ من آيَة أَو ننسك)) وَأخرج آدم بن إِيَاس ولأبو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد عَن أَصْحَاب ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {مَا ننسخ من آيَة} قَالَ: نثبت خطها ونبدل حكمهَا (أَو ننساها) قَالَ: نؤخرها عندنَا
وَأخرج آدم وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ فِي قَوْله {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها} يَقُول: أَو نتركها نرفعها من عِنْدهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ((مَا ننسك من آيَة أَو ننسخها))
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْآيَة تنسخ الْآيَة وَكَانَ نَبِي الله يقْرَأ الْآيَة وَالسورَة وَمَا شَاءَ الله من السُّورَة ثمَّ ترفع فينسيها الله نبيه فَقَالَ الله يقص على نبيه {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} يَقُول: فِيهَا تَخْفيف فِيهَا رخصَة فِيهَا أَمر فِيهَا نهي
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا ألم تعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} ثمَّ قَالَ (وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة)(النَّحْل الْآيَة 101) وَقَالَ (يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت)(الرَّعْد الْآيَة 39)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: يَقُولُونَ (ماننسخ من آيَة أَو ننساها) كَانَ الله أنزل أموراً من الْقُرْآن ثمَّ رَفعهَا
فَقَالَ {نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {أَو ننسها} قَالَ: إِن نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم أقرىء قُرْآنًا ثمَّ أنسيه فَلم يكن شَيْئا وَمن الْقُرْآن مَا قد نسخ وَأَنْتُم تَقْرَءُونَهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي فضائله عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف إِن رجلا كَانَت مَعَه سُورَة فَقَامَ من اللَّيْل فَقَامَ بهَا فَلم يقدر عَلَيْهَا وَقَامَ آخر بهَا فَلم يقدر عَلَيْهَا وَقَامَ آخر بهَا فَلم يقدر عَلَيْهَا فَأَصْبحُوا فَأتوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَاجْتمعُوا عِنْده فأخبروه فَقَالَ: إِنَّهَا نسخت البارحة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من وَجه آخر عَن أبي أُمَامَة أَن رهطاً من الْأَنْصَار من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخْبرُوهُ أَن رجلا قَامَ من جَوف اللَّيْل يُرِيد أَن يفْتَتح سُورَة كَانَ قد وعاها فَلم يقدر مِنْهَا على شَيْء إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَقع ذَلِك لناس من أَصْحَابه فَأَصْبحُوا فسألوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن السُّورَة فَسكت سَاعَة لم يرجع إِلَيْهِم شَيْئا ثمَّ قَالَ: نسخت البارحة فنسخت من صُدُورهمْ وَمن كل شَيْء كَانَت فِيهِ
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس قَالَ: أنزل الله فِي الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة قُرْآنًا قرأناه حَتَّى نسخ بعد أَن بلغُوا قَومنَا أَنا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا وأرضانا
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ سُورَة نشبهها فِي الطول والشدة بِبَرَاءَة فأنسيتها غير أَنِّي
حفظت مِنْهَا: لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مَال لابتغى وَاديا ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوْفه إِلَّا التُّرَاب
وَكُنَّا نَقْرَأ سُورَة نشبهها بِإِحْدَى المسبحات أَولهَا سبح لله مَا فِي السَّمَوَات فأنسيناها غير أَنِّي حفظت مِنْهَا: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ
فتكتب شَهَادَة فِي أَعْنَاقكُم فتسألون عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الضريس عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: نزلت سُورَة شَدِيدَة نَحْو بَرَاءَة فِي الشدَّة ثمَّ رفعت وحفظت مِنْهَا: إِن الله سيؤيد الدّين بِأَقْوَام لَا خلاق لَهُم
وَأخرج ابْن الضريس: ليؤيدن الله هَذَا الدّين بِرِجَال مَا لَهُم فِي الْآخِرَة من خلاق وَلَو أَن لِابْنِ آدم واديين من مَال لتمنى وَاديا ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب إِلَّا من تَابَ فيتوب الله عَلَيْهِ وَالله غَفُور رَحِيم
وَأخرج أَبُو عبيد وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أوحى إِلَيْهِ أتيناه فَعلمنَا مَا أُوحِي إِلَيْهِ قَالَ: فَجِئْته ذَات يَوْم فَقَالَ إِن الله يَقُول: إِنَّا أنزلنَا المَال لإِقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَلَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا لأحب أَن يكون إِلَيْهِ الثَّانِي وَلَو كَانَ لَهُ الثَّانِي لأحب أَن يكون إِلَيْهِمَا ثالثهما وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَأحمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من ذهب وَفِضة لابتغى الثَّالِث وَلَا يمْلَأ بطن ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
وَأخرج أَبُو عبيد وَأحمد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ: لَو أَن لِابْنِ آدم ملْء وَاد مَالا لأحب إِلَيْهِ مثله وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَو أَن لِابْنِ آدم ملْء وَاد مَالا لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله وَلَا يمْلَأ عين ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَلَا أَدْرِي أَمن الْقُرْآن هُوَ أم لَا
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن الضريس عَن بُرَيْدَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي الصَّلَاة: لَو
أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب لابتغى إِلَيْهِ ثَانِيًا وَلَو أعطي ثَانِيًا لابتغى ثَالِثا لَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ ذَر قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب: ابْن آدم لَو أعطي وَاديا من مَال لابتغى ثَانِيًا ولالتمس ثَالِثا وَلَو أعطي واديين من مَال لالتمس ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ: لَا ترغبوا عَن آبائكم فَإِنَّهُ كفر بكم وَإِن كفر بكم أَن ترغيوا عَن آبائكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَابْن حبَان عَن عمر بن الْخطاب قَالَ إِن الله بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَأنزل مَعَه الْكتاب فَكَانَ فِيمَا أنزل عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم فرجم ورجمنا بعده ثمَّ قَالَ: قد كُنَّا نَقْرَأ: وَلَا ترغبوا عَن آبائكم فَإِنَّهُ كفر بكم أَن ترغبوا عَن آبائكم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو عبيد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ: لَا ترغبوا عَن آبائكم فَإِنَّهُ كفر بكم ثمَّ قَالَ لزيد بن ثَابت: أَكَذَلِك يَا زيد قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد من طَرِيق عدي بن عدي بن عُمَيْر بن قزوة عَن أَبِيه عَن جده عُمَيْر بن قزوة
أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لأبي: أوليس كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ من كتاب الله: إِن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم فَقَالَ: بلَى
ثمَّ قَالَ: أوليس كُنَّا نَقْرَأ: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر
فِيمَا فَقدنَا من كتاب الله فَقَالَ أبي: بلَى
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ: قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف: ألم تَجِد فِيمَا أنزل علينا: أَن جاهدوا كَمَا جاهدتم أول مرّة
فَإنَّا لَا نجدها قَالَ: أسقطت من الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عمر قَالَ: لَا يَقُولَن أحدكُم قد أخذت الْقُرْآن كُله مَا يدريه مَا كُله قد ذهب مِنْهُ قُرْآن كثير وَلَكِن ليقل: قد أخذت مَا ظهر مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْأَنْبَارِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ: الْقِرَاءَة الَّتِي عرضت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ هَذِه الْقِرَاءَة الَّتِي يقْرؤهَا النَّاس الَّتِي جمع عُثْمَان النَّاس عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي وَابْن اشتة فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ جِبْرِيل يُعَارض النَّبِي صلى الله عليه وسلم كل سنة فِي شهر رَمَضَان فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ عَارضه مرَّتَيْنِ فيرون أَن تكون قراءتنا هَذِه على العرضة الْأَخِيرَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ ظبْيَان قَالَ: قَالَ لنا ابْن عَبَّاس: أَي الْقِرَاءَتَيْن تَعدونَ أول قُلْنَا: قِرَاءَة عبد الله وقراءتنا هِيَ الْأَخِيرَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يعرض عَلَيْهِ جِبْرِيل الْقُرْآن كل سنة مرّة فِي شهر رَمَضَان وَأَنه عرضه عَلَيْهِ فِي آخر سنة مرَّتَيْنِ فَشهد مِنْهُ عبد الله مَا نسخ وَمَا بدل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ لنا ابْن عَبَّاس: أَي الْقِرَاءَتَيْن تَعدونَ أول قُلْنَا: قِرَاءَة عبد الله وقراءتنا هِيَ الْأَخِيرَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يعرض عَلَيْهِ جِبْرِيل الْقُرْآن كل سنة مرّة فِي شهر رَمَضَان وَأَنه عرضه عَلَيْهِ فِي آخر سنة مرَّتَيْنِ فقراءة عبد الله آخِرهنَّ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ جِبْرِيل يُعَارض النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْقُرْآنِ فِي كل سنة مرّة وَأَنه عَارضه بِالْقُرْآنِ فِي آخر سنة مرَّتَيْنِ فَأَخَذته من النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَلِك الْعَام
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَو أعلم أحدا أحدث بالعرضة الْأَخِيرَة مني لرحلت إِلَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة قَالَ: عرض الْقُرْآن على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث عرضات فَيَقُولُونَ: إِن قراءتنا هَذِه هِيَ العرضة الْأَخِيرَة
وَأخرج أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي ناسخه عَن أبي البخْترِي قَالَ: دخل عَليّ بن أبي طَالب الْمَسْجِد فَإِذا رجل يخوّف فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالُوا: رجل يذكر النَّاس
فَقَالَ: لَيْسَ بِرَجُل يذكر النَّاس وَلكنه يَقُول أَنا فلَان بن فلَان فاعرفوني فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: أتعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ فَقَالَ: لَا
قَالَ: فَاخْرُج من مَسْجِدنَا وَلَا تذكر فِيهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد والنحاس كِلَاهُمَا فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: مر عَليّ بن أبي طَالب بِرَجُل يقص فَقَالَ: أعرفت النَّاسِخ والمنسوخ قَالَ: لَا
قَالَ: هَلَكت وأهلكت
وَأخرج النّحاس وَالطَّبَرَانِيّ عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم قَالَ: مر ابْن عَبَّاس بقاص يقص فركله بِرجلِهِ وَقَالَ: أَتَدْرِي النَّاسِخ والمنسوخ قَالَ: لَا
قَالَ: هَلَكت وأهلكت
وَأخرج الدَّارمِيّ فِي مُسْنده والنحاس عَن حُذَيْفَة قَالَ: إِنَّمَا يُفْتِي النَّاس أحد ثَلَاثَة رجل يعلم نَاسخ الْقُرْآن من منسوخه وَذَلِكَ عمر وَرجل قَاض لايجد من الْقَضَاء بدا وَرجل أَحمَق متكلف فلست بِالرجلَيْنِ الماضيين فأكره أَن أكون الثَّالِث
قَوْله تَعَالَى: أم تُرِيدُونَ أَن تسألوا كَمَا سُئِلَ مُوسَى من قبل وَمن يتبدل الْكفْر بِالْإِيمَان فقد ضل سَوَاء السَّبِيل ودّ كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسداً من عِنْد أنفسهم من بعد مَا تبين لَهُم الْحق فاعفوا واصفحوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره أَن الله على كل شَيْء قدير وَأقِيمُوا الصلوة وَآتوا الزَّكَاة وَمَا تقدمُوا لأنفسكم من خير تَجِدُوهُ عِنْد الله أَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَافع بن حُرَيْمِلَة ووهب بن زيد لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا مُحَمَّد ائتنا بِكِتَاب تنزله علينا من السَّمَاء نقرؤه أَو فجر لنا أَنهَارًا نتبعك ونصدقك فَأنْزل الله فِي ذَلِك {أم تُرِيدُونَ أَن تسألوا رَسُولكُم} إِلَى قَوْله {سَوَاء السَّبِيل} وَكَانَ حييّ بن أَخطب وَأَبُو يَاسر بن أَخطب من أَشد الْيَهُود حسداً للْعَرَب إِذْ خصهم الله بِرَسُولِهِ وَكَانَا جاهدين فِي رد النَّاس عَن الإِسلام مَا استطاعا فَأنْزل الله فيهمَا {ودّ كثير من أهل الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله لَو كَانَت كفاراتنا ككفارات بني إِسْرَائِيل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا أعطيتم خير كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا أصَاب أحدهم الْخَطِيئَة وجدهَا مَكْتُوبَة على بَابه وكفارتها فَإِن كفرها كَانَت لَهُ خزياً فِي الدُّنْيَا وَإِن لم يكفرهَا كَانَت لَهُ خزياً فِي الْآخِرَة وَقد أَعْطَاكُم الله خيرا من ذَلِك قَالَ (وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه)(النِّسَاء الْآيَة 110) الْآيَة والصلوات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَات لما بَينهُنَّ
فَأنْزل الله {أم تُرِيدُونَ أَن تسألوا رَسُولكُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: سَأَلت الْعَرَب مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم إِن يَأْتِيهم بِاللَّه فيروه جهرة فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ سَالَتْ قُرَيْش مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم إِن يَجْعَل لَهُم الصَّفَا ذَهَبا
فَقَالَ: نعم وَهُوَ كالمائدة لبني إِسْرَائِيل إِن كَفرْتُمْ فَأَبَوا وَرَجَعُوا
فَأنْزل الله {أم تُرِيدُونَ أَن تسألوا رَسُولكُم كَمَا سُئِلَ مُوسَى من قبل} أَن يُرِيهم الله جهرة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَمن يتبدل الْكفْر بالإِيمان} يَقُول: يتبدل الشدَّة بالرخاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فقد ضل سَوَاء السَّبِيل} قَالَ: عدل عَن السَّبِيل
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ الْمُشْركُونَ وَالْيَهُود من أهل الْمَدِينَة حِين قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْذونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه أَشد الْأَذَى فَأمر الله رَسُوله وَالْمُسْلِمين بِالصبرِ على ذَلِك وَالْعَفو عَنْهُم ففيهم أنزل الله (ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا)(آل عمرَان الْآيَة 186) الْآيَة
وَفِيهِمْ أنزل الله {ودّ كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسداً} الْآيَة وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه يعفون عَن الْمُشْركين وَأهل الْكتاب كَمَا أَمرهم الله ويصبرون على الْأَذَى قَالَ الله (ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا)(آل عمرَان الْآيَة 186) وَقَالَ {ودّ كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسداً من عِنْد أنفسهم من بعد مَا تبين لَهُم الْحق فاعفوا واصفحوا حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره} وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتأوّل فِي الْعَفو مَا أمره الله بِهِ حَتَّى أذن الله فيهم بقتل فَقتل الله بِهِ من قتل من صَنَادِيد قُرَيْش
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة فِي قَوْله {ودّ كثير من أهل الْكتاب} قَالَا: كَعْب بن الْأَشْرَف
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {حسداً من عِنْد أنفسهم} قَالَ: من قبل أنفسهم {من بعد مَا تبين لَهُم الْحق} يَقُول: يتَبَيَّن لَهُم أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من بعد مَا تبين لَهُم الْحق} قَالَ: من بعد مَا تبين لَهُم أَن مُحَمَّد رَسُول الله يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل نَعته وَأمره ونبوته وَمن بعد مَا تبين لَهُم أَن الإِسلام دين الله الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم {فاعفوا واصفحوا} قَالَ: أَمر الله نبيه أَن يعْفُو عَنْهُم ويصفح حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره فَأنْزل الله فِي بَرَاءَة وَأمره فَقَالَ (قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه)(التَّوْبَة الْآيَة 29) الْآيَة
فنسختها هَذِه الْآيَة وَأمره الله فِيهَا بِقِتَال أهل الْكتاب حَتَّى يسلمُوا أَو يقرُّوا بالجزية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاعفوا واصفحوا} وَقَوله {وَأعْرض عَن الْمُشْركين} الْأَنْعَام الْآيَة 106 وَنَحْو هَذَا فِي الْعَفو عَن الْمُشْركين قَالَ: نسخ ذَلِك كُله بقوله (قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه)(التَّوْبَة الْآيَة 29) وَقَوله (اقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(التَّوْبَة الْآيَة 5)
وَأخرج ابْن جرير والنحاس فِي تَارِيخه عَن السّديّ فِي قَوْله {فاعفوا واصفحوا} قَالَ: هِيَ منسوخه نسختها (قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر)(التَّوْبَة الْآيَة 29) وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَمَا تقدمُوا لأنفسكم من خير} يَعْنِي من الْأَعْمَال من الْخَيْر فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {تَجِدُوهُ عِنْد الله} قَالَ: تَجدوا ثَوَابه
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هود أَو نَصَارَى تِلْكَ أمانيهم قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين بلَى من أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن فَلهُ أجره عِنْد ربه وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَقَالُوا لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هوداً أَو نَصَارَى} قَالَ: قَالَت الْيَهُود: لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ يَهُودِيّا
وَقَالَت النَّصَارَى: لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ نَصْرَانِيّا {تِلْكَ أمانيهم} قَالَ: أماني يتمنونها على الله بِغَيْر الْحق {قل هاتوا برهانكم} يَعْنِي حجتكم {إِن كُنْتُم صَادِقين} بِمَا تَقولُونَ أَنَّهَا كَمَا تَقولُونَ {بلَى من أسلم وَجهه لله} يَقُول: أخْلص لله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {من أسلم وَجهه لله} قَالَ: أخْلص دينه
قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت الْيَهُود لَيست النَّصَارَى على شَيْء وَقَالَت النَّصَارَى لَيست الْيَهُود على شَيْء وهم يَتلون الْكتاب كَذَلِك قَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ مثل قَوْلهم فَالله يحكم بَينهم يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما قدم أهل نَجْرَان من النَّصَارَى على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَتْهُم أَحْبَار الْيَهُود فتنازعوا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَافع بن حُرَيْمِلَة: مَا أَنْتُم على شَيْء وَكفر بِعِيسَى والإِنجيل
فَقَالَ رجل من أهل نَجْرَان للْيَهُود: مَا أَنْتُم على شَيْء وَجحد نبوّة مُوسَى وَكفر بِالتَّوْرَاةِ فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَقَالَت الْيَهُود لَيست النَّصَارَى على شَيْء وَقَالَت النَّصَارَى لَيست الْيَهُود على شَيْء وهم يَتلون الْكتاب} أَي كل يَتْلُو فِي كِتَابه تَصْدِيق من كفر بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَقَالَت الْيَهُود لَيست النَّصَارَى على شَيْء} الْآيَة
قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْكتاب الَّذين كَانُوا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالَت الْيَهُود لَيست النَّصَارَى على شَيْء} قَالَ: بلَى قد كَانَت أَوَائِل النَّصَارَى على شَيْء وَلَكنهُمْ ابتدعوا وَتَفَرَّقُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: من هَؤُلَاءِ الَّذين لَا يعلمُونَ قَالَ: أُمَم كَانَت قبل الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {كَذَلِك قَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ} قَالَ: هم الْعَرَب قَالُوا: لَيْسَ مُحَمَّد على شَيْء
قَوْله تَعَالَى: وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وسعى فِي خرابها أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُم أَن يدخلوها إِلَّا خَائِفين لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن قُريْشًا منعُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة عِنْد الْكَعْبَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَأنْزل الله {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله} قَالَ: هم النَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله} قَالَ: هم النَّصَارَى وَكَانُوا يطرحون فِي بَيت الْمُقَدّس الْأَذَى وَيمْنَعُونَ النَّاس أَن يصلوا فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله} الْآيَة
قَالَ: هم الرّوم كَانُوا ظاهروا بخْتنصر على بَيت الْمُقَدّس
وَفِي قَوْله {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُم أَن يدخلوها إِلَّا خَائِفين} قَالَ: فَلَيْسَ فِي الأَرْض رومي يدْخلهُ الْيَوْم إِلَّا وَهُوَ خَائِف أَن تضرب عُنُقه وَقد أخيف بأَدَاء الْجِزْيَة فَهُوَ يُؤَدِّيهَا
وَفِي قَوْله {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} قَالَ: أما خزيهم فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ إِذا قَامَ الْمهْدي وَفتحت الْقُسْطَنْطِينِيَّة قَتلهمْ فَذَلِك الخزي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أُولَئِكَ أَعدَاء الله الرّوم حملهمْ بغض الْيَهُود على أَن أعانوا بخْتنصر البابلي الْمَجُوسِيّ على تخريب بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: إِن النَّصَارَى لما ظَهَرُوا على بَيت الْمُقَدّس حرقوه فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّد أنزل عَلَيْهِ {وَمن أظلم مِمَّن منع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وسعى فِي خرابها} الْآيَة
فَلَيْسَ فِي الأَرْض نَصْرَانِيّ يدْخل بَيت الْمُقَدّس إِلَّا خَائفًا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْركُونَ حِين صدوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْبَيْت يَوْم الحديبة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح قَالَ: لَيْسَ للْمُشْرِكين أَن يدخلُوا الْمَسْجِد إِلَّا وهم خائفون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} قَالَ: يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن بسر بن أَرْطَاة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو اللَّهُمَّ أحسن عاقبتنا فِي الْأُمُور كلهَا وأجرنا من خزي الدُّنْيَا وَمن عَذَاب الْآخِرَة
قَوْله تَعَالَى: وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله أَن الله وَاسع عليم
أخرج أَبُو عبيد فِي النَّاسِخ والمنسوخ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أول مَا نسخ لنا من الْقُرْآن فِيمَا ذكر وَالله أعلم شَأْن الْقبْلَة
قَالَ الله تَعَالَى {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} فَاسْتقْبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نَحْو بَيت الْمُقَدّس وَترك الْبَيْت الْعَتِيق ثمَّ صرفه الله تَعَالَى إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق ونسخها
فَقَالَ (وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك)(الْبَقَرَة الْآيَة 149) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله}
قَالَ كَانَ النَّاس يصلونَ قبل بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة على رَأس ثَمَانِيَة عشر شهرا من مهاجره وَكَانَ إِذا صلى رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء ينظر كَا يُؤمر بِهِ فنسختها قبل الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي على رَاحِلَته تطوّعاً أَيْنَمَا تَوَجَّهت بِهِ ثمَّ قَرَأَ ابْن عمر هَذِه الْآيَة {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَقَالَ ابْن عمر: فِي هَذَا نزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: أنزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} أَن تصلي حَيْثُمَا تَوَجَّهت بك راحلتك فِي التطوّع
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَة أَنْمَار يُصَلِّي على رَاحِلَته مُتَوَجها قبل الْمشرق تطوّعاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته قبل الْمشرق - فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل واستقبل الْقبْلَة وَصلى وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا سَافر وَأَرَادَ أَن يتطوّع بِالصَّلَاةِ اسْتقْبل بناقته الْقبْلَة وَكبر ثمَّ صلى حَيْثُ تَوَجَّهت النَّاقة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَضَعفه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي وَضَعفه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَامر بن ربيعَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَة سَوْدَاء مظْلمَة فنزلنا منزلا فَجعل الرجل يَأْخُذ الْأَحْجَار فَيعْمل مَسْجِدا فَيصَلي فِيهِ فَلَمَّا أَن أَصْبَحْنَا إِذا نَحن قد صلينَا على غير الْقبْلَة فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله لقد صلينَا ليلتنا هَذِه لغير الْقبْلَة فَأنْزل الله {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب} الْآيَة
فَقَالَ مَضَت صَلَاتكُمْ
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة كنت فِيهَا فأصابتنا ظلمَة فَلم نَعْرِف الْقبْلَة فَقَالَت طَائِفَة منا: الْقبْلَة هَهُنَا قبل الشمَال فصلوا وخطوا خطا
وَقَالَ بَعْضنَا: الْقبْلَة هَهُنَا قبل الْجنُوب فصلوا وخطوا خطا
فَلَمَّا أَصْبحُوا وطلعت الشَّمْس أَصبَحت تِلْكَ الخطوط لغير
الْقبْلَة فَلَمَّا قَفَلْنَا من سفرنا سَأَلنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسكت فَأنْزل الله {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء أَن قوما عميت عَلَيْهِم الْقبْلَة فصلى كل إِنْسَان مِنْهُم إِلَى نَاحيَة ثمَّ أَتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فَأنْزل الله {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريه فَأَصَابَتْهُمْ ضبابه فَلم يهتدوا إِلَى القبله فصلوا لغير القبله ثمَّ استبان لَهُم بَعْدَمَا طلعت الشَّمْس أَنهم صلوا لغير القبله فَلَمَّا جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه فَأنْزل الله {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن أَخا لكم قد مَاتَ - يَعْنِي النَّجَاشِيّ - فصلوا عَلَيْهِ
قَالُوا: نصلي على رجل لَيْسَ بِمُسلم
فَأنْزل الله (وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه
) (آل عمرَان الْآيَة 199)
قَالُوا: فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقبْلَة فَأنْزل الله {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: لما نزلت (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم)(غَافِر الْآيَة 60) قَالُوا: إِلَى أَيْن فأنزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} قَالَ: قبْلَة الله أَيْنَمَا تَوَجَّهت شرقا أَو غربا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد {فثم وَجه الله} قَالَ: قبْلَة الله فأينما كُنْتُم فِي شَرق أَو غرب فاستقبلوها
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ عَن قَتَادَة فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة نسخهَا قَوْله تَعَالَى (فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام)(الْبَقَرَة الْآيَة 149) أَي تلقاءه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مابين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر قَالَ: مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب قبْلَة إِذا تَوَجَّهت قبل الْبَيْت
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ بل لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض كل لَهُ قانتون
أخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ الله تَعَالَى: كَذبَنِي ابْن آدم وَلم يكن لَهُ ذَلِك وَشَتَمَنِي ابْن آدم وَلم يكن لَهُ ذَلِك فإمَّا تَكْذِيبه إيَّايَ فيزعم أَنِّي لَا أقدر أَن أُعِيدهُ كَمَا كَانَ وَأما شَتمه إيَّايَ فَقَوله لي ولد فسبحاني أَن أَتَّخِذ صَاحِبَة أَو ولدا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الله: كَذبَنِي ابْن آدم وَلم يَنْبغ لَهُ أَن يكذبنِي وَشَتَمَنِي ابْن آدم وَلم يَنْبغ لَهُ أَن يَشْتمنِي فإمَّا تَكْذِيبه إيَّايَ فَقَوله لن يُعِيدنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أوّل الْخلق بِأَهْوَن عَليّ من إِعَادَته وَأما شَتمه إيَّايَ فَقَوله اتخذ الله ولدا وَأَنا الله الْأَحَد الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه ولبيهقي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا أحد أَصْبِر على أَذَى يسمعهُ من الله
إِنَّهُم يجلعون لَهُ ولدا ويشركون بِهِ وَهُوَ يرزقهم ويعافيهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن غَالب بن عجرد قَالَ: حَدثنِي رجل من أهل الشَّام قَالَ: بَلغنِي إِن الله لما خلق الأَرْض وَخلق مَا فِيهَا من الشّجر لم يكن فِي الأَرْض شَجَرَة يَأْتِيهَا بَنو آدم إِلَّا أَصَابُوا مِنْهَا ثَمَرَة حَتَّى تكلم فجرة بني آدم بِتِلْكَ الْكَلِمَة الْعَظِيمَة قَوْلهم {اتخذ الله ولدا} فَلَمَّا تكلمُوا بهَا اقشعرت الأَرْض وشاك الشّجر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقَالُوا اتخذ الله ولدا سُبْحَانَهُ} قَالَ: إِذا قَالُوا عَلَيْهِ الْبُهْتَان سبح نَفسه
أما قَوْله تَعَالَى {سُبْحَانَهُ}
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم والمحاملي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سُبْحَانَ الله} قَالَ: تَنْزِيه الله نَفسه عَن السوء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه سُئِلَ عَن التَّسْبِيح أَن يَقُول الإِنسان سُبْحَانَ الله قَالَ: بَرَاءَة الله من السوء
وَفِي لفظ: انزاهه عَن السوء مُرْسل
وَأخرجه ابْن جرير والديلمي والخطيب فِي الكفايه من طرق أُخْرَى مَوْصُولا عَن مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله عَن أَبِيه عَن جده طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن تَفْسِير {سُبْحَانَ الله} قَالَ: هُوَ تَنْزِيه الله من كل سوء وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الله بن عبيد الله بن موهب أَنه سمع طَلْحَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن {سُبْحَانَ الله} قَالَ: تَنْزِيه الله عَن كل سوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان
أَنه سُئِلَ عَن {سُبْحَانَ الله} فَقَالَ: اسْم يعظم الله بِهِ ويحاشى عَن السوء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن ابْن الْكواء سَأَلَ عليا عَن قَوْله {سُبْحَانَ الله} فَقَالَ عَليّ: كلمة رضيها الله لنَفسِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ {سُبْحَانَ الله} اسْم لَا يَسْتَطِيع النَّاس أَن ينتحلوه
وَأخرج عبد بن حميد عَن يزِيد بن الْأَصَم قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس رضي الله عنه فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله نعرفها أَنه لَا إِلَه غَيره وَالْحَمْد لله نعرفها أَن النعم كلهَا مِنْهُ وَهُوَ الْمَحْمُود عَلَيْهَا وَالله أكبر نعرفها أَنه لَا شَيْء أكبر مِنْهُ فَمَا سُبْحَانَ الله فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَمَا تنكر مِنْهَا
هِيَ كلمة رضيها الله لنَفسِهِ وَأمر بهَا مَلَائكَته وَفرغ إِلَيْهَا الأخيار من خلقه
أما قَوْله تَعَالَى: {كل لَهُ قانتون} أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والضياء فِي المختارة عَن أبيّ سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كل حرف فِي الْقُرْآن يذكر فِيهِ الْقُنُوت فَهُوَ الطَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قانتون} قَالَ: مطيعون
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع ابْن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله عز وجل {كل لَهُ قانتون} قَالَ: مقرون
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عدي بن زيد: قَانِتًا لله يَرْجُو عَفوه يَوْم لَا يكفر عبد مَا ادخر وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {كل لَهُ قانتون} قَالَ: مقرون بالعبودية
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {كل لَهُ قانتون} أَي مُطِيع مقرّ بِأَن الله ربه وخالقه
قَوْله تَعَالَى: بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِذ قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول: ابتدع خلقهما وَلم يشركهُ فِي خلقهما أحد
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: ابتدعهما فخلقهما وَلم يخلق قبلهمَا شَيْء فتمثل بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط إِن دَاعيا دَعَا فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِاسْمِك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الرَّحْمَن الرَّحِيم بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِذا أردْت أمرا فَإِنَّمَا تَقول لَهُ كن فَيكون فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لقد كدت أَن تَدْعُو باسمه الْعَظِيم
قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله أَو تَأْتِينَا آيَة كَذَلِك قَالَ الَّذين من قبلهم مثل قَوْلهم تشابهت قُلُوبهم قد بَينا الأيات لقوم يوقنون
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ نَافِع بن حريلمة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا مُحَمَّد إِن كنت رَسُولا من الله كَمَا تَقول فَقل لله فليكلمنا حَتَّى نسْمع كَلَامه فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَقَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ} قَالَ: هم كفار الْعَرَب {لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله} قَالَا: هلا يُكَلِّمنَا {كَذَلِك قَالَ الَّذين من قبلهم} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَغَيرهم {تشابهت قُلُوبهم} يَعْنِي الْعَرَب الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَغَيرهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقَالَ الَّذين لَا يعلمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمنَا الله} قَالَ: النَّصَارَى يَقُوله وَالَّذين من قبلهم يهود
قَوْله تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيراً وَنَذِيرا وَلَا تسئل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم
أخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد والن جرير والن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْت شعري مَا فعل أبواي فَنزل {إِنَّا أَرْسَلْنَاك بِالْحَقِّ بشيراً وَنَذِيرا وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} فَمَا ذكرهَا حَتَّى توفاه الله قلت: هَذَا مُرْسل ضَعِيف الإِسناد
وَأخرج ابْن جرير عَن دَاوُد بن أبي عَاصِم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَات يَوْم: أَيْن أبواي فَنزلت قلت: وَالْآخر معضل الإِسناد ضَعِيف لَا يقوم بِهِ وَلَا بِالَّذِي قبله حجَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْرَج أَنه قَرَأَ {وَلَا تسْأَل عَن أَصْحَاب الْجَحِيم} أَي أَنْت يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: الْجَحِيم مَا عظم من النَّار
قَوْله تَعَالَى: وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تتبع ملتهم قل إِن هدى الله هُوَ الْهدى وَلَئِن اتبعت أهواءهم بعد الَّذِي جَاءَك من الْعلم مَالك من الله من ولي وَلَا نصير
أخرج الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن يهود الْمَدِينَة ونصارى نَجْرَان كَانُوا يرجون أَن يُصَلِّي النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى قبلتهم فَلَمَّا صرف الله الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة شقّ ذَلِك عَلَيْهِم وَأَيِسُوا مِنْهُ أَن يوافقهم على دينه فَأنْزل الله {وَلنْ ترْضى عَنْك الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى} الْآيَة
قَوْله تَعَالَى: الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يتلونه حق تِلَاوَته أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ وَمن يكفر بِهِ فَأُولَئِك هم الخاسرون يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الت أَنْعَمت عَلَيْكُم وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا عدل وَلَا تنفعها شَفَاعَة وَلَا هم ينْصرُونَ
أخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين أتيناهم الْكتاب} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حق تِلَاوَته} قَالَ: يحلونَ حَلَاله ويحرمون حرَامه وَلَا يحرفونه عَن موَاضعه
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والهروي فِي فضائله ن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: يتبعونه حق اتِّبَاعه ثمَّ قَرَأَ (وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا)(الشَّمْس الْآيَة 2) يَقُول: اتبعها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب فِي قَوْله {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: إِذا مر بِذكر الْجنَّة سَأَلَ الله الْجنَّة وَإِذا مر بِذكر النَّار تعوّذ بِاللَّه من النَّار
وَأخرج الْخَطِيب فِي كتاب الروَاة عَن مَالك بِسَنَد فِيهِ مَجَاهِيل عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: يتبعونه حق اتِّبَاعه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير من طرق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: فِي قَوْله {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: أنّ يحل حَلَاله وَيحرم حرَامه ويقرأه كَمَا أنزل وَلَا يحرف الْكَلم عَن موَاضعه وَلَا يتَأَوَّل مِنْهُ شَيْئا غير تَأْوِيله
وَفِي لفظ: يتبعونه حق اتِّبَاعه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: يتكلمونه كَمَا أنزل الله وَلَا يكتمونه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يتلونه حق تِلَاوَته أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ} قَالَ: مِنْهُم أَصْحَاب مُحَمَّد الَّذين آمنُوا بآيَات الله وَصَدقُوا بهَا
قَالَ: وَذكر لنا أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول: وَالله إِن حق تِلَاوَته أَن يحل حَلَاله وَيحرم حرَامه ويقرأه كَمَا أنزلهُ الله وَلَا يحرف عَن موَاضعه
قَالَ: وَحدثنَا عمر بن الْخطاب قَالَ: لقد مضى بَنو إِسْرَائِيل وَمَا يَعْنِي بِمَا تَسْمَعُونَ غَيْركُمْ وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: يعْملُونَ بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون مَا أشكل عَلَيْهِم إِلَى عالمه
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {يتلونه حق تِلَاوَته} قَالَ: يتبعونه حق اتِّبَاعه
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن قَالَ إِنِّي جاعك للنَّاس إِمَامًا قَالَ وَمن ذريتي قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات} قَالَ: ابتلاه الله بِالطَّهَارَةِ خمس فِي الرَّأْس وَخمْس فِي الْجَسَد فِي الرَّأْس قصّ الشَّارِب والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق والسواك وَفرق الرَّأْس
وَفِي الْجَسَد تقليم الْأَظْفَار وَحلق الْعَانَة والختان ونتف الابط وَغسل مَكَان الْغَائِط وَالْبَوْل بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْكَلِمَات الَّتِي ابْتُلِيَ بِهن إِبْرَاهِيم فأتمهن فِرَاق قومه فِي الله حِين أَمر بمفارقتهم ومحاجته نمْرُود فِي الله حِين وَقفه على مَا وَقفه عَلَيْهِ من خطر الْأَمر الَّذِي فِيهِ خلافهم وَصَبره على قذفهم إِيَّاه فِي النَّار ليحرقوه فِي الله وَالْهجْرَة بعد ذَلِك من وَطنه وبلاده حِين أمره بِالْخرُوجِ عَنْهُم وَمَا أمره بِهِ من الضِّيَافَة وَالصَّبْر عَلَيْهَا وَمَا بتلي بِهِ من ذبح وَلَده
فَلَمَّا مضى على ذَلِك كُله وأخلصه الْبلَاء قَالَ الله لَهُ اسْلَمْ (قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين)(الْبَقَرَة الْآيَة 131)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْكَلِمَات الَّتِي ابْتُلِيَ بهَا عشر سِتّ فِي الإِنسان وَأَرْبع فِي المشاعر
فَأَما الَّتِي فِي الإِنسان فحلق الْعَانَة ونتف الْإِبِط والختان وتقليم الْأَظْفَار وقص الشَّارِب والسواك وَغسل يَوْم الْجُمُعَة
وَالْأَرْبَعَة الَّتِي فِي المشاعر الطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَرمي الْجمار والإِفاضة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا ابْتُلِيَ أحد بِهَذَا الدّين فَقَامَ بِهِ كُله إِلَّا إِبْرَاهِيم قَالَ {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن} قيل مَا الْكَلِمَات قَالَ: سِهَام الإِسلام ثَلَاثُونَ سَهْما
عشر فِي بَرَاءَة التائبون العابدون إِلَى آخر الْآيَة وَعشر فِي أول سُورَة قد أَفْلح وَسَأَلَ سَائل وَالَّذين يصدقون بِيَوْم الدّين الْآيَات وَعشر فِي الْأَحْزَاب إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات إِلَى آخر الْآيَة فأتمهن كُلهنَّ فَكتب لَهُ بَرَاءَة قَالَ تَعَالَى (وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى)(النَّجْم الْآيَة 37)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات فأتمهن} قَالَ: مِنْهُنَّ مَنَاسِك الْحَج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْكَلِمَات (إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا)(الْبَقَرَة الْآيَة 124)
(وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم القوعد)(الْبَقَرَة الْآيَة 127) والآيات فِي شَأْن الْمَنَاسِك وَالْمقَام الَّذِي جعل لإِبراهيم والرزق الَّذِي رزق ساكنو الْبَيْت وَبعث مُحَمَّد فِي ذريتهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه بِكَلِمَات} قَالَ: ابتلى بِالْآيَاتِ الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: ابتلاه بالكوكب فَرضِي عَنهُ وابتلاه بالقمر فَرضِي عَنهُ وابتلاه بالشمس فَرضِي عَنهُ وابتلاه بِالْهِجْرَةِ فَرضِي عَنهُ وابتلاه بالختان فَرضِي عَنهُ وابتلاه بِابْنِهِ فَرضِي عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأتمهن} قَالَ: فأدّاهن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من فطْرَة إِبْرَاهِيم السِّوَاك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: من فطْرَة إِبْرَاهِيم غسل الذّكر والبراجم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُجَاهِد قَالَ: سِتّ من فطْرَة إِبْرَاهِيم قصّ الشَّارِب والسواك وَالْفرق وقص الْأَظْفَار والاستنجاء وَحلق الْعَانَة قَالَ: ثَلَاثَة فِي الرَّأْس وَثَلَاثَة فِي الْجَسَد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: الْفطْرَة خمس أَو خمس من الْفطْرَة
الْخِتَان والاستحداد وقص الشَّارِب وتقليم الْأَظْفَار ونتف الآباط
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: من الْفطْرَة حلق الْعَانَة وتقليم الْأَظْفَار وقص الشَّارِب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عشر من الْفطْرَة قصّ الشَّارِب واعفاء اللِّحْيَة والسواك وَالِاسْتِنْشَاق بِالْمَاءِ وقص الْأَظْفَار وَغسل البراجم ونتف الآباط وَحلق الْعَانَة وانتفاض المَاء يَعْنِي الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ
قَالَ مُصعب: نسيت الْعَاشِرَة إِلَّا أَن تكون الْمَضْمَضَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عمار بن يَاسر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْفطْرَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق والسواك وقص الشَّارِب وتقليم الْأَظْفَار ونتف الابط والاستنجاء وَغسل البراجم والانتضاح والاختتان
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطهارات أَربع قصّ الشَّارِب وَحلق الْعَانَة وتقليم الْأَظْفَار والسواك
وَأخرج وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس بن مَالك قَالَ وقَّت لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي قصّ الشَّارِب وتقليم الْأَظْفَار وَحلق الْعَانَة ونتف الإِبط أَن لَا تتْرك أَكثر من أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: لقد أَبْطَأَ عَنْك جِبْرِيل
فَقَالَ: وَلم لَا يبطىء عني وَأَنْتُم حَولي لَا تستنون لَا تقلمون أظفاركم وَلَا تقصون شواربكم وَلَا تنقون براجمكم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقص أَو يَأْخُذ من شَاربه قَالَ: لِأَن خَلِيل الرَّحْمَن إِبْرَاهِيم يَفْعَله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن زيد بن أَرقم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: من لم يَأْخُذ من شَاربه فَلَيْسَ منا
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خالفوا الْمُشْركين وفروا اللحى وأحفوا الشَّوَارِب
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: خالفوا الْمَجُوس جزوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله قَالَ جَاءَ رجل من الْمَجُوس إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد حلق لحيته وَأطَال شَاربه فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: مَا هَذَا قَالَ: هَذَا فِي ديننَا
قَالَ: وَلَكِن فِي ديننَا أَن تجز الشَّارِب وَأَن تعفي اللِّحْيَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أبْصر رجلا وشاربه طَوِيل فَقَالَ: ائْتُونِي بمقص وَسوَاك فَجعل السِّوَاك على طرفه ثمَّ أَخذ مَا جَاوز
وَأخرج البزرا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقلم أَظْفَاره ويقص شَاربه يَوْم الْجُمُعَة قبل أَن يخرج إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج ابْن عدي بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ وَقت لنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يحلق الرجل عانته كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَن ينتف ابطه كلما طلع وَلَا يدع شاربيه يطولان وَأَن يقلم أَظْفَاره من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قصوا أظافيركم فَإِن الشَّيْطَان يجْرِي مَا بَين اللَّحْم وَالظفر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن وابصة بن معبد قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن كل شَيْء حَتَّى سَأَلته عَن الْوَسخ الَّذِي يكون فِي الْأَظْفَار فَقَالَ: دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لي لَا أهم وَرفع أحدكُم بَين أنملته وظفره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قيس بن حَازِم قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم صَلَاة فأوهم فِيهَا فَسَأَلَ فَقَالَ: مَا لي لَا أهم وَرفع أحدكُم بَين ظفره وأنملته
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: تسوكوا فَإِن السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب مَا جَاءَنِي جِبْرِيل إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشيت أَن يفْرض عَليّ وعَلى أمتِي وَلَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَن أشق على أمتِي لفرضته لَهُم وَإِنِّي لأستاك حَتَّى أَنِّي خشيت أَن أحفي مقادم فيَّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب ومجلاة لِلْبَصَرِ
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مطهرة للفم مرضاة للرب مفرحة للْمَلَائكَة يزِيد فِي الْحَسَنَات وَهُوَ من السّنة يجلو الْبَصَر وَيذْهب الْحفر ويشد اللثة وَيذْهب البلغم ويطيب الْفَم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم عِنْد كل صَلَاة بِوضُوء وَعند كل وضوء بسواك
وَأخرج الْبَزَّار وأبويعلى وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة قَالَت مَا زَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يذكر بِالسِّوَاكِ حَتَّى خشينا أَن ينزل فِيهِ قُرْآن
وَأخرج أَحْمد والحرث بن أبي أُسَامَة وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي كتاب السِّوَاك وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فضل الصَّلَاة بسواك على الصَّلَاة بِغَيْر سواك سَبْعُونَ ضعفا
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد جيد عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ رَكْعَتَانِ بسواك أفضل من سبعين رَكْعَة بِغَيْر سواك
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى بِسَنَد جيد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لقد أمرت بِالسِّوَاكِ حَتَّى ظَنَنْت أَنه ينزل عليّ بِهِ قُرْآن أَو وَحي
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا ينَام إِلَّا السِّوَاك عِنْده فَإِذا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مازال جِبْرِيل يوصيني بِالسِّوَاكِ حَتَّى خفت على أضراسي
وَأخرج الْبَزَّار وَالتِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن كليح بن عبد الله الخطمي
عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خمس من سنَن الْمُرْسلين الْحيَاء والحلم والحجامة والسواك والتعطر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا ينَام لَيْلَة وَلَا ينتبه إِلَّا اسْتنَّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بَيته لشَيْء من الصَّلَوَات حَتَّى يستاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يرقد من ليل وَلَا نَهَار فيستقيظ تسوّك قبل أَن يتَوَضَّأ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت بِأَيّ شَيْء كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يبْدَأ إِذا دخل بَيته قَالَت: كَانَ إِذا دخل يبْدَأ بِالسِّوَاكِ
وَأخرج ابْن ماجة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِن أَفْوَاهكُم طرق لِلْقُرْآنِ فطيبوها بِالسِّوَاكِ
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي كتاب السِّوَاك عَن عَليّ مَرْفُوعا
وَأخرج ابْن السّني وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن السِّوَاك ليزِيد الرجل فصاحة
وَأخرج ابْن السّني عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قِرَاءَة الْقُرْآن والسواك يذهب البلغم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة عَن سمويه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا نَام لَيْلَة حَتَّى اسْتنَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأَبُو نعيم فِي كتاب السِّوَاك بِسَنَد ضَعِيف من طَرِيق أبي عَتيق عَن جَابر
أَنه كَانَ ليستاك إِذا أَخذ مضجعه وَإِذا قَامَ من اللَّيْل وَإِذا خرج إِلَى الصَّلَاة
فَقلت لَهُ: لقد شققت على نَفسك
فَقَالَ: إِن أُسَامَة أَخْبرنِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يستاك هَذَا السِّوَاك
وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَن يستاكوا بالأسحار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن عَليّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل وضوء
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد ضَعِيف عَن قثم أَو تَمام بن عَبَّاس قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لكم تَأْتُونِي قلحاً لَا تسوكون لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لفرضت عَلَيْهِم السِّوَاك كَمَا فرضت عَلَيْهِم الْوضُوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر قَالَ: كَانَ السِّوَاك من أذن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَوضِع الْقَلَم من أذن الْكَاتِب
وَأخرج الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء وَأَبُو نعيم فِي السِّوَاك بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا سَافر حمل السِّوَاك والمشط والمكحلة والقارورة والمرآة
وَأخرج أَبُو نعيم بِسَنَد واهٍ عَن رَافع بن خديج مَرْفُوعا السِّوَاك وَاجِب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لقد كُنَّا نؤمر بِالسِّوَاكِ حَتَّى ظننا أَنه سينزل بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حسان بن عَطِيَّة مَرْفُوعا الْوضُوء شطر الإِيمان والسواك شطر الْوضُوء وَلَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة رَكْعَتَانِ يستاك بهما العَبْد أفضل من سبعين رَكْعَة لَا يستاك فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سُلَيْمَان بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم استاكوا وتنظفوا وأوتروا فَإِن الله وتر يحب الْوتر
وَأخرج ابْن عدي عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر بتعاهد البراجم عِنْد الْوضُوء لِأَن الْوَسخ إِلَيْهَا سريع
وَأخرج التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول بِسَنَد فِيهِ مَجْهُول عَن عبد الله بن بسر رَفعه قصوا أظفاركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ أهل الْكتاب يسدلون أشعارهم وَكَانَ الْمُشْركُونَ يفرقون رؤوسهم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُعجبهُ مُوَافقَة أهل الْكتاب فِيمَا لم يُؤمر بِهِ فسدل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثمَّ فرق بعد
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد جيد عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا اطلى ولى (تَابع) عانته بِيَدِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد ضَعِيف جدا عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يتنور وَكَانَ إِذا كثر شعره حلقه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس رَفعه الْخِتَان سنة للرِّجَال مكرمَة للنِّسَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي مُسْند الشاميين وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْعَقِيقَة وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عيثم بن كُلَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَنه جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: فقد أسلمت - فَقَالَ لَهُ: ألق عَنْك شعر الْكفْر - يَقُول: احْلق قَالَ: وَأَخْبرنِي آخر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لآخر مَعَه ألق عَنْك شعر الْكفْر واختتن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أسلم فليختتن
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَنه دعِي إِلَى ختان فَقَالَ: مَا كنَّا نأتي الْخِتَان على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا ندعى لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سبع من السّنة فِي الصَّبِي يَوْم السَّابِع يُسمى ويختن ويماط عَنهُ الْأَذَى ويعق عَنهُ ويحلق رَأسه ويلطخ من عقيقته وَيتَصَدَّق بِوَزْن شعر رَأسه ذَهَبا أَو فضَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْعَقِيقَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عق عَن الْحسن وَالْحُسَيْن وختنهما لسبعة أَيَّام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه
أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام ختن إِسْحَق لسبعة أَيَّام وختن إِسْمَاعِيل عِنْد بُلُوغه
وَأخرج ابْن سعد عَن حَيّ بن عبد الله قَالَ: بَلغنِي أَن إِسْمَاعِيل عليه السلام اختتن وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشر سنة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الْعَقِيقَة من طَرِيق مُوسَى بن عَليّ بن رَبَاح عَن أَبِيه
أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام أَمر أَن يختتن وَهُوَ حِينَئِذٍ ابْن ثَمَانِينَ سنة فَعجل واختتن بالقدوم فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الوجع فَدَعَا ربه فَأوحى إِلَيْهِ أَنَّك عجلت قبل أَن نأمرك بآلته قَالَ: يَا رب كرهت أَن أؤخر أَمرك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اختتن إِبْرَاهِيم عليه السلام وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة بالقدوم
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ إِبْرَاهِيم أول من اختتن وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة سنة واختتن بالقدوم ثمَّ عَاشَ بعد ذَلِك ثَمَانِينَ سنة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وصححاه من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: اختتن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله وَهُوَ ابْن عشْرين وَمِائَة سنة بالقدوم ثمَّ عَاشَ بعد ذَلِك ثَمَانِينَ سنة
قَالَ سعيد: وَكَانَ إِبْرَاهِيم أول من اختتن وَأول من رأى الشيب فَقَالَ: يَا رب مَا هَذَا قَالَ: وقار يَا إِبْرَاهِيم
قَالَ: رب زِدْنِي وقاراً
وَأول من أضَاف الضَّيْف وَأول من جز شَاربه وَأول من قصّ أظافيره وَأول من استحد
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم أول من أضَاف الضَّيْف وَأول من قصّ الشَّارِب وَأول من رأى الشيب وَأول من قصّ الأظافير وَأول من اختتن بقدومه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَت هَاجر لسارة فأعطت هَاجر إِبْرَاهِيم فَاسْتَبق إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق لنَفسِهِ فسبقه إِسْمَاعِيل فَقعدَ فِي حجر إِبْرَاهِيم
قَالَت: سارة: وَالله لأغيرن مِنْهَا ثَلَاثَة أَشْرَاف فخشي إِبْرَاهِيم أَن تجدعها أَو تخرم أذنيها فَقَالَ لَهَا: هَل لَك أَن تفعلي شَيْئا وتبري يَمِينك تثقبين أذنيها وتخفضينها فَكَانَ أول الخفاض هَذَا
وَأخرج البهقي عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة قَالَ: شكا إِبْرَاهِيم عليه السلام إِلَى ربه مَا يلقى من رداءة خلق سارة فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا إِبْرَاهِيم [] أول من تسرول وَأول من فرق وأوّل من استحد وَأول من اختتن وَأول من قرى الضَّيْف وَأول من شَاب
وَأخرج وَكِيع عَن وَاصل مولى ابْن عَيْنِيَّة قَالَ: أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم يَا إِبْرَاهِيم انك أكْرم أهل الأَرْض إِلَيّ فَإِذا سجدت فَلَا تَرَ الأَرْض عورتك
قَالَ: فَاتخذ سَرَاوِيل
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ: طلعت كف من السَّمَاء بَين أصبعين من أصابعها شَعْرَة بَيْضَاء فَجعلت تَدْنُو من رَأس إِبْرَاهِيم ثمَّ تَدْنُو فالقتها فِي رَأسه وَقَالَت: اشعل وقاراً ثمَّ أوحى الله إِلَيْهَا أَن تظهر وَكَانَ أول من شَاب واختتن
وَأنزل الله على إِبْرَاهِيم مِمَّا أنزل على مُحَمَّد (التائبون العابدون الحامدون)(التَّوْبَة الْآيَة 112) إِلَى قَوْله (وَبشر الْمُؤمنِينَ) و (قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ)(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَات 1 - 11) إِلَى قَوْله (هم فِيهَا خَالدُونَ) و (إِن الْمُسلمين وَالْمُسلمَات
) (الْأَحْزَاب الْآيَة 35) الْآيَة
وَالَّتِي فِي سَأَلَ و (الَّذين هم على صلَاتهم دائمون)(المعارج الْآيَات 23 - 33) إِلَى قَوْله (قائمون) فَلم يَفِ بِهَذِهِ السِّهَام إِلَّا إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن سلمَان قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيم ربه خيرا فَأصْبح ثلثا رَأسه أَبيض فَقَالَ: مَا هَذَا فَقيل لَهُ: عِبْرَة فِي الدُّنْيَا وَنور فِي الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: أَوَى إِبْرَاهِيم إِلَى فرَاشه فَسَأَلَ الله أَن يؤتيه خيرا فَأصْبح وَقد شَاب ثلثا رَأسه فساءه ذَلِك فَقيل: لَا يسوءنك فَإِنَّهُ عِبْرَة فِي الدُّنْيَا وَنور لَك فِي الْآخِرَة وَكَانَ أول شيب كَانَ
وَأخرج الديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول من خضب بِالْحِنَّاءِ والكتم إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يصبغون فخالفوهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن أحسن مَا غيرتم بِهِ الشيب الْحِنَّاء والكتم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب وَلَا تشبهوا باليهود
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تشبهوا بالأعاجم غيروا اللحى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبَزَّار عَن سعد عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه قَالَ: أول من خطب على الْمِنْبَر إِبْرَاهِيم عليه السلام حِين أسر لوط واستأسرته الرّوم فعزا إِبْرَاهِيم حَتَّى اسنقذه من الرّوم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: أول من رتب الْعَسْكَر فِي الْحَرْب ميمنة وميسرة وَقَلْبًا إِبْرَاهِيم عليه السلام لما سَار لقِتَال الَّذين أَسرُّوا لوطا عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن أبي يزِيد عَن رجل قد سَمَّاهُ قَالَ: أوّل من عقد الألوية إِبْرَاهِيم عليه السلام بلغه أَن قوما أَغَارُوا على لوط فسبوه فعقد لِوَاء وَسَار إِلَيْهِم بعبيده ومواليه حَتَّى أدركهم فاستقذه وَأَهله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الرُّومِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول من عمل القسي إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أوّل من ضيف الضَّيْف إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن يكنى أَبَا الضيفان وَكَانَ لقصره أَرْبَعَة أَبْوَاب لكَي لَا يفوتهُ أحد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الله عليه السلام إِذا أَرَادَ أَن يتغدى طلب من يتغدى مَعَه إِلَى ميل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الإخوان والخطيب فِي تَارِيخه والديلمي فِي مُسْند الفردوس والغسولي فِي جزئه الْمَشْهُور وَاللَّفْظ لَهُ عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن معانقة الرجل الرجل إِذا لقِيه قَالَ: كَانَت تَحِيَّة الْأُمَم وَفِي لفظ كَانَت تَحِيَّة أهل الْإِيمَان وخالص ودهم وَأول من عانق خَلِيل الرَّحْمَن فَإِنَّهُ خرج يَوْمًا يرتاد لماشيته فِي جبال من جبال بَيت الْمُقَدّس إِذْ سمع صَوت مقدس يقدس الله تَعَالَى فذهل عَمَّا كَانَ يطْلب فقصد قصد الصَّوْت فَإِذا هُوَ بشيخ طوله ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا أهلب يوحد الله عز وجل فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: يَا شيخ من رَبك قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاء
قَالَ: من رب الأَرْض قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاء
قَالَ: فِيهَا رب غَيره قَالَ: مَا فِيهَا رب غَيره لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده
قَالَ إِبْرَاهِيم: فَأَيْنَ قبلتك قَالَ: إِلَى الْكَعْبَة
فَسَأَلَهُ عَن طَعَامه فَقَالَ: أجمع من هَذِه الثَّمَرَة فِي الصَّيف فآكله فِي الشتَاء
قَالَ: هَل بَقِي مَعَك أحد من قَوْمك قَالَ: لَا
قَالَ: أَيْن مَنْزِلك قَالَ: تِلْكَ المغارة
قَالَ: اعبر بِنَا إِلَى بَيْتك
قَالَ: بيني وَبَينهَا وَاد لَا يخاض
قَالَ: فَكيف تعبره فَقَالَ: أَمْشِي عَلَيْهِ ذَاهِبًا وأمشي عَلَيْهِ عَائِدًا
قَالَ: فَانْطَلق بِنَا فافعل الَّذِي ذلله لَك يذلله لي
فَانْطَلقَا حَتَّى انتهيا فمشيا جَمِيعًا عَلَيْهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا يعجب من صَاحبه فَلَمَّا دخلا المغارة فَإِذا بقبلته قبْلَة إِبْرَاهِيم قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: أَي يَوْم خلق الله أَشد قَالَ الشَّيْخ: ذَلِك الْيَوْم الَّذِي يضع كرسيه لِلْحسابِ يَوْم تسعر جَهَنَّم لَا يبْقى ملك مقرب ولانبي مُرْسل إلَاّ خر يهمه نَفسه
قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: ادْع الله يَا شيخ أَن يؤمني وَإِيَّاك من هول ذَلِك الْيَوْم
قَالَ الشَّيْخ: وَمَا تصنع بدعائي ولي فِي السَّمَاء دَعْوَة محبوسة مُنْذُ ثَلَاث سِنِين قَالَ إِبْرَاهِيم: أَلا أخْبرك مَا حبس دعاءك قَالَ: بلَى
قَالَ: إِن الله عز وجل إِذا أحب عبدا احْتبسَ مَسْأَلته يحب صَوته ثمَّ جعل لَهُ على كل مَسْأَلَة ذخْرا لَا يخْطر على قلب بشر وَإِذا أبْغض الله عبدا عجل لَهُ حَاجته أَو ألْقى الأياس فِي صَدره ليقْبض صَوته فَمَا دعوتك الَّتِي هِيَ فِي السَّمَاء محبوسة قَالَ: مر بِي هَهُنَا شَاب فِي رَأسه ذؤابة مُنْذُ ثَلَاث سِنِين وَمَعَهُ غنم قلت: لمن هَذِه قَالَ: لخليل الله إِبْرَاهِيم
قلت: اللَّهُمَّ إِن كَانَ لَك فِي الأَرْض خَلِيل فأرنيه قبل خروجي من الدُّنْيَا
قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم عليه السلام: قد أجيبت دعوتك ثمَّ اعتنقا فَيَوْمئِذٍ كَانَ أصل المعانقة وَكَانَ قبل ذَلِك السُّجُود هَذَا لهَذَا وَهَذَا لهَذَا ثمَّ جَاءَ الصفاح مَعَ الإِسلام فَلم يسْجد وَلم يعانق وَلنْ تفترق الْأَصَابِع حَتَّى يغْفر لكل مصافح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن كَعْب قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم عليه السلام: إِنَّنِي ليحزنني أَن لَا أرى أحدا فِي الأَرْض يعبدك غَيْرِي فَأنْزل الله إِلَيْهِ مَلَائكَته يصلونَ مَعَه وَيَكُونُونَ مَعَه
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم عَن نوف الْبكالِي قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم عليه السلام: يَا رب إِنَّه لَيْسَ فِي الأَرْض أحد يعبدك غَيْرِي فَأنْزل الله عز وجل ثَلَاثَة آلَاف ملك فَأمهمْ ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: إِبْرَاهِيم عليه السلام أول من أضَاف الضَّيْف وَأول من ثرد الثَّرِيد وَأول من رأى الشيب وَكَانَ قد وسع عَلَيْهِ فِي المَال والخدم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن السّديّ قَالَ: أول من ثرد الثَّرِيد إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج الديلمي عَن نبيط بن شريط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول من اتخذ الْخبز المبلقس إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مطرف قَالَ: أول من راغم إِبْرَاهِيم عليه السلام حِين راغم قومه إِلَى الله بِالدُّعَاءِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أول الْخَلَائق يلقى بِثَوْب - يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة - إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: يحْشر النَّاس عُرَاة حُفَاة فَأول من يلقى بِثَوْب إِبْرَاهِيم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: يحْشر النَّاس عُرَاة حُفَاة فَيَقُول الله: أَلا أرى خليلي عُريَانا فيكسى يحْشر النَّاس عُرَاة حُفَاة ثوبا أَبيض فَهُوَ أول من يكسى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن الْحَرْث قَالَ: أوّل من يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم عليه السلام قبطيتين ثمَّ يكسى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حلَّة الْحيرَة وَهُوَ على يَمِين الْعَرْش
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا خير الْبَريَّة
قَالَ: ذَاك إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح قَالَ: انْطلق إِبْرَاهِيم عليه السلام يمتار فَلم يقدر على الطَّعَام فَمر بسهلة حَمْرَاء فَأخذ مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَقَالُوا: مَا هَذَا قَالَ: حِنْطَة حَمْرَاء ففتحوها فَوَجَدَهَا حِنْطَة حَمْرَاء فَكَانَ إِذا زرع مِنْهَا شَيْئا نَبتَت سنبلة من أَصْلهَا إِلَى فرعها حبا متراكباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سلمَان قَالَ: أرسل على إِبْرَاهِيم عليه السلام أسدان مجوّعان فلحساه وَسجدا لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي بن كَعْب إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: أرسل إِلَيّ رَبِّي أَن أَقرَأ الْقُرْآن على حرف فَرددت عَلَيْهِ يَا رب هوّن على أمتِي فَرد على الثَّانِيَة أَن أَقرَأ على حرفين قلت: يَا رب هوّن على أمتِي فَرد على الثَّالِثَة أَن أَقرَأ على سَبْعَة أحرف وَلَك بِكُل ردة رَددتهَا مَسْأَلَة فسلنيها
فَقلت: اللَّهُمَّ اغْفِر لأمتي اللَّهُمَّ اغْفِر لأمتي وأخرت الثَّالِثَة إِلَى يَوْم يرغب إِلَيّ فِيهِ الْخَلَائق حَتَّى إِبْرَاهِيم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن كَعْب قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم عليه السلام يقري الضَّيْف وَيرْحَم الْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل فابطأت عَلَيْهِ الأضياف حَتَّى أشرأب بذلك فَخرج إِلَى الطَّرِيق يطْلب فَجَلَسَ ملك الْمَوْت عليه السلام فِي صُورَة رجل فَسلم عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ سَأَلَهُ من أَنْت قَالَ: أَنا ابْن السَّبِيل قَالَ: إِنَّمَا قعدت هَهُنَا لمثلك فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ: انْطلق
فَذهب إِلَى منزله فَلَمَّا رَآهُ إِسْحَق عرفه فَبكى إِسْحَق فَلَمَّا رَأَتْ سارة إِسْحَق يبكي بَكت لبكائه فَلَمَّا رأى إِبْرَاهِيم سارة تبْكي فَبكى لبكائها فَلَمَّا رأى ملك الْمَوْت إِبْرَاهِيم يبكي بَكَى لبكائه ثمَّ صعد ملك الْمَوْت فَلَمَّا ارْتقى غضب إِبْرَاهِيم فَقَالَ: بكيتم فِي وَجه ضَيْفِي حَتَّى ذهب فَقَالَ إِسْحَق: لَا تلمني يَا أَبَت فَإِنِّي رَأَيْت ملك الْمَوْت مَعَك لَا أرى أَجلك إِلَّا قد حضر فارث فِي أهلك أَي أوصه وَكَانَ لإِبْرَاهِيم بَيت يتعبد فِيهِ فَإِذا خرج أغلقه لَا يدْخلهُ غَيره فجَاء إِبْرَاهِيم فَفتح بَيته الَّذِي يتعبد فِيهِ فَإِذا هُوَ بِرَجُل جَالس فَقَالَ إِبْرَاهِيم: من أدْخلك بِإِذن من دخلت قَالَ: بِإِذن رب الْبَيْت
قَالَ: رب الْبَيْت أَحَق بِهِ ثمَّ تنحى فِي نَاحيَة الْبَيْت فصلى ودعا كَمَا كَانَ يصنع وَصعد ملك الْمَوْت فَقيل لَهُ: مَا رَأَيْت قَالَ: يَا رب جئْتُك من عِنْد عَبدك لَيْسَ بعده فِي الأَرْض خير
قيل لَهُ: مَا رَأَيْت مِنْهُ قَالَ: مَا ترك خلقا من خلقك إِلَّا قد دَعَا لَهُ بِخَير فِي دينه وَفِي معيشته
ثمَّ مكث إِبْرَاهِيم عليه السلام مَا شَاءَ الله ثمَّ جَاءَ فَفتح بَابه فَإِذا هُوَ بِرَجُل جَالس قَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: إِنَّمَا أَنا ملك الْمَوْت
قَالَ إِبْرَاهِيم: إِن كنت صَادِقا فأرني آيَة أعرف أَنَّك ملك الْمَوْت
قَالَ: اعْرِض بِوَجْهِك يَا إِبْرَاهِيم
قَالَ: ثمَّ أقبل فَأرَاهُ الصُّورَة الَّتِي يقبض بهَا الْمُؤمنِينَ فَرَأى شَيْئا من النُّور والبهاء لَا يُعلمهُ إِلَّا الله ثمَّ قَالَ: انْظُر فَأرَاهُ الصُّورَة الَّتِي يقبض بهَا الْكفَّار والفجار فرعب إِبْرَاهِيم عليه السلام رعْبًا حَتَّى ألصق بَطْنه بِالْأَرْضِ كَادَت نفس إِبْرَاهِيم تخرج فَقَالَ: أعرف الَّذين أُمِرْتَ بِهِ فَامْضِ لَهُ
فَصَعدَ ملك الْمَوْت فَقيل لَهُ: تلطف بإبراهيم فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي عِنَب لَهُ وَهُوَ فِي صُورَة شيخ كَبِير لم يبْق مِنْهُ شَيْء فَلَمَّا رَآهُ إِبْرَاهِيم رَحمَه فَأخذ مكتلاً ثمَّ دخل عنبه فقطف من الْعِنَب فِي مكتله ثمَّ جَاءَ فَوَضعه بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: كل
فَجعل يضع ويريه أَن يَأْكُل ويمجه على لحيته وعَلى صَدره فَعجب إِبْرَاهِيم فَقَالَ: مَا أبقت
السن مِنْك شَيْئا كم أَتَى لَك فَحسب مُدَّة إِبْرَاهِيم فَقَالَ: امالي كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ إِبْرَاهِيم: قد أُتِي لي هَذَا إِنَّمَا انْتظر أَن أكون مثلك اللَّهُمَّ اقبضني إِلَيْك فطابت نفس إِبْرَاهِيم على نَفسه وَقبض ملك الْمَوْت نَفسه تِلْكَ الْحَال
وَأخرج الْحَاكِم عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ: ولد إِبْرَاهِيم بغوطة دمشق فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا بَرزَة وَمن جبل يُقَال لَهُ قاسيون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي السكن الهجري قَالَ: مَاتَ خَلِيل الله فَجْأَة وَمَات دَاوُد فَجْأَة وَمَات سُلَيْمَان بن دَاوُد فَجْأَة والصالحون وَهُوَ تَخْفيف على الْمُؤمن وَتَشْديد على الْكَافِر
وَأخرج [] أَن ملك الْمَوْت جَاءَ إِلَى إِبْرَاهِيم عليه السلام ليقْبض روحه فَقَالَ إِبْرَاهِيم: يَا ملك الْمَوْت هَل رَأَيْت خَلِيلًا يقبض روح خَلِيله فعرج ملك الْمَوْت إِلَى ربه فَقَالَ: قله لَهُ: هَل رَأَيْت خَلِيلًا يكره لِقَاء خَلِيله فَرجع قَالَ: فاقبض روحي السَّاعَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير قَالَ كَانَ الله يبْعَث ملك الْمَوْت إِلَى الْأَنْبِيَاء عيَانًا فَبَعثه إِلَى إِبْرَاهِيم عليه السلام ليقبضه فَدخل دَار إِبْرَاهِيم فِي صُورَة رجل شَاب جميل وَكَانَ إِبْرَاهِيم غيوراً فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ حَملته الْغيرَة على أَن قَالَ لَهُ: يَا عبد الله مَا أدْخلك دَاري قَالَ: أدخلنيها رَبهَا
فَعرف إِبْرَاهِيم أَن هَذَا الْأَمر حدث قَالَ يَا إِبْرَاهِيم: إِنِّي أمرت بِقَبض روحك
قَالَ: أمهلني يَا ملك الْمَوْت حَتَّى يدْخل إِسْحَق فامهله فَلَمَّا دخل إِسْحَق قَامَ إِلَيْهِ فاعتنقه كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فرق لَهما ملك الْمَوْت فَرجع إِلَى ربه فَقَالَ: يَا رب رَأَيْت خَلِيلك جزع من الْمَوْت
قَالَ: يَا ملك الْمَوْت فَائت خليلي فِي مَنَامه فاقبضه فَأَتَاهُ فِي مَنَامه فَقَبضهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والمروزي فِي الْجَنَائِز عَن أبي مليكَة أَن إِبْرَاهِيم لما لَقِي ربه قيل لَهُ: كَيفَ وجدت الْمَوْت قَالَ: وجدت نَفسِي كَأَنَّمَا تنْزع بالسلي
قيل لَهُ: قد يسرنَا عَلَيْك الْمَوْت
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء وَابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَاد الْمُؤمنِينَ فِي جبل فِي الْجنَّة يكفلهم إِبْرَاهِيم وَسَارة عليهما السلام حَتَّى يردهم إِلَى آبَائِهِم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَكْحُول أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن ذَرَارِي الْمُسلمين فِي عصافير خضر فِي شجر فِي الْجنَّة يكفلهم إِبْرَاهِيم عليه السلام
أما قَوْله تَعَالَى: {قَالَ إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} الْآيَة أخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {قَالَ إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} يقْتَدى بِدينِك وهديك وسنتك {قَالَ وَمن ذريتي} إِمَامًا لغير ذريتي {قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} أَن يقْتَدى بدينهم وهديهم وسنتهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: هَذَا عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة لَا ينَال عَهده ظَالِما فاما فِي الدُّنْيَا نالوا عَهده فوارثوا بِهِ الْمُسلمين وغازوهم وناكحوهم فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قصر الله عَهده وكرامته على أوليائه
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} يؤتم بِهِ ويقتدى قَالَ إِبْرَاهِيم {وَمن ذريتي} فَاجْعَلْ من يؤتم بِهِ ويقتدى بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ الله لإِبراهيم {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا قَالَ وَمن ذريتي} فَأبى أَن يفعل ثمَّ {قَالَ لَا ينَال عهدي الظَّالِمين}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} قَالَ: لَا اجْعَل اماماً ظَالِما يقْتَدى بِهِ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: يُخبرهُ أَنه كَائِن فِي ذُريَّته ظَالِم لَا ينَال عَهده وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يوليه شَيْئا من أمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} قَالَ: لَيْسَ بظالم عَلَيْك عهد فِي مَعْصِيّة الله أَن تُطِيعهُ
وَأخرج وَكِيع وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {لَا ينَال عهدي الظَّالِمين} قَالَ: لَا طَاعَة إِلَّا فِي الْمَعْرُوف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عمرَان بن حُصَيْن سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا طَاعَة مفترضة إِلَّا لنَبِيّ
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَن طهرنا بَيْتِي للطائفين والعاكفين والركع السُّجُود
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت} قَالَ: الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مثابة للنَّاس} قَالَ: يثوبون إِلَيْهِ ثمَّ يرجعُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مثابة للنَّاس} قَالَ لَا يقضون مِنْهُ وطراً يأتونه ثمَّ يرجعُونَ إِلَى أَهْليهمْ ثمَّ يعودون إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء فِي قَوْله {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس} قَالَ: يأْتونَ إِلَيْهِ من كل مَكَان
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مثابة للنَّاس} قَالَ: يأْتونَ إِلَيْهِ لَا يقضون مِنْهُ وطراً ابداً يحجون ثمَّ يعودون {وَأمنا} قَالَ: تَحْرِيمه لَا يخَاف من دخله وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأمنا} قَالَ: أمنا للنَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَأمنا} قَالَ: أمنا من الْعدوان يحمل فِيهِ السِّلَاح وَقد كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتخطف النَّاس من حَولهمْ وهم آمنون
أما قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} أخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق أَن أَصْحَاب عبد الله كَانُوا يقرؤون {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} قَالَ: أَمرهم أَن يتخذوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت سعيد بن جُبَير قَرَأَهَا {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} بخفض الْخَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد والعدني والدارمي وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية
والطَّحَاوِي وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الإِفراد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث أَو واقفني رَبِّي فِي ثَلَاث
قلت: يَا رَسُول الله لَو اتَّخذت من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى فَنزلت {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} وَقلت: يَا رَسُول الله إِن نِسَاءَك يدْخل عَلَيْهِم الْبر والفاجر فَلَو أمرتهن أَن يحتجبن فَنزلت آيَة الْحجاب
وَاجْتمعَ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه فِي الْغيرَة فَقلت لَهُنَّ (عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن)(التَّحْرِيم الْآيَة 5) فَنزلت كَذَلِك
وَأخرج مُسلم وَابْن أبي دَاوُد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رمل ثَلَاثَة أَشْوَاط وَمَشى أَرْبعا حَتَّى إِذا فرغ عمد إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم فصلى خَلفه رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَرَأَ {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ لما وقف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم فتح مَكَّة عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم قَالَ لَهُ عمر: يَا رَسُول الله هَذَا مقَام إِبْرَاهِيم الَّذِي قَالَ الله {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} قَالَ: نعم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى فَنزلت {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى}
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أنس أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله لوصلينا خلف الْمقَام فَنزلت {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ الْمقَام إِلَى لزق الْبَيْت فَقَالَ عمر بن الْخطاب يَا رَسُول الله لَو نحيته إِلَى الْبَيْت ليُصَلِّي إِلَيْهِ النَّاس فَفعل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأنْزل الله {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ عمر يَا رَسُول الله صلينَا خلف الْمقَام فَأنْزل الله {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} فَكَانَ الْمقَام عِنْد الْبَيْت فحوّله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى مَوْضِعه هَذَا
قَالَ مُجَاهِد: وَقد كَانَ عمر يرى الرَّأْي فَينزل بِهِ الْقُرْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عمر بن مَيْمُون عَن عمر أَنه مر بمقام إِبْرَاهِيم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ نقوم مقَام إِبْرَاهِيم خَلِيل رَبنَا قَالَ: بلَى
قَالَ: أَفلا
نتخذه مصلى فَلم يلبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى نزلت {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الإِفراد عَن أبي ميسرَة قَالَ: قَالَ عمر يَا رَسُول الله هَذَا مقَام خَلِيل رَبنَا أَفلا نتخذه مصلى فَنزلت {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أما مقَام إِبْرَاهِيم الَّذِي ذكر هَهُنَا فمقام إِبْرَاهِيم هَذَا الَّذِي فِي الْمَسْجِد ومقام إِبْرَاهِيم بعد كثير مقَام إِبْرَاهِيم الْحَج كُله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مقَام إِبْرَاهِيم الْحرم كُله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة قَالَت: ألقِي الْمقَام من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والأزرقي عَن ابْن عمر قَالَ: إِن الْمقَام ياقوتة من ياقوت الْجنَّة مُحي نوره وَلَوْلَا ذَلِك لأضاء مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض والركن مثل ذَلِك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله الرُّكْن وَالْمقَام ياقوتتان من يَوَاقِيت الْجنَّة طمس الله نورهما وَلَوْلَا ذَلِك لأضاءتا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الرُّكْن وَالْمقَام ياقوتتان من يَوَاقِيت الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الْحجر مقَام إِبْرَاهِيم لينه الله فَجعله رَحْمَة وَكَانَ يقوم عَلَيْهِ ويناوله اسماعيل الْحِجَارَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الرُّكْن وَالْمقَام من ياقوت الْجنَّة وَلَوْلَا مَا مسهما من خَطَايَا بني آدم لأضاءا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ومل مسهما من ذِي عاهة وَلَا سقيم إِلَّا شفي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَفعه وَلَوْلَا مَا مَسّه من انجاس الْجَاهِلِيَّة مَا مَسّه ذُو عاهة إِلَّا شفي وَمَا على وَجه الأَرْض شَيْء من الْجنَّة غَيره
وَأخرج الجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الرُّكْن وَالْمقَام حجران من حِجَارَة الْجنَّة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة والجندي عَن مُجَاهِد قَالَ: يَأْتِي الْحجر وَالْمقَام يَوْم الْقِيَامَة كل وَاحِد مِنْهُمَا مثل أحد لَهما عينان وشفتان يناديان بِأَعْلَى أصواتهما يَشْهَدَانِ لمن وافاهما بِالْوَفَاءِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الزبير أَنه رأى قوما يمسحون الْمقَام فَقَالَ: لم تؤمروا بِهَذَا إِنَّمَا أمرْتُم بِالصَّلَاةِ عِنْده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والأزرقي عَن قَتَادَة {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} قَالَ: إِنَّمَا أمروا أَن يصلوا عِنْده وَلم يؤمروا بمسحه وَلَقَد تكلفت هَذِه الْأمة شَيْئا مَا تكلفته الْأُمَم قبلهَا وَقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه فَمَا زَالَت هَذِه الْأمة تمسحه حَتَّى اخلولق وانماح
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلمي قَالَ رَأَيْت فِي الْمَنَام فِي عهد عبد الْمطلب مثل المهاة قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ: المهاة خرزة بَيْضَاء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سَأَلت عبد الله بن سَلام عَن الْأَثر الَّذِي فِي الْمقَام فَقَالَ: كَانَت الْحِجَارَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْم إِلَّا أَن الله أَرَادَ أَن يَجْعَل الْمقَام آيَة من آيَاته فَلَمَّا أَمر إِبْرَاهِيم عليه السلام أَن يُؤذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ قَامَ على الْمقَام وارتفع الْمقَام حَتَّى صَار أطول الْجبَال وأشرف على مَا تَحْتَهُ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم فَأَجَابَهُ النَّاس فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك فَكَانَ أَثَره فِيهِ لما أَرَادَ الله فَكَانَ ينظر عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله اجيبوا ربكُم فَلَمَّا فرغ أَمر بالْمقَام فَوَضعه قبله فَكَانَ يُصَلِّي إِلَيْهِ مُسْتَقْبل الْبَاب فَهُوَ قبلته إِلَى مَا شَاءَ الله ثمَّ كَانَ إِسْمَاعِيل بعد يُصَلِّي إِلَيْهِ إِلَى بَاب الْكَعْبَة ثمَّ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأمر أَن يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس فصلى إِلَيْهِ قبل أَن يُهَاجر وَبَعْدَمَا هَاجر ثمَّ أحب الله أَن يصرفهُ إِلَى قبلته الَّتِي رَضِي لنَفسِهِ ولأنبيائه فصلى إِلَى الْمِيزَاب وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ ثمَّ قدم مَكَّة فَكَانَ يُصَلِّي إِلَى الْمقَام مَا كَانَ بِمَكَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} قَالَ: مدعى
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن كثير بن أبي كثير بن الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَت السُّيُول تدخل الْمَسْجِد الْحَرَام من بَاب بني شيبَة الْكَبِير قبل أَن يردم عمر الرَّدْم الْأَعْلَى فَكَانَت السُّيُول رُبمَا رفعت الْمقَام عَن مَوْضِعه وَرُبمَا نحته إِلَى وَجه الْكَعْبَة حَتَّى جَاءَ سيل أم نهشل فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب فَاحْتمل الْمقَام من مَوْضِعه هَذَا فَذهب بِهِ حَتَّى وجد بِأَسْفَل مَكَّة فَأتي بِهِ فَربط إِلَى أَسْتَار الْكَعْبَة وَكتب فِي ذَلِك إِلَى عمر فَأقبل فَزعًا فِي شهر رَمَضَان وَقد عفى مَوْضِعه وعفاه
السَّيْل فَدَعَا عمر بِالنَّاسِ فَقَالَ: أنْشد الله عبدا علم فِي هَذَا الْمقَام
فَقَالَ الْمطلب بن أبي ودَاعَة: أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْدِي ذَلِك قد كنت أخْشَى عَلَيْهِ هَذَا فَأخذت قدره من مَوْضِعه إِلَى الرُّكْن وَمن مَوْضِعه إِلَى بَاب الْحجر وَمن مَوْضِعه إِلَى زَمْزَم بمقاط وَهُوَ عِنْدِي فِي الْبَيْت
فَقَالَ لَهُ عمر: فاجلس عِنْدِي وارسل إِلَيْهِ
فَجَلَسَ عِنْده وَأرْسل فَأتي بهَا فَمدَّهَا فَوَجَدَهَا مستوية إِلَى مَوْضِعه هَذَا فَسَأَلَ النَّاس وشاورهم فَقَالُوا: نعم هَذَا مَوْضِعه
فَلَمَّا استثبت ذَلِك عمر وَحقّ عِنْده أَمر بِهِ فَاعْلَم بِبِنَاء ربضه تَحت الْمقَام ثمَّ حوّله فَهُوَ فِي مَكَانَهُ هَذَا إِلَى الْيَوْم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ من طَرِيق سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن حبيب بن الأشرس قَالَ: كَانَ سيل أم نهشل قبل أَن يعْمل عمر الرَّدْم بِأَعْلَى مَكَّة فَاحْتمل الْمقَام من مَكَانَهُ فَلم يدر أَيْن مَوْضِعه فَلَمَّا قدم عمر بن الْخطاب سَأَلَ من يعلم مَوْضِعه فَقَالَ عبد الْمطلب بن أبي ودَاعَة: أَنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوّفت عَلَيْهِ هَذَا من الْحجر إِلَيْهِ وَمن الرُّكْن إِلَيْهِ وَمن وَجه الْكَعْبَة
فَقَالَ: ائْتِ بِهِ
فجَاء بِهِ فَوَضعه فِي مَوْضِعه هَذَا وَعمل عمر الرَّدْم عِنْد ذَلِك قَالَ سُفْيَان: فَذَلِك الَّذِي حَدثنَا هِشَام ابْن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن الْمقَام كَانَ عِنْد سقع الْبَيْت فاما مَوْضِعه الَّذِي هُوَ مَوْضِعه فموضعه الْآن وَأما مَا يَقُول النَّاس: إِنَّه كَانَ هُنَالك مَوْضِعه فَلَا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: مَوضِع الْمقَام هَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْيَوْم هُوَ مَوْضِعه فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِي عهد النَّبِي وَأبي بكر وَعمر إِلَّا أَن السَّيْل ذهب بِهِ فِي خلَافَة عمر فَجعل فِي وَجه الْكَعْبَة حَتَّى قدم عمر فَرده بِمحضر النَّاس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة
أَن الْمقَام كَانَ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زمَان أبي بكر ملتصقاً بِالْبَيْتِ ثمَّ أَخّرهُ عمر بن الْخطاب
وَأخرج ابْن سعد عَن مُجَاهِد
قَالَ عمر بن الْخطاب: من لَهُ علم بِموضع الْمقَام حَيْثُ كَانَ فَقَالَ أَبُو ودَاعَة بن صبيرة السَّهْمِي: عِنْدِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قدرته إِلَى الْبَاب وَقدرته إِلَى ركن الْحجر وَقدرته إِلَى الرُّكْن الْأسود وَقدرته إِلَى زَمْزَم فَقَالَ عمر: هاته
فَأَخذه عمر فَرده إِلَى مَوْضِعه الْيَوْم للمقدار الَّذِي جَاءَ بِهِ أَبُو ودَاعَة
وَأخرج الْحميدِي وَابْن النجار عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من طَاف بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وَشرب من مَاء زَمْزَم غفرت لَهُ ذنُوبه كلهَا بَالِغَة مَا بلغت
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَرْء يُرِيد الطّواف بِالْبَيْتِ أقبل يَخُوض الرَّحْمَة فَإِذا دَخلته غمرته ثمَّ لَا يرفع قدماً وَلَا يضع قدماً إِلَّا كتب الله لَهُ بِكُل قدم خَمْسمِائَة حَسَنَة وَحط عَنهُ خَمْسمِائَة سَيِّئَة وَرفعت لَهُ خَمْسمِائَة دَرَجَة فَإِذا فرغ من طَوَافه فَأتى مقَام إِبْرَاهِيم فصلى رَكْعَتَيْنِ دبر الْمقَام خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه وَكتب لَهُ أحر عتق عشر رِقَاب من ولد إِسْمَاعِيل واستقبله ملك على الرُّكْن فَقَالَ لَهُ: اسْتَأْنف الْعَمَل فِيمَا بَقِي فقد كفيت مَا مضى وشفع فِي سبعين من أهل بَيته
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مَكَّة طَاف بِالْبَيْتِ وَصلى رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام يَعْنِي يَوْم الْفَتْح
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عبد الله بن أبي أوفى أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اعْتَمر فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن طلق بن حبيب قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْحجر إِذْ قلص الظل وَقَامَت الْمجَالِس إِذا نَحن ببريق ايم طلع من هَذَا الْبَاب - يَعْنِي من بَاب بني شيبَة والأيم الْحَيَّة الذّكر - فاشرأبت لَهُ أعين النَّاس فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى رَكْعَتَيْنِ وَرَاء الْمقَام فقمنا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: أَيهَا الْمُعْتَمِر قد قضى الله نسكك وَأَن بأرضنا عبيدا وسفهاء وَإِنَّمَا نخشى عَلَيْك مِنْهُم فكوّم بِرَأْسِهِ كومة بطحاء فَوضع ذَنبه عَلَيْهَا فسما بالسماء حَتَّى مَا نرَاهُ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: كَانَت امْرَأَة من الْجِنّ فِي الْجَاهِلِيَّة تسكن ذَا طوى وَكَانَ لَهَا ابْن وَلم يكن لَهَا ولد غَيره فَكَانَت تحبه حبا شَدِيدا وَكَانَ شريفاً فِي قومه فتزوّج وأتى زَوجته فَلَمَّا كَانَ يَوْم سابعه قَالَ لأمه: يَا أُمَّاهُ إِنِّي أحب أَن أَطُوف بِالْكَعْبَةِ سبعا نَهَارا
قَالَت لَهُ أمه: أَي بني إِنِّي أَخَاف عَلَيْك سُفَهَاء قُرَيْش فَقَالَ: أَرْجُو السَّلامَة
فَأَذنت لَهُ فولى فِي صُورَة جَان فَمضى نَحْو الطّواف فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أقبل منقلباً فَعرض لَهُ شَاب من بني سهم فَقتله فثارت بِمَكَّة غبرة حَتَّى لم يبصر لَهَا الْجبَال
قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: بلغنَا أَنه إِنَّمَا تثور تِلْكَ الغبرة عِنْد موت عَظِيم من الْجِنّ
قَالَ: فَأصْبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الْجِنّ فَكَانَ فيهم سَبْعُونَ شَيخا أصلع سوى الشَّاب
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: مَا أعلم بَلَدا يُصَلِّي فِيهِ حَيْثُ أَمر
الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِمَكَّة
قَالَ الله {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} قَالَ: وَيُقَال: يُسْتَجَاب الدُّعَاء بِمَكَّة فِي خَمْسَة عشر
عِنْد الْمُلْتَزم وَتَحْت الْمِيزَاب وَعند الرُّكْن الْيَمَانِيّ وعَلى الصَّفَا وعَلى الْمَرْوَة وَبَين الصَّفَا والمروة وَبَين الرُّكْن وَالْمقَام وَفِي جَوف الْكَعْبَة وبمنى وبجمع وبعرفات وَعند الجمرات الثَّلَاث
وَأما قواه تَعَالَى: {وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم} الْآيَة أخرج ابْن جرير عَن عَطاء وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم قَالَ: أمرناه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن طهرا بَيْتِي} قَالَ: من الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَن طهرا بَيْتِي} قَالَا: من الْأَوْثَان والريب وَقَول الزُّور والرجس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَن طهرا بَيْتِي} قَالَ: من عبَادَة الْأَوْثَان والشرك وَقَول الزُّور
وَفِي قَوْله {والركع السُّجُود} قَالَ: هم من أهل الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا كَانَ قَائِما فَهُوَ من الطائفبن وَإِذا كَانَ جَالِسا فَهُوَ من العاكفين وَإِذا كَانَ مُصَليا فَهُوَ من الركع السُّجُود
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: من قعد فِي الْمَسْجِد وَهُوَ طَاهِر فَهُوَ عاكف حَتَّى يخرج مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت قَالَ: قلت لعبد الله بن عبيد الله بن عُمَيْر: مَا أَرَانِي إِلَّا مُكَلم الْأَمِير أَن أمنع الَّذين ينامون فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّهُم يجنبون ويحدثون
قَالَ: لَا تفعل فَإِن ابْن عمر سُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ: هم العاكفون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الطّواف أفضل أم الصَّلَاة فَقَالَ: أما أهل مَكَّة فَالصَّلَاة وَأما أهل الْأَمْصَار فالطواف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الطّواف للغرباء أحب إِلَيّ من الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: الصَّلَاة لأهل مَكَّة أفضل وَالطّواف لأهل الْعرَاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حجاج قَالَ: سَأَلت عَطاء فَقَالَ: أما أَنْتُم فالطواف وَأما أهل مَكَّة فَالصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: الطّواف أفضل من عمْرَة بعد الْحَج
وَفِي لفظ طوافك بِالْبَيْتِ أحب إِلَيّ من الْخُرُوج إِلَى الْعمرَة
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ ابراهيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا وارزق أَهله من الثمرات من آمن مِنْهُم بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر قَالَ وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره إِلَى عَذَاب النَّار ولبئس الْمصير
أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين لابيتها فَلَا يصاد صيدها وَلَا يقطع عضاهها
وَأخرج مُسلم وَابْن جرير عَن رَافع بن خديج قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وَإِنِّي أحرم مَا بَين لابتيها
وَأخرج أَحْمد عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ ثمَّ صلى بِأَرْض سعد بِأَرْض الْحرَّة عِنْد بيُوت السقيا ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم خَلِيلك وَعَبْدك وَنَبِيك دعَاك لأهل مَكَّة وَأَنا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك أَدْعُوك لأهل الْمَدِينَة مثل مَا دعَاك إِبْرَاهِيم بِمَكَّة أَدْعُوك أَن تبَارك لَهُم فِي صاعهم ومدهم وثمارهم اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة كَمَا حببت إِلَيْنَا مَكَّة وَاجعَل مَا بهَا من وَرَاء خم اللَّهُمَّ إِنِّي حرمت مَا بَين لَا بتيها كَمَا حرمت على لِسَان إِبْرَاهِيم الْحرم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على الْمَدِينَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أحرم مَا بَين جبليها مثل مَا أحرم بِهِ إِبْرَاهِيم مَكَّة اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي مدهم وصاعهم
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَبدك وخليلك وَنَبِيك وَإِنِّي عَبدك وَنَبِيك وَإنَّهُ دعَاك لمَكَّة وَإِنِّي أَدْعُوك للمدينة بِمثل مَا دعَاك بِهِ لمَكَّة وَمثله مَعَه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَبدك وخليلك دعَاك لأهل مَكَّة بِالْبركَةِ وَأَنا مُحَمَّد عَبدك وَرَسُولك وَإِنِّي أَدْعُوك لأهل الْمَدِينَة أَن تبَارك لَهُم فِي صاعهم ومدهم مثل مَا باركت لأهل مَكَّة وَاجعَل مَعَ الْبركَة بركتين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة ودعا لَهَا وَحرمت الْمَدِينَة كَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة ودعوت لَهَا فِي مدها وصاعها مثل مَا دَعَا إِبْرَاهِيم مَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ والجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم عَبدك وَنَبِيك دعَاك لأهل مَكَّة وَأَنا أَدْعُوك لأهل الْمَدِينَة بِمثل مَا دعَاك إِبْرَاهِيم لأهل مَكَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اجْعَل بِالْمَدِينَةِ ضعْفي مَا بِمَكَّة من الْبركَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة والجندي عَن مُحَمَّد بن الْأسود
أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام هُوَ أوّل من نصب أنصاب الْحرم أَشَارَ لَهُ جِبْرِيل إِلَى موَاضعهَا
وَأخرج الجندي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن فِي السَّمَاء لحرماً على قدر حرم مَكَّة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سِتَّة لعنتهم وكل نَبِي مجاب
الزَّائِد فِي كتاب الله والمكذب بِقدر الله والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذلّ الله والتارك لسنتي والمستحل من عِتْرَتِي مَا حرم الله عَلَيْهِ والمستحل لحرم الله
وَأخرج البُخَارِيّ تَعْلِيقا وَابْن ماجة عَن صيفة بنت شيبَة قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يخْطب عَام الْفَتْح فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله تَعَالَى حرم مَكَّة يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهِي حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا ينفر صيدها وَلَا يَأْخُذ لقطتهَا إِلَّا منشد فَقَالَ الْعَبَّاس: إِلَّا الإِذخر فَإِنَّهُ للبيوت والقبور
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِلَّا الإِذخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ والأزرقي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم فتح مَكَّة إنهذا الْبَلَد حرمه الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَوضع هذَيْن الاخشبين فَهُوَ حرَام بِحرْمَة
الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإنَّهُ لم يحل الْقِتَال فِيهِ لأحد قبلي وَلَا يحل لأحد بعدِي وَلم يحل لي إِلَّا سَاعَة من نَهَار فَهُوَ حرَام بِحرْمَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يخْتَلى خَلاهَا وَلَا يعضد شَجَرهَا وَلَا ينفر صيدها وَلَا يلتقط لقطتهَا إِلَّا من عرفهَا
قَالَ الْعَبَّاس إِلَّا إِلَّا ذخر فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم وَبُيُوتهمْ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِلَّا الإِذخر
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لما فتح الله مَكَّة على رَسُوله مَكَّة قَامَ فيهم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن الله حبس عَن مَكَّة الْفِيل وسلط عَلَيْهِ رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من النَّهَار ثمَّ هِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يعضد شَجَرهَا وَلَا ينفر صيدها وَلَا تحل لقمتها إِلَّا لِمُنْشِد وَمن قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين أما أَن يفدى وَإِمَّا أَن يقتل
فَقَامَ رجل من أهل الْيمن يُقَال لَهُ أَبُو شاه فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله اكْتُبْ لي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه
فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله إِلَّا الإِذخر فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وبيوتا: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِلَّا الإِذخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَكَّة حرم حرمهَا الله لَا يحل بيع رباعها وَلَا إِجَارَة بيوتها
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله {رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن النَّاس لم يحرموا مَكَّة وَلَكِن الله حرمهَا فَهِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِن من أَعْتَى النَّاس على الله رجل قتل فِي الْحرم وَرجل قتل غير قَاتله وَرجل أَخذ بذحول الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن الْحرم حرم بحياله إِلَى الْعَرْش
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: إِن هَذَا الْحرم حرم مناه من السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع وَإِن هَذَا رَابِع أَرْبَعَة عشر بَيْتا فِي كل سَمَاء بَيت وَفِي كل أَرض بَيت وَلَو وقعن وقعن بَعضهنَّ على بعض
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: الْبَيْت بحذاء الْبَيْت الْمَعْمُور وَمَا بَينهمَا بحذائه إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة وَمَا أَسْفَل مِنْهُ بحذائه إِلَى الأَرْض السَّابِعَة حرَام كُله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَيْت الْمَعْمُور الَّذِي فِي السَّمَاء يُقَال لَهُ الصُّرَاخ وَهُوَ على بِنَاء الْكَعْبَة يعمره كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لم تزره قطّ وَإِن للسّماء السَّابِعَة لحرما على منى حرم مَكَّة
وَأخرج ابْن سعد والأزرقي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول من نصب أنصاب الْحرم إِبْرَاهِيم عليه السلام يرِيه ذَلِك جِبْرِيل عليه السلام فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَمِيم بن أَسد الْخُزَاعِيّ فجدد مَا رث مِنْهَا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن حُسَيْن بن الْقَاسِم قَالَ: سَمِعت بعض أهل الْعلم يَقُول: إِنَّه لما خَافَ آدم على نَفسه من الشَّيْطَان استعاذ بِاللَّه فَأرْسل الله مَلَائكَته حفوا بِمَكَّة من كل جَانب ووقفوا حواليها قَالَ: فَحرم الله الْحرم من حَيْثُ كَانَت الْمَلَائِكَة وقفت
قَالَ: وَلما قَالَ إِبْرَاهِيم عليه السلام: رَبنَا أرنا مناسكنا نزل إِلَيْهِ جِبْرِيل فَذهب بِهِ فَأرَاهُ الْمَنَاسِك وَوَقفه على حُدُود الْحرم فَكَانَ إِبْرَاهِيم يرضم الْحِجَارَة وَينصب الْأَعْلَام ويحثي عَلَيْهَا التُّرَاب فَكَانَ جِبْرِيل يقفه على الْحُدُود
قَالَ: وَسمعت أَن غنم اسماعيل كَانَت ترعى فِي الْحرم وَلَا تجاوزه وَلَا تخرج فَإِذا بلغت منتهاه من نَاحيَة رجعت صابة فِي الْحرم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ إِن إِبْرَاهِيم عليه السلام نصب أنصاب الْحرم يرِيه جِبْرِيل عليه السلام ثمَّ لم تحرّك حَتَّى كَانَ قُصَيْ فجددها ثمَّ لم تحرّك حَتَّى كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَبعث عَام الْفَتْح تَمِيم بن أَسد الْخُزَاعِيّ فجددها
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن الْأسود بن خلف عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمره أَن يجدد أنصاب الْحرم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس ان هَذَا الْبَيْت لَاق ربه فسائله عَنْكُم أَلا فانظروا فِيمَا هُوَ سَائِلكُمْ عَنهُ من أمره أَلا واذْكُرُوا الله إِذْ كَانَ أحدكُم ساكنه لَا تسفكون فِيهِ دِمَاء وَلَا تمشون فِيهِ بالنميمة
وَأخرج الْبَزَّار عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مر بِنَفر من قُرَيْش وهم جُلُوس بِفنَاء الْكَعْبَة فَقَالَ: انْظُرُوا مَا تَعْمَلُونَ فِيهَا فَإِنَّهَا مسئولة عَنْكُم فتخبر عَن أَعمالكُم واذْكُرُوا إِذْ ساكنها من لَا يَأْكُل الرِّبَا وَلَا يمشي بالنميمة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي نجيح قَالَ: لم يكن كبار الْحيتَان تَأْكُل صغارها فِي الْحرم زمن الْغَرق
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي عَن جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن عَمه قَالَ: حججْت مَعَ قوم فنزلنا منزلا ومعنا امْرَأَة فانتبهت وحية عَلَيْهَا لَا تضرها شَيْئا حَتَّى
دَخَلنَا انصاب الْحرم فانسابت فَدَخَلْنَا مَكَّة فقضينا نسكنا وانصرفنا حَتَّى إِذا كُنَّا بِالْمَكَانِ الَّذِي تطوقت عَلَيْهَا فِيهِ الْحَيَّة وَهُوَ الْمنزل الَّذِي نزلنَا فنامت فَاسْتَيْقَظت والحية منطوية عَلَيْهَا ثمَّ صفرت الْحَيَّة فَإِذا بالوادي يسيل علينا حيات فنهشنها حَتَّى بقيت عظاماً فَقلت لجارية كَانَت مَعهَا: وَيحك اخبرينا عَن هَذِه الْمَرْأَة قَالَ: بَغت ثَلَاث مَرَّات كل مرّة تَلد ولدا فَإِذا وَضعته سجرت التَّنور ثمَّ ألقته فِيهِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: من أخرج مُسلما من ظله فِي حرم الله من غير ضَرُورَة أخرجه الله من ظلّ عَرْشه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والأزرقي عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: إِن كَانَت الْأمة من بني إِسْرَائِيل لتقدم مَكَّة فَإِذا بلغت ذَا طوى خلعت نعليها تَعْظِيمًا للحرم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ يحجّ من بني إِسْرَائِيل مائَة ألف فَإِذا بلغُوا أنصاب الْحرم خلعوا نعَالهمْ ثمَّ دخلُوا الْحرم حُفَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَت الْأَنْبِيَاء إِذا أَتَت علم الْحرم نزعوا نعَالهمْ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حج الحواريون فَلَمَّا دخلُوا الْحرم مَشوا تَعْظِيمًا للحرم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن ينْطَلق إِلَى الْمَدِينَة اسْتَلم الْحجر وَقَامَ وسط الْمَسْجِد والتفت إِلَى الْبَيْت فَقَالَ: إِنِّي لأعْلم مَا وضع الله فِي الأَرْض بَيْتا أحب إِلَيْهِ مِنْك وَمَا فِي الأَرْض بلد أحب إِلَيْهِ مِنْك وَمَا خرجت عَنْك رَغْبَة وَلَكِن الَّذين كفرُوا هم أَخْرجُونِي
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مَكَّة أما وَالله اني لأخرج وَإِنِّي لأعْلم أَنَّك أحب الْبِلَاد إِلَى الله وَأَكْرمهَا على الله وَلَوْلَا أَن أهلك أَخْرجُونِي مِنْك مَا خرجت
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لمَكَّة مَا أطيبك وَأَحَبَّك إليّ وَلَوْلَا أَن قَوْمك أَخْرجُونِي مَا سكنت غَيْرك
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة والأزرقي والجندي عَن عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ على نَاقَته وَاقِف بالحزورة يَقُول لمَكَّة: وَالله إِنَّك لخير أَرض الله وَأحب أَرض الله إِلَى الله
وَلَوْلَا أخرجت مَا خرجت
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ بِمَكَّة حَيّ يُقَال لَهُم العماليق فكلنوا فِي عز وثروة وَكَثْرَة فَكَانَت أَمْوَالهم كَثِيرَة من خيل وإبل وماشية فَكَانَت ترعى مَكَّة وَمَا حواليها من مر ونعمان وَمَا حول ذَلِك فَكَانَت الْحَرْف عَلَيْهِم مظلة وَالْأَرْبَعَة مغدقة والأودية بِحَال والغضاه ملتفة وَالْأَرْض مبقلة فَكَانُوا فِي عَيْش رخى فَلم يزل بهم الْبَغي والإِسراف على أنفسهم بالظلم والجهار بِالْمَعَاصِي والاضطهاد لمن قاربهم حَتَّى سلبهم الله ذَلِك فنقصهم بِحَبْس الْمَطَر وتسليط الجدب عَلَيْهِم وَكَانُوا يكرون بِمَكَّة الظل ويبيعون المَاء فَأخْرجهُمْ الله من مَكَّة بِالَّذِي سلطه عَلَيْهِم حَتَّى خَرجُوا من الْحرم فَكَانُوا حوله ثمَّ ساقهم الله بالجدب يضع الْغَيْث أمامهم ويسوقهم بالجدب حَتَّى ألحقهم بمساقط رُؤُوس آبَائِهِم وَكَانُوا قوما غرباء من حمير فَلَمَّا دخلُوا بِلَاد الْيمن تفَرقُوا وهلكوا فأبدل الله الْحرم بعدهمْ جرهم فَكَانُوا سكانه حَتَّى بغوا فِيهِ واستخفوا بِحقِّهِ فأهلكهم الله جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط قَالَ: كَانَ إِذا كَانَ الْمَوْسِم بالجاهلية خَرجُوا فَلم يبْق أحد بِمَكَّة وَإنَّهُ تخلف رجل سَارِق فَعمد إِلَى قِطْعَة من ذهب ثمَّ دخل ليَأْخُذ أَيْضا فَلَمَّا أَدخل رَأسه سرة الْبَيْت فوجدوا رَأسه فِي الْبَيْت واسته خَارجه فألقوه للكلاب واصلحوا الْبَيْت
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن حويطب بن عبد الْعُزَّى قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا بِفنَاء الْكَعْبَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَجَاءَت امْرَأَة إِلَى الْبَيْت تعوذ بِهِ من زَوجهَا فجَاء زَوجهَا فَمد يَده إِلَيْهَا فيبست يَده فَلَقَد رَأَيْته فِي الإِسلام وَإنَّهُ لأشل
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: الْحطيم مَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام وزمزم وَالْحجر وَكَانَ أساف ونائلة رجلا وَامْرَأَة دخلا الْكَعْبَة فقبلها فِيهَا فمسخا حجرين فأخرجا من الْكَعْبَة فنصب أَحدهمَا فِي مَكَان زَمْزَم وَنصب الآخر فِي وَجه الْكَعْبَة ليعتبر بهما النَّاس ويزدجروا عَن مثل مَا ارتكبا فَسُمي هَذَا الْموضع الْحطيم لِأَن النَّاس كَانُوا يحطمون هُنَالك بالإِيمان ويستجاب فِيهِ الدُّعَاء على الظَّالِم للمظلوم فقلّ من دَعَا هُنَالك على ظَالِم إِلَّا هلك وقلّ من حلف هُنَالك آثِما إِلَّا عجلت عَلَيْهِ الْعقُوبَة وَكَانَ ذَلِك يحجز بَين النَّاس عَن الظُّلم ويتهيب النَّاس الإِيمان هُنَالك فَلم يزل ذَلِك كَذَلِك حَتَّى جاؤ الله بالإِسلام فَأخر الله ذَلِك لما أَرَادَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أَيُّوب بن مُوسَى
أَن امْرَأَة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة مَعهَا ابْن عَم لَهَا صَغِير تسب عَلَيْهِ فَقَالَت لَهُ: يَا بني إِنِّي أغيب عَنْك وَإِنِّي أَخَاف عَلَيْك أَن ظلمك ظَالِم فَإِن جَاءَك ظَالِم بعدِي فَإِن لله بَيْتا لَا يُشبههُ شَيْء من الْبيُوت وَلَا يُقَارِبه مفاسد وَعَلِيهِ ثِيَاب فَإِن ظلمك ظَالِم يَوْمًا فعذ بِهِ فَإِن لَهُ رَبًّا يسمعك
قَالَ: فَجَاءَهُ رجل فَذهب بِهِ فاسترقه فَلَمَّا رأى الْغُلَام الْبَيْت عرف الصّفة فَنزل يشْتَد حَتَّى تعلق بِالْبَيْتِ وجاءه سَيّده فَمد يَده إِلَيْهِ ليأخذه فيبست يَده فَمد الْأُخْرَى فيبست فاستفتى فِي الْجَاهِلِيَّة فافتي ينْحَر عَن كل وَاحِدَة من يَدَيْهِ بَدَنَة فَفعل فَانْطَلَقت لَهُ يَدَاهُ وَترك الْغُلَام وخلى سَبيله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الْمطلب بن ربيعَة بن الْحَرْث قَالَ: غَدا رجل من بني كنَانَة من هُذَيْل فِي الْجَاهِلِيَّة عَليّ ابْن عَم لَهُ يَظْلمه واضطهده فَنَاشَدَهُ بِاللَّه وَالرحم فَأبى إِلَّا ظلمه فلحق بِالْحرم فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوك دُعَاء جَاهد مُضْطَر على فلَان ابْن عمي لترمينه بداء لَا دَوَاء لَهُ
قَالَ: ثمَّ انْصَرف فَوجدَ ابْن عَمه قد رمي فِي بَطْنه فَصَارَ مثل الزق فمازالت تنتفخ حَتَّى اشتق قَالَ عبد الْمطلب: فَحدثت هَذَا الحَدِيث ابْن عَبَّاس فَقَالَ: رَأَيْت رجلا دَعَا على ابْن عَم لَهُ بالعمى فرأيته يُقَاد أعمى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: يَا أهل مَكَّة اتَّقوا الله فِي حرمكم هَذَا أَتَدْرُونَ من كَانَ سَاكن حرمكم هَذَا من قبلكُمْ كَانَ فِيهِ بَنو فلَان فاحلوا حرمته فهلكوا وَبَنُو فلَان فاحلوا حرمته فهلكوا حَتَّى عد مَا شَاءَ ثمَّ قَالَ: وَالله لِأَن أعمل عشر خَطَايَا بِغَيْرِهِ أحب إِلَيّ من أَن أعمل وَاحِدَة بِمَكَّة
وَأخرج الجندي عَن طَاوس قَالَ: إِن أهل الْجَاهِلِيَّة لم يَكُونُوا يصيبون فِي الْحرم شَيْئا إِلَّا عجل لَهُم ويوشك أَن يرجع الْأَمر إِلَى ذَلِك
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي وَابْن خُزَيْمَة عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ لقريش: إِنَّه كَانَ وُلَاة هَذَا الْبَيْت قبلكُمْ طسم فاستخفوا بِحقِّهِ وَاسْتَحَلُّوا حرمته فأهلكهم الله ثمَّ ولى بعدهمْ جرهم فاستخفوا بِحقِّهِ وَاسْتَحَلُّوا حرمته فأهلكهم الله فَلَا تهاونوا بِهِ وعظموا حرمته
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لِأَن اخطىء سبعين خَطِيئَة مزكية أحب إِلَيّ من أَن أخطىء خَطِيئَة وَاحِدَة بِمَكَّة
وَأخرج الجندي عَن مُجَاهِد قَالَ: تضعف بِمَكَّة السَّيِّئَات كَمَا تضعف الْحَسَنَات
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي أَن الْخَطِيئَة بِمَكَّة مائَة خَطِيئَة والحسنة على نَحْو ذَلِك
وَأخرج أَبُو بكر الوَاسِطِيّ فِي فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن مَكَّة بلد عظمه الله وَعظم حرمته خلق مَكَّة وحفها بِالْمَلَائِكَةِ قبل أَن يخلق شَيْئا من الأَرْض يَوْمئِذٍ كلهَا بِأَلف عَام وَوصل الْمَدِينَة بِبَيْت الْمُقَدّس ثمَّ خلق الأَرْض كلهَا بعد ألف عَام خلقا وَاحِدًا
أما قَوْله تَعَالَى: {وارزق أَهله من الثمرات} أخرج الأرزرقي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما وضع الله الْحرم نقل لَهُ الطَّائِف من فلسطين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي قَالَ: بَلغنِي أَنه لما دَعَا إِبْرَاهِيم للحرم {وارزق أَهله من الثمرات} نقل الله الطَّائِف من فلسطين
وَأخرج الن أبي حَاتِم والأزرقي عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِن الله نقل قَرْيَة من قرى الشَّام فوضعها بِالطَّائِف لدَعْوَة إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب بن يسَار قَالَ: سَمِعت بعض ولد نَافِع بن جُبَير بن مطعم وَغَيره
يذكرُونَ أَنهم سمعُوا: أَنه لما دَعَا إِبْرَاهِيم بِمَكَّة أَن يرْزق أَهله من الثمرات نقل الله أَرض الطَّائِف من الشَّام فوضعها هُنَالك رزقا للحرم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: دَعَا إِبْرَاهِيم للْمُؤْمِنين وَترك الكفرا لم يدع لَهُم بِشَيْء فَقَالَ {وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره إِلَى عَذَاب النَّار وَبئسَ الْمصير}
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وارزق أَهله من الثمرات من آمن} قَالَ: استرزق إِبْرَاهِيم لمن آمن بِاللَّه وباليوم الآخر قَالَ الله: وَمن كفر فَأَنا أرزقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من آمن مِنْهُم بِاللَّه} قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم احتجرها على الْمُؤمنِينَ دون النَّاس فَأنْزل فِي قَوْله {وَمن كفر} أَيْضا فَأَنا أرزقهم كَمَا أرزق الْمُؤمنِينَ أخلق خلقا لأرزقهم {فأمتعه قَلِيلا ثمَّ أضطره إِلَى عَذَاب النَّار} ثمَّ قَرَأَ ابْن عَبَّاس (كلاًّ نمد هَؤُلَاءِ)(الإِسراء الْآيَة 20) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله {وَمن كفر} : إِن هَذَا من قَول الرب قَالَ {وَمن كفر فأمتعه قَلِيلا} وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا من قَول إِبْرَاهِيم يسْأَل ربه أَن من كفر فامتعه قَلِيلا
قلت: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ {فامتعه} بِلَفْظ الْأَمر فَلذَلِك قَالَ هُوَ من قَول إِبْرَاهِيم
قَوْله تَعَالَى: وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْقَوَاعِد أساس الْبَيْت
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والجندي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ: سلوني يَا معشر الشَّبَاب فَإِنِّي قد أوشكت أَن أذهب من بَين أظْهركُم فَأكْثر النَّاس مَسْأَلته فَقَالَ لَهُ رجل: أصلحك الله أَرَأَيْت الْمقَام أهوَ كَمَا نتحدث قَالَ: وماذا كنت تَتَحَدَّث قَالَ: كُنَّا نقُول أَن غبراهيم حِين جَاءَ عرضت عَلَيْهِ امْرَأَة اسماعيل النُّزُول فَأبى أَن ينزل فَجَاءَت بِهَذَا الْحجر فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِك فَقَالَ سعيد بن جُبَير: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِن أوّل من اتخذ المناطق من النِّسَاء أم اسماعيل اتَّخذت منطقاً لتعفي أَثَرهَا على سارة ثمَّ جَاءَ بهَا إِبْرَاهِيم وبابنها اسماعيل وَهِي ترْضِعه حَتَّى وضعهما عِنْد الْبَيْت عِنْد دوحة فَوق زَمْزَم فِي أَعلَى الْمَسْجِد وَلَيْسَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ أحد وَلَيْسَ بهَا مَاء فوضعهما هُنَالك وَوضع عِنْدهمَا جراباً فِيهِ تمر وسقاء فِيهِ مَاء ثمَّ قفى إِبْرَاهِيم مُنْطَلقًا فتبعته أم اسماعيل فَقَالَت: يَا إِبْرَاهِيم أَيْن تذْهب وتتركنا بِهَذَا الْوَادي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أنس وَلَا شَيْء قَالَت لَهُ ذَلِك مرَارًا وَجعل لَا يلْتَفت إِلَيْهِمَا
قَالَت لَهُ: آللَّهُ أَمرك بِهَذَا قَالَ: نعم
قَالَت: إِذا لَا يضيعنا ثمَّ رجعت
فَانْطَلق إِبْرَاهِيم حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الثَّنية حَيْثُ لَا يرونه اسْتقْبل بِوَجْهِهِ الْبَيْت ثمَّ دَعَا بهؤلاء الدَّعْوَات وَرفع يَدَيْهِ قَالَ (رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم وارزقهم من الثمرات لَعَلَّهُم يشكرون)(إِبْرَاهِيم الْآيَة 37) وَجعلت أم اسماعيل ترْضع اسماعيل وتشرب من ذَلِك المَاء حَتَّى إِذا نفذ مَا فِي السقاء
عطشت وعطش ابْنهَا وَجعلت تنظر إِلَيْهِ يتلوى أَو قَالَ: يتلبط
فَانْطَلَقت كَرَاهِيَة أَن تنظر إِلَيْهِ فَوجدت الصَّفَا أقرب جبل فِي الأَرْض يَليهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثمَّ اسْتقْبلت الْوَادي تنظر هَل ترى أحدا فَلم تَرَ أحدا فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها ثمَّ سعت سعي الإِنسان المجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي ثمَّ أَتَت الْمَرْوَة فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنظرت هَل ترى أحدا فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلذَلِك سعى النَّاس بَينهمَا
فَلَمَّا أشرفت على الْمَرْوَة سَمِعت صَوتا فَقَالَت: صه تُرِيدُ نَفسهَا ثمَّ تسمعت فَسمِعت صَوتا أَيْضا فَقَالَت: قد اسمعت ان كَانَ عنْدك غواث - فَإِذا هِيَ بِالْملكِ مَوضِع زَمْزَم فنجت بعقبه - أَو قَالَ بجناحه - حَتَّى ظهر المَاء فَجعلت تخوضه بِيَدِهَا وتغرف من المَاء فِي سقائها وَهِي تَفُور بَعْدَمَا تغرف
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لَو تركت زَمْزَم - أَو قَالَ - لَو لم تغرف من المَاء لكَانَتْ زَمْزَم عينا معينا فَشَرِبت وأرضعت وَلَدهَا
فَقَالَ لَهَا الْملك: لاتخافي الضَّيْعَة فَإِن هَهُنَا بَيْتا لله عز وجل يبنيه هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ وَأَن الله لَا يضيع أَهله وَكَانَ الْبَيْت مرتفعاً من الأَرْض كالرابية تَأتيه السُّيُول فتأخذ عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله فَكَانَت كَذَلِك حَتَّى مرت بهم رفْقَة من جرهم أَو أهل بَيت من جرهم مُقْبِلين من طَرِيق كَذَا فنزلوا فِي أَسْفَل مَكَّة فَرَأَوْا طائراً عائفاً فَقَالُوا: إِن هَذَا الطَّائِر ليدور على المَاء لعهدنا بِهَذَا الْوَادي وَمَا فِيهِ مَاء
فأرسلوا جَريا أَو جريين فَإِذا هم بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ: وَأم اسماعيل عِنْد المَاء فَقَالُوا بِهِ: أَتَأْذَنِينَ لنا أَن ننزل عنْدك قَالَت: نعم وَلَكِن لَا حق لكم فِي المَاء قَالُوا: نعم
قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فألفى ذَلِك أم اسماعيل وَهِي تحب الْأنس
فنزلوا وَأَرْسلُوا إِلَى أَهْليهمْ فنزلوا مَعَه حَتَّى إِذا كَانَ بهَا أهل أَبْيَات مِنْهُم وشب الْغُلَام وَتعلم الْعَرَبيَّة مِنْهُم وأنفسهم وأعجبهم حِين شب فلمّا أدْرك زوجوه امْرَأَة مِنْهُم وَمَاتَتْ أم اسماعيل فجَاء إِبْرَاهِيم بَعْدَمَا تزوج اسماعيل يطالع تركته فَلم يجد اسماعيل فَسَأَلَ زَوجته عَنهُ
فَقَالَت: خرج يَبْتَغِي لنا
ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم وهيئتهم فَقَالَت: نَحن بشر فِي ضيق وَشدَّة وَشَكتْ إِلَيْهِ قَالَ: إِذا جَاءَ زَوجك فاقرئي عليه السلام وَقَوْلِي لَهُ يُغير عتبَة بَابه
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل كَأَنَّهُ آنس شَيْئا فَقَالَ: هَل جَاءَكُم من أحد قَالَت: نعم
جَاءَنَا شيخ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنِي عَنْك فَأَخْبَرته وسألني كَيفَ عيشنا فَأَخْبَرته أَنا فِي جهد وَشدَّة
قَالَ: فَهَل أَوْصَاك بِشَيْء قَالَت: نعم أَمرنِي أَن أقرىء عَلَيْك السَّلَام وَيَقُول: غير عتبَة بابك
قَالَ: ذَاك أبي وَأَمرَنِي أَن أُفَارِقك فالحقي بأهلك فَطلقهَا وتزوّج مِنْهُم أُخْرَى فَلبث عَنْهُم إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَاهُم بعد ذَلِك فَلم يجده فَدخل على امْرَأَته فَسَأَلَهَا عَنهُ فَقَالَت: خرج يَبْتَغِي لنا
قَالَ: كَيفَ أَنْتُم وسألها عَن عيشهم وهيئتهم فَقَالَت: نَحن بِخَير وسعة وأثنت على الله
فَقَالَ: مَا طَعَامكُمْ قَالَت: اللَّحْم
قَالَ: فَمَا شرابكم فَقَالَت: المَاء
فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي اللَّحْم وَالْمَاء
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يكن لَهُم يَوْمئِذٍ حب وَلَو كَانَ لَهُم حب لدعا لَهُم فِيهِ
قَالَ: فهما لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أحد بِغَيْر مَكَّة إِلَّا لم يوافقاه قَالَ: فَإِذا جَاءَ زَوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبَة بَابه
فَلَمَّا جَاءَ اسماعيل قَالَ: هَل أَتَاكُم من أحد قَالَت: نعم أَتَانَا شيخ حسن الْهَيْئَة وأثنت عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْك فَأَخْبَرته وسألني كَيفَ عيشنا فَأَخْبَرته أَنا بِخَير
قَالَ: أما أَوْصَاك بِشَيْء قَالَت: نعم وَهُوَ يقْرَأ السَّلَام ويأمرك أَن تثبت عتبَة بابك قَالَ: ذَاك أبي وَأَنت العتبة فَأمرنِي أَن أمسكك
ثمَّ لبث عَنْهُم مَا شَاءَ الله ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك واسماعيل يبري نبْلًا تَحت دوحة قَرِيبا من زَمْزَم فَمَا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فصنعا كَمَا يصنع الْوَلَد بالوالد وَالْوَالِد بِالْوَلَدِ ثمَّ قَالَ: يَا اسماعيل إِن الله أَمرنِي بِأَمْر
قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمرك
قَالَ: وتعينني
قَالَ: وأعينك
قَالَ: فَإِن الله أَمرنِي أَن أبني هَهُنَا بَيْتا وَأَشَارَ إِلَى أكمة مُرْتَفعَة على مَا حولهَا قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِك رفع الْقَوَاعِد من الْبَيْت فَجعل اسماعيل يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيم يَبْنِي حَتَّى إِذا ارْتَفع الْبناء جَاءَ بِهَذَا الْحجر فَوَضعه لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي واسماعيل يناوله الْحِجَارَة وهما يَقُولَانِ: رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم
قَالَ معمر: وَسمعت رجلا يَقُول: كَانَ إِبْرَاهِيم يَأْتِيهم على الْبراق قَالَ معمر: وَسمعت رجلا يذكر أَنَّهُمَا حِين التقيا بكيا حَتَّى أجابتهما الطير
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن أبي جهم بن حُذَيْفَة بن غَانِم قَالَ: أوحى الله عز وجل إِلَى إِبْرَاهِيم يَأْمُرهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَلَده الْحَرَام فَركب إِبْرَاهِيم الْبراق وَجعل اسماعيل أَمَامه وَهُوَ ابْن سِتِّينَ وَهَاجَر خَلفه وَمَعَهُ جِبْرِيل عليه السلام يدله على مَوضِع
@ 307 الْبَيْت حَتَّى قدم بِهِ مَكَّة فَأنْزل اسماعيل وَأمه إِلَى جَانب الْبَيْت ثمَّ انْصَرف إِبْرَاهِيم إِلَى الشَّام ثمَّ أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم أَن يَبْنِي الْبَيْت وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن مائَة سنة واسماعيل يَوْمئِذٍ ابْن ثَلَاثِينَ فبناه مَعَه وَتُوفِّي اسماعيل بعد أَبِيه فَدفن دَاخل الْحجر مِمَّا يَلِي الْكَعْبَة مَعَ أمه هَاجر وَولي ثَابت بن اسماعيل الْبَيْت بعد أَبِيه مَعَ أَخْوَاله جرهم
وَأخرج الديلمي عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت} الْآيَة
قَالَ جَاءَت سَحَابَة على تربيع الْبَيْت لَهَا رَأس تَتَكَلَّم ارْتِفَاع الْبَيْت على تربيعي فرفعاه على تربيعها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وايحق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد والحرث بن أبي أُسَامَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والأزرقي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَن رجلا قَالَ لَهُ: أَلا تُخبرنِي عَن الْبَيْت أهوَ أول بَيت وضع فِي الأَرْض قَالَ: لَا وَلكنه أول بَيت وضع للنَّاس فِيهِ الْبركَة وَالْهدى ومقلم إِبْرَاهِيم وَمن دخله كَانَ آمنا ثمَّ حدث أَن إِبْرَاهِيم لما أَمر بِبِنَاء الْبَيْت ضَاقَ بِهِ ذرعاً فَلم يدر كَيفَ يبنيه فَأرْسل الله إِلَيْهِ السكينَة - وَهِي ريح خجوج وَلها رأسان - فتطوّقت لَهُ على مَوضِع الْبَيْت وَأمر إِبْرَاهِيم أَن يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِر السكينَة فَبنى إِبْرَاهِيم فلمّا بلغ مَوضِع الْحجر قَالَ لاسماعيل: اذْهَبْ فالتمس لي حجرا أَضَعهُ هَهُنَا
فَذهب اسماعيل يطوف فِي الْجبَال فَنزل جِبْرِيل بِالْحجرِ فَوَضعه فجَاء اسماعيل فَقَالَ: من أَيْن هَذَا الْحجر قَالَ: جَاءَ بِهِ من لم يتكل على بنائي وَلَا بنائك فَلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ انْهَدم فبنته العمالقة ثمَّ انْهَدم فبنته جرهم ثمَّ انْهَدم فبنته قُرَيْش فَلَمَّا أَرَادوا أَن يضعوا الْحجر تشاحنوا فِي وَضعه فَقَالُوا: أول من يخرج من هَذَا الْبَاب فَهُوَ يَضَعهُ فَخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قبل بَاب بني شيبَة فَأمر بِثَوْب فَبسط فَأخذ الْحجر فَوَضعه فِي وَسطه وَأمر من كل فَخذ من أفخاذ قُرَيْش رجلا يَأْخُذ بناية الثَّوْب فَرَفَعُوهُ فَأَخذه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فَوَضعه فِي مَوْضِعه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والأزرقي وَالْحَاكِم من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن عَليّ قَالَ: أقبل إِبْرَاهِيم على أرمينية وَمَعَهُ السكينَة تدله على مَوضِع الْبَيْت كَمَا تبني العنكبوت بَيتهَا فحفر من تَحت السكينَة فأبدى عَن قَوَاعِد الْبَيْت مَا يُحَرك الْقَاعِدَة مِنْهَا دون ثَلَاثِينَ رجلا
قلت: يَا أَبَا مُحَمَّد فان الله يَقُول {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت} قَالَ: كَانَ ذَلِك بعد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي وقله {يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد} قَالَ: الْقَوَاعِد الَّتِي كَانَت قَوَاعِد الْبَيْت قبل ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والجندي عَن عَطاء قَالَ: قَالَ آدم: أَي رب مَا لي لَا أسمع أصوات الْمَلَائِكَة قَالَ: لخطيئتك وَلَكِن اهبط إِلَى الأَرْض فَابْن لي بَيْتا ثن احفف بِهِ كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تحف ببيتي الَّذِي فِي السَّمَاء فَزعم النَّاس أَنه بناه من خَمْسَة جبال
من حراء ولبنان وطورزيتا وطورسينا والجودي فَكَانَ هَذَا بِنَاء آدم حَتَّى بناه إِبْرَاهِيم بعده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: لما أهبط الله آدم من الْجنَّة قَالَ: إِنِّي مهبط مَعَك بَيْتا يُطَاف حوله كَمَا يكاف حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده كَمَا يصلى عِنْد عَرْشِي فَلَمَّا كَانَ زمن الطوفان رَفعه الله إِلَيْهِ فَكَانَت الْأَنْبِيَاء يحجونه وَلَا يعلمُونَ مَكَانَهُ حَتَّى بوّأه الله بعد لإِبراهيم وأعلمه مَكَانَهُ فبناه من خَمْسَة جبال: حراء ولبنان وثيبر وجبل الطّور وجبل الْحمر وَهُوَ جبل بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وضع الْبَيْت على أَرْكَان المَاء على أَرْبَعَة قبل أَن تخلق الدُّنْيَا بألفي عَام ثمَّ دحيت الأَرْض من تَحت الْبَيْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والأزرقي فِي تَارِيخ مَكَّة والجندي عَن مُجَاهِد قَالَ: خلق الله مَوضِع الْبَيْت الْحَرَام من قبل أَن يخلق شَيْئا من الأَرْض بألفي سنة وأركانه فِي الأَرْض السَّابِعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن علياء بن أَحْمَر أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة فَوجدَ إِبْرَاهِيم واسماعيل يبنيان قَوَاعِد الْبَيْت من خَمْسَة جبال فَقَالَ: مَا لَكمَا ولأرضي فَقَالَا: نَحن عَبْدَانِ مأموران أمرنَا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة
قَالَ: فهاتا بِالْبَيِّنَةِ على مَا تدعيان
فَقَامَ خَمْسَة أكباش فَقُلْنَ: نَحن نشْهد أَن اسماعيل وَإِبْرَاهِيم عَبْدَانِ مأموران أمرا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة فَقَالَ: قد رضيت وسلمت ثمَّ مضى
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن الْحرم حرم بحياله إِلَى الْعَرْش وَذكر لنا أَن الْبَيْت هَبَط مَعَ آدم حِين هَبَط قَالَ الله لَهُ: اهبط مَعَك بَيْتِي يُطَاف
حوله كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي فَطَافَ آدم حوله وَمن كَانَ بعده من الْمُؤمنِينَ حَتَّى إِذا كَانَ زمن الطوفان حِين أغرق الله قوم نوح رَفعه وطهره فَلم تصبه عُقُوبَة أهل الأَرْض فتتبع مِنْهُ آدم أثرا فبناه على أساس قديم كَانَ قبله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: بني الْبَيْت من أَرْبَعَة جبال
من حراء وطورزيتا وطورسينا ولبنان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن السّديّ قَالَ: خرج آدم من الْجنَّة وَمَعَهُ حجر فِي يَده وورق فِي الْكَفّ الآخر فَبَثَّ الْوَرق فِي الْهِنْد فَمِنْهُ مَا ترَوْنَ من الطّيب وَأما الْحجر فَكَانَ ياقوتة بَيْضَاء يستضاء بهَا فَلَمَّا بنى إِبْرَاهِيم الْبَيْت فَبلغ مَوضِع الْحجر قَالَ لاسماعيل: ائْتِنِي بِحجر أَضَعهُ هَهُنَا فَأَتَاهُ بِحجر من الْجَبَل فَقَالَ: غير هَذَا
فَرده مرَارًا لَا يرضى مَا يَأْتِيهِ بِهِ فَذهب مرّة وَجَاء جِبْرِيل عليه السلام بِحجر من الْهِنْد الَّذِي خرج بِهِ آدم من الْجنَّة فَوَضعه فَلَمَّا جَاءَ اسماعيل قَالَ: من جَاءَك بِهَذَا قَالَ: من هُوَ أنشط مِنْك
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا الْقَاسِم الْحسن بن مُحَمَّد بن حبيب يَقُول: سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْقطَّان الْبَلْخِي وَكَانَ عَالما بِالْقُرْآنِ يَقُول: كَانَ إِبْرَاهِيم عليه السلام يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة وَإِسْمَاعِيل عليه السلام يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ وكل وَاحِد مِنْهُمَا يعرف مَا يَقُول صَاحبه وَلَا يُمكنهُ التفوّه بِهِ فَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول لإِسماعيل: هَل لي كثيباً - يَعْنِي ناولني حجرا - وَيَقُول لَهُ اسماعيل: هاك الْحجر فَخذه
قَالَ: فَبَقيَ مَوضِع حجر فَذهب إِسْمَاعِيل يبغيه فجَاء جِبْرِيل عليه السلام بِحجر من السَّمَاء فَأتى إِسْمَاعِيل وَقد ركب إِبْرَاهِيم الْحجر فِي مَوْضِعه فَقَالَ: يَا أَبَت من أَتَاك بِهَذَا قَالَ: أَتَانِي من لم يتكل على بنائك فأتما الْبَيْت
فَذَلِك قَوْله عز وجل {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ لما بلغ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحلم أجمرت امْرَأَة الْكَعْبَة فطارت شرارة من مجمرتها فِي ثِيَاب الْكَعْبَة فاحترقت فهدموها حَتَّى إِذا بنوها فبلغوا مَوضِع الرُّكْن اختصمت قُرَيْش فِي الرُّكْن أَي الْقَبَائِل تلِي رَفعه فَقَالُوا: تَعَالَوْا نحكم أول من يطلع علينا
فطلع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَام عَلَيْهِ وشاح نمرة فحكموه فَأمر بالركن فَوضع فِي ثوب ثمَّ أخرج سيد كل قَبيلَة فَأعْطَاهُ نَاحيَة من الثَّوْب ثمَّ ارْتقى هُوَ فَرفعُوا إِلَيْهِ الرُّكْن فَكَانَ هُوَ يَضَعهُ ثمَّ طفق لَا يزْدَاد على
الألسن إِلَّا رَضِي حَتَّى دَعوه الْأمين قبل أَن ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي فطفقوا لَا ينحرون جزوراً إِلَّا التمسوه فيدعو لَهُم فِيهَا
وَأخرج أَبُو الْوَلِيد الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ كَعْب الْأَحْبَار: كَانَت الْكَعْبَة غثاء على المَاء قبل أَن يخلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض بِأَرْبَعِينَ سنة وَمِنْهَا دحيت الأَرْض
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: خلق الله هَذَا الْبَيْت قبل أَن يخلق شَيْئا من الْأَرْضين
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما كَانَ الْعَرْش على المَاء قبل أَن يخلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض بعث الله تَعَالَى ريحًا هفافة فصفقت الرّيح المَاء فأبرزت عَن حَشَفَة فِي مَوضِع الْبَيْت كَأَنَّهَا قبَّة فدحا الله تَعَالَى الأَرْض من تحتهَا - فمادت ثمَّ مادت فأوتدها الله بالجبال فَكَانَ أول جبل وضع فِيهِ أَبُو قبيس فَلذَلِك سميت أم الْقرى
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْبَيْت على أَرْبَعَة أَرْكَان فِي المَاء قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فدحيت الأَرْض من تَحْتَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: دحيت الأَرْض من تَحت الْكَعْبَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن
إِن رجلا سَأَلَهُ مَا بَدْء هَذَا الطّواف بِهَذَا الْبَيْت لم كَانَ وأنى كَانَ وَحَيْثُ كَانَ فَقَالَ: اما بَدْء هَذَا الطّواف بِهَذَا الْبَيْت فَإِن الله تَعَالَى قَالَ للْمَلَائكَة (إِنِّي جَاهِل فِي الأَرْض خَليفَة)(الْبَقَرَة الْآيَة 30) فَقَالَت: رب أَي خَليفَة من غَيرنَا مِمَّن يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء ويتحاسدون ويتباغضون أَي رب اجْعَل ذَلِك الخليفه منا فَنحْن لَا نفسد فِيهَا وَلَا نسفك الدِّمَاء وَلَا نتباغض وَلَا نتحاسد وَلَا نتباغى وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك ونطيعك وَلَا نَعْصِيك
قَالَ الله تَعَالَى (إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ)(الْبَقَرَة الْآيَة 30) قَالَ: فَظَنَنْت الْمَلَائِكَة أَن مَا قَالُوا رد على رَبهم عز وجل وَإنَّهُ قد غضب عَلَيْهِم من قَوْلهم فلاذوا بالعرش وَرفعُوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يَتَضَرَّعُونَ ويبكون اشفاقاً لغضبه فطافوا بالعرش ثَلَاث سَاعَات فَنظر الله إِلَيْهِم فَنزلت الرَّحْمَة عَلَيْهِم فَوضع الله سُبْحَانَهُ تَحت الْعَرْش بَيْتا على أَربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حَمْرَاء وَسمي الْبَيْت الضراح ثمَّ قَالَ الله
للْمَلَائكَة: طوفوا بِهَذَا الْبَيْت ودعو الْعَرْش فطافت الْمَلَائِكَة بِالْبَيْتِ وَتركُوا الْعَرْش فَصَارَ أَهْون عَلَيْهِم وَهُوَ الْبَيْت الْمَعْمُور الَّذِي ذكره الله يدْخلهُ كل يَوْم وَلَيْلَة سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون فِيهِ أبدا ثمَّ أَن الله تَعَالَى بعث مَلَائكَته فَقَالَ: ابْنُوا لي بَيْتا فِي الأَرْض بمثاله وَقدره فَأمر الله سُبْحَانَهُ من فِي الأَرْض من خلقه أَن يطوفوا بِهَذَا الْبَيْت كَمَا تَطوف أهل السَّمَاء بِالْبَيْتِ الْمَعْمُور
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن لَيْث بن معَاذ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا الْبَيْت خَامِس خَمْسَة عشر بَيْتا سَبْعَة مِنْهَا فِي السَّمَاء وَسَبْعَة مِنْهَا إِلَى تخوم الأَرْض السُّفْلى واعلاها الَّذِي يَلِي الْعَرْش الْبَيْت الْمَعْمُور لكل بَيت مِنْهَا حرم كحرم هَذَا الْبَيْت لَو سقط مِنْهَا بَيت لسقط بَعْضهَا على بعض إِلَى تخوم الأَرْض السُّفْلى وَلكُل بَيت من أهل السَّمَاء وَمن أهل الأَرْض من يعمره كَمَا يعمر هَذَا الْبَيْت
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَمْرو بن يسَار الْمَكِّيّ قَالَ: بَلغنِي إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يبْعَث ملكا من الْمَلَائِكَة لبَعض أُمُوره فِي الأَرْض استأذنه ذَلِك الْملك فِي الطّواف ببيته فهبط الْملك مهلا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والأزرقي عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما تَابَ الله على آدم أمره أَن يسير إِلَى مَكَّة فطوى لَهُ المفاوز وَالْأَرْض فَصَارَ كل مفاوزة يمر بهَا خطْوَة وَقبض لَهُ مَا كَانَ فِيهَا من مَخَاض أَو بَحر فَجعله لَهُ خطْوَة فَلم يضع قدمه فِي شَيْء من الأَرْض إِلَّا صَار عمراناً وبركة حَتَّى انْتهى إِلَى مَكَّة فَكَانَ قبل ذَلِك قد اشْتَدَّ بكاؤه وحزنه لما كَانَ بِهِ من عظم الْمُصِيبَة حَتَّى أَن كَانَت الْمَلَائِكَة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه فَعَزاهُ الله بخيمة من خيام الْجنَّة وَضعهَا لَهُ بِمَكَّة فِي مَوضِع الْكَعْبَة قبل أَن تكون الْكَعْبَة
وَتلك الْخَيْمَة ياقوتة حَمْرَاء من يَوَاقِيت الْجنَّة فِيهَا ثَلَاث قناديل من ذهب فِيهَا نور يلتهب من نور الْجنَّة وَنزل مَعهَا يَوْمئِذٍ الرُّكْن وَهُوَ يَوْمئِذٍ ياقوتة بَيْضَاء من ربض الْجنَّة وَكَانَ كرسياً لآدَم يجلس عَلَيْهِ فَلَمَّا صَار آدم بِمَكَّة حرسه الله وحرس لَهُ تِلْكَ الْخَيْمَة بِالْمَلَائِكَةِ كَانُوا يحرسونها ويذودون عَنْهَا سكان الأَرْض وساكنها يَوْمئِذٍ الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَلَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينْظرُوا إِلَى شَيْء من الْجنَّة لِأَنَّهُ من نظر إِلَى شَيْء من الْجنَّة وَجَبت لَهُ وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ طَاهِرَة نقية طيبَة لم تنجس وَلم يسفك فِيهَا الدَّم وَلم يعْمل فِيهَا بالخطايا فَلذَلِك جعلهَا الله مسكن الْمَلَائِكَة وجعلهم فِيهَا كَمَا كَانُوا فِي السَّمَاء يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون
وَكَانَ وقوفهم على أَعْلَام الْحرم صفا وَاحِدًا مستدبرين بِالْحرم كُله من خَلفهم وَالْحرم كُله أمامهم وَلَا يجوزهم جني وَلَا شَيْطَان من أجل مقَام الْمَلَائِكَة حرم الْحرم حَتَّى الْيَوْم وَوضعت أَعْلَامه حَيْثُ كَانَ مقَام الْمَلَائِكَة وَحرم الله على حوّاء دُخُول الْحرم وَالنَّظَر إِلَى خيمة آدم من أجل خطيئتها الَّتِي أَخْطَأت فِي الْجنَّة فَلم تنظر إِلَى شَيْء من ذَلِك حَتَّى قبضت وَأَن آدم إِذا أَرَادَ لقاءها لَيْلَة ليلم بهَا للْوَلَد خرج من الْحرم كُله حَتَّى يلقاها فَلم تزل خيمة آدم مَكَانهَا حَتَّى قبض الله آدم ورفعها إِلَيْهِ وَبنى بَنو آدم من بعْدهَا مَكَانهَا بَيْتا بالطين وَالْحِجَارَة فَلم يزل معموراً يعمرونه وَمن بعدهمْ حَتَّى كَانَ زمن نوح فنسفه الْغَرق وخفي مَكَانَهُ فَلَمَّا بعث الله إِبْرَاهِيم خَلِيله طلب الأساس الأول الَّذِي وضع بَنو آدم فِي مَوضِع الْخَيْمَة فَلم يزل يحْفر حَتَّى وصل إِلَى الْقَوَاعِد الَّتِي وضع بَنو آدم فِي مَوضِع الْخَيْمَة فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا ظلل الله لَهُ مَكَان الْبَيْت بغمامة فَكَانَت حفاف الْبَيْت الأول فَلم تزل راكدة على حفافه تظل إِبْرَاهِيم وتهديه مَكَان الْقَوَاعِد حَتَّى رفع الْقَوَاعِد قامة ثمَّ انكشفت الغمامة فَذَلِك قَوْله عز وجا (وَإِذ بؤانا لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت)(الْحَج الْآيَة 26) للغمامة الَّتِي ركدت على الحفاف لتهديه مَكَان الْقَوَاعِد فَلم يزل يحمد الله مذ رَفعه الله معموراً
قَالَ وهب بن مُنَبّه: وقرأت فِي كتاب من كتب الأول ذكر فِيهِ أَمر الْكَعْبَة فَوجدَ فِيهِ أَن لَيْسَ من ملك بَعثه الله إِلَى الأَرْض إِلَّا أمره بزيارة الْبَيْت فينقض من عِنْد الْعَرْش محرما ملبياً حَتَّى يسْتَلم الْحجر ثمَّ يطوف سبعا بِالْبَيْتِ وَيُصلي فِي جَوْفه رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يصعد
وَأخرج الجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: مَا بعث الله ملكا قطّ وَلَا سَحَابَة فيمر حَيْثُ بعث حَتَّى يطوف بِالْبَيْتِ ثمَّ يمْضِي حَيْثُ أَمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله جِبْرِيل إِلَى آدم وحواء فَقَالَ لَهما: ابنيا بَيْتا
فَخط لَهما جِبْرِيل فَجعل آدم يحْفر وحواء تنقل حَتَّى أَجَابَهُ المَاء نُودي من تَحْتَهُ: حَسبك يَا آدم
فَلَمَّا بنياه أوحى الله إِلَيْهِ: أَن يطوف بِهِ وَقيل لَهُ: أَنْت أول النَّاس وَهَذَا أول بَيت ثمَّ تناسخت الْقُرُون حَتَّى حجَّة نوح ثمَّ تناسخت الْقُرُون حَتَّى رفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَاق والأزرقي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: مَا من نَبِي إِلَّا وَقد حج الْبَيْت إِلَّا مَا كَانَ من هود وَصَالح وَلَقَد حجه نوح فَلَمَّا كَانَ فِي الأَرْض مَا كَانَ من الْغَرق أصَاب الْبَيْت مَا أصَاب الأَرْض وَكَانَ الْبَيْت ربوة حَمْرَاء فَبعث الله عز وجل هوداً فتشاغل بِأَمْر قومه حَتَّى قَبضه الله إِلَيْهِ فَلم يحجه حَتَّى مَاتَ فَلَمَّا بؤاه الله لإِبراهيم عليه السلام حجه ثمَّ لم يبْق نَبِي بعده إِلَّا حجه
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد قَالَ: حج الْبَيْت سَبْعُونَ نَبيا مِنْهُم مُوسَى ابْن عمرَان عَلَيْهِ عباءتان قطوانتيان وَمِنْهُم يُونُس يَقُول: لبيْك كاشف الكرب
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض من الْجنَّة كَانَ رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض وَهُوَ مثل الْفلك من رعدته فطأطأ الله مِنْهُ لإلى سِتِّينَ ذِرَاعا فَقَالَ: يَا رب مَالِي لَا أسمع أصوات الْمَلَائِكَة وَلَا حسهم قَالَ: خطيئتك يَا آدم وَلَكِن اذْهَبْ فَابْن لي بَيْتا فَطُفْ بِهِ واذكرني حوله كنحو مَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تصنع حول عَرْشِي فَأقبل آدم يتخطى فطويت لَهُ الأَرْض وَقبض الله لَهُ المفاوز فَصَارَت كل مفاوزة يمر بهَا خطْوَة وَقبض الله مَا كَانَ فِيهَا من مَخَاض أَو بَحر فَجعله لَهُ خطْوَة وَلم يَقع قدمه فِي شَيْء من الأَرْض إِلَّا صَار عمراناً وبركة حَتَّى انْتهى إِلَى مَكَّة فَبنى الْبَيْت الْحَرَام وَأَن جِبْرِيل عليه السلام ضرب بجناحه الأَرْض فأبرز عَن أس ثَابت على الأَرْض السَّابِعَة فَقَذَفْتُ فِيهِ الْمَلَائِكَة الصخر مَا يُطيق الصَّخْرَة مِنْهَا ثَلَاثُونَ رجلا وَأَنه بناه من خَمْسَة أجبل
من لبنان وطورزيتا وطورسينا والجودي وحراء حَتَّى اسْتَوَى على وَجه الأَرْض فَكَانَ أول من أسس الْبَيْت وَصلى فِيهِ وَطَاف آدم عليه السلام حَتَّى بعث الله الطوفان فَكَانَ غَضبا ورجساً فَحَيْثُمَا انْتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام وَلم يقرب الطوفان أَرض السَّنَد والهند فدرس مَوْضِعه الطوفان حَتَّى بعث الله إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عليهما السلام فرفعا قَوَاعِده وأعلامه ثمَّ بنته قُرَيْش بعد ذَلِك وَهُوَ بحذاء الْبَيْت الْمَعْمُور لَو سقط مَا سقط إِلَّا عَلَيْهِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أهبط آدم إِلَى الأَرْض أهبطه إِلَى مَوضِع الْبَيْت الْحَرَام وَهُوَ مثل الْفلك من رعدته ثمَّ نزل عَلَيْهِ الْحجر الْأسود وَهُوَ يتلألأ من شدَّة بياضه فَأَخذه آدم فضمه إِلَيْهِ آنساً بِهِ ثمَّ نزل عَلَيْهِ الْقَضَاء فَقيل لَهُ: تخط يَا آدم فتخطى فَإِذا هُوَ بِأَرْض الْهِنْد أَو السَّنَد فَمَكثَ بذلك مَا شَاءَ الله
ثمَّ استوحش إِلَى الرُّكْن فَقيل لَهُ: احجج
فحج فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: بر حجك يَا آدم وَلَقَد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبان
أَن الْبَيْت أهبط باقوتة وَاحِدَة أَو ذرة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْبَيْت من ياقوتة حَمْرَاء وَيَقُولُونَ: من زمردة خضراء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: لما بنى ابْن الزبير الْكَعْبَة أَمر الْعمَّال أَن يبلغُوا فِي الأَرْض فبلغوا صخراً أَمْثَال الإِبل الْخلف قَالَ زيد: فاحفروا فَلَمَّا زادوا بلغُوا هَوَاء من نَار فَقَالَ: مالكم قَالُوا: لسنا نستطيع أَن نزيد رَأينَا أمرا عَظِيما فَقَالَ لَهُم: ابْنُوا عَلَيْهِ
قَالَ عَطاء: يروون أَن ذَلِك الصخر مِمَّا بنى آدم عليه السلام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد قَالَ: لما أهبط الله آدم من الْجنَّة قَالَ: يَا آدم ابْن لي بَيْتا بحذاء بَيْتِي الَّذِي فِي السَّمَاء تتعبد فِيهِ أَنْت وولدك كَمَا يتعبد ملائكتي حول عَرْشِي فَهَبَطت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة فحفر حَتَّى بلغ الأَرْض السَّابِعَة فقذف فِيهِ الْمَلَائِكَة الصخر حَتَّى أشرف على وَجه الأَرْض وَهَبَطَ آدم بياقوتة حَمْرَاء مجوفة لَهَا أَرْبَعَة أَرْكَان بيض فوضعها على الأساس فَلم تزل الياقوتة كَذَلِك حَتَّى كَانَ زمن الْغَرق فَرَفعهَا الله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عُثْمَان بن سَاج قَالَ: أَخْبرنِي سعيد أَن آدم عليه السلام حج على رجلَيْهِ سبعين حجَّة مَاشِيا وَأَن الْمَلَائِكَة لَقيته بالمأزمين فَقَالُوا: برَّ حجك يَا آدم أما أَنا قد حجَجنَا قبلك بألفي عَام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مقَاتل يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
أَن آدم عليه السلام قَالَ: أَي رب أَنِّي أعرف شقوتي لَا أرى شَيْئا من نورك بعد فَأنْزل الله عَلَيْهِ الْبَيْت الْحَرَام على عرض الْبَيْت الَّذِي فِي السَّمَاء وموضعه من ياقوت الْجنَّة وَلَكِن طوله مَا بَين السّماء وَالْأَرْض وَأمره أَن يطوف بِهِ فَأذْهب عَنهُ الْهم الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك ثمَّ رفع على عهد نوح عليه السلام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد قَالَ: بَلغنِي أَنه لما خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَ أوّل شَيْء وَضعه فِيهَا الْبَيْت الْحَرَام وَهُوَ يَوْمئِذٍ ياقوتة حَمْرَاء جوفاء لَهَا بَابَانِ أَحدهمَا شَرْقي وَالْآخر غربي فَجعله مُسْتَقْبل الْبَيْت الْمَعْمُور فَلَمَّا كَانَ
قبلك بألفي عَام
قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ ياقوتة حَمْرَاء جوفاء لَهَا بَابَانِ من يطوف يرى من جَوف الْبَيْت وَمن فِي جَوف الْبَيْت يرى من يطوف فَقضى آدم نُسكه فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا آدم قضيت نسكك قَالَ: نعم يَا رب قَالَ: فسل حَاجَتك تعط
قَالَ: حَاجَتي أَن تغْفر لي ذَنبي وذنب وَلَدي
قَالَ: أما ذَنْبك يَا آدم فقد غفرناه حِين وَقعت بذنبك وَأما ذَنْب ولدك فَمن عرفني وآمن بِي وَصدق رُسُلِي وكتابي غفرنا لَهُ ذَنبه
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والديلمي عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن آدم أَتَى هَذَا البي ألف أتية لم يركب قطّ فِيهِنَّ من الْهِنْد على رجلَيْهِ من ذَلِك ثلثمِائة حجَّة وَسَبْعمائة عمْرَة وَأول حجَّة حَجهَا آدم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَات أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا آدم برّ نسكك أما إِنَّا قد طفنا بِهَذَا الْبَيْت قبل أَن تخلق بِخَمْسِينَ ألف سنة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول من طَاف بِالْبَيْتِ الْمَلَائِكَة وَأَن مَا بَين الْحجر إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ لقبور من قُبُور الْأَنْبِيَاء كَانَ النَّبِي مِنْهُم عليهم السلام إِذا آذاه قومه خرج من بَين أظهرهم فعبد الله فِيهَا حَتَّى يَمُوت
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه أَن آدم لما أهبط إِلَى الأَرْض استوحش فِيهَا لما رأى من سعتها وَلم يرى فِيهَا أحد غَيره فَقَالَ: يَا رب أما لأرضك هَذِه عَامر يسبحك فِيهَا ويقدس لَك غَيْرِي قَالَ الله: إِنِّي سأجعل فِيهَا من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي وسأجعل فِيهَا بُيُوتًا ترفع لذكري فيسبح فِيهَا خلقي سأبوئك فِيهَا بَيْتا أختاره لنَفْسي وأخصه بكرامتي وأوثره على بيُوت الأَرْض كلهَا باسمي واسْمه بَيْتِي أنطقه بعظمتي وأحوزه بحرمتي واجعله أَحَق الْبيُوت كلهَا وأولاها بذكري وأضعه فِي الْبقْعَة الْمُبَارَكَة الَّتِي اخْتَرْت لنَفْسي فَإِنِّي اخْتَرْت مَكَانَهُ يَوْم خلقت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَقبل ذَلِك قد كَانَ بغيتي فَهُوَ صفوتي من الْبيُوت وَلست أسْكنهُ وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن أسكن الْبيُوت وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تحملنِي اجْعَل ذَلِك الْبَيْت لَك وَمن بعْدك حرما وَأمنا احرم بحرمته مَا فَوْقه وَمَا تَحْتَهُ وَمَا حوله حرمته بحرمتي فقد عظم حرمتي وَمن أحله فقد أَبَاحَ حرمتي من أَمن أَهله اسْتوْجبَ بذلك أماني وَمن أَخَافهُم فقد أخفرني فِي ذِمَّتِي وَمن عظم شَأْنه فقد عظم فِي عَيْني وَمن تهاون بِهِ صغر عِنْدِي
زمن الْغَرق رفع فِي ديباجتين فَهُوَ فيهمَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة واستودع الله الرُّكْن أَبَا قبيس قَالَ ابْن عَبَّاس كَانَ ذَهَبا فَرفع فِي زمَان الْغَرق قَالَ ابْن جريج قَالَ جوبير كَانَ بِمَكَّة الْبَيْت الْمَعْمُور فَرفع زمن الْغَرق فَهُوَ فِي السَّمَاء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ بَلغنِي أَن الْبَيْت وضع لآدَم عليه السلام يطوف بِهِ ويعبد الله عِنْده وَأَن نوحًا قد حجه وجاءه وعظمه قبل الْغَرق فَلَمَّا أصَاب الأَرْض من الْغَرق حِين أهلك الله قوم نوح أصَاب الْبَيْت مَا أصَاب الأَرْض فَكَانَ ربوة حَمْرَاء مَعْرُوف مَكَانَهُ فَبعث الله هوداً إِلَى عَاد فتشاغل حَتَّى هلك وَلم يحجه ثمَّ بوأهع الله لإِبراهيم عليه السلام فحجه وَعلم مَنَاسِكه ودعا إِلَى زيارته ثمَّ لم يبْعَث الله نَبيا بعد إِبْرَاهِيم إِلَّا حجه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي قلَابَة قَالَ قَالَ الله لآدَم إِنِّي مهبط مَعَك بَيْتِي يُطَاف حوله كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده كَمَا يصلى عِنْد عَرْشِي فَلم يزل حَتَّى كَانَ زمن الطوفان فَرفع حَتَّى بوىء لإِبراهيم مَكَانَهُ فبناه من خَمْسَة جبال من حراء وثبير ولبنان وَالطور والجبل الْأَحْمَر
وَأخرج الجندي عَن معمر قَالَ أَن سفنية نوح طافت بِالْبَيْتِ سبعا حَتَّى إِذا غرق قوم نوح رَفعه وَبَقِي أساسه فبوّأه الله لإِبراهيم فبناه بعد ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل} واستودع الرُّكْن أَبَا قبيس حَتَّى إِذا كَانَ بِنَاء إِبْرَاهِيم نَادَى أَبُو قبيس إِبْرَاهِيم فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم هَذَا الرُّكْن فجَاء فحفر عَنهُ فَجعله فِي الْبَيْت حِين بناه إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي ترغيبه وَابْن عَسَاكِر عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أوحى الله إِلَى آدم أَن يَا آدم حج هَذَا الْبَيْت قبل أَن يحدث بك حدث قَالَ وَمَا يحدث عَليّ يَا رب قَالَ مَا لَا تَدْرِي وَهُوَ الْمَوْت قَالَ وَمَا الْمَوْت قَالَ سَوف تذوق قَالَ وَمن أستخلف فِي أَهلِي قَالَ أعرض ذَلِك على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَعرض على السَّمَوَات فَأَبت وَعرض على الأَرْض فَأَبت وَعرض على الْجبَال فَأَبت وَقَبله ابْنه قَاتل أَخِيه فَخرج آدم من أَرض الْهِنْد حَاجا فَمَا نزل منزلا أكل فِيهِ وَشرب إِلَّا صَار عمراناً بعده وقرى حَتَّى قدم مَكَّة فاستقبلته الْمَلَائِكَة بالبطحاء فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك يَا آدم برّ حجك أما إِنَّا قد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت
وَلكُل ملك حِيَازَة وبطن مَكَّة حوزتي الَّتِي اخْتَرْت لنَفْسي دون خلقي فَأَنا الله ذُو بكة أَهلهَا خفرتي وجيران بَيْتِي وعمارها وزوّارها وفدي وأضيافي وضماني وذمتي وجواري أجعله أول بَيت وضع للنَّاس وأعمره بِأَهْل السَّمَاء وَأهل الأَرْض يأتونه أَفْوَاجًا شعثاً غبراً على كل ضامر يَأْتِين من كل فج عميق يعجون بِالتَّكْبِيرِ عجيجاً يرجون بِالتَّلْبِيَةِ رجيجاً فَمن اعتمره وَحقّ الْكَرِيم أَن يكرم وفده وأضيافه وزوّاره وَأَن يسعف كل وَاحِد مِنْهُم بحاجته تعمره يَا آدم مَا كنت حَيا ثمَّ يعمره من بعْدك الْأُمَم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة وقرناً بعد قرن وَنَبِيًّا بعد نَبِي حَتَّى يَنْتَهِي ذَلِك إِلَى نَبِي من ولدك يُقَال لَهُ مُحَمَّد وَهُوَ خَاتم النَّبِيين فاجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقته يكون أميني عَلَيْهِ مَا كَانَ حَيا فَإِذا انْقَلب إليّ وجدني قد ادخرت لَهُ من أجره ونصيبه مَا يتَمَكَّن بِهِ من الْقرْبَة إِلَيّ والوسيلة عِنْدِي وَأفضل الْمنَازل فِي دَار المقامة
وَأَجْعَل اسْم ذَلِك الْبَيْت وَذكره وشرفه ومجده وسناه مكرمَة لنَبِيّ من ولدك يكون قبيل هَذَا النَّبِي وَهُوَ أَبوهُ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم أرفع لَهُ قَوَاعِده وأقضي على يَدَيْهِ عِمَارَته وأنيط لَهُ سقايته وأريه حلّه وَحرمه ومواقفه وأعلمه مشاعره ومناسكه وَأَجْعَل أمة وَاحِدَة قَانِتًا بأَمْري دَاعيا إِلَى سبيلي واجتبيه وأهديه إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
أبتليه فيصبر وأعافيه فيشكر وآمره فيفعل وينذر لي فيفي ويعدني فينجز وأستجيب دَعوته فِي وَلَده وَذريته من بعده وأشفعه فيهم وأجعلهم أهل ذَلِك الْبَيْت وحماته وسقاته وخدمه وخزنته وحجابه حَتَّى يبتدعوا ويغيروا ويبدلوا
فَإِذا فعلوا ذَلِك فَأَنا أقدر القادرين على أَن أستبدل من أَشَاء بِمن أَشَاء وَأَجْعَل إِبْرَاهِيم إِمَام ذَلِك وَأهل تِلْكَ الشَّرِيعَة يأتمُّ بِهِ من حضر تِلْكَ المواطن من جَمِيع الإِنس وَالْجِنّ يطأون فِيهَا آثاره ويتبعون فِيهَا سنته ويقتدون فِيهَا بهديه فَمن فعل ذَلِك مِنْهُم أوفى بنذره واستكمل نُسكه وَأصَاب بغيته وَمن لم يفعل ذَلِك مِنْهُم ضيع نُسكه وَأَخْطَأ بغيته وَلم يوف بنذره
فَمن سَأَلَ عني يَوْمئِذٍ فِي تِلْكَ المواطن أَيْن أَنا فَأَنا من الشعث الغبر الموبقين الْمُوفينَ بنذرهم المستكملين مناسكهم المتبتلين إِلَى رَبهم الَّذِي يعلم مَا يبدون وَمَا يكتمون
وَأخرجه الجندي عَن عِكْرِمَة ووهب بن مُنَبّه رَفَعَاهُ إِلَى ابْن عَبَّاس بِمثلِهِ سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول
الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ مَوضِع الْبَيْت فِي زمن آدم عليه السلام شبْرًا أَو أَكثر علما فَكَانَت الْمَلَائِكَة تحج إِلَيْهِ قبل آدم ثمَّ حج فاستقبلته الْمَلَائِكَة قَالُوا: يَا آدم من أَيْن جِئْت قَالَ: حججْت الْبَيْت
فَقَالُوا: قد حجَّته الْمَلَائِكَة قبلك بألفي عَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء قَالَ: أهبط آدم بِالْهِنْدِ فَقَالَ: يَا رب مَالِي لَا أسمع صَوت الْمَلَائِكَة كَمَا كنت أسمعها فِي الْجنَّة فَقَالَ لَهُ: لخطيئتك يَا آدم فَانْطَلق فَابْن لي بَيْتا فتطوّف بِهِ كَمَا رَأَيْتهمْ يتطوّفون
فَانْطَلق حَتَّى أَتَى مَكَّة فَبنى الْبَيْت فَكَانَ مَوضِع قدمي آدم قرى وأنهاراً وَعمارَة ومابين خطاه مفاوز فحج آدم الْبَيْت من الْهِنْد أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما تَابَ الله على آدم وَأمره أَن يسير إِلَى مَكَّة فطوى لَهُ الأَرْض حَتَّى انْتهى إِلَى مكّة فَلَقِيته الْمَلَائِكَة بِالْأَبْطح فرحبت بِهِ وَقَالَت لَهُ: يَا آدم إِنَّا لننظرك برّ حجك أما إِنَّا قد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام وَأمر الله جِبْرِيل فَعلمه الْمَنَاسِك والمشاعر كلهَا وَانْطَلق بِهِ حَتَّى أوقفهُ فِي عَرَفَات والمزدلفة وبمنى وعَلى الْجمار وَأنزل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم والاغتسال من الْجَنَابَة
قَالَ: وَكَانَ الْبَيْت على عهد آدم ياقوتة حَمْرَاء يلتهب نورا من ياقوت الْجنَّة لَهَا بَابَانِ شَرْقي وَغَرْبِيٌّ من ذهب من تبر الْجنَّة وَكَانَ فِيهَا ثَلَاث قناديل من تبر الْجنَّة فِيهَا نور يلتهب بَابهَا بنجوم من ياقوت أَبيض والركن يَوْمئِذٍ نجم من نجومها ياقوتة بَيْضَاء فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى كَانَ فِي زمَان نوح وَكَانَ الْغَرق فَرفع من الْغَرق فَوضع تَحت الْعَرْش وَمَكَثت الأَرْض خراباً ألفي سنة
فَلم يزل على ذَلِك حَتَّى كَانَ إِبْرَاهِيم فَأمره أَن يَبْنِي بَيْتِي فَجَاءَت السكينَة كَأَنَّهَا سَحَابَة فِيهَا رَأس تَتَكَلَّم لَهَا وَجه كوجه الإِنسان فَقَالَت: يَا إِبْرَاهِيم خُذ قدر ظِلِّي فَابْن عَلَيْهِ ولاتزد وَلَا تنقص
فَأخذ إِبْرَاهِيم قدر ظلها ثمَّ بنى هُوَ واسماعيل الْبَيْت وَلم يَجْعَل لَهُ سقفاً فَكَانَ النَّاس يلقون فِيهِ الْحلِيّ وَالْمَتَاع حَتَّى إِذا كَاد أَن يمتلىء أنفذ لَهُ خَمْسُونَ نَفرا ليسرقوا مَا فِيهِ فَقَامَ كل وَاحِد على زَاوِيَة واقتحم الْخَامِس فَسقط على رَأسه فَهَلَك وَبعث الله عِنْد ذَلِك حَيَّة بَيْضَاء سَوْدَاء الرَّأْس والذنب فحرست الْبَيْت خَمْسمِائَة عَام لَا يقربهُ أحد إِلَّا أهلكته فَلم يزل حَتَّى بنته قُرَيْش
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء
أَن عمر بن الْخطاب سَأَلَ كَعْبًا فَقَالَ أَخْبرنِي عَن هَذَا الْبَيْت مَا كَانَ أمره فَقَالَ: إِن هَذَا الْبَيْت أنزلهُ الله من السَّمَاء ياقوتة حَمْرَاء
مجوّفة مَعَ آدم فَقَالَ: يَا آدم إِن هَذَا بَيْتِي فَطُفْ حوله وصلِّ حوله كَمَا رَأَيْت ملائكتي تَطوف حول عَرْشِي وَتصلي وَنزلت مَعَه الْمَلَائِكَة فَرفعُوا قَوَاعِده من حِجَارَة ثمَّ وضع الْبَيْت على الْقَوَاعِد فَلَمَّا أغرق الله قوم نوح رَفعه الله إِلَى السَّمَاء وَبقيت قَوَاعِده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: شكت الْكَعْبَة إِلَى رَبهَا وبكت إِلَيْهِ فَقَالَت: أَي رب قلَّ زوّاري وجفاني النَّاس
فَقَالَ الله لَهَا إِنِّي مُحدث لَك انجيلاً وجاعل لَك زوّاراً يحنون إِلَيْك حنين الْحَمَامَة إِلَى بيضاتها
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن عبد الله بن ضَمرَة السَّلُولي قَالَ: مَا بَين الْمقَام إِلَى الرُّكْن إِلَى بِئْر زَمْزَم إِلَى الْحجر قبر سَبْعَة وَسبعين نَبيا جاؤوا حاجين فماتوا فقبروا هُنَالك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أقبل تبَّع يُرِيد الْكَعْبَة حَتَّى إِذا كَانَ بكراع الغميم بعث الله عَلَيْهِ ريحًا لَا يكَاد الْقَائِم يقوم إِلَّا عصفته وَذهب الْقَائِم ليقعد فيصرع وَقَامَت عَلَيْهِم ولقوا مِنْهَا عناء ودعا تبع حبريه فَسَأَلَهُمَا مَا هَذَا الَّذِي بعث عليَّ قَالَا: أَو تؤمننا قَالَ: أَنْتُم آمنون
قَالَا: فَإنَّك تُرِيدُ بَيْتا يمنعهُ الله مِمَّن أَرَادَهُ
قَالَ: فَمَا يذهب هَذَا عني قَالَا: تجرد فِي ثَوْبَيْنِ ثمَّ تَقول لبيْك لبيْك ثمَّ تدخل فَتَطُوف بذلك الْبَيْت وَلَا تبيح أحدا من أَهله
قَالَ: فَإِن أَجمعت على هَذَا ذهبت هَذِه الرّيح عني قَالَا: نعم
فتجرد ثمَّ لبّى
قَالَ ابْن عَبَّاس: فأدبرت الرّيح كَقطع اللَّيْل المظلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نظر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ مرْحَبًا بك من بَيت مَا أعظمك وَأعظم حرمتك وللمؤمن أعظم عِنْد الله حُرْمَة مِنْك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه نظر إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ: لقد شرفك الله وكرمك وَالْمُؤمن أعظم حُرْمَة مِنْك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر قَالَ لما افْتتح النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَكَّة اسْتَقْبلهَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ: أَنْت حرَام مَا أعظم حرمتك وَأطيب رِيحك وَأعظم حُرْمَة عِنْد الله مِنْك الْمُؤمن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والأزرقي عَن مَكْحُول أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لما رأى الْبَيْت حِين دخل مَكَّة رفع يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيماً وتكريماً ومهابة وزد من شرفه وَكَرمه مِمَّن حجه واعتمره تَشْرِيفًا وتعظيماً وتكريماً وَبرا
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن ابْن جريج أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رأى الْبَيْت رفع يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيماً وتكريماً ومهابة وزد من شرفه وَكَرمه مِمَّن حجه أواعتمره تَشْرِيفًا وتعظيماً وتكريماً وَبرا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن للكعبة لِسَانا وشفتين وَقد اشتكت فَقَالَت: يَا رب قل عوّادي وَقل زوّاري
فَأوحى الله: أَنِّي خَالق بشرا خشعاً سجدا يحنون إِلَيْك كَمَا تحن الْحَمَامَة إِلَى بيضها
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن جَابر الْجَزرِي قَالَ: جلس كَعْب الْأَحْبَار أَو سلمَان الْفَارِسِي بِفنَاء الْبَيْت فَقَالَ: شكت الْكَعْبَة إِلَى رَبهَا مَا نصب حولهَا من الْأَصْنَام وَمَا استقسم بِهِ من الأزلام فَأوحى الله إِلَيْهَا: أَنِّي منزل نورا وخالق بشرا يحنون إِلَيْك حنين الْحمام إِلَى بيضه ويدفون إِلَيْك دفيف النسور
فَقَالَ لَهُ قَائِل: وَهل لَهَا لِسَان قَالَ: نعم وأذنان وشفتان
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَن جِبْرِيل وقف على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَلِيهِ عِصَابَة خضراء قد علاها الْغُبَار فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا هَذَا الْغُبَار الَّذِي أدّى على عصابتك قَالَ: إِنِّي زرت الْبَيْت فازدحمت الْمَلَائِكَة على الرُّكْن فَهَذَا الْغُبَار الَّذِي ترى مِمَّا تثير بأجنحتها
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: حج آدم عليه السلام فَقضى الْمَنَاسِك فَلَمَّا حج قَالَ: يَا رب إِن لكل عَامل أجرا قَالَ الله تَعَالَى: أما أَنْت يَا آدم فقد غفرت لَك وَأما ذريتك فَمن جَاءَ مِنْهُم هَذَا الْبَيْت فباء بِذَنبِهِ غفرت لَهُ
فحج آدم عليه السلام فاستقبلته الْمَلَائِكَة بالردم فَقَالَت: بر حجك يَا آدم قد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام
قَالَ: فَمَا كُنْتُم تَقولُونَ حوله قَالُوا: كُنَّا نقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
قَالَ: فَكَانَ آدم إِذا طَاف يَقُول هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات فَكَانَ طواف آدم سبع أسابيع بِاللَّيْلِ وَخَمْسَة أسابيع بِالنَّهَارِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حج آدم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فِي الطّواف فَقَالُوا: بر حجك يَا آدم أما أَنا قد
حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام
قَالَ: فَمَاذَا كُنْتُم تَقولُونَ فِي الطّواف قَالُوا: كُنَّا نقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
قَالَ آدم: فزيدوا فِيهَا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فزادت الْمَلَائِكَة فِيهَا ذَلِك ثمَّ حج إِبْرَاهِيم بعد بنائِهِ الْبَيْت فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فِي الطّواف فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم: مَاذَا كُنْتُم تقواون فِي طوافكم قَالُوا: كُنَّا نقُول قبل أَبِيك آدم سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فاعلمناه ذَلِك فَقَالَ: زيدوا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
فَقَالَ إِبْرَاهِيم: زيدوا فِيهَا الْعلي الْعَظِيم
فَقَالَت الْمَلَائِكَة ذَلِك
وَأخرج الجندي والديلمي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ الْبَيْت قبل هبوط آدم ياقوتة من يَوَاقِيت الْجنَّة وَكَانَ لَهُ بَابَانِ من زمرد أَخْضَر بَاب شَرْقي وَبَاب غربي وَفِيه قناديل من الْجنَّة وَالْبَيْت الْمَعْمُور الَّذِي فِي السَّمَاء يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون فِيهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حذاء الْكَعْبَة الْحَرَام وَأَن الله عز وجل لما أهبط آدم إِلَى مَوضِع الْكَعْبَة وَهُوَ مثل الْفلك من شدَّة رعدته وَأنزل عَلَيْهِ الْحجر الْأسود وَهُوَ يتلألأ كَأَنَّهُ لؤلؤة فَأَخذه آدم فضمه إِلَيْهِ استئناساً ثمَّ أَخذ الله من بني آدم ميثاقهم فَجعله فِي الْحجر الْأسود ثمَّ أنزل على آدم الْعَصَا ثمَّ قَالَ: يَا آدم تخط
فتخطى فَإِذا هُوَ بِأَرْض الْهِنْد فَمَكثَ هُنَاكَ مَا شَاءَ الله ثمَّ استوحش إِلَى الْبَيْت فَقيل لَهُ: احجج يَا آدم
فَأقبل يتخطى فَصَارَ كل مَوضِع قدم قَرْيَة وَمَا بَين ذَلِك مفازة حَتَّى قدم مَكَّة فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: بر حجك يَا آدم لقد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام
قَالَ: فَمَا كُنْتُم تَقولُونَ حوله قَالُوا: كُنَّا نقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَكَانَ آدم إِذا طَاف بِالْبَيْتِ قَالَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات وَكَانَ آدم يطوف سَبْعَة أسابيع بِالنَّهَارِ
قَالَ آدم: يَا رب اجْعَل لهَذَا الْبَيْت عماراً يعمرونه من ذريتي فَأوحى الله تَعَالَى أَنِّي معمره نَبيا من ذريتك اسْمه إِبْرَاهِيم اتَّخذهُ خَلِيلًا أَقْْضِي على يَدَيْهِ عِمَارَته وأنيط لَهُ سقايته وأريه حلّه وَحرمه ومواقفه وأعلمه مشاعره ومناسكه
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن آدم سَأَلَ ربه فَقَالَ: يَا رب أَسأَلك من حج هَذَا الْبَيْت من ذريتي لَا يُشْرك بك شَيْئا أَن تلْحقهُ بِي فِي الْجنَّة
فَقَالَ الله تَعَالَى: يَا آدم من مَاتَ فِي الْحرم لَا يُشْرك بِي شَيْئا بعثته آمنا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الجندي عَن مُجَاهِد
أَن آدم طَاف بِالْبَيْتِ فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فصافحته
وسلمت عَلَيْهِ وَقَالَت: بر حجك يَا آدم طف بِهَذَا الْبَيْت فإنَّا قد طفناه قبلك بألفي عَام
قَالَ لَهُم آدم: فَمَا كُنْتُم تَقولُونَ حوله قَالُوا: كُنَّا نقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
قَالَ آدم: وَأَنا أَزِيد فِيهَا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ مَوضِع الْكَعْبَة قد خَفِي ودرس زمَان الْغَرق فِيمَا بَين نوح وَإِبْرَاهِيم عليهما السلام وَكَانَ مَوْضِعه أكمة حَمْرَاء مَدَرَة لَا تعلوها السُّيُول غير أَن النَّاس يعلمُونَ أَن مَوضِع الْبَيْت فِيمَا هُنَالك وَلَا يثبت مَوْضِعه وَكَانَ يَأْتِيهِ الْمَظْلُوم والمتعوذ من أقطار الأَرْض وَيَدْعُو عِنْده المكروب فَقل من دَعَا هُنَالك إِلَّا استجب لَهُ فَكَانَ النَّاس يحجون إِلَى موضه الْبَيْت حَتَّى بوأ الله مَكَانَهُ لإِبراهيم عليه السلام لما أَرَادَ من عمَارَة بَيته واظهار دينه وشعائره فَلم يزل مُنْذُ أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض مُعظما محرما بَيته تتناسخه الْأُمَم والملل أمة بعد أمة وملة بعد مِلَّة
قَالَ: وَقد كَانَت الْمَلَائِكَة تحجه قبل ذَلِك
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عُثْمَان بن سَاج قَالَ: بلغنَا - وَالله أعلم - أَن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَنظر إِلَى الأَرْض مشارقها وَمَغَارِبهَا فَاخْتَارَ مَوضِع الْكَعْبَة فَقَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة: يَا خَلِيل الله اخْتَرْت حرم الله فِي الأَرْض فبناه من حِجَارَة سَبْعَة أجبل وَيَقُولُونَ خَمْسَة فَكَانَت الْمَلَائِكَة تَأتي بِالْحِجَارَةِ إِلَى إِبْرَاهِيم عليه السلام من تِلْكَ الْجبَال
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: أقبل إِبْرَاهِيم عليه السلام والسكينه والصرد وَالْملك من الشَّام فَقَالَت السكينَة: يَا أبراهيم ربض على الْبَيْت فَلذَلِك لَا يطوف بِالْبَيْتِ ملك من جبابرة الْمُلُوك وَلَا اعرابي نافر إِلَّا وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن بشر بن عَاصِم قَالَ: أقبل إِبْرَاهِيم من أرمينية مَعَه السكينَة وَالْملك والصرد دَلِيلا بِهِ يتبوّأ إِبْرَاهِيم كَمَا تتبوّأ العنكبوت بَيتهَا فَرفع صَخْرَة فَمَا رَفعهَا عَنهُ إِلَّا ثَلَاثُونَ رجلا فَقَالَت السكينَة: ابْن عليّ
فَلذَلِك لَا يدْخلهُ أَعْرَابِي نافر وَلَا جَبَّار إِلَّا رَأَيْت عَلَيْهِ السكينَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: اقبل إِبْرَاهِيم وَالْملك والسكينة والصرد دَلِيلا حَتَّى تبوّأ الْبَيْت كَمَا تبوّأت العنكبوت بَيتهَا فحفر مَا برز عَن أسها أَمْثَال خلف الإِبل لَا يُحَرك الصَّخْرَة إِلَّا ثَلَاثُونَ رجلا ثمَّ قَالَ الله لإِبراهيم: قُم فَابْن
لي بَيْتا
قَالَ: يَا رب وَأَيْنَ قَالَ: سنريك
فَبعث الله سَحَابَة فِيهَا رَأس يكلم إِبْرَاهِيم فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم إِن رَبك يَأْمُرك أَن تخط قدر هَذِه السحابة فَجعل ينظر إِلَيْهَا وَيَأْخُذ قدرهَا
فَقَالَ لَهُ الرَّأْس: أقد فعلت قَالَ: نعم
قَالَ: فارتفعت السحابة فأبرز عَن أس نابت من الأَرْض فبناه إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن قتدة فِي قَوْله {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت} قَالَ: ذكر لنا أَنه بناه من خَمْسَة أجبل
من طورسينا وطورزيتا ولبنان والجودي وحراء وَذكر لنا أَن قَوَاعِده من حراء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم أَن يَبْنِي الْبَيْت وانْتهى إِلَى مَوضِع الْحجر قَالَ لإِسماعيل: ائْتِنِي بِحجر ليَكُون علما للنَّاس يبتدئون مِنْهُ الطّواف فَأَتَاهُ بِحجر فَلم يرضه فَأتى إِبْرَاهِيم بِهَذَا الْحجر ثمَّ قَالَ: أَتَانِي بِهِ من لم يكلني إِلَى حجرك
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن جِبْرِيل عليه السلام هُوَ الَّذِي نزل عَلَيْهِ بِالْحجرِ من الْجنَّة وَأَنه وصعه حَيْثُ رَأَيْتُمْ وأنكم لن تزالوا بِخَير مَا دَامَ بَين ظهرانيكم فَتمسكُوا بِهِ مَا اسْتَطَعْتُم فَإِنَّهُ يُوشك أَن يَجِيء فَيرجع بِهِ إِلَى حَيْثُ جَاءَ بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نزل الْحجر الْأسود من الْجنَّة وهوأشد بَيَاضًا من اللَّبن فسوّدته خَطَايَا بني آدم
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحجر الْأسود من حِجَارَة الْجنَّة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي عَن مُجَاهِد قَالَ: الرُّكْن من الْجنَّة وَلَو لم يكن من الْجنَّة لفني
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْلَا مَا طبع من الرُّكْن من أنجاس الْجَاهِلِيَّة وأرجاسها وأيدي الظلمَة والأثمة لاستشفي بِهِ من كل عاهة ولألقاه الْيَوْم كَهَيْئَته يَوْم خلقه الله وَإِنَّمَا غَيره الله بِالسَّوَادِ لِئَلَّا ينظر أهل الدُّنْيَا إِلَى زِينَة الْجنَّة وَأَنه لياقوتة بَيْضَاء من ياقوت الْجنَّة فَوَضعه الله يَوْمئِذٍ لآدَم حِين أنزلهُ فِي مَوضِع الْكَعْبَة قبل أَن تكون الْكَعْبَة وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ طَاهِرَة لم يعْمل
فِيهَا بِشَيْء من الْمعاصِي وَلَيْسَ لَهَا أهل ينجسونها وَوضع لَهَا صفا من الْمَلَائِكَة على أَطْرَاف الْحرم يحرسونه من جَان الأَرْض وسكانها يَوْمئِذٍ الْجِنّ وَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُم أَن ينْظرُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ من الْجنَّة وَمن نظر إِلَى الْجنَّة دَخلهَا فهم على أَطْرَاف الْحرم حَيْثُ أَعْلَامه الْيَوْم محدقون بِهِ من كل جَانب بَينه وَبَين الْحرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْبَيْت الَّذِي بوأه الله لآدَم كَانَ من ياقوتة حَمْرَاء لَهَا بَابَانِ أَحدهمَا شَرْقي وَالْآخر غربي فَكَانَ فِيهَا قناديل من نور الْجنَّة آنيتها الذَّهَب منظومة بنجوم من ياقوت أَبيض والركن يَوْمئِذٍ نجم من نجومه وَوضع لَهَا صفا من الْمَلَائِكَة على أَطْرَاف الْحرم فهم الْيَوْم يَذبُّونَ عَنهُ لِأَنَّهُ شَيْء من الْجنَّة لَا يَنْبَغِي أَن ينظر إِلَيْهِ إِلَّا من وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن نظر إِلَيْهَا دَخلهَا وَإِنَّمَا سمي الْحرم لأَنهم لَا يجاوزونه وَأَن الله وضع الْبَيْت لآدَم حَيْثُ وَضعه وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ طَاهِرَة لم يعْمل عَلَيْهَا شَيْء من الْمعاصِي وَلَيْسَ لَهَا أهل ينجسونها وَكَانَ سكانها الْجِنّ
وَأخرج الجندي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض فَمن لم يدْرك بيعَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاستلم الْحجر فقد بَايع الله وَرَسُوله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن هَذَا الرُّكْن الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض يُصَافح بِهِ عباده
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ فِي الأَرْض من الْجنَّة إِلَّا الرُّكْن الْأسود وَالْمقَام فهما جوهرتان من جَوْهَر الْجنَّة وَلَوْلَا مَا مسهما من أهل الشّرك مَا مسهما ذُو عاهة إِلَّا شفَاه الله تَعَالَى
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: نزل الرُّكْن وَأَنه لأشد بَيَاضًا من الْفضة وَلَوْلَا مَا مَسّه من انجاس الْجَاهِلِيَّة وأرجاسهم مَا مَسّه ذُو عاهة إِلَّا برىء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَكْثرُوا استلام هَذَا الْحجر فَإِنَّكُم توشكون أَن تفقدوه بَيْنَمَا النَّاس يطوفون بِهِ ذَات لَيْلَة إِذْ أَصْبحُوا وَقد فقدوه إِن الله لَا ينزل شَيْئا من الْجنَّة إِلَّا أَعَادَهُ فِيهَا قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: إِن الله جعل الرُّكْن عيد أهل هَذِه الْقبْلَة كَمَا كَانَت الْمَائِدَة عيداً لبني إِسْرَائِيل وَإِنَّكُمْ لن تزالوا بِخَير مَا دَامَ بَين ظهرانيكم وَإِن جِبْرِيل عليه السلام وَضعه فِي مَكَانَهُ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: إِن الله يرفع الْقُرْآن من صُدُور الرِّجَال وَالْحجر الْأسود قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: كَيفَ بكم إِذا أسرِي بِالْقُرْآنِ فَرفع من صدوركم وَنسخ من قُلُوبكُمْ وَرفع الرُّكْن وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عُثْمَان بن سَاج قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أوّل مَا يرفع الرُّكْن وَالْقُرْآن ورؤيا النَّبِي فِي الْمَنَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: حجُّوا هَذَا الْبَيْت واستلموا هَذَا الْحجر فوَاللَّه ليرفعن أَو ليصيبه أَمر من السَّمَاء إِن كَانَا لحجرين أهبطا من الْجنَّة فَرفع أَحدهمَا وسيرفع الآخر وَإِن لم يكن كَمَا قلت فَمن مر على قَبْرِي فَلْيقل هَذَا قبر عبد الله بن عَمْرو الْكذَّاب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: اسْتقْبل النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْحجر فاستلمه ثمَّ وضع شَفَتَيْه عَلَيْهِ يبكي طَويلا فَالْتَفت فَإِذا بعمر يبكي فَقَالَ: يَا عمر هَهُنَا تسكب العبرات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحجر الْأسود من حِجَارَة الْجنَّة وَمَا فِي الأَرْض من الْجنَّة غَيره وَكَانَ أَبيض كالمهاة وَلَوْلَا مَا مَسّه من رِجْس الْجَاهِلِيَّة مَا مَسّه ذُو عاهة إِلَّا برىء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: نزل الرُّكْن الْأسود من السَّمَاء فَوضع على أبي قبيس كَأَنَّهُ مهاة بَيْضَاء فَمَكثَ أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ وضع على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم
وَأخر الْأَزْرَقِيّ عَن عِكْرِمَة قَالَ: الرُّكْن ياقوتة من يَوَاقِيت الْجنَّة وَإِلَى الْجنَّة مصيره
قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَوْلَا مَا مَسّه من أَيدي الْجَاهِلِيَّة لأبرأ الأكمه والأبرص
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل الله الرُّكْن وَالْمقَام مَعَ آدم عليه السلام لَيْلَة نزل بَين الرُّكْن وَالْمقَام فَلَمَّا أصبح رأى الرُّكْن وَالْمقَام فعرفهما فَضَمَّهُمَا وَأنس بهما
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْحجر الْأسود نزل بِهِ ملك من السَّمَاء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل الله الرُّكْن الْأسود من الْجنَّة وَهُوَ يتلألأ تلألؤاً من شدَّة بياضه فَأَخذه آدم فضمه إِلَيْهِ آنساً بِهِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل آدم من الْجنَّة وَمَعَهُ الْحجر الْأسود متأبطه وَهُوَ ياقوتة من يَوَاقِيت الْجنَّة وَلَوْلَا أَن الله طمس ضوءه مَا اسْتَطَاعَ أحد أَن ينظر إِلَيْهِ وَنزل بالباسة ونخلة الْعَجْوَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ: الباسة آلَات الصناع
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن عمر بن الْخطاب سَأَلَ كَعْبًا عَن الْحجر الْأسود فَقَالَ: مروة من مرو الْجنَّة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَوْلَا أَن الْحجر تمسه الْحَائِض وَهِي لَا تشعر وَالْجنب وَهُوَ لَا يشْعر مَا مَسّه أَجْذم وَلَا أبرص إِلَّا برىء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَ الْحجر الْأسود أَبيض كاللبن وَكَانَ طوله كعظم الذِّرَاع وَمَا اسود إِلَّا من الْمُشْركين كَانُوا يمسحونه وَلَوْلَا ذَلِك مَا مَسّه ذُو عاهة إِلَّا برىء
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عُثْمَان بن سَاج قَالَ: أَخْبرنِي ابْن نبيه الحَجبي عَن أمه أَنَّهَا حدثته أَن أَبَاهَا حدثها: أَنه رأى الْحجر قبل الْحَرِيق وَهُوَ أَبيض يتَرَاءَى الإِنسان فِيهِ وَجهه
قَالَ عُثْمَان: وَأَخْبرنِي زُهَيْر: أَنه بلغه أَن الْحجر من رَضْرَاض ياقوت الْجنَّة وَكَانَ أَبيض يتلألأ فسوّده ارجاس الْمُشْركين وَسَيَعُودُ لى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة مثل أبي قبيس فِي الْعظم لَهُ عينان ولسان وشفتان يشْهد لمن استلمه بِحَق وَيشْهد على من استلمه بِغَيْر حق
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحجر الْأسود ياقوتة بَيْضَاء من يَوَاقِيت الْجنَّة وَإِنَّمَا سوّدته خَطَايَا الْمُشْركين يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مثل أحد يشْهد لمن استلمه وَقَبله من أهل الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله يبْعَث الرُّكْن الْأسود لَهُ عينان يبصر بهما ولسان ينْطق بِهِ يشْهد لمن استلمه بِحَق
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: الرُّكْن من حِجَارَة الْجنَّة أما وَالَّذِي نفس سلمَان بِيَدِهِ ليجيئن يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان ولسان وشفتان يشْهد لمن استلمه بِالْحَقِّ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرُّكْن يَمِين الله فِي الأَرْض يُصَافح بهَا
خلقه وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من امرىء مُسلم يسْأَل الله عِنْده شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه
وَأخرج ابْن ماجة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح
أَنه سُئِلَ عَن الرُّكْن أسود فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من فاوضه فَإِنَّمَا يفاوض يَد الرَّحْمَن
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لهَذَا الْحجر لِسَانا وشفتين يشْهد لمن استلمه يَوْم الْقِيَامَة بِحَق
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَأْتِي الرُّكْن يَوْم الْقِيَامَة أعظم من أبي قبيس لَهُ لِسَان وشفتان يتَكَلَّم عَن من [استلمه] وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اشْهَدُوا هَذَا الْحجر خيرا فانه يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة شَافِع مُشَفع لَهُ لِسَان وشفتان يشْهد لمن استلمه
وَأخرج الجندي من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن مُحَمَّد بن سابط عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ النَّبِي من الْأَنْبِيَاء إِذْ هَلَكت أمته لحق بِمَكَّة فيتعبد فِيهَا النَّبِي وَمن مَعَه حَتَّى يَمُوت فَمَاتَ بهَا نوح وَهود وَصَالح وَشُعَيْب عليهم السلام وقبورهم بَين زَمْزَم وَالْحجر
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي من عَطاء بن السَّائِب عَن مُحَمَّد بن سابط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَكَّة لَا يسكنهَا سافك دم وَلَا تَاجر بربا وَلَا مشاء بنميمة
قَالَ: ودحيت الأَرْض من مَكَّة وَكَانَت الْمَلَائِكَة تَطوف بِالْبَيْتِ وَهِي أول من طَاف بِهِ وَهِي الأَرْض الَّتِي قَالَ الله (إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة)(الْبَقَرَة الْآيَة 30) وَكَانَ النَّبِي من الْأَنْبِيَاء إِذا هلك قومه فنجا هُوَ والصالحون مَعَه أَتَاهَا بِمن مَعَه فيعبدون الله حَتَّى يموتوا فِيهَا وَإِن قيبر نوح وَهود وَشُعَيْب وَصَالح بَين زَمْزَم والركن وَالْمقَام
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: حج مُوسَى عليه السلام على جمل أَحْمَر فَمر
بِالرَّوْحَاءِ عَلَيْهِ عباءتان قطوانيتان متزر باحداهما مُرْتَد بِالْأُخْرَى فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثمَّ طَاف بَين الصَّفَا والمروة فَبَيْنَمَا هُوَ يطوف ويلبي بَين الصَّفَا والمروة إِذْ سمع صَوتا من السَّمَاء وَهُوَ يَقُول: لبيْك عَبدِي أَنا مَعَك فَخر مُوسَى عليه السلام سَاجِدا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مقَاتل قَالَ: فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بَين زَمْزَم قبر سبعين نَبيا مِنْهُم هود وَصَالح وَإِسْمَاعِيل وقبر آدم وَإِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب ويوسف فِي بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: النّظر إِلَى الْكَعْبَة مخض الإِيمان
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي عَن ابْن الْمسيب قَالَ: من نظر إِلَى الْكَعْبَة إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا خرج من الْخَطَايَا كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي من طَرِيق زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن أبي السَّائِب الْمدنِي قَالَ: من نظر إِلَى الْكَعْبَة إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا تحاتت ذنُوبه كَمَا يتحات الْوَرق من الشّجر
قَالَ: والجالس فِي الْمَسْجِد ينظر إِلَى الْبَيْت لَا يطوف بِهِ وَلَا يُصَلِّي أفضل من الْمُصَلِّي فِي بَيته لَا ينظر إِلَى الْبَيْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والأزرقي والجندي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء قَالَ: النّظر إِلَى الْبَيْت عبَادَة والناظر إِلَى الْبَيْت بِمَنْزِلَة الْقَائِم الصَّائِم المخبت الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله
وَأخرج الجندي عَن عَطاء قَالَ: إِن نظرة إِلَى هَذَا الْبَيْت فِي غير طواف وَلَا صَلَاة تعدل عبَادَة سنة قِيَامهَا وركوعها وسجودها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والجندي عَن طَاوس قَالَ: النّظر إِلَى هَذَا الْبَيْت أفضل من عبَادَة الصَّائِم الْقَائِم الدَّائِم الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: النَّاظر إِلَى الْكَعْبَة كالمجتهد فِي الْعِبَادَة فِي غَيرهَا من الْبِلَاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والأزرقي عَن مُجَاهِد قَالَ: النّظر إِلَى الْكَعْبَة عبَادَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ والجندي وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لله فِي كل يَوْم وَلَيْلَة عشْرين وَمِائَة رَحْمَة تنزل على هَذَا الْبَيْت سِتُّونَ للطائفين وَأَرْبَعُونَ للمصلين وَعِشْرُونَ للناظرين
وَأخرج الجندي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَكْثرُوا الطّواف بِالْبَيْتِ قبل أَن يرفع وينسى النَّاس مَكَانَهُ
وَأخرج الْبَزَّار فِي مُسْنده وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَمْتعُوا بِهَذَا الْبَيْت فقد هدم مرَّتَيْنِ وَيرْفَع فِي الثَّالِثَة
وَأخرج الجندي عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رفع الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَمر بِقَبْر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
فَيَقُول صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيْك السَّلَام يَا كعبة الله مَا حَال أمتِي فَتَقول: يَا مُحَمَّد أما من وَفد إليّ من أمتك فَأَنا الْقَائِم بِشَأْنِهِ وَأما من لم يفد من أمتك فَأَنت الْقَائِم بِشَأْنِهِ
وَأخرج أَبُو بكر الوَاسِطِيّ فِي فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس عَن خَالِد بن معدان قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تزف الْكَعْبَة إِلَى الصَّخْرَة زف الْعَرُوس فَيتَعَلَّق بهَا جَمِيع من حج وَاعْتمر فَإِذا رأتها الصَّخْرَة قَالَت لَهَا: مرْحَبًا بالزائرة والمزورة إِلَيْهَا
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن كَعْب قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يزف الْبَيْت الْحَرَام إِلَى بَيت الْمُقَدّس فينقادان إِلَى الْجنَّة وَفِيهِمَا أهلهما وَالْعرض والحساب بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب والديلمي عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة زفت الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام إِلَى قَبْرِي فَتَقول: السَّلَام عَلَيْك يَا مُحَمَّد فَأَقُول: وَعَلَيْك السَّلَام يَا بَيت الله مَا صنع بك أمتِي بعدِي فَتَقول: يَا مُحَمَّد من أَتَانِي فَأَنا أكفيه وأكون لَهُ شَفِيعًا وَمن لم يأتني فَأَنت تكفيه وَتَكون لَهُ شَفِيعًا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي إِسْحَق قَالَ: بنى إِبْرَاهِيم عليه السلام الْبَيْت وَجعل طوله فِي السَّمَاء تِسْعَة أَذْرع وَعرضه فِي الأَرْض اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا من الرُّكْن الْأسود إِلَى الرُّكْن الشَّامي الَّذِي عِنْد الْحجر من وَجهه وَجعل عرض مَا بَين الرُّكْن الشَّامي إِلَى الرُّكْن الغربي الَّذِي فِيهِ الْحجر اثْنَيْنِ وَعشْرين ذِرَاعا وَجعل طول ظهرهَا من الرُّكْن الغربي إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ أحدا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَجعل عرض شقها الْيَمَانِيّ من الرُّكْن الْأسود إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ عشْرين ذِرَاعا
قَالَ: فَلذَلِك سميت الْكَعْبَة لِأَنَّهَا على خلقَة الكعب
قَالَ: وَكَذَلِكَ سنَن أساس آدم وَجعل لَهَا غلقاً فارسياً وَكَسَاهَا كسْوَة تَامَّة وَنحر عِنْدهَا وَجعل إِبْرَاهِيم عليه السلام الْحجر إِلَى جنب الْبَيْت عَرِيشًا من أَرَاك تَقْتَحِمُهُ العنز فَكَانَ زرباً لغنم اسماعيل وحفر إِبْرَاهِيم جبا فِي بطن الْبَيْت على يَمِين من دخله يكون خزانَة للبيت يلقِي فِيهِ مَا يهدى للكعبة وَكَانَ الله استودع الرُّكْن أَبَا قبيس حِين أغرق الله الأَرْض زمن نوح وَقَالَ: إِذا رَأَيْت خليلي يَبْنِي بَيْتِي فَأخْرجهُ لَهُ فجَاء بِهِ جِبْرِيل فَوَضعه فِي مَكَانَهُ وَبنى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم وَهُوَ حِينَئِذٍ يتلألأ نورا من شدَّة بياضه وَكَانَ نوره يضيء إِلَى مُنْتَهى أَنْصَاف الْحرم من كل نَاحيَة
قَالَ: وَإِنَّمَا شدَّة سوَاده لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الْحَرِيق مرّة بعد مرّة فِي الْجَاهِلِيَّة والإِسلام
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ألم تَرَ إِلَى قَوْمك حِين بنوا الْكَعْبَة أقصروا عَن قَوَاعِد إِبْرَاهِيم فَقلت: يَا رَسُول الله أَلا تردها على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم قَالَ: لَوْلَا حدثان قَوْمك بالْكفْر
فَقَالَ ابْن عمر: مَا أرى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الرُّكْنَيْنِ اللَّذين يليان الْحجر إِلَّا أَن الْبَيْت لم يتمم على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ ابْن الزبير بنى الْكَعْبَة من الذرع على مَا بناها إِبْرَاهِيم عليه السلام
قَالَ: وَهِي مكعبة على خلقَة الكعب وَلذَلِك سميت الْكَعْبَة
قَالَ: وَلم يكن إِبْرَاهِيم سقف الْكَعْبَة وَلَا بناها بمدر وَإِنَّمَا رضمها رضماً
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي الْمُرْتَفع قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْن الزبير فِي الْحجر فَأول حجر من المنجنيق وَقع فِي الْكَعْبَة سمعنَا لَهَا أنيناً كأنين الْمَرِيض: آه آه
وَأخرج الجندي عَن مُجَاهِد قَالَ: رَأَيْت الْكَعْبَة فِي النّوم وَهِي تكلم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهِي تَقول: لَئِن لم تَنْتَهِ أمتك يَا مُحَمَّد عَن الْمعاصِي لأنتفضن حَتَّى يصير كل حجر مني فِي مَكَان
وَأخرج الجندي عَن وهيب بن الْورْد قَالَ: كنت أَطُوف أَنا وسُفْيَان بن سعيد الثَّوْريّ لَيْلًا فَانْقَلَبَ سُفْيَان وَبقيت فِي الطّواف فَدخلت الْحجر فَصليت تَحت الْمِيزَاب فبنا أَنا ساجد إِذْ سَمِعت كلَاما بَين أَسْتَار الْكَعْبَة وَالْحِجَارَة وَهِي تَقول: يَا جِبْرِيل أَشْكُو إِلَى الله ثمَّ إِلَيْك مَا يفعل هَؤُلَاءِ الطائفون حَولي تفكههم فِي الحَدِيث ولغطهم وشؤمهم
قَالَ وهيب: فأولت أَن الْبَيْت يشكو إِلَى جِبْرِيل عليه السلام
وَأما قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم}
أخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا أفطر قَالَ: اللَّهُمَّ لَك صمنا وعَلى رزقك أفطرنا فَتقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش
أَنه قَرَأَ {وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل رَبنَا تقبل منا}
قَوْله تَعَالَى: رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك وأرنا مناسكنا وَتب علينا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْكَرِيم فِي قَوْله تَعَالَى {رَبنَا واجعلنا مُسلمين} قَالَ: مُخلصين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَلام بن أبي مُطِيع فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: كَانَا مُسلمين وَلَكِن سألاه الثَّبَات
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} يعنيان الْعَرَب
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وأرنا مناسكنا} أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم والأزرقي عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم عليه السلام: رب أرنا مناسكنا
فاتاه جِبْرِيل فَأتى بِهِ الْبَيْت فَقَالَ: ارْفَعْ الْقَوَاعِد
فَرفع الْقَوَاعِد وَأتم الْبُنيان ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ فَأخْرجهُ فَانْطَلق بِهِ إِلَى الصَّفَا قَالَ: هَذَا من شَعَائِر الله ثمَّ انْطلق بِهِ إِلَى الْمَرْوَة فَقَالَ: وَهَذَا من شَعَائِر الله ثمَّ انْطلق بِهِ نَحْو منى فَلَمَّا كَانَ من الْعقبَة إِذا إِبْلِيس قَائِم عِنْد الشَّجَرَة فَقَالَ: كبر وارمه
فَكبر ورماه ثمَّ انْطلق إِبْلِيس فَقَامَ عِنْد الْجَمْرَة الْوُسْطَى فَلَمَّا حَاذَى بِهِ جِبْرِيل وَإِبْرَاهِيم قَالَ لَهُ: كبر وارمه
فَكبر وَرمى فَذهب إِبْلِيس حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة القصوى فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: كبر وارمه
فَكبر وَرمى فَذهب إِبْلِيس وَكَانَ الْخَبيث أَرَادَ أَن يدْخل فِي الْحَج شَيْئا فَلم يسْتَطع فَأخذ بيد إِبْرَاهِيم حَتَّى أَتَى بِهِ الْمشعر الْحَرَام فَقَالَ: هَذَا الْمشعر الْحَرَام ثمَّ ذهب حَتَّى أَتَى بِهِ عَرَفَات قَالَ: قد عرفت مَا أريتك قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات
قَالَ: نعم
قَالَ: فَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ
قَالَ: وَكَيف أؤذن قَالَ: قل
يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم ثَلَاث مَرَّات فَأجَاب الْعباد لبيْك اللَّهُمَّ رَبنَا لبيْك فَمن أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ من الْخلق فَهُوَ حَاج
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن الْمسيب عَن عَليّ قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من بِنَاء الْبَيْت قَالَ: قد فعلت أَي رب فأرنا مناسكنا أبرزها لنا علمناها فَبعث الله جِبْرِيل فحج بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: حج إِبْرَاهِيم واسماعيل وهما ماشيان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمقَام من أصل الْكَعْبَة فَقَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم فتفرجت عَنهُ هَذِه الْجبَال أَبُو قبيس وصواحبه إِلَى مابينه وَبَين عَرَفَات فَأرَاهُ مَنَاسِكه حَتَّى انْتهى إِلَيْهِ فَقَالَ: عرفت قَالَ: نعم
فسميت عَرَفَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مجلز فِي قَوْله (وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل)(الْبَقَرَة الْآيَة 127) قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من الْبَيْت جَاءَهُ جِبْرِيل أرَاهُ الطّواف بِالْبَيْتِ والصفا والمروة ثمَّ انْطَلقَا إِلَى الْعقبَة فَعرض لَهما الشَّيْطَان فَأخذ جِبْرِيل سبع حَصَيَات وَأعْطى إِبْرَاهِيم سبع حَصَيَات فَرمى وكبَّر وَقَالَ لإِبراهيم: ارْمِ وَكبر مَعَ كل رمية حَتَّى أمل الشَّيْطَان ثمَّ انْطَلقَا إِلَى الْجَمْرَة الْوُسْطَى فَعرض لَهما الشَّيْطَان فَأخذ جِبْرِيل سبع حَصَيَات فرميا وكبرا مَعَ كل رمية حَتَّى أمل الشَّيْطَان ثمَّ أَتَيَا الْجَمْرَة القصوى فَعرض لَهما الشَّيْطَان فَأخذ جِبْرِيل سبع حَصَيَات وَأعْطى إِبْرَاهِيم سبع حَصَيَات وَقَالَ: ارْمِ وَكبر
فرميا وكبرا مَعَ كل رمية حَتَّى أقل ثمَّ أَتَى بِهِ إِلَى منى فَقَالَ: هَهُنَا يحلق النَّاس رؤوسهم ثمَّ أَتَى بِهِ جمعا فَقَالَ: هَهُنَا يجمع النَّاس الصَّلَاة ثمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَات فَقَالَ: عرفت
قَالَ: نعم
فَمن ثمَّ سميت عَرَفَات
واخرج الْأَزْرَقِيّ عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من الْبَيْت الْحَرَام قَالَ: أَي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا فَبعث الله إِلَيْهِ جِبْرِيل فحج بِهِ حَتَّى إِذا جَاءَ يَوْم النَّحْر عرض لَهُ إِبْلِيس فَقَالَ: احصب
فحصب سبع حَصَيَات ثمَّ الْغَد ثمَّ الْيَوْم الثَّالِث فَمَلَأ مَا بَين الجبلين ثمَّ علا على مِنْبَر فَقَالَ: يَا عباد الله أجِيبُوا ربكُم فَسمع دَعوته من بَين الأبحر مِمَّن فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان قَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
قَالَ: وَلم يزل على وَجه الأَرْض سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا وَلَوْلَا ذَلِك
لأهلكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
قَالَ: وَأول من أجَاب حِين أذن بِالْحَجِّ أهل الْيمن
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأرنا مناسكنا} قَالَ: مذابحنا
وَأخرج الجندي عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ الله لإِبراهيم عليه السلام قُم فَابْن لي بَيْتا
قَالَ: أَي رب أَيْن
قَالَ: سأخبرك فَبعث الله إِلَيْهِ سَحَابَة لَهَا رَأس فَقَالَت: يَا إِبْرَاهِيم إِن رَبك يَأْمُرك أَن تخط قدر هَذِه السحابة
قَالَ: فَجعل إِبْرَاهِيم ينظر إِلَى السحابة ويخط
فَقَالَت: قد فعلت قَالَ: نعم
فارتفعت السحابة فحفر إِبْرَاهِيم فأبرز عَن أساس نابت من الأَرْض فَبنى إِبْرَاهِيم فَلَمَّا فرغ قَالَ: أَي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا
فَبعث الله إِلَيْهِ جِبْرِيل يحجّ بِهِ حَتَّى إِذا جَاءَ يَوْم النَّحْر عرض لَهُ إِبْلِيس فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: احصب
فحصب بِسبع حَصَيَات ثمَّ الْغَد ثمَّ الْيَوْم الثَّالِث فالرابع ثمَّ قَالَ: أعل ثبيراً
فعلا ثبيراً فَقَالَ: أَي عباد الله أجِيبُوا أَي عباد الله أطِيعُوا لله فَسمع دَعوته مَا بَين الأبحر مِمَّن فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الإِيمان قَالُوا لبيْك أطعناك اللَّهُمَّ أطعناك وَهِي الَّتِي أَتَى الله إِبْرَاهِيم فِي الْمَنَاسِك: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك وَلم يزل على الأَرْض سَبْعَة مُسلمُونَ لَوْلَا ذَلِك هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَفعه قَالَ لما أَتَى إِبْرَاهِيم خَلِيل الله الْمَنَاسِك عرض لَهُ الشَّيْطَان عِنْد جَمْرَة الْعقبَة فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات حَتَّى ساخ فِي الأَرْض ثمَّ عرض لَهُ عِنْد الْجَمْرَة الثَّانِيَة فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات حَتَّى ساخ فِي الأَرْض ثمَّ عرض لَهُ عِنْد الْجَمْرَة الثَّالِثَة فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات حَتَّى ساخ فِي الأَرْض قَالَ ابْن عَبَّاس: الشَّيْطَان ترجمون وملة أبيكم إِبْرَاهِيم تتبعون
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم لما رأى الْمَنَاسِك عرض لَهُ الشَّيْطَان عِنْد الْمَسْعَى فسابق إِبْرَاهِيم فسبقه إِبْرَاهِيم ثمَّ انْطلق بِهِ جِبْرِيل حَتَّى أرَاهُ مِنى فَقَالَ: هَذَا مناخ النَّاس
فَلَمَّا انْتهى إِلَى جَمْرَة الْعقبَة فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات من ذهب ثمَّ أَتَى بِهِ إِلَى الْجَمْرَة الْوُسْطَى فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات حَتَّى ذهب ثمَّ أَتَى بِهِ إِلَى الْجَمْرَة القصوى فَعرض لَهُ الشَّيْطَان فَرَمَاهُ بِسبع حَصَيَات حَتَّى ذهب فَأتى بِهِ جمعا فَقَالَ: هَذَا الْمشعر
ثمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَة فَقَالَ: هَذِه عَرَفَة
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل:
أعرفت قَالَ: نعم
وَلذَلِك سميت عَرَفَة
أَتَدْرِي كَيفَ كَانَت التَّلْبِيَة: أَن إِبْرَاهِيم لما أَمر أَن يُؤذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ أمرت الْجبَال فخفضت رؤوسها وَرفعت لَهُ الْقرى فَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأرنا مناسكنا} قَالَ: أراهما الله مناسكهما
الْموقف بِعَرَفَات والإِفاضة من جمع وَرمي الْجمار وَالطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة
قَوْله تَعَالَى: رَبنَا وَابعث فيهم رَسُولا مِنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهِم آياتك وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة ويزكيهم إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم
أخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنِّي عِنْد الله فِي أم الْكتاب لخاتم النَّبِيين وَإِن آدم لَمُنْجَدِل فِي طينته وسأنبئكم بِأول ذَلِك دَعْوَة أبي إِبْرَاهِيم وَبشَارَة عِيسَى بِي ورؤيا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيين يَرَيْن
وَأخرج أَحْمد وَابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قلت يَا رَسُول الله مَا كَانَ بَدْء أَمرك قَالَ: دَعْوَة إِبْرَاهِيم وبشرى عِيسَى وَرَأَتْ أُمِّي أَنه يخرج مِنْهَا نور أَضَاءَت لَهُ قُصُور الشَّام
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَنا دَعْوَة إِبْرَاهِيم
قَالَ وَهُوَ يرفع الْقَوَاعِد من الْبَيْت {رَبنَا وَابعث فيهم رَسُولا مِنْهُم} حَتَّى أتم الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {رَبنَا وَابعث فيهم رَسُولا مِنْهُم} يَعْنِي أمة مُحَمَّد
فَقيل لَهُ: قد اسْتُجِيبَ لَك وَهُوَ كَائِن فِي آخر الزَّمَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَابعث فيهم رَسُولا مِنْهُم} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} قَالَ: السّنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} قَالَ: الْحِكْمَة السّنة
قَالَ: فَفعل ذَلِك بهم فَبعث فيهم رَسُولا مِنْهُم يعْرفُونَ اسْمه وَنسبه يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور ويهديهم إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آتَانِي الله الْقُرْآن وَمن الْحِكْمَة مِثْلَيْه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يزكيهم} قَالَ: يطهرهم من الشّرك ويخلصهم مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {الْعَزِيز الْحَكِيم} قَالَ: عَزِيز فِي نقمته إِذا انتقم حَكِيم فِي أمره
قَوْله تَعَالَى: وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه نَفسه وَلَقَد اصطفيناه فِي الدُّنْيَا وَإنَّهُ فِي الْآخِرَة لمن الصَّالِحين إِذْ قَالَ لَهُ ربه اسْلَمْ قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَمن يرغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم} قَالَ: رغبت الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَن مِلَّته وَاتَّخذُوا الْيَهُودِيَّة والنصرانية بِدعَة لَيست من الله وَتركُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم الإِسلام وَبِذَلِك بعث الله نبيه مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِملَّة إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِلَّا من سفه نَفسه} قَالَ: إِلَّا من أَخطَأ حَظه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَلَقَد اصطفيناه} قَالَ: اخترناه
قَوْله تَعَالَى: ووصى إِبْرَاهِيم بهَا بنيه وَيَعْقُوب يَا بني ان الله اصْطفى لَك اليدن فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ
أخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أَسد بن يزِيد قَالَ: فِي مصحف عُثْمَان {ووصَّى} بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ووصى بهَا إِبْرَاهِيم بنيه} قَالَ: وصاهم بالإِسلام ووصى يَعْقُوب بنيه مثل ذَلِك
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ عَن فُضَيْل بن عِيَاض فِي قَوْله {فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} أَي محسنون بربكم الظَّن
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: ولد لإِبراهيم اسماعيل وَهُوَ أكبر وَلَده وَأمه هَاجر وَهِي قبطية وَإِسْحَق وَأمه سارة ومدن ومدين وبيشان وزمران وأشبق وشوح وأمهم قنطوراء من الْعَرَب العاربة فَأَما بيشان فلحق بنوه بِمَكَّة وَأقَام مَدين بِأَرْض مَدين فسميت بِهِ وَمضى سَائِرهمْ فِي الْبِلَاد وَقَالُوا لإِبراهيم: يَا أَبَانَا أنزلت اسماعيل وَإِسْحَق مَعَك وأمرتنا أَن ننزل أَرض الغربة والوحشة قَالَ: بذلك أمرت
فعلمهم اسْما من أَسمَاء الله فَكَانُوا يستسقون بِهِ ويستنصرون
قَوْله تَعَالَى: أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبدُونَ من بعدِي قَالُوا نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل واسحق إِلَهًا وَاحِدًا وَنحن لَهُ مُسلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {أم كُنْتُم شُهَدَاء} يَعْنِي أهل مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {أم كُنْتُم شُهَدَاء إِذْ حضر يَعْقُوب الْمَوْت} الْآيَة
قَالَ: يَقُول لم تشهد الْيَهُود ولاالنصارى وَلَا أحد من النَّاس يَعْقُوب إِذْ أَخذ على بنيه الْمِيثَاق إِذْ حَضَره الْمَوْت أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه فأقروا بذلك وَشهد عَلَيْهِم أَن قد أقرُّوا بعبادتهم وَأَنَّهُمْ مُسلمُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يَقُول: الْجد أَب وَيَتْلُو {قَالُوا نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي زيد فِي الْآيَة قَالَ: يُقَال بَدَأَ باسماعيل لِأَنَّهُ أكبر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: سمى الْعم أَبَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: الْخَال وَالِد الْعم وَالِد وتلا {قَالُوا نعْبد إلهك وإله آبَائِك} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ (نعْبد إلهك وإله أَبِيك) على معنى الْوَاحِد
قَوْله تَعَالَى: تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم وَلَا تسئلون عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {تِلْكَ أمة قد خلت} قَالَ: يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب والأسباط
قَوْله تَعَالَى: وَقَالُوا كونُوا هوداً أَو نَصَارَى تهتدوا قل بل مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عبد الله بن صوريا الْأَعْوَر للنَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا الْهدى إِلَّا مَا نَحن عَلَيْهِ فاتبعنا يَا مُحَمَّد تهتد وَقَالَت النَّصَارَى مثل ذَلِك فَأنْزل الله {وَقَالُوا كونُوا هوداً أَو نَصَارَى تهتدوا} الْآيَة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {حَنِيفا}
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَنِيفا} قَالَ: حَاجا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: الحنيف الْمُسْتَقيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {حَنِيفا} قَالَ: مُتبعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خصيف قَالَ: الحنيف المخلص
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قلَابَة قَالَ: الحنيف الَّذِي يُؤمن بالرسل كلهم من أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن حنفَاء مُسلمين حجاجاً
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السمحة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل: يَا رَسُول الله أَي الْأَدْيَان أحب إِلَى الله قَالَ: الحنيفية السمحة
وَأخرج أَبُو الترس فِي الغرائب وَالْحَاكِم فِي تَارِيخه وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر عَن سعد بن عبد الله بن مَالك الْخُزَاعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحب الدّين إِلَى الله الحنيفية السمحة
قَوْله تَعَالَى: قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ من رَبهم لَا نفرِّق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن معقل بن يسَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آمنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالزَّبُور والإِنجيل وَلْيَسَعْكُمْ الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر فِي الأولى مِنْهُمَا الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} الْآيَة
كلهَا وَفِي الْآخِرَة ب (آمنا بِاللَّه واشهد بِأَنا مُسلمُونَ)(آل عمرَان الْآيَة 52)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَكثر مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم} الْآيَة
وَفِي الثَّانِيَة (قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة
) (آل عمرَان الْآيَة 64) الْآيَة
وَأخرج وَكِيع عَن الضَّحَّاك قَالَ: علمُوا نساءكم وَأَوْلَادكُمْ وخدمكم أَسمَاء
الْأَنْبِيَاء الْمُسلمين فِي الْكتاب ليؤمنوا بهم فَإِن الله أَمر بذلك فَقَالَ {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} إِلَى قَوْله {وَنحن لَهُ مُسلمُونَ}
وَأخر ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأسباط بَنو يَعْقُوب كَانُوا اثْنَي عشر رجلا كل وَاحِد مِنْهُم ولد سبطاً أمة من النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: الأسباط بَنو يَعْقُوب يُوسُف وبنيامين وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوي ودان وقهات وكوذ وباليوق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عبد الثمالِي أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَو حَلَفت لبررت أَنه لَا يدْخل الْجنَّة قبل الرعيل الأوّل من أمتِي إِلَّا بضعَة عشر إنْسَانا إِبْرَاهِيم واسماعيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب والأسباط ومُوسَى وَعِيسَى بن مَرْيَم
قَوْله تَعَالَى: فَإِن آمنُوا بِمثل مَا آمنتم بِهِ فقد اهتدوا وَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا هم فِي شقَاق فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا تَقولُوا {فَإِن آمنُوا بِمثل مَا آمنتم بِهِ} فَإِن الله لَا مثل لَهُ وَلَكِن قُولُوا: فَإِن آمنُوا بِالَّذِي آمنتم بِهِ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي جَمْرَة قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ / فَإِن آمنُوا بِالَّذِي آمنتم بِهِ /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي اعالية فِي قَوْله {فَإِنَّمَا هم فِي شقَاق} قَالَ: فِرَاق
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت قَاعِدا إِذْ أقبل عُثْمَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا عُثْمَان تقتل وَأَنت تقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة فَتَقَع قَطْرَة من دمك على {فَسَيَكْفِيكَهُم الله} قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر الْمُسْتَدْرك: هَذَا كذب بحت وَفِي إِسْنَاده أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الحميد الْجعْفِيّ وَهُوَ الْمُتَّهم بِهِ
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الْقَاسِم بن بَشرَان فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو نعيم فِي
الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد مولى بني أَسد قَالَ: لما دخل المصريون على عُثْمَان والمصحف بَين يَدَيْهِ فضربوه بِالسَّيْفِ على يَدَيْهِ فَجرى الدَّم {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} فَمد يَده وَقَالَ: وَالله لإِنها أوّل يَد خطت الْمفصل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن نَافِع بن أبي نعيم قَالَ: أرسل إِلَيّ بعض الْخُلَفَاء بمصحف عُثْمَان بن عَفَّان فَقلت لَهُ: إِن النَّاس يَقُولُونَ: إِن مصحفه كَانَ فِي حجره حِين قتل فَوَقع الدَّم على {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} فَقَالَ نَافِع ك بصرت عَيْني بِالدَّمِ على هَذِه الْآيَة وَقد قدم
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عمْرَة بنت أَرْطَاة العدوية قَالَ: خرجت مَعَ عَائِشَة سنة قتل عُثْمَان إِلَى مَكَّة فمررنا بِالْمَدِينَةِ ورأينا الْمُصحف الَّذِي قتل وَهُوَ فِي حجره وَكَانَت أوّل قَطْرَة من دَمه على هَذِه الْآيَة {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} قَالَت عمْرَة: فَمَا مَاتَ مِنْهُم رجل سويا
قَوْله تَعَالَى: صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة وَنحن لَهُ عَابِدُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {صبغة الله} قَالَ: دين الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {صبغة الله} قَالَ: فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن بني إِسْرَائِيل قَالُوا: يَا مُوسَى هَل يصْبغ رَبك فَقَالَ: اتَّقوا الله
فناداه ربه: يَا مُوسَى سألوك هَل يصْبغ رَبك فَقل: نعم: أَنا أصبغ الألوان الْأَحْمَر والأبيض وَالْأسود والألوان كلهَا من صبغتي وَأنزل الله على نبيه {صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة} وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الْيَهُود تصبغ أبناءها يهود وَإِن النَّصَارَى تصبغ أبناءها نَصَارَى وَإِن صبغة الله الإِسلام وَلَا صبغة أحسن من صبغة الله الإِسلام وَلَا أطهر وَهُوَ دين الله الَّذِي بعث بِهِ نوحًا وَمن كَانَ بعده من الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {صبغة الله وَمن أحسن من الله صبغة} قَالَ: الْبيَاض
قَوْله تَعَالَى: قل أتحاجوننا فِي الله وَهُوَ رَبنَا وربكم وَلنَا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم وَنحن لَهُ مخلصون أم تَقولُونَ إِن إِبْرَاهِيم واسماعيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب والأسباط كَانُوا هودا أَو نَصَارَى قل أأنتم أعلم أم الله وَمن أظلم مِمَّن كتم شَهَادَة عِنْده من الله وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم وَلَا تسئلون عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتحاجوننا فِي الله} قَالَ: أتخاصمونا وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتحاجوننا} تجادلوننا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن كتم شَهَادَة عِنْده من الله} قَالَ: فِي قَول يهود لإِبراهيم وإسمعيل وَمن ذكر مَعَهُمَا أَنهم كَانُوا يهوداً أَو نَصَارَى فَيَقُول الله لَهُم: لَا تكتموا مني شَهَادَة إِن كَانَت عنْدكُمْ وَقد علم الله أَنهم كاذبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن كتم شَهَادَة} الْآيَة
قَالَ: أُولَئِكَ أهل الْكتاب كتموا الإِسلام وهم يعلمُونَ أَنه دين الله وَاتَّخذُوا الْيَهُودِيَّة والنصرانية وكتموا مُحَمَّد وهم يعلمُونَ أَنه رَسُول الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن كتم شَهَادَة عِنْده من الله} قَالَ: كَانَ عِنْد الْقَوْم من الله شَهَادَة أَن أنبياءه بُرَآء من الْيَهُودِيَّة والنصرانية
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالربيع فِي قَوْله {تِلْكَ أمة قد خلت} قَالَا: يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْمليح قَالَ: الْأمة مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الْمِائَة فَصَاعِدا
قَوْله تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قل لله الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
أخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْبَراء بن عَازِب أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ أول مَا قدم الْمَدِينَة نزل على أَخْوَاله من الْأَنْصَار وَأَنه صلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس سِتَّة أَو سَبْعَة عشر شهرا وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته إِلَى الْبَيْت وَأَن أول صَلَاة صلاهَا صَلَاة الْعَصْر وَصلى مَعَه قوم فَخرج رجل مِمَّن كَانَ صلى مَعَه فَمر على أهل الْمَسْجِد وهم رَاكِعُونَ فَقَالَ: أشهد بِاللَّه لقد صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل الْكَعْبَة فَدَارُوا كَمَا هم قبل الْبَيْت ثمَّ أَنْكَرُوا ذَلِك وَكَانَ الَّذِي مَاتَ على الْقبْلَة قبل أَن تحوّل قبل الْبَيْت رجَالًا وَقتلُوا فَلم ندر مَا نقُول فيهم فَأنْزل الله (وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم)(الْبَقَرَة الْآيَة 143)
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي نَحْو بَيت الْمُقَدّس وَيكثر النّظر إِلَى السَّمَاء ينْتَظر أَمر الله فَأنْزل الله (قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام)(الْبَقَرَة الْآيَة 144) فَقَالَ رجال من الْمُسلمين: وَدِدْنَا لَو علمنَا من مَاتَ منا قبل أَن نصرف إِلَى الْقبْلَة وَكَيف بصلاتنا نَحْو بَيت الْمُقَدّس فَأنْزل الله (وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ)(الْبَقَرَة الْآيَة 143) وَقَالَ السُّفَهَاء من النَّاس وهم من أهل الْكتاب: مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نَحْو بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر شهرا
وَكَانَ يجب أَن يُصَلِّي نَحْو الْكَعْبَة فَكَانَ يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَأنْزل الله (قد نرى تقلب وَجهك
) (الْبَقَرَة الْآيَة 144) الْآيَة
فَوجه نَحْو الْكَعْبَة وَقَالَ السُّفَهَاء من النَّاس وهم الْيَهُود مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {قل لله الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أول مَا نسخ فِي الْقُرْآن الْقبْلَة وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ أَكثر أَهلهَا الْيَهُود أمره الله أَن يسْتَقْبل بَيت الْمُقَدّس فَفَرِحت الْيَهُود فَاسْتَقْبلهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بضعَة عشر شهرا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبْلَة إِبْرَاهِيم وَكَانَ يَدْعُو الله وَينظر إِلَى السَّمَاء فَأنْزل الله (قد نرى تقلب وَجهك)(الْبَقَرَة الْآيَة 144) إِلَى قَوْله (فَوَلوا وُجُوهكُم شطره) يَعْنِي نَحوه فارتاب من ذَلِك الْيَهُود وَقَالُوا: مَا ولاهم عَن قبلتهم الني كَانُوا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {قل لله الْمشرق وَالْمغْرب} وَقَالَ: (أَيْنَمَا توَلّوا فثم وَجه الله)(الْبَقَرَة الْآيَة 115)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّة نَحْو بَيت الْمُقَدّس والكعبة بَين يَدَيْهِ وَبَعْدَمَا تحول إِلَى الْمَدِينَة سِتَّة عشر شهرا ثمَّ صرفه الله إِلَى الْكَعْبَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول مَا نسخ من الْقُرْآن الْقبْلَة وَذَلِكَ أَن مُحَمَّدًا كَانَ يسْتَقْبل صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَهِي قبْلَة الْيَهُود فَاسْتَقْبلهَا سَبْعَة عشر شهرا ليؤمنوا بِهِ وليتبعوه وليدعوا بذلك الْأُمِّيين من الْعَرَب
فَقَالَ الله (وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله) وَقَالَ (قد نرى تقلب وَجهك) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة مُرْسلا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن أبي الْعَالِيَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نظر نَحْو بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ لجبريل وددت أَن الله صرفني عَن قبْلَة الْيَهُود إِلَى غَيرهَا فَقَالَ لَهُ
جِبْرِيل: إِنَّمَا أَنا عبد مثلك وَلَا أملك لَك شَيْئا إِلَّا مَا أمرت فَادع ربّك وسله فَجعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يديم النّظر إِلَى السَّمَاء رَجَاء أَن يَأْتِيهِ جِبْرِيل بِالَّذِي سَأَلَ فَأنْزل الله (قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء)(الْبَقَرَة الْآيَة 144) يَقُول: إِنَّك تديم النّظر إِلَى السَّمَاء للَّذي سَأَلت (فولِّ وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام) يَقُول فحوّل وَجهك فِي الصَّلَاة نَحْو الْمَسْجِد الْحَرَام {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم} يَعْنِي من الأَرْض (فَوَلوا وُجُوهكُم) فِي الصَّلَاة (شطره) نَحْو الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صرفت الْقبْلَة عَن الشَّام إِلَى الْكَعْبَة فِي رَجَب على رَأس سَبْعَة عشر شهرا من مقدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المدينه فَأتى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رِفَاعَة بن قيس وقردم بن عَمْرو وَكَعب بن الْأَشْرَف وَنَافِع بن نَافِع وَالْحجاج بن عَمْرو حَلِيف كَعْب بن الْأَشْرَف وَالربيع بن أبي الْحقيق وكنانة بن أبي الْحقيق فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّد مَا ولاك عَن قبلتك الَّتِي كنت عَلَيْهَا وَأَنت تزْعم أَنَّك على مِلَّة إِبْرَاهِيم وَدينه ارْجع إِلَى قبلتك الَّتِي كنت عَلَيْهَا نتبعك ونصدقك وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ فتنته عَن دينه
فَأنْزل الله {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس} إِلَى قَوْله {إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ} أَي ابتلاء واختباراً (وَإِن كَانَت لكبيرة إِلَّا على الَّذين هدى الله)(الْبَقَرَة الْآيَة 143) أَي ثَبت الله (وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ) يَقُول: صَلَاتكُمْ بالقبلة الأولى وتصديقكم نَبِيكُم واتباعكم اياه إِلَى الْقبْلَة الْآخِرَة أَي ليعطينكم أجرهما جَمِيعًا (إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم) إِلَى قَوْله {فَلَا تكونن من الممترين}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء فِي قَوْله {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس} قَالَ: الْيَهُود
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول آيَة نسخت من الْقُرْآن الْقبْلَة ثمَّ الصَّلَاة الأولى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمن مَعَه نَحْو بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر شهرا ثمَّ حوّلت الْقبْلَة بعد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ صرفت الْقبْلَة نَحْو الْمَسْجِد الْحَرَام فِي رَجَب على سِتَّة عشر شهرا من مخرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَكَّة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وَجهه فِي السَّمَاء وَهُوَ يُصَلِّي نَحْو بَيت الْمُقَدّس فَأنْزل الله حِين وَجهه إِلَى الْبَيْت الْحَرَام {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس} وَمَا بعْدهَا من الْآيَات فأنشأت الْيَهُود تَقول: قد اشتاق الرجل إل بَلَده وَبَيت أَبِيه وَمَا لَهُم حَتَّى تركُوا قبلتهم يصلونَ مرّة وَجها وَمرَّة وَجها آخر وَقَالَ رجال من الصَّحَابَة: فَكيف بِمن مَاتَ وَهُوَ يُصَلِّي قبل بَيت الْمُقَدّس وَفَرح الْمُشْركُونَ وَقَالُوا: إِن مُحَمَّد قد الْتبس عَلَيْهِ أمره ويوشك أَن يكون على دينكُمْ فَأنْزل الله فِي ذَلِك هَؤُلَاءِ الْآيَات
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لما وَجه النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل الْمَسْجِد الْحَرَام اخْتلف النَّاس فِيهَا فَكَانُوا أصنافاً فَقَالَ المُنَافِقُونَ: مَا بالهم كَانُوا على قبْلَة زَمَانا ثمَّ تركوها وتوجهوا غَيرهَا وَقَالَ الْمُسلمُونَ: لَيْت شعرنَا عَن إِخْوَاننَا الَّذين مَاتُوا وهم يصلونَ قبل بَيت الْمُقَدّس هَل يقبل الله منا وَمِنْهُم أم لَا وَقَالَ الْيَهُود: إِن مُحَمَّدًا اشتاق إِلَى بلد أَبِيه ومولده وَلَو ثَبت على قبلتنا لَكنا نرجو أَن نَكُون يكون هُوَ صاحبنا الَّذِي نَنْتَظِر وَقَالَ الْمُشْركُونَ من أهل مَكَّة: تحير على مُحَمَّد دينه فَتوجه بقبلته إِلَيْكُم وَعلم أَنكُمْ اهدى مِنْهُ ويوشك أَن يدْخل فِي دينكُمْ فَأنْزل الله فِي الْمُنَافِقين {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس} إِلَى قَوْله {إِلَّا على الَّذين هدى الله} وَأنزل فِي الآخرين الْآيَات بعْدهَا
وَأخرج مَالك وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سعيد بن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد أَن قدم الْمَدِينَة سِتَّة عشر شهرا نَحْو بَيت الْمُقَدّس ثمَّ تحوّلت الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة قبل بدر بشهرين
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق سعيد بن الْمسيب قَالَ: سَمِعت سعد بن أبي وَقاص يَقُول صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَمَا قدم الْمَدِينَة سِتَّة عشر شهرا نَحْو بَيت الْمُقَدّس ثمَّ حوّل بعد ذَلِك قبل الْمَسْجِد الْحَرَام قبل بدر بشهرين
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى نَحْو بَيت الْمُقَدّس من شهر ربيع الأول إِلَى جُمَادَى الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب أَن الْأَنْصَار صلت للْقبْلَة الأولى قبل قدوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة بِثَلَاث حجج وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى للْقبْلَة الأولى بعد قدومه الْمَدِينَة سِتَّة عشر شهرا
وَأخرج ابْن جرير عَن معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم صلى للْقبْلَة الأولى بعد قدومه الْمَدِينَة سِتَّة عشر شهرا
وَأخرج ابْن جرير عَن معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قدم الْمَدِينَة فصلى نَحْو بَيت الْمُقَدّس ثَلَاثَة عشر شهرا
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير عَن أنس قَالَ صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحْو بَيت الْمُقَدّس تِسْعَة أشهر أَو عشرَة أشهر فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِم يُصَلِّي الظّهْر بِالْمَدِينَةِ وَقد صلى رَكْعَتَيْنِ نَحْو بَيت الْمُقَدّس انْصَرف بِوَجْهِهِ إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ السُّفَهَاء: مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أنس قَالَ: لم يبْق مِمَّن صلى للقبلتين غَيْرِي
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه كَانُوا يصلونَ نَحْو بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة (فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام)(الْبَقَرَة الْآيَة 144) مر رجل من بني سَلمَة فناداهم وهم رُكُوع فِي صَلَاة الْفجْر نَحْو بَيت الْمُقَدّس أَلا إِن الْقبْلَة قد حولت إِلَى الْكَعْبَة مرَّتَيْنِ فمالوا كَمَا هم رُكُوع إِلَى الْكَعْبَة
وَأخرج مَالك وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالنَّسَائِيّ عَن الن عمر قَالَ: بَيْنَمَا النَّاس بقباء فِي صَلَاة الصُّبْح إِذْ جَاءَهُم آتٍ فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عَلَيْهِ اللَّيْلَة الْقُرْآن وَقد أَمر أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة فاستقبلوها وَكَانَت وجوهم إِلَى الشَّام فاستداروا إِلَى الْكَعْبَة
وَأخرج الوبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ يُصَلِّي انْتظر أَمر الله فِي الْقبْلَة وَكَانَ يفعل أَشْيَاء لم يُؤمر بهَا وَلم ينْه عَنْهَا من فعل أهل الْكتاب فَبينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظّهْر فِي مَسْجده قد صلى رَكْعَتَيْنِ إِذْ نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل فَأَشَارَ لَهُ أنْ صل إِلَى الْبَيْت وَصلى جِبْرِيل إِلَى الْبَيْت وَأنزل الله (قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول
وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره) (الْبَقَرَة الْآيَة 144)
و (وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ)(الْبَقَرَة الْآيَة 144) قَالَ: فَقَالَ المُنَافِقُونَ: حن مُحَمَّد إِلَى أرضه وَقَومه وَقَالَ الْمُشْركُونَ: أَرَادَ مُحَمَّد أَن يجعلنا لَهُ قبْلَة ويجعلنا لَهُ وَسِيلَة وَعرف أَن ديننَا أهْدى من دينه
وَقَالَ الْيَهُود للْمُؤْمِنين: مَا صرفكم إِلَى مَكَّة وترككم بِهِ الْقبْلَة قبْلَة مُوسَى وَيَعْقُوب والأنبياء وَالله إِن أَنْتُم إِلَّا تفتنون
وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لقد ذهب منا قوم مَاتُوا مَا نَدْرِي أكنا نَحن وهم على قبْلَة أَو لَا قَالَ: فَأنْزل الله عز وجل فِي ذَلِك {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} إِلَى قَوْله {إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله كَانَت الْقبْلَة فِيهَا بلَاء وتمحيص صلت الْأَنْصَار حَوْلَيْنِ قبل قدوم النَّبِي وَصلى نَبِي الله بعد قدومه الْمَدِينَة نَحْو بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر شهرا ثمَّ وَجهه الله بعد ذَلِك إِلَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام فَقَالَ فِي ذَلِك قَائِلُونَ من النَّاس: مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا لقد اشتاق الرجل إِلَى مولده قَالَ الله عز وجل {قل لله الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} وَقَالَ أنَاس من [] أنَاس: لقد صرفت الْقبْلَة إِلَى الْبَيْت الْحَرَام فَكيف أَعمالنَا الَّتِي عَملنَا فِي الْقبْلَة الأولى فَأنْزل الله (وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ)(الْبَقَرَة الْآيَة 143) وَقد يَبْتَلِي الله عباده بِمَا شَاءَ من أمره الْأَمر بعد الْأَمر ليعلم من يطيعه مِمَّن يعصيه وكل ذَلِك مَقْبُول فِي دَرَجَات فِي الإِيمان بِاللَّه والاخلاص وَالتَّسْلِيم لقَضَاء الله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن عمَارَة بن أَوْس الْأنْصَارِيّ قَالَ: صلينَا إِحْدَى صَلَاتي الْعشي فَقَامَ رجل على بَاب الْمَسْجِد وَنحن فِي الصَّلَاة فَنَادَى أَن الصَّلَاة قد وَجَبت نَحْو الْكَعْبَة فحوّل أَو انحرف أمامنا نَحْو الْكَعْبَة وَالنِّسَاء وَالصبيان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار عَن أنس بن مَالك قَالَ: جَاءَنَا مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن الْقبْلَة قد حوّلت إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَقد صلى الإِمام رَكْعَتَيْنِ فاستداروا فصلوا الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ نَحْو الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن جحش قَالَ صليت الْقبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت الْقبْلَة إِلَى الْبَيْت وَنحن فِي صَلَاة الظّهْر فَاسْتَدَارَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِنَا فاستدرنا مَعَه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: يهْدِيهم إِلَى الْمخْرج من الشُّبُهَات والضلالات والفتن
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّهُم - يَعْنِي أهل الْكتاب - لَا يحسدونا على شَيْء كَمَا يحسدونا على الْجُمُعَة الَّتِي هدَانَا الله لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وعَلى الْقبْلَة الَّتِي هدَانَا الله لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا وعَلى قَوْلنَا خلف الإِمام آمين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عُثْمَان بن حنيف قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل أَن يقدم من مَكَّة يَدْعُو النَّاس إِلَى الإِيمان بِاللَّه فِي تَصْدِيق بِهِ قولا وَعَملا والقبلة إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا هَاجر إِلَيْنَا نزلت الْفَرَائِض وَنسخت الْمَدِينَة مَكَّة وَالْقَوْل فِيهَا وَنسخ الْبَيْت الْحَرَام بَيت الْمُقَدّس فَصَارَ الإِيمان قولا وَعَملا
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن عَوْف قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين قدم الْمَدِينَة فصلى نَحْو بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة عشر شهرا ثمَّ حولت إِلَى الْكَعْبَة
قَوْله تَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَت لكبيرة إِلَّا على الَّذين هدى الله وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان والإِسماعيلي فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} قَالَ: عدلا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} قَالَ: عدلا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس جَعَلْنَاكُمْ {أمة وسطا} قَالَ: جعلكُمْ أمة عدلا
وَأخرج ابْن سعد عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ رجل لِابْنِ عمر: من أَنْتُم قَالَ: مَا تَقولُونَ قَالَ: نقُول إِنَّكُم سبط وَتقول إِنَّكُم وسط
فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
إِنَّمَا السبط فِي بني إِسْرَائِيل وَالْأمة الْوسط أمة مُحَمَّد جَمِيعًا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير والن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُ: هَل بلغت فَيَقُول: نعم
فيدعو قومه فَيُقَال لَهُم: هَل بَلغَكُمْ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا من نَذِير وَمَا أَتَانَا من أحد
فَيُقَال لنوح: من يشْهد لَك فَيَقُول: مُحَمَّد وَأمته فَذَلِك قَوْله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} قَالَ: وَالْوسط الْعدْل فتدعون فتشهدون لَهُ بالبلاغ وَأشْهد عَلَيْكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَجِيء النَّبِي يَوْم الْقِيَامَة وَمَعَهُ الرجل وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ الرّجلَانِ وَأكْثر من ذَلِك فيدعى قومه فَيُقَال لَهُم: هَل بَلغَكُمْ هَذَا فَيَقُولُونَ: لَا
فَيُقَال لَهُ: هَل بلغت قَوْمك فَيَقُول: نعم
فَيُقَال لَهُ: من يشْهد لَك فَيَقُول: مُحَمَّد وَأمته
فيدعى مُحَمَّد وَأمته
فَيُقَال لَهُم: هَل بلغ هَذَا قومه فَيَقُولُونَ: نعم
فَيُقَال: وَمَا علمكُم فَيَقُولُونَ: جَاءَنَا نَبينَا فَأخْبرنَا أَن الرُّسُل قد بلغُوا
فَذَلِك قَوْله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} قَالَ: عدلا {لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنا وَأمتِي يَوْم الْقِيَامَة على كوم مشرفين على الْخَلَائق مَا من النَّاس أحد إِلَّا ودّ أَنه منا وَمَا من نَبِي كذبه قومه إِلَّا وَنحن نشْهد أَنه بلغ رِسَالَة ربه
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي سعيد فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} بِأَن الرُّسُل قد بلغُوا {وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} بِمَا عملتم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ شهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَنَازَة فِي بني سَلمَة وَكنت إِلَى جَانِبه فَقَالَ بَعضهم: وَالله يَا رَسُول الله لنعم الْمَرْء
كَانَ لقد كَانَ عفيفاً مُسلما وأثنوا عَلَيْهِ خيرا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَنْت الَّذِي تَقول فَقَالَ: يَا رَسُول الله بدا لنا وَالله أعلم بالسرائر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَجَبت
قَالَ: وَكُنَّا مَعَه فِي جَنَازَة رجل من بني حَارِثَة أَو من بني عبد الْأَشْهَل فَقَالَ رجل: بئس الْمَرْء مَا علمنَا أَن كَانَ لفظا غليظاً أَن كَانَ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَنْت الَّذِي تَقول فَقَالَ: يَا رَسُول الله الله أعلم بالسرائر فَأَما الَّذِي بدا لنا مِنْهُ فَذَاك
فَقَالَ: وَجَبت ثمَّ تَلا رَسُول الله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس}
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أنس قَالَ: مروا بِجنَازَة فأثني عَلَيْهِ خير فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَجَبت وَجَبت وجيت وَمر بِجنَازَة فأثني عَلَيْهِ بشر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: وَجَبت وَجَبت فَسَأَلَهُ عمر
فَقَالَ: من أثنيتم عَلَيْهِ خيرا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن أثنيتم عَلَيْهِ شرا وَجَبت لَهُ النَّار أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض
زَاد الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عمر
أَنه مرت بِهِ جَنَازَة فأثني على صَاحبهَا خير فَقَالَ: وَجَبت وَجَبت ثمَّ مر بِأُخْرَى فأثني شَرّ فَقَالَ عمر: وَجَبت
فَقَالَ أَبُو الْأسود: وَمَا وَجَبت قَالَ: قلت كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا مُسلم شهد لَهُ أَرْبَعَة بِخَير أدله الله الْجنَّة
فَقُلْنَا: وَثَلَاثَة
فَقَالَ: وَثَلَاثَة
فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ
فَقَالَ: وَاثْنَانِ وَلم نَسْأَلهُ عَن الْوَاحِد
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَغوِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي زُهَيْر الثَّقَفِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يَقُول يُوشك أَن تعلمُوا خياركم من شِرَاركُمْ
قَالَ: بِمَ يَا رَسُول الله قَالَ: بالثناء الْحسن وَالثنَاء السيء أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِجنَازَة يُصَلِّي عَلَيْهَا فَقَالَ النَّاس: نعم الرجل
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: وَجَبت
وأوتي بِجنَازَة أُخْرَى فَقَالَ النَّاس: بئس الرجل
فَقَالَ: وَجَبت
قَالَ أبي بن كَعْب: مَا قَوْلك فَقَالَ: قَالَ تَعَالَى {لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا من مُسلم يَمُوت فَتشهد لَهُ أَرْبَعَة من أهل أَبْيَات جِيرَانه الأدنين أَنهم لَا يعلمُونَ مِنْهُ لَا خيرا إِلَّا قَالَ الله: قد قبلت شهادتكم فِيهِ وغفرت لَهُ مَا لَا تعلمُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ مر على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِجنَازَة رجل من الْأَنْصَار فأثني عَلَيْهَا خيرا فَقَالَ: وَجَبت
ثمَّ مر عَلَيْهِ بِجنَازَة أُخْرَى فأثني عَلَيْهَا دون ذَلِك فَقَالَ: وَجَبت
فَقَالَ: يَا رَسُول الله وَمَا وَجَبت قَالَ: الْمَلَائِكَة شُهُود الله فِي السَّمَاء وَأَنْتُم شُهُود الله فِي الأَرْض
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلم يَمُوت فَيشْهد لَهُ رجلَانِ من جِيرَانه الأدنين فَيَقُولَانِ اللَّهُمَّ لَا نعلم إِلَّا خيرا إِلَّا قَالَ الله للْمَلَائكَة: اشْهَدُوا أَنِّي قد قبلت شَهَادَتهمَا وغفرت مَا لَا يعلمَانِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: أَعْطَيْت هَذِه الْأمة ثَلَاث خِصَال لم يُعْطهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاء كَانَ النَّبِي يُقَال لَهُ: بلغ وَلَا حرج وَأَنت شَهِيد على قَوْمك وادع اجبك
وَقل لهَذِهِ الْأمة (مَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج)(الْحَج الْآيَة 78) وَقَالَ {لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} وَقَالَ (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم)(غَافِر الْآيَة 60)
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم أَن الْأُمَم يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة: وَالله لقد كَادَت هَذِه الْأمة أَن يَكُونُوا أَنْبيَاء كلهم لما يرَوْنَ الله أَعْطَاهُم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن جرير عَن حبَان بن أبي جبلة يسْندهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا جمع الله عباده يَوْم الْقِيَامَة كَانَ أول من يدعى إسْرَافيل فَيَقُول لَهُ ربه: مَا فعلت فِي عهدي هَل بلغت عهدي فَيَقُول: نعم رب قد بلغته جِبْرِيل
فيدعى جِبْرِيل فَيُقَال: هَل بلغك إسْرَافيل عهدي فَيَقُول: نعم
فيخلى عَن إسْرَافيل وَيَقُول لجبريل: هَل بلغت عهدي فَيَقُول: نعم قد بلغت الرُّسُل فَتُدْعَى الرُّسُل فَيُقَال لَهُم: هَل بَلغَكُمْ جِبْرِيل عهدي فَيَقُولُونَ: نعم
فيخلى جِبْرِيل ثمَّ يُقَال للرسل: هَل بَلغْتُمْ عهدي فَيَقُولُونَ: نعم بلغناه الْأُمَم
فَتُدْعَى
الْأُمَم فَيُقَال لَهُم: هَل بلغتكم الرُّسُل عهدي فَمنهمْ المكذب وَمِنْهُم الْمُصدق
فَتَقول الرُّسُل: إِن لنا عَلَيْهِم شُهَدَاء
فَيَقُول: من فَيَقُولُونَ: أمة مُحَمَّد
فَتُدْعَى أمة مُحَمَّد فَيُقَال لَهُم: أتشهدون أَن الرُّسُل قد بلغت الْأُمَم فَيَقُولُونَ: نعم
فَتَقول الْأُمَم: يَا رَبنَا كَيفَ يشْهد علينا من لم يدركنا فَيَقُول الله: كَيفَ تَشْهَدُون عَلَيْهِم وَلم تدركوهم فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا فِيهِ أَن قد بلغُوا فنشهد بِمَا عهِدت إِلَيْنَا
فَيَقُول الرب: صدقُوا فَذَلِك قَوْله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} وَالْوسط الْعدْل {لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبي بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ {لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} يَوْم الْقِيَامَة كَانُوا شُهَدَاء على قوم نوح وعَلى قوم هود وعَلى قوم صَالح وعَلى قوم شُعَيْب وَعِنْدهم أَن رسلهم بلغتهم وَأَنَّهُمْ كذبُوا رسلهم
قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: وَهِي فِي قِرَاءَة أبي (لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس يَوْم الْقِيَامَة)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} قَالَ: يشْهد أَنهم قد آمنُوا بِالْحَقِّ إِذْ جَاءَهُم وقبلوه وَصَدقُوا بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: يَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِإِذْنِهِ لَيْسَ مَعَه أحد فَتشهد لَهُ أمة مُحَمَّد أَنه قد بَلغهُمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: يُقَال: يَا نوح قد بلغت قَالَ: نعم يَا رب
قَالَ: فَمن يشْهد لَك قَالَ: رب أَحْمد وَأمته
قَالَ: فَكلما دعِي نَبِي كذبه قومه شهِدت لَهُ هَذِه الْأمة بالبلاغ فَإِذا سَأَلَ عَن هَذِه الْأمة لم يسْأَل عَنْهَا إِلَّا نبيها
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن حبَان بن أبي جبلة قَالَ: بَلغنِي أَن ترفع أمة مُحَمَّد على كوم بَين يَدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فَإِنَّمَا يشْهد مِنْهُم يَوْمئِذٍ من لم يكن فِي قلبه أحنة على أَخِيه الْمُسلم
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دلود والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله لَا يكون اللعانون شُهَدَاء وَلَا شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأما قَوْله تَعَالَى {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا} الْآيَة أخرج ابْن جرير عَن عَطاء فِي قَوْله {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا} قَالَ:
يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس {إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول} قَالَ: يبتليهم ليعلم من يسلم لأَمره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا لنعلم} قَالَ: إِلَّا لنميز أهل الْيَقِين من أهل الشَّك {وَإِن كَانَت لكبيرة} يَعْنِي تحويلها على أهل الشَّك والريب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي أَن أُنَاسًا من الَّذين أَسْلمُوا رجعُوا فَقَالُوا مرّة هَهُنَا وَمرَّة هَهُنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن كَانَت لكبيرة} يَقُول: مَا أَمر بِهِ من التحوّل إِلَى الْكَعْبَة من بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَالطَّيَالِسِي وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما وَجه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْقبْلَة قَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف بالذين مَاتُوا وهم يصلونَ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع أَيْمَانكُم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} قَالَ: صَلَاتكُمْ نَحْو بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} يَقُول: صَلَاتكُمْ اليت صليتم من قبل أَن تكون الْقبْلَة وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ قد أشفقوا على من صلى مِنْهُم أَن لايقبل صلَاتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {رؤوف} قَالَ: يرأف بكم
قَوْله تَعَالَى: قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم وَمَا الله بغافل عَمَّا يعماون
أخرج ابْن ماجة عَن الْبَراء قَالَ صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نَحْو بَيت الْمُقَدّس ثَمَانِيَة
عشر شهرا وصرفت الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة بعد دُخُوله الْمَدِينَة بشهرين وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى إِلَى بَيت الْمُقَدّس أَكثر تقلب وَجهه فِي السَّمَاء وَعلم الله من قلب نبيه أَنه يهوى الْكَعْبَة فَصَعدَ جِبْرِيل فَجعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتبعهُ بَصَره وَهُوَ يصعد بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ينظر مَا يَأْتِيهِ بِهِ فَأنْزل الله {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا جِبْرِيل كَيفَ حَالنَا فِي صَلَاتنَا إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأنْزل الله (وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ)(الْبَقَرَة الْآيَة 143)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعد أَن قدم الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة عشر شهرا ثمَّ أنزل الله أَنه يَأْمُرهُ فِيهَا بالتحوّل إِلَى الْكَعْبَة فَقَالَ {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِذا سلم من صلَاته إِلَى بَيت الْمُقَدّس رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَأنْزل الله {قد نرى تقلب وَجهك} الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد بن الْمُعَلَّى قَالَ كُنَّا نغدو إِلَى الْمَسْجِد على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فنمر على الْمَسْجِد فنصلي فِيهِ فمررنا يَوْمًا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَاعد على الْمِنْبَر فَقلت: لقد حدث أَمر
فَجَلَست
فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذِه الْآيَة {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} حَتَّى فرغ من الْآيَة فَقلت لصاحبي: تعال نركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن ينزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أول من صلى فتوارينا فصلينا ثمَّ نزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فصلى للنَّاس الظّهْر يَوْمئِذٍ إِلَى الْكَعْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها} قَالَ: هُوَ يَوْمئِذٍ يُصَلِّي نَحْو بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ يهوى قبْلَة نَحْو الْبَيْت الْحَرَام فولاه الله قبْلَة كَانَ يهواها ويرضاها {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: تِلْقَاء الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَت الْيَهُود: يخالفنا مُحَمَّد وَيتبع قبلتنا
فَقَالَ: يَدْعُو الله ويستفرض الْقبْلَة فَنزلت {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} الْآيَة فَانْقَطع قَول يهود حِين وَجه للكعبة وحوّل الرِّجَال مَكَان النِّسَاء وَالنِّسَاء مَكَان الرِّجَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد بن منيع فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي الْكَبِير وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو فِي قَوْله {فلنولينك قبْلَة ترضاها} قَالَ: قبْلَة إِبْرَاهِيم نَحْو الْمِيزَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء فِي قَوْله {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: قبله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والدينوري فِي المجالسة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ فِي قَوْله {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: شطره قبله
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: شطره نَحوه
وَأخرج آدم والدينوري فِي المجالسة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {شطره} يَعْنِي نَحوه
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير والدينوري عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: تلقاءه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رفيع قَالَ {شطره} تلقاءه بِلِسَان الْحَبَش
وَأخرج أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أبي رزين قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم قبله)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْبَيْت كُله قبْلَة وقبلة الْبَيْت الْبَاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا الْبَيْت قبْلَة لأهل الْمَسْجِد وَالْمَسْجِد قبْلَة لأهل الْحرم وَالْحرم قبْلَة لأهل الأَرْض فِي مشارقها وَمَغَارِبهَا من أمتِي
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: أنزل ذَلِك فِي الْيَهُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْقبْلَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم} يَقُول: ليعلمون أَن الْكَعْبَة كَانَت قبْلَة إِبْرَاهِيم والأنبياء وَلَكنهُمْ تركوها عمدا (وَأَن فريقا مِنْهُم ليتكمون الْحق)(الْبَقَرَة الْآيَة 146) يَقُول: يكتمون صفة مُحَمَّد وَأمر الْقبْلَة
قَوْله تَعَالَى: وَلَئِن أتيت الَّذين أُوتُوا الْكتاب بِكُل آيَة مَا تبعوا قبلتك وَمَا أَنْت بتابع قبلتهم وَمَا بَعضهم بتابع قبْلَة بعض وَلَئِن اتبعت أهواءهم من بعد مَا جَاءَك من الْعلم إِنَّك إذل لمن الظَّالِمين
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا بَعضهم بتابع قبْلَة بعض} يَقُول: لَا الْيَهُود بتابعي قبْلَة النَّصَارَى وَلَا النَّصَارَى بتابعي قبْلَة الْيَهُود
قَوْله تَعَالَى: الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَأَن فريقا مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين أتيناهم الْكتاب} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى {يعرفونه} أَي يعْرفُونَ رَسُول الله فِي كِتَابهمْ {كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} قَالَ: يعْرفُونَ أَن الْبَيْت الْحَرَام هُوَ الْقبْلَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} قَالَ: يعْرفُونَ أَن الْبَيْت الْحَرَام هُوَ الْقبْلَة الَّتِي أمروا بهَا {وَإِن فريقاً مِنْهُم ليكتمون الْحق} يَعْنِي الْقبْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن فريقاً مِنْهُم} قَالَ: أهل الْكتاب {ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ} قَالَ: يكتمون مُحَمَّدًا وهم يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه} قَالَ: زَعَمُوا أَن بعض أهل الْمَدِينَة من أهل الْكتاب مِمَّن أسلم قَالَ: وَالله لنَحْنُ أعرف بِهِ منا بأبنائنا من الصّفة والنعت الَّذِي نجده فِي كتَابنَا وَأما ابناؤنا فَلَا نَدْرِي مَا أحدث النِّسَاء
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة قَالَ عمر بن الْخطاب لعبد الله بن سَلام: قد أنزل الله على نبيه {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} فَكيف يَا عبد الله هَذِه الْمعرفَة فَقَالَ عبد الله بن سَلام: ياعمر لقد عَرفته حِين رَأَيْته كَمَا أعرف ابْني إِذا رَأَيْته مَعَ الصّبيان وَأَنا أَشد معرفَة بِمُحَمد مني بإبني فَقَالَ عمر: كَيفَ ذَلِك قَالَ: إِنَّه رَسُول الله حق من الله وَقد نَعته الله فِي كتَابنَا وَلَا أَدْرِي مَا تصنع النِّسَاء
فَقَالَ لَهُ عمر: وفقك الله يَا ابْن سَلام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: خرجت أَبْتَغِي الدّين فَوَقَعت فِي الرهبان بقايا أهل الْكتاب قَالَ الله تَعَالَى {يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} فَكَانُوا يَقُولُونَ: هَذَا زمَان نَبِي قد أظل يخرج من أَرض الْعَرَب لَهُ عَلَامَات من ذَلِك شامة مدوّرة بَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة
قَوْله تَعَالَى: الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين
أخرج أَبُو دلود فِي ناسخه وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: قَالَ الله لنَبيه {الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين} يَقُول: لَا تكونن فِي شكّ يَا مُحَمَّد أَن الْكَعْبَة هِيَ قبلتك وَكَانَت قبْلَة لأنبياء قبلك
قَوْله تَعَالَى: وَلكُل وجهة هُوَ موليها فاستبقوا الْخيرَات أَيْن مَا تَكُونُوا يَأْتِ بكم الله جَمِيعًا أَن الله على كل شَيْء قدير
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلكُل وجهة} يَعْنِي بذلك أهل الْأَدْيَان
يَقُول: لكل قبْلَة يرضونها وَوجه الله حَيْثُ توجه الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} مُضَاف قَالَ: مواجهها قَالَ: صلوا نَحْو بَيت الْمُقَدّس مرّة وَنَحْو الْكَعْبَة قبله
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن قَتَادَة {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} قَالَ: هِيَ صلَاتهم إِلَى بَيت الْمُقَدّس وصلاتهم إِلَى الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن مَنْصُور قَالَ: نَحن نقرؤها (وَلكُل جعلنَا قبْلَة يرضونها)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} قَالَ: لكل صَاحب مِلَّة قبْلَة وَهُوَ مستقبلها
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن أبي الْعَالِيَة {وَلكُل وجهة هُوَ موليها} قَالَ: للْيَهُود وجهة هُوَ موليها وَلِلنَّصَارَى وجهة هُوَ موليها فَهدَاكُم الله أَنْتُم ايتها الْأمة الْقبْلَة الَّتِي هِيَ الْقبْلَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {وَلكُل وجهة هُوَ موليها}
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فاستبقوا الْخيرَات} الْآيَة أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فاستبقوا الْخيرَات} يَقُول: لاتغلبن على قبلتكم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي زيد فِي قَوْله {فاستبقوا الْخيرَات} قَالَ: فسارعوا فِي الْخيرَات {أَيْن مَا تَكُونُوا يَأْتِ بكم الله جَمِيعًا} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صَلَاتنَا واستقبل قبلتنا وَأكل ذبيحتنا فَذَلِك الْمُسلم لَهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله فَلَا تخفروا الله فِي ذمَّته
قَوْله تَعَالَى: وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَإنَّهُ للحق من رَبك وَمَا الله بغافل عَمَّا يعْملُونَ وَمن حَيْثُ خرجت فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم فَلَا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عَلَيْكُم ولعلكم تهتدون
أخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن
ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالُوا: لما صرف النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَحْو الْكَعْبَة بعد صلَاته إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ الْمُشْركُونَ من أهل مَكَّة: تحير مُحَمَّد دينه فَتوجه بقبلته إِلَيْكُم وَعلم أَنكُمْ اهدى مِنْهُ سَبِيلا ويوشك أَن يدْخل فِي دينكُمْ
فَأنْزل الله {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم فَلَا تخشوهم واخشوني}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} قَالَ: يَعْنِي بذلك أهل الْكتاب قَالُوا حِين صرف نَبِي الله إِلَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام: اشتاق الرجل إِلَى بَيت أَبِيه وَدين قومه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} قَالَ: حجتهم قَوْلهم: قد راجعت قبلتنا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة وَمُجاهد فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} قَالَ: هم مشركو الْعَرَب قَالُوا حِين صرفت الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة: قد رَجَعَ إِلَى قبلتكم فيوشك أَن يرجع إِلَى دينكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} قَالَ: الذيت ظلمُوا مِنْهُم مشركو قُرَيْش إِنَّهُم سيحتجون بذلك عَلَيْكُم وَاحْتَجُّوا على نَبِي الله بانصرافه إِلَى الْبَيْت الْحَرَام وَقَالُوا: سيرجع مُحَمَّد على ديننَا كَمَا رَجَعَ إِلَى قبلتنا فَأنْزل الله فِي ذَلِك كُله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة إِن الله مَعَ الصابرين)(الْبَقَرَة الْآيَة 153)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة} قَالَ: يَعْنِي بذلك أهل الْكتاب {إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم} بِمَعْنى مُشْركي قُرَيْش
قَوْله تَعَالَى: كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا مِنْكُم يَتْلُوا عَلَيْكُم آيَاتنَا ويزكيكم ويعلمكم الْكتاب وَالْحكمَة ويعلمكم مَا لم تَكُونُوا تعلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الاعلاية فِي قَوْله {كَمَا أرسلنَا فِيكُم رَسُولا مِنْكُم} يَقُول: كَا فعلت فاذكروني
قَوْله تَعَالَى: فاذكروني أذكركم واشكروا لي وَلَا تكفرون
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فاذكروني أذكركم} قَالَ: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ والديلمي من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {فاذكروني أذكركم} يَقُول: اذكروني يَا معاشر الْعباد بطاعتي أذكروكم بمغفرتي
وَأخرج ابْن لال والديلمي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هِنْد الدَّارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الله: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي فَمن ذَكرنِي وَهُوَ مُطِيع فَحق عَليّ أَن أذكرهُ بمغفرتي وَمن ذَكرنِي وَهُوَ لي عَاص فَحق عَليّ أَن أذكرهُ بمقت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {فاذكروني أذكركم} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: يَقُول الله ذكري لكم خير من ذكركُمْ لي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم عَن أبي هرير عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول الله يَا ابْن آدم إِنَّك إِذا ماذكرتني شكرتني وَإِذا مَا نسيتني كفرتني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن زيد بن أسلم
أَن مُوسَى عليه السلام قَالَ: يَا رب أَخْبرنِي كَيفَ أشكرك قَالَ تذكرني وَلَا تنساني فَإِن ذَكرتني شكرتني وَإِذا نسيتني فقد كفرتني
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعْطى أَرْبعا أعطي أَرْبعا وَتَفْسِير ذَلِك فِي كتاب الله من أعطي الذّكر ذكره الله لِأَن الله يَقُول {فاذكروني أذكركم} وَمن أعطي الدُّعَاء أعطي الإِجابة لِأَن الله يَقُول {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} (غَافِر الْآيَة 60) وَمن أعطي الشُّكْر أعطي الزِّيَادَة لِأَن الله يَقُول (لَئِن شكرتم لأزيدنكم)(إِبْرَاهِيم الْآيَة 7) وَمن أعطي الاسْتِغْفَار أعطي الْمَغْفِرَة لِأَن الله يَقُول (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا)(نوح الْآيَة 10)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى {فاذكروني أذكركم} قَالَ: لَيْسَ من عبد يذكر الله إِلَّا ذكره الله إِلَّا يذكرهُ مُؤمن إِلَّا ذكره برحمة وَلَا يذكرهُ كَافِر إِلَّا ذكره بِعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد قل للظلمة لايذكروني فَإِن حَقًا عليّ أذكر من ذَكرنِي إِن ذكري إيَّاهُم أَن ألعنهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
أَنه قيل لَهُ: أَرَأَيْت قَاتل النَّفس وشارب الْخمر وَالزَّانِي يذكر الله وَقد قَالَ الله {فاذكروني أذكركم} قَالَ: إِذا ذكر الله هَذَا ذكره الله بلعنته حَتَّى يسكت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن خَالِد بن أبي عمرَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أطَاع الله فقد ذكر الله وَإِن قلت صلَاته وصيامه وتلاوته الْقُرْآن وَمن عصى الله فقد نسي الله وَإِن كثرت صلَاته وصيامه وتلاوته لِلْقُرْآنِ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الله: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه إِذا ذَكرنِي فَإِن ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي وَإِن ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم وَإِن تقرب إِلَيّ شبْرًا تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا وَإِن تقرب إليّ ذِرَاعا تقربت إِلَيْهِ باعاً وَإِن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ الله عز وجل: يَا ابْن آدم إِذا ذَكرتني فِي نَفسك ذكرتك فِي نَفسِي وَإِن ذَكرتني فِي مَلأ ذكرتك فِي مَلأ من الملاءكة
أَو قَالَ: فِي مَلأ خير مِنْهُم وَإِن دَنَوْت مني شبْرًا دَنَوْت مِنْك باعاً وَإِن أتيتني تمشي أَتَيْتُك بهرولة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الله عز وجل ذكره: لَا يذكرنِي أحد فِي نَفسه إِلَّا ذكرته فِي مَلأ من ملائكتي وَلَا يذكرنِي فِي مَلأ إِلَّا ذكرته فِي الرفيق الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الذّكر وَالْبَزَّار والْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: قَالَ الله: يَا ابْن آدم إِذا ذَكرتني خَالِيا ذكرتك خَالِيا وَإِذا ذَكرتني فِي مَلأ ذكرتك فِي مَلأ خير من الَّذين تذكرني فيهم وَأكْثر
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله عز وجل يَقُول: أَنا مَعَ عَبدِي إِذا هُوَ ذَكرنِي وتحركت بِي شفتاه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن بسر أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِن شرائع الإِسلام قد كثرت عَليّ فَأَخْبرنِي بِشَيْء أستن بِهِ قَالَ: لَا يزَال لسَانك رطبا من ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَالك بن يخَامر أَن معَاذ بن جبل قَالَ لَهُم إِن آخر كَلَام فَارَقت عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن قلت: أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله قَالَ: أَن تَمُوت وَلِسَانك رطب من ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي الْمخَارِق قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي بِرَجُل فِي نور الْعَرْش قلت: من هَذَا ملك قيل: لَا
قلت: نَبِي
قيل: لَا
قلت: من هَذَا قَالَ: هَذَا رجل كَانَ فِي الدُّنْيَا لِسَانه رطب من ذكر الله وَقَلبه مُعَلّق بالمساجد وَلم يستسب لوَالِديهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: قيل لأبي الدَّرْدَاء: إِن الرجل اعْتِقْ مائَة نسمَة قَالَ: إِن مائَة نسمَة من مَال رجل لكثير وَأفضل من ذَلِك إِيمَان ملزوم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار أَن لَا يزَال لِسَان أحدكُم رطبا من ذكر الله
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أنبئكم بِخَير أَعمالكُم وأزكاها عِنْد مليككم وأرفعها فِي درجاتكم وَخير لكم من إِنْفَاق الذَّهَب وَالْوَرق وَخير لكم من أَن تلقوا اعداءكم فتضربوا أَعْنَاقهم قَالُوا: بلَى
قَالَ: ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول إِن لكل شَيْء صقالة وَإِن صقالة الْقُلُوب ذكر الله وَمَا من شَيْء أنجى من عَذَاب الله من ذكر الله
قَالُوا: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَو أَن يضْرب بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِع
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من
عجز مِنْكُم عَن اللَّيْل أَن يكابده وبخل بِالْمَالِ أَن يُنْفِقهُ وَحين غدر الْعدوان يجاهده فليكثر ذكر الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا عمل آدَمِيّ عملا أنجى لَهُ من الْعَذَاب من ذكر الله
قيل: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا أَن يضْرب بِسَيْفِهِ حَتَّى يَنْقَطِع
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الشُّكْر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة: قلب شَاكر ولسان ذَاكر وبدن على الْبلَاء صابر وَزَوْجَة لاتبغيه خوناً فِي نَفسهَا وَمَاله
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ليذكرن الله أَقوام فِي الدُّنْيَا على الْفرش الممهدة يدخلهم الله الرجات العلى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثل الَّذِي يذكر ربه وَالَّذِي لَا يذكر ربه مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من يَوْم وَلَيْلَة إِلَّا وَالله عز وجل فِيهِ صَدَقَة من بهَا على من يَشَاء من عباده وَمَا من الله على عبد بِأَفْضَل من أَن يلهمه ذكره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن خَالِد بن معدان قَالَ: إِن الله يتَصَدَّق كل يَوْم بِصَدقَة فَمَا تصدق على عَبده بِشَيْء أفضل من ذكره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو أَن رجلا فِي حجره دَرَاهِم يقسمها وَآخر يذكر الله لَكَانَ الذاكر لله أفضل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ يتحسر أهل الْجنَّة إِلَّا على سَاعَة مرت بهم لم يذكر الله تَعَالَى فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: مَا من سَاعَة تمر بِابْن آدم لم يذكر الله فِيهَا بِخَير إِلَّا تحسر عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد أَنَّهُمَا شَهدا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: لَا يقْعد قوم 2 يذكرُونَ الله إِلَّا حفتهم الْمَلَائِكَة وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة وَنزلت عَلَيْهِم السكينَة وَذكرهمْ الله فِيمَن عِنْده
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن لأهل ذكر الله أَرْبعا
ينزل عَلَيْهِم السكينَة وتغشاهم الرَّحْمَة وتحف بهم الْمَلَائِكَة وَيذكرهُمْ الرب فِي مَلأ عِنْده
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِن الله يَقُول: أَنا مَعَ عَبدِي إِذا هُوَ ذَكرنِي وتحركت بِي شفتاه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس مَرْفُوعا قَالَ الله عَبدِي أَنا عِنْد ظَنك بِي وَأَنا مَعَك إِذا ذَكرتني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن عمر قَالَ: ذكر الله بِالْغَدَاةِ والعشي أعظم من حطم السيوف فِي سَبِيل الله وَإِعْطَاء المَال سخاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ بن جبل قَالَ: لَو أَن رجلَيْنِ أَحدهمَا يحمل على الْجِيَاد فِي سَبِيل الله وَالْآخر يذكر الله لَكَانَ الذاكر أعظم وَأفضل أجرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: لَو بَات رجل يُعْطي الْقَنَاة الْبيض (يقْصد قتال الْأَعْدَاء
وَلَفظ أَحْمد: يطاعن الأقران وَبَات آخر يقْرَأ الْقُرْآن أَو يذكر الله لرأيت أَن ذَاكر الله أفضل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَمْرو لَو أَن رجلَيْنِ أقبل أَحدهمَا من الْمشرق وَالْآخر من الْمغرب مَعَ أَحدهمَا ذهب لَا يضع مِنْهُ شَيْئا إِلَّا فِي حق وَالْآخر يذكر الله حَتَّى يلتقيا فِي طَرِيق كَانَ الَّذِي يذكر الله أفضلهما
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لله مَلَائِكَة يطوفون فِي الطّرق يَلْتَمِسُونَ أهل الذّكر فَإِذا وجدوا قوما يذكرُونَ الله تنادوا هلموا إِلَى حَاجَتكُمْ فيحفونهم بأجنحتهم إِلَى السَّمَاء فَإِذا تفَرقُوا عرجوا إِلَى السَّمَاء فيسألهم رَبهم - وَهُوَ يعلم - من أَيْن جئْتُمْ فيوقلون: جِئْنَا من عِنْد عباد لَك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك
فَيَقُول: لَو رأوك كَانُوا أَشد لَك عبَادَة وَأَشد لَك تمجيدا وَأَشد لَك تسبيحاً
فَيَقُول: فَمَا يسْأَلُون فَيَقُولُونَ: يَسْأَلُونَك الْجنَّة
فَيَقُول: وَهل رأوها فَيَقُولُونَ:
لَا
فَيَقُول: فَكيف لَو رأوها فَيَقُولُونَ: لَو أَنهم رأوها كَانُوا أَشد عَلَيْهَا حرصاً وَأَشد لَهَا طلبا وَأعظم فِيهَا رَغْبَة
قَالَ: فمم يتعوذون: يتعوّذون من النَّار
فَيَقُول: وَهل رأوها فَيَقُولُونَ: لَا
فَيَقُول: فَكيف لَو رأوها فَيَقُولُونَ: لَو أَنهم رأوها كَانُوا أَشد مِنْهَا فِرَارًا وَأَشد لَهَا مَخَافَة
فَيَقُول: أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
فَيَقُول ملك من الْمَلَائِكَة: فلَان لَيْسَ مِنْهُم إِنَّمَا جَاءَ لحَاجَة
قَالَ: هم الْقَوْم لَا يشقى بهم جليسهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ والنَّسَائِيّ عَن مُعَاوِيَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلقَة من أَصْحَابه فَقَالَ: مَا أجلسكم قَالُوا: جلسنا نذْكر الله ونحمده على مَا هدَانَا للإِسلام وَمن بِهِ علينا
قَالَ آللَّهُ ماجلسكم إِلَّا ذَلِك قَالُوا: آللَّهُ مَا أجلسنا إِلَّا ذَلِك
قَالَ: أما إِنِّي لم أستحلفكم تُهْمَة لكم وَلَكِن أَتَانِي جِبْرِيل فَأَخْبرنِي أَن الله يباهي بكم الْمَلَائِكَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة: سَيعْلَمُ أهل الْجمع الْيَوْم من أهل الْكَرم
فَقيل: وَمن أهل الْكَرم يَا رَسُول الله قَالَ: أهل مجَالِس الذّكر
وَأخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ: كَانَ عبد الله بن رَوَاحَة إِذا لَقِي الرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: تعال نؤمن بربنا سَاعَة
فَقَالَ ذَات يَوْم لرجل فَغَضب الرجل فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا ترى إِلَى ابْن رَوَاحَة يرغب عَن إيمانك إِلَى إِيمَان سَاعَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرحم الله ابْن رَوَاحَة أَنه يحب الْمجَالِس الَّتِي تتباهى بهَا الْمَلَائِكَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من قوم اجْتَمعُوا يذكرُونَ الله لَا يُرِيدُونَ بذلك إِلَّا وَجهه إِلَّا ناداهم منادٍ من السَّمَاء أَن قومُوا مغفوراً لكم قد بدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن الحنظلية قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا جلس قوم مَجْلِسا يذكرُونَ الله عز وجل فِيهِ فَيقومُونَ حَتَّى يُقَال لَهُم: قومُوا قد غفرت لكم وبدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من قوم اجْتَمعُوا يذكرُونَ الله إِلَّا ناداهم مُنَاد فِي السَّمَاء: قومُوا مغفوراً لكم قد بدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات وَمَا من قوم اجتمهوا فِي مجْلِس فَتَفَرَّقُوا وَلم يذكرُوا الله إِلَّا كَانَ ذَلِك عَلَيْهِم حسرة يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا عمل آدَمِيّ
عملا قطّ أنجى لَهُ من عَذَاب الْقَبْر من ذكر الله
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَلا أخْبركُم بِخَير أَعمالكُم وأزكاها عِنْد ميلككم وأرفعها فِي درجاتكم وَخير لكم من تعَاطِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَمن أَن تلقوا عَدوكُمْ فتضربوا أَعْنَاقهم ويضربوا أَعْنَاقكُم قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: ذكر الله
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ بن جبل أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن أفضل الإِيمان قَالَ: أَن تحب لله وَتبْغض لله وتعمل فِي ذكر الله
قَالَ: وماذا قَالَ: وَأَن تحب للنَّاس مَا تحب لنَفسك وَتكره للنَّاس مَا تكره لنَفسك وَأَن تَقول خيرا أَو تصمت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: لَو أَن رجلا فِي حجره دَنَانِير يُعْطِيهَا وَآخر ذَاكر الله عز وجل لَكَانَ الذاكر أفضل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: اذكر الله عِنْد كل حجيرة وشجيرة ومدرة واذكره فِي سرائك تذكر فِي ضرائك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إِن الَّذين لَا تزَال ألسنتهم رطبَة بِذكر الله تبارك وتعالى يدْخل أحدهم الْجنَّة وَهُوَ يضْحك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لِأَن أكبر مائَة تَكْبِيرَة أحب إِلَيّ من أَن أَتصدق بِمِائَة دِينَار
وَأخرج عبد الله ابْنه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: مَا اجْتمع مَلأ يذكرُونَ الله إِلَّا ذكرهم الله فِي مَلأ أعز مِنْهُ وَأكْرم وَمَا تفرق قوم لم يذكرُوا الله فِي مجلسهم إِلَّا كَانَ حسرة عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: التَّكْبِيرَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا عمل ابْن آدم عملا أنجى لَهُ من النَّار من ذكر الله
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إلَاّ أَن تضرب بسيفك حَتَّى يَنْقَطِع ثمَّ تضرب بسيفك حَتَّى يَنْقَطِع ثمَّ تضرب حَتَّى يَنْقَطِع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ بن جبل قَالَ: لِأَن أذكر الله من غدْوَة حَتَّى تطلع الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أحمل على الْجِيَاد فِي سَبِيل الله من غدْوَة حَتَّى تطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: لِأَن أكون فِي قوم يذكرُونَ الله من حِين يصلونَ الْغَدَاة إِلَى حِين تطلع الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أكون على متون الْخَيل أجاهد فِي سَبِيل الله إِلَى أَن تطلع الشَّمْس وَلِأَن أكون فِي قوم يذكرُونَ من حِين يصلونَ الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أكون على متون الْخَيل أجاهد فِي سَبِيل الله حَتَّى تغرب الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: إِذا كَانَ العَبْد يحمد الله فِي السَّرَّاء وَيَحْمَدهُ فِي الرخَاء فَأَصَابَهُ ضرّ دَعَا الله قَالَت الْمَلَائِكَة: صَوت مَعْرُوف من امرىء ضَعِيف فيشفعون لَهُ فَإِذا كَانَ العَبْد لَا يذكر الله فِي السَّرَّاء وَلَا يحمده فِي الرخَاء فَأَصَابَهُ ضرّ فَدَعَا الله قَالَت الْمَلَائِكَة: صَوت مُنكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَشد الْأَعْمَال ثَلَاثَة ذكر الله على كل حَال والإنصاف من نَفسك والمواساة فِي المَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن أهل السَّمَاء لَيرَوْنَ بيُوت أهل الذّكر تضيء لَهُم كَمَا يضيء الْكَوْكَب لأهل الأَرْض
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن لله سيارة من الْمَلَائِكَة يطْلبُونَ حلق الذّكر فَإِذا أَتَوا عَلَيْهِم حفوا بهم ثمَّ بعثوا رائدهم إِلَى السَّمَاء إِلَى رب الْعِزَّة تبارك وتعالى فَيَقُولُونَ: رَبنَا أَتَيْنَا على عباد من عِبَادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك وَيصلونَ على نبيك مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم
فَيَقُول تبارك وتعالى: غشوهم برحمتي فهم الجلساء لَا يشقى بهم جليسهم
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عمر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله مَا غنيمَة مجَالِس الذّكر قَالَ: غنيمَة مجَالِس الذّكر الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن جَابر قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن لله سَرَايَا من الْمَلَائِكَة تحل وتقف على مجَالِس الذّكر فارتعوا فِي رياض الْجنَّة
قَالُوا: وَأَيْنَ رياض الْجنَّة قَالَ: مجَالِس الذّكر فاغدوا وروحوا فِي ذكر الله وذكروه أَنفسكُم من كَانَ يحب أَن يعلم مَنْزِلَته عِنْد الله فَلْينْظر الله كَيفَ منزلَة الله عِنْده فَإِن الله ينزل العَبْد مِنْهُ حَيْثُ أنزلهُ من نَفسه
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذا مررتم برياض الْجنَّة فارتعوا
قَالَ: وَمَا رياض الْجنَّة قَالَ: حلق الذّكر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن عبسة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: عَن يَمِين الرَّحْمَن وكلتا يَدَيْهِ يَمِين رجال لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يغشي بَيَاض وجوهم نظر الناظرين يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء بِمَقْعَدِهِمْ وقربهم من الله
قيل: يَا رَسُول الله من هم قَالَ: هم جماع من نوازع الْقَبَائِل يَجْتَمعُونَ على ذكر الله تَعَالَى فينتقون أطايب الْكَلَام كَمَا ينتقي آكل التَّمْر أطايبه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ليبْعَثن الله أَقْوَامًا يَوْم الْقِيَامَة فِي وجوهم النُّور على مَنَابِر اللُّؤْلُؤ يَغْبِطهُمْ النَّاس لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء
فَقَالَ أَعْرَابِي: يَا رَسُول الله صفهم لنا نعرفهم قَالَ: هم المتحابون فِي الله من قبائل شَتَّى وبلاد شَتَّى يَجْتَمعُونَ على ذكر الله يذكرُونَهُ
وَأخرج الخرائطي فِي الشُّكْر عَن خُلَيْد العقري قَالَ: إِن لكل بَيت زِينَة وزينة الْمَسَاجِد الرِّجَال على ذكر الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُم: أتحبون أَيهَا النَّاس أَن تجتهدوا فِي الدُّعَاء قَالُوا: نعم
قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ اعنا على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد أَنَّك إِن ذَكرتني ذكرتك وَإِن نستني تركتك وَاحْذَرْ أَن أجدك على حَال لَا أنظر إِلَيْك فِيهِ
وَأخرج عبد الله ابْنه فِي زوائده عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه أَنه قَالَ لَهُ: يَا بني إِذا كنت فِي قوم يذكرُونَ الله فبدت لَك حَاجَة فَسلم عَلَيْهِم حِين تقوم فَإنَّك لَا تزَال لَهُم شَرِيكا مَا داموا جُلُوسًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جَعْفَر قَالَ: مَا من شَيْء أحب إِلَى الله من الذّكر وَالشُّكْر
أما قَوْله تَعَالَى {واشكروا لي وَلَا تكفرون} أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الشُّكْر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن الْمُنْكَدر قَالَ: كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ أَعنِي على ذكرك وشكرك وَحسن عبادتك
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنِّي أحبك لَا تدعن أَن تَقول فِي دبر كل صَلَاة: اللَّهُمَّ أَعنِي على شكرك وشكرك وَحسن عبادتك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْجلد قَالَ: قَرَأت فِي مساءلة مُوسَى عليه السلام
أَنه قَالَ: يَا رب كَيفَ لي أَن أشكرك وأصغر نعْمَة وَضَعتهَا عِنْدِي من نعمك لَا يجازي بهَا عَمَلي كُله فَأَتَاهُ الْوَحْي: أَن يَا مُوسَى الْآن شكرتني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: إِن الله عز وجل أنعم على الْعباد على قدره وكلفهم الشُّكْر على قدرهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ: مَا قَالَ عبد كلمة أحب إِلَيْهِ وابلغ من الشُّكْر عِنْده من أَن يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي أنعم علينا وهدانا للإِسلام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْأَصْبَغ بن نباتة قَالَ: كَانَ عَليّ رضي الله عنه إِذا دخل الْخَلَاء قَالَ: بِسم الله الْحَافِظ من المؤذي وَإِذا خرج مسح بِيَدِهِ على بَطْنه ثمَّ قَالَ: يَا لَهَا من نعْمَة لَو يعلم الْعباد شكرها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: إِن الله ليمنع النِّعْمَة مَا شَاءَ فَإِذا لم يشْكر قَلبهَا عذَابا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والخرائطي كِلَاهُمَا فِي كتاب الشُّكْر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا أنعم الله على عَبده من نعْمَة فَعلم أَنَّهَا من عِنْد الله إِلَّا كتب الله لَهُ شكرها قبل أَن يحمده وَمَا علم الله من عبد ندامة على ذَنْب إِلَّا غفر لَهُ ذَلِك قبل أَن يَسْتَغْفِرهُ إِن الرجل ليَشْتَرِي الثَّوْب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فَمَا يبلغ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يغْفر لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: من قَالَ حِين يصبح: الْحَمد لله على حسن الْمسَاء وَالْحَمْد لله على حسن الْمبيت وَالْحَمْد لله على حسن الصَّباح فقد أدّى شكر ليلته ويومه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله: أدّى شكر ليلته ويومه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: قَالَ مُوسَى عليه السلام: يَا رب مَا الشُّكْر الَّذِي نبغي لَك قَالَ: لَا يزَال لسَانك رطبا من ذكري
قَالَ: فَإنَّا نَكُون من الْحَال إِلَى حَال نجلك إِن نذكرك عَلَيْهَا قَالَ: مَا هِيَ قَالَ: الْغَائِط واهراق المَاء من الْجَنَابَة وعَلى غير وضوء
قَالَ: كلا
قَالَ: يَا رب كَيفَ أَقُول قَالَ: تَقول سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت فجنبني الْأَذَى سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت فقني من الْأَذَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة أَن رجلا كَانَ يَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَيسلم عَلَيْهِ فَيَقُول النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَدْعُو لَهُ فجَاء يَوْمًا فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَيفَ أَنْت يَا فلَان قَالَ: بِخَير إِن شكرت
فَسكت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الرجل: يَا نَبِي الله كنت تَسْأَلنِي وَتَدْعُو لي وَإنَّك سَأَلتنِي الْيَوْم فَلم تدع لي قَالَ: إِنِّي كنت أَسأَلك فتشكر الله وَإِنِّي سَأَلتك الْيَوْم فشككت فِي الشُّكْر
عَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه
أَنه ان يَقُول فِي دُعَائِهِ: أَسأَلك تَمام النِّعْمَة فِي الْأَشْيَاء كلهَا وَالشُّكْر لَك عَلَيْهَا حَتَّى ترْضى وَبعد الرِّضَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي حَازِم أَن رجلا قَالَ لَهُ: مَا شكر الْعَينَيْنِ قَالَ: إِن رَأَيْت بهما خيرا أعلنته وَإِن رَأَيْت بهما شرا سترته
قَالَ: فَمَا شكر الْأُذُنَيْنِ قَالَ: إِن سَمِعت خيرا وعيته وَإِن سَمِعت بهما شرا أخفيته
قَالَ: فَمَا شكر الْيَدَيْنِ قَالَ: لَا تَأْخُذ بهما مَا لَيْسَ لَهما وَلَا تمنع حَقًا لله عز وجل هُوَ فيهمَا
قَالَ: فَمَا شكر الْبَطن قَالَ: أَن يكون أَسْفَله طَعَاما وَأَعلاهُ علما
قَالَ: فَمَا شكر الْفرج قَالَ: كَمَا قَالَ الله عز وجل (إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم)(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 6) إِلَى قَوْله (فَأُولَئِك هم العادون) قَالَ: فَمَا شكر الرجلَيْن قَالَ: إِن رَأَيْت حَيا غبطته بهما عملته وَإِن رَأَيْت مَيتا مقته كففتهما عَن عمله وَأَنت شَاكر لله عز وجل فاما من شكر بلساه وَلم يشْكر بِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ فَمثله كَمثل رجل لَهُ كسَاء فَأخذ بطرفه وَلم يلْبسهُ فَلم يَنْفَعهُ ذَلِك من الْحر وَالْبرد والثلج والمطر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ: قيل لِسُفْيَان بن عَيْنِيَّة: مَا
حد الزّهْد قَالَ: أَن تكون شاكراً فِي الرخَاء صَابِرًا فِي الْبلَاء فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ زاهد
قيل لِسُفْيَان: مَا الشُّكْر قَالَ: إِن تجتنب مَا نهى الله عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: قيِّدوا نعم الله بالشكر لله عز وجل شكر الله ترك الْمعْصِيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن لوط الْأنْصَارِيّ قَالَ: كَانَ يُقَال: الشُّكْر ترك الْمعْصِيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مخلد بن حُسَيْن قَالَ: كَانَ يُقَال: الشُّكْر ترك الْمعاصِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن اجنيد قَالَ: قَالَ السّري يَوْمًا: مَا الشُّكْر فَقلت لَهُ: الشكرعندي أَن لَا يستعان على الْمعاصِي بِشَيْء من نعمه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة قَالَ: قيل لِلزهْرِيِّ مَا الزَّاهِد قَالَ: من لم يغلب الْحَرَام صبره وَلم يمْنَع الْحَلَال شكره
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم قَالَ: الشُّكْر يَأْخُذ بجرم الْحَمد وَأَصله وفرعه فَلْينْظر فِي نعم من الله فِي بدنه وسَمعه وبصره وَيَديه وَرجلَيْهِ وَغير ذَلِك لَيْسَ من هَذَا شَيْء إِلَّا وَفِيه نعْمَة من الله حق على العَبْد أَن يعْمل بِالنعَم اللَّاتِي هِيَ فِي يَدَيْهِ لله عز وجل فِي طَاعَته وَنعم أُخْرَى فِي الرزق وَحقّ عَلَيْهِ أَن يعْمل لله فِيمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ من الرزق فِي طَاعَته فَمن عمل بِهَذَا كَانَ أَخذ بجرم الشُّكْر وَأَصله وفرعه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَامر قَالَ: الشُّكْر نصف الإِيمان وَالصَّبْر نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَنبأَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: سُئِلَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصعلوكي عَن الشُّكْر وَالصَّبْر أَيهمَا أفضل فَقَالَ: هما فِي مَحل الاسْتوَاء فالشكر وَظِيفَة السَّرَّاء وَالصَّبْر فَرِيضَة الضراء
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ للطاعم الشاكر من الْأجر مثل مَا للصَّائِم الصابر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من لم يعرف نعْمَة الله عَلَيْهِ إِلَّا فِي مطعمه ومشربه فقد قل عمله وَحضر عَذَابه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ: عَلَيْكُم بالشكر فَإِنَّهُ قل قوم كَانَت عَلَيْهِم من الله نعْمَة فَزَالَتْ عَنْهُم ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمَارَة بن حَمْزَة قَالَ: إِذا وصلت إِلَيْكُم أَطْرَاف النعم فَلَا تنفرُوا أقصاها بقلة الشُّكْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من نظر فِي الدّين إِلَى من فَوْقه وَفِي الدُّنْيَا إِلَى من تَحْتَهُ كتبه الله صَابِرًا شاكراً وَمن نظر فِي الدّين إِلَى من تَحْتَهُ وَنظر فِي الدُّنْيَا إِلَى من فَوْقه لم يَكْتُبهُ الله صَابِرًا وَلَا شاكراً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده سَمِعت أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: خصلتان من كَانَتَا فِيهِ كتبه الله صَابِرًا شاكراً وَمن لم يَكُونَا فِيهِ لم يَكْتُبهُ الله صَابِرًا وَلَا شاكراً من نظر فِي دينه إِلَى من فَوْقه فاقتدى بِهِ وَمن نظر فِي دُنْيَاهُ إِلَى من هُوَ دونه وَنظر فِي دُنْيَاهُ إِلَى من هُوَ فَوْقه فأسف على مَا فَاتَهُ لم يَكْتُبهُ الله شاكراً وَلَا صَابِرًا
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن صُهَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر الْمُؤمن كُله خير إِن أَصَابَته سراء فَشكر كَانَ خيرا وَإِن أَصَابَته ضراء فَصَبر كَانَ خيرا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عجبت لِلْمُؤمنِ أَن أعطي قَالَ: الْحَمد لله فَشكر وَإِن ابْتُلِيَ قَالَ: الْحَمد لله فَصَبر فالمؤمن يُؤجر على كل حَال حَتَّى اللُّقْمَة يرفعها إِلَى فِيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كَانَت فِيهِ ثَلَاث أدخلهُ الله فِي رَحمته وَأرَاهُ محبته وَكَانَ فِي كنفه: من إِذا أعطي شكر وَإِذا قدر غفر وَإِذا غضب فتر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث من كن فِيهِ آواه الله فِي كنفه وَستر عَلَيْهِ برحمته وَأدْخلهُ فِي محبته
قيل: وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ: من إِذا أعطي شكر وَإِذا قدر غفر وَإِذا غضب فتر
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الشُّكْر وَالْفِرْيَابِي فِي الذّكر والمعمري فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ والمستغفري كِلَاهُمَا فِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن غَنَّام قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ حِين يصبح:
اللَّهُمَّ مَا أصبح بِي من نعْمَة أَو بِأحد من خلقك فمنك وَحدك لَا شريك لَك فلك الْحَمد وَلَك الشُّكْر فقد أدّى شكر يَوْمه وَمن قَالَ مثل ذَلِك حِين يُمْسِي فقد أدّى شكر ليلته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن السّري بن عبد الله أَنه كَانَ فِي الطَّائِف فَأَصَابَهُمْ مطر فَخَطب النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس احمدوا الله على مَا وضع لكم من رزقه فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِذا أنعم الله عز وجل على عَبده بِنِعْمَة فحمده عِنْدهَا فقد أدّى شكرها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والخرائطي كِلَاهُمَا فِي كتاب الشُّكْر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من رأى صَاحب بلَاء فَقَالَ: الحمدلله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك بِهِ وفضلني عَلَيْك وعَلى جَمِيع خلقه تَفْضِيلًا فقد أدّى شكر النِّعْمَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن كَعْب قَالَ: مَا أنعم الله عز وجل على عبد نعْمَة فِي الدُّنْيَا فشكرها لله عز وجل وتواضع بهَا لله إِلَّا أعطَاهُ نَفعهَا فِي الدُّنْيَا وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة فِي الْآخِرَة وَمَا أنعم الله على عبد من نعْمَة فِي الدُّنْيَا فَلم يشكرها لله عز وجل وَلم يتواضع بهَا لله إِلَّا مَنعه الله عز وجل نَفعهَا فِي الدُّنْيَا وَفتح لَهُ طبقًا من النَّار فَعَذَّبَهُ إِن شَاءَ أَو تجَاوز عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: مَا من عبد يشرب من مَاء القراح فَيدْخل بِغَيْر أَذَى وَيجْرِي بِغَيْر أَذَى إِلَّا وَجب عَلَيْهِ الشُّكْر
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا جَاءَهُ أَمر يسره خر سَاجِدا لله عز وجل شكرا لله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إِنِّي لقِيت جِبْرِيل عليه السلام فبشرني وَقَالَ: إِن الله يَقُول لَك: من صلى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ وَمن سلم عَلَيْك سلمت عَلَيْهِ فسجدت لله شكرا
وَأخرج الخرائطي فِي الشُّكْر عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رأى صَاحب بلَاء خرّ سَاجِدا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة والخرائطي فِي الشُّكْر عَن شَدَّاد بن أَوْس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِذا كنز النَّاس الذَّهَب وَالْفِضَّة فاكثروا هَؤُلَاءِ
الْكَلِمَات: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الثَّبَات فِي الْأَمر والعزيمة على الرشد وَأَسْأَلك شكر نِعْمَتك وَأَسْأَلك حسن عبادتك وَأَسْأَلك قلباً سليما وَلِسَانًا صَادِقا وَأَسْأَلك من خير مَا تعلم وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تعلم وأستغفرك لما تعلم إِنَّك أَنْت علام الغيوب
وَأخرج الخرائطي عَن جَابر بن عبد الله سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: أفضل الذّكر لَا إِلَّا إِلَه إِلَّا الله وَأفضل الشُّكْر الْحَمد لله
وَأخرج الخرائطي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِرَجُل وَهُوَ يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي هَدَانِي للإِسلام وَجَعَلَنِي من أمة مُحَمَّد
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقد شكرت عَظِيما
وَأخرج الخرائطي عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ احْفَظُوا اثْنَتَيْنِ شكر النِّعْمَة واخلاص الإِيمان
وَأخرج الخرائطي عَن أبي عمر الشَّيْبَانِيّ قَالَ: قَالَ مُوسَى عليه السلام يَوْم الطّور: يَا رب إِن أَنا صليت فَمن قبلك وَإِن أَنا تَصَدَّقت فَمن قبلك وَإِن أَنا بلغت رسالاتك فَمن قبلك فَكيف أشكرك قَالَ: يَا مُوسَى الْآن شكرتني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والخرائطي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن قرط الْأَزْدِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا تثبت النِّعْمَة بشكر الْمُنعم عَلَيْهِ للمنعم
وَأخرج الخرائطي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: أشكر الْمُنعم عَلَيْك فَإِنَّهُ لَا نفاد للنعم إِذا شكرت وَلَا بَقَاء لَهَا إِذا كفرت وَالشُّكْر زِيَادَة فِي النعم وأمان من الْغَيْر
وَأخرج الخرائطي عَن خَالِد الربعِي قَالَ: كَانَ يُقَال: إِن من أَجْدَر الْأَعْمَال أَن تعجل عُقُوبَته: الْأَمَانَة تخان وَالرحم يقطع والإِحسان يكفر
وَأخرج الخرائطي عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: شَرّ الحَدِيث التجديف قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: التجديف هُوَ الْكفْر بِالنعَم وَقَالَ الْأمَوِي: هُوَ اسْتِقْلَال مَا أعطَاهُ الله عز وَجل
قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة إِن الله مَعَ الصابرين
أخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: غشي على عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي وَجَعه غشية ظنُّوا أَنه قد فاضت بِهِ نَفسه فِيهَا حَتَّى قَامُوا من عِنْده وجللوه ثوبا وَخرجت أم كُلْثُوم بنت عقبَة امْرَأَته إِلَى الْمَسْجِد تستعين بِمَا أمرت بِهِ من الصَّبْر وَالصَّلَاة فلبثوا سَاعَة وَهُوَ فِي غَشيته ثمَّ أَفَاق
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات بل أَحيَاء وَلَكِن لَا تشعرون
أخرج ابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قتل تَمِيم بن الْحمام ببدر وَفِيه وَفِي غَيره نزلت {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن حبير فِي قَوْله {لمن يقتل فِي سَبِيل الله} قَالَ: فِي طَاعَة الله فِي قتال الْمُشْركين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات بل أَحيَاء} قَالَ: يَقُول: هم أَحيَاء فِي صور طير خضر يطيرون فِي الْجنَّة حَيْثُ شاؤوا ويأكلون من حَيْثُ شاؤوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات} الْآيَة
قَالَ: أَرْوَاح الشُّهَدَاء طير بيض فقاقيع فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن كَعْب قَالَ: جنَّة المأوى فِيهَا طير خضر ترتقي فِيهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر وَأَوْلَاد الْمُؤمنِينَ الَّذين لم يبلغُوا الْحِنْث عصافير من عصافير الْجنَّة ترعى وتسرح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمرعن قَتَادَة قَالَ بلغنَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير بيض تَأْكُل من ثمار الْجنَّة وَقَالَ الْكَلْبِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم: فِي صُورَة طير بيض تأوي إِلَى قناديل معلقَة تَحت الْعَرْش
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات بل أَحيَاء وَلَكِن لَا تشعرون} قَالَ: ذكر لنا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء تعارف فِي طير
بيض تَأْكُل من ثمار الْجنَّة وان مساكنهم السِّدْرَة وان الله أعْطى الْمُجَاهِد ثَلَاث خِصَال من الْخَيْر
من قتل فِي سَبِيل الله حَيا مرزوقاً وَمن غلب آتَاهُ الله أجره عَظِيما وَمن مَاتَ رزقه الله رزقا حسنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بل أَحيَاء} قَالَ: كَانَ يَقُول: من ثَمَر الْجنَّة ويجدون رِيحهَا وَلَيْسوا فِيهَا
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن كَعْب بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر تعلق (تعلق من ثَمَر الْجنَّة: ترعى من أَعْلَاهُ) من ثَمَر الْجنَّة أَو شجر الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير خضر معلقَة فِي قناديل الْجنَّة حَتَّى يرجعها الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتى بِالرجلِ من أهل الْجنَّة فَيَقُول الله لَهُ: يَا ابْن آدم كَيفَ وَجدك مَنْزِلك فَيَقُول: أَي رب خير منزل
فَيَقُول: سل وتمن
فَيَقُول: وَمَا أَسأَلك وأتمنى أَسأَلك أَن تردني إِلَى الدُّنْيَا فَاقْتُلْ فِي سَبِيل الله عشر مَرَّات لما يرى من فضل الشَّهَادَة
قَوْله تَعَالَى: ولنبلونكم بِشَيْء من الْخَوْف والجوع وَنقص من الْأَمْوَال والأنفس والثمرات وَبشر الصابرين الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولنبلونكم} الْآيَة
قَالَ: أخبر الله الْمُؤمنِينَ أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء وَأَنه مبتليهم فِيهَا وَأمرهمْ بِالصبرِ وبشرهم فَقَالَ {وَبشر الصابرين}
وَأخْبر أَن الْمُؤمن إِذا سلم لأمر الله وَرجع واسترجع عِنْد الْمُصِيبَة كتب الله لَهُ ثَلَاث
خِصَال من الْخَيْر: الصَّلَاة من الله وَالرَّحْمَة وَتَحْقِيق سبل الْهدى
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من اسْترْجع عِنْد الْمُصِيبَة جبر الله مصيبته وَأحسن عقباه وَجعل لَهُ خلفا صَالحا يرضاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء فِي قَوْله {ولنبلونكم بِشَيْء من الْخَوْف والجوع} قَالَ: هم أَصْحَاب مُحَمَّد عليه السلام
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جُوَيْبِر قَالَ: كتب رجل إِلَى الضَّحَّاك يسْأَله عَن هَذِه الْآيَة {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} أخاصة هِيَ أم عَامَّة فَقَالَ: هِيَ لمن أَخذ بالتقوى وَأدّى الْفَرَائِض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {ولنبلونكم} قَالَ: ولنبتليكم يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {وَبشر الصابرين} قَالَ: على أَمر الله فِي المصائب يَعْنِي بشرهم بِالْجنَّةِ {أُولَئِكَ عَلَيْهِم} يَعْنِي على من صَبر على أَمر الله عِنْد الْمُصِيبَة {صلوَات} يَعْنِي مغْفرَة {من رَبهم وَرَحْمَة} يَعْنِي رَحْمَة لَهُم وأمنة من الْعَذَاب {وَأُولَئِكَ هم المهتدون} يَعْنِي من المهتدين بالاسترجاع عِنْد الْمُصِيبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن رَجَاء بن حَيْوَة فِي قَوْله: وَنقص من الثمرات
قَالَ: يَأْتِي على النَّاس زمَان لَا تحمل النَّخْلَة فِيهِ إِلَّا تَمْرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق رَجَاء بن حَيْوَة عَن كَعْب
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اعطيت أمتِي شَيْئا لم يُعْطه أحد من الْأُمَم أَن يَقُولُوا عِنْد الْمُصِيبَة {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لقد أَعْطَيْت هَذِه الْأمة عِنْد الْمُصِيبَة شَيْئا لم تعطه الْأَنْبِيَاء من قبلهم وَلَو أعطيها الْأَنْبِيَاء لأعطيها يَعْقُوب إِذْ يَقُول: يَا أسفى على يُوسُف {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} لفظ الْبَيْهَقِيّ قَالَ: لم يُعْط أحد من الْأُمَم الاسترجاع غير هَذِه الْأمة أما سَمِعت قَول يَعْقُوب: يَا أسفى على يُوسُف
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون} قَالَ:
من اسْتَطَاعَ أَن يسْتَوْجب لله فِي مصيبته ثَلَاثًا الصَّلَاة وَالرَّحْمَة وَالْهدى فَلْيفْعَل وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهُ من اسْتوْجبَ على الله حَقًا بِحَق أحقه الله لَهُ وَوجد الله وفياً
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب العزاء وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: نعم العدلان وَنعم العلاوة {الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} نعم العدلان {وَأُولَئِكَ هم المهتدون} نعم العلاوة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله ابْن عَمْرو قَالَ: أَربع من كن فِيهِ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة: من كَانَ عصمَة أمره لَا إِلَه إِلَّا الله وَإِذا أَصَابَته مُصِيبَة قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَإِذا أعطي شَيْئا قَالَ: الْحَمد لله وَإِذا أذْنب ذَنبا قَالَ: اسْتغْفر الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من صَبر على الْمُصِيبَة حَتَّى يردهَا بِحسن عزائها كتب الله لَهُ ثلثمِائة دَرَجَة مَا بَين الدرجَة إِلَى الدرجَة كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء عَن يُونُس بن يزِيد قَالَ: سَأَلت ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن مَا مُنْتَهى الصَّبْر قَالَ: يكون يَوْم تصبيه الْمُصِيبَة مثله قبل أَن تصيبه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الِاعْتِبَار عَن عمر بن عبد الْعَزِيز
أَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك قَالَ لَهُ عِنْد موت ابْنه: أيصبر الْمُؤمن حَتَّى لَا يجد لمصيبته ألماً قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يَسْتَوِي عنْدك مَا تحب وَمَا تكره وَلَكِن الصَّبْر معول الْمُؤمن
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحُسَيْن بن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من مُسلم يصلب بمصيبة فيذكرها وَإِن طَال عهدها فَيحدث لذَلِك استرجاعا إِلَّا جدد الله لَهُ عِنْد ذَلِك فَأعْطَاهُ مثل أجرهَا يَوْم أُصِيب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والعقيلي فِي الضُّعَفَاء من حَدِيث عَائِشَة
مثله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من نعْمَة وَإِن تقادم عهدها فيجدد لَهَا العَبْد الْحَمد إِلَّا جدد الله لَهُ ثَوَابهَا وَمَا من مُصِيبَة وَإِن تقادم عهدها فيجدد لَهَا العَبْد الاسترجاع إِلَّا جدد الله لَهُ ثَوَابهَا وأجرها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء عَن سعيد بن الْمسيب رَفعه من اسْترْجع بعد أَرْبَعِينَ سنة أعطَاهُ الله ثَوَاب مصيبته يَوْم أصيبها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن كَعْب قَالَ: مَا من رجل تصيبه مُصِيبَة فيذكرها بعد أَرْبَعِينَ سنة فيسترجع إِلَّا أجْرى الله لَهُ أجرهَا تِلْكَ السَّاعَة كَمَا أَنه لَو اسْترْجع يَوْم أُصِيب
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أم سَلمَة قَالَت: أَتَانِي أَبُو سَلمَة يَوْمًا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لقد سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت بِهِ قَالَ لَا يُصِيب أحدا من الْمُسلمين مُصِيبَة فيسترجع عِنْد مصيبته ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ أجرني فِي مصيبتي وأخلف لي خيرا مِنْهَا إِلَّا فعل ذَلِك بِهِ
قَالَت: أم سَلمَة: فَحفِظت ذَلِك مِنْهُ فَلَمَّا توفّي أَبُو سَلمَة استرجعت فَقلت: اللَّهُمَّ أجرني فِي مصيبتي وأخلف لي خيرا مِنْهَا ثمَّ رجعت إِلَى نَفسِي وَقلت من أَيْن لي خير من أبي سَلمَة فَأَبْدَلَنِي الله بِأبي سَلمَة خيرا مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَأخرج مُسلم عَن أم سَلمَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: مَا من عبد تصيبه مُصِيبَة فَيَقُول: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون اللَّهُمَّ أجرني فِي مصيبتي وأخلف لي خيرا مِنْهَا إِلَّا آجره الله فِي مصيبته وأخلف لَهُ خيرا مِنْهَا
قَالَت: فَلَمَّا توفّي أَبُو سَلمَة قلت كَمَا أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا مَاتَ ولد العَبْد قَالَ الله لملائكته: قبضتم ولد عَبدِي فَيَقُولُونَ: نعم
فَيَقُول: قبضتم ثَمَرَة فُؤَاده فَيَقُولُونَ: نعم
فَيَقُول: مَاذَا قَالَ عَبدِي فَيَقُولُونَ: حمدك واسترجع فَيَقُول الله ابْنُوا لعبدي بَيْتا فِي الْجنَّة وسموه بَيت الْحَمد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن للْمَوْت فَزعًا فَإِذا أَتَى أحدكُم وَفَاة أَخِيه فَلْيقل: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم سَمِعت أشياخا يَقُولُونَ: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن أهل الْمُصِيبَة لتنزل بهم فيجزعون وتسور عَنْهُم فيمر بهَا مار من النَّاس فَيَقُول: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فَيكون فِيهَا أعظم أجرا من أَهلهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة قَالَ انْقَطع قبال (قبال: زِمَام النَّعْل) النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَاسْتَرْجع فَقَالُوا: مُصِيبَة يَا رَسُول الله فَقَالَ: مَا أصَاب الْمُؤمن مِمَّا يكره فَهُوَ مُصِيبَة
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد ضَعِيف وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا انْقَطع شسع (زِمَام النَّعْل بَين الْأصْبع الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا) أحدكُم فليسترجع لِأَنَّهَا من المصائب
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد ضَعِيف عَن شَدَّاد بن أَوْس مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء عَن شهر بن حَوْشَب رَفعه قَالَ من انْقَطع شسعه فَلْيقل إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فَإِنَّهَا مُصِيبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَوْف بن عبد الله قَالَ: من انْقَطع شسعه فَلْيقل إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فَإِنَّهَا مُصِيبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَوْف بن عبد الله قَالَ: كَانَ ابْن مَسْعُود يمشي فَانْقَطع شسعه فَاسْتَرْجع فَقيل: يسترجع على مثل هَذَا قَالَ: مُصِيبَة
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب
أَنه انْقَطع شسعه فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
فَقيل لَهُ: مَالك فَقَالَ: انْقَطع شسعي فسائني وَمَا ساءك فَهُوَ لَك مُصِيبَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الأمل والديلمي عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا اتخذ قبالاً من حَدِيد فَقَالَ: أما أَنْت أطلت الأمل إِن أحدكُم إِذا انْقَطع شسعه فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون كَانَ عَلَيْهِ من ربه الصَّلَاة وَالْهدى وَالرَّحْمَة وَذَلِكَ خير لَهُ من الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء عَن عِكْرِمَة قَالَ طفىء سراج النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
فَقيل: يَا رَسُول الله أمُصِيبَة هِيَ قَالَ: نعم وكل مَا يُؤْذِي الْمُؤمن فَهُوَ مُصِيبَة لَهُ وَأجر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ بَلغنِي أَن الْمِصْبَاح طفىء فَاسْتَرْجع النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: كل مَا ساءك مُصِيبَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وسمويه فِي فَوَائده عَن أبي أُمَامَة قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَانْقَطع شسع النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
فَقَالَ لَهُ رجل: هَذَا الشسع فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا مُصِيبَة
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ بَينا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي هُوَ وَأَصْحَابه إِذْ انْقَطع شسعه فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
قَالَ: ومصيبة هِيَ قَالَ: نعم كل شَيْء سَاءَ الْمُؤمن فَهُوَ مُصِيبَة
وَأخرج الديلمي عَن عَائِشَة قَالَت أقبل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقد لدغته شَوْكَة فِي ابهامه فَجعل يسترجع مِنْهَا ويمسحها فَلَمَّا سَمِعت استرجاعه دَنَوْت مِنْهُ فَنَظَرت فَإِذا أثر حقير فَضَحكت فَقلت: يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي أكل هَذَا الاسترجاع من أجل هَذِه الشَّوْكَة فَتَبَسَّمَ ثمَّ ضرب على مَنْكِبي فَقَالَ: يَا عَائِشَة إِن الله عز وجل إِذا أَرَادَ أَن يَجْعَل الصَّغِير كَبِيرا جعله وَإِذا أَرَادَ أَن يَجْعَل الْكَبِير صَغِيرا جعله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: إِذا فاتتك صَلَاة فِي جمَاعَة فَاسْتَرْجع فَإِنَّهَا مُصِيبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَواد بن دَاوُد
أَن سعيد بن الْمسيب جَاءَ وَقد فَاتَتْهُ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة فَاسْتَرْجع حَتَّى سمع صَوته خَارِجا من الْمَسْجِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى وَالْعبْرَة لَا يملكهَا ابْن آدم صبَابَة الْمَرْء إِلَى أَخِيه
وَأخرج ابْن سعد عَن خَيْثَمَة قَالَ: لما جَاءَ عبد الله بن مَسْعُود نعي أَخِيه عتبَة دَمَعَتْ عَيناهُ فَقَالَ: إِن هَذِه رَحْمَة جعلهَا الله لَا يملكهَا ابْن آدم
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رأى امْرَأَة تبْكي على صبي لَهَا فَقَالَ لَهَا: اتقِي الله واصبري
فَقَالَت: وَمَا تبالي أَنْت مصيبتي فَلَمَّا ذهب قيل لَهُ: إِنَّه رَسُول الله فَأَخذهَا مثل الْمَوْت فَأَتَت بَابه فَلم تَجِد عَلَيْهِ بوابين فَقَالَت: لم أعرفك يَا رَسُول الله فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد أوّل صدمة
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا مُسلمين مضى لَهما ثَلَاثَة من أولادهما لم يبلغُوا حنثاً كَانُوا لَهما حصناً حصيناً من النَّار
قَالَ: أَبُو ذَر مضى لي اثْنَان
قَالَ: وَاثْنَانِ
قَالَ أَبُو الْمُنْذر سيد الْقُرَّاء: مضى لي وَاحِد يَا رَسُول الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَوَاحِد وَذَلِكَ فِي الصدمة الأولى
وَأخرج عبد بن حميد عَن كريب بن حسان قَالَ: توفّي رجل منا فَوجدَ بِهِ أَبوهُ
أَشد الوجد فَقَالَ لَهُ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَال لَهُ حَوْشَب: أَلا أحدثكُم بِمِثْلِهَا شهدتها من النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ رجل يَأْتِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ابْن لَهُ توفّي فَوجدَ بِهِ أَبوهُ أَشد الوجد
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا فعل فلَان قَالُوا: يَا رَسُول الله توفّي ابْنه الَّذِي كَانَ يخْتَلف مَعَه إِلَيْك
فَلَقِيَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا فلَان أَيَسُرُّك أَن ابْنك عنْدك كأجرى الغلمان جَريا يَا فلَان أَيَسُرُّك أَن ابْنك عنْدك كأنشط الغلمان نشاطاً يَا فلَان أَيَسُرُّك أَن ابْنك عنْدك كأجود الكهول كهلاً أَو يُقَال لَك أَدخل الْجنَّة ثَوَاب مَا أَخذ مِنْك
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ رجل يخْتَلف إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ بني لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم: أَتُحِبُّهُ قَالَ: يَا رَسُول الله أحبك الله كَمَا أحبه
فَفَقدهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا فعل ابْن فلَان قَالُوا: مَاتَ
قَالَ: فَلَقِيَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أما تحب أَن لَا تَأتي بَابا من أَبْوَاب الْجنَّة تستفتحه إِلَّا جَاءَ يسْعَى حَتَّى يَفْتَحهُ لَك قَالُوا: يَا رَسُول الله أَله وَحده أم لكلنا قَالَ: بل لكلكم
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا لعبدي الْمُؤمن عِنْدِي جَزَاء إِذا قبضت صَفيه من أهل الدُّنْيَا ثمَّ احتسبه إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا يزَال الْمُؤمن يصاب فِي وَلَده وَحَاجته حَتَّى يلقى الله وَلَيْسَت لَهُ خَطِيئَة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أثكل ثَلَاثَة من صلبه فاحتسبهم على الله وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة قَالَ كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَبَلغهُ أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار مَاتَ ابْن لَهَا فَجَزِعت عَلَيْهِ فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أَصْحَابه فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا قَالَ: أما أَنه قد بَلغنِي أَنَّك جزعت فَقَالَت: مَا لي لَا أجزع وَأَنا رقوب لَا يعِيش لي ولد فَقَالَ: إِنَّمَا الرقوب الَّتِي يعِيش وَلَدهَا إِنَّه لَا يَمُوت لامْرَأَة مسلمة ثَلَاثَة من الْوَلَد فتحتسبهم إِلَّا وَجَبت لَهَا الْجنَّة
فَقَالَ عمر: واثنين قَالَ: واثنين
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن أبي نصر السّلمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَمُوت لأحد من المسلمسن ثَلَاثَة من الْوَلَد فيحتسبهم إِلَّا كَانُوا لَهُ جنَّة من النَّار
فَقَالَت امْرَأَة: أَو اثْنَان
قَالَ: أَو اثْنَان
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: من مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد فاحتسبهم دخل الْجنَّة
فَقَالَت امْرَأَة: واثنين
قَالَ: واثنين
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلمين يتوفى لَهما ثَلَاثَة إِلَّا أدخلهما الله الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أَو اثْنَان
قَالَ: أَو اثْنَان
قَالُوا: أَو وَاحِد
قَالَ: أَو وَاحِد
ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن السقط ليجر أمه بسرره إِلَى الْجنَّة إِذا احتسبته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من دفن ثَلَاثَة فَصَبر عَلَيْهِم واحتسب وَجَبت لَهُ الْجنَّة
فَقَالَت أم أَيمن: واثنين
قَالَ: واثنين
قَالَت: أَو وَاحِد
فَسكت ثمَّ قَالَ: وَوَاحِد
وَأخرج أَحْمد وَابْن قَانِع فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة عَن حَوْشَب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من مَاتَ لَهُ ولد فَصَبر واحتسب قيل لَهُ: ادخل الْجنَّة بِفضل مَا أَخذنَا مِنْك
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي سَلمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بخ بخ لخمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَالْولد الصَّالح يتوفى للمرء فيحتسبه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ توفّي ابْن عُثْمَان بن مَظْعُون فَاشْتَدَّ حزنه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِن للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب وللنار سَبْعَة أَبْوَاب أفما يَسُرك أَن لَا تَأتي بَابا مِنْهَا إِلَّا وجدت ابْنك إِلَى جَنْبك آخِذا بحجزتك يشفع لَك عِنْد رَبك قَالَ: بلَى
قَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله وَلنَا فِي افراطنا مَا لعُثْمَان قَالَ: نعم لمن صَبر مِنْكُم واحتسب
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله لَا يرضى لعَبْدِهِ الْمُؤمن إِذا ذهب بصفيه من أهل الأَرْض فَصَبر واحتسب بِثَوَاب من الْجنَّة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: قسم الله الْعقل على ثَلَاثَة أَجزَاء فَمن كن فِيهِ فَهُوَ الْعَاقِل وَمن لم يكن فِيهِ فَلَا عقل لَهُ
حسن الْمعرفَة بِاللَّه وَحسن الطَّاعَة لله وَحسن الصَّبْر لله
وَأخرج ابْن سعد عَن مطوف بن عبد الله بن الشخير
أَنه مَاتَ ابْنه عبد الله فَخرج وَهُوَ مترجل فِي ثِيَاب حَسَنَة فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: قد وَعَدَني الله على مصيبتين ثَلَاث خِصَال كل خصْلَة مِنْهَا أحب إليّ من الدُّنْيَا كلهَا
قَالَ الله {الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة} إِلَى قَوْله {المهتدون} أفأستكين لَهَا بعد هَذَا
قَوْله تَعَالَى: إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما وَمن تطوع خيرا فَإِن الله شَاكر عليم
أخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف مَعًا وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَائِشَة أَن عُرْوَة قَالَ لَهَا: أَرَأَيْت قَول الله تَعَالَى {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوّف بهما} فَمَا أرى على أحد جنَاحا أَن يطوّف بهما فَقَالَت عَائِشَة: بئْسَمَا قلت يَا ابْن أُخْتِي إِنَّهَا لَو كَانَت على مَا أوّلتها كَانَت فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن لَا يطوّف بهما وَلكنهَا إِنَّمَا أنزلت أَن الْأَنْصَار قبل أَن يسلمُوا كَانُوا يهلون لمناة الطاغية الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَكَانَ من أهل لَهَا يتحرج أَن يطوف بالصفا والمروة فسألوا عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا كُنَّا نتحرج أَن نطوف بالصفا والمروة فِي الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْآيَة
قَالَت عَائِشَة: ثمَّ سنّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطّواف بهما فَلَيْسَ لأحد أَن يدع الطّواف بهما
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم وَابْن السكن وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس
أَنه سُئِلَ عَن الصَّفَا والمروة قَالَ: كُنَّا نرى أَنَّهُمَا من أَمر الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام أمسكنا عَنْهُمَا فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْأَنْصَار كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَحْرمُوا لَا يحل لَهُم أَن يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة فَلَمَّا قدمنَا ذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الشَّيَاطِين فِي الْجَاهِلِيَّة تعزف اللَّيْل أجمع بَين الصَّفَا والمروة فَكَانَت فِيهَا آلِهَة لَهُم أصنام فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام قَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله أَلا نطوف بَين الصَّفَا والمروة فَإِنَّهُ شَيْء كُنَّا نصنعه فِي الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله {فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوّف بهما} يَقُول: لَيْسَ عَلَيْهِ اثم وَلَكِن لَهُ أجر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت الْأَنْصَار: إِن السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة من أَمر الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن حُبَيْش قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن قَوْله {إِن الصَّفَا والمروة} الْآيَة
فَقَالَ: انْطلق إِلَى ابْن عَبَّاس فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ أعلم من بَقِي بِمَا أنزل على مُحَمَّد
فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ: إِنَّه كَانَ عِنْدهمَا أصنام فَلَمَّا أَسْلمُوا امسكوا عَن الطّواف بَينهمَا حَتَّى أنزلت {إِن الصَّفَا والمروة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْآيَة
وَذَلِكَ أَن نَاسا تحرجوا أَن يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة فَأخْبر الله أَنَّهُمَا من شعائره الطّواف بَينهمَا أحب إِلَيْهِ فمضت السّنة بِالطّوافِ بَينهمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَامر الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ وثن بالصفا يدهى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة فَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا طافوا بِالْبَيْتِ يسعون بَينهمَا ويمسحون الوثنين فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن الصَّفَا والمروة إِنَّمَا كَانَ يُطَاف بهما من أجل الوثنين وَلَيْسَ الطّواف بهما من الشعائر فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة} الْآيَة
فَذكر الصَّفَا من أجل الوثن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وأُنِّثَتْ الْمَرْوَة من أجل الوثن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مونثا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَت الْأَنْصَار إِنَّمَا السَّعْي بَين هذَيْن الحجرين من عمل أهل الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} قَالَ: من الْخَيْر الَّذِي أَخْبَرتكُم عَنهُ فَلم يحرج من لم يطف بهما {فَمن تطوّع خيرا فَهُوَ خير لَهُ} فتطوع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَت من السّنَن فَكَانَ عَطاء يَقُول: يُبدل مَكَانَهُ سبعين بِالْكَعْبَةِ إِن شَاءَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ كَانَ نَاس من أهل تهَامَة فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يطوفون بَين الصَّفَا والمروة فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} وَكَانَ من سنة إِبْرَاهِيم واسماعيل بَينهمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مَرْوُدَيْهِ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَ: كَانَ رجال من الْأَنْصَار مِمَّن كَانَ يهل لمناة فِي الْجَاهِلِيَّة وَمَنَاة صنم بَين مَكَّة وَالْمَدينَة
قَالُوا: يَا نَبِي الله إِنَّا كُنَّا لانطوف بَين الصَّفَا والمروة تَعْظِيمًا لمناة فَهَل علينا من حرج أَن نطوف بهما فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْآيَة
قَالَ عُرْوَة: فَقلت لعَائِشَة: مَا أُبَالِي أَن لَا أَطُوف بَين الصَّفَا والمروة قَالَ الله {فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} فَقَالَت: يَا ابْن أُخْتِي أَلا ترى أَنه يَقُول {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} قَالَ الزُّهْرِيّ: فَذكرت ذَلِك لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام فَقَالَ: هَذَا الْعلم
قَالَ أَبُو بكر: وَلَقَد سَمِعت رجَالًا من أهل الْعلم يَقُولُونَ: لما أنزل الله الطّواف بِالْبَيْتِ وَلم ينزل الطّواف بَين الصَّفَا والمروة قيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم: إِنَّا كُنَّا نطوف فِي الْجَاهِلِيَّة بَين الصَّفَا والمروة وَأَن الله قد ذكر الطّواف بِالْبَيْتِ وَلم يذكر الطّواف بَين الصَّفَا والمروة فَهَل علينا من حرج أَن لَا نطوف بهما فَأنْزل الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} الْآيَة كلهَا
قَالَ أَبُو بكر: فاسمع هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْفَرِيقَيْنِ كليهمَا فِيمَن طَاف وفيمن لم يطف
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: لعمري مَا أتم الله حج من لم يسع بَين الصَّفَا والمروة وَلَا عمرته وَلِأَن الله قَالَ {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله}
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم عَن أنس قَالَ: كَانَت الْأَنْصَار يكْرهُونَ السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} فالطواف بَينهمَا تطوّع
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ ((فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن لَا يطوف بهما))
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: فِي مصحف ابْن مَسْعُود (فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن لَا يطوف بهما)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن حَمَّاد قَالَ: وجدت فِي مصحف أبي (فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن لَا يطوف بهما)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن مُجَاهِد
أَنه كَانَ يقْرَأ (فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن لَا يطوف بهما)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَرَأَ {فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوّف} مثقلة فَمن ترك فَلَا بَأْس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه أَتَاهُ رجل فَقَالَ: أبدأ بالصفا قبل الْمَرْوَة وأصلي قبل أَن أَطُوف أَو أَطُوف قبل
وأحلق قبل أَن أذبح أَو أذبح قبل أَن أحلق فَقَالَ ابْن عَبَّاس: خُذُوا ذَلِك من كتاب الله فَإِنَّهُ أَجْدَر أَن يحفظ قَالَ الله {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} فالصفا قبل الْمَرْوَة وَقَالَ (لَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله)(الْبَقَرَة الْآيَة 196) فالذبح قبل الْحلق
وَقَالَ (وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود)(الْحَج الْآيَة 26) وَالطّواف قبل الصَّلَاة
وَأخرج وَكِيع عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس لم بدىء بالصفا قبل الْمَرْوَة قَالَ: لِأَن الله قَالَ: إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر قَالَ لما دنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من الصَّفَا فِي حجَّته قَالَ: إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله ابدؤا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَبَدَأَ بالصفا فرقي عَلَيْهِ
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن سعد وَأحمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن قَانِع وَالْبَيْهَقِيّ عَن حَبِيبَة بنت أبي بحران قَالَت رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بَين الصَّفَا والمروة والنايس بَين يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ وَهُوَ يسْعَى حَتَّى أرى رُكْبَتَيْهِ من شدَّة السَّعْي يَدُور بِهِ إزَاره وَهُوَ يَقُول: اسْعوا فَإِن الله عز وجل كتب عَلَيْكُم السَّعْي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي فَاسْعَوْا
وَأخرج وَكِيع عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة قَالَ: فعله إِبْرَاهِيم عليه السلام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ قلت لِابْنِ عَبَّاس يزْعم قَوْمك أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سعى بَين الصَّفَا والمروة وَإِن ذَلِك سنة قَالَ: صدقُوا أَن إِبْرَاهِيم لما أَمر بالمناسك اعْترض عَلَيْهِ الشَّيْطَان عِنْد الْمَسْعَى فسابقه فسبقه إِبْرَاهِيم
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه رَآهُمْ يطوفون بَين الصَّفَا والمروة فَقَالَ: هَذَا مِمَّا أورثتكم أم اسماعيل
وَأخرج الْخَطِيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أقبل إِبْرَاهِيم وَمَعَهُ هَاجر واسماعيل عليهم السلام فوضعهم عِنْد الْبَيْت فَقَالَت: الله أَمرك بِهَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: فعطش الصَّبِي فَنَظَرت فَإِذا أقرب الْجبَال إِلَيْهَا الصَّفَا فسعت فرقت عَلَيْهِ فَنَظَرت فَلم تَرَ شَيْئا ثمَّ نظرت فَإِذا أقرب الْجبَال إِلَيْهَا الْمَرْوَة فَنَظَرت فَلم تَرَ شَيْئا قَالَ: فَهِيَ أول من سعى بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ أَقبلت فَسمِعت حفيفاً أمامها قَالَ: قد أسمع فَإِن يكن عنْدك غياث فَهَلُمَّ فَإِذا جِبْرِيل أمامها يرْكض زَمْزَم بعقبه فنبع المَاء فَجَاءَت بِشَيْء لَهَا تقري فِيهِ المَاء فَقَالَ لَهَا: تَخَافِينَ الْعَطش هَذَا بلد ضيفان الله لَا يخَافُونَ الْعَطش
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو داو وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا جعل الطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَرمي الْجمار لاقامة ذكر الله لَا لغيره
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: السّنة فِي الطّواف بَين الصَّفَا والمروة أَن ينزل من الصَّفَا ثمَّ يمشي حَتَّى يَأْتِي بطن المسيل فَإِذا جَاءَهُ سعى حَتَّى يظْهر مِنْهُ ثمَّ يمشي حَتَّى يَأْتِي الْمَرْوَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ من طَرِيق مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود أَنه خرج إِلَى الصَّفَا فَقَامَ إِلَى صدع فِيهِ فلبى فَقلت لَهُ: إِن نَاسا ينهون عَن الإِهلال هَهُنَا قَالَ: وَلَكِنِّي آمُرك بِهِ هَل تَدْرِي مَا الإِهلال إِنَّمَا هِيَ استجابة مُوسَى لرَبه فَلَمَّا أَتَى الْوَادي رمل وَقَالَ: رب اغْفِر وَارْحَمْ إِنَّك أَنْت الْأَعَز والأكرم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود
أَنه قَامَ على الصدع الَّذِي فِي الصَّفَا وَقَالَ: هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره مقَام الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَمن تطوّع خيرا} أخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله / وَمن تطوع بِخَير /
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَدْعُو على الصَّفَا والمروة يكبر ثَلَاثًا سبع مَرَّات يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا نعْبد إِلَّا إِيَّاه مُخلصين لَهُ وَلَو كره الْكَافِرُونَ
وَكَانَ يَدْعُو بِدُعَاء كثير حَتَّى يبطئنا وَإِنَّا لشباب وَكَانَ من دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي مِمَّن يحبك وَيُحب ملائكتك وَيُحب رسلك وَيُحب عِبَادك الصَّالِحين اللَّهُمَّ حببني إِلَيْك وَإِلَى ملائكتك وَإِلَى رسلك وَإِلَى عِبَادك الصَّالِحين اللَّهُمَّ يسرني لليسرى وجنبني للعسرى واغفر لي فِي الْآخِرَة وَالْأولَى واجعلني من الْأَئِمَّة الْمُتَّقِينَ وَمن وَرَثَة جنَّة النَّعيم واغفر لي خطيئتي يَوْم الدّين
اللَّهُمَّ إِنَّك قلت (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم) وَإنَّك لَا تخلف الميعاد
اللَّهُمَّ إِذْ هديتني للإِسلام فَلَا تنزعه مني وَلَا تنزعني مِنْهُ حَتَّى توفاني على الإِسلام وَقد رضيت عني
اللَّهُمَّ لَا تقدمني للعذاب وَلَا تؤخرني لسيء الْفِتَن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: من قدم مِنْكُم حَاجا فليبدأ بِالْبَيْتِ فليطف بِهِ سبعا ثمَّ ليصل رَكْعَتَيْنِ عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم ثمَّ ليأت الصَّفَا فَليقمْ عَلَيْهِ مُسْتَقْبل الْكَعْبَة ثمَّ ليكبر سبعا بَين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ويسأله لنَفسِهِ وعَلى الْمَرْوَة مثل ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ترفع الْأَيْدِي فِي سَبْعَة مَوَاطِن
إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة وَإِذا رأى الْبَيْت وعَلى الصَّفَا والمروة وَفِي عَرَفَات وَفِي جمع وَعند الجمرات
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ترفع الْأَيْدِي فِي الصَّلَاة وَإِذا رأى الْبَيْت وعَلى الصَّفَا والمروة وعَلى عَرَفَات وبجمع وَعند الْجَمْرَتَيْن وعَلى الْمَيِّت
أما قَوْله تَعَالَى: {فَإِن الله شَاكر عليم} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لَا شَيْء أشكر من الله وَلَا أجزىء بِخَير من الله عز وَجل
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى من بعد مَا بَيناهُ للنَّاس فِي الْكتاب أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا وبينوا فَأُولَئِك أَتُوب عَلَيْهِم وَأَنا التواب الرَّحِيم
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلَ معَاذ بن جبل أَخُو بني سَلمَة وَسعد بن معَاذ أَخُو بني الْأَشْهَل وخارجة بن زيد أَخُو الْحَرْث بن الْخَزْرَج نَفرا من أَحْبَار الْيَهُود عَن بعض مَا فِي التَّوْرَاة فكتموهم إِيَّاه وأبوا أَن يخبروهم فَأنْزل الله فيهم {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} قَالَ: هم أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} الْآيَة
قَالَ: أُولَئِكَ أهل الْكتاب كتوا الإِسلام وَهُوَ دين الله وكتموا مُحَمَّدًا وهم (يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإنحيل)(الْأَعْرَاف الْآيَة 157){ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: من مَلَائِكَة الله الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: هم أهل الْكتاب كتموا مُحَمَّدًا ونعته وهم يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم حسداً وبغياً
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: زَعَمُوا أَن رجلا من الْيَهُود كَانَ لَهُ صديق من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ ثَعْلَبَة بن غنمة قَالَ لَهُ: هَل تَجِدُونَ مُحَمَّدًا عنْدكُمْ قَالَ: لَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي قَوْله {أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: الْجِنّ والإِنس وكل دَابَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون}
قَالَ: إِذا أجدبت الهائم دعت على فجار بني آدم
فَقَالَت: تحبس عَنَّا الْغَيْث بِذُنُوبِهِمْ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: إِن الْبَهَائِم إِذا اشتدت عَلَيْهِم السّنة قَالَت: هَذَا من أجل عصاة بني آدم لعن الله عصاة بني آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: دَوَاب الأَرْض العقارب والخنافس يَقُولُونَ: إِنَّمَا منعنَا الْقطر بِذُنُوبِهِمْ فيلعنونهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: يلعنهم كل شَيْء حَتَّى الخنافس والعقارب يَقُولُونَ: منعنَا الْقطر بذنوب بني آدم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي جَعْفَر فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: كل شَيْء حَتَّى الخنفساء
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَة مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن الْكَافِر يضْرب ضربتين بَين عَيْنَيْهِ فيسمعه كل دَابَّة غير الثقلَيْن فتلعنه كل دَابَّة سَمِعت صَوته فَذَلِك قَول الله {ويلعنهم اللاعنون} يَعْنِي دَوَاب الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: قَالَ الْبَراء ابْن عَازِب: إِن الْكَافِر إِذا وضع فِي قَبره أَتَتْهُ دَابَّة كَأَن عينيها قدران من نُحَاس مَعهَا عَمُود من حَدِيد فتضربه ضَرْبَة بَين كَتفيهِ فَيَصِيح لَا يسمع أحد صَوته إِلَّا لَعنه وَلَا يبْقى شَيْء إِلَّا سمع صَوته إِلَّا الثقلَيْن الحن والإِنس
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} قَالَ: الْكَافِر إِذا وضع فِي حفرته ضرب ضَرْبَة بمطرق فَيَصِيح صَيْحَة يسمع صَوته كل شَيْء إِلَّا الثقلَيْن الْجِنّ والإِنس فَلَا يسمع صيحته شَيْء إِلَّا لَعنه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الْوَهَّاب بن عَطاء فِي قَوْله {إِن الَّذين يكتمون} الْآيَة
قَالَ: سَمِعت الْكَلْبِيّ يَقُول: هم الْيَهُود
قَالَ: وَمن لعن شَيْئا لَيْسَ هُوَ بِأَهْل رجعت اللَّعْنَة على يَهُودِيّ فَذَلِك قَوْله {ويلعنهم اللاعنون}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق مُحَمَّد بن مَرْوَان أَخْبرنِي الْكَلْبِيّ عَن أبي
صَالح عَن ابْن مَسْعُود فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل يلعن صَاحبه فِي أَمر يرى أَن قد أَتَى إِلَيْهِ فترتفع اللَّعْنَة فِي السَّمَاء سَرِيعا فَلَا تَجِد صَاحبهَا الَّتِي قيلت لَهُ أَهلا فترجع إِلَى الَّذِي تكلم بهَا فَلَا تَجِد لَهَا أَهلا فتنطلق فَتَقَع على الْيَهُود فَهُوَ قَوْله {ويلعنهم اللاعنون} فَمن تَابَ مِنْهُم ارْتَفَعت عَنْهُم اللَّعْنَة فَكَانَت فِيمَن بَقِي من الْيَهُود وَهُوَ قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: من سُئِلَ عَن علم عِنْده فكتمه ألْجمهُ الله بلجام من نَار يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس بن مَالك سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: من سُئِلَ عَن علم فكتمه ألْجمهُ يَوْم الْقِيَامَة بلجام من نَار
وَأخرج ابْن ماجة والمرهبي فِي فضل الْعلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كتم علما مِمَّا ينفع الله بِهِ النَّاس فِي أَمر الدّين ألْجمهُ الله يَوْم الْقِيَامَة بلجام من نَار
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا لعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا فَمن كتم حَدِيثا فقد كتم مَا أنزل الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا عبد آتَاهُ الله علما فكتمه لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة مُلجمًا بلجام من نَار
واخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من سؤل عَن علم فكتمه جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مُلجمًا بلجام من نَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَمْرو مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مثل الَّذِي يتَعَلَّم الْعلم ثمَّ لَا يحدث بِهِ كَمثل الَّذِي يكنز الْكَنْز فَلَا ينْفق مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سلمَان قَالَ: علم لَا يُقَال بِهِ ككنز لَا ينْفق مِنْهُ
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لَوْلَا آيَة فِي كتاب الله مَا حدثت أحدا بِشَيْء أبدا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} إِلَى قَوْله {اللاعنون} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا وبينوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا} قَالَ: ذَلِك كَفَّارَة لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا} قَالَ: أصلحوا مَا بَينهم وَبَين الله {وبينوا} الَّذِي جَاءَهُم من الله وَلم يكتموا وَلم يجحدوا بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَتُوب عَلَيْهِم} يَعْنِي أتجاوز عَنْهُم
أما قَوْله تَعَالَى: {وَأَنا التوّاب} أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي زرْعَة عَمْرو بن جرير قَالَ: إِن أول شَيْء كتب أَنا التواب أَتُوب على من تَابَ
قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين كفرُوا وماتوا وهم كفار أُولَئِكَ عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ خَالِدين فِيهَا لَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب وَلَا هم ينظرُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِن الْكَافِر يُوقف يَوْم الْقِيَامَة فيلعنه الله ثمَّ تلعنه الْمَلَائِكَة ثمَّ يلعنه النَّاس أَجْمَعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أُولَئِكَ عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ} قَالَ: يَعْنِي النَّاس أَجْمَعِينَ الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: لَا يتلاعن إثنان مُؤْمِنَانِ وَلَا كَافِرَانِ فَيَقُول أَحدهمَا: لعن الله الظَّالِم إِلَّا رجعت تِلْكَ اللَّعْنَة على الْكَافِر لِأَنَّهُ ظَالِم فَكل أحد من الْخلق يلعنه
وَأخرج عبد بن حميد عَن جرير بن حَازِم قَالَ: سَمِعت الْحسن يقْرؤهَا (أُولَئِكَ عَلَيْهِم لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعُونَ)