الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
المحقق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما.
أما بعد، إن كلمة التوحيد كانت ولا تزال إلى أبد الآبدين في السمو والمقام العالي، الذي تتضاءل أمامه سهام المناوئين لها وترجع إليهم خاسئة، ولكنها سنة الله أن ينقسم الناس إلى فريقين: فريق هدي إلى الاعتقاد الصحيح في هذه الكلمة الطيبة وارتفع إلى مقامها العالي، ومن ثم أخذ يذب وينافح عنها، كل فرد على حسب ما آتاه الله من علم وأسباب؛ وفريق ضل في مفاوز الشرك والبدع المهلكة، وأخذ يوجه من سفله حيث دركات الهوى، سهاماً خبيثة إلى الفريق الآخر، راغباً أن يطفئ نور هذه الكلمة الطيبة بظلام جهله، ولكن هيهات أن يتم له ذلك، فإنه سبحانه قضى {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]
ونحن في هذا الكتاب في صدد عرض مشهد من مشاهد هذه الحرب الضروس التي بدات بنزول آدم إلى الأرض وتنتهي بنهاية الدنيا، حيث الفريق الول أثر جهاده وصبره في الدنيا، على أذى الفريق
الآخر له. وفارس هذا المشهد هو الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين، مفتي الديار النجدية، رحمه الله، وهو من الأخفياء الذين لا يعرف عند كثير من طلبة العلم فضلاً عن العامة، خاصة هنا في مصر.
وفيه، يقطع بسيف علمه خيوط العنكبوت من الضلالات والشبهات الواهية التي نسجها البوصيري في بردته المشهورة، عند العامة، خاصة هنا في مصر، حيث يجد أرباب الصوفية والدجالين سوقاً نافقاً لنشر بضاعتهم الكاسدة من أمثال هذه البردة.
والجهاد بسيف الكلمة والبيان سلاح قوي يرد الله به كيد الأعداء، وهو السلاح الماضي إلى يوم القيامة لأهل الحق: الطائفة المنصورة، أصحاب الحديث والأثر، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ليس له سلاح غيره.
وصاحب البردة: البوصيري، وُلِد ببلاد المغرب مما يعطي إيحاءً عن اتصاله بدولة العبيديين المسماة بدولة الفاطميين، هذه الدولة التي تعد فجوة في دول الإسلام، ولم يعتبرها الحافظ ابن كثير من دول الخلافة الإسلامية.
وقد كان البوصيري شاعراً من الشعراء، ولم يكن من أهل العلم الشرعي، لذلك ضلت به المفاوز فانتسب إلى الطريقة الشاذلية الصوفية المنسوبة إلى أبي الحسن الشاذلي المغربي، وله أوراد مبتدعة تحتوي على توسلات بدعية شركية، وغلو في النبي صلى الله عليه وسلم شأن كل الطرق الصوفية،
وعلى منوالها جاءت البردة، ومن هذا التأريخ الموجز، نفهم من أين نبع الغلو والانحراف في هذه البردة؟ وقد رويت في سبب تأليف البردة قصة وهمية خرافية لا نعلم لها سنداً ولا خطاماً.
وينبغي على المسلم الواعي أن لا يقبل حديثا أو أثراً أو قصةً أو خبراً إلا بالتبين من صحة نسبته إلى قائله، ولا يتأتى هذا إلا بالنظر في إسناده لمعرفة حال رواته من ناحية الاحتجاج بهم من عدمه، فإن كان ليس من أهل النظر في الأسانيد، فليرجع إلى المختصين في علم الحديث من أهل السنة فيسألهم إعمالاً لقوله تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . وينبغي على طالب النجاة والسلامة أن يتحرى علماء السنة، ولا يغامر بدينه مع علماء الفرق المبتدعة من الصوفية وغيرهم، كما قال ابن سيرين- رحمه الله:"إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم"1.
وكما قال عبد الله ابن المبارك رحمه الله: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"2.
وقد أجاد الشيخ أبو بطين- رحمه الله في تفنيد شبهات الخصم،
"1" أثر صحيح: أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه"1/14"، والترمذي في آخر الشمائل المحمدية"397"،والدارمي في سننه [424] ، والخطيب في الكفاية في علوم الرواية"1/122".
"2"أثر صحيح: أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه "1/15"، قال: حدثني محمد ابن عبد الله بن قهزاد سمعت عبدان بن عثمان سمعت عبد الله بن المبارك به.
وبيان جهله في بعض المواضع، وذلك بالحجة والبرهان، وبالرجوع إلى الأصول الصافية المتلقاة من سلفنا الصالح. والمحور الذي تدور عليه البردة هو الغلو الشديد في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ورفعه فوق مرتبة البشرية، ودعاؤه والاستغاثة به، مما هو مناقض للتوحيد الذي ظل الرسول صلى الله عليه وسلم طوال فترة بعثته يعلمه لأصحابه، ويسد كل الأبواب التي قد تخدشه.
وألفت النظر أيضاً إلى أن شأن البوصيري هو شأن سائر الشعراء الذين وصفهم الله في كتابه: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعر:224-227] .
وبالنظر إلى حال بعض الصحابة الذين اشتغلوا بالشعر أمثال: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة ندرك مدى البون الشاسع بين الذين يوظفون علمهم بالشعر في نصرة التوحيد والسنة، وبين الذين يهيمون في أودية البدع والغلو.
ولقد نافح حسان بن ثابت رضي الله عنه بشعره كثيراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه أبداً أنه قد غلا في الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حياته ولا بعد موته، وقد وصفه في أشعاره بجميل الأوصاف وأظهر سجاياه بأعذب الألفاظ بغير غلو، ودون أن يرفعه إلى مرتبة الإلهية، ودون أن يتوسل به في دعائه أو
يستغيث به، أو يسمه بسمات الربوبية، كما فعل البوصيري في هذه البردة، وعلى المصر على اعتماد الغلو والشرك في وصفه للرسول صلى الله عليه وسلم، أن يأتينا بسلفه من الصحابة الذين حذو حذوه ويأتينا بطرف من أشعارهم، ولن يجد، وها هي أشعار حسان بن ثابت في الصحيحين وغيرهما، لا تجد فيها عوجاً عن سبيل الاعتدال، ولا غلواً.
وعلى الله قصد السبيل، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
كتبه
خالد بن محمد فهمي بن عثمان
القاهرة-مصر
يوم الاثنين الخامس عشر من ربيع الأول 1423هـ.
ترجمة موجزة للمصنف
1-
اسمه ونسبه:
هو العلامة: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلطان بن خميس وكنيته: أبو عبد الرحمن، ولقبه: أبو بطين، بضم الباء وفتح الطاء، وهو تصغير "بطن" من عائذ من عبيدة من قحطان القبيلة المشهورة.
2-
مولده:
ولد في بلدة"روضة سدير" من قرى سدير، وذلك في "20"من ذي القعدة عام 1194هـ.
3-
نشأته:
نشأ-رحمه الله في أسرة ذات علم وفضل ودين، ووالد جده: الشيخ: عبد الرحمن بن عبد الله بن سلطان، كان من أهل العلم بالفقه، وألف فيه كتاباً سماه: المجموع فيما هو كثير الوقوع. وقد قرأ أبو بطين- رحمه الله على والده القرآن وحفظه، مما كان له أثر طيب في تلقيه العلوم الشرعية بعد.
4-
طلبه للعلم وشيوخه:
بعد حفظه للقرآن، قرأ على عالم "روضة سدير" في وقته: الشيخ: محمد الدوسيري، ولازمه في الأصول والفروع والحديث. ثم ارتحل إلى
"شقراء" عاصمة إقليم الوشم وقرأ على قاضيها الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الحصين في التفسير والحديث والفقه وأصوله وأصول الدين حتى برع في ذلك كله، وهو أكثر مشايخه نفعاً له. ثم انتقل إلى الدرعية في نجد، حيث كان انتعاش العلم بوجود الإمام: محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله ومنهم الشيخ: عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب، وكذا الشيخ العلامة: أحمد بن حسن بن رشيد العفالقي الأحسائي الذي أجاز أبا بطين في جميع مروياته. ثم لما تولى القضاء في الطائف في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز الكبير، طلب علم النحو على السيد حسين الجعفري.
5-
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: لقب الشيخ- رحمه الله بـ"مفتي الديار النجدية" وهذا لقب عالي لا يحصل عليه إلا العلماء الأفذاذ. وممن أثنى عليه: المجدد الثاني للدعوة السلفية في نجد: الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، وذلك في بعض مراسلاته العلمية معه، وطلب منه أن يكتب رداً على من غلط في معنى"لا إله إلا الله".
وكذا أثنى عليه مجموعة من تلامذته ثناءً عظيماً مما يدل على علو مكانته العلمية، ونذكر شيئاً من هذا الثناء وهو قول تلميذه ابن حميد صاحب السحب الوابلة ومفتي الحنابلة في الحرم المكي في زمانه عند ترجمته للشيخ: "عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين فقيه الديار
النجدية في القرن الثالث عشر بلا منازع
…
وقال: وبموته فقد التحقيق في مذهب الإمام أحمد فقد كان فيه آية....
6-
وفاته:
توفي- رحمه الله في آخر شهر ذي القعدة عام 1326هـ، رحمه الله رحمة واسعة، ونفعنا بعلمه*.
* قمت بتلخيص ترجمة الشيخ- رحمه الله من الدراسة التي قام بها الشيخ: علي بن محمد بن عبد الله بن عجلان، حول حياة الشيخ وآثاره وجهوده في نشر عقيدة السلف، والذي ألحق معه رسالة الرد على البردة. وهي النسخة التي اعتمدناها وقمنا بتحقيقها.