الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبول الصحابة للأمور الغيبية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم
بعض النصوص يقرؤها الناس فيستبعدونها ويقولون: إن هذه النصوص لا يمكن أن تستقيم مع العقل، وهؤلاء بقصد أو بغير قصد جعلوا العقل حاكماً على النص، وحاكماً على النقل، وهذا مسلك خاطئ إلى أقصى حد، فالذي لا يدركه عقلك يدركه عقلي، والذي لا يدركه عقلي يدركه عقل غيري، والذي لا تدركه أنت اليوم بعقلك تدركه غداً بعقلك، والذي لا تدركه أنت في حال جهلك تدركه في حال علمك، والذي لا تدركه في حال ضلالك تدركه في حال هدايتك، فكيف يكون العقل حاكماً على النفس، وأي عقل هو؟ أي عقل هذا الذي يحكم على كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام؟ (امرأة يراها النبي عليه الصلاة والسلام في النار لأجل هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، اعترض على هذا بعض أرباب العقول.
وقتيل من الصحابة كان في صف الجهاد، يرى الصحابة أنه من أهل الجنة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(أراه من أهل النار في بردة غلها) أي: عباءة أخذها من الغنيمة قبل أن توزع ثمنها أربعة دراهم يدخل بسببها النار، آمن بذلك الصحابة وكفر بذلك من كفر، واستبعدوا ذلك، وقالوا: لماذا لا يعفو الله تعالى عنه ويغفر له بجهاده؟ أيعذبه بسبب بردة ثمنها أربعة دراهم؟ (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله يهوي بها في النار سبعين خريفاً) بسبب كلمة وليس بردة كلمة قالها يستهزئ بها أو يسخر، كلمة خرجت منه تسبب سخط الله عز وجل عليه، كذلك (وإن الرجل ليدخل الجنة بكلمة قالها من رضوان الله).
ونساء كثيرات يدخلن النار لأنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير، أي: تكفر المرأة عشرة زوجها وقد أحسن إليها الدهر كله، فإذا بدا منه شيء في يوم من الأيام، قالت: ما رأيت منك خيراً قط، أنكرت كل عشرته الطيبة وإنفاقه عليها، وتحصينه إياها، ومحافظته عليها وعلى أولادها؛ تنكر كل هذا في لحظة غضب ربما أساء فيها زوجها إليها.
وكذلك الذين يقتطعون حق إخوانهم بغير حق، قال النبي عليه الصلاة والسلام عنهم:(من اقتطع حق أخيه المسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار)، من اقتطع، أي: من أخذ حق أخيه المسلم بيمينه أو بشماله، حتى لو كان بقدمه، إذ ليس تعيين اليمين هنا مقصوداً في النص بقدر ما يكون المقصود هو المعنى، أي: أخذ مال الغير بغير حق، فمن تعدى فقد أوجب الله له النار، (فقال رجل: يا رسول الله! وإن كان شيئاً يسيراً، قال: وإن كان عوداً من أراك) عود من سواك، لا شجرة ولا أرضاً ولا بيتاً، بل أقل القليل من السواك إن أخذه واقتطعه بغير إذن صاحبه، وبغير طيب خاطر منه أو ثمن، فقد أوجب الله له النار.
(ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في يد رجل خاتماً من ذهب فنزعه ثم ألقاه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في أصبعه! -فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن لبس الذهب للرجال حرام، بل هو طريق إلى النار- ثم قال أحد الجالسين لهذا الرجل: خذ خاتمك، قال: والله ما كنت لآخذه بعد أن ألقاه النبي عليه الصلاة والسلام.
وامرأة دخلت النار لأنها كانت تؤذي جيرانها بلسانها؛ لأنها لم ترع حق الجوار بالسب والشتم والصياح والأصوات العالية والتلفزيون والأذى والعري وغيره، كل هذا إيذاء للجيران، بل كبيرة من الكبائر.
ورجل من المهاجرين عذب في قبره بسبب دينارين لم يسددهما، حتى سددهما عنه أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه، سأل النبي عليه الصلاة والسلام:(أعليه دين؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: هل ترك ما يوصي به؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: يا رسول الله صل عليه وعلي دينه، تحمل عنه الحمالة - فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام، ثم في آخر اليوم، قال: أين الرجل الذي تحمل الحمالة، فقام أبو قتادة وقال: أنا يا رسول الله، قال: هل قضيت عن صاحبك؟ قال: لا، إنما هو اليوم -أي أن الأمر لا يتسع ليوم ولا يومين ولا شهر ولا شهرين، وإنما كان يجب أن يكون القضاء في نفس اليوم- فقال: اذهب فاقض عن صاحبك، وفي اليوم الثاني: قال يا رسول الله قضيت عنه الآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده).
ومر النبي عليه الصلاة والسلام بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله) لا يستنزه، أي: لا يستبرئ من بوله، كان يبول كما تبول الحيوانات والدواب، ثم يضع ذكره في ثوبه وينصرف فينجس نفسه وينجس ثوبه، كيف تصح له صلاة مع هذه النجاسة؟ (والآخر كان يمشي بين الناس بالنميمة)، يعني: ليس الأمر الذي بسببه عذبا بأمر شاق عليهما، بل هو أمر يسير، كان بإمكان هذا أن يتطيب من بوله، وكان بإمكان هذا أن يكف لسانه، فلما تركوا الأمر واقترفوا النهي استحقوا العذاب.