المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال الحسن رضي الله عنه: أراد بالمرء المؤمن أي: يجد - السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير - جـ ٤

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الأحقاف

- ‌سورة محمد

- ‌سورة الفتح

- ‌سورة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سورة الذاريات

- ‌سورة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سورة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سورة الواقعة

- ‌سورة الحديد

- ‌سورة المجادلة

- ‌سورة الحشر

- ‌سورة الممتحنة

- ‌سورة الصف

- ‌سورة الجمعة

- ‌سورة المنافقين

- ‌سورة التغابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سورة التحريم

- ‌سورة الملك

- ‌سورة ن

- ‌سورة الحاقة

- ‌سورة المعارج

- ‌سورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سورة المزمل

- ‌سورة المدثر

- ‌سورة القيامة

- ‌سورة الإنسان

- ‌سورة المرسلات عرفاً

- ‌سورة عم يتساءلون

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفطار

- ‌سورة المطففين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البروج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشية

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البلد

- ‌سورة الشمس

- ‌سورة والليل

- ‌سورة الضحى

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌سورة التين والزيتون

- ‌سورة العلق

- ‌سورة القدر

- ‌سورة لم يكن

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سورة والعاديات

- ‌سورة القارعة

- ‌سورة التكاثر

- ‌سورة العصر

- ‌سورة الهمزة

- ‌سورة الفيل

- ‌سورة قريش

- ‌سورة الماعون

- ‌سورة الكوثر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سورة تبت

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: وقال الحسن رضي الله عنه: أراد بالمرء المؤمن أي: يجد

وقال الحسن رضي الله عنه: أراد بالمرء المؤمن أي: يجد لنفسه عملاً، وأما الكافر فلا يجد لنفسه عملاً فيتمنى أن يكون تراباً، ولأنه تعالى قال:{ويقول الكافر} فعلم أنه أراد بالمرء المؤمن وقيل: هو الكافر لقوله تعالى: {إنا أنذرناكم} فيكون الكافر ظاهراً وضع موضع الضمير لزيادة الذمّ. ومعنى {ما قدّمت يداه} من الشرّ كقوله تعالى: {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق، ذلك بما قدمت يداك} (الحج: 9 ـ 10)

وما يجوز أن تكون استفهامية منصوبة بقدّمت أي: ينظر أي شيء قدّمت يداه أو موصولة منصوبة بينظر يقال: نظرته بمعنى نظرت إليه والراجع إلى الصلة محذوف.

وقال مقاتل رضي الله عنه: نزل قوله تعالى: {يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه} في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، و {ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً} في أخية الأسود بن عبد الأسد وقال الثعلبي: سمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: الكافر هنا إبليس، وذلك أنه عاب آدم عليه السلام بأنه خلق من تراب وافتخر بأنه خلق من نار، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة ورأى ما هو فيه من الشدّة والعذاب تمنى أنه كان بمكان آدم فيقول {يا ليتني كنت تراباً} . قال: ورأيته في بعض التفاسير.

قال البغويّ: قال أبو هريرة رضي الله عنه فيقول التراب: لا ولا كرامة لكل من جعلك مثلي. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان ثم يقال للبهائم والطير: كونوا تراباً، فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت تراباً} أي: فلا أعذب وقيل: معنى {يا ليتني كنت تراباً} أي: لم أبعث. وقال أبو الزناد: إذا قضي بين الناس وأمر بأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار قيل لسائر الأمم ولمؤمني الجنّ: عودوا تراباً فيعودون تراباً فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم: {يا ليتني كنت تراباً} ، وقال ليث بن أبي سليم مؤمنو الجنّ يعودون تراباً. وقال عمر بن عبد العزيز ومجاهد وغيرهما: مؤمنو الجنّ حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها، والذي عليه الأكثر أنهم مكلفون مثابون ومعاقبون كبني آدم، وقيل: يحشر الله تعالى الحيوان غير مكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ثم يردّه تراباً فيودّ الكافر حاله.

وما قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة عمّ سقاه الله تعالى برد الشراب يوم القيامة» حديث موضوع.

‌سورة النازعات

مكية

وهي خمس أو ست وأربعون آية ومائةوسبعون كلمة وسبعمائة وثلاثون حرفاً

{بسم الله} الذي أحاط علمه بالكائنات {الرحمن} الذي أنعم على سائر الموجودات {الرحيم} الذي خص أولياءه بالجنات

{والنازعات} أي: الملائكة تنزع أرواح الكفار {غرقاً} أي: تنزع أرواحهم من أجسادهم بشدّة كما يغرق النازع في القوس ليبلغ بها غاية المدّ بعدما نزعها، حتى إذا كادت تخرج ردّها إلى جسده فهذا عملهم بالكفار. وقال عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما: يريد نفس الكفار ينزعها ملك الموت من أجسادهم من تحت كل شعرة ومن تحت الأظافير وأصول القدمين نزعاً كالسفود ينزع من الصوف الرطب، ثم يغرقها أي: يرجعها إلى أجسادهم ثم ينزعها، فهذا عمله في الكفار.

وقال السدّي رضي الله عنه: والنازعات هي النفوس حين

ص: 475

تغرق في الصدور، وقال مجاهد رضي الله عنه: هي الموت ينزع النفوس. وقال الحسن وقتادة رضي الله عنهم: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب. وقال عطاء وعكرمة رضي الله عنهم: هي النفوس، وقيل: الغزاة.

تنبيه: غرقاً يجوز أن يكون مصدراً على حذف الزوائد بمعنى إغراقاً، وانتصابه بما قبله لملاقاته في المعنى، وأن يكون على الحال أي: ذوات إغراق.

يقال: أغرق في الشيء يغرق فيه إذا أوغل وبلغ أقصى غايته.

{والناشطات نشطاً} أي: الملائكة تنشط أرواح المؤمنين أي: تسلها برفق فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنه.

وفي الحديث: «كأنما نشط من عقال» . وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «هي أنفس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة؛ لأنّ الجنة تعرض عليهم قبل الموت» . وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «هي الملائكة تنشط أرواح الكفار مما بين الجلد والأظفار حتى تخرجها من أفواههم بالكد والغم» والنشط الجذب والنزع، يقال: نشط الدنو نشطاً انتزعها» . وقال السدّي رضي الله عنه: هي النفس تنشط من بين القدمين، أي: تجذب، وقال قتادة رضي الله عنه: هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي: تذهب. يقال: نشط من بلد إلى بلد إذا خرج في سرعة، ويقال حمار ناشط ينشط من بلد إلى بلد. وقال الجوهري: يعني النجوم تنشط من برج إلى برج، كالثور الناشط من بلد إلى بلد.

{والسابحات سبحاً} أي: الملائكة تسبح من السماء بأمره أي: ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد. يقال له: سابح إذا أسرع في جريه، وقال عليّ رضي الله عنه: هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين. قال الكلبي: كالذي يسبح في الماء، فأحياناً ينغمس وأحياناً يرتفع يسلونها سلاً رفيقاً بسهولة، ثم يدعونها حتى تستريح. وعن مجاهد رضي الله عنه: السابحات الموت يسبح في نفوس بني آدم. وقال قتادة والحسن رضي الله عنهم: هي النجوم تسبح في أفلاكها، وكذا الشمس والقمر، قال تعالى:{كل في فلك يسبحون} (الأنبياء: 33)

. وقال عطاء: هي السفن في الماء. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أرواح المؤمنين تسبح شوقاً إلى لقاء الله تعالى ورحمته حتى تخرج، وقيل: هي خيل الغزاة، قال عنترة:

*والخيل تعلم حين تس

بح في حياض الموت سبحا*

{فالسابقات سبقاً} أي: الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، وقال مجاهد رضي الله عنه: هي الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: هي أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها شوقاً إلى لقاء الله تعالى وكرامته، وقد عاينت السرور. وقال قتادة رضي الله عنه: هي النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير. وقال عطاء: هي الخيل التي تسبق في الجهاد، وقيل: هي ما يسبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار. قال الجرجاني: ذكر السابقات بالفاء لأنها مسببة عن الذي قبلها، أي: واللاتي يسبحن فيسبقن.

قال الواحدي: وهذا غير مطرد في قوله تعالى: {فالمدبرات أمراً} أي: الملائكة تدبر أمر الدنيا، أي: تنزل بتدبيره. قال الرازي: ويمكن الجواب بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره، فتكون هذه أفعالاً يتصل بعضها ببعض، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المدبرات هي الملائكة وكلوا بأمور عرّفهم الله تعالى العمل بها.

قال عبد الرحمن بن سابط: يدبر الأمر في الدنيا أربعة من الملائكة: جبريل

ص: 476

وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام، فأما جبريل فوكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فوكل بالقطر والنبات، وأما ملك الموت فوكل بقبض الأرواح، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم، وليس في الملائكة أقرب منه وبينه وبين العرش خمسمائة عام. وقيل: هي الكواكب السبع، حكي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

وفي تدبيرها بالأمور وجهان: أحدهما تدبير طلوعها وأفولها، والثاني في تدبير ما قضى الله تعالى فيها من تقليب الأحوال أقسم سبحانه وتعالى بهذه الأمور على قيام الساعة والبعث، وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وأما العباد فلا يصح لهم أن يقسموا بغير الله تعالى وصفاته.

وقوله تعالى: {يوم ترجف} أي: تضطرب اضطراباً كثيراً مزعجاً {الراجفة} أي: الصيحة منصوب بالجواب، أي: لتبعثنّ يا كفار مكة {يوم ترجف الراجفة} وهي النفخة الأولى بها يرجف كل شيء، أي: يتزلزل ويتحرّك لها كل شيء، ويموت منها جميع الخلائق فوصفت بما يحدث منها. {تتبعها الرادفة} أي: الصيحة التابعة لها وهي النفخة الثانية، ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة، والجملة حال من الراجفة واليوم واسع للنفختين وغيرهما، فصح ظرفيته للبعث الواقع عقيب الثانية. وقال قتادة رضي الله عنه: هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله سبحانه وتعالى، وقال عطاء: الراجفة القيامة والرادفة البعث. روي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام وقال: يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه» .

{قلوب يومئذ} أي: إذ قام الخلائق بالصيحة التابعة للأولى {واجفة} أي: خائفة قلقة مضطربة من الوجيف وهو صفة القلوب، وقال مجاهد رضي الله عنه: وجلة. وقال السدّي: زائلة عن أماكنها، نظيره {إذ القلوب لدى الحناجر} (غافر: 18)

{أبصارها} أي: أبصار أصحابها، فهو من الاستخدام {خاشعة} أي: ذليلة من الخوف، ولذا أضافها إلى القلوب، كقوله تعالى:{خاشعين من الذل} (الشورى: 45)

{يقولون} أي: أرباب القلوب والأبصار في الدنيا استهزاء وإنكاراً للبعث {أئنا لمردودون} أي: بعد الموت {في الحافرة} أي: في الحياة التي كنا فيها قبل الموت، وهي حالتنا الأولى، فنصير أحياء بعد الموت كما كنا، تقول العرب: رجع فلان في حافرته، أي: رجع من حيث جاء، والحافرة عندهم اسم لابتداء الشيء وأوّل الشيء. وقال بعضهم: الحافرة وجه الأرض التي تحفر فيها قبورهم، سميت حافرة بمعنى المحفورة. كقوله تعالى:{عيشة راضية} (الحاقة: 21)

أي: مرضية، وقيل: سميت حافرة لأنها مستقرّ الحوافر، أي: إنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقاً جديداً نمشي عليها، وقال ابن زيد: الحافرة النار.

{أئذا كنا} أي: كوناً صار جبلة لنا. {عظاماً نخرة} أي: بالية متفتتة نحيى بعد ذلك، وقرأ: أئنا وإذا نافع وابن عامر والكسائي بالاستفهام في الأوّل والخبر في الثاني، والباقون بالاستفهام فيهما، وسهل نافع وابن كثير وأبو عمرو والباقون بالتحقيق، وأدخل بين الهمزتين قالون وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه ألفاً والباقون بغير إدخال.

وقرأ نخرة حمزة وشعبة والكسائي بالألف بعد النون والباقون بغير ألف، وهما لغتان، مثل: الطمع والطامع، والحذر والحاذر، معناهما البالية، وفرق قوم بينهما فقالوا: النخرة البالية، والنخرة المجوّفة التي تمر فيها الريح فتنخر أي: تصوّت.

{قالوا} أي: المنكرون

ص: 477

للبعث {تلك} أي: رجعتنا العجيبة إلى الحياة {إذاً} أي: إن صحت {كرّة} أي: رجعة {خاسرة} أي: ذات خسران أو خسار أصحابها، والمعنى: إن صحت فنحن إذاً خاسرون بتكذيبنا وهو استهزاء منهم. وعن الحسن رضي الله عنه أن خاسرة بمعنى كاذبة، أي: ليست كائنة.

قال الله تعالى: {فإنما هي} أي: الرادفة التي يتبعها البعث {زجرة} أي: صيحة بانتهار تتضمن الأمر بالقيام والسوق إلى المحشر والمنع من التخلف {واحدة} عبر بالزجرة لأنه أشدّ من النهي، لأنها صيحة لا يتخلف عنها القيام أصلاً فكان كأنه بلسان قال عن تلك الصيحة: أيها الأجساد البالية انتهي عن الرقاد وقومي إلى الميعاد بما حكمنا به من المعاد، فقد انتهى زمن الحصاد، وآن أوان الاجتناء لما قدّم من الزاد، فيا خسارة من ليس له زاد.

{فإذا هم} أي: فتسبب عن تلك النفخة وهي الثانية أن كل الخلائق {بالساهرة} أي: صاروا على وجه الأرض بعدما كانوا في جوفها. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة، قال بعض أهل اللغة: تراهم سموها ساهرة لأنّ فيها نوم الحيوان وسهرهم. قال سفيان رضي الله عنه: هي أرض الشام، وقال قتادة رضي الله عنه: هي جهنم.

فإن قيل: بم يتعلق {فإنما هي زجرة واحدة} ؟ أجيب: بأنه متعلق بمحذوف معناه لا تستصعبوها {فإنما هي زجرة واحدة} يعني: لا تحسبوا تلك الكرّة صعبة على الله تعالى، فإنها سهلة هينة في قدرته تعالى.

وقال الزمخشري: الساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك، لأنّ السراب يجري فيها من قولهم: عين ساهرة أي: جارية الماء وفي ضدها نائمة. قال الأشعث بن قيس:

*وساهرة يضحى السراب مجللاً

لأقطارها قد جبتها متلثما*

أو لأنّ سالكها لا ينام خوف الهلكة. وقال الراغب: هي وجه الأرض. وقيل: أرض القيامة، وحقيقتها التي يكثر الوطء بها كأنها سهرت من ذلك، والأسهران عرقان في الأنف، والساهور غلاف القمر الذي يدخل فيه عند كسوفه. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الساهرة أرض من فضة لم يعص الله عليها قط جعلها حينئذ، وقيل: الساهرة اسم للأرض السابعة يأتي بها الله تعالى فيحاسب عليها الخلائق، وذلك حين تبدّل الأرض غير الأرض وقال وهب بن منبه: جبل بيت المقدس. وقال عثمان بن أبي العاتكة: إنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشأم، وهو الصقع الذي بين جبل أريحاء وجبل حسان يمدّه الله تعالى كيف شاء.

ثم إنّ الله تعالى سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:

{هل أتاك} يا أشرف الخلق {حديث موسى} أي: أليس قد أتاك حديثه، فيسليك على تكذيب قومك ويهدّدهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم، فإنه كان أقوى أهل الأرض بما كان له من كثرة الجنود فلما أصرّ على التكذيب ولم يرجع ولا أفاده التأديب أغرقناه وآله، ولم نبقِ منهم أحداً، وقد كانوا لا يحصون عدداً بحيث قيل: إنّ طليعته كانت على عدد بني إسرائيل ستمائة ألف فكيف بقومك الضعاف.

وقوله تعالى: {إذ} أي: حين {ناداه} منصوب بحديث لا بأتاك {ربه} أي: المحسن إليه بالرسالة وغيرها {بالواد المقدّس} أي: المطهر غاية الطهر بتشريف الله تعالى له بإنزال النبوّة المفيضة للبركات. وقوله تعالى: {طوى} اسم الوادي وهو الذي طوي فيه الشرّ عن بني إسرائيل، ومن أراد الله تعالى من خلقه ونشر فيه

ص: 478

بركات النبوّة على جميع أهل الأرض المسلم بإسلامه وغيره برفع عذاب الاستئصال عنه، فإن العلماء قالوا: إنّ عذاب الاستئصال ارتفع حين أنزلت التوراة، وهو واد بالطور بين إيلة ومصر، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو بغير تنوين في الوصل والباقون بالتنوين.

وقوله تعالى: {اذهب إلى فرعون} أي: ملك مصر الذي كان يستعبد بني إسرائيل على إرادة القول {إنه طغى} أي: تجاوز الحدّ في الكفر وعلا وتكبر.

وقال الرازي: لم يبين أنه طغى في أي شيء، فقيل: تكبر على الله تعالى وكفر به، وقيل: تكبر على الخلق واستعبدهم. { {

وروي عن الحسن رضي الله عنه قال: كان فرعون علجاً من همدان، وقال مجاهد رضي الله عنه: كان من أهل إصطخر. وعن الحسن أيضاً: كان من أصبهان يقال له: ذو الظفر طوله أربعة أشبار.

وقوله تعالى: {فقل} أي: له {هل لك} أي: هل لك سبيل {إلى أن تزكى} أي: تتطهر من الكفر والطغيان. قال ابن عباس رضي الله عنهما: بأن تشهد أن لا إله إلا الله. وقال أبو البقاء: لما كان المعنى أدعوك جاء بإلى، وقال غيره: يقال هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا كما تقول: هل ترغب فيه وهل ترغب إليه. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي، والأصل تتزكى والباقون بتخفيفها.

{وأهديك إلى ربك} أي: وأنبهك على معرفة المحسن إليه {فتخشى} لأنّ الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28)

أي: العلماء به، وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر من خشي الله تعالى أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شرّ. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل» بدأ بمخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرفيق ليستدعيه للتلطف في القول ويستنزله بالمداراة من علوه كما أمر بذلك في قوله تعالى:{فقولا له قولاً ليناً} (طه: 25)

الآية. وقال الرازي: سائر الآيات تدل على أنه تعالى لما نادى موسى عليه السلام ذكر له أشياء كثيرة {نودي إني أنا ربك} إلى قوله تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى اذهب إلى فرعون إنه طغى} (طه: 12 ـ 24)

فدل قوله تعالى: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أنه من جملة ما ناداه به لا كل ما ناداه به، وأيضاً فليس الغرض أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى فرعون فقط، بل إلى كل من كان في الطور إلا أنه خصه بالذكر لأنّ دعوته جارية مجرى كل القوم.

والفاء في قوله تعالى: {فأراه} عاطفة على محذوف يعني: فذهب فأراه {الآية الكبرى} كقوله تعالى: {اضرب بعصاك الحجر فانفجرت} (البقرة: 60)

أي: فضرب فانفجرت.

واختلفوا في الآية الكبرى أي: العلامة العظمى وهي المعجزة. فقال عطاء وابن عباس رضي الله عنهم: هي العصا. وقال مقاتل والكلبي رضي الله عنهما: هي اليد البيضاء تبرق كالشمس، والأوّل أولى لأنه ليس في اليد إلا انقلاب لونها، وهذا حاصل في العصا لأنها لما انقلبت حية لا بدّ وأن يتغير اللون الأوّل، فإذن كل ما في اليد فهو حاصل في العصا، وأمور أخر وهي الحياة في الجرم الجمادي وتزايد أجزائه، وحصول القدرة الكبيرة والقوّة الشديدة وابتلاعها أشياء كثيرة وزوال الحياة والقدرة عنها، وذهاب تلك الأجزاء التي عظمت، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حية، وكل واحد من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أنّ الآية الكبرى هي العصا. وقال مجاهد رضي الله عنه: هي مجموع العصا واليد، وقيل: فلق البحر، وقيل: جميع آياته التسع.

{فكذب} أي: فتسبب عن رؤيته ذلك

ص: 479

أن كذب موسى عليه السلام {وعصى} الله تعالى بعد ظهور الآية وتحقيق الأمر، وقيل: كذب بالقول وعصى بالتمرّد والتجبر.

{ثم أدبر} أي: تولى وأعرض عن الإيمان بعد المهل والأناة إعراضاً عظيماً بالتمادي على أعظم ما كان فيه من الطغيان بعد خطوب جليلة ومشاهد طويلة، حال كونه {يسعى} أي: يعمل بالفساد في الأرض، أو أنه لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسعى أي: يسرع في مشيته. قال الحسن رضي الله عنه: كان رجلاً طياشاً خفيفاً، وتولى عن موسى عليه السلام يسعى ويجتهد في مكايدته، أو أريد: ثم أقبل يسعى كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا بمعنى أنشأ يفعل، فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال.

{فحشر} أي: فتسبب عن إدباره أنه جمع السحرة للمعارضة وجنوده للقتال {فنادى} حينئذ بأعلى صوته. قال حمزة الكرماني: قال له موسى عليه السلام: إنّ ربي أرسلني إليك لئن آمنت بربك تكون أربعمائة سنة في النعيم والسرور، ثم تموت فتدخل الجنة فقال: حتى أستشير هامان فاستشاره، فقال: أتصير عبداً بعدما كنت رباً، فعند ذلك جمع بعث الشرط وجمع السحرة والجنود.

فلما اجتمعوا قام عدوّ الله على سريره {فقال أنا ربكم الأعلى} أي: لا رب فوقي، وقيل: أراد أنّ الأصنام أرباب وأنا ربها وربكم، وقيل: أمر منادياً فنادى في الناس بذلك، وقيل: قام فيهم خطيباً فقال ذلك.

{فأخذه الله} أي: أهلكه بالغرق الملك الأعظم الذي لا كفء له {نكال} أي: عقوبة {الآخرة} أي: هذه الكلمة وهي قوله {أنا ربكم الأعلى} . {والأولى} وهي قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} (القصص: 38)

. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكان بين الكلمتين أربعون سنة، والمعنى: أمهله في الأولى ثم أخذه في الآخرة فعذبه بكلمتيه. وقال الحسن رضي الله عنه: {نكال الآخرة والأولى} هو أن أغرقه في الدنيا وعذبه في الآخرة. وعن قتادة رضي الله عنه: الآخرة هي قوله: {أنا ربكم الأعلى} والأولى تكذيبه لموسى عليه السلام.

ثم إنه تعالى ختم هذه القصة بقوله تعالى: {إنّ في ذلك} أي: الأمر العظيم الذي فعله فرعون والذي فعل به حين كذب وعصى {لعبرة} أي: لعظة {لمن يخشى} أي: لمن يخاف الله تعالى لأنّ الخشية أساس الخير كما مرّت الإشارة إليه.

ثم خاطب تعالى منكري البعث بقوله تعالى:

{أأنتم} أي: أيها الأحياء مع كونكم خلقاً ضعيفاً {أشدّ خلقاً} أي: أخلقكم بعد الموت أشدّ في تقديركم {أم السماء} أي: فمن قدر على خلق السماء على عظمها من السعة والكبر والعلوّ والمنافع قدر على الإعادة، وهذا كقوله تعالى:{لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} (غافر: 57) ، والمقصود من الآية الاستدلال على منكري البعث، ونظيره قوله تعالى:{أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} (يس: 81)

ومعنى الكلام التقريع والتوبيخ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، والباقون بتحقيقهما، وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو وهشام، والباقون بغير إدخال. { {

وقوله تعالى: {بناها} بيان لكيفية خلقه إياها فالوقف على السماء والابتداء بما بعدها وقوله تعالى: {رفع سمكها} جملة مفسرة لكيفية البناء، والسمك الارتفاع أي: جعل مقدارها في سمت العلوّ مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام {فسوّاها} أي: فعدلها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور، أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها من قولك: سوّى فلان أمر فلان.

{وأغطش} أي: أظلم {ليلها} أي:

ص: 480

جعله مظلماً بغياب شمسها فأخفى ضياءها بامتداد ظل الأرض على كل ما كانت الشمس ظهرت عليه، فصار لا يهتدي معه إلى ما كان في حال الضياء، وأضاف الليل إلى السماء لأنّ الليل يكون بغروب الشمس والشمس تضاف إلى السماء. ويقال: نجوم الليل، لأنّ ظهورها بالليل.

وقوله تعالى: {وأخرج ضحاها} فيه حذف، أي: ضحى شمسها، أو أضاف الليل والضحى لها للملابسة التي بينها وبينهما لأنّ الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوّها، وإنما عبر عن النهار بالضحى؛ لأنّ الضحى أكمل أجزاء النهار بالنور والضوء.

{والأرض بعد ذلك} أي: بعد المذكور كله {دحاها} أي: بسطها ومهدها للسكنى وبقية المنافع، وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو فلا معارضة بينها وبين آية فصلت؛ لأنه خلق الأرض أولاً غير مدحوة ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله تعالى الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء فسوّاها سبع سموات ثم دحا الأرض بعد ذلك. وقيل: معناه والأرض مع ذلك دحاها كقوله تعالى: {عتلّ بعد ذلك} (القلم: 13)

أي: مع ذلك، ومنه قولهم: أنت أحمق، وأنت بعد هذا سيء الخلق.

وقيل: بعد بمعنى قبل كقوله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} (الأنبياء: 105)

أي: من قبل، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت.

{أخرج منها} أي: الأرض {ماءها} أي: بتفجير عيونها، وإضافتها إليها دليل على أنه مودوع فيها {ومرعاها} أي: النبات الذي يرعى مما يأكله الناس والأنعام من العشب والشجر والثمر والحب حتى النار والملح، لأنّ النار من العيدان قال تعالى:{أفرأيتم النار التي تورون} (الواقعة: 71)

الآية، والملح من الماء، واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام:{يرتع ويلعب} (يوسف: 12)

والمرعى في الأصل موضع الرعي.

تنبيه: أخرج حال بإضمار قد أي: مخرجاً، وإضمار قد هو قول الجمهور وخالف الكوفيون والأخفش.

{والجبال أرساها} أي: أثبتها على وجه الأرض لتسكن، ونظيره قوله تعالى:{والجبال أوتاداً} (النبأ: 7)

وقوله تعالى: {متاعاً} مفعول له لمقدّر، أي: فعل ذلك منفعة أو مصدر لعامل مقدّر أي: متعكم تمتيعاً.

{لكم} وقوله تعالى: {ولأنعامكم} جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم، وذكر الأنعام لكثرة الانتفاع بها.

{فإذا جاءت الطامة الكبرى} أي: الداهية التي تطم على الدواهي أي: تعلو وتغلب، وفي أمثالهم: جرى الوادي فطم على القرى، قال ابن عباس: وهي النفخة الثانية التي يكون معها البعث. وقال الضحاك: هي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء فتغمره. وقال القاسم بن الوليد الهمداني: هي الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار.

وقوله تعالى: {يوم يتذكر} أي: تذكراً عظيماً {الإنسان} أي: الخلق الآنس بنفسه الغافل عما خلق له بدل من إذا {ما سعى} في الدنيا من خير أو شرّ، يعني: إذا رأى أعماله مدوّنة في كتابه تذكرها، وكان قد نسيها كقوله تعالى:{أحصاه الله ونسوه} (المجادلة: 6)

وما في {ما سعى} موصولة أو مصدرية.

{وبرّزت الجحيم} أي: أظهرت النار المحرقة إظهاراً بيناً مكشوفاً {لمن يرى} أي: لكل راء، كقولهم: قد تبين الصبح لذي عينين، يريدون لكل من له بصر، وهو مثل في الأمر المنكشف الذي لا يخفى على أحد، لكن الناجي لا ينصرف بصره إليها فلا يراها، كما قال تعالى: {لا يسمعون

ص: 481

حسيسها} (الأنبياء: 102)

وجواب إذا قوله: {فأمّا من طغى} أي: تجاوز الحد في العدوان حتى كفر بربه {وآثر} أي: قدّم واختار {الحياة الدنيا} أي: انهمك فيها ولم يستعدّ للآخرة بالعبادة وتهذيب النفس {فإنّ الجحيم} أي: النار الشديدة التوقد العظيمة {هي} أي: خاصة {المأوى} أي: مأواه كما تقول للرجل: غض الطرف، تريد طرفك، وليست الألف واللام بدلاً عن الإضافة، ولكن لما علم أنّ الطاغي هو صاحب المأوى، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره تركت الإضافة.

تنبيه: {هي} يجوز أن تكون فصلاً أو مبتدأ.

{وأمّا من خاف مقام ربه} أي: قيامه بين يديه لعلمه بالمبدأ وبالمعاد، وقال مجاهد: خوفه في الدنيا من الله تعالى عند مواقعة الذنب فيقلع عنه نظيره {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن: 46)

{ونهى النفس} أي: الأمارة بالسوء {عن الهوى} وهو اتباع الشهوات وزجرها عنها وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير.

{فإنّ الجنة} أي: البستان لكل ما يشتهى {هي} أي: خاصة {المأوى} أي: ليس له سواها مأوى، وحاصل الجواب أنّ العاصي في النار والطائع في الجنة. قال الرازي: هذان الوصفان مضادان للوصفين المتقدّمين فقوله تعالى: {فأما من خاف مقام ربه} ضد قوله تعالى: {فأما من طغى} . {ونهى النفس عن الهوى} ضد قوله تعالى: {وآثر الحياة الدنيا} فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين الوصفين جميع الطاعات. وقال عبد الله بن مسعود: أنتم في زمان يقود الحق الهوى، وسيأتي زمان يقود الهوى الحق، فتعوّذوا بالله من ذلك الزمان.

تنبيه: اختلف في سبب نزول هاتين الآيتين، فقيل: نزلتا في مصعب بن عمير وأخيه. روى الضحاك عن ابن عباس قال: {أمّا من طغى} فهو أخو مصعب بن عمير أسر يوم بدر وأخذته الأنصار فقالوا: من أنت، قال: أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدّوه في الوثاق وأكرموه وبيتوه عندهم فلما أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير حديثه، فقال: ما هو لي بأخ شدّوا أسيركم، فإنّ أمّه أكثر أهل البطحاء حلياً ومالاً، فأوثقوه حتى تبعث أمّه فداءه، {وأمّا من خاف مقام ربه} فمصعب بن عمير وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه، والمشاقص جمع مشقص وهو السهم العريض، فلما رآه صلى الله عليه وسلم متشحطاً في دمه قال صلى الله عليه وسلم «عند الله أحتسبك» وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه:«لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإنّ شراك نعله من ذهب» وعن ابن عباس أيضاً: نزلت في رجلين أبي جهل بن هشام ومصعب بن عمير. وقال السدي: نزلت الآية الثانية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقال الكلبي: هما عامّتان.

ولما سمع المشركون أخبار القيامة ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل الطامّة الكبرى والصاخة والقارعة وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً متى تكون الساعة؟ نزل: {يسئلونك} يا أشرف الخلق {عن الساعة} أي: البعث الآخر لكثرة ما تتوعدهم به من أمرها {أيان مرساها} أي: في أي وقت إرساؤها، أي: إقامتها أرادوا متى يقيمها الله تعالى ويثبتها ويكوّنها، أو أيان منتهاها ومستقرّها، كما أنّ مرسى السفينة مستقرّها حيث تنتهي إليه.

فأجابهم الله تعالى بقوله سبحانه: {فيم} أي: في أي شيء {أنت من ذكراها} أي: من أن تذكر وقتها لهم وتعلهم به.

تنبيه: {فيم} خبر مقدّم و {أنت} مبتدأ مؤخر و {من ذكراها} متعلق بما تعلق به الخبر، والمعنى: أنت في أي شيء من ذكراها، أي: ما أنت من

ص: 482