المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجزء الثالث من كتاب الديباج - الديباج للختلي

[الختلي، إسحاق بن إبراهيم]

الفصل: ‌الجزء الثالث من كتاب الديباج

‌الجزء الثالث من كتاب الديباج

تأليف أبي القاسم إسحاق بن إبراهيم بن محمد الختلي

رواية أبي عثمان بن أحمد الدقاق، المعروف بابن السماك، عنه

رواية أبي الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد بن يوسف الحنائي، عنه

رواية أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي، عنه

رواية الشيخة العالمة فخر النساء شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري، عنه

سماع محمد بن خلف بن راجح بن بلال المقدسي

ص: 91

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى محمد

قرئ على الشيخة العالمة، شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري، وأنا أسمع، وذلك في العشر الأخير من ربيع الآخر من شهور سنة سبعٍ وستين وخمسمئة؛

قيل لها: أخبركم الشيخ أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن طلحة النعالي، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله الحنائي، قال: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن السماك، قال: أخبرنا أبو القاسم إسحاق ابن إبراهيم الختلي، قال:

1 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ مكتوبٌ: كَمَا أَقُولُ لَكُمْ، مَا مِنْ طَعَامٍ يَكُونُ مِنْ حلالٍ يُسَمَّى اللَّهُ فِي أَوَّلِهِ وَيُحْمَدُ في آخره، يسل عنه يوماً يسل عَنِ النَّعِيمِ؛ وَكَفَى كِبْرًا أَنْ يُقَرِّبَ إِلَيْهِ أَخُوهُ طَعَامًا فَيَحْتَقِرَهُ، وَأَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ فَلا يبره.

ص: 92

2 -

حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَيِّبَةَ الْجُرْجَانِيُّ:

⦗ص: 93⦘

كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ رَزِينٍ الْجُرْجَانِيُّ ذَا عقلٍ وَذَا مالٍ، فَقَالَ يَوْمًا: وَدِدْتُ أَنِّي واجدٌ رَجُلا أُشْرِكُهُ فِي بَعْضِ مَالِي فَيَنْتَفِعُ بِهِ بلا مؤونةٍ عَلَيْهِ.

فَقِيلَ لَهُ: فَمَا تَصْنَعُ بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ: أُحَدِّثُهُ، وَأَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ، وَيَكْتُمُ عَلَيَّ لا غير.

ثم قال:

إِذَا أَنْتَ حُمِّلْتَ الأَمَانَةَ فَارْعَهَا

وَكُنْ قُفْلا كِي لا يَرُومَكَ فَاتِحُ

وَقَالَ أَيْضًا فِي ذلك:

وَإِذَا اسْتَوْدَعْتَ سِرًّا فَارْعَهُ

لِيَكُنْ قَلْبُكَ لِلسِّرَّ قفل

قال: وأنشدني أيضاً في السر:

احْفَظِ السِّرَّ إِذَا اسْتَوْدَعْتَهُ

إِنَّ كِتْمَانَكَ مَا استودعت بر

وأنشدنا أيضاً في الخؤون:

إذا أنت حملت الخؤون أمانةً

فإنك قد أسندتها شر مسند

وقال أيضاً في كتمان السر:

السِّرُّ عِنْدِي دفينٌ ميتٌ أَبَدًا

أَمْشِي عَلَيْهِ وَلا تَمْشِي بِهِ الْقَدَمُ

ص: 92

3 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلاءِ الشَّامِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ كعب الأحبار، قال:

قرأت في التوراة مكتوبٌ: أَرْبَعُ آياتٍ خَطَّهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ: مَنْ أَصْبَحَ حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ سَاخِطًا عَلَى رَبِّهِ، وَمَنْ شَكَا مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ، وَمَنْ تَضَعْضَعَ لِغَنِيٍّ ظَلَمَهُ مَا فِي يَدِهِ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ النَّارَ فَكَأَنَّمَا اتَّخَذَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا.

⦗ص: 94⦘

وَمَنْ لَمْ يُشَاوِرْ نَدِمَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، الْفَقْرُ: الْمَوْتُ الأَحْمَرُ.

ص: 93

4 -

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ، قَالَ:

كَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: كُلُّ أخٍ وَصَاحِبٍ لا تَسْتَفِيدُ مِنْهُ فِي أَمْرِ دِينِكَ خَيْرًا، فَانْبِذْ عَنْكَ صحبته.

ص: 94

5 -

وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ:

سَمِعْتُ مالك بن دينار يقول: كل أخٍ وصاحبٍ لا تَسْتَفِيدُ مِنْهُ خَيْرًا فِي أَمْرِ دِينِكَ فانبذ عنك صحبته.

ص: 94

6 -

وأنشدني أبو عثمان:

تَبْدُو علانيةٌ مِنْهُمْ مُمَوَّهَةً

إِذَا تَلاقَوْا وَهُمْ فِي السِّرِّ أَعْدَاءُ

ص: 94

7 -

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خِرَاشٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ النُّمَيْرِيُّ، قَالَ:

قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: أَصَابَ فُلانٌ مَالا. قَالَ: فَهَلْ أَصَابَ أَيَّامًا يَأْكُلُهُ

⦗ص: 95⦘

فِيهَا؟ قَالُوا: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: فَمَا أَرَاهُ اكْتَسَبَ شَيْئًا.

ص: 95

8 -

وَأَنْشَدَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خِرَاشٍ فِي ذَلِكَ:

يَا جَامِعًا مَانِعًا وَالدَّهْرُ يَرْمُقُهُ

مُقَدِّرًا أَيَّ بابٍ مِنْهُ يُغْلِقُهُ

مُفَكِّرًا كَيْفَ تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ

أَغَادِيًا أَمْ بِهَا يَسْرِي فَتَطْرُقُهُ

جَمَعْتَ مَالا فَفَكِّرْ هَلْ جَمَعْتَ لَهُ

يَا جَامِعَ الْمَالِ أَيَّامًا تُفَرِّقُهُ

الْمَالُ عِنْدَكَ مخزونٌ لِوَارِثِهِ

مَا الْمَالُ مَالُكَ إِلا يَوْمَ تُنْفِقُهُ

ص: 95

9 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ:

قَالَ بَعْضُ الحكماء: من بدل نُصْحَهُ وَاجْتِهَادَهُ لِمَنْ لا شُكْرَ لَهُ، فَهُوَ بمنزلة من بذر بَذَرَهُ فِي سباخٍ.

ص: 95

10 -

وَقَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي لأحدٍ أَنْ يُخَاطِرَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ هَلَكَ أَضَاعَ نَفْسَهُ، وَإِنْ ظَفِرَ لَمْ يُحْمَدْ، وَلَيْسَ شيءٌ أَهْلَكَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَنْ يُحْسِنَ الْكَلامَ وَلا يُحْسِنَ الْعَمَلَ، وَلا خَيْرَ فِي صديقٍ لا وَفَاءَ لَهُ وَلا ثِقَةَ وَلا وَرَعَ معه.

ص: 95

11 -

وَقَالَ: الرَّجُلُ بِأَصْحَابِهِ كَالْبَحْرِ بِأَمْوَاجِهِ، وَمِنَ الْخَرْقِ وَالْحُمْقِ الْتِمَاسُ الرَّجُلِ الإِخْوَانَ بِغَيْرِ الْوَفَاءِ.

ص: 95

12 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ:

سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الْوَرعَ شديدٌ، وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ أَمْرَانِ إِلا أَخَذْتُ بِأَحْرَاهُمَا، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

ص: 95

13 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ:

⦗ص: 96⦘

سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا أَضَرَّ بِالآخِرَةِ، أَلا فَأَضِرُّوا بِالدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ فناءٍ، وَاعْمَلُوا لِدَارِ الْبَقَاءِ.

ص: 96

14 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ منبهٍ، قَالَ:

الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ ضَرَّتَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الآخِرَةَ أَضَرَّ بِالدُّنْيَا، وَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا أَضَرَّ بِالآخِرَةِ.

ص: 96

15 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا رياح القيسي، حدثنا ثور ابن يزيد، قال:

قرأت في التوراة مكتوبٌ: الزُّنَاةُ وَالسُّرَّاقُ إِذَا سَمِعُوا بِثَوَابِ اللَّهِ لِلأَبْرَارِ، طعموا أَنَ يَكُونُوا مَعَهُمْ بِلا نصبٍ وَلا تعبٍ، وَلا مشقةٍ عَلَى أَبْدَانِهِمْ، وَلا مخالفةٍ لأَهْوَائِهِمْ؛ وَفِي التَّوْرَاةِ مكتوبٌ: وَهَذَا مَا لا يَكُونُ.

ص: 96

16 -

حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْجِيزِيُّ الشَّيْخُ الصَّالِحُ، حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ، قَالَ:[حَدَّثَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، فَقَالَ:]

قَرَأْتُ بِضْعًا وَتِسْعِينَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الأَنْبِيَاءِ كُلِّهَا فِيهَا: مَنْ جَعَلَ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ الْمَشِيئَةِ فقد كفر.

ص: 96

17 -

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ سُفْيَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ:

⦗ص: 97⦘

كَانَ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدٍ كَاتِبًا لابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، فأثرى، فقال الشاعر فيه:

قَدِ أَنْطَقَتِ الدَّرَاهِمُ بَعْدَ عِيٍّ

رِجَالا طَالَمَا كَانُوا سُكُوتًا

فَمَا عَادُوا عَلَى جارٍ بخيرٍ

وَلا رَفَعُوا لمكرمةٍ بُيُوتًا

كَذَاكَ الْمَالُ يَجْبُرُ كُلَّ عُثٍّ

وَيَتْرُكُ كُلَّ ذِي حسبٍ صَمُوتًا

ص: 96

18 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ:

لَمَّا عَرَفَ إِخْوَةُ يُوسُفَ يُوسُفَ، نُكِّسُوا وَبَكَوْا، وَقَالُوا: الآنَ تَبْكِي علينا الجبال.

ص: 97

19 -

حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ضِرَارٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عَدَلَ بِبُزَاقِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ إِجْلالا لِلَّهِ وَأَمَاطَ عَنْهُ الأَذَى وَلَمْ يَمْحُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ ببزاقٍ كَانَ مِنْ ضَنَائِنِ عِبَادِ اللَّهِ)).

ص: 97

20 -

حدَّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبَو حَيْوَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِيُّ، عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؛

أَنَّ رَجُلا قَالَ لرجلٍ: إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَا يَمْنَعُكَ مِنْ أَنْ تُحِبَّهُ؟ وَهُوَ أَخُوكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَوَزِيرُكَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَرِزْقُهُ عَلَى غَيْرِكَ؟

ص: 97

21 -

حدثنا محمد بن حاتم الطوشي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ،

⦗ص: 98⦘

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّغْلِبِيُّ، حَدَّثَنَا مُقَاتِلٌ، عَنْ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

خَرَجَ عِيسَى بن مَرْيَمَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: لا يَسْتَسْقِ مَعَكَ خَطَّاءٌ.

فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَطِيئَةِ فَلْيَعْتَزِلْ.

قَالَ: وَاعْتَزَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ إِلا رَجُلا مُصَابًا بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى؛ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: مَا لَكَ لا تَعْتَزِلُ؟ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ، مَا عَصَيْتُ اللَّهَ طَرْفَةَ عينٍ، وَقَدِ الْتَفَتُّ فَنَظَرْتُ بِعَيْنِي هَذِهِ إِلَى قَدَمِ امرأةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ كُنْتُ أَرَدْتُ النَّظَرَ إِلَيْهَا، فَقَلَعْتُهَا، وَلَوْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا بِالْيُسْرَى لَقَلَعْتُهَا. قَالَ: فَبَكَى عِيسَى حَتَّى ابْتَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِدُمُوعِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَادْعُ، فَأَنْتَ أَحَقُّ بِالدُّعَاءِ مِنِّي، فَإِنِّي معصومٌ بِالْوَحْيِ لَمْ أَعْصِ، وَأَنْتَ لَمْ تُعْصَمْ وَلَمْ تَعْصِ، فَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَنَا، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا نَعْمَلُ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْلُقَنَا، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذَلِكَ أَنْ لا تَخْلُقَنَا، وَكَمَا خَلَقْتَنَا وَتَكَفَّلْتَ بِأَرْزَاقِنَا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

فَوَالَّذِي نَفْسُ عِيسَى بِيَدِهِ مَا خَرَجَتِ الْكَلِمَةُ تَامَّةً مِنْ فِيهِ حَتَّى أَرْخَتِ السَّمَاءَ عَزَالِيهَا وَسُقِيَ الْحَاضِرُ وَالْبَادِ.

ص: 97

22 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالَ:

مَاتَ مَوْلًى لِي، فَجَعَلَ يُغَطِّي وَجْهَهُ مَرَّةً وَيَكْشِفُهُ أُخْرَى، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ لا تَخْرُجُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ

⦗ص: 99⦘

خَيْرُهُ وَشَرُّهُ.

ص: 98

23 -

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَجُلا قَعَدَ مَعَ ضيفٍ لَهُ يأكل، فجعل يقول ويردد:

كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى ضَيْفِي فَأَبْسُطَهُ

عِنْدَ الطَّعَامِ فَقَدْ ضَاقَتْ بِيَ الْحِيَلُ

أَخَافُ تَرْدَادَ قَوْلِي كُلْ فَأَحْشِمَهُ

وَالسَّكْتُ يَحْمِلُهُ مِنِّي عَلَى الْبُخْلِ

ص: 99

24 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ:

سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ إِذَا جَمَعَ الْخَلائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لِي: يَا مَالِكُ، فَأَقُولُ: لَبَّيْكَ، فَيَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْجُدَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَجْدَةً، فَأَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِّي، فَيَقُولُ: يَا مَالِكُ، كُنِ الْيَوْمَ تُرَابًا.

ص: 99

25 -

حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الأَحْبَارِ يَقُولُ:

إِنَّمَا مَثَلُ الإِنْسَانِ وَالصَّلاةِ وَالْخَطِيئَةِ كَمَثَلِ رجلٍ فِي عذرةٍ، فِي نتنٍ، حَتَّى إِذَا يُدْبِرُ النَّهَارَ مَرَّ بنهرٍ عَجَاجٍ، فَاغْتَسَلَ مِنْهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذَلِكَ شيءٌ قَطُّ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَظَلُّ يَقْتَرِفُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَجْنِي عَلَيْهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَتِ الصَّلاةُ اغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، فَغَسَلَ ذُنُوبَهُ كَمَا يَغْسِلُ الْمَاءُ الوسخ.

ص: 99

26 -

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛

أَنَّ رَجُلا حَدَّثَ قَوْمًا فِيهِمْ كعبٌ، قَالَ: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ الأُمَمَ جُمِعَتْ، فَمُيِّزَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ، وَكَأَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ نُورَانِ، وَلِمَنْ تَبِعَهُ نورٌ، وَإِذَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لِكُلِّ شعرةٍ مِنْ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ نورٌ يَتْبَعُهُ، يَتْبَعُهُ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، ولمن يتبعه من أمته نوران نُورَانِ مِثْلَ الأَنْبِيَاءِ.

⦗ص: 100⦘

قَالَ: فَقَالَ لَهُ كعبٌ: مَنْ حَدَّثَكُمْ بِهَذَا؟

فَقِيلَ لِكَعْبٍ: إِنَّمَا هِيَ رُؤْيَا رَآهَا. فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: اللَّهُ؟ أَرَأَيْتَهَا فِيمَا يَرَى النَّائِمُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ كَعْبٌ: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ، إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ نَعْتَ الأَنْبِيَاءِ وَأُمَّتِهِمْ وَنَعْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتِهِ كَمَا رَأَيْتَ.

ص: 99

27 -

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خالد الموصلي، حدثنا الحكم ابن سِنَانٍ أَبُو عَوْنٍ، حَدَّثَنَا شُمَيْطُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ:

كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ذَبَحَ عِجْلا بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهِ فَيَبِسَتْ يَدَاهُ، فَوَقَعَ فرخٌ مِنْ وَكْرِهِ، فَبَصْبَصَ إِلَى أَبَوَيْهِ، فَرَدَّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ رَحْمَةً لَهُ، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ يَدَيْهِ.

ص: 100

28 -

قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ فِي صِفَةِ الرب عز وجل:

يَا قَبْلَ قَبْلِ الْقَبْلِ لا قَبْلَ قَبْلَهُ

وَيَا بَعْدَ بَعْدِ الْبَعْدِ والْبَعْدُ دَاهِرُ

ص: 100

29 -

حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو عَلِيٍّ الأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوْنٍ الْحَكَمُ بْنُ سِنَانٍ الْقِرَبِيُّ، قال:

سمعت فرقد السَّبَخِيَّ يَقُولُ: الْفَرْخُ فِي عُشِّهِ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَهُ مِنْ عُشِّهِ فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ، فَإِذَا طَارَ فَارْمِهِ بِقَوْسِكَ، أَوِ انْصُبْ لَهُ فَخَّكَ.

ص: 100

30 -

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، أَنَّهُ قَالَ:

وُجِدَ عَلَى صخرةٍ مكتوبٌ بالهندية، ففسر فإذا هو:

⦗ص: 101⦘

لا يأممن عَلَى النِّسَاءِ أَخًا أخٌ

مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ

كُلُّ الرِّجَالِ وَإِنْ تَعَفَّفَ جَهْدَهُ

لا بُدَّ أَنَّ بنظرةٍ سَيَخُونُ

ص: 100

31 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أصحابنا، قال:

قال رجلٌ للأحنف: أنت أبي بَحْرٍ؟ فَقَالَ الأَحْنَفُ: الرَّجُلُ: مخبوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.

ثم أنشأ يقول:

وَكَائِنٍ تَرَى مِنْ صامتٍ لَكَ مُعْجَبٍ

زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ

لِسَانُ الْفَتَى نصفٌ ونصفٌ فُؤَادُهُ

فَلَمْ يَبْقَ إِلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدم

ص: 101

32 -

حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَطَاءٍ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا هشيمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ:

⦗ص: 102⦘

جَاءَ رجلٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ، فَقَالَ: هَاهُنَا أَبَا عِمْرَانَ؟! وَإِبْرَاهِيمُ يَسْمَعُ، ثُمَّ قَالَ:

هَاهُنَا أبي عِمْرَانَ؟ فَقَالَ: يَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: قُلِ الثَّالِثَةَ وادخل.

ص: 101

33 -

قَالَ: أَنْشَدَنِي أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لأحمد بن يوسف:

يَزِينُ الشِّعْرُ أَفْوَاهًا إِذَا نَطَقَتْ

بِالشِّعْرِ يَوْمًا وَقَدْ يُزْرِي بِأَفْوَاهِ

قَدْ يُرْزَقُ الْمَرْءُ لا مِنْ حُسْنِ حِيلَتِهِ

وَيُصْرَفُ الرِّزْقُ عَنْ ذِي الْحِيلَةِ الدَّاهِي

مَا مَسَّنِي مِنْ غِنًى يَوْمًا وَلا عدمٍ

إِلا وَقَوْلِي عَلَيْهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ

ص: 102

34 -

حدثني أبو بكر خليفة بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ سَلامِ بْنِ سَلْمٍ الطَّوِيلِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِي قَوْلِ اللَّهِ [عز وجل]:

{إِذَا السَّمَاءُ انشقت. وأذنت لربها وحقت} .

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فأَجْلِسُ جَالِسًا فِي قَبْرِي فَيَفْتَحُ لِي بَابًا إِلَى السَّمَاءِ بِحِيَالِ رَأْسِي حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الْعَرْشِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لِي بَابًا مِنْ تَحْتِي إِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الثَّرَى، ثُمَّ يَفْتَحُ لِي بَابًا عَنْ

⦗ص: 103⦘

يَمِينِي حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنَازِلِ أَصْحَابِي، وَإِنَّ الأَرْضَ تَحَرَّكَتْ تَحْتِي، فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ؟ قَالَتْ: إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُلْقِيَ ما في جوفي، وأن أتجلى، فَأَكُونَ كَمَا كُنْتُ إِذْ لا شَيْءَ فِيَّ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ:{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ. وأذنت لربها وحقت} أَيْ: سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَسْمَعَ وتطيع)). {يا أيها الإنسان} .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَنَا ذَلِكَ الإِنْسَانُ)).

ص: 102

35 -

وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ:

إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ جالسةٌ عَلَى سريرٍ، ميلٍ فِي ميلٍ، قَدْ خَرَجَ عَجِيزَتُهَا مِنْ وراء السرير!

ص: 103

36 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُقَاتِلٍ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:

سَرِيرُ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ميلٌ فِي ميلٍ.

ص: 103

37 -

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، حَدَّثَنَا فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، قَالَ:

قُلْتُ لِمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلُ أَمْ عَلِيٌّ؟ قَالَ:

فَارْتَعَدَ حَتَّى سَقَطَتْ عَصَاهُ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَعِيشَ فِي زَمَانٍ يُعْدَلُ بِهِمَا؛ هُمَا كَانَا رَأْسَيِ الإِسْلامِ وَأُسَّ الْجَمَاعَةِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ:

⦗ص: 104⦘

أَبُو بَكْرٍ كَانَ أَوَّلَ إِيمَانًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمْ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَانَ يحيرا الرَّاهِبِ وَاخْتَلَفَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدِيجَةَ حَتَّى أَنْكَحَهَا إِيَّاهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ علي.

ص: 103

38 -

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَرْدَوَيْهِ الصَّائِغُ، قَالَ:

قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إِنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ صَدَقَ اللَّهَ فَأَجْرَى الْحِكْمَةَ عَلَى لِسَانِهِ؛ وَالْفُضَيْلُ مِمَّنْ نَفَعَهُ عِلْمُهُ.

ص: 104

39 -

وَحَدَّثَنِي مَرْدَوَيْهِ، قَالَ:

سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ: إِنَّ لِكُلِّ شيءٍ دِيبَاجًا، وَدِيبَاجُ الْقُرَّاءِ تَرْكُ الْغَيْبَةِ.

ص: 104

40 -

وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ:

هَذِهِ الأَبْيَاتُ لأحمد بن يوسف:

إِذَا قُلْتَ فِي شيءٍ: نَعَمْ، فَأَتِمَّهُ

فَإِنَّ نَعَمْ دينٌ عَلَى الْحُرِّ وَاجِبُ

وَإِلا فَقُلْ: لا، فَاسْتَرِحْ وَأَرِحْ بِهَا

لِكَيْلا يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّكَ كَاذِبُ

قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا لأَحْمَدَ بْنِ يوسف في إفشاء السر:

وَإِذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ

فَلامَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَهُوَ أَحْمَقُ

إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ من سِرِّ نَفْسِهِ

فَصَدْرُ الَّذِي اسْتَودَعْتَهُ السِّرَّ أَضْيَقُ

ص: 104

41 -

حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:

⦗ص: 105⦘

قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رَفَعَ قِرْطَاسًا مِنَ الأَرْضِ فِيهِ: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) إِجْلالا لِلَّهِ عز وجل أَنْ يُدَاسَ، كُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَخُفِّفَ عَنْ وَالِدَيْهِ الْعَذَابُ وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ)).

ص: 104

42 -

حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن صالح، عن الليث ابن سَعْدٍ؛

أَنَّ أَخًا لَهُ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يتوضأ للصلاة فِي الْبَحْرِ، فَزَلَقَ فَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ، فَجَاءَتْ موجةٌ فَغَطَّتْهُ، ثُمَّ جَاءَتْ موجةٌ فَرَفَعَتْهُ، فَقَالَ: يَا حَيُّ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ؛ ثُمَّ جَاءَتْ موجةٌ فَغَطَّتْهُ، ثُمَّ جَاءَتْ موجةٌ فَرَفَعَتْهُ، فَقَالَ: يَا حَيُّ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ؛ فَسَمِعَ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ عَبْدِي وَسَعْدَيْكَ، هُوَ ذَا أَنَا؛ فَحُمِلَ فَجُعِلَ فِي الْمَرْكِبِ.

ص: 105

43 -

وحدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَمِينَةَ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

قَالَ: ((لا تُكْثِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ الله ويبتليك)).

ص: 105

44 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ أَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. قَالَ: فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مِثْلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ قَالَ: مِثْلَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: مِثْلَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ- مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ: عُتَقَاءُ اللَّهِ)).

ص: 105

45 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:

⦗ص: 106⦘

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَدْ شَفَعَ الْمَلائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ أَوْ قَبْضَتَيْنِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا خَلْقًا كَثِيرًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا)).

ص: 105

46 -

حَدَّثَنِي رَبَاحُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ:

سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ: هُتِفَ برجلٍ وَهُوَ فِي بَعْضِ طُرُقَاتِ الشَّامِ، يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلا يَرَى أَحَدًا: يَا مَغْرُورُ، يَا مَخْدُوعُ، يَا مَخْذُولُ، يَا مَسْتُورُ، انْظُرْ فِي سِتْرِ مَنْ أَنْتَ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَاكَ فَاجْعَلِ الدُّنْيَا كُلَّهَا شَوْكًا، ثُمَّ انْظُرْ أَيْنَ تضع قدمك.

ص: 106

47 -

قَالَ: وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لِبَعْضِ الحكماء:

حَلاوَتُهَا ممزوجةٌ بمرارةٍ

وَصَفْوَتُهَا ممزوجةٌ بِقَذَاةٍ

ص: 106

48 -

قَالَ: وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ لِبَعْضِ الحكماء:

قَدِّمْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ صَالِحًا

وَاعْمَلْ فَلَيْسَ إِلَى الْخُلُودِ سَبِيلُ

ص: 106

49 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعَلَّى الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا أبو عمر الضرير، حدثني أبو سلمى مَوْلَى الْعَتِيكِ، قَالَ:

قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ الْمُهَلَّبِ: إِذَا رَأَيْتُمُ النِّعَمَ مُسْتَدِرَّةً فَبَادِرُوهَا بِتَعْجِيلِ الشُّكْرِ

⦗ص: 107⦘

قَبْلَ حُلُولِ الزَّوَالِ.

ص: 106

50 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُوسٌ الْقَاصُّ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ:

كَانَ عَسْعَسُ بْنُ سَلامَةَ جَالِسًا عَلَى شَفِيرِ قبرٍ، فَقَالَ: إِنِّي قائلٌ بيتاً من شعرٍ، فأنشأ يقول:

إِنْ تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عظيمةٍ

وَإِلا فَإِنِّي لا أَخَالُكَ نَاجِيًا

ص: 107

51 -

وأنشدنا لأبي العتاهية:

قَدْ نَغَّصَ الْمَوْتُ عَلَيَّ الْحَيَاهْ

إِذْ لا أرى منه لحي نجاه

من جاور الموت فقد أبعد الد

دار وَقَدْ جَاوَرَ قَوْمًا جُفَاهْ

مَا أَبْيَنَ الأَمْرَ وَلَكِنَّنِي

أَرَى جَمِيعَ النَّاسِ عَنْهُ عَمَاهْ

لَوْ علم الأحياء ما عاين الموتى

إِذًا لَمْ يَسَتَلِذُّوا الْحَيَاهْ

ص: 107

52 -

وأنشدني لبعض بني هاشم:

أَرَى نَفْسِي تَتُوقُ إِلَى أمورٍ

عِظَامٍ لَيْسَ يَبْلُغُهُنَّ مَالِي

فَلا نَفْسِي تُسَاعِفُنِي ببخلٍ

وَلا مَالِي يُبَلِّغُنِي فِعَالِي

ص: 107

53 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ ثَابِتٍ

⦗ص: 108⦘

الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:

ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رجلٌ قَدْ مَاتَ، فَأَحْسَنُوا عَلَيْهِ الثَّنَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((كَيْفَ كَانَ ذِكْرُ صَاحِبِكُمْ لِلْمَوْتِ؟)) قَالُوا: مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ يَكَادُ يَذْكُرُ الْمَوْتَ، قَالَ:((فَإِنَّ صَاحِبَكُمْ لَيْسَ هُنَاكَ)).

ص: 107

54 -

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:

((مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ باطلٌ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلاهَا)).

ص: 108

55 -

حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ عَطَاءٍ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ:

الْكَذِبُ يَسْقِي بَابَ كُلِّ شَرٍّ كَمَا يَسْقِي الْمَاءُ أُصُولَ الشَّجَرِ.

ص: 108

56 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رِزْقِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((قَالَ جِبْرِيلُ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: هَذَا دينٌ ارْتَضَيْتُهُ لِنَفْسِي، وَلَنْ يُصْلِحَهُ إِلا السَّخَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ)).

ص: 108

57 -

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْبَصْرِيُّ،

⦗ص: 109⦘

حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْجَنَّةُ دَارُ الأَسْخِيَاءِ)).

ص: 108

58 -

قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ:

هَذَا الشعر لأبي الأسود:

وَإِذَا طَلَبْتَ إِلَى كَرِيمٍ حَاجَةً

فَلِقَاؤُهُ يَكْفِيكَ وَالتَّسْلِيمُ

وَإِذَا تَكُونُ إِلَى لئيمٍ حاجةٌ

فَأَلِحَّ فِي رفقٍ وَأَنْتَ مُدِيمُ

وَالْزَمْ قُبَالَةَ بَابِهِ وَفِنَائِهِ

كَأَشَدَّ مَا لَزِمَ الْغَرِيمَ غَرِيمُ

حَتَّى يريحك ثم تهجر بابه

دهراً وعرضك عن فعلت سليم

ص: 109

59 -

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ:

خَتَمَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ فِي يَدَيَّ وَفِي يَدِ الْحَسَنِ وَفِي أَيْدِي النَّاسِ خَواتِيمَ فِيهَا نَقْشُ الْحَجَّاجِ.

قَالَ جَعْفَرٌ: وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا خَاتَمَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، كَانَ مِنْ حديدٍ، كَانَ لا يَلْبَسُهُ؛ فَكَانَ إِذَا دُعِيَ إِلَى الشَّهَادَةِ حَمَلَهُ فَخَتَمَ بِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَلْقَاهُ فِي البيت.

ص: 109

60 -

حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ:

⦗ص: 110⦘

أَرِقَ الْمَهْدِيُّ ذَاتَ ليلةٍ، فَإِذَا هو بهاتف يهتف من جوانب قصره:

كَأَنِّي بِهَذَا الْقَصْرِ قَدْ بَادَ أَهْلُهُ

فَأَوْحَشَ مِنْهُ رُكْنُهُ وَمَنَازِلُهْ

وَصَارَ عَمِيدُ الْقَصْرِ مِنْ بَعْدِ بهجةٍ

وملكٍ إِلَى قَبْرٍ عَلَيْهِ جَنَادِلُهْ

فَلَمْ يَبْقَ إِلا ذِكْرُهُ وَحَدِيثُهُ

يَصِحْنَ بليلٍ معولاتٍ حلائله

ص: 109

61 -

قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي صديقٌ لِي، قَالَ:

قَرَأْتُ عَلَى قصرٍ بِالْحِجَازِ عَلَيْهِ مكتوبٌ:

لِلَّهِ دَرُّكَ كَمْ بيتٍ مَرَرْتَ بِهِ

قَدْ كَانَ يَعْمُرُ باللَّذَّاتِ وَالطَّرَبِ

دَارَتْ عُقَابُ الْمَنَايَا فِي جَوَانِبِهِ

فَصَارَ مِنْ بَعْدِهَا لِلْوَيْلِ وَالْحَرْبِ

ص: 110

62 -

قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي صديقٌ لِي، قَالَ:

نَظَرْتُ إِلَى قبرٍ بِالأُبُلَّةِ عليه مكتوبٌ:

مَنْ أَبْصَرَ الْقَبْرَ رَأَى عِبَرًا

جَنَادِلا يُبْلِينَ وجهاً نضراً

ص: 110

63 -

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ:

لَمْ يَشْرَبْ دَاوُدُ شَرَابًا مِنْ بَعْدِ الْمَغْفِرَةِ إِلا وَنِصْفُهُ ممزوجٌ بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ.

ص: 110

64 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ الْخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ،

⦗ص: 111⦘

حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ:

لَمَّا أَصَابَ دَاوُدُ الْخَطِيئَةَ أَكْثَرَ فِي الدُّعَاءِ، فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لا يُسْتَجَابُ لَهُ، أَخَذَ فِي نحوٍ مِنَ النِّيَاحَةِ، فَرُحِمَ، فَغُفِرَ لَهُ.

ص: 110

65 -

حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن صالح، حدثنا الحسين ابن جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ:

قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَسْمَعْهُ شيءٌ إِلا حَجَلَ كَهَيْئَةِ الرَّقْصِ.

ص: 111

66 -

حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ أَبِي بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

كَانَ دَاوُدُ النَّبِيِّ عليه السلام يَعْمَلُ الْقُفَّةَ مِنَ الخوص، ثم يبعث فها فَيَبِيعُهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا.

ص: 111

67 -

قال: وحدثنا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، قَالَ:

كَانَ دَاوُدُ يَعْمَلُ الْقِفَافَ، ثُمَّ يَبِيعُهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَهُوَ موسعٌ عَلَيْهِ.

ص: 111

68 -

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْطَاكِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ الْمِصِّيصِيُّ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي

⦗ص: 112⦘

شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:

أَقْبَلَ أسدٌ فاغرٌ فَاهُ لِيَلْقَمَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ سوءٍ، فَأَيْبَسَ اللَّهُ لَحْيَهُ، وَصَرَفَهُ عَنْهُ.

ص: 111

69 -

حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ أبو محمد، حدثنا بقية ابن الْوَلِيدِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ حَذْلَمٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ أَبَانَ الْقُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:

أَنَّهُ خَرَجَ فِي سفرٍ لَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ إِذَا قومٌ وقوفٌ؛ فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: أسدٌ عَلَى الطَّرِيقِ قَدْ أَخَافَهُمْ. فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَيْهِ حَتَّى أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَعَرَكَهَا، ثُمَّ قَفَدَ قَفَاهُ وَنَحَّاهُ عَنِ الطَّرِيقِ؛ ثُمَّ قَالَ: مَا كَذَبَ عَلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((إِنَّمَا يُسَلَّطُ عَلَى ابْنِ آدَمَ مَنْ خَافَهُ ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يَخَفْ إِلا اللَّهَ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ابْنُ آدَمَ وَكَّلَ بَنِي آدَمَ لِمَنْ رَجَا ابن آدم، ولو أن ابن آدم لم يَرْجُ إِلا اللَّهَ لَمْ يَكِلْهُ إِلَى غَيْرِهِ)).

ص: 112

70 -

حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانُ أَبُو الْقَاسِمِ، حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن لذيذ الخطيب عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

بَعَثَنِي الرَّشِيدُ وَرَجُلا مِنَ الشِّيعَةِ وَرَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، فَكَانَ الشِّيعِيُّ يُصَفِّرُ شَيْبَهُ، وَكَانَ الْقُرَشِيُّ يُخَضِّبُ بِالسَّوَادِ، وَكُنْتُ أُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ؛ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَى مَلِكِ الرُّومِ أَدَّيْنَا الرِّسَالَةَ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: مَنْ خَطِيبُهُمْ؟ قُلْتُ: أَنَا. قال ل: هَذَا سَوَّدَ يَتَشَبَّبُ لِلْغَوَانِي، وَهَذَا صَفَّرَ غَيَّرَ زَهْوَةَ الشَّيْبِ؛ أَرَأَيْتَ أَنْتَ لَوْ خَلَقَ اللَّهُ رَأْسَكَ وَلِحْيَتَكَ أَحْمَرَ كُنْتَ تَرْضَاهُ؟ قَالَ:

⦗ص: 113⦘

فَثَرَّدَ عَلَيَّ وَاحِدَةً فَكَسَرَتْنِي، فَالْتَفَتُّ إِلَى صَاحِبِي فَقُلْتُ: إن قلنا في هذه [و] لم نجيء بجوابٍ، قَلَّنَا فِي جَمِيعِ مَا جِئْنَا لَهُ؛ ثُمَّ ثَابَ إِلَيَّ فِكْرِي.

قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ عَلَمُ الإِسْلامِ وبراءةٌ مِنَ الشِّرْكِ. قَالَ: قُلْ لَهُ: وَكَيْفَ؟ قُلْتُ: يَتَلَقَّانِيَ اللاقِي فَيَسْتَغْنِي بِالنَّظَرِ إِلَيَّ بِمَسْأَلَتِي عَنْ دِينِي، يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَتَزَيَّنُ بِهَذَا الزِّيِّ إِلا مسلمٌ. فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى بابٍ صَغِيرٍ خَلْفَ فَرْشِهِ، فَدَخَلَهُ، فَلَمْ نَرَهُ سَبْعِينَ يَوْمًا لِعِظَمِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ.

ثُمَّ بعث إلي بعد فأنس بي وإذا هُوَ مِنْ ولدٍ جَبَلَةَ بْنِ الأَيْهَمِ، وَإِذَا هُوَ أَفْصَحُ النَّاسِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَيَّامِ النَّاسِ، وَالشِّعْرِ؛ فَكُنْتُ أُسَامِرُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ يَوْمًا إِذْ قَالَ لِي: أُرِيكَ شَيْئًا لا تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ: مِثْلَهُ فِي بِلادِنَا. وَأَخْرَجَ إِلَيَّ سِتْرَ إِبْرِيسَمٍ مَنْسُوجٍ بِالذَّهَبِ، عَرْضُهُ نيفٌ وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا، فِي طُولِ مئةٍ وكسرٍ، وَلَمْ يُتِمَّ، وَإِذَا فِي آخِرِهِ قَدْرُ إِصْبَعَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَسْجِهِ، وَإِذَا فِي أَعْلاهُ مكتوبٌ سَطْرَانِ، أَحَدُهُمَا:((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِمَّا عُمِلَ لِسَامِ بن نوح)) والسطر الثاني:

مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا

دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ

إِلا لِنَقْلِ السُّلْطَانِ مِنْ ملكٍ

عاتٍ شَدِيدِ الْقُوَى إِلَى مَلِكِ

قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: شيءٌ تَوَارَثَهُ مُلُوكُ الرُّومِ، وَلَيْسَ مِنَّا أحدٌ يَقْدِرُ عَلَى إِتْمَامِهِ. قُلْتُ: فَمَا هَذَا الْقَلِيلُ فِي آخِرِهِ لا يُشْبِهُهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبِي رَامَ أَنْ يُتِمَّهُ، فَصَنَعَ هَذَا، فَلَمَّا رَآهُ لا يُشَاكِلُهُ تَرَكَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ طِرَازًا يُعْمَلُ لَهُ فِي كُلِّ قليلٍ مِثْلُ هَذَا عدةٌ. قَالَ: قَدْ جئتني بحؤر الْعَرَبِ، اكْتُبْ فَلْيَأْتِنِي مِثْلُ هَذَا، وَلَكَ عَلَيَّ مَا تَسْأَلُ.

⦗ص: 114⦘

فَخَرَجْتُ فَبَادَرْتُ بِالْكِتَابِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِصَّةِ وَبِصِفَةِ الثَّوْبِ؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَعَثَ إِلَيْنَا بِمِثْلِهِ.

فَعَظُمَ ذَلِكَ فِي صَدْرِهِ؛ فَإِنِّي مَعَهُ جالسٌ إِذْ قَالَ لِي: بَقِيَتْ واحدةٌ لا تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لِي: عِنْدَنَا مِثْلُهُ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: رجلٌ لا تقدر على ما يَضَعُ خَدَّهُ إِلَى الأَرْضِ. قُلْتُ: أَرِنِيهِ.

قَالَ: فَدَعَوْا برجلٍ لَمْ أَرَ كَهَيْئَتِهِ، فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لا أَحْسَبُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، فَكَيْفَ عِنْدَنَا؛ ثُمَّ حَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى أَنْ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لَقَدْ جِئْتَنِي بحؤر العرب، إن قدرت على من يضع خداً ذَا إِلَى الأَرْضِ فَلَكَ عَلَيَّ مَا شِئْتَ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَبَصُرَ بِي بَعْضُ الْمُكَارِيِّينَ، فَقَالَ لِخَادِمٍ لِي: مَا قِصَّةُ مَوْلاكَ؟ قَالَ: قَالَ لَهُ مَلِكُ الرُّومِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ لَهُ الْمُكَارِيُّ: ادْخُلْ فَقُلْ لِمَوْلاكَ: أَنَا أَضَعُ خَدَّهُ إِلَى الأَرْضِ؛ فَدَخَلَ إِلَيَّ الْغُلامُ، فَأَخْبَرَنِي. قُلْتُ: محالٌ، وَمَا عَلَيَّ أَنْ أَدْعُوَهُ. قَالَ: فَيَدْخُلُ إِلَيَّ رجلٌ مربوعٌ ملززٌ، سَكَنَ قَلْبِي إِلَيْهِ حِينَ رَأَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ، إِنَّهُ أَعْظَمُ مِمَّا تَرَى. قَالَ: فَدَعْهُ يَكُونُ نُمْرُودَ. قُلْتُ: فَاعْمَلْ عَلَى أَنْ تَغْدُوَ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ.

فَغَدَوْتُ مَعَهُ وَهُوَ مَعِيَ، حَيْثُ رَآنِيَ الْمَلِكُ فضحك؛ فقلت لبعض من معنا من المكارين: تَضَعُ خَدَّ ذَا إِلَى الأَرْضِ؟ فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: جورٌ كُلُّ ذَا. قُلْتُ: لا عَلَيْكَ، قَدْ أَحْضَرْتُهُ، فَابْعَثْ فَأَحْضِرْ [صَاحِبَكَ، فَأَحْضَرَ] صَاحِبَهُ وَاجْتَمَعَتِ الْبَطَارِقَةُ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرَّهَابِنَةُ، وَحَضَرَ الرُّومِيُّ، وَأُمِرْتُ بِإِدْخَالِ الْمُكَارِيِّ وَإِنَّ قَلْبِي لَشَدِيدُ الْخَفَقَانِ، وَلَقَدْ قَدَرْتُ الرُّومِيَّ، وَالْمُكَارِيَّ فَرَأَيْتُ فِيهِ مِثْلَهُ أَرْبَعَةً؛ وَأَقْبَلَ الرُّومِي يَتَضَاحَكُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرومي: هاهنا ثلاثٌ؛ إِمَّا أَنْ تَضْرِبَنِي أَوْ أَضْرِبَكَ، أَوْ تثبت لي حتى آخذك أَثْبُتَ لَكَ، أَوْ فَتَأْخُذَ أَيُّنَا أَخَذَ صَاحِبَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُكَارِيُّ: هَذَا أَنَا فَاضْرِبْ حَيْثُ شِئْتَ، ثُمَّ مَكِّنِّي.

قَالَ: ثُمَّ أَقْعَى؛ فَرَأَيْتُهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. قَالَ: وَحَسَرَ الرُّومِيُّ عَنْ ذراعٍ كَأَنَّهَا أُسْطُوَانَةُ رخامٍ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَضَرَبَ الْمُكَارِيَّ وَزَوَى لَهُ رَأْسَهُ فَوَقَعَتِ

⦗ص: 115⦘

الضَّرْبَةُ عَلَى فَرْدِ قَرْنِهِ، فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَظَنَنْتُ -وَاللَّهِ- أَنَّهَا نَفْسُهُ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ يُكَبِّرُونَ. قَالَ: وَغَمَزْتُ غُلامِي، فَجَاءَ بِكُوزِ ماءٍ، فَرَشَشْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أُفَدِّيهِ، فَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ لِي: لا عَلَيْكَ أَبَا عُثْمَانَ، أَنَا بِكُلِّ خيرٍ، مَا فَعَلَ صَاحِبِي؟ قُلْتُ: هَا هُوَ ذَا، فَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ -وَاللَّهِ- آخُذُ طَائِلَتِي. قُلْتُ: دَعْهُ الْيَوْمَ إِلَى غدٍ، أَوْ تَرْجِعَ إِلَيْكَ نَفْسُكَ. قَالَ: لا وَاللَّهِ، لا أَبْرَحُ حَتَّى آخُذَ طَائِلَتِي. فَقَامَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ، وَيَطْلُبُ الرُّومِيَّ، وَالرُّومِيُّ يَتَضَاحَكُ بِهِ، وَعَظُمَ فِي صُدُورِهِمْ سُرْعَةُ قِيَامِهِ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ تَلِفَ، فَقَالَ لَهُ: أَمْكِنِّي، فَتَرَبَّعَ الرُّومِيُّ مُسْتَهْزِئًا بِهِ. قَالَ: اضْرِبْ حَيْثُ شِئْتَ. فَضَرَبَ فَكَّيِ الرُّومِيِّ، كَأَنِّي -وَاللَّهِ- أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا يَلُوحَانِ مِنْ نَاحِيَةٍ؛ وَرَكِبَ الرُّومِيُّ رَأْسَهُ مَيْتًا، وَنَخَرَتِ الْبَطَارِقَةُ وَنَعَرُوا بِأَجْمَعِهِمْ، وَوَثَبْتُ، فَلَمْ يَكُنْ هِمَّتِي إِلا خَلاصُهُ حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، وَقَضَيْنَا سَفَرَنَا.

فَإِنِّي لَعِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمًا إِذْ دَخَلَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ، فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً كَافِيَّةً فِي وسطها:

مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلا

دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ

إِلا لِنَقْلِ السُّلْطَانِ مِنْ مالكٍ

عَاثَ [فِي] الدُّنْيَا إِلَى مَلِكِ

قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْرِفُ -وَاللَّهِ- بَيْتَيْنِ مِنْهُمَا؛ وَضَرَبْتُ بِيَدَيَّ إِلَى خُفِّي، فَأَخْرَجْتُ رُقْعَةً مِمَّا فِيهَا. فَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَعْلَمُ أَنَّ لِي ثَلاثَ نسوةٍ، وَأَنَّكَ مَا جَرَّبْتَ عَلَيَّ كَذِبًا؛ ثُمَّ انْدَفَعَ فَحَلَفَ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ أَنَّهُ مَا سَمِعَ بِهِمَا قَطُّ، وَلا سُمِعَا مِنْهُ قَبْلَ وَقْتِهِ. فَقَالَ الرَّشِيدُ: قَدْ يَكُونُ الاتِّفَاقُ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ الْمَلِكِ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى قِصَّةِ الْمُكَارِيِّ، فَدَعَا بِهِ فَقَوَّدَهُ عَلَى ألفٍ، وَجَعَلَ لَهُ خَاصَّةَ ألفٍ، وَوَلاهُ قم.

ص: 112

71 -

قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَزِيدٍ، قَالَ:

⦗ص: 116⦘

سَمِعْتُ أعرابياً ينشد في الشيب والخضاب:

يَا بُؤْسَ مَنْ فَقَدَ الشَّبَابَ وَغُيِّرَتْ

مِنْهُ مَفارِقُ رَأْسِهِ بِخِضَابِ

يَرْجُو غَضَارَةَ وَجْهِهِ بِخِضَابِهِ

ومصير كل عمارةٍ لخراب

إن وَجَدْتُ أَجَلَّ كُلِّ مصيبةٍ

فَقْدَ الشَّبَابِ وَفُرْقَةَ الأحباب

آخر كتاب الديباج، وصلى الله على محمد، والحمد لله وحده.

ص: 116