الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلف ما لهم مفتخر
…
لكن عليهم بالاحتشام
إلا إذا حيوا واتحدوا
…
وارتجعوا إلى نهج الكرام
واتبعوهم في دينهم
…
دين محمد بدر التمام
فالعرب مالهم معتصم
…
إلا بحبله ولا التئام
والعز عنهم مبتعد
…
إلا إذا اقتدوا بذا الإمام
فهو حياتهم في بدئهم
…
وهو حياتهم على الدوام
وكلما اقتفوا خلافه
…
فهو ضلالة وهو الحسام
صلى عليه من أرسله
…
هدى ورحمة يجلو الظلام
ما غردت ضحى حمامة
…
وأشرقت ذكا بعد غمام
والآل والصحاب كلهم
…
أزكى صلاته مع السلام
وقد اطلع على هذه القصيدة الأديب الكبير العالم المحقق العبقري عبد الله كنون فأعجبته وأثنى عليها.
وفي الإياب من هذه الرحلة عرجنا على قرطبة وزرنا مسجدها، فاعتراني شعور فيه روعة وإجلال وإعجاب، وحزن، لا أقدر أن أصفه بلسان ولا أظن أن شخصاً له شعور إنساني يرى ذلك المسجد ولا يعتريه مثل ذلك الشعور، سواء أكان مسلماً أم غير مسلم.
وصف جامع قرطبة
من أمثال العرب: "أن الحديث لذو شجون"، وقد بدا لي أن أنقل هنا وصف مسجد قرطبة الجامع من كتاب مدينة المور في الأندلس الذي ترجمته بالعربية من أصله الإنجليزي لمؤلفه (جوزيف ماك كيب) ليرى القارئ العربي المسلم شيئاً من مجد أسلافه. وهذا نص ما قاله في وصف مسجد قرطبة:
"لم يبق من آثار قرطبة في القرون الوسطى إلا أثر واحد، وهو جامعها الذي لا يزال إلى اليوم، جميع أطفال قرطبة يسمونه مسجداً، ولولاه ما تجشم أحد عناء السفر لمشاهدة قرطبة، ولو كانت خمسة أميال منه، ولكن الناس من جميع أنحاء الدنيا يسافرون إليها ليشاهدوه.
وهو أعظم معبد في الدنيا بعد كنيسة (سنت بيترس) ، وهو آية لا نظير لها من الهندسة والبناء، وظاهر هذا المسجد لا يستولي على اللب، ولم يكن المور الذين كانوا يفضلون الإقامة داخل البيوت أكثر من خارجها يعتنون كثيراً بالظاهر.
وأما الداخل فهناك العجائب، إذا دخلت الجامع من أي باب من أبوابه التسعة عشر يخيل إليك أنك تائه في غابة من أشجار المرمر، ففيه ثمانمائة وستون سارية من المرمر والرخام واليسر، وفيه غير ذلك ألف واثنتي عشرة سارية. وفيه تسعة عشر رواقاً، ينتهي كل منها بباب من الأبواب التسعة عشر، وله سقف خشبي منخفض نسبياً، وقد زخرف أحسن زخرفة بالأرجوان والذهب.
وفي الأعياد الكبيرة توقد مائتان وثمانون ثرياً من الفضة والنحاس، يحترق فيها الزيت والعطر، وتتلألأ فيها آلاف كثيرة من المصابيح، فتلقي أنوارها على ذلك المشهد. وأكبر ثرياً منها كان محيطها ثمانية وثلاثين قدماً (فوت) يحمل ألفاً وأربعمائة وأربعاً وخمسين مصباحاً، ولها مرآة تعكس النور، فيزيد شعاعه تسعة أضعاف. وفيها (6000) ألف طبق من الفضة مسمرة بالذهب، ومرصعة باللؤلؤ.
وكان الجامع قد شُيِّد مع مضافته في القرن الثامن والتاسع والعاشر. والمحراب الذي هو أقدس محل في مسجد المور، كان فيه حنيتان، وكان أعظم زخرفاً من سائر المساجد. وآخر المحراب يشبه صدفة من رخام، وله مدخل يتلألأ كالذهب الخالص أو الديباج بفسيفسائه الجميلة، وأحيل القارئ على كتب زخرفة البناء أو كتب الاستدلال، ليرى عجائب هذا الجامع العظيم.
وكان بناؤه من النصارى المنتمين إلى الكنيسة اليونانية، وكانت بينهم وبين المور مودة، فجلبوهم لبنائه، وهو أثر لمدينة زاهرة، لا يضاهيها اليوم شيء في الدنيا كلها وكان عبد الرحمن الأول مؤسس هذه الدولة، قد جعل مدينة قرطبة على مثال مدينة دمشق التي قضى فيها أوائل عمره، وهو الذي ابتدأ بناء الجامع وأتمه الخلفاء الذين جاءوا بعده. وبلغت نفقاته على ما
حدث به مؤرخو العرب (300.000.000) دولار، وكان هذا آخر عمل عمله في حياته، وقد شيد غير هذا هو وخلفاؤه ورجال دولتهم قصوراً فخمة، ومساجد كثيرة، كانت تزيد المدينة في كل سنة جلالة وبهاء". اهـ
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
…
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
لكن لا ينبغي لنا أن نقتصر على الافتخار بمجدهم، بل ينبغي لنا ويتحتم علينا أن نعمل بقول من قال:
لسنا وإن أحسابنا كرمت
…
يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا
…
تبني ونفعل مثل ما فعلوا
فنسأل الله أن يوفقنا لإحياء ذلك المجد الشامخ، إنه على ذلك قدير.