المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة   تأليف محمد بن عبد الله بن حميد - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة - المقدمة

[ابن حميد]

فهرس الكتاب

السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة

تأليف

محمد بن عبد الله بن حميد النجدي ثم المكي

(1236 هـ - 1295 هـ) رحمه الله تعالى

حققه وقدم له وعلق عليه:

بكر بن عبد الله أبو زيد

في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم

د/ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين

مكة المكرمة - جامعة أم القرى

مؤسسة الرسالة

ص: 1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذا كتاب: «السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» لجامعه الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد النّجدي ثم المكي، الحنبلي، المولود في بلده:«عنيزة» قاعدة القصيم، سنة 1236 هـ، والمتوفى بالطائف سنة 1295 هـ- رحمه الله تعالى-. كان قد بلغ من العلم مبلغا وشدا، وأمّ في المسجد الحرام وخطب، ودرّس، وأفتى، وألّف في المذهب الحنبلي وحقّق، وأسند، وأرّخ، وكان من مؤلفاته هذا الكتاب الذي ذيّل به على «طبقات ابن رجب المتوفى سنة 597 هـ من حيث وقف ابن رجب في وفيات سنة 751 هـ، إلى قرب وفاة ابن حميد سنة 1295 هـ، فحوى: «843» ترجمة لعلماء الحنابلة خلال خمسة قرون ونصف قرن تقريبا.

وقد قرأت هذا الكتاب من أوّله إلى آخره فرأيت عليه مجموعة كثيرة من الملاحظات، والمؤاخذات، تتكون من قسمين اثنين:

‌القسم الأول:

مؤاخذات باعتبار المؤلّف «ناقلا لتراجم الحنابلة من كتب التراجم العامة»

، فينقل الترجمة برمتها بما فيها من مؤاخذات. وهي طريقة مشتركة بينه وبين عامة المؤلفين لا سيما تراجم المتأخرين بعد انتشار الطّرق الصوفية وتعظيم القبور، وضعف

ص: 5

التحقيق في التوحيد.

وهي في الأنواع الآتية:

1 -

نعت المترجم له بتلقّي الطرق الصوفية، وأخذها بالإسناد، ولبس الخرقة، وتولّي مشيختها.

وهذا النوع في مواضع كثيرة قيدت أرقام تراجمها في أول تعليق على الترجمة رقم: 5، ورقم:37.

2 -

وبالقبوريّات: من التبرك بها، وشدّ الرحال إليها والقراءة عندها، وإنشاد القصائد لها، والسؤال بالجاه، وما إلى ذلك كما في التعليق على التراجم رقم: 71، 159، 506، 548، 592، 699، 791.

وللمؤلف في بعض هذه، والتي قبلها نصيب.

3 -

تحليته بمناهي لفظية: في إطلاقها غلوّ وإطراء، مثل:

الغوث، القطب الصمداني، قاضي القضاة .. ونحوها كما في التراجم رقم: 171، 207، 352، 384، 423، 475، 665، 724، 733.

أو تعبيد اسم لغير الله- تعالى- كما في التراجم- عرضا- رقم: 84، 154، 511، 832.

4 -

اتخاذ الزّوايا، والدّفن فيها، كما في الترجمة رقم:300.

5 -

عدّ بعض البدع من ممادح المترجم له، مثل: بدعة الركب الرّجبي كما في الترجمة رقم: 40.

ص: 6

6 -

توسيع الدّعوى في الرّؤى والأحلام، كما في الترجمة رقم:

283.

وقد جرى التعليق على هذه المؤاخذات باختصار، والحوالة على أول تعليق رغبة عن التكرار.

‌القسم الثاني:

مؤاخذات على المؤلف في كتابه باعتباره (قائلا)

.

وهذه في مواقف له تعارض الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمامان المحمدان: محمد بن سعود المتوفّى سنة 1179 هـ، ومحمد ابن عبد الوهاب، المتوفى سنة 1206 هـ، - رحمهما الله-. كما في عدد من التراجم ابتداء من الترجمة رقم: 33، والمشار في حاشيتها إلى المواضع الأخرى.

وهذا الحمل منه على علماء التوحيد، وولاة أمر المسلمين قد جرّ المؤلّف إلى التجاهل، بإسقاط تراجمهم الحافلة بدءا من الإمامين المحمدين المذكورين، وأقرانهما وتلاميذهما، إلى الآخر، فأمسى تأليفه هذا بفعله: مشوّها، مخدّجا.

وخلاصة تحطّطه: ثورة غضبية، فيها سباب ولجّة، ونبز بالألقاب وخفّة، لم أر فيها للحجة مكانا، وسياقا، ولا للرأى دليلا، وتبيانا، وأنّى له؟

ولهذا قرّر عامة مترجميه أن مسلكه هذا، نفثة مصدور، وصحبة منكود، يجمع ذلك أمران:

الأول: أنه في الطّلب تلقّى عن بعض العلماء في التوحيد، والفقه، على الاتباع والصفاء، ثمّ تلقّى العلم عن من يجمع الطّمّ

ص: 7

والرّم، فأثّرت فيه المشارب الكدرة.

الثاني: كانت له نوع وجاهة في المسجد الحرام بالدخول تحت مظلة المناوئين للدعوة، ولحماتها.

ومعلوم أنّ التخلص من حظوظ النفس يحتاج إلى رسوخ في الاعتقاد، وأعوان أخيار.

وإلا فالمؤلّف كان معظّما لشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله تعالى- حفيّا بكتبهما، مولعا بخدمة المذهب، وتراجم علمائه.

وقد مضى لسبيله، نسأل الله العفو والمغفرة للجميع آمين.

وكم حصل لهذه الدعوة المباركة، ولولاة أمرها من خصوم، ذهبت أصواتهم أدراج الرياح العاتية، وقامت الدعوة الإصلاحية على سوقها سالمة من شوائب الشرك والوثنية، ومن البدع والأهواء المضلّة، نافذة إلى أرجاء العالم، تحت راية التوحيد، يذب عنها ولاة الأمر آل سعود، ملوك المملكة العربية السعودية- أجزل الله مثوبتهم وخلّد ملكهم- آمين.

ولجميع ما تقدم من المؤاخذات على الكتاب ومؤلفه، اتخذ علماؤنا هذا الكتاب مهجورا، لا يعوّلون عليه، ولا يرجعون إليه إلا الفرد بعد الفرد، ينقلون منه باعتبار مؤلّفه ناقلا لا باعتباره قائلا، لكن في عام 1409 هـ ظهر هذا الكتاب مطبوعا تحت اسم دار نشر، لا نعلم لاسمها وجودا- وقد يكون مسمّاها معلوما باسم آخر- ظهر دون التعليق على مواطن المؤاخذات والأخطاء فيه، مكتفيا

ص: 8

ناشره بكلمات عابرة في المقدمة، والله- سبحانه- محاسب كلّ عبد على عمله وقصده.

وقد رأى سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أن يعاد طبع الكتاب على أصوله الخطية، ويعلّق على مواضع الخطأ فيه بما تقتضيه الأمانة، وتوجبه الديانة، فوصلتني رغبته في ذلك برسالته رقم 795 خ بتاريخ 19/ 5/ 1410 هـ الموجهة إليّ، وإلى فضيلة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الأستاذ بجامعة أم القرى، والمشهور بتحقيقاته الماتعة لعدد من الكتب التّراثية، فوجدت أن هذا من أداء بعض ما يجب.

حينئذ تولّى فضيلة الشيخ عبد الرحمن تحقيق الكتاب وتخريج تراجمه، وتدارك الفوت على مؤلّفه بحواش ممتعة حسان مشبعة بالعلم والتحقيق، جامعة لعزيز الفوائد، والتدقيق في التراجم، ولمّ شتات «البيوتات الحنبلية» بما لا يقوى عليه إلا هو، ولا أقول مثله؛ لأنه في زماننا متفرد بخدمة تراجم علماء المذهب عن تحقيق وتدقيق وبصيرة نافذة في تحرير التعاليق- أجزل الله مثوبته، وجعله في ميزان حسناته-.

وأما تعليقاتي على الكتاب فهي محدودة، وقليلة جدا، في حدود التعليق المختصر على المؤاخذات المذكورة بقسميها، على أن الشيخ عبد الرحمن- أثابه الله- قد كتب تعليقات متعددة على بعض هذه المؤاخذات هي غاية في التحقيق، كافية عن التطويل، وبها يتأدّى المقصود، وقد رغبت منه الاكتفاء بعمله، لكنه أبى إلا المشاركة، فتمّت بالقدر المذكور.

ص: 9

وأدع التبيان عن معارف الكتاب، وتقويمه، لفضيلة محققه الشيخ عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. إذ صاحب البيت أدرى بما فيه.

والله ولي التوفيق. والحمد لله رب العالمين.

وكتب بكر بن عبد الله أبو زيد في مدينة النبي «صلى الله عليه وسلم» 6/ 7/ 1416 هـ

ص: 10

‌مؤلّف الكتاب

‌اسمه ونسبه:

هو محمّد بن عبد الله بن عليّ بن عثمان بن عليّ بن حميد بن غانم

(1)

من آل أبو

(2)

غنّام الّذين هم من ذريّة مسرور بن زهريّ بن جرّاح الثّوريّ السّبيعيّ، فهو ثوريّ سبيعيّ، ربابيّ ثم عامريّ على من يرى أنّ سبيع من الرّباب، ثم التّميميّ على من يرى أنّ الرّباب من تميم، على حدّ قول الشّاعر

(3)

:

يعدّ النّاسبون بني تميم

بيوت العزّ أربعة كبارا

يعدّون الرّباب لها وعمرا

وسعدا ثمّ حنظلة الخيارا

(وآل أبو غنّام)

(4)

الأسرة التي تنتمي إليها أسرة الشّيخ (آل حميد) ينتسب إليها (آل يحيى) أمراء عنيزة لآل الرّشيد، و (آل عبيّد) الذين منهم المؤرّخ الأديب محمّد بن عليّ العبيّد (ت 1389 هـ) وقد أدركته- رحمه الله في عنيزة وجالسته وأفدت منه، وهو سبط الشّيخ المترجم (ابن حميد) ومنهم:(آل حميدان) في بلدة الهلاليّة من بلدان القصيم

(5)

وغيرهم.

(1)

علماء نجد: 862.

(2)

تعمدت إبقاءها كما تنطقها العامة، وهي لغة فيها مشهورة.

(3)

هو ذو الرمة؛ ديوانه: 1377، 1378.

(4)

علماء نجد: 862.

(5)

المصدر نفسه.

ص: 11

ومن ذرّيّة زهري بن جرّاح: (آل السّليم) - بضمّ السّين أمراء عنيزة، ومنهم:(آل زامل) وهم من (آل سليم) فهم أسرة واحدة، ويرجعون هم وآل السّليم إلى جدّ أعلى اسمه زامل أيضا.

وينتسب إلى زهري بن جرّاح كثير من الأسر في عنيزة وغيرها من البلاد النّجديّة، ومن كان منها خارج عنيزة فأصله منها، كآل نصر الله في روضة سدير و (آل إسماعيل) و (آل سحيم) في أشيقر

وغيرهم.

والمؤلّف (ابن حميد) ينسب (العنيزيّ) نسبة إلى بلده، وذريّة زهريّ بن جرّاح هم الّذين عمروا مدينة عنيزة فهو ذو أصل عريق فيها، فهي بلد آبائه وأجداده. و (عنيزة) اسم قديم جاهليّ يطلق على هذه البقعة قبل عمارتها واستنباط مياهها وسكناها، ورد ذكرها في كثير من أشعار العرب في الجاهليّة والإسلام، إلّا أنّها لم تعرف على أنّها بلدة ذات عمران ومحالّ وأسواق وزرع ونخل إلّا قبيل القرن السّابع الهجريّ، قال الشّيخ محمّد بن عبد العزيز بن مانع

(1)

: «لقد أنشئت عنيزة سنة. 63 هـ تقريبا؛ لأنّه معلوم بما استفاض عند أهل القصيم بأنّ أول من سكن عنيزة هو زهريّ بن جرّاح الثّوريّ، وتحقّقنا بأنّ الموجودين الآن هم ذرّيّته؛ إذ أغلبهم بينهم وبينه ثلاث وعشرون أبا، وباعتبار علماء النّسب يجعلون لكلّ أب ثلاثين سنة في الغالب» .

أقول: عنيزة تضمّ أحياء متعدّدة ويطلق عليها مجتمعة عنيزة

(1)

يراجع المحلق بتاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد: 232 فما بعدها.

ص: 12

وهي: (الجناح) و (المليحة) و (والجادّة) و (العقيليّة) و (الخريزة) و (الضّبط) وكلّ حيّ من هذه الأحياء تسكنه- في الغالب- أسرة ذات شوكة من آل زهريّ بن جرّاح ما عدا (الجناح) فإنّه قرية شبه مستقلّة يسكنه آل جناح وسمّي الحيّ باسمهم، وهم من آل جبور من بني خالد، وهو أقدم عمارة منالأحياء الأخرى، وتمّت عمارته قبل التّأريخ المذكور عن الشّيخ ابن مانع- رحمه الله، فآل جناح في عنيزة قبل آل زهريّ بن جرّاح. وبنو خالد قبيلة عامريّة أيضا.

و (العقيليّة) منسوبة إلى عقيل بن إبراهيم بن موسى بن محمّد ابن بكر بن عتيق بن جبر بن نبهان بن مسرور بن زهري بن جرّاح.

ذكر الشّيخ مقبل الذّكير في تاريخه في حوادث سنة 1097 هـ العقيليّة وأنّ أهلها آل أبو غنّام. أقول: هم أسرة الشّيخ ابن حميد، وكانت لهم صولة فقد ذكر المؤرّخون في حوادث سنة 1110 هـ أنّ آل أبو غنّام هؤلاء سطوا على أهل الخريزة وآل بكر بالمليحة وأخرجوهم من بلدة عنيزة.

وفي سنة 1195 هـ سطا آل أبو غنّام وآل جناح في العقيليّة واستولوا عليها، إلى غير ذلك.

وعنيزة لها تأريخ حافل فقدت أغلب أخباره، وانطمست أكثر معالمه وآثاره، فلم يبق إلّا نتف هنا وهناك ممّا احتفظت به ذاكرة المؤرّخين وأوردوه في مجاميعهم، وذلك شأن كثير من مثيلاتها من المدن النّجديّة، وخاصّة المراكز العلميّة التي كانت تحفل بالعلماء

ص: 13

والأدباء والقادة والأجواد، ولكنّ عنيزة أسعد حظّا من مثيلاتها فقد برز من أهلها والوافدين عليها عدد من المؤرّخين أبرزوا هذه المعالم، وفتّشوا عن هذه الآثار، وقيّدوا في تواريخهم نبذا تصلح أن تكون نواة لتأريخ جيّد للمدينة، لا يقلّ شأنا عن تواريخ المدن الحافلة، وكلّ بحسبه وأهمّيّته، فقد نجب فيها، وأقام بها، ودخلها على مرّ العصور كثير من العلماء، والأدباء، والمؤرّخين، والحكّام، والأمراء والتّجّار، والقادة، والأجواد، والزّهّاد، لو جمعت أخبارهم وهذّبت تراجمهم لجاءت في مجلّد حافل، ولاجتمع فيه من الأخبار والطّرائف ما قد لا يجتمع في غيره؛ إذا اتّبع جامعها منهجا علميّا يقوم على الجمع والاستقراء، والتّتبّع، والنّقد، والتّحليل، والتّعليق، بعيدا عن الهوى والعصبيّة.

وممّن ألّف من أهلها والوافدين عليها في التّاريخ والأخبار والتّراجم الشّيخ عبد الوهّاب بن محمّد بن حميدان بن تركي (ت 1236 هـ)، والمؤلّف ابن حميد هذا، ومؤلّفات متعدّدة الأغراض كتبها العلّامة إبراهيم بن صالح بن عيسى- رحمه الله في الأنساب والتّأريخ والتّراجم أشهرها «عقد الدّرر» و «تاريخ بعض الحوادث» .. وغيرهما. والشّيخ عبد الله بن محمّد البسّام (ت 1348 هـ) واسم كتابه «تحفة المشتاق»

(1)

. والشّيخ مقبل بن عبد العزيز الذّكير (ت 1360 هـ)

(2)

وكتابه «مطالع السعود .. »

(1)

الأعلام للزّركليّ: 4/ 133، وأشار إليه بعلامة (ط) على أنه طبع والصحيح أنه لم يطبع بعد.

(2)

المصدر نفسه: 7/ 281، واسمه هناك: «العقود الدّريّة في تاريخ البلاد النّجديّة.

ص: 14

وشيخنا عبد الله البسّام وكتابه «علماء نجد .. » وما كتبه الدّكتور محمّد بن عبد الله السّلمان .. وغيرهم، ويوجد لكثير من أهلها اهتمام ظاهر بالتّواريخ والآداب والأنساب ومن أشهر من عرفته منهم إبراهيم بن محمّد القاضي، ومحمّد بن عليّ العبيّد (ت 1389 هـ) وعبد الله بن عبد الرّحمن البسّام (ت 1308 هـ) وغيرهم، وهؤلاء كتاباتهم تقييدات مفيدة لما عاصروه من أحداث، وربّما أوردوا أحداثا من غير عصرهم ممّن تقدّمهم، وبعض هذه التّقييدات بلغة عاميّة مفيدة؛ إذ انفردت بأخبار لم نسمعها، وبأشعار وأنساب لم تدر بخلد، رحمهم الله.

وقد نظم تأريخ هذه المدينة مؤرّخها الأستاذ عبد العزيز بن محمّد القاضي- ما زال على قيد الحياة متّعه الله بالصّحة والعافية- بمنظومة حافلة على حرف الهمزة أوّلها

(1)

:

سلوا عن بلادي رائد الشّعراء

وقسّ إياد سيّد الخطباء

سلوا امرأ القيس بن حجر وطرفة

وعنترة أربى على البلغاء

زهيرا وعمرا أو لبيدا وحارثا

وحاتم من عفّى على الكرماء

(1)

عرفت هذه المنظومة ب «العنيزية» طبعت في بغداد مطبعة الصباح سنة 1367 هـ- 1947 م.

ص: 15

وذا الأصبع المبسوط في النّاس حكمه

له الفضل معروف لدى الحكماء

ويوم خزازى سائلوا فيه رأسه

كليبا وأوفى حقّه المتنائي

وفارس عبس إذ جرى داحس به

وفارس غبراء جرى بمضاء

وفيها:

ولمّا أتى القرن الّذي هو سابع

لهجرة خير الخلق والنّظراء

تأسّس مبناها وكان شمالها

لآل جناح أوّل المترائي

بها نزلوا حتّى أقامت قبيلة

سبيع من الجرّاح ذات دهاء

أقاموا لهم في العاقليّة مرتعا

وهم آل غنّام جروا لداء

وإخوتهم من آل بكر توسّموا

مليحة دارا أيّ دار نجاء

مشاعيب منهم أسّسوا لمقامهم

بجادّة دارا خير ذات بقاء

وممّن له اهتمام بالتّاريخ والأخبار والرّواية من أهلها الشّيخ محمّد بن عبد العزيز المانع (ت 1385 هـ) والشّيخ عبد الرّحمن بن عبد العزيز الزّامل السّليم (ت 1401 هـ) .. وغيرهم.

والملاحظ أنّ أغلب هؤلاء المؤرّخين من أهل القرن الرّابع عشر

ص: 16

أمّا القرون السّابقة عليه فلا أعلم أحدا ألّف فيه إلّا عبد الوهاب بن محمّد بن حميدان بن تركي (ت 1237 هـ) وما يؤثر عن الشّيخ عبد الله بن أحمد بن عضيب (ت 1161 هـ) - إن صح- وأغلب أحداث هذه التّواريخ لوقائع شهدوها بأنفسهم، وما سواها نتف مكرورة في أغلب التّواريخ، كما نجده في سوابق ابن بشر- رحمه الله وغيره.

وإنّما ذكرت هذه اللّمحة ليعلم القارئ الكريم أنّ جهود ابن حميد التّأريخيّة واهتمامه بالرّجال والتّراجم لم تكن بدعا، وإنّما عاش في بيئة علميّة تظهر الاهتمام بهذا اللّون من فنون العلم.

وكما ينسب العنيزيّ ينسب أيضا (النّجديّ)، وينسب (الشّرقيّ) وهكذا نسبه أكثر من واحد منهم الكتّانيّ في «فهرس الفهارس» ، والشّيخ عبد الله مرداد في «نشر النّور والزّهر» ، والشّيخ عبد الستّار الدّهلوي، والأستاذ عمر عبد الجبّار ..

وغيرهم.

ورسمت بالكاف بدل القاف في بعض المواضع في «فهرس الفهارس» للكتّاني كما ينطقها المغاربة هكذا: (الشّركي).

وهي نسبة إلى الشّرق من مكّة المشرفة، ولا يزال أهل مكّة ينسبون كلّ نجديّ كذلك.

ولقّبه الكتّانيّ ب «شمس الدّين» وهذا لقب يغلب على كلّ من يسمّى محمّدا.

ص: 17

‌مولده:

ذكر شيخنا عبد الله بن عبد الرّحمن البسّام في علماء نجد

(1)

أنّه ولد سنة 1232 هـ. وذكر الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام- وهو تلميذ ابن حميد- في ترجمته له في آخر كتاب «السّحب الوابلة» أنّ مولده سنة 1236 هـ قال: «كما يؤخذ من ترجمته لشيخه الشّيخ عبد الله أبابطين المذكور في حرف العين»

(2)

أقول:

جاء في ترجمة شيخه المذكور (أبابطين) في «السّحب الوابلة» ما يلي: «ثم أرسله أمير نجد [الإمام] تركي [بن عبد الله] بن سعود-[رحمه الله]- في سنة 1248 هـ إلى بلدنا عنيزة قاضيا عليها وعلى جميع بلدان القصيم

فلمّا رأوا علمه وعدله وسمته وعبادته أحبّوه وقرأ عليه طلبتهم، وكنت إذ ذاك صغيرا عن القراءة عليه عمري اثنا عشر سنة، فأحضر مع أقاربي للاستماع خلف الحلقة» فبهذا يكون ما ذهب إليه الشّيخ صالح هو الصّحيح إن شاء الله، أمّا ما ذهب إليه شيخنا إمّا أن يكون تحريفا، وإمّا أن يكون من خطأ الطّباعة والله تعالى أعلم. ونقل الشّيخ عبد الله مرداد (ت 1343 هـ)

(3)

- وهو من طلبة الشّيخ المترجم أيضا- أنّها سنة 1236 هـ، لكنّه نقل عن زميله الشّيخ صالح المذكور، ولا ينبغي أن

(1)

علماء نجد: 862.

(2)

السحب الوابلة: 626 رقم الترجمة: (386).

(3)

مختصر نشر النور والزهر: 425.

ص: 18

يكون في ذلك خلاف فنصّ المؤلّف واضح في ذلك. وذكر المؤلّف أنّه كان يحضر مجالس الشّيخ عبد الله بن فايز أبا الخيل (ت في حدود سنة 1250 هـ)

(1)

في تدارس القرآن وبعض كتب التّفسير قال: «وكنت أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيغلبني النّوم فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر» .

واتّفقوا على أنّه ولد في عنيزة قال الشّيخ صالح البسّام: «ولد في عنيزة أمّ قرى القصيم» وعنه نقل الشّيخ عبد الله مرداد وغيره.

‌طلبه للعلم:

نشأ الشّيخ محمّد بن حميد- رحمه الله محبّا للعلم، حريصا على حضور حلقات العلماء مبكّرا منذ نعومة أظفاره، يساعده على الطّلب أنّه نشأ في بيئة علمية، أو على أقلّ تقدير في بيئة مثقّفة تثقيفا لا بأس به، مما شجّعه على المضيّ في طلب العلم، مع ما يتمتّع به من ذهن وقّاد، وحضور قلب، وذاكرة جيّدة، وذكاء، وقوة نفس، وتصميم، ونيّة صادقة في طلب العلم، جعله ذلك يتّجه لطلب العلم بكلّيته لا يصرفه عنه صارف؛ لتوافر دواعي طلب العلم وتحصيله، وإمكان الاستمرار فيه. وقد رأيناه يشيد بعمّه عثمان بن علي بن حميد، ويصفه بأنّه كان من طلبة العلم المحصّلين. قال في ترجمة (عبد العزيز بن سليمان) ابن أخي الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب (ت بعد سنة 1263 هـ)

(2)

(1)

السحب الوابلة: 644 رقم الترجمة: (390).

(2)

المصدر نفسه: 680.

ص: 19

«أخبرني عمّي عثمان وهو من طلبة العلم، وله اعتقاد عظيم في الشّيخ المذكور .. » وفي ترجمة عبد العزيز بن حمد بن مشرّف (ت 1241 هـ) قال

(1)

: «وكذلك ذكر لي عمّي عثمان وخالي عبد الله بن تركي، وكانا من طلبة العلم ومجالسيه كثيرا» . وهكذا تكرّر ذكر عمّه مرتين، وذكره ثالثة في كتابه أيضا

(2)

ولم يرد لأبيه أيّ إشارة تذكر، فلعلّه مات مبكّرا فلم يدركه، ولم تحصل له مجالسة يفيد منها، هذا على فرض أنّ لأبيه كعمّه تحصيل في العلم، ومن الجائز أن يكون أبوه غير مشتغل بالعلم أصلا، وكم وجدنا من آباء العلماء من لا طلب لهم ولا اشتغال.

وكما أشاد بعمّه أشاد أيضا بخاله عبد العزيز بن عبد الله بن منصور التّركي، وكذا جدّه لأمّه عبد الله بن منصور التّركي. قال عن الأوّل: - عند ذكر عمّه عثمان في النّصّ السّابق: وكانا من طلبة العلم، وقال عن جدّه

(3)

: «أخبرني بعض كبار أقاربي الّذين أدركتهم في حال الشّيخوخة- وكان صالحا متعبّدا، له مذاكرة في أطراف العلم- عن جدّي لأمّي الشّيخ عبد الله بن منصور بن تركي كان من أهل العلم أيضا. وهو أخو الشّيخ حميدان بن تركي العالم المشهور المترجم في موضعه من «السّحب الوابلة» قال المؤلّف في ترجمة حميدان المذكور

(4)

: «وحصّل كتبا نفيسة أكثرها شراء من

(1)

السحب الوابلة: 693.

(2)

المصدر نفسه: 642.

(3)

المصدر نفسه: 381.

(4)

المصدر نفسه: 380.

ص: 20

تركة شيخه المذكور [ابن عضيب] ومن تركة أخيه منصور بن تركي».

ومن (آل تركي) الشّيخ حميدان المذكور هذا

(1)

وابنه محمّد

(2)

وحفيده عبد الوهاب بن محمّد

(3)

صاحب (التّأريخ) ومنهم ناصر ابن محمّد بن تركي المعروف ب (السّميريّ) كان معاصرا للمؤلّف له ذكر في ترجمة الشّيخ عليّ بن محمّد الرّاشد

(4)

.

والدّليل على حرصه المبكّر على حضور مجالس العلم، وأنّه كان يجالس كبار العلماء ما ورد في «السّحب الوابلة» أنّه كان يصحب بعض أقاربه لحضور حلقات التّلاوة والتّفسير في مجلس الشّيخ عبد الله بن فايز أبا الخيل (ت 1251 هـ) وهو في العاشرة من عمره قال

(5)

: «وكنت أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيغلبني النّوم، فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر» . وكان حريصا على الأخذ عن الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين (ت 1282 هـ) في زمن مبكّر من حياته قال في وصف شيخه المذكور

(6)

: «فلمّا رأوا علمه وعدله وسمته وعبادته أحبّوه، وقرأ عليه طلبتهم، وكنت إذ ذاك صغيرا عن القراءة عليه عمري اثنتا

(1)

السحب الوابلة: 380.

(2)

المصدر نفسه: 383.

(3)

المصدر نفسه: 383.

(4)

علماء نجد: 370.

(5)

السحب الوابلة: 644.

(6)

السحب الوابلة: 630.

ص: 21

عشرة سنة فأحضر مع بعض أقاربى للاستماع خلف الحلقة، ثمّ إنّه رجع إلى بلده. وذكر أنّ أهل عنيزة رغبوا في المذكور أن يكون لهم قاضيا ومفتيا ومدرّسا وخطيبا وإماما فركب أميرهم وجماعة معه جاءوا به وبعياله، وتبعه كثيرون من أصهاره، فلمّا قدم عنيزة هرع أهلها للسّلام عليه، وأقاموا له الضّيافة نحو شهر، وشرعوا في القراءة عليه فشرعت مع صغارهم في ذلك، إلى أن أنعم الله وتفضّل وقرأت مع كبارهم

».

كان قدوم الشّيخ إلى عنيزة في حدود سنة 1251 هـ واستمرّ قاضيا نحو عشرين سنة حتّى حصلت الفتنة بين أهل عنيزة والإمام فيصل بن تركي- رحمه الله وتوسّط الشّيخ بين الطّرفين فلم ينجح في مساعيه، فارتحل عنهم تاركا القضاء سنة 1270 هـ.

ومع حرصه الشّديد على طلب العلم كان يعمل في الزّراعة في بستان لهم غربي عنيزة في حيّهم (الجوز) قال في «السّحب الوابلة»

(1)

في ترجمة (عبد الوهاب بن سليمان) والد الإمام المجدّد محمّد بن عبد الوهّاب- رحمه الله عند ذكر عبد العزيز بن سليمان بن عبد الوهّاب: أخبرني عمّي عثمان- وهو من طلبة العلم- قال: «رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في النّوم كأنّه في مسجدنا (مسجد الجوز) غربيّ عنيزة .. » .

(1)

السحب الوابلة: 680.

ص: 22

وبستانهم هذا مشهور ومعروف إلى اليوم يعرف ب (الأربع) وقد نقل شيخنا ابن بسّام أنّ ابن حميد المؤلّف ألجأته الحاجة إلى بيع كتاب «بدائع الفوائد» للإمام العلّامة ابن القيّم (ت 751 هـ) ليشتري بثمنه أرشية وسرحا للبستان المذكور، قال شيخنا

(1)

:

«ولقد رأيت هذه النّسخة من (بدائع الفوائد) التي يشير إليها مخطوطة بخطّ جميل جدّا، ومكتوب عليها بأنّ الذي اشتراها عمّ والدي عبد الله الحمد البسّام، وجعلها وقفا، وجعل النّظر فيها للبائع صاحب التّرجمة (ابن حميد) وفي هذا عزاء له عنها» .

‌رحلاته في طلب العلم:

أجمعت المصادر على أنّ ابن حميد رحل في طلب العلم إلى الشّام والعراق والحجاز ومصر واليمن

(2)

. أمّا في بلاد نجد فلا أعلم أنّه غادر بلده عنيزة لا لطلب العلم ولا لغيره، لذا قلّت معرفته بعلماء نجد، وليس هناك أيّ خبر مفصّل عن هذه الرّحلات ما عدا رحلته إلى الشام سنة 1281 هـ

(3)

والتي زار فيها دمشق ونابلس ..

وغيرهما، واجتمع فيها بأعيان الحنابلة منهم (آل الشطّيّ) في دمشق و (آل الجعفريّ) في نابلس وغيرهما من العلماء، من الحنابلة وغيرهم، وذكر أنّه اطّلع في دمشق على كثير من كتب الحنابلة ومنها

(1)

علماء نجد: 863.

(2)

السّحب الوابلة: 1192، ومصادر الترجمة.

(3)

المصدر نفسه: 735.

ص: 23

«الكواكب الدّراري

» لابن عروة المشرقيّ المعروف ب «ابن زكنون» (ت 837 هـ واطّلع في نابلس على مكتبة جيّدة ل (آل الجعفريّ) موروثة من آبائهم. وهم بيت علم كبير قديم في الحنبليّة

(1)

.

‌شيوخه:

كانت حصيلة الحياة الحافلة التي أمضاها ابن حميد في طلب العلم أن تعدّدت أسماء شيوخه، وتنوّعت مشاربهم، وتوزّعت مواطنهم منهم:

‌1 - الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين (1282 هـ):

مفتي الدّيار النّجديّة، وهو أقدم شيوخه، وعليه جلّ تحصيله في الفقه، والفرائض، والتّوحيد والعقائد، والحديث، وقد ذكره المؤلّف في «السّحب»

(2)

وأثنى عليه ثناء جميلا بليغا، فقال:

«فقيه الدّيار النّجديّة في القرن الثّالث عشر بلا منازع .. شيخنا، العلّامة، الفهّامة .. » وذكر في ترجمته أنّه قرأ عليه جملة من الكتب الأصول، والرّسائل والمسائل، منها:«شرح المنتهى» «و» «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» و «المنتقى» و «شرح

(1)

السحب الوابلة: 949 في الترجمة رقم (609).

قال: «نعم عند كبارهم خزائن كتب عظيمة أظنّها موروثة عن الآباء والأجداد وكانت هي أنيسي في الغربة طالما سامرتها ليلا ونهارا

».

(2)

المصدر نفسه: 626 رقم الترجمة: (386).

ص: 24

مختصر التّحرير» في أصول الفقه، «شرح عقيدة السّفارينيّ» الكبير و «الحمويّة» و «الواسطيّة» و «التّدمريّة» الثّلاثة لشيخ الإسلام ابن تيميّة، ونقل الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(1)

عنه قوله: «وقرأت فقه الحنابلة على الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين» قال: «ولم تر عيني مثله» ، وقد ترجمته في كتابي «السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» وهو أخذ عن الشّيخ عبد الله ابن طراد [الدّوسريّ النّجديّ]

(2)

عن محقّقي الشّام كالبعليّ والسّفارينيّ وأشباههما. وتردّد ذكر الشّيخ أبابطين في «حاشية المؤلّف على منتهى الإرادات» قال مرّة: «تقرير شيخنا الفقيه النّبيه، عبد الله أبابطين «وقال ثانية: «قال شيخنا النّبيه المحقّق العلّامة الشيخ .. » وقال ثالثة: قال شيخنا الفقيه النّبيه، والشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين».

وكان ابن حميد قد نسخ لنفسه نسخة من كتاب شرح العقيدة السّفّارينيّة المعروف ب «لوامع الأنوار البهيّة

(3)

.. وأتقنها ثمّ قرأها على الشّيخ عبد الله جاء في هوامشها عبارات الثّناء عليه منها «بلغ قراءة إمرار في هذا الكتاب على شيخنا، المحترم، الشّيخ عبد الله

(1)

فهرس الفهارس: 519.

(2)

كذا في فهرس الفهارس، والصّواب أنّه محمّد بن طراد يراجع: السّحب الوابلة:

919 ترجمة رقم (591).

(3)

هذه النّسخة لدى شيخنا الشيخ عبد الله البسّام حفظه الله.

ص: 25

نفعنا الله به آمين «وذلك في 14 جمادى الأولى سنة 1259 هـ.

وفي موضع آخر قال: «بلغ قراءة على شيخنا الأجلّ، المبجّل، الأوّاه، الشّيخ عبد الله» . وفي موضع ثالث قال: «إلى هنا بلغ قراءة إمرار على شيخنا المحقّق، الفقيه، المدقّق، النبيه، ذي الدّين المتين، والورع اليقين، الشّيخ عبد الله أبابطين الحنبليّ السلفيّ، الأثريّ أمتعنا الله بحياته، وذلك في 29 شوّال سنة 1259 هـ.

وقال مرّة أمام تعليقة للشّيخ في الهامش: «هذا خطّ شيخنا الشّيخ عبد الله حفظه الله، فلله درّه- أصوب فهمه، وأوفر حفظه، جزاه الله عن المسلمين خيرا» .

‌2 - الشّيخ عليّ بن محمّد الرّاشد (ت 1303 هـ):

هو من أبرز تلاميذ الشّيخ السّابق أبابطين وأنجبهم، وكان ينيبه في القضاء، ولمّا رحل الشّيخ أبابطين عن عنيزة سنة 1270 هـ أشار على أهلها بتوليته القضاء، فتولّى قضاء عنيزة فيما بعد إلى وفاته، فهو إذا زميله في الأخذ عن الشّيخ أبابطين، وكان الشّيخ عليّ أسنّ من ابن حميد؛ إذ ولد سنة 1223 هـ وتأخّرت وفاته بعده كما ترى، فلم يترجم له في «السّحب» وألحق الشّيخ صالح البسّام ترجمته في آخر نسخته من «السّحب» ورثاه بقصيدة أثبتها هناك»

(1)

.

وقد رحل الشّيخ علي إلى الزّبير وقرأ على فقهائها، وكان

(1)

يراجع نسخة شيخنا عبد الله البسام من السّحب.

ص: 26

حريصا على اقتناء الكتب، فقد رأيت تملّكه على كثير منها، ولمّا توفي الشّيخ علي بن عبد الله بن عيسى بن عشري أوقفت والدته كتبه وجعلت الشّيخ عليّا قيّما عليها.

وكان الشّيخ ابن حميد يعظّمه ويجلّه، وقد نقل عنه في «حاشيته على المنتهى» في موضعين قال في أحدهما:«قال شيخنا الشّيخ عليّ بن محمّد كثّر الله فوائده» وقال في الموضع الثّاني:

«وكتب عليه الشّيخ عليّ ما نصّه

».

ونقل شيخنا ابن بسّام فيه قوله: «شيخنا العلامة، الفقيه، الورع، الزّاهد عليّ بن محمّد» .

وجاء على غلاف كتاب «لوامع الأنوار البهيّة

» وهي نسخة ابن حميد التي بخطّه للكتاب المذكور: «أقول أنا الفقير إلى الله الغنيّ الحميد عبده محمّد بن عبد الله بن حميد: بأنّي قد بعت هذه النّسخة الجليلة على شيخنا العلّامة، الفقيه، الورع، الزّاهد، النّبيه، الشّيخ، العلّامة عليّ بن محمّد بثمن معلوم قبضته في مجلس العقد بالتّمام والكمال، نفعه الله بها وبغيرها، وبارك للمسلمين في حياته وذلك بتاريخ 16 ذي الحجّة سنة 1266 من هجرة سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وكتب ذلك بيده مقرّا به، وهذا خطّي شاهد عليّ بذلك، وكفى بالله شهيدا» .

ص: 27

‌3 - الشّيخ محمّد بن حمد الهديبيّ (ت 1261 هـ):

زبيريّ المولد، من أصل نجديّ، تميميّ النّسب، مكّيّ، ثم مدنيّ الإقامة والسّكن، ووفاته بالمدينة الشّريفة مجاورا. من تلاميذه إبراهيم بن ناصر بن جديد، وهما من معارضي دعوة الشّيخ محمّد ابن عبد الوهّاب- رحمه الله قال المؤلّف في «السّحب»:

شيخنا الصّالح، العابد، الورع، الزّاهد، الفقيه، الورع، الزّاهد، الفقيه، النّبيه، التّقيّ، النّقيّ» ونقل الكتّانيّ في «فهرس الفهارس» عن المؤلّف قوله فيه:«وقرأت أيضا على محمّد بن (أحمد؟) حمد الهديبيّ التّميميّ (الزّبيديّ؟) الزّبيريّ، والمكّيّ منشأ، والمدنيّ مدفنا، وأجازني بمرويّاته عن إبراهيم بن ناصر بن جديد الزّبيريّ- نسبة إلى مقام الزّبير بن العوّام [رضي الله عنه]- وهي بلدة من أعمال البصرة- عن أحمد البعليّ الدّمشقيّ، عن عبد القادر التّغلبيّ، عن عبد الباقي الحنبليّ عن مشايخه كما في ثبته» .

أقول: ثبته هو المعروف «برياض الجنّة بآثار أهل السّنّة» .

ذكره في شيوخه الكتّانيّ في «فهرس الفهارس» كما ترى، وتلميذه الشّيخ صالح البسّام، والشّيخ جميل الشّطّيّ في «مختصر طبقات الحنابلة» ، عن عمّه محمّد مراد: قال

(1)

: «وتفقّه في المذهب على محمّد الهديبيّ نزيل المدينة المنورة المتوفى بها سنة

(1)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

ص: 28

1261 هـ، وهو تفقّه على العلامة محمد بن فيروز الأحسائيّ نزيل البصرة المتوفى سنة 1216 هـ.

وتردّد ذكر الشّيخ محمد الهديبيّ في «حاشية ابن حميد على المنتهى» قال مرّة: «نقلت من خطّ شيخنا محمّد الهديبيّ .. » وقال ثانية: «ومن خطّ شيخنا الصّالح، الناصح، التّقيّ، النقيّ، الفقيه، النّبيه، الشّيخ محمّد الهديبيّ الحنبليّ رحمه الله تعالى آمين» .

‌4 - الشّيخ عبد الجبّار بن علي البصريّ (ت 1285 هـ):

يوصف بأنه «نقشبنديّ» فهو صاحب طريقة صوفيّة عفا الله عنه، وهو من تلاميذ إبراهيم بن ناصر بن جديد، وهو كسابقه من معارضي دعوة الشّيخ محمد بن عبد الوهاب، أثنى عليه المؤلّف في «السحب»

(1)

وأطال في ذكر مناقبه وأحباره، ولما مات رثاه بقصيدة ذكرها هناك. ولم يذكر تتلمذه عليه صريحا في «السّحب» ، ولا طريقة أخذه عنه، ولا العلوم التي أفادها منه، ولا مكان لقياه وإن كان في حكم المؤكد أنّه في الحرمين.

قال الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(2)

: نقلا عن المؤلّف- «وقرأت على شيخي عبد الجبّار بن عليّ النّقشبنديّ الزّبيريّ

(1)

السحب الوابلة: 1/ 443 - 451 رقم الترجمة: (285).

(2)

فهرس الفهارس: 519.

ص: 29

(المصريّ؟) البصريّ، دفين المدينة المنورة سنة 1285 هـ وقال: روى شيخ المترجم عبد الجبّار البصريّ عن مصطفى بن سعد الرحيبانيّ السيوطيّ الدمشقيّ عن الشمس السّفارينيّ الحنبليّ الكبير بأسانيده».

وفي «مختصر طبقات الحنابلة للشطي»

(1)

ويروى صاحب الترجمة الفقه أيضا عن الشّيخ عبد الجبّار البصريّ، نزيل المدينة، عن الشّيخ مصطفى السّيوطيّ مفتي الحنابلة بدمشق.

‌5 - الشّيخ أحمد بن عثمان بن جامع (1285 هـ):

نجديّ الأصل، ثم بحرينيّ زبيريّ ذكره المؤلّف في «السّحب الوابلة»

(2)

وقال: «تولّى قضاء البحرين بعد أبيه .. فوقعت بين أمرائها فتن فرحل عنها إلى بلدة الزّبير، وتولّى قضاءها إلى أن مات سنة 1285 هـ» .

قال ابن حميد: «وكان المذكور قد حجّ سنة 1257 هـ فاجتمعت به في مكّة المشرّفة، وسألته، واستفدت منه وأجازني، ومعه ولده الشّيخ محمد هذا وعبد الله، وكان رجلا صالحا ساكنا وقورا

».

‌6 - الشّيخ محمد بن عليّ السّنوسيّ (ت 1276 هـ):

ذكره الشّيخ عبد الله مرداد في «نشر النّور والزّهر»

(1)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(2)

السحب الوابلة: 184 رقم الترجمة (96).

ص: 30

(مختصره)

(1)

من بين شيوخه قال: «وعن العارف بالله محمد السنوسي المالكيّ المكيّ، ومدار جل مروياته من العلوم عنه» وفي «مختصر طبقات الحنابلة للشّطّيّ»

(2)

قال- نقلا عن عمّه محمد مراد-: «وقد أخذ صاحب التّرجمة [ابن حميد] عن جملة من المشايخ الأجلّاء منهم السيّد محمد السّنوسي، وروى عنه حديث الأولية، ولازمه سنين عديدة، وأجازه ب «ثبته» . وسمّاه شيخنا عبد الله البسّام محمد بن إدريس

(3)

وقال: «صاحب الزّوايا والأوقاف المشهورة» ، والصّواب أنه محمد بن عليّ، وقول الشيخ:

محمد بن إدريس سبق قلم فيما يظهر. قال الكتّاني في «فهرس الفهارس»

(4)

: «هو الإمام، العارف، الدّاعي إلى السّنّة والعمل بها، ختم المحدثين المسندين، الكبريت الأحمر، والهمام الغضنفر، وحجّة الله على المتأخّرين .. » وقال: «كانت له همة عالية، ورغبة عظمى في العلم، وجمع الكتب وشرائها واستنساخها، ومهما سمع بمعاصر ألّف كتابا في الحديث إلا وكتب له عليه، على بعد الديار وطول المسافة» وذكر في ذلك غرائب». أقول: رأيت في بعض هوامش نسخة ابن حميد من «الذّيل على طبقات الحنابلة» لابن رجب ذكرا لبعض غرائب الكتب، وأنّ ابن حميد هذا رآها في

(1)

نشر النور والزهر: (مختصره): 423.

(2)

مختصر طبقات الحنابلة: 192، وثبت السنوسي اسمه: «البدور الشارقة

».

(3)

علماء نجد: 3/ 867.

(4)

فهرس الفهارس: 2/ 1042.

ص: 31

مكتبة شيخه السنوسي المذكور، ومن أغربها أن في مكتبة المذكور نسخة من «الذّيل على طبقات الحنابلة» لابن رجب بخطّه- بخط ابن رجب-.

ولمّا عدّد الكتانيّ الآخذين عنه قال

(1)

: «ومحمّد بن عبد الله ابن حميد مفتي الحنابلة بمكّة، ثم قال: «قال مفتي الحنابلة في مكة المكرمة المؤرّخ العلامة محمد بن عبد الله بن حميد الشركيّ (الشّرقي) الحنبليّ في إجازة له: «وأعظمهم قدرا- يعني مشايخه- وأشهرهم ذكرا، وأشدّهم اتباعا للسنّة النّبويّة، وأمدّهم باعا في حفظ الأحاديث المروية، وأكثرهم لها سردا، وأوفرهم لكتبها جمعا وتتبعا، العلّامة، المرشد، الكامل، مولانا السّيّد محمد بن عليّ السّنوسيّ الحسنيّ، فقد روى لي حديث المسلسل بالأوّليّة أول تشرّفي بطلعته، ثم لازمته مدة مديدة، وحضرت عليه سنين عديدة، وكان يقرئ «صحيح البخاري» في شهر و «مسلم» في خمسة وعشرين يوما، و «السّنن» في عشرين يوما، مع التّكلّم على بعض مشكلاته، ولا أعدّ هذا إلا كرامة له، ثم أجازني بجميع ما حواه ثبته الجامع المسمّى ب «البدور الشّارقة فيما لنا من أسانيد المغاربة والمشارقة» وهو في مجلّدين، وكان أصله مالكيّ المذهب، ولكن لما توسّع في علوم السّنة رأى أنّ الاجتهاد متعين عليه، فصار يعمل بما يترجّح عنده من الأدلّة- ا. هـ».

(1)

المصدر نفسه.

ص: 32

‌7 - الشيخ أحمد زيني دحلان (ت 1304 هـ):

قال الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(1)

: «ويروي بعض المسلسلات عن شيخ الإسلام بمكّة الشّهاب أحمد دحلان الشّافعيّ» ويلاحظ أنّ الشيخ دحلان توفي بعد ابن حميد لكنه كان أسنّ منه، وامتدت به الحياة بعده كما سبق في ذكر شيخه (علي بن محمد الرّاشد).

والمعروف أنّ الشّيخ دحلان- رحمه الله من المعارضين لدعوة الشّيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد ألّف رسائل وكتبا في الرّدّ عليها، وطبعها في مطبعة أنشئت في مكة أيام ولاية الدّولة العثمانية، ممالأة للدّولة العثمانية من جانب، ولأنّ الشّيخ دحلان موغل في التّصوف- عفا الله عنه- ومنهنا ندرك جانبا من موقف الشّيخ محمد بن حميد في معاداة الدّعوة؛ لذا نهى علماء السّلف عن كثرة مجالسة أهل البدع، أو قراءة كتبهم.

‌8 - الشّيخ محمّد بن مساوي الأهدل الزّبيديّ (ت

؟):

ذكره الشّيخ عبد الله مرداد في نشر النّور والزّهر (مختصره)

(2)

من شيوخه قال: «أخذ العلوم عن السّيد محمّد بن مساوي الأهدل الزّبيديّ» وقال الكتّانيّ: («بركة الدّنيا والأخرى في الإجازة الكبرى) لوجيه الدّين عبد الرحمن بن سليمان الأهدل

(1)

فهرس الفهارس: 1/ 520.

(2)

مختصر نشر النور والزهر: 423.

ص: 33

الزّبيديّ اليمنيّ. ووقع هذا الثّبت ونسبته للمذكور في إجازة الشمس محمد بن عبد الله بن حميد العامري الشركي (الشّرقي) الحنبلي مفتيهم بمكة للشيخ مصطفى بن خليل التونسي قال فيها- لدى ذكره من روى عنه حديث الأولية-: «أرويه عن السيد محمد بن المساوي الأهدل فقد أجازني به وبغيره. وأجازني عن السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ما حوته فهرسته الموسومة ب «بركة الدّنيا والأخرى في الإجازة الكبرى» .

وذكر الشيخ محمد جميل الشطي في «مختصر طبقات الحنابلة»

(1)

عن عمّه محمد مراد: الشّيخ محمد بن مساوي الأهدل في شيوخ ابن حميد.

وذكر الكتّاني أيضا في «فهرس الفهارس»

(2)

: وكذا يرويه [الحديث بالأولية] عن السيد محمد المساوي الأهدل، وأجازه أيضا عامّة بعد أن قرأ عليه أوائل كتب الحديث، وأجازه عن السيد عبد الرحمن الأهدل ما حوته فهرسته الكبرى.

‌9 - الشّيخ أحمد الدّمياطي المكي (ت 1270 هـ):

أصله من دمياط في مصر وإقامته ووفاته بمكة، ذكره شيخنا عبد الله البسام في عداد شيوخه قال

(3)

: «الشيخ العلّامة أحمد

(1)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(2)

فهرس الفهارس: 519.

(3)

علماء نجد: 3/ 867.

ص: 34

الدمياطي ثم المكي الشافعي»، وذكر الشيخ عبد الله مرداد في نشر النور والزهر:(مختصره)

(1)

: أنه قرأ على الشيخ عثمان الدّمياطي، وكنت أظنه هو وقع الخطأ في اسمه، فتبين لي أنه غيره بكلّ تأكيد، وأحمد هذا هو ابن أخي عثمان الآتي، كذا ذكره الشّيخ مرداد وترجم له

(2)

ولم يذكر أباه. وقال: «مفتي الشّافعية بمكّة المشرفة» .

‌10 - الشيخ محمود شكري بن عبد الله الآلوسي (ت 1242 هـ):

هو الإمام، العلّامة، المفسّر، الشهير، صاحب «روح البيان». في التفسير ذكره في شيوخه الكتاني في «فهرس الفهارس»: قال

(3)

: «ويروي عن الأخير [يعني الآلوسي هذا] حديث الأولية» .

وقال الشيخ محمّد جميل الشطي في «مختصر طبقات الحنابلة

(4)

»: «وأخذ علوم الآلات عن العلامة محمود أفندي الآلوسي مفتي بغداد» ، وذكر الشّيخ الكتاني في «فهرس الفهارس»

(5)

: في ترجمة علاء الدين الموصلي (ت 1243 هـ) قال:

«نروي ماله عن البرهان إبراهيم الخنكي المكي عن محمد بن حميد

(1)

مختصر نشر النور والزهر: 423.

(2)

المصدر نفسه: 88.

(3)

فهرس الفهارس: 519.

(4)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(5)

فهرس الفهارس: 2/ 788.

ص: 35

الحنبلي المكي عن محمود الآلوسي البغدادي عنه، وهو أخص تلاميذه».

وذكره شيخنا عبد الله البسام في «علماء نجد»

(1)

: في شيوخه، ولا أدري أين قرأ عليه؟! ومتى؟! وقراءاته متقدمة كما ترى من تاريخ وفاة الآلوسي، وليست إجازة عامة أو خاصة فيمكن تصور ذلك؟! فما زال الأمر مشكلا.

‌11 - الشّيخ عابد السنديّ (ت 1257 هـ):

ذكره شيخنا عبد الله البسام في عداد شيوخه وقال

(2)

: «وقد روى عنه بالإجازة العامّة، وفي كتاب «مختصر طبقات الحنابلة للشطّي

(3)

قال: «روى بالإجازة العامة عن [شيخ] المحدثين الشّيخ عابد السندي .. » ، وعنه في «التّسهيل»

(4)

لابن عثيمين.

وعابد السّنديّ هذا محدث فقيه، وهو صاحب الثبت المشهور ب «حصر الشارد من أسانيد محمد عابد» ولم يحمد في عقيدته عفا الله عنه.

وذكره الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(5)

: وقد بالغ في الثناء

(1)

علماء نجد: 3/ 867.

(2)

المصدر نفسه.

(3)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(4)

التسهيل: 2/ 241.

(5)

فهرس الفهارس: 1/ 363، 2/ 720.

ص: 36

عليه وذكر جدّه واجتهاده في طلب العلم وقال: «محدث الحجاز ومسنده، العالم، الجامع، المحدّث، الحافظ، الفقيه، المتبحّر، الزّاهد في الدنيا وزخارفها، محيي السنة حيث عفت رسومها، وهجرت علومها، محمد عابد بن الشيخ أحمد بن شيخ الإسلام محمد مراد بن يعقوب، الأنصاري، والخزرجي، السندي مولدا الحنفيّ مذهبا .. » .

وذكر الكتّاني أنه يروى عن الشيخ عبد الله بن محمد، عن والده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله

(1)

.

‌12 - الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الكزبري (الصغير)(ت 1262 هـ):

قال الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(2)

: «وكان المترجم يروي ثبت الكزبريّ الصغير عنه، وبحق إجازته لأهل مكة ولمن اجتمع به.

قال: وأنا منهم» يعني من أهل مكة وممن اجتمع به.

(وآل الكزبريّ) محدّثون دمشقيّون، والمشهور منهم ثلاثة:

أكبرهم: عبد الرّحمن بن محمد (ت 1185 هـ)، ثم ابنه محمد ابن عبد الرّحمن يلقّب: محدث الدّيار الشامية ومسندها (ت 1121 هـ) ثم ابنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن المعروف ب (الصّغير) وهو هذا، حجّ، ومات بمكة رحمه الله.

(1)

يراجع الرسالة المستطرفة: 64، ونيل الأوطار: 2/ 279، والأعلام: 7/ 49.

(2)

فهرس الفهارس: 2/ 520.

ص: 37

‌13 - عثمان الدّمياطي (ت 1265 هـ):

هو عثمان بن حسن الدّمياطي الشّافعيّ. ذكره الشّيخ عبد الله مرداد في «نشر النّور والزّهر» (مختصره): في شيوخه، وترجم له في الكتاب المذكور، وذكر وفاته، وهو عمّ الشيخ أحمد الدمياطي السّالف الذكر.

‌14 - عثمان بن عبد الله النّابلسيّ (ت

؟):

ذكره الكتاني في «فهرس الفهارس» وقال: «روى المترجم له أيضا عن عثمان بن عبد الله النّابلسيّ، عن عبد القادر بن مصطفى المذكور بأسانيده.

أقول: هو عبد القادر بن مصطفى بن الشّيخ الجليل محمد بن أحمد السّفاريني. وعثمان النّابلسيّ هذا لم أقف له على ترجمة، ولم أستدركه في موضعه؛ لأنّني لم أتحقق أنه حنبلي آنذاك وتحققت الآن أنّه حنبليّ، ونص الكتاني على أنّ الخانكي المذكور حنبليّ عقيدة، فهو لا ينتمي إلى الحنابلة في الفروع، لذلك لم يكن منهم، ولو كان منهم فهو متأخر عن ابن حميد فهو من تلاميذه فلا يستدرك عليه، والله أعلم. من رواية الكتّانيّ المسلسل بالحنابلة عن إبراهيم الخانكي عن ابن حميد عن المذكور.

ص: 38

‌15 - إبراهيم السّقا الأزهريّ (ت 1298 هـ):

هو إبراهيم بن علي المصري، من تلاميذ الشّيخ حسن العطار .. وغيره. توفي بعد ابن حميد كما ترى، وهو أسنّ منه؛ إذ ولد في القاهرة سنة 1212 هـ.

ذكره في عداد شيوخه الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(1)

والشطّىّ في مختصره

(2)

:، وشيخنا ابن بسام

(3)

.

قال الكتّانيّ

(4)

: «ويروى المترجم أيضا عن إبراهيم السقا إجازة عامة» .

‌16 - أحمد اللّبديّ النّابلسيّ: (ت

؟):

جاء في «فهرس الفهارس»

(5)

نقلا عن المؤلّف نفسه قال:

«وأروى الفقه عن الشّيخ أحمد اللّبديّ النّابلسيّ، عن عبد القادر بن مصطفى بن محمد بن أحمد السّفّارينيّ، عن أبيه عن جدّه ما حوته إجازته التي ألّفها لمرتضى الزّبيديّ» .

(1)

فهرس الفهارس: 1/ 519.

(2)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(3)

علماء نجد: 3/ 867.

(4)

فهرس الفهارس: 1/ 519 ويواجع: فهرس الفهارس: 1/ 131، 1006 وحلية البشر: 1/ 30.

(5)

فهرس الفهارس: 1/ 519.

ص: 39

وأحمد اللبديّ هذا حنبليّ كان حقّه أن يذكر في «السحب الوابلة» إلا أن يكون قد مات بعده، ولم أقف على شئ من أخباره، ومن المحتمل أن يكون ابنا للشّيخ محمد بن مصطفى بن عبد الحقّ اللّبديّ (ت 1191) قال الشّطّيّ في ترجمة محمد المذكور

(1)

أعقب ثلاثة أولاد ذكور رحمه الله فلعلّالمذكور أحدهم.

هؤلاء هم الذين عرفتهم من أبرز شيوخ ابن حميد، ولا شكّ أنّه أخذ العلم عن غير هؤلاء لم نتوصّل إلى معرفتهم، ولعلّ الأيام تكشف لنا عنهم في مصادر أخرى لم نطّلع عليها، أو لعلّ باحثا آخر يضيف إلى ما قلناه أقوالا و (كم ترك الأول للآخر).

وممّن أفاد منهم الشّيخ فوائد كثيرة لكن لا تصل إلى حدّ المشيخة صديقه وزميله في الطّلب الشّيخ محمد بن عبد الله بن مانع (ت 1291 هـ) وذكره في «السّحب»

(2)

وهو أكبر منه سنا، وتتلمذ لشيخه الشّيخ عبد الله أبابطين وهو صهره على بنته، ويظهر أنّه أكثر من ابن حميد معرفة بالفقه والتّأريخ والأنساب إلا أنّه لم يؤثر عنه تأليفا، شأن كثير من علماء نجد- رحمهم الله، يؤثرون التّدريس والوعظ والإفتاء على التأليف. قال في ترجمته

(3)

: «وكان مطّلعا على علمي التاريخ والأنساب القريبة والبعيدة، ومنه فيهما

(1)

مختصر طبقات الحنابلة: 147.

(2)

السحب الوابلة: 954 رقم (613).

(3)

المصدر نفسه.

ص: 40

استفدت وعلى نقله اعتمدت» وبناء على هذا عدّه شيخنا ابن بسام في شيخوخه، وعندي أنّ إفادته منه واعتماده على نقله لا يرقى إلى درجة المشيخة.

وممن أفاد منهم: عمّه عثمان بن علي بن حميد، وخاله عبد العزيز بن عبد الله التّركي ذكرهما في «السّحب الوابلة» كما اسلفنا

(1)

.

وذكر الشّيخ سليمان بن حمدان في كتابه «متأخّري الحنابلة» أنه أخذ عن (با بصيل) في مكّة، و (آل الشّطّيّ) في دمشق.

أقول: - وعلى الله أعتمد- أمّا با بصيل فلم أجد أحدا ذكره في شيوخه وهو متأخر عن زمن ابن حميد، والآخذ عنه حفيده عبد الله ابن علي بن محمد بن حميد (ت) وأما (آل الشّطّي) فقد ذكر الشيخ محمّد جميل الشّطّيّ- عن عمّه محمد مراد- في كتابه «مختصر طبقات الحنابلة»

(2)

: أنّ الشّيخ دخل دمشق ونزل دارنا أياما، واجتمع بجلّة أعيان دمشق وعلمائها وصار بينه وبين سيّدي الوالد صاحب التآليف الشيخ محمّد، والعم مفتي الحنابلة الشّيخ أحمد ألفة أكيدة، ومحبة شديدة، وأثنيا عليه، وذكرا له همما عالية» وجاء في السّحب الوابلة- في ترجمة حسن الشّطّيّ (ت 1274 هـ) -

(3)

(1)

يراجع ما تقدم في مبحث. (طلبه العلم).

(2)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(3)

السحب الوابلة: 362 ترجمة رقم: (226).

ص: 41

«وخلّف ولدين نجيبين، عالمين، أديبين، كريمين، لبيبين، الشّيخ محمدا والشّيخ أحمد قاما مقامه في الدّروس وإضافة الضّيوف وإكرام الطلبة خصوصا الغرباء، أعلى الله مجدهما، وأطلع في سماء المحامد سعدهما، وأدار على ألسنة العالم شكرهما وحمدهما، وبقي نظر المدرسة البادرائيّة بأيديهما، ونعم الناظرين هما، ونعم الخلف من نعم السّلف» ولم يذكر أنه أخذ عنهما.

- وفي ترجمة الشّيخ محمد بن سلّوم (ت 1246 هـ) رقم (652)

(1)

ذكر أولاده ناصر وأحمد وقال عن أحمد- فيما يظهر-:

والد صاحبنا عبد الله، وعبد الله هذا لم يذكره فلعلّه مات بعده وهو صاحبه لا شيخه.

- وذكر عبد الرّحمن بن غنّام النّجديّ، ثم الدّمشقيّ (ت 1282 هـ) في ترجمة والده

(2)

وذكر أنه كان سمح النّفس بإعارة الكتب، فهل لقيه في دمشق واستعار منه بعض الكتب؟ وهل أفاد منه، أو تتلمذ عليه؟.

- وذكر في ترجمة أحمد البعليّ (ت 1189 هـ)

(3)

خبرا نقله عن سليم العطّار الدّمشقيّ (ت 1307 هـ) بلفظ (أخبرني) فهل هو من شيوخه أو مفيديه؟!.

(1)

السحب الوابلة: 1012 ترجمة رقم: (653).

(2)

السحب الوابلة: 812 ترجمة رقم: (509).

(3)

السحب الوابلة: 175 ترجمة رقم: (85).

ص: 42

- ويظهر أنّ من شيخوخه: محمد بن يحيى بن فايز بن ظهيرة المكّيّ الحنبليّ (ت 1271 هـ) ولم يترجم في «السّحب» وذكره عرضا في ترجمة (سيف بن محمّد العتيقيّ)

(1)

قال: «وقد سمعت الثناء على المترجم من جملة مشايخى، منهم المذكور [عبد الجبّار البصري] ومنهم سلفي في إفتاء الحنابلة الشّيخ محمد بن يحيى بن فايز بن ظهيرة القرشيّ المخزوميّ المتوفى سنة 1271 هـ وقد ناف على المائة، وهو رجل مبارك متعبد، قليل العلميّة، وكان يتولى الإفتاء في شبيبته بعد وفاة والده [هل كان والده مفتيا حنبليّا؟

(2)

] فصار يكتب له الفتاوى الشيخ يوشع الحنبلي

(3)

، من بيت سنبل، ثم شيخنا الشيخ محمد الهديبي، ثم الحقير، واستمرّ في وظيفته ثمانين سنة، ولا أعلم صاحب منصب ديني ولا دنيوي مكث هذه المدّة».

‌أقوال العلماء فيه:

قال تلميذه الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام في ترجمة شيخه في آخر السّحب الوابلة: «شخينا، العالم، العلامة، الحبر، البحر، الفهّامة، الفاضل، الشّيخ

ثم قال: حصّل وبرع ووصل إلى رتبة التّأليف».

(1)

السحب الوابلة: 418 ترجمة رقم: (270).

(2)

لم يذكره المؤلّف في السحب أيضا فهل هو غير حنبلي المذهب؟!.

(3)

لم يذكر ليوشع المذكور ترجمة في السحب، وهو حنبلي كما يقول؟! ولم أعثر على أخباره.

ص: 43

وقال تلميذه أيضا الشّيخ عبد الله مرداد:

(1)

«مفتي الحنابلة بمكّة النّسابة .. الخطيب، والإمام، والمدرّس بالمسجد الحرام، علامة نحرير، خطيب مصقع، كان نادرة العصر، ماهرا في العلوم الأدبيّة والعقلية، عارفا بالأحاديث، والشّعر، وسائر العلوم الشّرعيّة، جامعا لأشتات الفضائل، وله قصائد غرر وشعر بليغ» وزاد في الأصل:

«تشهد بنبله وتسمو الهمم العالية لمثله» وكانت الفتوى على مذهب الحنابلة بمكّة معطلة سنين بعد موت مفتيها الشّيخ محمد بن يحيى بن ظهيرة سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف إلى أن وليها المترجم».

وقال الشّيخ محمد مراد الشطّيّ

(2)

: «مفتي الحنابلة بمكّة المكرمة، الإمام، العلامة، الفقيه، المحدّث، المتقن، كان ذا علم وسيع، وفهم رفيع، بالغا أعلى مراتب التّقوى، مرجعا لأرباب العلم والفتوى، كثير المحبّة والاعتناء بشيخ الإسلام تقىّ الدّين بن تيميّة وتلامذته، له التقدم الواسع في العلوم العقلية والنقلية.» .

قال الشّيخ إبراهيم بن ضويّان

(3)

: «كان فقيها ذكيّا، جيّد الحفظ، رحل إلى الأمصار، وطاف بلاد الحجاز، واليمن، والشّام، ومصر، وغيرها وأخذ عن علماء هذه الأقطار» .

ووصفه الكتّاني

(4)

ب «العلّامة الأديب، المؤرّخ، المسند» وقال ثانية: «مفتى الحنابلة بمكّة المؤرّخ العلّامة» .

(1)

نشر النّور والزّهر: 424.

(2)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(3)

علماء نجد: 865.

(4)

فهرس الفهارس: 519.

ص: 44

وقال الشّيخ عبد الستّار الدّهلويّ:

(1)

«درّس بالمسجد الحرام، وله شعر رقيق كعقود الدّرر، حامل لواء المجد في التّفسير والحديث، حقّق في مذهب أحمد حتّى بلغ فيه النّهاية، ووصل فيه إلى الغاية» .

وقال شيخنا ابن بسّام

(2)

: «والقصد أنّ المترجم له جدّ واجتهد في طلب العلم وتحصيله، وترك لأجله وطنه، وجاب الأقطار والأمصار في سبيله، حتّى بلغ مبلغا كبيرا، فصار مفسّرا، ومحدّثا وأصوليا، وفقيها، أديبا، لغويا، وبهذا زاد على ما اعتاده طبقته من الاقتصار على تحرير الفقه الحنبليّ دون غيره من العلوم» .

قال الشّيخ محمّد أمين أفندي الجنديّ الحنفيّ (ت 1291 هـ) مفتي دمشق في تقريظه لكتاب «السّحب الوابلة» : «وكان ممّن حظيت بمذاكرته، وحصّلت الفوائد من مسامرته، العالم العامل، الهمام الفاضل، مولانا الشّيخ محمد أفندي مفتي السّادة الحنبليّة، والمختص بالكمال بأسنى مزيّة، وكان- حفظه الله- يمنحني الزّيارة غبّا، ولا يألوني أناسا وملاطفة وحبّا فأطلعني على بعض آثاره الحسنة التي منها هذا الكتاب، فلله درّه قد أجاد فيه كلّ الإجادة وللغرض أصاب، ولا زالت شجرة علمه نامية على ممر الأزمان، وثمرة علمه مقبولة لدى الملك الدّيّان» .

(1)

علماء نجد: 865.

(2)

المصدر نفسه.

ص: 45

‌تولّيه المقام الحنبليّ بمكّة:

قال تلميذه الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام «تولى منصب الإفتاء ومقام الحنبلي في مكّة المشرفة أظنّه في حدود سنة 1282 هـ ولقد قام بحقوق الإمام القيام التّامّ إلى أن توفي .. » .

وعلّق أحد قرّاء الكتاب- أظنّه حفيد المؤلّف- على هامش الورقة بقوله: «قلت: تولّى الإمامة لمقام الحنبلي سنة 1264 هـ، وأمّا الإفتاء فلا أعلم متى، لعلّه كما ذكر تلميذه والله أعلم» .

أقول: أما تولّيه المقام الحنبلي فهو كما ذكر صاحب التّعليقة سنة 1264 هـ كذا نقل شيخنا عبد الله البسّام

(1)

عن نسخة من خطّ المؤلّف في رسالة بعث بها إلى صديقه محمد بن عبد الله بن مانع- رحمهما الله- جاء فيها: «من المحب الدّاعي محمد بن عبد الله بن حميد إلي جناب الشّيخ الأجلّ الأمجد الأنبل محبّنا وحبيبنا، أخي الرّوح وشيققها، ووردها وشقيقها، بل شيخنا، المكرم، الأحشم، الشيخ محمد بن عبد الله بن مانع من اتحد اسمى واسمه فكان ذلك دليلا على أنّ اتحاد المسمى أقوى دليل، ومن دام لي ودّه حتّى كاد أن يبطل قول القائل: «لا يدوم خليل» أمّا بعد إبلاغ السلام التامّ عليكم فقد صدرت الأحرف من بطن مكّة المشرّفة ومحبّكم بحال الصّحة والسّلامة، أمّا ما أخبرتكم عنه سابقا من جهة السّفر فإنّني صمّمت

(1)

علماء نجد: 864.

ص: 46

واتخذت في أهبة السّفر بحيث ما بقي إلّا أن أمشي، وإذا ببعض أصحابنا من العلماء الذين يجالسون الشّريف قد أتوا إلىّ وقالوا: قد جرى اليوم عند الشّريف ذكر المقام الحنبليّ، وأنّ إمامه الذي يباشره الآن ضعف وعجز عن النّهوض، وأنه ليس من يسدّ بدله إلّا فلان، وهو عازم على السّفر يعنون الحقير، وإذا بالشّريف قد أرسله إلي، فامتنعت عن ذلك لعلمي بأنّى لست أهلا، ولكوني قد عزمت على السّفر، فأشار الحاضرون بترك السّفر والالتزام بهذا الأمر، ولا سيما شيخنا أحمد الدّمياطي، وصاحبنا حسين مفتى المالكية، فإنّهما ألحا على الحقير وبالغا في ذلك، وإذا بالشّيخ حسين قد أتى من الغد ومعه تقرير من الشّريف كما جرت به العادة، وصورته- بعد الصدر-:

«إننا قد قررنا ونصّبنا فلان بن فلان في المقام الحنبلي فلا يعارضه في ذلك معارض ولا ينازعه منازع

إلى آخره».

فاستخرت الله- سبحانه وتعالى وعزمت على الإقامة إلى أن يوافى الإنسان حمامه فيها، وأرجو أنه عين الخير دنيا وأخرى، وحال التأريخ برز أمر من سيّدنا الشّريف أن كل أهل مذهب يقرءون على أعلم من يوجد منهم، وعين للحنفية عالم منهم يقال له:

الشيخ محمد الكتبي، وللشّافعية شيخنا أحمد الدّمياطي، والمالكية الشيخ حسين، وقالوا للحقير في جمادى 1264 هـ».

هذا نص واضح في توليه المقام والتّدريس. ونقل الشيخ عبد الله مرداد في كتابه «نشر النّور والزّهر» (الأصل) وكانت الفتوى

ص: 47

على مذهب الحنابلة بمكّة متعطلة سنين من بعد موت مفتيها الشّيخ محمد بن يحيى بن ظهيرة المكّي سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف إلى أن وليها المترجم كما أفاد بعض الأفاضل، وقد أرّخ ذلك الأديب السيّد محمد شكري أفندي المكّي بقوله:

تاج المفاخر قد تكلّل

والدّهر بالبشرى تهلّل

لمّا ولى الفتوى بمذ

هب [أحمد] الورع المفضّل

العالم العلم الشّهي

ر محمّد الشّرقي المبجّل

الألمعى الفطن الأري

ب اللّوذعي حلّال معضل

من شاد مذهب أحمد

من بعد ما قد كاد يهمل

من وافت الفتوى له

كالبدر برج السّعد حل

أرخه طاب لقد زهى

بمحمّد فتوى ابن حنبل

أقول: والشّيخ حسين مفتى المالكيّة: هو حسين بن إبراهيم المالكيّ (1222 - 1292 هـ) مغربي الأصل، من أهل طرابلس، تولى الإفتاء بمكّة سنة 1262 هـ.

‌تلاميذه:

تصدّر ابن حميد للتّدريس فأخذ عنه العلم عدد كبير من طلبة العلم من المكّيين والوافدين إلى مكّة من النّجديين وغيرهم، وطلبت

ص: 48

منه الإجازات. ومن أشهر تلاميذه:

‌1 - ابنه الشّيخ عليّ بن محمد بن حميد (ت 1306 هـ)

.

ولى الإفتاء والإمامة للحنابلة بمكّة المشرّفة بعد أبيه، وكان رجلا، صالحا، ورعا، طلب منه أن يوقّع على مضبطة فتوى فتورّع من ذلك فعزل. كذا قال الشّيخ عبد الستار الدّهلوي- رحمه الله في رجال القرن الثّالث عشر.

‌2 - الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام (ت 1307 هـ):

أحد تلاميذه والآخذين عنه وترجم ابن بسّام هذا لشيخه ابن حميد في آخر كتابه «السّحب الوابلة» وجاء في ترجمته: «قرأت عليه عام 1289 هـ مدّة شهرين .. في الفقه في مكّة المشرفة، وأيضا قرأت عليه عام 1291 هـ في شرح «زاد المستقنع» للشّيخ منصور، وفي ترجمة ابن مانع قال الشّيخ في «السّحب»:

(1)

ورثاه تلميذه الشّاب الذّكيّ النّجيب، والفاضل، الزكيّ، الأديب، الشّيخ صالح بن عبد الله بن بسّام أدام الله تعالى توفيقه، وثبّتنا وإيّاه على السّلوك في أعدل منهاج وأقوم طريقه .. » وتوفى في عنيزة بالتأريخ المذكور.

(1)

السحب الوابلة: 2/ 954.

ص: 49

‌3 - الشّيخ خلف بن إبراهيم بن هدهود النّجديّ العنيزيّ ثم المكيّ (ت سنة 1315 هـ):

ولي إفتاء الحنابلة بعد عليّ بن حميد، ابن الشّيخ المؤلّف، واستمرّ في ذلك عشرين سنة حتّى وفاته. قال الشّيخ عبد الستار الدّهلوي- رحمه الله» ومنهم- أي من مشايخه- شيخنا العلّامة زبدة العلماء، مفتي مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيخ خلف بن إبراهيم الحنبلي النجدي الأثري، قرأت عليهالمسلسل بالحنابلة في بيته في مكّة المكرمة، وأجازني مشافهة به وبما يجوز له من الرّواية عن مشايخه»

(1)

.

‌4 - الشّيخ إبراهيم بن خليل التّونسيّ (ت

؟):

قال الكتّانيّ في «فهرس الفهارس»

(2)

هو العلّامة الشيخ مصطفى بن خليل التّونسيّ. قرأ بالأزهر، ومكة المكرمة، وأجيز فيهما من السّيد عبد الله كوجك البخاري .. ومحمّد بن عبد الله بن حميد الحنبلي المكي الشّرقي.» وذكر شيوخه ثم قال: ولابن خليل المترجم مجموعة تضمنت إجازات مشايخه المذكورين له ومشايخهم، وهي في مجلّد لطيف أطولها وأفيدها إجازة ابن حميد الشّرقيّ .. ».

(1)

علماء نجد: 1/ 250.

(2)

فهرس الفهارس: 1/ 376.

ص: 50

‌5 - عبد الحيّ بن عبد الحليم اللّكنويّ الأنصاريّ الهنديّ، أبو الحسنات (ت 130 هـ):

قال الكتّاني

(1)

«خاتمة علماء الهند، وأكثرهم تأليفا، وأتمهم تحريرا واطلاعا وإنصافا. ولد سنة 1264 هـ .. وأجازه دحلان، والشّيخ عبد الغني وغيرهما من شيوخ أبيه، وزاد بالأخذ عن مفتي الحنابلة بمكة محمّد بن عبد الله بن حميد الشّرقيّ المكيّ .. »

(2)

.

‌6 - الشّيخ علي بن سليمان الدّمنتّي البجمعوني المغربيّ (ت 1306 هـ):

قال الكتّانيّ

(3)

«الفقيه، المحدّث، الصّالح، البركة، النّاسك، صاحب التآليف العديدة ولىّ الله، أبو الحسن على بن سليمان ..

المولود سنة 1234 هـ بدمنات، والمتوفى بمراكش 28 ربيع الثاني سنة 1306 هـ. وذكر ابن حميد من بين شيوخه، وأنه قرّض مع مجموعة من العلماء بعض مؤلفاته. قال:«ومفتى الحنابلة بمكّة محمد بن عبد الله بن حميد الشّرقي» وله ثبت بأسانيده اسمه:

«أجلى مسانيد على الرّحمن في أعلى أسانيد عليّ بن سليمان» .

(1)

المصدر نفسه: 2/ 728.

(2)

يراجع: الإعلام 7/ 59، والرسالة المستطرقة:217.

(3)

فهرس الفهارس: 1/ 176.

ص: 51

‌7 - الشيخ عبد الله أبو الخير مرداد (ت 1343 هـ):

ذكر شيخنا عبد الله البسّام في تلاميذه

(1)

. وقد احتفل بترجمته في كتابه «نشر النّور والزّهر» كما أسلفنا.

‌8 - الشّيخ إبراهيم بن سليمان الخنكيّ المكّيّ (ت

؟):

ذكره الكتانيّ في «فهرس الفهارس» في مواضع متصل السّند بابن حميد منها ص: 104. 140، 251، 520، 788، 1005 وفي الموضع الأخير في ترجمة السّفّارينيّ (ت 1188 هـ) قال:

«ونتّصل به مسلسلا بالحنابلة عن البرهان إبراهيم الخنكي الحنبلي اعتقادا، عن محمّد بن حميد الشّركي (الشّرقي) عن الشّهاب أحمد اللّبدي، وعبد الله بن عثمان النّابلسي» .

‌9 - الشيخ علي بن عايض العنيزي (ت 1317 هـ):

قاضي عنيزة المولود فيها سنة 1249 هـ وشيخ علّامتها عبد الرّحمن بن ناصر بن سعديّ رحمهما الله. أخذ عن الشّيخ ابن حميد في مكة المشرفة.

‌10 - عبد الكريم بن صالح بن شبل (ت 1275 هـ):

ذكره شيخنا ابن بسّام في ترجمة ابن حميد، في «علماء نجد»

(2)

وفيه «شرع في القراءة على علماء المسجد الحرام

ومن

(1)

علماء نجد: 493.

(2)

علماء نجد: 843.

ص: 52

النّجديين: الشّيخ محمد بن عبد الله بن حميد، مفتى الحنابلة بمكّة المكرّمة.

‌11 - عبد الله بن صالح بن شبل (ت بعد 1293 هـ):

قال شيخنا ابن بسّام

(1)

«رحل إلى مكّة المكرّمة للتّزوّد بالعلم .. فكان من مشايخه النّجديين: العلّامة الشيخ محمّد بن عبد الله ابن حميد، مفتي الحنابلة في الحرم الشّريف.

‌12 - محمّد بن عبد الكريم بن شبل (ت 1343 هـ):

ذكره شيخنا عبد الله البسّام

(2)

وذكر من شيوخه الشّيخ محمد ابن عبد الله بن حميد، وقال:«صاحب السّحب الوابلة» وذكر إجازته للشّيخ عبد الله بن خلف الدّحيان، وهي إجازة مختصرة لكنّها مفيدة. لو شرح فيها أحواله، وذكر الكتب التي قرأها، وترجم مشايخه فيها لكانت أكثر إفادة، ومع هذا هي تدل على اجتهاده في طلب العلم، وتنوّع ثقافته رحمه الله، وقال في إجازته المذكورة- لما ذكر سلسلة روايته للفقه-:«اعلم أن أئمّتنا الذين في السّلسلة المتقدمة ترجم للمتقدمين منهم الحافظ ابن رجب في «طبقاته» وللمتأخّرين شيخنا محمد بن حميد، وهما عندي ولله الحمد».

(1)

المصدر نفسه: 557.

(2)

المصدر نفسه: 843.

ص: 53

أقول: لو قال للمتقدمين ابن أبي يعلى (الشّهيد)، وللمتوسّطين ابن رجب وللمتأخّرين شيخنا

لكان الصّواب.

‌13 - مبارك آل مساعد البسّام مولاهم:

ذكر شيخنا عبد الله البسّام في شيوخه وقال: «تاجر كبير في مدينة جدّة وشاعر مجيد» .

‌14 - صالح بن دخيل بن جار الله من آل سابق:

نسخ سنة 1340 هـ «حواشي ابن حميد على المنتهى» قال في آخر النّسخة: «هذا آخر ما وجد من خطّ المصنّف العلّامة شيخنا محمد بن عبد الله بن حميد النّجديّ أصلا، العنيزيّ مولدا، المكيّ سكنا .. » .

وهو- فيما يظهر- عالم، ولم يذكره شيخنا ابن بسّام في علماء نجد، وذكر لي أنّ لديه الآن ترجمة له.

هذا ما أمكننا الآن معرفته من تلاميذه ولا شكّ أنّ له تلامذة غير هؤلاء لم نعرفهم بعد، والله تعالى أعلم.

‌وفاته:

توفي الشّيخ ابن حميد- رحمه الله في يوم الأحد اليوم الثّاني عشر من شعبان سنة 1295 هـ. في مدينة الطّائف، ودفن بالمقبرة الواقعة شمال مقبرة عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما.

ص: 54

قال الشّيخ عبد الله مرداد

(1)

: «وكان بينه وبين العلّامة الشيخ عبد الرّحمن سراج محبّة عظيمة، ومودة أكيدة، أمضوا زمانهم في الاجتماع والمباحثات في العلوم، والاشتغال بالأدب، والمطالعة في الدّواوين والمحاضرات، حتى إنه بعد أن دفن وقف الشّيخ عبد الرّحمن سراج يبكي على قبره وهو لا يقدر على تمالك نفسه» .

رواه تلميذه الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام بقصيدة ذكرها في ترجمته في أخر نسخته من «السّحب الوابلة» قال:

النّاس تبكي على الأطلال والدّمن

وكلّ حبّ من الأحباب ذى شجن

تبكي العيون وما عيني كمثلهم

إنّي على العالم النّحرير ذو حزن

فخر العلوم وطود العلم شامخه

تبكي عليه علوم الدّين والسّنن

يبكي عليه مقام للإمام غدا

من بعده فاقدا للفضل والحسن

لفقده قام أهل العلم قاطبة

يبكون ما حلّ بالإسلام من وهن

خطب الإمام الذي جلّت مناقبه

محمّد بن حميد الماهر الفطن

قد فارق الأهل والأوطان مطّلبا

للعلم دهرا ولم يعرج على وطن

قد كان شيخا لنا في العلم معتمدا

برّا نصوحا تقيّا ليس ذا محن

ليت المنيّة فاتته لنا زمنا

نجني من العلم أثمارا على الفنن

(1)

مختصر نشر النور والزهر: 424.

ص: 55

لم أنس يوما من الأيّام طلعته

واللّيل يأتي لنا في طائف الوسن

في القبر أضحى وحيدا أنسه عمل

بالفوز بالعلم أمسى رابح الثّمن

قد جاور الحبر في قبر وأرجو له

وسط الجنان جوارا منه لم يبن

سقى ثراه من الوسميّ هاطله

سحاب فضل من الرّحمن بالمنن

ما يبتغي نحونا غير الدّعاء له

والله يعلم ذا في السّرّ والعلن

ثمّ الصّلاة على المختار سيّدنا

والآل والصّحب والأتباع بالسّنن

‌مؤلّفاته:

اشتهر ابن حميد- رحمه الله بأنه كان مؤلّفا، وقد قال تلميذه الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام «حصّل وبرع ووصل إلى رتبة التّأليف» وقال الشّيخ محمد مراد أفندي الشّطّيّ

(1)

: «وألّف المؤلّفات» . لكنّه لم يكن مكثرا من التّأليف، إذ لم يؤثر عنه إلا بعض مؤلّفات أنفسها وأشهرها «السّحب الوابلة» لكن الإنسان يعجب لكثرة الكتب التي انتسخها بخطّه، أو ذيّل عليها هوامش بخطّ يده أيضا، أو تملّكها وقرأها، وهي كثيرة متنوعة يدلّ تنوعها على كثرة قراءته وتنوّع ثقافته، وإجادته لفنون مختلفة من العلم.

وقد وقفت على كتب كثيرة جدّا من هذا، لعلّ من أهمها:

(1)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

ص: 56

1 -

«شرح البخاري» للقسطلّاني نسخة في جستر بيتي بدبلن (إيرلندا) عليها تملكه بخطّه.

2 -

«لوامع الأنوار البهية .. » للعلامة السّفاريني بخطه في مكتبة شيخنا عبد الله البسّام ما عدا الورقة الأخيرة ذهب بذهابها تاريخ النّسخ، وقد تكون أسقطت عمدا؟! بسبب ما يكتب الشّيخ في آخر كتبه من توسّل بالنّبي صلى الله عليه وسلم، وهي منسوخة قبل سنة 1259 هـ؛ لأنه قرأها في هذا العام على شيخه عبد الله أبا بطين رحمه الله.

3 -

«حواشي ابن قندس» على «الفروع» لابن مفلح نسخة وزارة الأوقاف الكويتية، عليها خطّه وترجمة ناسخه الشّيخ ناصر الدّين بن زريق وأحال في ترجمته على «السّحب» .

4 -

«البلبل» في أصول الفقه للشّيخ سليمان بن عبد القوي الطّوفي في المكتبة السعودية بالرياض رقم 93، 86 بخطّه في رمضان سنة 1270 هـ في المسجد الحرام بمكة المشرفة.

5 -

وكتابه «ملخّص بغية الوعاة» بخطّه في الهند كما سيأتي في هذا المبحث إن شاء الله.

6 -

وكتاب «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب في المكتبة الوطنية بعنيزة، تتبعه كلّه وعلّق عليه، وصحّح واستدرك. يراجع (غاية العجب) في مؤلّفاته، أنهى قراءة الجزء الأول سنة 128 هـ، والجزء الثاني سنة 1271 هـ إلى غير ذلك من الكتب التي قرأها أو

ص: 57

نسخها أو ملكها، اطلعت على كثير منها وفي ذكرها إطالة.

إذا فانشغاله بالقراءة والتّتبع والتّعليق والاستدراك، وهي التي نسميها الآن القراءة الحرّة، ثم ما أنيط به من مهام وأعمال في الإمامة والفتوى، وانشغاله بالتّدريس، كلّ ذلك كان صارفا له عن التأليف. واخترام المنيّة له في سنّ النّضج والعطاء (قبل الستين) فلم تمهله لتكميل ما بدأه من تآليف كان على عزم لتأليفها، كما سنوضحه في الحديث هنا عن بعض مؤلّفاته. وإذا أضيف إلى ذلك ما له من علاقات اجتماعية بكثير من رؤساء وعلماء وأعيان مكّة والواردين عليها، وحضور مجالسهم، ومسامراتهم، ومحاضراتهم، كلّ هذا وذاك جعلاه يكون قليل التأليف، ومن أشهر مؤلفات ابن حميد- رحمه الله:

‌1 - كتابه هذا «السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» :

وسنفرد القول فيه إن شاء الله تعالى مفصّلا.

‌2 - «حاشية على شرح المنتهى» :

هذا الكتاب من أهمّ كتب ابن حميد التي وقفت عليها، أعرف الآن له نسختين خطيتين؛ إحداهما بخطّ تليمذه عبد الله بن عايض قاضي في عنيزة المتوفي سنة 1317 هـ. تقدم ذكره في تلاميذه، وهذه النّسخة نسخها بخطه الفائق على «شرح المنتهى» للمؤلف نفسه في المكتبة الوطنية بعنيزة التابعة للجامع الكبير كلاهما بخط المذكور.

ص: 58

والنّسخة الأخرى مجرّدة مفردة بخطّ تلميذه أيضا صالح بن دخيل بن جار الله آل سابق. وهذه الأخيرة في مكتبة الشّيخ عبد الله ابن خلف الدّحيان الموجودة الآن بمكتبة وزارة الأوقاف الكويتية (الموسوعة الفقهية) زوّدني بصورة منها الأخ المفضال محمد بن ناصر العجمي جزاه الله خيرا. منسوخة سنة 1340 هـ.

ذكر هذا الكتاب الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام وشيخنا عبد الله البسّام .. وغيرهما. وهو ثابت النّسبة إليه. جاء في آخره:

«هذا آخر ما وجد من خطّ المصنّف العلّامة شيخنا .. » ووافق الفراغ بقلم الحقير صالح بن دخيل بن جار الله من آل سابق، وذلك ضحى يوم الثّلاثاء نهار خمسة عشر مضت من شهر ربيع الأول سنة 1340 هـ» وقد وصل فيه إلى باب العتق.

أقول- وعلى الله أعتمد-: لا أدري هل يكون هو آخر مؤلفاته، مات قبل إتمامه مثلا؟! أو هو آخر ما كتب، ثم فترت عزيمته عن إتمامه؟!.

قال في أوّله: «وبعد فهذه هوامش عزيزة جمعتها من كلام الفضلاء على «شرح المنتهى» للشّيخ منصور البهوتي- رحمه الله تعالى ولم أذكر فيها شيئا من «حاشيته» «وحاشية تلميذه الشيخ محمد الخلوتي» و «حاشية تلميذه الشيخ عثمان بن أحمد النّجدي» إلا شيئا من ضمن كلام غيرهم، أو شيئا يسيرا سها عنه النظر.

ص: 59

والمراد بقولي: (ع ب) الشّيخ عبد الوهاب بن فيروز نقلته، من خطه على هوامش نسخته من الشّرح، وبقولي:(م ر) الإمام مرعي و (ش) شيشيني على «شرح المحرر» و (م س) العلامة محمد السفاريني، و (غ) الشيخ غنام بن محمّد النّجدي ثم الدمشقي، و (ع ر) العلامة عبد الرحمن البهوتي، وباقي الرّموز معلومة .. ».

يقول الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن بن سليمان العثيمين:

في الكتاب نقول نفيسة عن شيوخه أمثال الشيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبا بطين (ت 1282 هـ) وتلميذه الشّيخ علي بن محمد الرّاشد (ت 1303 هـ) وشيخه أيضا الشيخ محمد بن حمد الهديبي (ت 1262 هـ) وعن الشّيخ عبد القادر حفيد السفاريني (ت؟) ونقل عن الشيخ صالح النّجدي، ويقصد به صالح بن [محمد] بن عبد الله الصّائغ النّجدي العنيزيّ قاضيها المتوفى بها سنة 1184 هـ لأنه قال في موضع آخر:«من إملاء الشيخ الفقيه النبيه صالح بن عبد الله النّجديّ العنيزيّ رحمه الله سنة 1183» وإنما قال «من إملاء .. » لأن الشيخ كان أعمى، كذا ذكر المؤلّف في ترجمته في «السّحب الوابلة»

(1)

. كما تكرّر ذكر إبراهيم النّجدي، والمقصود إبراهيم أحمد بن يوسف الأشيقري النجد ثم الدمشقي المتوفى بها بعد سنة 1192 هـ.

(1)

السحب الوابلة: 430 ترجمة رقم: (280).

ص: 60

ونقل عن خطّ أحمد بن حسن بن رشيد الأحسائيّ المدنيّ (ت 1257 هـ)

(1)

ونقل عن الشيخ عيسى القدومي (ت؟) .. وغيرهم، ونقل عن غير هؤلاء أمثال ابن ذهلان وابن إسماعيل، وسليمان بن علي، وزامل بن سلطان .. وغيرهم كثير إلّا أن هؤلاء لم ينقل عنهم هو، وإنما نقل عنهم ابن فيروز والمنقور

وغيرهما من مصادره وعنهم نقل المؤلّف فهو نقل بواسطة ومن أهمّ غرائب النّقل عن الكتب ما نقله عن التذكرة» في الفقه لمن يسميه أحمد بن يحيى بن العماد، و «المقرر شرح المحرر للشيشيني» و «شرح كفاية المبتدى» لإبراهيم بن مصطفى بن عبّاس الموصلي، وإبراهيم هذا حنبليّ لم يذكره المؤلّف في «السّحب» ، ومثله أيضا ما نقله عن «شرح الدّليل» لعبد الله المقدسيّ؟! وعبد الله المقدسيّ هذا لم يرد في «السّحب» و «حواشي المنتهى» لعبد القادر الدّنوشري ونقل عن حواشي ابن نصر الله على «الفروع» وعلى «المحرّر» وعلى «الكافي» .. وغيرها كثير.

وتظهر أهمية هذا الكتاب بهذه النّقول التي قلّ أن توجد في غيره كما أنّ هذا الكتاب حلقة تنتظم في عقد ما ألّف على «المنتهى» من شروح وحواشي، وهو عمدة في كتب المذهب والله تعالى أعلم.

(1)

اطلعت على نسخة من «شرح المنتهى» عليها حواش للشيخ أحمد بن رشيد هذا بخطه وهي كثيرة جدا، وعلى النسخة خط الشيخ ابن حميد المؤلف.

ص: 61

‌3 - (غاية العجب في تتمّة طبقات ابن رجب):

هذا الكتاب لم يظهر إلي الوجود- فيما أظن- وإنّما هو مشروع كتاب إن صحّ هذا التعبير- فقد وقف ابن حميد على نسخة من كتاب ابن رجب: «الذّيل على طبقات الحنابلة» معظمه بخطّ ابن سلاته الطّرابلسي محمد بن أبي بكر بن علي بن صالح (ت بعد سنة 869 هـ) وهو عالم ذكره المؤلّف في «السّحب الوابلة» في موضعه

(1)

ونقل أخباره عن «الضّوء اللامع» قرأ ابن حميد هذه النّسخة سنة 1271 هـ كما يظهر في آخر الجزء الثّاني وعبارته فيه: «الحمد لله قد أنهاه مطالعة مترحّما على من ذكر فيه .. » ثم عاد إليه ثانية عام 1288 هـ ليمعن النّظر فيه قال آخر الجزء الأول «بلغ قصاصة وتتبّعا وإصلاحا لما يظهر للفهم الضّعيف .. » وقد تتبع النّسخة وأصلح كثيرا من عباراتها، وعلّق عليها بتعاليق نافعة، واستدرك على تراجمها بعض العلماء الذين أخلّ بعدم ذكرهم الحافظ ابن رجب- رحمه الله مما هو داخل في شرطه، ثم رأى أنّ العلماء الذين يمكن استدراكهم على ابن رجب أكثر من أن تستوعبهم الهوامش، فرجع إلى «الدرر الكامنة» فوجد فيها أمما لم يذكرهم ابن رجب فعقد العزم على تتبّعهم في المصادر وجمعهم في كتاب.

وهذه النّسخة موجودة في المكتبة الوطنية في عنيزة التابعة للجامع الكبير، ومنها مصورة في المكتبة المركزية في جامعة الإمام

(1)

السحب الوابلة: 898 ترجمة رقم: (573).

ص: 62

محمد بن سعود الإسلامية، قال ابن حميد في آخر هذه النّسخة المذكورة:«اعلم أنّ المؤلّف لم يذكر بعد الخمسين وسبعمائة- كما ترى- مع أنّ وفاته تأخّرت إلي سنة 795 هـ، ولكن كأنّ المنية اخترمته، وقد ترك أيضا جمعا غفيرا خصوصا من أهل المائة الثامنة الذين هم في عصره فقد ذكر منهم الحافظ ابن حجر جملة. أما من بعد الخمسين وسبعمائة فجمعتهم إلى زمني في طبقات مستقلة سمّيتها: «السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» وأمّامن أهمل ذكرهم ممن قبل فتتبعت بعضه في أوراق، وأنا على عزم أن أجمعهم في جزء مفرد من أول إبتدائه إلى انتهائه، وأرتبه إما على السنين- كالأصل- وإمّا على الأسماء وهو أسهل، وأسمّيه إن شاء الله تعالى:«غاية العجب في تتمة طبقات ابن رجب» ثم أورد في آخر النّسخة أوراقا ذكر فيها جملة من العلماء مرتبة على حروف المعجم، ثم ذكر بعدهم مجموعة من النّساء أيضا كذلك، وهم في غالبهم من «الدّرر الكامنة» أما ما ورد في ثنايا النّسخة على هوامشها فمن مصادر مختلفة أهمها تاريخ ابن رسول واسمه «نزهة العيون

» و «تاريخ ابن الوردى» ، و «تاريخ ابن شاكر الكتبي «فوات الوفيات» وغيرها كثير.

وقد يسّر الله تعالى للعبد الفقير إليه عبد الرحمن بن سليمان العثيمين- عفا الله عنه- تتبّع هذه النّسخة، وجمع تراجمها الموجودة على الهوامش، وضمّ ما ورد في الأوراق المرفقة بالنّسخة إليها،

ص: 63

وحذف المكرر- وهو قليل- وحذف ما ألغاه المؤلّف وضرب عليه بقلمه، ثم نسّقها ورتّبها على حروف المعجم وعلّق عليها بتعاليق تستوفي أخبار التّراجم من مصادر المؤلّف أولا، ثم ما أمكن من مصادر أخرى، وقد كمل العمل فيه منذ زمن بعيد ولله المنة، وقد أدّيت فيه كلّ ما باستطاعتي وبذلت كلّ ما في وسعي، وما أسعفتني به المصادر التي تحت يدي وقت إعداد العمل- وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

ولا يفوتني أن انبّه على أن الشّيخ محمد حامد الفقي- رحمه الله قد طبع في ملحق طبعته من «الذّيل على طبقات الحنابلة» بعض هذه التّراجم غير منسوبة إلى جامعها إما قصدا، وإمّا أنها في الأصل الذي طبع عنه غفل غير منسوبة، وهي غير مستوفاة ولا مخرّجة التّراجم شأن الكتاب كلّه، وعدد التراجم هناك (59) ترجمة وعدد ما أمكن جمعه منها (152) ترجمة فلله تعالى وحده الحمد والمنّة.

‌4 - (ملخص بغية الوعاة):

«بغية الوعاة في طبقات اللّغويين والنّحاة» تأليف جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ) كتاب معروف مشهور. وتلخيصه هذا لم أجد من ذكره ممن ترجم للمؤلف منسوبا إليه ونسبته إليه ظاهرة فهو بخطّه، وهذه النّسخة في المكتبة الآصفية في حيدرآباد بالهند رقم 17 تراجم، ويذكر هو أنه لخصه لنفسه،

ص: 64

وذلك أنه أراد أن ينسخ لنفسه نسخة من الكتاب فلم يسعفه الوقت فلخّص لنفسه هذا الكتاب، طلبا لاختصار الوقت. قال في مقدمته:

«فهذا منتخب من» بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة «لحافظ عصره، ومسند مصره، جلال الدين السيوطي قدس الله تعالى روحه لم يتيسر نقلها جميعها، فما لا يدرك كله لا يترك جله، قال بعد الخطبة .. » .

وقال ابن حميد في نهاية تلخيصه: «يقول كاتبه الحقير: هذا ما انتخبته من «بغية الوعاة .. » ولم أذكر جماعة من الأئمة المشاهير كإمام النحو سيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، وممن بعدهم كالجوهري صاحب «الصّحاح» والصاحب بن عباد، ومن المتأخرين كالعلامة ابن هشام، وولده محب الدين، وحفيده أحمد بن عبد الرّحمن، وسبطه شمس الدين محمد بن عبد الماجد العجمي، وجماعة من بعدهم كالعيني ومن عاصره؛ لأنّ تراجمهم مثبتة عندي في موضع آخر غير هذا فاكتفيت بها مع ضيق الوقت والعجلة.

واعلم أنّ المؤلف لم يذكر الملّا جامى، وتلميذه عبد الغفور، وهما مشهوران، ولا عصام الدين المشهور، صاحب «الأطول» و «شرح الكافية» و «حاشية الجامى» و «حاشية البيضاوي» وغيرهم في زمنه وإن بلغ الله في الأمل، وفسح في الأجل، تتبعت ما أهمله ممن سبقه وممن عاصره كالشيخ خالد الأزهري، ومن حدث بعده كالأشموني، فجمعت تراجمهم، يسر الله ذلك بمنه وكرمه. ووافق

ص: 65

الفراغ من هذه النّبذة ضحوة الاثنين 11 ذي القعدة سنة 1283 هـ في مكة المشرفة بقلم ملخّصها الحقير محمد بن عبد الله بن حميد مفتي الحنابلة بمكة المشرّفة لطف الله به آمين.

وفي النّسخة انقطاع في بعض الصفحات، وربما كان تقديم بعض الصفحات على بعضها، فالله أعلم فأنا لم أتابعها فلتراجع.

‌5 - جمع حواشي الخلوتي على الإقناع وشرحه:

ذكره تلميذه الشيخ صالح بن عبد الله البسّام، وشيخنا عبد الله البسّام وغيرهما ولم أقف عليه.

‌6 - وللشّيخ إجازة كتبها لتلميذه مصطفى بن خليل التونسي:

وهي إجازة حافلة ضمنها شيوخه ومروياته.

جاء في «فهرس الفهارس»

(1)

ووقع تسميته هذا الثّبت ونسبته للمذكور في إجازة الشّمس محمد بن عبد الله بن حميد العامري الشركي (الشّرقّي) المكّيّ مفتيهم بمكّة للشيخ مصطفى بن خليل التّونسي قال فيها: - لدى ذكر من روى عنه حديث الأولية-:

وأرويه عن السّيد محمد المساوى الأهدل .. وقال الكتاني في «فهرس الفهارس» أيضا

(2)

في ترجمة محمد بن خليل المذكور-: ولابن

(1)

فهرس الفهارس: 1/ 250.

(2)

المصدر نفسه: 377.

ص: 66

خليل المترجم مجموعة تضمنت إجازات مشايخه المذكورين له ومشايخهم في مجلّد لطيف، أطولها وأفيدها إجازة ابن حميد الشّرقي .. ».

‌7 - وذكر الشّيخ ابن حمدان:

في «متأخري الحنابلة» أنّ الشّيخ ابن حميد ألّف كتابا سمّاه:

«قرة العين في الردّ على أبابطين» .

قال ابن حمدان: «وأخذ عن قاضيها آنذاك عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين، ثم حصلت بينهما نفرة وعداوة بسبب رد الشيخ على داود بن جرجيس ودحلان فيما أجازاه من دعاء الأموات والغائبين فألّف ابن حميد مؤلفا ردّ به عليه سمّاه: «قرة العين في الردّ على با بطين «فردّ عليه الشّيخ عبد الرحمن بن حسن بكتابه الذي سماه «الحجة في الرد على اللّجة» واللّجة: لقب لمحمد بن حميد، لقّب به لكثرة كلامه ولغطه».

أقول: ما ذكره الشّيخ ابن حمدان يحتاج إلى تصحيح من أمور:

[ما ذكره الشّيخ ابن حمدان يحتاج إلى تصحيح من أمور:]

‌الأمر الأول:

لا نعرف لابن حميد كتابا بهذا الاسم. وإن كان جهلنا به لا ينفيه عنه.

‌الأمر الثّاني:

أنّ ردّ ابن حميد على شيخه لا يصل إلى حد النّدرة والعداوة فما زال ابن حميد يعظّم شيخه ويطريه بكل مناسبة يمرّ

ص: 67

له فيها ذكر، وإن خالفه، وهو بمخالفته إياه في نظري مخطئ بلا شك، وعادل عن جادّة الصّواب، وهو في رأيه الّذي ذهب إليه مخالف لمنهج السّلف الصّالح الذي نقله المحققون من العلماء.

‌الأمر الثّالث:

أنّ مخالفته لشيخه الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبابطين واعتراضه عليه إنّما هو في شأن القصيدة المعروفة «بالبردة» التي نظمها البوصيري في مدح النّبي صلى الله عليه وسلم، لا كما قال الشّيخ ابن حمدان؟!

‌الأمر الرّابع:

أنّ اسم كتاب الشّيخ عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله في الردّ على ابن حميد «بيان المحجة .. » لا المحجة وهو مطبوع ضمن مجموعة (التوحيد) ..

‌الأمر الخامس:

أنّ اللّجة لم يكن لقب لابن حميد لقب به لكثرة كلامه ولغطه كما يقول ابن حمدان؟! بل هو لقب لأبيه سرى اللّقب عليه بعده كذا قال شيخنا عبد الله البسّام في ترجمته في «علماء نجد» وكذا هو معروف مستفيض عند كثير من أهل عنيزة- وهي بلدة- ممن لهم معرفة بالأنساب والألقاب.

قال الشّيخ عبد الرحمن بن حسن- رحمه الله في صدر كتاب «بيان المحجة» : «أما بعد: فأنّى وقفت على جواب الشيخ عبد الله بن عبد الرّحمن وقد سئل عن أبيات من «البردة» وما فيها من الغلوّ والشّرك العظيم المضاهي لشرك النّصارى ونحوهم ممن صرف

ص: 68

خصائص الربوبية والإلهية لغير الله كما هو صريح الأبيات المذكورة في «البردة» .. فاعترض عليه جاهل ضال فقال مبرئا لصاحب الأبيات من ذلك الشّرك .. ».

‌8 - ونسب إليه الأستاذ الزّركلي في «الأعلام»

(1)

«النّعت الأكمل

.. ».

وقال: «ذكره في السّحب الوابلة» ،. وتبعه الأستاذ عمر رضا كحالة في «معجم المؤلفين»

(2)

أقول: لم يرد ذكر في «السحب الوابلة» لهذا الكتاب على أنّه من تأليفه، ولا أعرف أي دليل على أنه ألف كتابا بهذا الاسم، وإنما نسب إلى حفيده عبد الله بن علي ابن محمد بن حميد أنه ألّف كتابا بهذا الاسم جعله ذيلا على كتاب جده، ولم أتحقق صحة ذلك.

و «النّعت الأكمل .. » مشهور النّسبة إلى الكمال الغزى، وقد ذكره ابن حميد- رحمه الله في ترجمة الشيخ أحمد البعلي (ت 1189 هـ)

(3)

قال: «قلت: ذكره أيضا العلّامة كمال الدّين محمد الغزّى في كتابه: «الورود الأنسى .. » وفي كتابه: «النعت الأكمل .. » .

(1)

الأعلام: 6/ 243.

(2)

معجم المؤلفين: 10/ 226، 227.

(3)

السحب الوابلة: 174 الترجمة رقم (85).

ص: 69

ولا أعلم أنه اطلع على كتاب الغزى «النّعت الأكمل .. » وقد استدركت منه مجموعة من العلماء لم يذكرهم ابن حميد في كتابه، ولو اطلع عليه لذكره في عداد مصادره ولأفاد منه فوائد جليلة.

‌9 - قال شيخنا ابن بسام

(1)

:

«وله قصائد جياد، ومراسلات أدبية لو جمعت لصارت ديوانا متوسطا. وقال الشيخ عبد الله مرداد: «له قصائد غرر، وشعر بليغ، وقال الشيخ عبد الستار الدهلوي: «وله شعر رقيق كعقود الدرر» .

أقول: وقفت على نماذج من شعره كقصيدته التي رثى بها شيخه عبد الجبار البصري وغيرها. وهو في نظري كغيره من أشعار العلماء، ليس رقيقا ولا بديعا كما وصف. والذين وصفوا شعره من العلماء لا من الأدباء النّقاد فقد يكون رقيقا بديعا إذا قيس بشعر غيره من بعض علماء عصره لا بشعر الشعراء المجيدين، والله تعالى أعلم.

(1)

علماء نجد:

ص: 70

‌السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة

- نظرات في الكتاب

- اسم الكتاب

- تأريخ تأليفه.

- شهرته.

- منهج المؤلّف فيه.

- أسلوبه

- مصادره.

- من فوائده.

- أثر شخصيّة المؤلّف.

- أمانته في النّقل.

- أخطاء وقع فيها المؤلّف.

- ابن حميد يصل سلسلة الطّبقات.

الاهتمام بالحنابلة بعد ابن حميد.

- قلّة علماء نجد في الكتاب.

- الاستدراك عليه.

- وصف النّسخة الخطّية

ص: 71

‌اسم الكتاب:

«السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» ، هذا عنوان الكتاب الذي اختاره المؤلّف ورسمه على غلاف النّسخة التي بخطّه، وهي التي اعتمدناها دون سواها في التّحقيق

(1)

، وهكذا صرّح المؤلّف نفسه بهذه التّسمية في مقدّمة الكتاب حيث قال: وسمّيتها:

«السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» ، وسمّاها المؤلّف ابن حميد بخطّ يده أيضا لما عرّف ب (ابن زريق المقدسيّ الحنبليّ) في آخر كتاب «حواشي ابن قندس على الفروع لابن مفلح» وهو بخطّ ابن زريق المذكور:«السّحب الوابلة في طبقات الحنابلة» تراجع نسخة مكتبة الأوقاف الكويتية من الكتاب المذكور.

وذكر تلميذ المؤلّف الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام في آخر نسخته من «السّحب الوابلة» في ذكر ابن حمود الزّبيريّ قال:

«ولذلك لم يذكره في كتابه: «السّحب الوابلة في تراجم الحنابلة» ، لكن المعتمد ما كتب على نسخة الأصل وهو ما ورد صريحا في المقدّمة كما ترى.

‌تأريخ تأليفه:

وذكر المؤلّف في أواخر كتابه- قبل تراجم النّساء- أنه قرأه

(1)

مذهب المحقّقين أنه إذا وجد خطّ المؤلّف يعتمد عليه دون سواه وخاصة إذا تأكد المحقّق أنه آخر إخراج للكتاب.

ص: 72

نقلا عن مسوّدته الثانية قال: « .. ووافق ذلك بعد صلاة الظّهر من يوم الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة من شهور سنة 1288 هـ

وذلك في خلوته بمدرسة الوزير المرحوم محمّد باشا في جانب باب الزّيادة شامي مكّة المشرّفة.

ولا نعلم متى بدأ الكتابة فيه، ولم يذكر في المقدمة ما يدلّ على ذلك، وكلامه المتقدّم يدلّ على أنّه سوّده مرّتين. وفي ثنايا الكتاب ما يدلّ على أنّه استمرّ في الكتابة فيه بعد هذا التأريخ يلحق فيه ويستدرك كلّ ترجمة يتوصّل إلى معرفتها، ويظهر أنّ آخر ترجمة كتبها وألحقها فيه هي ترجمة زميله الشّيخ محمّد بن عبد الله المانع (ت 1291 هـ) رحمه الله تعالى.

‌شهرة الكتاب:

هذا الكتاب من أشهر مؤلّفات ابن حميد- رحمه الله، بل قد لا أكون مغاليا إذا قلت: إنه سبب شهرته في الأوساط العلميّة لا سيّما بعد وفاته، وقد عرف الكتاب في حياة مؤلّفه، وذلك أنّه أتمّه تأليفا وقراءة نقلا عن مسوّدته الثانية سنة 1288 هـ، أي قبل سبع سنين من وفاته، وقد اشتهر الكتاب قبل ذلك وهو لا يزال في مسوّداته، وشرّق وغرّب وانتسخ، ثم بعد ذلك انتشر ووصلت نسخ منه إلى المغرب والهند

، ولقي استحسان كثير من أهل العلم.

وكثير من العلماء يعرّفون بالمؤلّف بأنّه صاحب كتاب «السّحب

ص: 73

الوابلة»، قال الشّيخ عبد الله مرداد في نشر النّور والزّهر

(1)

(مختصره): «

مفتي الحنابلة بمكة المكرمة النّسابة صاحب «السّحب الوابلة» ، وقال الشّيخ عبد الحي الكتّانيّ في فهرس الفهارس

(2)

: «العلّامة الأديب المؤرّخ المسند مذيّل «طبقات الحنابلة» للحافظ ابن رجب

»، وقال الشّيخ محمّد مراد أفندي في مسوّدة طبقات الحنابلة: مختصر طبقات الحنابلة للشّطّيّ

(3)

: «وألّف مؤلفات منها: «السّحب الوابلة .. » ، وقال الأستاذ الزّركليّ في «الأعلام»

(4)

: ومن كتبه «السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة في تراجم الحنابلة «استفدت منه كثيرا، وعنه في «معجم المؤلّفين»

(5)

:

وقال الشّيخ سليمان بن حمدان في كتابه «متأخّري الحنابلة» :

«وألّف ذيلا على طبقات ابن رجب سماه: «السّحب الوابلة» لم يعرّج فيه على ذكر أحد من أئمّة هذه الدّعوة النّجديّة المباركة الدّينية من أولاد الشيخ محمد وأحفاده فمن بعدهم، ولا لعلماء نجد الأعلام سترا منه للحقّ الواضح، وبخسا لميزان الفضل الرّاجح، وإن مرّ لهم ذكر بمناسبة بعض الحوادث تبرّأ منهم براءة الذئب من دم يوسف، وإنّما ذكر أناسا يعدّون بالأصابع جديرين بالذّكر، وباقي

(1)

نشر النور والزهر: 423.

(2)

فهرس الفهارس: 1/ 519.

(3)

مختصر طبقات الحنابلة: 192.

(4)

الأعلام: 6/ 243.

(5)

معجم المؤلفين: 10/ 227.

ص: 74

الذين ذكرهم وتكثّر بهم أناس قد ترجمهم ابن رجب وابن عبد الهادي وغيرهم».

أقول: ما ذكره الشّيخ ابن حمدان- رحمه الله أنه لم يعرّج على أئمة الدّعوة صحيح، وموقف المؤلّف- ابن حميد- من الدّعوة وإمامها واضح، وهو موقف مشين ومزر بصاحبه لا شكّ في ذلك، وقد رددنا على دعاواه الباطلة ومزاعمه الفاسدة، وأوضحنا أنّ عدم ذكره لأئمّة الدّعوة ودعاتها- وهم من الحنابلة، بل من فضلاء علمائهم- مخالفة للمنهج السّليم، والتّعرّض لهم بالسلب والثّلب والانتقاص تجنّ ظاهر ليس له فيه حجّة ولا برهان، وإنّما هو اتباع للهوى، وبعد عن الإنصاف، وتأثر بالظّروف السّياسية المحيطة به، وتأثر كبير بشيوخه من الصّوفيّة وأهل البدع

، لكنّ هذا لا يمنعنا أبدا أن نقول كلمة حقّ في كتابه هذا في جودته، وشموله لأغلب علماء الحنابلة بعد ابن رجب، وأنّ جهده في الكتاب ظاهر، والفائدة منه مرجوة إن شاء الله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (8).

وقول الشّيخ ابن حمدان: «إنّما ذكر أناسا يعدّون بالأصابع جديرين بالذّكر وباقي الذين ذكرهم وتكثّر بهم أناس قد ترجمهم ابن رجب، وابن عبد الهادي وغيرهم» .

أقول: هذا خطأ من الشّيخ- عفا الله عنه ورحمه- فكيف

ص: 75

يكون تكثّر بأناس ذكرهم ابن رجب وهو ذيل عليه؟! وكتاب ابن عبد الهادي لم يطّلع عليه ابن حميد بكلّ تأكيد، وتراجم كتاب ابن عبد الهادي بجملتها لا تصل إلى ربع كتاب ابن حميد هذا؟! وكيف تكون تراجمه تعدّ على الأصابع وقد ذكر ما يقرب من خمسين وثمانمائة ترجمة؟! هذا لا يعدّ إنصافا من الشّيخ ابن حمدان، ولا عدلا في القضيّة، عفا الله عنه ورحمه.

والشّيخ ابن حمدان في كتابه المذكور نقل كثيرا من التّراجم بأكملها عن ابن حميد نقلا حرفيّا منه دون عزو إلى الشّيخ ابن حميد أو إلى «السّحب» ولم يرد على ما ذكر من المعلومات شيئا عن غيره، فسبحان الله يعيبه ويستنقصه ثمّ ينقل عنه دون سواه في كثير من تراجمه؟! أقول هذا ولكنّي ألتمس العذر للشّيخ ابن حمدان- رحمه الله فلا يجوز أن نتّهمه في أمانته في النّقل، ولا في نقله التراجم بأكملها فهذا منهج العلماء قديما وحديثا، ينقل متأخرهم عن متقدّمهم، وكثير منهم يهمل العزو، واعتمادا على ذكره مرة أو مرتين في سائر الكتاب، ولم يؤلّفه ابن حميد إلّا له ولأمثاله من العلماء فلينقل عنه ما شاء، ومردّ ذلك في نظري إلى أنه ترك كتابه مسوّدات على أمل أن يعود إليها فيحرّرها ويعزو الأقوال والنّقول، ويضيف إلى تراجمها ما تسعفه به المصادر المختلفة من المعلومات، إلا أنّ الزّمن لم يسعفه والمنيّة لم تمهله، غفر الله له وعفا عنه، وقد قصدت بذلك أنّ ابن حمدان- رحمه الله، يعرف الكتاب معرفة

ص: 76

الخبير به، البصير بمعلوماته، فكيف يقول هذه المقالة؟! وأمّا شيخنا ابن بسّام- حفظه الله- فإنّه ذكره في صدر مؤلّفاته في ترجمته في كتاب «علماء نجد»

(1)

، وقال:«ونسخ الكتاب مختلفة اختلافا كبيرا جدّا ولا سيّما في تراجم علماء نجد الذين يمليهم تلقائيا من أفواه ومكاتبات المخبرين، وأوسع نسخة في هذا الكتاب هي نسخة الشّيخ عبد السّتار الدّهلوي، ويرجّح أنّها في مكتبة الشّيخ محمّد بن مانع، ونسخة دار الكتب المصريّة أرجّح أنّها منسوخة منها» .

وكلام الشّيخ هذا ليس على إطلاقه، نعم يوجد بعض الاختلاف، أمّا أنه كبير جدا فلا، بل الاختلاف يسير، إلّا إذا كان الشّيخ قد وقف على نسخ غير تلك التي وقفنا عليها يظهر فيها فرق، فالله أعلم.

يوجد إضافات لبعض التّراجم في هوامش الكتاب وقف عليها المؤلّف- فيما يظهر- بعد إتمام الكتاب وتبييضه فألحقها في الهوامش، وهي قليلة جدّا بالنّظر إلى عدد تراجم الكتاب. وكثير من نسخ الكتاب التي وقفت عليها نسخت عن الأصل بعد زيادة هذه التّراجم، وقد يكون هناك نسخ نسخت عنه قبل هذه الزّيادة خلت منها اطلع عليها شيخنا، وقوله: «أوسع نسخة في هذا الكتاب هي نسخة الشّيخ عبد السّتّار الدّهلويّ

»، لو قال: أوسع نسخة

(1)

علماء نجد: 3/ 868.

ص: 77

اطّلعت عليها لكان أجود وأصوب، لأنّ نسختنا المعتمدة هي نسخة المؤلّف التي بخطّه وهي آخر إخراج للكتاب فيما أظنّ فهي بلا شكّ أتم وأوفى من أي نسخة أخرى.

‌منهج المؤلّف في الكتاب:

من المعلوم أنّ هذا الكتاب ذيل على كتاب الحافظ ابن رجب (ت 795)«الذّيل على طبقات الحنابلة» ، والحافظ ابن رجب ذيّل على كتاب القاضي ابن أبي يعلى (ت 526 هـ).

ومنهج الحافظ ابن رجب في كتابه هو منهج القاضي ابن أبي يعلى، وهو ترتيب المترجمين طبقات كما توحي به التّسمية، لكنّ ابن حميد رأى أنّه من المفيد ترتيب الكتاب على حروف المعجم؛ لأنّ ذلك أسهل للكشف عن موقع التّرجمة، ولأنّ كثيرا من المترجمين لا تعرف وفياتهم أصلا، أو لاتعرف وفياتهم على التّعيين، وترتيبهم على حروف المعجم لا يتأثر بذلك، واشتمل الكتاب على ما يقرب من خمسين وثمانمائة ترجمة، أورد تراجم الرّجال أولا، ورتبهم على حروف المعجم- كما أسلفت- ثم ذكر جملة من العلماء الذين لم يعثر على تراجمهم، وأهاب بمن يجد في نفسه القدرة في الوقوف عليها أن يضمّنها الكتاب مأجورا مشكورا، وختم الكتاب، ثم أورد تراجم النّساء مرتبة على حروف المعجم أيضا.

ومن بين العلماء الذين سجّل المؤلّف تراجمهم في الكتاب طائفة

ص: 78

من علماء نجد تقرب من سبعين عالما

(1)

، وبقيّة العلماء والعالمات من بلاد الشّام، ومصر، والعراق، والحجاز، والأحساء، وأكثرهم من بلاد الشّام، وهذا شيء غير مستنكر؛ لأنّ بلاد الشّام في الفترة التي جمع المؤلّف تراجمها من أكثر البلاد حنابلة، وهم يقيمون بشكل ظاهر في صالحية دمشق، وبعض قرى الغوطة، ولهم في الجامع الأمويّ كرسيّ معروف بهم للوعظ، وحلقة إلقاء للدّروس، ولهم في فلسطين وجود في جبل نابلس والقرى التّابعة لها مثل مردا، وكفل حارس، وغيرهما، ثم بعض نواحي بيت المقدس كأرسوف، وجمّاعيل، والفندق، ولهم في بعلبك وقراها وطرابلس وجود ملحوظ أيضا، ويوجدون في حلب، وحمص وحماة، وغزّة

بشكل أقلّ بكثير يظهر هذا في نسبهم أثناء التراجم، وتولّيهم القضاء والإمامة والتّدريس والفتوى هناك. وعدد تراجمه أكثر بكثير من تراجم الحافظ ابن رجب الذي اشتمل كتابه على واحد وخمسين وخمسمائة ترجمة، وفترة ابن رجب- وإن كانت أقلّ من فترة ابن حميد- فهي أكثر ثراء وانتشارا للمذهب، ومصادرها أوسع وأكثر وأخصب، وهو بكثير من المترجمين حديث عهد، والمكتبات في بلاد الشّام- محل إقامة ابن رجب- مكتظّة بالكتب النّادرة آنذاك، فهي ملاذ للكتب النّاجية من ظلم التّتار في العراق والمشرق وبطشه

(1)

أفرد شيخنا حمد الجاسر- حفظه الله تعالى- مقالة في مجلته الغراء (العرب) عن علماء نجد المذكورين في «السحب الوابلة» وخرج تراجمهم وعرّف بهم فله منا جزيل الشكر والثناء والعرفان بالجميل، ومن الله المثوبة إن شاء الله تعالى، وقد أفدنا منها إفادات جليلة.

ص: 79

وعسفه، كما أنّها ملاذ لكثير من الكتب الخارجة من مصر بعد سقوط دولة العبيديّين وقل ما شئت عن الكتب المهاجرة من الأندلس، مع كثير من علمائها الذين فضّلوا سكنى الشّام. ويظهر ذلك جليا من خلال معرفتنا بأماكن نسخ الكتب، ثم التملكات المدونة عليها، مما يدل على رحلات هذه الكتب وتنقّلاتها بين البلاد والعباد.

وفي زمن ابن حميد- رحمه الله لا يوجد من الكتب في بلاد الحرمين ونجد إلا أقلّها، لأنّ نوادر الكتب ومختارها ارتحل إلى دار الخلافة في استانبول وبلاد الدّولة العليّة العثمانيّة مع قلّة ذات يد المؤلّف وعدم قدرته على جلب نوادر الكتب واقتنائها.

التزم ابن حميد التّذييل على كتاب ابن رجب وعدم الاستدراك عليه؛ لأنّه كان قد عقد العزم على الاستدراك على كتاب الحافظ ابن رجب في كتاب غير هذا، وشرع في جمعه فعلا (يراجع: مبحث مؤلّفاته)، لكنّه قد سها وذكر من كان حقّه أن يذكر في المستدرك ولا يذكر هنا، لأنّه أخطأ في تواريخ وفياتهم، وربما ذكر أناسا، ولم تذكر وفياتهم، وبعد البحث والتّحقيق تبيّن أن وفياتهم متقدّمة عليه، وبعضهم لم تذكر وفياتهم أصلا لكنّ ملامح الترجمة تدلّ على أنّهم غير داخلين في شرطه. وذكر أناسا قلائل جدّا من غير الحنابلة ظنا منه أنّهم منهم، وإليك تفصيل ذلك:

‌علماء ذكر وفياتهم وأخطأ فيها:

- التّرجمة رقم (268): سنقر بن عبد الله، ذكر وفاته سنة (785 هـ)،

ص: 80

والصّواب أنه توفي سنة (727 هـ)

(1)

.

- التّرجمة رقم (380): عبد الله بن أيوب بن قدامة، ذكر وفاته سنة (755 هـ)، والصواب أنه توفي سنة (735).

- التّرجمة رقم (394): عبد الله بن محمد الزّريرانيّ، ذكر وفاته سنة (769 هـ)، والصواب أنه توفي سنة (729 هـ)، وهذا قد ذكره الحافظ ابن رجب، وهو من كبار العلماء، فكيف أخطأ فيه؟!

- التّرجمة رقم (669): محمد بن جنكلي، ذكر وفاته (779 هـ)، والصّواب أنّه توفي سنة (741 هـ).

‌ثانيا: علماء لم تذكر وفياتهم تبيّن أنّهم لا يدخلون في شرطه:

- التّرجمة رقم (23): إبراهيم بن محمد بن تيميّة، تبين بعد التّحقيق أنّه توفي سنة (737 هـ)

- التّرجمة رقم (202): أبو بكر بن محمد بن محمود، تبين بعد التّحقيق أنّه توفي سنة (744 هـ).

- التّرجمة رقم (294): عبد الرّحمن بن أحمد بن أبي بكر ابن شكر، تبين بعد التّحقيق أنّه توفي سنة (728 هـ).

- التّرجمة رقم (323): عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي، تبين بعد التّحقيق أنّه توفي سنة (749 هـ).

(1)

لتفصيل ذلك يرجى مراجعة هوامش التّراجم المذكورة.

ص: 81

- التّرجمة رقم (785): يمان بن مسعود بن يمان، تبين بعد التحقيق أنّه توفي سنة (720 هـ).

‌ثالثا: علماء لم تذكر وفياتهم يغلب على الظّن أنهم لا يدخلون في شرطه:

- التّرجمة رقم (141): أحمد بن إبراهيم بن يحيى بن يوسف العسقلاني.

- التّرجمة رقم (412): عبد الواحد بن علي بن أحمد

شمس الدين القرشي.

- التّرجمة رقم (421): عثمان بن إبراهيم بن عبد المنعم المقدسي.

- التّرجمة رقم (528): محمد بن أحمد بن أحمد الموصلي.

‌رابعا: علماء ليسوا من الحنابلة أصلا:

- التّرجمة رقم (30): إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر، كان حنبليا فتحوّل إلى مذهب الشّافعي. والمؤلّف لا يجهل ذلك؟!.

- التّرجمة رقم (36): إبراهيم بن يوسف التاذفي، يدعى (ابن الحنبلي) فظنه كذلك وهو حنفيّ، وكان أبوه حنبليا.

- التّرجمة رقم (39): أحمد بن إبراهيم بن البرهان، كان حنبليا كآبائه لكنه تحوّل شافعيّا.

ص: 82

- والتّرجمة رقم (135): أحمد بن محمد بن عثمان الخليلي، تحرفت «الخليلي» على المؤلّف ب «الحنبلي» فترجم له، ولم ينصّ على مذهبه في المصادر التي وقفت عليها مما شجعه على ذلك.

‌خامسا: علماء تكررت تراجمهم:

أمّا تكرار التّراجم فهي قليلة جدّا إذا قسنا ذلك بعدد تراجم الكتاب، فالتّراجم المكرورة لا تزيد على ستّ تراجم، وأغلبها يدرك هو أنها مكرورة، فكأنّه قصد إلى تكرارها.

ومن التّراجم مكرورة التّرجمة رقم (20) هي نفسها التّرجمة رقم (28)، وتكرارها سهو ظاهر من المؤلّف- وجل من لا يسهو- فقد نقل أخباره في الموضع الأول عن «الشّذرات» فحسب، وهو هناك:«إبراهيم بن فلاح النّابلسيّ» ، وفي الموضع الثّاني عن «الضّوء» وهو هناك: «إبراهيم بن محمّد بن محمّد بن محمّد البرهان النابلسي

ويعرف ب «ابن فلاح» ، والرّجل هو الرّجل، ومثل ذلك تماما في التّرجمة رقم (73) هي نفسها التّرجمة رقم (9)، وكل ما قيل في سابقه يقال فيه.

والتّرجمة رقم (128) هي نفسها التّرجمة (147) مع اختلاف سنة الوفاة، فالموضع الأوّل فيه:(765) والموضع الثاني:

764، وقد أدرك المؤلّف أنّهما لرجل واحد تحرّفت فيه النّسبة من (الشّيرجي) إلى (السّيريحي)، ومصدرهما معا «الشّذرات» والمؤلّف لم يجزم بأنّه هو فقال:«فلعلّه هذا» .

ص: 83

والتّرجمة رقم (276) هي نفسها الترجمة رقم (588) وهي في الموضع الأول شمس الدين بن رمضان، وفي الموضع الثّاني:

محمد بن أحمد بن رمضان، وهي في الأول عن الحافظ ابن رجب، وهي في الموضع الثاني عن الحافظ ابن حجر، وقد أدرك المؤلّف التّكرار فقال: «ينظر فلعله محمد بن رمضان الآتي عن الدرر

» ولم يجزم كما ترى أيضا.

والتّرجمة رقم (481) هي نفسها التّرجمة رقم (488) وقد أدرك المؤلّف ذلك تماما، وذكره في الموضع الأول لينبه عليه في الموضع الثاني وهذه إحالة جيّدة منه رحمه الله، ومثله تماما في التّرجمة رقم (719)، والترجمة (720).

وذكر ابن حميد بعض التّراجم ونقلها عن «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب وذلك لأن ابن رجب، لم يترجم لهم في مواضعهم، إنّما ترجم لهم استطرادا في تراجم شيوخهم مثلا، وتتأخر وفياتهم عن السنة التي أنهى فيها ابن رجب كتابه وهي سنة (751 هـ) فدخلوا في فترة ابن حميد فلا بأس عليه أن يترجم لهم؛ لأنهم يدخلون في شرطه، وقد علّقنا على جميع ذلك في هوامش الكتاب بما هو مفيد إن شاء الله.

‌أسلوب الكتاب:

نقل ابن حميد كثيرا من التّراجم من المصادر بصيغتها وأسلوبها لم يغيّر في تعبيراتها شيئا، فلا يظهر فيها مقدار صياغته لعبارتها،

ص: 84

ودوره في ذلك النّاقل المحافظ على عبارة المنقول عنه إلى حدّ كبير وربما يعقّب عليها بتصحيح أو استدراك أو ما أشبه ذلك.

وتظهر براعة المؤلّف في صياغة العبارة وقدرته على الكتابة والتّعبير بأسهل الألفاظ وأسلسها عند ما يكتب العبارة بنفسه في تراجم شيوخه وشيوخ شيوخه وغيرهم من العلماء الذين تلقّى تراجمهم من أفواه الرّجال أو نقل تراجمهم من أغلفة الكتب وظهور الدّفاتر، وهؤلاء لهم في كتاب المؤلّف نصيب وافر، يراجع مثلا التراجم ذوات الأرقام:(2)، (9)، (14)، (33)، (60)، (69)، (153)، (161)، (282)، (526)، (653)، (832)

وغيرهم كثير.

‌مصادره:

اعتمد ابن حميد- رحمه الله في جمع تراجم الكتاب ومادته العلميّة على كتب أصيلة ذكر بعضها في المقدمة، وذكر بعضها الآخر في تضاعيف الكتاب هي أبرز وأهمّ الكتب التي يمكن الرّجوع إليها في عمل كهذا العمل.

- ومن هذه المصادر ما يتعلق بطبقات الرّجال على مرّ العصور التي جمع تراجمها من منتصف القرن الثّامن حتّى قرب نهاية القرن الثاني عشر، فرجع إلى «الدّرر الكامنة» للحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) و «الضّوء اللّامع لأهل القرن التّاسع» للحافظ محمّد

ص: 85

ابن عبد الرّحمن السّخاوي (ت 902 هـ)، و «ذيله» لجار الله عبد العزيز بن فهد الهاشميّ (ت 954 هـ)، و «خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر» لأمين الدين محمد المحبّي (ت 1111 هـ) و «سلك الدّرر في أعيان القرن الثاني عشر» للعلّامة محمد خليل المرادي البخاري (ت 1206 هـ)، هذه هي المصادر التي رجع إليها حسب السنين (طبقات). وأمّا أهل القرن الثّالث عشر- وهو قرنه الذي عاش فيه- فأهله هم شيوخه وشيوخ شيوخه، وقد جمع تراجمهم بنفسه وعبّر عن ذلك في مقدّمته بقوله:«وما تلقيته من أفواه المشايخ الكرام، وما تجاسرت عليه من تراجم بعض مشايخي ومشايخهم الأعلام» .

وفاته في هذه السّلسلة الرجوع إلى «الكواكب السّائرة لأهل المائة العاشرة» للشّيخ نجم الدّين محمّد الغزي العامريّ (ت 1061 هـ) وذيله «لطف السّمر» للمؤلّف نفسه، ولعلّ نسخهما لم تتوافر لديه، كما فاته الرّجوع إلى (النّور السّافر) لعبد القادر بن شيخ العيدروس (ت 1038 هـ)، وإن كان لن يجد فيه طلبته؛ لاهتمام مؤلّفه بعلماء اليمن على وجه الخصوص.

وفي طبقات الحنابلة: رجع المؤلّف إلى الطّبقات الصّغرى لمجير الدين عبد الرّحمن بن محمد العليميّ (ت 928 هـ)«الدّرّ المنضّد» صرّح بذلك في مقدمته- وإن كان أثره غير ظاهر في

ص: 86

الكتاب- ونقله عن العليمي إنما هو بواسطة «شذرات الذّهب» وفاته الرّجوع إلى الأصل «المنهج الأحمد» لأنّ نسخه لم تكن كثيرة بأيدي العلماء، كما فاته الرّجوع إلى «المقصد الأرشد» لبرهان الدّين إبراهيم بن محمّد بن مفلح (ت 884 هـ) و «الجوهر المنضد» ليوسف بن عبد الهادي (ت 909 هـ) و «النّعت الأكمل» .. لكمال الدين الغزي العامري (ت 1214 هـ) للسّبب نفسه.

وفي معاجم الشّيوخ: رجع إلى معجم نجم الدّين عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي (ت 885 هـ)، وفاته الرجوع إلى مئات المشيخات وفيها من أخبارهم وأسانيدهم ورواياتهم فوائد لا توجد في كثير من كتب التّراجم، ولا يظفر بها في أغلب كتب التأريخ والرّجال، ومن أهمّ هذه المشيخات والمعاجم «معجم الذّهبي» الذي يوجد فيه من تراجم الحنابلة ما لا يوجد في كثير من المصادر، واهتمامه بهم على وجه الخصوص ظاهر- رحمه الله وغفر له وأثابه الجنّة بمنّه وكرمه. وكذلك «المعجم المختصّ» له.

ومعجم تقي الدّين محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي (ت 871 هـ)، ومعجم المقرئ شهاب الدّين ابن رجب الحنبلي (ت 74 هـ)، والد الحافظ زين الدّين، و «المنهج الجلي إلى شيوخ قاضي الحرمين سراج الدّين الحنبلي» تخريج تقي الدين الفاسي (ت 833 هـ) و «معجم ابن ظهيرة المكّي» و «معجم المراغي المدنيّ» و «معجم

ص: 87

القلقشنديّ المقدسيّ» و «معجم الحافظ ابن حجر» و «المشيخة الباسمة القبابي وفاطمه» تخريج الحافظ ابن حجر و «معجم السّخاوي» و «معجم السّيوطي»

وغيرها كثير.

وفي المناقب: رجع «الورد أو الورود الأنسى في مناقب الأستاذ عبد الغني النّابلسي للكمال الغزّي (ت 1214 هـ).

وفي التّواريخ: رجع إلى «عنوان العصر وأعوان النّصر» للعالم الأديب المؤرخ صلاح الدّين خليل بن أيبك الصفدي (ت 761 هـ)(مجلدين منه) ولم يأخذ منه إلّا قليلا؛ لأنّ أغلب تراجمه متقدّمة عليه، وفاته الرّجوع إلى «الوافي بالوفيات» له أيضا، كما فاته الرّجوع إلى «ذيل التّقييد» لتقيّ الدّين الفاسي المكي (ت 833 هـ)، و «تاريخ ابن قاضي شهبة ت 851 هـ» ، ورجع إلى «إنباء الغمر» للحافظ ابن حجر (ت 852 هـ)، كما رجع إلى «حسن المحاضرة» للحافظ السيوطي (ت 911 هـ)، ورجع إلى «الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل» لمجير الدّين عبد الرّحمن بن محمد العليميّ (ت 928 هـ)، واستفادته منه غير ظاهرة، وفاته الرّجوع إلى تاريخ ابن إياس (ت 930 هـ) المعروف ب «حوادث الدّور .. » كما فاته الرّجوع إلى «ذخائر القصر في نبلاء العصر» لشمس الدّين محمد بن طولون الدّمشقيّ (ت 953 هـ)، وكتابه «مفاكهة الخلّان .. » ورجع إلى «ريحانة الألباء» للشّهاب أحمد الخفاجيّ. (ت 1069 هـ)،

ص: 88

ورجوعه إليها قليل- كما يقول- لعدم توافر العلماء من الحنابلة بها، لغلبة الطّابع الأدبيّ عليها، ولم يرجع إلى ذيلها «نفحة الرّيحانة» للمحبّي (ت 1111 هـ)، ربما لأنّه اعتمد كتابه «خلاصة الأثر

» ورجع إلى «شذرات الذّهب» لابن العماد الحنبلي (ت 1089 هـ)، وكان اهتمامه به ظاهرا.

وفي كتب المجمع: رجع إلى «سكردان الأخبار» لابن طولون الدّمشقي (ت 953 هـ) وإلى «تذكرة الأكمل ابن مفلح» (ت 1011 هـ)، واستفاد منهما استفادة ظاهرة، وقد تفرّد بمعلومات منهما لم توجد في غيرهما، كما رجع إلى «تذكرة» إبراهيم بن يوسف المهتار المكي (ت 1071 هـ) وذكر أنها في عشر مجلدات لكنّ استفادته منها محدودة، ورجع إلى أوراق متفرقة، وما وجده على ظهور الكتب والمجاميع.

هذه هي الكتب التي ذكرها في مقدّمته، وبالرّجوع إلى تراجم الكتاب واستقراء معلوماتها تبيّن أنه رجع إلى مصادر أخرى لعلّ رجوعه إليها محدود فلم يذكرها في المقدّمة، ومنها:«ألحان السّواجع» لصلاح الدّين خليل بن أيبك الصفدي (ت 761 هـ) و «طبقات الشّعراني» وهذا الكتاب من الكتب الموغلة في نقل الخرافات على مذهب أهل التّصوف، ولم يكثر عنه، وإنّما نقل عنه في موضع واحد، و «الدّرر الفرائد المنظّمة» للشيخ عبد القادر بن

ص: 89

محمد الجزيري المكي (ت 977 هـ) في موضعين، و «معجم الكمال للغزّي» (ت 1214 هـ) المسمى: «إتحاف ذوي الرّسوخ

» و «نزهة الأفراح» للشّرواني (ت 1256 هـ) و «كشف الظّنون» لحاجي خليفة. وقال في ترجمة عبد الله بن محمّد بن ذهلان رقم (595):

«وكتب إليّ بعض فضلاء نجد ممن يعتني بالأنساب والتّواريخ؟» ورجّحت أن يكون ابن بشر المورّخ رحمه الله، ورجع إلى رسالة ألّفها محمّد بن عبد الله بن فيروز (ت 1216 هـ)، وكتب بها إلى الكمال الغزّي العامري (ت 1214 هـ) الذي طلب منه أسماء شيوخه وشيوخهم وأقرانه وطلابه البارزين من علماء نجد والأحساء ليدخلهم في كتابه الذي ألّفه في طبقات الحنابلة «النّعت الأكمل» فيظهر أنّ هذه الرّسالة تضمنت معلومات جيّدة عن هؤلاء العلماء، وقف عليها ابن حميد لكنّه لم يفد منها في كتابه إذ يقول

(1)

:

«وكتب إليه علّامة الشّام مفتي الشّافعية كمال الدّين محمّد بن محمّد الغزّيّ العامريّ قصيدة بليغة وكتابا يطلب منه الإجازة فأجابه وأجازه نظما نحو ستمائة بيت، فأرسل إليه قصيدة أخرى ضمن كتاب يتشكّر منه، ويطلب منه أن يرسل إليه تراجم مشايخه ومشايخهم وأقرانه وتلامذته ليثبتهم في كتابه «النّعت الأكمل في طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل» فأرسل إليه جزءا ضمّنه

(1)

السحب الوابلة: التّرجمة رقم (627) ص 975.

ص: 90

ما طلب، رأيته مرّة في شبيبتي، ثم لما احتجت للنّقل منه في هذا جحده مالكه، فتوسّلت إليه بكلّ طريق فلم ينجح وأصر على الجحود والإنكار، فحسبنا الله ونعم الوكيل».

لكنّ المؤلّف مع هذا أسند إليه ونقل عنه في كثير من التّراجم يراجع مثلا التراجم ذوات الأرقام: (215)، (279)، (408)

، فلعل هذه الإفادات قيّدها المؤلّف عند الاطلاع عليه أولا، أو لعلّه نقل عنها بواسطة لم أتبين هذه الواسطة بعد.

وكتاب الغزّي «النّعت الأكمل» المطبوع لم يتضمّن أغلب ما جاء في هذه الرّسالة من خلال نقول المؤلّف هنا عنها على الأقل؟!

فهل وصلت هذه الرّسالة إلى الغزّي فلم يفد منها؟ أو هل أفاد الغزّيّ منها وامتدت يد العبث إلى كتاب الغزّي؟ أو هل هذه النّسخة مسودة كتاب الغزّي لا مبيضه؟

هذه كلّها احتمالات أقربها إلى الذّهن هو الأخير، لكثرة البياضات والفراغات في النّسخة المخطوطة من الكتاب وخاصة في علماء نجد.

‌من فوائد الكتاب ومحاسنه:

1 -

جمع علماء المذهب لفترة طويلة تزيد على أربعمائة سنة لم يسبقه إليها سابق ولا لحقه لاحق حتى الآن فيما أعلم،

ص: 91

واستوفى المعلومات المهمّة التي يمكن أن تقال في كلّ ترجمة بحسب استطاعته وما أمدته به المصادر.

2 -

استوفى أكبر عدد ممكن استطاع جمعه أو الوقوف على أخباره منهم، وبذل في ذلك جهده وطاقته.

3 -

اهتمّ بالعالمات من النّساء فخصّهنّ بالذّكر في آخر الكتاب وحاول أن يستوفي أخبارهنّ، ولم يفعل ذلك سلفه ابن رجب- رحمه الله إلا نادرا في ثنايا الكتاب.

4 -

أولى اهتمامه بحملة المذهب في مصر، والشّام، والعراق، والحجاز، ونجد، والأحساء، على حدّ سواء، ولم يظهر مزيدا من الاهتمام بجهة دون أخرى.

5 -

لم يترجم لأصناف العلماء والمنتسبين إلى العلم غير المتميّزين.

6 -

تفرّد بنقل تراجم لم تعرف إلّا عن طريقه من مصادر نادرة كالتّراجم التي نقلها عن «سكردان الأخبار» لابن طولون و «تذكرة الأكمل ابن مفلح» و «ذيل ابن فهد على الضّوء اللّامع» و «تذكرة المهتار المكي» .

7 -

كثير من تراجم شيوخه وشيوخ شيوخه وأقرانه لا تعرف إلّا عن طريقه، وعنه نقلها كثير من العلماء .... إلى غير ذلك من الفوائد.

ص: 92

‌أثر شخصيّة المؤلّف:

لم يكن ابن حميد مجرّد ناقل للتّرجمة من الكتب كما هو شأن كثير من المؤرّخين فتكون مهمّته في الكتاب الجمع والتّرتيب فقط، نعم هذا مطلب من مطالب الكتاب سعى المؤلّف سعيا حثيثا إلى تحقيقه، ووفّق فيه إلى حدّ كبير، ومع الجمع والتّرتيب ونقل كلام العلماء كان حاضر الذّهن أثناء الجمع والنّقل، مدركا لشخصيّة المترجم، عارفا به وكأنّه من أفراد أسرته، مدركا العلاقة بين المترجم وأهل بيته وذوي قرابته من الأقارب والأباعد، لذا تجد ظاهرة الرّبط بينهم واضحة، وإذا نقل عقّب على النّقل إن كان الأمر يحتاج إلى تعقب من زيادة، أو استدراك، أو تصحيح، أو ردّ وتفنيد، أو موازنة بين رأي وآخر كلّ ذلك دلائله في الكتاب ماثلة، ونماذجه كثيرة، يراجع التراجم ذوات الأرقام:(5)، (12)، (59)، (121)، (147)، (185)، (207)، (276)، (488)، (774) .. وغيرها كثير.

‌أمانته في النّقل:

أمّا أمانته في النّقل فظاهرة تستحقّ الإعجاب والمدح والثناء، فأنت لا تجد بين النصّ الذي ينقله والنصّ المنقول عنه كبير فرق، بل كلّ ما تجده هو ما يوجد من الفروق بين نسخة وأخرى من الكتاب الواحد، من سقط لفظة، أو زيادة لفظة أخرى، أو تقديم كلمة

ص: 93

على أخرى، وهذا شيء مألوف كثير الوقوع غير متعمّد، قد يكون مردّه إلى اختلاف النّسخ، لكنّ الإخلال غير المألوف ما نجده لدى المؤلّف من تعمّد حذف بعض العبارات التي فيها استنقاص من المترجم أو الطّعن عليه أو الاستنقاص من شأن شيوخه، وحذف العبارات التي توحي بذمّ الحنابلة، وخاصّة نصوص الحافظ السّخاوي- وهذا وإن كان قليلا في الكتاب- لا نرتضيه من المؤلّف، ولا شكّ أنه يخدش ما قلنا في أمانة نقله وتحرّيه في النّقل، ففي ترجمة أحمد بن نصر الله ذات الرّقم:(40) أسقط المؤلّف بعض عبارات منها: بعد قوله: «وكان بيته مجمع طائفة من الأرامل ونحوهن

» أسقط بعدها: «وله من حسن العقيدة والتّبجيل والمحبّة ما يفوق الوصف وما علمت من استأنس به بعده» ، ولم يشر إلى أنه أسقط مثل هذه العبارة أو تجاوزها، وقال في التّرجمة نفسها عند ذكر وفاته: «فشهد السّلطان فمن دونه الصّلاة عليه في جمع حافل

»، وأسقط بعدها قول السّخاوي:«تقدّمهم الشّافعيّ» وله أمثلة كثيرة.

وفي بعض الأحيان ينقل المؤلّف كلام السّخاوي أو غيره- وهو نصوص عن السّخاوي أوضح- ينقله كاملا ولا يحذف منه شيئا مع أنه كان بحاجة إلى الحذف، لأنّ العبارة تستقيم في كتاب السّخاوي ولا يستقيم في كتاب ابن حميد أو تكون موهمة، قال في التّرجمة

ص: 94

رقم (28): «والد أحمد الآتي» ، وقال في التّرجمة رقم (81):«الآتي أبوه» ، وقال في التّرجمة رقم (363):«والآتي ولده يحيى» ، وهذه عبارة السّخاوي، وذكرهم السخاوي ولم يذكرهم ابن حميد؛ لأنهم ليسوا من الحنابلة، أو من الحنابلة وغفل ابن حميد عن ذكرهم.

ومثل هذه العبارات كثير، يراجع مثلا التراجم:(461) و (496) و (544) و (814)

وكان ينبغي له أن يحذف عبارة السّخاوي، ويشير إلى الحذف، أو يعلّق بعد كلامه بما يدفع هذا الوهم الذي قد يطرأ على أذهان القاصرين أمثالي.

‌أخطاء وقع فيها المؤلّف:

وقع المؤلّف- رحمه الله في بعض الأخطاء الظّاهرة، فمن هذه الأخطاء ما يرجع إلى خطأ في مصادره تابعهم فيها، ومنها ما سها قلمه فيها وخاصّة تلك الأخطاء التي جاءت في تواريخ الوفيات- وهي كثيرة- أو في المواليد وهي قليلة، ومن الأخطاء ما كان تحريف لفظة أو تصحيفها أو إسقاط لفظة وما أشبه ذلك، وقد نبّه الشّيخ سليمان الصّنيع- رحمه الله على كثير من الأخطاء التي أذكرها هنا وخاصة ما يتعلّق بسنيّ الوفاة، وقد نبّهت عليها في مواضعها وأنّ الفضل فيها راجع إلى الشّيخ غفر الله له وأثابه الجنّة بمنّه وكرمه، وإليك بعض هذه الأخطاء:

ص: 95

- ففي التراجم: (2)، (18)، (218)، (261)، (262)، (359)، (363) أخطأ في تاريخ الوفيات أو المواليد.

- وفي التّرجمة: (59)(ابن عدينة) وصوابه: (ابن أبي عذيبة) وتكررت في التراجم رقم (108)، (182).

- وفي التّرجمة رقم: (12) لقّب يوسف المرداويّ (ت 769 هـ) صاحب «الانتصار» (كمال الدّين) وصوابه (جمال الدين) وكذا لقبه المؤلّف نفسه في ترجمته رقم (798).

- وفي التّرجمة رقم: (17) أسقط المؤلّف (إبراهيم) بين (عمر) و (محمد).

- وفي التّرجمة رقم: (117) قال المؤلّف: «حديث شيبان» ، وصوابه «حديث سنان» .

- وفي التّرجمة رقم: (283) قال المؤلّف: «خطيب صري» وصوابه «خطيب جبرين» .

- وفي التّرجمة رقم: (439) قال المؤلّف: سمع عليه ثاني الجزئيات، وصوابه «الحربيات» وهو جزء حديثيّ مشهور.

- وفي التّرجمة رقم: (516) قال المؤلّف: «ابن النجار» ، وصوابه «ابن البخاري» .

- وفي التّرجمة رقم: (519) قال المؤلّف: «عبد الله» وصوابه «عبيد الله» .

ص: 96

- وفي التّرجمة رقم: (587) قال المؤلّف: «وثادق في وادي سدير» ، وصوابه: من بلدان المحمل.

- وفي التّرجمة رقم: (669) قال المؤلّف: «محمد كلي» ، وصوابه: محمد بن جنكلي.

- وفي التّرجمة رقم: قال المؤلّف (820): «رقية بنت العفيف عبد السلام» ، وصوابه: رقية بنت يحيى بن العفيف عبد السلام.

‌ابن حميد يصل السّلسلة في الطّبقات:

تبدأ هذه السلسلة بكتاب القاضي بن أبي يعلى (ت 526 هـ) ثم يصلها الحافظ ابن رجب (ت 795 هـ) بكتابه «الذّيل على طبقات الحنابلة» ، حتى وفيات سنة (751 هـ) ويختمها بشيخه ابن قيّم الجوزية- رحمه الله، فيأتي كتاب ابن حميد هذا «السّحب الوابلة

» فيصلها إلى قرب وفاته، وآخر ترجمة ذكرها ترجمة زميله الشيخ محمد بن عبد الله بن مانع (ت 1291 هـ).

وأمّا ابن مفلح في «المقصد» وابن عبد الهادي في «الجوهر المنضّد» والعليمي في «المنهج الأحمد» فلم يصلوا العمل الذي بدأه القاضي ثم أتمّه ابن رجب؛ لأنّ ابن مفلح والعليمي بدءا بأحمد- رحمه الله ملخّصين لكتابي سابقيهما ولم يضيفا إضافة كبيرة مع اختصار ابن مفلح في تراجمه، وتزيّد العليميّ بتراجم غير مهمّة

ص: 97

لإنصاف العلماء ومنسوبي التّصوّف عفا الله عنه.

وأمّا ابن عبد الهادي فكتابه قليل التّراجم جدّا، ومن تركهم من مشاهير العلماء أكثر بكثير ممّن ذكرهم، لذا لمع نجم كتاب ابن حميد وعلا قدره، واشتدّت الحاجة إلى أمثاله.

يبقى نهاية هذه السلسلة ووصلها حتى زماننا هذا، وهو ما يزيد على عشرين سنة ومائة سنة، أي من سنة 1291 هـ أو ما كان في حدودها حتى عصرنا الحاضر، هو بحاجة إلى جمع علمائه، وتحرير تراجمهم مثل ما صنع الأوائل.

‌الاهتمام بالحنابلة بعد ابن حميد:

وقد ألّف جمع من الأفاضل تآليف لا تشفي غلّة، وكثير من هذه التآليف لم ير النّور بعد، ولا نعلم مقدار ما اشتملت عليه من فرائد وفوائد، فقد ألّف الشيخ سليمان بن عبد الرّحمن بن حمدان كتابا اسمه «متأخّري الحنابلة» جعله كالذّيل على الحافظ ابن رجب سلك فيه مسلك ابن حميد ولم يبلغ شأوه، ونقل تراجم بأكملها عنه، وتركه مسوّدات بخطوط مختلفة وفي ثناياه بياضات كثيرة.

وألّف الشّيخ صالح بن عبد العزيز بن عثيمين

(1)

كتابا اسمه «تسهيل السّابلة

» بدأه بأحمد بن حنبل فمن بعده إلى عصره حدود سنة 1390 هـ، اشتمل على عدد غير قليل من تراجم الحنابلة

(1)

الشيخ صالح المذكور هنا- رحمه الله تعالى- لا يلتقي نسبا بأسرتنا.

ص: 98

أثناء وفي حدود وبعد سنة 1291 هـ إلى ما يقرب من سنة 1390 هـ، ولم تكن كتابتها مخصصة بالتّذييل على السّحب الوابلة.

و «تراجم كتاب التّسهيل» الأولى تكاد تخلو من الفائدة مع وجود أصولها في طبقات ابن أبي يعلى، والذّيل عليها لابن رجب «والمنهج الأحمد» ، ومع ذلك هي مختصرة غير مفيدة، وتراجمه المتأخّرة فيها خلط عظيم وعدم تحرير للتّراجم، وأدخل أعدادا كبيرة من تراجم العلماء من غير الحنابلة، وخاصة تلك التي لم ينصّ فيها على مذهب المترجم في «الدّرر الكامنة» وغيره ظنّا منه أنه منهم، وخاصّة أهل الحديث، وفي مصنّفه- عفا الله عنه وغفر له- جرأة وتجاسر على إضافة عبارات المدح والثّناء على المترجم ووصفه ب (الحنبلي) وربما عزا ذلك إلى المصادر التي ينقل عنها، وقد كرّر تراجم كثيرة نظرا لاختلاف المصدر أو اختلاف سنيّ الوفاة، ولا جديد ولا مهم في مصادره.

وتراجم كتاب ابن حمدان- رحمه الله غير محرّرة- كما أسلفت- وأغلب المتأخّرين منهم من علماء نجد خاصّة- وبعضهم من المغمورين- أنصاف العلماء، ومصادره قليلة جدّا وليس فيها غرابة، واعتمد ابن عثيمين في كتابه على مسودات كتاب ابن حمدان المذكورة التي أغلبها بخطّه.

وألّف الشّيخ جميل الشّطّي- رحمه الله «مختصر طبقات الحنابلة» لخص فيه مؤلّفات سابقيه، واعتمد في تراجم المتأخّرين

ص: 99

منهم على كتاب لعمّه محمّد مراد- رحمه الله «مسودة في طبقات الحنابلة» ، وتراجم المتقدّمين منهم اختيارات مختصرة غير مفيدة، ويظهر أنّ له تأثرا ما ب (ابن حميد) أو هما معا على منهج واحد في معاداة الدّعوة السّلفية التي قام بها الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهّاب- رحمه الله فلم يترجم له ولا لكثير من دعاة الدّعوة وعلمائها رحمهم الله.

- وألّف الشّيخ إبراهيم بن ضويان النّجديّ الرّسيّ- رحمه الله (ت 1353 هـ) كتابا اسمه «كشف النّقاب عن تراجم الأصحاب» ضمّنه تراجم الحنابلة من لدن الإمام أحمد حتّى زمنه، وما قلته عن كتاب جميل الشّطّي أقوله عن كتاب ابن ضويّان هذا بأنّ تراجمه المتقدّمة مختصرة غير مفيدة وتراجمه المتأخرة قليلة وأغلبها لعلماء نجديّين خاصّة، كما أنّ متأخّري تراجم كتاب الشّطي شاميّون خاصة، وكثير منهم آل الشّطّي فالجمع بين هذه الكتب تحصل به الفائدة.

- وممن ذيل على كتاب ابن رجب من المتأخّرين وله اهتمام بالغ بتراجم الرّجال ومعرفة طبقاتهم، ولديه إلمام بالكتب والمصنّفات، ولديه ولع وله إشفاق، وعنده رغبة أكيدة واشتياق، الشّيخ العلّامة عبد القادر بن بدران الدّمشقيّ (ت 1345 هـ) رحمه الله تعالى، ولم أطلع على مصنّفه ولا أعلم مقدار الزّيادة التي أضافها، لكنه جدير بأن يأتي بكلّ نادر، وأن يجمع من التّراجم ما لم يدر

ص: 100

بالخواطر، فقد أخذ القوس باريها، وصاحب الدّار أدرى بالذي فيها، وهو بلا شكّ أكثر إنصافا من المؤلّف- ابن حميد- ومن جميل الشّطي لأصحابنا علماء نجد أئمّة الدّعوة- رحمهم الله وهو أدرى بمناقب أهل الشّام، ومصر، وفلسطين، والحجاز، والعراق وأخبارهم وكتبهم ومؤلّفاتهم ومناظراتهم وأشعارهم، لأنّه صاحب رحلات وجولات، وهو حريص جدا على جمع تراث الحنابلة وتتبّع أخبارهم وآثارهم.

- وألّف الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن غملاس التّميميّ النّجديّ ثم الزّبيريّ (ت 1354 هـ) ذيلا على السّحب الوابلة اسمه (السّابلة على السّحب الوابلة) موجود في مكتبة جامعة البصرة مخطوط في (700) صفحة لا أعرف عنه أكثر من هذا، ولا أدري ما مقدار الزّيادة التي زادها صاحبه، وما المنهج الذي انتهجه مؤلّفه، وما موقفه من الدّعوة وإمامها ودعاتها، وهل ترجم لهم أو اتبع سبيل ابن حميد؟ وقد ذكر أنه اختصر «السّحب الوابلة» فهل حذف فضول كلام ابن حميد وهمزه ولمزه في إمام الدّعوة ودعاتها، وحذف عبارات مدحه وثنائه المفرط على خصومها وجعل ذلك من اختصاره؟. هذا ما أتوقّعه لأنّ خصوم الدّعوة اختفوا تماما ولم يعد لهم وجود يذكر في زمن ابن غملاس المذكور، أخصّ بذلك علماء نجد سواء في داخلها أو في خارجها؛ لأنّ أغلب معارضتهم لظروف سياسيّة، أو عناد وحسد أو شبه غير متأصّلة. وهذه كلّها زالت مع

ص: 101

الأيام، ولم يبق لها بقية تذكر ولله الحمد والمنّة، ونظرا إلى أنّني لم أطلع على كتاب ابن غملاس المذكور ليس لدي ما أقوله عنه أكثر من هذا والله تعالى أعلم.

- وألّف حفيد المؤلّف عبد الله بن علي بن محمد بن حميد (ت 1346 هـ) «النّعت الأكمل

» جعله ذيلا على كتاب جدّه، ولم أقف عليه ولا أعرف حقيقة ما اشتمل عليه من التراجم، ذكره شيخنا عبد الله البسام في علماء نجد: 2/ 600. وذكر لي بعض الإخوة أنّه اطلع عليه

(1)

والله أعلم.

ولا أعرف أحدا من المتقدّمين قبل ابن حميد ذيّل على كتاب ابن رجب، بل كلّهم يبدأ بالإمام أحمد ما عدا كتاب ابن عبد الهادي، وهو كتاب صغير لا يعتد به. لذا يبقى كتاب ابن حميد هذا (السّحب الوابلة) من أجمع وأجود كتب طبقات الحنابلة بعد كتاب الحافظ ابن رجب، مع أنه خالف منهج الحافظ ابن رجب فلم يطرّز كتابه بمختارات من فوائد المترجم وفتاواه الفقهيّة، أو ما تفرّد به من روايات وأحاديث وآثار، أو نوادر لغويّة وأدبيّة ونحويّة، أو إنشاد قصائد ومقطّعات شعرية، أو فوائد أخرى مما أثر عن المترجم، وهذه

(1)

الذي يطلع على رسالته في أسماء كتب المذهب (الدّرّ المنضّد) وما فيها من كثرة الأخطاء يدرك أن تحصيله في العلم محدود، واطلاعه غير واسع عفا الله عنه ورحمه، ووقفت على استدراكات قليلة استدركها على جدّه في هوامش نسخة نسخها من (السّحب الوابلة) بخطّه لم تكن جيدة ولا موفقة.

ص: 102

الفوائد تذهب السّأم والملل عن القاريء وتنقله من أسلوب علميّ محض إلى أسلوب مفيد، مع ما فيها من المتعة والدّلالة الظّاهرة على تمكّن صاحبها من العلم، وقدرته على التّصرف في فنونه، وقد ذكر ابن حميد شيئا من ذلك لكنّه لم يلح عليه ويكثر منه ويصبح ظاهرة في كتابه كما هي الحال في كتاب الحافظ ابن رجب رحمه الله.

‌قلة علماء نجد في الكتاب:

مع أنّ كتاب «السّحب الوابلة» جمع واستوعب كثيرا من علماء الحنابلة إلا أنّ علماء نجد الذين ذكرهم قلة في الكتاب فلا تزيد تراجمهم على سبعين ترجمة تقريبا، وقد أمكن استدراك ما يزيد على مائتي ترجمة أسقطها جهلا منه أو تجاهلا، ونحن نعلم أنّ المذهب الحنبليّ انتشر في نجد وخاصّة في القرون الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وعلماؤها منهم خاصّة أكثر من علماء مصر، والشّام، والعراق، من الحنابلة أيضا، في ذلك الوقت بلا شك، واتباع الهوى والعصبيّة العمياء جعلاه يغفل كثيرا من علماء الدّعوة الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدّد شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهّاب- رحمه الله وهي دعوة سلفيّة ينادي بها الشيخ إلى تحكيم كتاب الله وسنّة نبيه محمّد صلى الله عليه وسلم والتّمسّك بهما ظاهرا وباطنا وعدم البعد عنهما، وعلماء هذه الدّعوة

ص: 103

من فقهاء الحنابلة فلا يجوز إغفالهم، وهم جمهور كبير لا يجهل أغلبهم، إن جهل بعضهم، وعدم ذكره لهم إخلال ظاهر بالكتاب، وانحطاط عن درجة الشّمول والإحاطة، وهما مطلبان من مطالبه، كما أنّه جانب الموضوعيّة والأمانة في ذلك كما لا يخفى.

نعم قد أطلق المؤلّف الصّيحات والنّداءات، وجأر بالشّكوى والزّفرات، لعدم توافر تراجم كثير من علماء نجد المذكورة أسماؤهم في الكتب والاستدعاءات، والمشهورين بالفتاوى والإجازات، والموصوفين بالعلم والتّقدّم فيه، بل والإمامة فيه أحيانا، وذلك راجع لعدم اهتمام علمائها بالتّاريخ والتّراجم والأخبار والآداب، وقصر اهتمامهم على الفقه والفرائض والمواريث والأوقاف، ثم العقائد والتّفسير والحديث، وبعضهم له اهتمام محدود في النّحو واللّغة والآداب ....

يقول تلميذ المؤلّف الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام في ترجمة الشّيخ علي بن محمّد الرّاشد في آخر نسخته من «السّحب الوابلة» بعد أن ذكر شيخه في الزّبير الشّيخ عبد الله بن حمود النّجديّ ثم الزّبيريّ: «وشيخه عبد الله بن حمود المذكور لم نقف على ترجمته، أخبرني شيخنا المرحوم الشّيخ محمّد بن حميد أنّه ما وقف له على ترجمة، ولا حصّل من يخبره عن حاله بيقين، من تأريخ ولادته ووفاته، فلذلك لم يذكره في كتابه «السّحب الوابلةفي تراجم

» كغيره ممّن لم يقف لهم على تراجم.

ص: 104

وفي ترجمة سليمان بن عليّ بن مشرّف (ت 1079 هـ) صاحب المنسك المشهور ترجمة رقم (266) وهو جدّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب- رحمه الله قال المؤلّف (ابن حميد) - عند ذكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل وحفيده عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل-: «ولكوني لم أقف على أحوالهما، لم أفردهما بترجمة ككثير من علماء نجد وبغداد والشّام ومصر وبلد سيّدنا الزّبير رضي الله عنه ومهما وقفت عليه إن شاء الله ألحقته، ومن عثر على شيء من ذلك فليلحقه مثابا عليه إن شاء الله تعالى لتتمّ الفائدة» .

ومثله فعل المؤرّخ عثمان بن بشر- رحمه الله (ت 1290 هـ) صاحب «عنوان المجد» فإنّه أسف أشدّ الأسف أن لا يجد من يهتمّ من علماء نجد السّابقين بتراجم العلماء وسيرهم ويدوّن أخبارهم ومناقبهم وفوائدهم.

ومن المؤكّد أنّ للعلماء وجودا في نجد منذ زمن ليس بالقريب في القرون السّادس والسّابع والثّامن والتّاسع، فالعيينة وأشيقر ومقرن (في الرّياض) وعنيزة

وغيرها مراكز للعلم، وللعلماء بها وجود ظاهر، وقد دخل الإمام العلّامة ابن الجزريّ (ت 833 هـ) عنيزة ونظم بها قصيدته المشهورة ب «الدّرة في القراءات» يقول فيها:

غريبة أوطان بنجد نظمتها

وعظم اشتغال البال واف وكيف لا

ص: 105

فأدركني اللّطف الخفيّ وردّني

عنيزة حتى جاءني من تكفّلا

فنجد أحيانا في أوراق الأوقاف والوصايا والاستدعاءات والمبايعات

وغيرها ما يشعر بوجود طلبة علم لهم قدم راسخة في المعارف وينبئ بوجود علم وعلماء في بلدانهم:

إنّ آثارنا تدلّ علينا

فاسألوا بعدنا عن الآثار

ولعدم اهتمام المتقدّمين كما ذكرت في علم الرّجال في ذلك الزمان في نجد انطمست آثارهم، واختفت أخبارهم، ولذا إذا رحل بعضهم عن نجد ووصل إلى مراكز الحضارة والعلم في العراق، ومصر، والشّام ظهر نبوغه، ودوّن تاريخه، وعرف طريقه إلى الشّهرة، وسجّلت ترجمته وعرفت سيرته وأنا أشكّ بأنّ في نجد أمثال هذا وزملائه من هو أكثر منه علما ومعرفة واختفى أثره، ولم يعلم خبره.

ومن هؤلاء المتقدّمين ما ذكره الحافظ ابن ناصر الدّين الدّمشقيّ (ت 842 هـ) رحمه الله في كتابه «التّوضيح» : «قال: وممّن نسب إلى نجد: الفقيه وليّ الدّين سالم بن نافع بن رضوان النّجديّ الحنبليّ، سمع بالبصرة من أبي عبد الله الحسين بن أبي الحسين بن

ص: 106

ثابت الطّيبيّ الضّرير في سنة 635 هـ.

- وذكر ابن عبد الهادي (ت 909 هـ) في «الجوهر المنضّد» :

12 اثنين ممّن قرأ عليه في الفقه، كلّ واحد منهم اسمه (أحمد النّجدي) ورجّحت أن يكون أحدهما: أحمد بن يحيى بن عطوة، ولم أعرف الثّاني.

- وذكر ابن عبد الهادي أيضا في الكتاب المذكور: (رحمة النّجديّ) وقال: «وصف له بعلم ببلاد نجد وأنّه قاض هناك، ورجّحت أنّه عبد الله بن رحمة النّاصريّ الذي ذكره ابن بشر في عنوان المجد: 2/ 303.

- وذكر ابن عبد الهادي أيضا في الكتاب المذكور: (فضل بن عيسى النّجديّ)(ت 882 هـ) وقال: «صاحبنا قرأ على (المقنع) وغيره، وكان ذا دين وفضل كاسمه» .

- وذكر ابن عبد الهادي أيضا في الكتاب المذكور: (قاسم النّجديّ)، وقال:«قدم علينا بعد السّتّين، له فضل ومعرفة لا سيّما في الفرائض» .

- وذكر العليميّ وغيره: داود بن أحمد بن شدّاد بن مبارك النّجديّ الأصل الرّبيعيّ الحنبليّ الحمويّ، وقال: ولي قضاء طرابلس، وتوفي بحماة سنة 862 هـ.

ص: 107

الاستدراك على ابن حميد:

حاول ابن حميد أن يكون جمعه شاملا لأغلب علماء الحنابلة الذين عاشوا في الفترة ما بين سنة 751 - 1291 هـ، ومع حرصه على ذلك فاته عدد غير قليل من العلماء، فقد أمكن استدراك ما يزيد على خمسمائة ترجمة أخل بعدم ذكرها أشرنا إلى تراجمهم في هوامش الكتاب، وهذا الاستدراك غير شامل لكل ما يمكن استدراكه، لأننا لم نعن بالاستدراك العناية التّامة اللّازمة لذلك، وهذا عدد غير قليل، لكن توافر لدينا من كثرة المصادر وتنوّعها ما لم يستطع هو الوقوف عليه؛ لسهولة وسائل الاتصال وتنوّع مصادر البحث والاطلاع في زماننا، مع وجود الرّغبة الأكيدة كتلك الرّغبة التي لدى المؤلّف في البحث والتّتبّع، ومحاولة الجمع والاستقصاء، وكثرة القراءة في الكتب والفهارس، والمجاميع والمشيخات، والأثبات والسّماعات، وضمّ الشّبيه إلى الشّبيه، ووصل ابن الحفيد والحفيد والابن بالأب والجدّ وجدّ الجدّ.

وهؤلاء المستدركون منهم من ورد في مصادر رجع إليها المؤلّف لكنّه غفل عنها أو سها وتجاوزه ولم يسجّل ترجمته في كتابه مثل من ورد في (الدّرر الكامنة) و «الضّوء اللّامع» و «الشّذرات .. » وغيرها، وهذا قليل، ومنهم من ورد في مصادر لم يعرفها المؤلّف ولا وقف عليها مثل:«تاريخ ابن قاضي شهبة» و «تذكرة النّبيه»

ص: 108

و «ودرّة الأسلاك» و «تتمّته» وكلاهما لابن حبيب، والتتمّة لولده و «المقصد الأرشد» لابن مفلح، و «المنهج الأحمد» للعليميّ و «النّعت الأكمل» للغزّيّ، و «المنهج الجليّ .. » تخريج تقيّ الدّين الفاسيّ و «ذيل التّقييد» له، و «معاجم الشّيوخ» ، وفيها كثرة كمعجم ابن ظهيرة المكي واسمه «إرشاد الدّارسين» و «معجم ابن رجب» والد الحافظ، و «مشيخة المراغي» ، و «معجم السّبكيّ» ، و «المشيخة الباسمة للقبابي وفاطمة» تخريج الحافظ ابن حجر، و «معجمه» و «معجم السّخاويّ» وأثبات السّفّارينيّ الثلاثة، و «ثبت البخاري» عن عبد العزيز بن فهد المكيّ، وثبت ابن زريق المقدسيّ الحنبليّ، وثبت ابن جمعة الحلبيّ، وثبت الشّماع الحلبيّ، وثبت ابن إمام الفاضليّة، و «وثبت ابن قاضي فصّه» ، و «وثبت» ابنه أبي المواهب»، وغيرها كثير، والإجازات والسّماعات والتّواريخ الكثيرة المشتملة على مناقب العلماء وتراجمهم، ولو كان لدي مزيد من الوقت لزاد عدد المستدركين أضعافا لكنّه بداية عمل، وعلى الحريص على جمعها أن يسلك هذا الطّريق أو مثله.

- ومنهم من تعمّد الإخلال بعدم ذكره كأئمة الدّعوة ودعاتها وعلمائها وقضاتها من علماء نجد كما أسلفنا.

ص: 109

‌وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق:

لكتاب «السّحب الوابلة» نسخ كثيرة جدّا في مكتبات خاصة وعامة وقفت على كثير منها ولله المنة، وما إن عرف كثير من المشتغلين بالتّراث من العلماء وطلبة العلم منّا عقد النّية على العمل فيه (تحقيقا وتعليقا واستدراكا) حتّى سارع كثير منهم بإبلاغنا عن نسخ خطّية من الكتاب هنا وهناك حتّى:

تكاثرت الظّباء على خراش

فما يدري خراش ما يصيد

واقتضت إرادة الله أن نقف على نسخة المؤلف التي بخطه، وهي نسخة تامة جيّدة، وحسبها أنّها بخطّه، وفي أولها تقريض الشيخ محمد أمين العبّاسي مفتي دمشق المتوفى سنة 1291 هـ مؤرّخ بخطّه سنة 1288 هـ. وفي آخرها ترجمة المؤلّف (موجزة) بقلم تلميذه الشّيخ صالح بن عبد الله البسّام العنيزيّ (ت 1307 هـ) وكتب على النّسخة: في ملك الفقير إلى الله محمد بن عبد الله بن حميد الحنبلي وهو المذكور مؤلّف هذه النّسخة سنة 1287 هـ. وكتب بعدها: ثم انتقلت في ملك الفقير عبد الله بن علي بن حميد الحنبلي بشراء شرعيّ من الدّلال بعد انتهاء الحراج

» وبعده كلام طمس يظهر فيه قيمة النّسخة ثم استخلص المذكور حقه منها ثم دفع الباقي للورثة وذلك سنة 1327 هـ في 17 ربيع الأول والحمد لله رب العالمين آمين. وعبد الله هذا هو حفيد المؤلف (ت 1346 هـ) ثم انتقل

ص: 110

الكتاب إلى الشّيخ سليمان بن عبد الرحمن بن صنيع العنيزي المقيم بمكّة (ت 1389 هـ) وهو تلميذ عبد الله السّابق حفيد المؤلّف ذكره.

وقد اشترت جامعة الملك سعود مكتبة الشيخ سليمان ومنها هذا الكتاب، ونسخة أخرى عنه أيضا بخطّ الشيخ سليمان. وهو الآن في مكتبة الجامعة المذكورة رقم:(1287). وقد قرأه الشيخ سليمان نسخة المؤلف هذه وصحح بعض الأخطاء الواردة فيه على هوامشها بخطه واستدركاستدراكات يسيرة وعلق بعض التعليقات النافعة.

جزاه الله خيرا ورحمه. وتقع في (158) ورقة وهي في الأصل مرقمة ترقيم صفحات. (316) صفحة، وهذه النّسخة آخر إخراج للكتاب فيما يظهر كتبها المؤلّف سنة 1288 هـ جاء في آخره:

قد أنهاه نقلا من المسودة الثانية جامعه الفقير

ووافق ذلك بعد صلاة الظهر من يوم الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة من شهور سنة 1288 هـ

وفيه إضافات في هوامشه بخطّ مؤلّفه ألحقها بعد ذلك، آخرها- والله أعلم- ترجمة صديقه الشيخ محمد بن مانع (ت 1291 هـ).

والله تعالى أعلم.

قال ذلك وكتبه د/ عبد الرّحمن بن سليمان العثيمين مكة المكرمة- جامعة أم القرى

ص: 111