المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرق في الإسلام - الرق في الجاهلية والإسلام - ٥٠ - ٥١

[إبراهيم محمد حسن الجمل]

الفصل: ‌الرق في الإسلام

وكان العبد أحيانا ينال حريته؛ وذلك إذا أظهر شجاعة فائقة في الحروب والقتال ضد من يعتدي على سيده وعلى قبيلته، ويحفظ لنا التاريخ قصة عنترة المشهورة وعتق وليه وأبوه له، وجعله حُرًّا يتصرف تصرف الأحرار بعد أن كان عبدا يرعى الغنم، وأيضا فقد يكون الإخلاص الشديد سببا في العتق.

ومهما يكنا من وجود طريق إلى حرية الرقيق فقد كانت قليلة بل نادرة، وكانت معاملة الرقيق لا تضرج عما كان متبعا في الدول الأخرى.

ص: 161

‌الرق في الإسلام

جاء الإسلام والعالم تتحكم فيه قوتان كبيرتان هما الفرس في أسيا والروم في أوربا، والفوارق الطبقية بلغت مداها، وما يزال الرق منتشرا، والرقيق يعاملون وكأنهم جزء من المتاع لا يملكون من أنفسهم شيئا.

جاء الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية بشريعة رب العالمين، فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة، ولم تكن دعوته لقوم دون قوم، أو لطائفة وحدها وإنما هي دعوة لجميع البشر، في أنحاء المعمورة لا تتقيد بمكان أو زمان إلى يوم القيامة:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} (سورة سبأ 38) .

وأول ما دعا إليه الإسلام حفظ كرامة المسلم، وتحريره من كل القيود لا فرق بين أسود وأبيض أو غني وفقير أو حاكم ومحكوم، الكل أمام الله سواء.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} (سورة الحجرات 13) .

ومما يروى في سبب نزول هذه الآية: ما روي أنها نزلت في أبي هند، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم، فقالوا يا رسول الله ونزوج بناتنا موالينا فنزلت الآية.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بتقوى الله"1.

1 الترغيب والترهيب للمنذري جـ3 ص57.

ص: 161

ولقد عامل الإسلام في أول عهده الرقيق الذين أسلموا- وما يزالون قريبين من العهد الجاهلي- أحسن معاملة، ولم يلغ ما سبق في الجاهلية حتى لا تفسد أمور الناس، وينشغلوا عن أصل الرسالة بأمور جانبية.

لقد عاملهم معاملة حسنة، وكان إسلامهم طريقا إلى التخلص من الرق بطريق مشروع؛ كأن يُشتَرى العبد المسلم من سيده ويعتق، كما حصل للعبد بلال بن رباح، فقد أسلم، ولكنه ما يزال عبدا لسيده أمية بن خلف الذي أذاق بلالاً كل أصناف التعذيب، فكان يتركه في حرارة الشمس القاتلة ساعات الظهيرة كي يرجع عن إسلامه، ولكنه كان قوي الإيمان فتحمل العذاب الأليم إلى أن جاء أبو بكر الصديق واشتراه وأعتقه.

ولقد وجد الرقيق في الإسلام عزا وكرامة، ووجدوا في أخوة الإسلام ما جعلهم يعيشون أحرارا، يرتقون بهذه الأخوة إلى أسمى الرتب ولنضرب لذلك مثلا بزيد بن حارثة وابنه أسامة الذي ولى قيادة جيش المسلمين، ولما يناهز الثامنة عشرة وقد ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، ونفذه كبار الصحابة بعد وفاته، ومشى أبو بكر الخليفة رضي الله عنه وهو راكبـ، وكان تحت قيادته الصحابة من أمثال عمر وعلى وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين

ولقد افتخر المسلمون بأن رابع الذين أسلموا كان زيد بن حارثة، فقد أسلم بعد السيدة خديجة زوج الرسول علية الصلاة والسلام وأبى بكر وعلى رضي الله عنهما.

الإسلام المنقذ

إن من حق الإسلام أن يترك ابتداء، فالإسلام ليس نحلة قوم، ولا نظام وطن، ولكنه منهج إله، ونظام عالم.. ومن حقه أن يتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تغل من حرية الإنسان في الاختيار. وحسبه أنه يهاجم الأفراد ليكرههم على اعتناق عقيدته، إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة للفطرة، المقيدة لحرية الاختيار.

سيد قطب

ص: 162