المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأساليب العقائدية ومنهج القرآن في تقريرها: - أساليب الدعوة إلى الله في القرآن الكريم - جـ ٤٩

[أبو المجد سيد نوفل]

الفصل: ‌ الأساليب العقائدية ومنهج القرآن في تقريرها:

"ها أنت جميلة يا حبيبتي، فمك حلو، خدك كفلقة رمانة

" "الإصحاح الرابع".

"صوت حبيبي قارعا افتحي يا أختي يا حبيبتي، يا حمامتي قد خلعت ثوبي كيف ألبسه قد غسلت رجلي فكيف أوسخها.. حبيبي مد يده من الكوة فأنت عليه أحشائي، حبيبي بطنه عاج.. ساقاه عمود رخام.. حلقه حلاوة، وكله مشتهيات..""الإصحاح الخامس".

وهكذا. كتاب ديني، مقدس عند اليهود والنصارى، وهو المرجع الأساسي للديانتين معاً، يقوم على أشعار، وإصحاحات، وعبارات.. من هذا النمط الرخيص المتقدم!!! غزل فاضح، وعبارات مستهجنة، وتصورات جنسية سافلة

!!!

فهل بعد هذا يتعجب متعجي من الدعوة اليهودية إلى التحلل، والإباحية، ونشر الدعارة والفسوق، وإذاعة الرذيلة.. في العالم كله.. على يد كتابهم ومؤلفيهم ورؤسائهم وفلاسفتهم.. وعلى يد فرويد.. وغير فرويد!!!

ومن تحلل في أوربا وأمريكا، وسائر المجتمعات التي تدين بالمسيحية.. ولا تجد غضاضة في إظهار عورات النساء أمام الأجانب، والعلاقات الحرام بين الأنثى والذكر.. والسقوط الخلقي السافر الذي يسود هذه المجتمعات الآثمة الضالة؟؟؟!!!

إن القوم يخلصون لكتابهم، ويحكمون شريعتهم فيما بينهم، وينشرونها على الناس!!!! ولكن: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

إن أساليب الوحي السماوي تفيض حياءً، وأدباً، وعفة.. في ألفاظها، وعباراتها ومعانيها. وهي نور وهداية إلى الخير والفضيلة

ولا صلة لها البتة بالتغزل في أفواه النساء، وخدودهم وبطونهن، وحلوقهن، وسيقانهن، وشهواتهن

على الوجه الحرام الذي يخدش الحياء، ويزري بالفضيلة ويهدم البناء الخلقي الصالح إلى آخر ما جاءت به أساليب اليهودية والنصرانية معاً!!!

ص: 133

4-

‌ الأساليب العقائدية ومنهج القرآن في تقريرها:

ونأخذ الآن في أساليب الدعوة في القرآن الكريم بادئين بالأساليب العقائدية فنقول: لقد بدأ ت الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة المكية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى العقيدة الإسلامية وتقريرها، وتثبيتها في القلوب، واستمرت على هذا النحو طوال هذه المرحلة، والمرحلة التالية وهي المرحلة المدنية، وستظل كذلك إلى ما شاء الله تعالى.

ص: 133

ولا بدع في ذلك: إذ أن البدء بغرس العقيدة في النفس كالبدء بغرس الحبة في الأرض، وهو أول عمل يقوم به من يريد أن يحصد الزرع المثمر. ولا ريب أن ثمار العقيدة هي الأخلاق وتكوين حماة الدعوة وأبطالها، وتربية جنود الإسلام على الصبر والثبات، والتضحية، والصدق والجهاد في الله حق جهاده، لنشر راية الإسلام والدفاع عنها.

وهذا هو ما حدث في الماضي البعيد، على يد الأنبياء والرسل والهداة.. وفي الماضي القريب على يدي النبي الخاتم صلوات الله عليه وسلامه، ويحدث في مختلف مراحل التاريخ على يد دعاة الإسلام الذين لا يبدؤون دعواتهم إلا بالدعوة إلى التوحيد الخالص ومحاربة الشرك والوثنية في شتى صورها. وهذه هي الدعوات الناجحة التي تستقيم بعدها أحوال العباد.

ولقد شبه القرآن الكريم تمكن (لا إله إلا الله) من قلب المسلم، وإثمارها الفضائل والعمل الطيب.. في سائر الأوقات ما دامت على هذا النحو. بالشجرة الطيبة الثابتة الجذور فهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم آية 24-25) .

ولعظيم شأن العقيدة في النفوس، وما يترتب عليها من آثار خطيرة في سائر حياة الإنسان.. فلقد استحوذت أساليبها على نصيب كبير في القرآن الكريم، بل كادت أن تكون كله، إذ أنه ما من جزء أو سورة، أو آية خلت من الدعوة إلى العقيدة صراحةً أو ضمناً.

ولقد جاءت هذه الأساليب متنوعة، وبهذه الكثرة.. لتقرير العقيدة وتثبيتها

من ناحية وبيان أهدافها وأغراضها وآثارها من ناحية أخرى. واتخذ القرآن لبيان ذلك طريقين:

أحدهما: إيجابي، وهو يتمثل في بيان العقيدة الصحيحة، وتفصيل عناصرها، والاستدلالات عليها وبيان آثارها، وصفات أهلها

وثانيهما: سلبي، ويتمثل في بيان العقائد الفاسدة، وأنواعها، والاستدلال على فسادها وبيان آثارها، وما يتصف به أهلها

ومن هنا نستطيع القول بأن منهاج عرض العقيدة الإسلامية في القرآن إنما هو منهج كامل واضح، وذلك بتجلية العقيدة بالطريق الإيجابي المتمثل في بيانها وتفصيل أمرها.. ثم بإيراد ما يضادها من العقائد الأخرى الفاسدة، والقرآن بهذا يضع الحقيقتين المتضادتين بجانب بعضهما، ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويتضح الليل من النهار، والعمي من الإبصار.. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ..} (الأنفال آية 42) .

ص: 134

وبضدها تتميز الأشياء وهكذا لم يعد هنا عذر لمعتذر، ولا ريبة لمرتاب، إلا من ختم الله على قلبه وجعل الغشاوة على سمعه وبصره.

ولنضرب بعض الأمثال على ما ذكرنا فيما يلي:

فمن الطريق الأول: قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ

} (البقرة آية 285) .

وقوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} (النبأ آية 17-23) .

وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر آية 49) .

وهو لبيان العقيدة، وبيان عناصرها، من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حلوه ومره.

وقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر آية 22-24) .

وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الإخلاص) . وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى آية 11) .

وهو لبيان بعض صفاته تعالى، وعلى رأسها الوحدانية، وأنه عز وجل له الأسماء الحسنى وليس كمثله شيء، و:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس آية 82) . وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض} (المؤمنون آية 91) .

وقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ

} (يس آية 78-79) .

وهو للاستدلال على الوحدانية والبعث.

وقوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البقرة آية 1-5) .

ص: 135

وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ

} (التوبة آية 71) .

وهو لبيان صفات أهل هذه العقيدة، فهم المهتدون بالقرآن، المتقون لربهم، المقيمون الصلاة، والمؤتون الزكاة، والمؤمنون بكل ما أنزل الله، والعاملون للآخرة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والمطيعون لله ورسوله.

وقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً

} (النور آية 55) .

وقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً

} (نوح آية 9-12) .

وهو لبيان أثر العقيدة في الدنيا، من الاستخلاف في الأرض، وتمكين الدين، والقوة والأمن..

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (الأنبياء آية 101-103) .

وهو لبيان أثر العقيدة في الآخرة، فالمؤمنون مبعدون عن النار، خالدون في النعيم مستمتعون بما تشتهيه أنفسهم، لا يعتريهم ألم ولا حزن، وهم في جنات عدن ورضوان من الله أكبر.

ومن الطريق الثاني: قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} (الرعد آية 14) .

وقوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} (الأنعام آية 100) .

وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت آية 41) .

ص: 136

فالمشركون بالله غيره من الأصنام، والأوثان، والجن، والناس، وغيرهم

على ضلال وعمى، وجهل وغباء.. إذ أنهم يعبدون مالا قدرة له على عمل أي شيء إذ أنه فاقد القدرة والاستطاعة. فأنىّ له ذلك وهو الضعيف الذي لا يمد معبوده بأي نفع، ومن ابتغى نفعاً عند غير الله فكمن يضع كفيه في الماء لتحملا الماء ليشرب. لكن أنىّ له ذلك ويداه مبسوطتان فهيهات هيهات أن يحملا له ماء أو يذهبا عنه ظمأ، وهو كمثل من يحتمي بالضعيف الواهن الذي لا قدرة له على شيء أصلا.

وهو لبيان بعض العقائد الفاسدة وهو الشرك، والاستدلال على فساده وقوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة آية 30-31) .

وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة آية 73) .

وهو لبيان بعض عقائد أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين ينسبون الولد لله سبحانه وتعالى، ويتخذون الإنسان ولياً ورباً، ويعبدون مع الله آلهةً أخرى وهاهم النصارى يكفرون بالله ويقولون عنه أنه ثالث ثلاثة. مع أن الجميع مأمورون بعبادة الإله الواحد، وقد أنذروا من الانحراف عنها.

وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (البقرة آية 204-206) .

وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ..} (البقرة آية 8-10) .

وهو لبيان عقيدة النفاق التي تجعل صاحبها يظهر مالا يبطن، وظاهره حسن، وباطنه سوء، ظاهره الإسلام وباطنه الكفر، يسعى في الأرض فساداً ويهلك الحرث والنسل كدأبه في الحياة، يحسب نفسه على كل شيء لكنه مخدوع مريض فحسبه جهنم ولبئس المهاد.

ص: 137

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

} (البقرة آية 6-7) .

وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (البقرة آية 96) .

وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة آية 78-79) .

وقوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة آية 67) .

وهو لبيان بعض صفات المشركين الذين قست قلوبهم وصمت عن سماع الحق، وبعض صفات أهل الكتاب من اليهود الذين يعبدون المادة ويحرصون على المال بل هم أحرص الناس على حياة ولهذا فهم يكرهون الموت خوفاً من العذاب ولكن هيهات. وبعض صفات المنافقين الذين يسعون في الأرض فساداً حيث ينهون عن المعروف ويأمرون بالمنكر ويدعون إلى الباطل.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور آية 39-40) .

وقوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (آل عمران آية 112) .

وقوله تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة آية 55) .

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (التوبة آية 107) .

ص: 138

وهو لبيان آثار العقائد الفاسدة، فالكفار لا وزن لأعمالهم، ولو عملوا خيراً فلا اعتداد به، وهم في ضلال وعمىً لأنهم عبدوا غير الله.

أما اليهود فهم الأذلاء ولو كان معهم أقوى الناس، والله لا يمدهم بصره ولو ملكوا كل أسباب القوة المادية، وهم العصاة الفسقة الذين باءوا يغضب من الله.

وكذلك المنافقون، يعذبهم الله بأموالهم وأولادهم بسبب نفاقهم وسعيهم بين الناس بالفساد، وهم الكاذبون في أعمالهم ولو كان منها بناء المساجد لأنهم يتخذونها رياءً وسمعةً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله.

وهذه آثار العقائد الفاسدة في الدنيا، أما آثارها في الآخرة ففي قوله تعالى:

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأنعام آية 179) .

وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (المائدة آية 36-37) .

وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} (النساء آية 145) .

وهكذا يسير القرآن الكريم في عرض منهج العقيدة، داعياً إلى التوحيد، وناهياً عن الشرك والعقائد الفاسدة، ومبيناً آثار كل منها ليتميز الخبيث من الطيب، وتتضح الحقائق كاملة لا شائبة فيها.

(يتبع)

ص: 139