المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر الرق في الإسلام: - الرق في الجاهلية والإسلام - جـ ٥٢

[إبراهيم محمد حسن الجمل]

الفصل: ‌أثر الرق في الإسلام:

تحرير كل العبيد لاهتز كيان العالم وفسدت المصالح وتعطلت حاجات الناس، وما استطاعوا في ذلك الوقت أن يأخذوا سيرهم في الحياة، فكانت الظروف الاجتماعية التي كانت موجودة عند ظهور الإسلام تحتم على كل مشرع حكيم أن يقر الرق في صورة ما، وتجعل محاولة إلغائه تصاب بالفشل والإخفاق.

وأيضا فإن الإسلام لم يقر الرق إلاّ في صورة تؤدي نفسها إلى القضاء عليه بالتدريج.

يقول الأستاذ د. علي عبد الواحد وافي: "ظهر الإسلام في عصر كان نظام الرق فيه دعامة ترتكز عليهما جميع نواحي الحياة الاقتصادية، وتعتمد عليها جميع فروع الإنتاج في مختلف أمم العالم، فلم يكن من الإصلاح الاجتماعي في شيء أن يحاول مُشرّع تحريمه تحريما باتا لأول وهلة؛ لأن محاولة كهذه كان من شأنها أن تعرض أوامر المشرع للمخالفة والامتهان، وإذا أتيح لهذا المشروع من وسائل القوة والقهر ما يكفل به إرغام العالم على تنفيذ ما أمر به فإنه بذلك يعرض الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهزة عنيفة، ويؤدي تشريعه إلى أضرار بالغة لا تقل في سوء مغبتها عما تتعرض له حياتنا في العصر الحاضر إذا الغي بشكل مفاجىء نظام البنوك أو الشركات المساهمة فيكون ضررها أكثر بكثير من نفعها"1.

ولقد استخدم الإسلام في بعض الأحيان طريق التدرج في تحريم الخمر، وقد كان العرب من أكثر الناس تناولا لها، فلو حرمت مرة واحدة لأدى ذلك إلا تفكك المجتمع وتمسك البعض بها. فبين الشارع الحكيم ضررها أولا ولم يحرمها في بادئ الأمر ثم حرمها عند إرادة الصلاة {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء الآية 43) .

وفي المرتين امتنع بعض الناس عن تناولها ثم بعد ذلك حرمها مطلقا.

{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة الآية 90) .

ثم يقول الأستاذ د. عبد الواحد وافي: "وبذلك كفل الإسلام القضاء على الرق في صورة سليمة هادئة وأتاح للعالم فترة للانتقال يتخلص فيها شيئا فشيئا من هذا النظام"2.

1 حقوق الإنسان في الإسلام ص140.

2 حقوق الإنسان ص 141.

ص: 91

‌أثر الرق في الإسلام:

كان سبب الرق في الإسلام وقوع الكافر أَسيرا في يد المسلمين عند الحرب، فإذا حارب المسلمين الكفارُ فمن وقع أسيرا في يد المسلمين عند الحرب جاز للإمام أن يسترقه

ص: 91

رجالا كانوا أو نساء وكان الأرقاء يوزعون على المسلمين غنائم حرب كما نص عليه الشرع الحكيم وكما جاء في القرآن الكريم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنفال الآية 41) .

ولما كان الإسلام يستبيح الرق في حالة الحرب، وقد انتصر في المعارك التي خاضها في أول العهد بالدعوة فقد كثر الأسرى والرقيق، وكان وجودهم مع العرب بالكيفية التي حث الإسلام على اتباعها معهم له أكبر الأثر في عملية المزج بين العرب وغير العرب حيث فتحت بلاد كثيرة من غير العرب في الشام والعراق وبلاد فارس ومصر وشمال إفريقيا على مر العصور والأزمنة.

ووجد العرب في الإماء والرقيق خير عون على الحياة، وتزوج كثير من الأرقاء- بعد عتقهم- بالعربيات، ولم يروا في ذلك عيباً ولا غبار عليه، وبالتالي تسرى وتزوج كثير من العرب بالإماء من غير العرب وحصل مزج كان له أكبر الأثر في الحياة العقلية، ودخل البيت العربي عناصر فارسية، ورومانية، وسورية، ومصرية، وبربرية، وبطريق التناسل اختلط الدم العربي بغيره من الدماء، فأنتج أعظم العقول المفكرة.

يقول الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار: "إن الصحابة رضي الله عنهم لما أتوا المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد ملك الفرس، فباعوا السبايا وأمر عمر ببيع بنات يزدجرد أيضا، فقال له علي بن أبي طالب: إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن، فقال: كيف الطريق إلى العمل معهن؟ قال يُقَوّمن، ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن، فقوّمن فأخذهن علي بن أبي طالب فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق فأولد عبد الله بن عمر ولده سالما وأولد الحسين زين العابدين وأولد محمد ولده القاسم فهؤلاء الثلاثة بنو خالة وأمهاتهم بنات يزدجرد"1.

ويقول المبرد في كتابه الكامل: "وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم علي بن الحسين وقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ففاقوا أهل المدينة فقها وورعا فرغب الناس في السراري" 2

ويقول أحمد أمين رحمه الله: "هؤلاء الأرقاء والموالي أنجبوا في الجيل الثاني لعهد

1 فجر الإسلام ص108،الطبعة الحادية عشر. النهضة.

2 فجر الإسلام ص109،الطبعة الحادية عشر. النهضة.

ص: 92

الفتح عددا عديدا، يعد من بعد، من سادات التابعين وخيرة المسلمين، ومن حملة لواء العلم في الإسلام" 1ولما كان عدد الزوجات في الإسلام مقيدا بالأربع وليس مقيدا بالنسبة للإماء، فقد عاشر المسلمون كثيرا من الإماء، وأنجبوا كثيرا من الأولاد والبنات وكثيرا ما كان العرب ينجبون لأنهم يفتخرون بكثرة الأولاد وبذلك اختفى النظام القبلي الذي كان أساس المجتمع العربي من القديم، ولم يقيموا وزنا للدم العربي، ولم يعد لانتقاء الزوجة العربية أي أثر، ووصل بعد ذلك الذين أمهاتهم من الرقيق إلى الخلافة مثل يزيد الثالث في الخلافة الأموية فإن أمه غير عربية، فقد كانت فارسية أسرها القائد قتيبة في الصغد ثم أهداها إلى الوليد فولدت له يزيد.

وكذلك العباسيون فالمنصور ابن أمة من البربر والمأمون ابن أمة فارسية، ومثله الواثق والمهتدي، وكانت أم المنتصر يونانية أو حبشية، وأم المستعين صقلية وأم المكتفي والمقتدر كانتا تركيتين وأم المستضئ أرمنية، وكانت الخيزران نفسها أم الرشيد أجنبية وهي أول امرأة اضطلعت بسلطة واسعة في شئون الدولة العباسية 2.

ولقد أثر الرقيق في حياة الدولة في جميع مناحي الحياة السياسية والدينية والعلمية والأدبية، توصل بعضهم إلى الوزارة والكتابة إلا أن الدولة اتجهت بالرقيق غير الاتجاه الإسلامي الصحيح فدخلوا في سوق النخاسين يشترون العبيد المخطوفين والمنهوبين، والذين يؤتى بهم بطريق غير شرعي، فاشتروا كثيرا من العبيد من أوروبا وأطلقوا عليهم المماليك، ووصل إليهم الكثير من بلاد الروم وغيرها من الصرب والممالك المجاورة ومن بلاد فارس، واتخذوا منهم العسكر والجيوش التي يحاربون بها بعضهم بعضا أو يحاربون بها الأعداء إلا أنهم في النهاية يقتلون الأسياد والخلفاء ويستولون على الحكم كما حصل في أواخر الدولة العباسية.

ولا يحتج بهم على التشريع للرق في الإسلام لأن أعمالهم وعمل من أتى من بعدهم ليست من الإسلام والإسلام بريء منها لأن معظم الرقيق والجواري لم يكونوا عن طريق حرب إسلامية يدافع فيها المسلمون عن عقيدتهم، وإنما كان عن طريق شراء المخطوفين والمخطوفات والراغبين والراغبات وغير ذلك مما يتبرأ منه الإسلام والمسلمون.

1 فجر الإسلام ص108، 109 الطبعة الحادية عشرة _النهضة.

2 تاريخ العرب فيليب حتى ص 409.

ص: 93