المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اصطفاء الله كثيرا من المجاهدين للشهادة - السيرة النبوية - راغب السرجاني - جـ ٢٦

[راغب السرجاني]

فهرس الكتاب

- ‌الخروج من مصيبة أحد

- ‌ملخص مصائب يوم أحد على المسلمين

- ‌الحكم والآثار الإيجابية من غزوة أحد

- ‌التنقية والتصفية والابتلاء

- ‌معرفة المسلمين شؤم معصية أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم

- ‌وضوح خطورة الدنيا وضرورة الحذر منها

- ‌إعلام المسلمين أن خطأ بعضهم يعمهم جميعاً

- ‌حكمة إبقاء زعماء الكفر في غزوة أحد أحياءً بعد الغزوة

- ‌اصطفاء الله كثيراً من المجاهدين للشهادة

- ‌نماذج بطولية من شهداء أحد

- ‌حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌مصعب بن عمير رضي الله عنه

- ‌سعد بن الربيع رضي الله عنه

- ‌عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه

- ‌خيثمة أبو سعد رضي الله عنه

- ‌عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه

- ‌عبد الله بن جحش رضي الله عنه

- ‌الأصيرم عمرو بن ثابت بن قيس بن وقش

- ‌مخيريق رضي الله عنه

- ‌قصة قزمان وقتاله في غزوة أحد

- ‌طرق علاج الهزيمة النفسية التي لحقت المسلمين في غزوة أحد

- ‌رفع الروح المعنوية للمسلم بلفت النظر إلى الجوانب الإيجابية فيه

- ‌رفع الروح المعنوية بلفت النظر إلى الجوانب الإيجابية في الحدث نفسه

- ‌معرفة كون المصائب مقدرة من الله

- ‌الوعد بالقيام من جديد والأمل بأن النصر قادم

- ‌التربية بالتاريخ والتأكيد على أن القيام بعد السقوط أمر متكرر

- ‌استشعار أن ما أصابك أصاب عدوك أيضاً

- ‌تداول السلطة بين الأمم والأفراد سنة من سنن الله

- ‌ابتداء المسلم حياته الجديدة بمغفرة الله عز وجل له

- ‌محاسبة الإنسان يوم القيامة على الأعمال لا على النتائج

- ‌القعود واليأس يوجبان العقاب من الله

- ‌خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى حمراء الأسد وأثر ذلك على المسلمين والمشركين

الفصل: ‌اصطفاء الله كثيرا من المجاهدين للشهادة

‌اصطفاء الله كثيراً من المجاهدين للشهادة

من الآثار والحكم التي نريد أن نقف معها وقفة: أن في هذه المصائب التي تنزل على الأمة الإسلامية ينتقي الله عز وجل بعضاً من المسلمين ليتخذهم شهداء، ومن الممكن أن يكونوا شهيدين أو ثلاثة في المعركة، عندها لن تأخذ في بالك قيمة الشهداء وعظمتهم، لكن حين يستشهد سبعون من المسلمين، فهذا أمر لافت للنظر جداً، وخاصة بهذه الطريقة المؤثرة التي حدثت يوم أُحد.

إن قصص الشهداء تفتت الأكباد خاصة عندما تقرأ قصة الشهيد الأول والثاني والثالث والعاشر إلى السبعين، هذا لابد أنه سيلفت النظر بوضوح إلى قيمة الشهداء في الميزان الإسلامي، فالقرآن مركز على قضية الجهاد، ويلفت النظر إلى أن الجهاد يكون بالنفس والمال، فالجهاد في غاية الأهمية، لا تقوم أمة إلا بالجهاد في سبيل الله، وإن تركت الأمة الجهاد في سبيل الله ذلت:(إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتى تعودوا إلى دينكم).

هذا هو كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الواقع الذي نراه في كل صفحة من صفحات القرآن الكريم، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111]، ليس المال فقط، بل {أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]، وهذا كثير جداً في القرآن الكريم:{لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [التوبة:44]، فأنت عندما تجاهد بنفسك فهذا لاشك أنه شيء عظيم، وعندما تفقد نفسك وأنت ثابت في سبيل الله سبحانه وتعالى فهذا شيء أعظم، وعندما تهوى الموت في سبيل الله ويصبح أعظم أمنية عندك فلا شك أن هذا أعظم وأعظم وأعظم، وكل هذا رأيناه في أُحد، وليست المسألة أنك تكون شهيداً بمجرد رغبة عابرة تأتي على الذهن في لحظة من لحظات علو الإيمان أو القرب من الله عز وجل، ليست هذه السنة، السنة أن طريق المسلم طويل وصعب حتى يصل إلى الشهادة، نعم، هناك استثناءات وهناك بعض الظروف لا تكون على هذه الصورة، لكن الأصل أن الطريق طويل.

وكنت مستغرباً لماذا الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي ذكر فيه أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ذكر أموراً كثيرة لا علاقة لها بالجهاد قبل أن يتكلم عن الجهاد؟ يا ترى! ما هو الرابط بين هذه الأمور وبين الجهاد؟ ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل رضي الله عنه لما سأله؟ سأل معاذ بن جبل الرسول صلى الله عليه وسلم سؤالاً جميلاً، ولكنه صعب، قال:(يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال له صلى الله عليه وسلم: لقد سألتني عن عظيم -أي: أمر كبير- وإنه ليسير على من يسره الله عليه -وما هو الطريق؟ - قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً) الأمر الأول: توجيه النية الكاملة لله عز وجل عند المسلم، حتى يصل في يوم من الأيام إلى أن يكون مجاهداً، ويصل بعد ذلك إلى الشهادة.

قال: (وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، وليس من المعقول أبداً أن يكون مجاهداً دون أن يعمل هذه الفرائض، ثم قال:(ألا أدلك على أبواب الخير؟ قال: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، ثم تلا قول الله عز وجل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] حتى بلغ قوله: {يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]).

فالرسول عليه الصلاة والسلام تكلم عن بعض أعمال الخير من الفرائض والنوافل من صيام وصدقة وقيام كلها مهمة جداً في الطريق للجهاد في سبيل الله، ثم قال:(ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ لسانه وقال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم).

إذاً: طريق الجهاد طريق طويل، لا يستطيع أن يصل إليه المسلم دون أن يؤدي الفرائض التي عليه، ولن يصل إلى طريق الجهاد في سبيل الله عز وجل من واظب على المعاصي والمخالفة، وواظب على عدم اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرائض.

ثم بعد الفرائض النوافل أيضاً، لن يصل إلى الجهاد إلا من قام الليل وتص

ص: 9