الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصف البلاغة المحمدية
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ [المتوفى سنة 255 هـ] في كتابه "البيان والتبيين"(1) واصفًا كلامَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي لا يوازى فصاحة، ولا يبارى بلاغة:
((هو الذي قَلَّ عددُ حروفه، وكثر عدد معانيه، وجلّ عن الصنعة، ونزه عن التكلف، وكان كما قال اللهُ تبارك وتعالى: قل يا محمد!: {وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} [ص:86].
فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أهل التقعير، واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في
(1)(ج2/ص8 - 9) ط/ دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. ذلك، ولنا دراسة خاصة حول الجاحظ وكتابه هذا، كان الباعث على جمعها مناقشة جرت بيني وبين أحد الدكاترة الأفاضل في شأنه. وستنشر قريبًا بإذن الله.
موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي. فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حُفَّ بالعصمة، وشُيّد بالتأييد، ويسر بالتوفيق.
وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشّاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام. ومع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلت له قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يَبُذُّ الخطبَ الطوالَ بالكلم القصار، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفَلَج إلا بالحق، ولا يستعين بالخِلابة، ولا يستعمل المواربة، ولا يهمز، ولا يلمز، ولا يبطئ، ولا يعجل، ولا يسهب، ولا يَحْصَر.
ثم لم يسمع الناس بكلام قَطُّ أعم نفعًا، ولا أصدق لفظًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين عن فحواه؛ من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كثيرًا
…
قال محمد بن سلام: قال يونس بن حبيب: ((ما جاءنا عن أحد مِن روائع الكلام، ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم))
ولعل بعض مَن لم يتسع في العلم، ولم يعرف مقادير الكلام، يظن أنا تكلفنا له من الامتداح والتشريف، ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده، ولا يبلغه قدره!
كلا والذي حرم التزيد على العلماء، وقَبَّح التكلف عند الحكماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء! لا يظن هذا إلا مَن ضل سعيُه ا. هـ
[وقال القاضي عياض المالكي رحمه الله في كتابه الماتع "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"(1/ 56 - 57):
((وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول: فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل؛ سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معانٍ، وقلة تكلف.
أُوتي جوامع الكلم، وخُص ببدائع الحِكَم، وعلم ألسنة العرب. يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله.
ومَن تأمل حديثه وسبره علم ذلك وتحققه)) ا. هـ] (*)
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليست في المطبوع، فهو مما زاده المحقق في الطبعة الثانية