المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب البيوع - العرف الشذي شرح سنن الترمذي - جـ ٣

[الكشميري]

فهرس الكتاب

‌كتاب البيوع

ص: 5

البيع على عدة أقسام بيع الصرف ما يكون فيه النقدان، وبيع السلم، وبيع مطلق، وبيع المقايضة ما يكون فيه العروض من الطرفين، ذكر في البحر قال رجل لمحمد: ما صنفت في التصوف؟ قال محمد بن حسن: صنفت في البيوع؛ كان غرضه أن التصوف هو العلم بالحل والحرمة.

ص: 5

‌باب ما جاء في ترك الشبهات

ص: 5

[1205]

الحديث جزيل، وشرحه خارج عن قدرتنا وكان الأولى فيه الشرح من أئمة الاجتهاد، وأعلى ما قيل في هذا ما قال ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام للشيخ عبد الغني المقدسي وذلك ليس بمحتضر لي فلا أذكر إلا حل الألفاظ، فأقول: إنه إما في المقلد أوفي المجتهد ولكنه ليس في المقلد فإن المجتهد قد فصل له الأحكام ولم يدع حكماً إلا حكم بالحل أو الحرمة فلا مشتبه في حقه، نعم المقلد يكون جاهلاً عن الوقائع لا المسائل، فقالوا: إن الجهل عن المسألة ليس بعذر والجهل عن الواقعة عذر على الاطراد ويذكر في آخر كتب الأصول أن الجهل عن ضروريات الدين ليس بعذر والجهل عن المسائل الاجتهادية عذر إطلاقاً، فعلى هذا يرد ذخيرة من الاعتراضات، أقول: إن الحكم المذكور إنما هو في دار الآخرة لا دار الدنيا، وللحديث رجوع إلى مسألة أصولية أيضاً وهي أن الحق في موضع الاجتهاد لا في ضروريات الدين واحد دائر أو متعدد، ونسب إلى الأئمة الأربعة وحدة الحق وأنه دائر غير معلوم، واشتهر هذا في المصنفين والرواية الغير المشهورة عنهم تعدد الحق، وقيل: إن هذا مذهب صاحبي أبي حنيفة، وعن الأشعري روايتان ورجح البعض غير المشهورة، ويقول أهل الأصول في تمهيد المسألة: هل لكل واقعة حكم واحد أو مناسبة أم لا؟ والمشهور أنه

ص: 5

واحد ووجد بعضهم لا البعض الآخر، ومن وجده فهو مصيب ومن أخطأ فهو مخطئ وللأول أجران وللآخر أجر واحد، ونسب إلى الصاحبين قول: إن في كل واقعة مناسبة حكم أي شيء مناسب بحيث لو جاء الحكم فجاء مثل هذا، وقال جماعة: لا يجب في كل واقعة بل ما سنح للمجتهد فهو حكم، وفي هذه المسألة أشياء كثيرة والمسألة طويلة ولا يجوز لأحد أن يترك تحقيقه في مسألة ويتبع الرخص ويقع في التناقض كما ذكره الترمذي في مسألة التسمية في الوضوء والطلاق المضاف.

قوله: (مشتبهات إلخ) في بعض الألفاظ من التفاعل، وفي بعضها من الافتعال، وفي بعضها من التفعيل، ومقتضى الأول كونها غير معلومة المراد مثل متشابهات القرآن، ومقتضى الثاني عدم علم الحكم، ومقتضى الثالث الإشارة إلى قياس الفقهاء، والتقسيم في الحديث إما ثنائي أو ثلاثي وإشارة بعض الألفاظ إلى الثنائي، وإشارة بعضها إلى الثلاثي، وأما حكم فمن تركها إلخ فإما أنه حكم أو تخليص الرقبة، أقول: إن كان الحديث في المجتهد فالمشبهات تعارض الأدلة، قال قائل: إن المشبهات المباحات، فإنه إذا أصر على المباح يقع في المكروه، وإذا أصر على المكروه صار حراماً، ونقلوا أن المتورع من تجنب من المباحات أيضاً.

قوله: (الحمى إلخ) هل اتخاذ الحمى جائز للملك أم لا؟ فهذه المسألة ليست في فقه الحنفية نفياً وإثباتاً، وتعرض إليه الشافعية وجوزوا الحمى للملك لمواشي الزكاة أو الجهاد أي مواشي بيت المال، وثبت اتخاذ الحمى عن عمر فإنه اتخذ الربذة حمىً وكان فيها أربعون ألفاً من الفرس.

ص: 6

‌باب ما جاء في أكل الربا

ص: 6

[1206]

قيل آكل الربا المباشر لمعاملة الربا وإن لم يأكل، وعندي الآكل والموكل على ظاهرهما وإن لم يباشرا في الكسب، وفي بعض الروايات اللعنة على تسعة رجال.

ص: 6

‌باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه

ص: 7

[1207]

في تفسير الكبائر أقوال كثيرة ذكرها الحافظان، وأما عدد الكبائر ففي الصحاح يبلغ إلى سبعة أو ثمانية إذا ضمت الحسان فيزيد، وروي عن ابن عباس أنها تبلغ إلى سبعمائة، وصنف ابن حجر المكي في الكبائر رسالة، وكذلك صنف صاحب البحر.

ص: 7

‌باب ما جاء في التجار وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم

ص: 7

[1208]

دل الحديث على جواز الدلالة والسمسرة، وفي كتبنا أن الدلال يجوز له أن يأخذ الأجرة من المشتري أو البائع أو من كليهما أن كان العرف كذلك، واختلف في المفاضلة بين التجارة والزراعة، ومختارنا أن التجارة أفضل.

ص: 7

قوله: (قيس بن أبي غرزة إلخ) سها الحافظ في اسم هذا الصحابي في لسان الميزان، وزعم أنه عرزة بن أبي قيس وأنه ليس بصحابي.

ص: 8

‌باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا

ص: 8

[1211]

المنان قيل: من وهب وأتبعه منَّه وإحسانه، وقيل: من ينقص الكيل والوزن، وهذا أصح.

قوله: (مسبل الإزار إلخ) قال الشافعية: من أسبل بدون التبختر ليس له وعيد وزعموا قيد خيلاء احترازياً، وأما الأحناف فيذكرون المسألة بلا قيد وزعموا القيد واقعياً، فإذن لا يتبدل الحكم وإن اختاره الصلحة.

ص: 8

‌باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل

ص: 9

[1213]

يجوز البيع بثمن مؤجل أو معجل، والبيع المعجل أن يقع البيع على معين، ويلزم أداء ما وقع عليه العقد خاصة ولا يجوز أداء مثله بدله، ويكون مشاراً إليه أي معيناً لا أن يكون حاضراً في المجلس مشاهداً بل يكون أداء ذلك المعين متى طولب وإن قبضه بعد سنين، والبيع المؤجل ما هو خلافه وليتدبر هذا فإنه قد يغفل عنه، وأما القبض بالبراجم فليس عند أبي حنيفة إلا في بيع الصرف فإنه يجب القبض في المجلس ورأس المال في السلم ولكن فيه توسع أنه يجوز القبض بالبراجم ما لم يتفرقا أبداناً وإن تفرقا مجلساً، فيجوز عند أبي حنيفة بيع الحنطة بالحنطة بحسب التعيين وإن لم يقبض، واشترط الشافعي القبض في الحنطة بالحنطة وغيرها من الربوية.

قوله: (قطريين إلخ) القطري هو الأبيض ذو جداول حمر.

ص: 9

قوله: (ما أمسى آل محمد صلى الله عليه وسلم إلخ) روى أن أهل نجران أتوه للمباهلة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وسيدة النساء والحسنين فأبى أهل نجران من المباهلة ورضوا بالجزية، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة لأخذ الجزية فأتى بمائة ألف درهم فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم، وقسم على الناس حتى لم يبق إلى الإشراق عنده درهم.

قوله: (سنخة إلخ) في مشكل الآثار إذا سنخ وأنتن الجامد يحرم بخلاف المائع مثل الدهن والثمن والإهالة، وحديث الباب دليل له.

ص: 10

‌باب ما جاء في كتابة الشروط

ص: 11

[1216]

ليس المراد هو المتعارف فيما بيننا بل كتابة المحاضر، والسجلاّت ومثلها ويسمى كاتبها شروطياً، وأساليب كتابتها مذكورة في الهندية (عالمگيرية) ، وللطحاوي في هذا كتاب وكان شروطياً ظاهر حديث الباب أنه كان بائعاً، وظاهر حديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشترياً والعداء بائعاً، والأوفق بالمراد والألفاظ عندي أنه كان بائعاً فإن الكتابة تكون من البائع.

ص: 11

‌باب ما جاء في بيع من يزيد

ص: 11

[1218]

أي (نيلام) ولا يتوهم فيه أنه انتقال من بيع إلى بيع.

ص: 11

قوله: (الحلس إلخ) ليس معناه () بل أصل اللغة ما نسج بالأحبال المفتولة من أشعار المعز.

ص: 12

‌باب ما جاء في بيع المدبّر

ص: 12

[1219]

المدبر مطلق ومقيد، المطلق من قال له مولاه: أنت حر عن دبر موتي، والمقيد أن يقول: لو مُتُّ في هذا المرض أو مُتُّ من هذا السفر فأنت حر، ولا يجوز بيع المطلق ويجوز بيع المقيد قبل تحقق شرط، وقال الحجازيون: يجوز بيع المطلق وكل تصرف فيه قبل موت المدبر، والرِّق ضعف شرعي يعطل من التصرفات الشرعية كالقضاء والشهادة، فالرقة باعتبار المسلمين جميعهم، والملك باعتبار المالك خاصة، ومقابل الرقبة العتق، والمتجزئ عند أبي حنيفة الملك لا العتق والقِن الذي ليس فيه استحقاق الحرية، فلا يكون المدبر والمكاتب وأم ولدٍ قناً، قال بعض الحنفية: إن بيع المدبر المطلق غير مجتهد فيه، ولكني وجدت رواية أو قولاً لكل ما يذكرونه تحت غير المجتهد فيه لكونه مجتهداً فيه، وذكر الشافعي في كتاب الأم عن أبي يوسف أنه باع المدبر المطلق وليس له لقاء أبي يوسف.

قوله: (أنصارياً إلخ) اسم المولى أبو مذكور واسم العبد يعقوب.

قوله: (مات إلخ) ظاهر أنه مات المولى، وهذا مخالف لكل مذهب، وأما حمله على المقيد فغير صحيح لما في مسلم ص (322) تصريح «عن دبر» إلخ، وقيل في الجواب: إنه لم يبعه بل إجاره وقد ثبت البيع بمعنى الإجارة في لغة المدينة كما ذكر الشيخ العيني في غير هذا الموضع أن البيع

ص: 12

في لغة المدينة بمعنى الإجارة، والمجاورة بمعنى الاعتكاف، والمخابرة بمعنى المزارعة ثابت في لغات المدينة، أقول: إن هذا الجواب نافذ ويؤيده ما في سنن الدارقطني مرسلاً عن محمد الباقر أنه كان يؤجر المدبرين، ويؤيده ما أخرجه الزيلعي في نصب الراية ص (62) ج (2)، أخرج من مصنف عبد الرزاق عن زياد الأعرج عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أعتق عبده عند الموت قال: يستسعى العبد في قيمته. . إلخ، ثم أخرج عن علي مثله إلخ، ولكن الزيلعي لم يصرح بأن الواقعة واقعةُ الباب أو غيرها وعندي قطع أنها واقعة الباب، ولي في هذا قرائن أخر، وقال مولانا قدس سره: إنه ردّ تدبيره وهذا مخصوص به لا يجوز الرد لغيره، أقول: يؤيد قول مولانا أن البخاري وضع على حديث الباب ترجمة بيع المدبر وترجمة الحجر فأشار إلى أن واقعة الباب كان فيها الحجر ورد التدبير، أقول: لا يمكن استخراج الترجمتين من الحديث كما فعل البخاري بل لا يمكن إلا أحدهما، وأقول: إن لقول مولانا قدس سره نظائر، منّها ما في أبي داود: أن عبداً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن مولاي يضربني وآذاني شديداً فدعى النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فلم يأتي فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العبد: من لي حامياً إن أخذني مولاي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: الله ورسوله، ومنها ما في الطحاوي ج (2) حديث سُرَّق أنه أمر رجلاً أن يبعه، والحال أن سُرَّق كان حرّاً، فهذا مخصوص به، وأصل قصته أن سُرَّق اشترى الإبل من أعرابي، فقال للأعرابي: جئ معي أعطيتك الثمن، فجاء معه الأعرابي، فدخل سُرَّق في بيته وخرج من طرف آخر، فذهب الأعرابي بعد الانتظار الشديد فلقيه بعد مدة وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص حاله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ -: «بعه في السوق» ، فأخذ الأعرابي يبيعه فاتفق أمره بمشتري، فقال الأعرابي للمشتري: ما تفعل به؟ قال المشتري: أعتقه لِلّه، فقال الأعرابي: فأنا أحق به فتركه الأعرابي وأعتقه، وحديث سُرَّق ذكره أرباب معرفة الصحابة أيضاً، ومنها ما أخرجه أبو داود أنه أعتق أمة جار عليها مولاها، فهذه الروايات مختصة به، ثم ليعلم أن حديث الباب يدل على أن المولى مات، وأعله الشافعي والحافظ والبيهقي والزيلعي، فإن في سائر الطرق تصريح أنه كان حيّاً كما في مسلم ص (332) ، ج (1) عن جابر، أقول: يمكن توجيه لفظ مات أيضاً بأن يقال: إن الضميرات راجع إلى العبد، وذكر الراوي موته مقدماً فإن في حديث الباب تصريح أنه مات عامة الأول، فقدم الراوي ذكر موته بعد الواقعة، هذا والله أعلم.

ص: 13

‌باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع

ص: 14

[1220]

قال أبو حنيفة: إن كراهية تلقي الجلب ليس في جميع الأحوال بل في بعضها، وإنما قصرها على بعض الأحوال فإن الوجه أجلى، وأما في صورة الكراهة فبيعه صحيح ويكون مرتكب المكروه تحريماً، ثم إن غرّر المتلقي قولاً فللبائع الفسخُ قضاءً، وإن غرَّرَ فعلاً فيجب الفسخ والإقالة ديانةً، وأما الاغترار ففيه اختلاف العبارات.

الجَلَب: اسم جمع للجالب.

ص: 14

‌باب ما جاء لا يبيع حاضر لباد

ص: 14

[1222]

صورته أن يريد البادي البيع فقال الحاضر لا تبع الآن وضعه عندي ووكلني، سأبيعه في حالة الغلاء، وأما بيع حاضر لباد بأن يكون البادي مشترياً وقال الحاضر: سأشتريه لك حالة الرخص فذلك جائز له، ويؤخذ من قوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، إنه لا يراعي الضرر الداخل في الإبهام والانتشار، وإنما يراعي المتشخص المتعين.

ص: 14

‌باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة

ص: 15

[1224]

المحاقلة بيع الحنطة بالزرع، والمزابنة من الزبن بتقديم الزاء معجمة وبعدها ياء موحدة الدفع، وهو بيع الثمار على رؤوس الأشجار بالتمر المجذوذ، وقيل: المحاقلة المزارعة فيكون الحديث حجة لأبي حنيفة للنهي عن المزارعة.

قوله: (بالسلت إلخ) يقال له في الهندية (پغيبري جو) ، ولا تكون ذات أشعار ويجوز بيع الحنطة بالسلت متفاضلاً لأنهما نوعان إلا عند مالك لأنهما نوع واحد كما قال سعد.

قوله: (اشتراء التمر بالرطب إلخ) قالوا: إن التمر هو المجذوذ، والرطب ما دام على الأشجار،

ص: 15

أقول: يطلق الرطب ما دام لم يصلح للادخار وإن قطع، ولم يجوز الشافعي ومالك وأحمد وصاحبا أبي حنيفة بيع التمر بالرطب وجوزه أبو حنيفة، وحديث الباب يخالفه فأجاب الطحاوي ص (199) ج (2) عن سعد بن أبي وقاص، وفيه قيد إلى أجل إلخ، فيكون المنهي عنه البيع نسِئَة، وحديث الطحاوي أخرجه أبو داود أيضاً، ثم هاهنا أسئلة وأجوبة؛ قيل: إذا كان البيع نِسئَة تحت النهي فأيّ فائدة في سؤاله «أينقص الرطب» ؟ إلخ، فإن علة عدم الجواز هو النِسئَة، قال الفاضل بهاء الدين المرجاني صاحب الحاشية على التلويح: بأن سؤاله كان تبرعاً أي زائداً على الضرورة، والوجه النسيئة ثم تبرع، أي؛ أيُّ فائدة في هذا البيع إذا تنقص الرطب؟ ثم لي شبهة أخرى وهي أن نقصان الرطب بعد اليبس بديهي يعلمه كل واحد فما وجه سؤاله عن أمر بديهي؟ وقول: إنه استفهام تقريري لا يشفي ما في الصدور، ولعل المراد ينقص بعدما جف أي هل حال ذلك الرطب أن ينقص؟ فسأل عن حال الجزئي ولم يسأل عن القاعدة. ذكر شراح الهداية أن أبا حنيفة دخل ببغداد فوقع مناظرته بالعلماء في مسائل، منها مسألة بيع التمر بالرطب فقال: جائز، فروى أحدهم عنده حديث الباب، فقال أبو حنيفة: إن زيداً أبا العياش مجهول، ثم قال: إن التمر والرطب جنس واحد أو جنسان، فإن كانا جنسين فيجوز التفاضل أيضاً وإن كانا من جنس واحد فيجوز التساوي، فقال ابن حزم: إن أبا العياش معروف عند أهل الصناعة وإن لم يعرفه أبو حنيفة فإنه أخرج عنه مالك في موطئه، أقول: إن قول هذا من أبي حنيفة إنما كان بلاغة، ولا يتوهم أن قابل النص بالقياس، فإنه لا يفعله العامي أيضاً فضلاً عن إمام المسلمين والمجتهدين، وغرضه أنه محمول على البيع نسئة.

ص: 16

‌باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها

ص: 16

[1226]

بدو الصلاح عندنا إلا من العاهات، وعند الشافعية ظهور الحلاوة، وذكر الشيخ في الفتح أن المسألة على ست صور لأنه إما وقع البيع بشرط القطع أو بشرط الإبقاء أو بإطلاق، ثم في الحالين إما قبل بدو الصلاح أو بعده، فقال الشافعي: يجوز البيع بعد بدو الصلاح في الصور الثلاثة لا قبله، فاعتبر البدو وعدمه فقالوا: أخذنا الحديث مفهوماً ومنطوقاً، ومذهبنا أن البيع بشرط القطع جائز في الحالين، وبشرط الإبقاء غير جائز فيهما، وفي الإطلاق جائز في الحالين، لكنه يفرغ الأشجار عند

ص: 16

طلب البائع فليس الفرق عندنا قبل البدو وبعده، والحال أن في كثير من الأحاديث قيد قبل البدو، وجوابنا عن الحديث بوجهين ذكرهما الطحاوي؛ أحدهما أن البيع المذكور في الحديث بيع السلم لا المطلق ويجب فيه بدو الصلاح عندنا أي يكون المعقود عليه في السلم موجوداً من حال العقد إلى وقت الأداء في الأسواق، ووجوده في الأسواق إنما يكون بعد الأمن من العاهات، وأما دليل التقييد بالسلم فما في الصحيحين وغيرهما: أنه لما دخل المدينة وجد الناس يسلمون إلى سنة وسنتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فليسلم أحدكم إلى أجل معلوم في كيل معلوم» في عدد معلوم في وزن معلوم» فدل على أن بدو الصلاح في السلم شرط فتحمل الأحاديث الساكتة على الناطقة، والجواب الثاني تسليم أن البيع بيع مطلق لكنه بشرط القطع، وأما النهي قبل البدو فنهي شفقة، وأخرج الطحاوي على هذا حديث زيد بن ثابت أخرجه البخاري أيضاً، ثم أقول: إن حديث النهي محمول على ما كان بالإطلاق لا شرط القطع، فإن الأصوب حمل الحديث على ما هو أكثر، وأما شرط القطع فنادر، وأيضاً عامة الحديث خالية عن ذكر أنه كان البيع على شرط الإبقاء أو فلا بد من أن يكون البيع بالإطلاق بلا شرط القطع والإبقاء، وذلك جائز عند أبي حنيفة قبل البدو على ما قال في قاضيخان من عامة مشائخنا بأنهم يقولون: لا يجوز قبل بدو الصلاح إذا لم يكن فيه جدوى، فلا يتمشى على عموم الهداية هذا ما حصل مني، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر أقول: إنه معتبر لكنه لا يصير دليلاً شرعياً بل تخرج النكات، وأما البيع مطلقاً فذكر في الهداية جوازه واعترض ابن عابدين بأن المعروف بالعرف كالمشروط بالشرط فلا يصح البيع مطلقاً، وكنت متردداً في هذا حتى أن وجدت في فتاوى ابن تيمية عن أبي حنيفة والثوري أنهما أجازا البيع مطلقاً إذا أجاز البائع الترك على الأشجار، فإذن لما وجدت عن أبي

حنيفة فلا أبالي. فالحاصل إذا لم يشترط الإبقاء في صلب العقد يصح البيع وإن كان معروفاً بالعرف، هذا ما حصل لي، والله أعلم وعلمه أتم.

ص: 17

‌باب ما جاء في بيع حبل الحبلة

ص: 18

[1229]

قيل: أن يكون حبل الحبلة مبيعاً، وقيل يكون أجل أداء الثمن.

ص: 18

‌باب ما جاء في كراهية بيع الغرر

ص: 18

[1230]

في القصة أن الغرر القولي يجب فيه الفسخ قضاءً، أو الفعلي يجب فيه الفسخ ديانة كما في الفتح في الإقالة، وأما الاغترار فلا اعتبار فيه، وأما تفسير بيع الحصاة فمعروف أي يكون فيه إلقاء الحصاة لتعيين المبيع أو لقطع الخيار، وكذلك المنابذة.

ص: 18

قوله: (بيع السمك إلخ) السمك إذا كان سهل الأخذ فالبيع جائز وإلا فلا.

ص: 19

‌باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة

ص: 19

[1231]

نقل صاحب المشكاة عن الخطابي تفسير بيعتين في بيعة مثل ما ذكر الترمذي عن الشافعي وهو المختار وهو تفسير أبي حنيفة في كتاب الآثار.

ص: 19

‌باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك

ص: 19

[1232]

لا يجعل بيع السلم معارض حديث الباب فإنه باب مستقل ولا يعارض باب باباً.

ص: 19

قوله: (بيع السلف إلخ) ليس المراد من السلف السلم بل المراد الدين.

قوله: (شرطان إلخ) قال أحمد: مراده أن الشرط الفاسد إذا كان واحداً متحمل أي شرط كان ولا يتحمل شرطان فاسدان، وقال الثلاثة: المراد أن الشرطين أي ملائماً وغير ملائم غير متحملان والواحد متحمل أي الشرط الملائم.

قوله: (ولا ربح ما لم يضمن إلخ) معنى الضمان أن المبيع لو هلك فلمن هلك فلمن كان في ضمانه يحل له ربحه، وتتفرع على هذا مسائل؛ منها أن المشتري إذا اشترى عبداً ثم أجاره ثم اطلع على العيب فرده بخيار عيب فهل تحل له الربائح التي كسبهما العبد المشتري أم لا؟ فإن كان في ضمانه تحل له المنافع وإلا فلا، وأما زوائد المغصوب أي الأعيان ومنافعه أي الأعمال لا تجوز للغاصب.

قوله: (قال إسحاق كما) إلخ أي قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد.

مسألة: التصرف في المبيع قبل القبض عند الشيخين جائز إذا كان المبيع عقاد إلا في المنقولات، وعند محمد لا يجوز في شيء، وقال الثلاثة أي الحجازيون يجوز التصرف في كل شيء إلا الطعام، والله أعلم.

ص: 20

‌ما جاء في باب كراهية بيع الولاء وهبته

ص: 21

[1236]

الولاء عندنا ولاء العتاقة وولاء الموالاة، وعند الشافعية ولاء العتاقة فقط، ولا تنتقل الولاء بالبيع أو الهبة أو المعاوضة وأما ولاء الموالاة إن جاء رجل من دار الحرب وأسلم على يد رجل وقال له:

ص: 21

إن مت فمالي لك وإن جنيت فعليك العقل، وقال السرخسي: لا يجب أن يجيء من دار الحرب بل يشترط أن لا يعرف أقاربه وورثته، وحكم الموالاة أنه ما لم يأخذ الأرش يجوز الفسخ وإذا أخذ فلا، ولنا على ولاء الموالاة حديث تميم الداري، أقول: إن ولاء الموالاة كان ذائعاً في المتقدمين وكثيراً ما ينسب الرجل إلى المولى بالموالاة، مثل البخاري يقال له: الجعفي، وليس بجعفي صلبية بل ولاءً فدل على أن ولاء الموالاة لها حق وثبوت من السلف، وحق الولاء ليس بقابل للبيع والانتقال، وأما مسألة جر الولاء المذكورة في كتبنا فليس بمخالف لحديث الباب فإنها ثبتت بالحديث لكن الحديث متكلم فيه ولكنه باب مستقل فلا يخالف باب باباً، وحديث الباب يسمى بالمسلسل بالأئمة فإنه مروي عن الأئمة فإنه رواه أحمد عن الشافعي عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، ثم قيل: رواه أبو حنيفة عن مالك، ولقد صنف السيوطي رسالة مستقلة في المسلسل بالأئمة، وقال الأحناف: لم يرد أبو حنيفة بل أخذ عنه حال المذاكرة، وأما ما روى مالك عن أبي حنيفة فحمله المالكية على أخذه حال المذاكرة، أقول: لا تنقيص في رواية أحدهما عن الآخر ليتأول فيه، وعندي أنهما روى كل واحد منهما عن الآخر، وعندي ثلاث أحاديث رواها أبو حنيفة عن مالك، وقال علاء الدين المغلطائي الحنفي: روى أبو حنيفة عن مالك بلا ريب.

ص: 22

‌باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

ص: 22

[1237]

قال أبو حنيفة وجمهور الصحابة: إن بيع الحيوان بالحيوان نِسئَةً غير صحيح وإن لم يكن الحيوان من الأشياء الربوية، وقال الحجازيون: إنه جائز والمنهي عنه ما يكون النسأ فيه من الطرفين. وحديث الباب لأبي حنيفة حسن السند، وتصدى الحافظ إلى الإعلال ولكنه ليس كذلك، ولا يثبت عندنا في الذمة إلا ما يكون من قبيل المكيلات أو الموزنات أو المزروعات أو المعدودات المتقاربة،

ص: 22

ويصح السلم في هذه المذكورة، لا ما قال بعض من لاحظ له في العلم: أن السلم لا يصح عندنا إلا في الربوية، قال مولانا المرحوم: إن الحديث لأبي حنيفة، وأما ما قال الحجازيون من أنه نهى عن ما فيه النسأ من الطرفين فيصير مآل حديث الباب مصداق حديث:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ» ، فكيف يحمل أحد الحديثين المتغائرين مضموناً على الآخر؟ فإنه إذن يخرج الحديث عن مدلوله.

ص: 23

‌باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين

ص: 23

[1239]

لا اختلاف في بيع عبد بعبدين يداً بيد بل الخلاف في النسئة، وهاهنا إشكالان أحدهما أن العبد المهاجر ظاهره أنه أسلم لأنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم سيما عند الأحناف، فإنا نقول: إنه إذا هاجر إلينا صار حراً، فإذا كان أسلم صار حراً فكيف اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم؟ والإشكال الثاني أن العبدين الأسودين إن كانا مسلمين فلا يجوز دفعهما إلى دار الحرب، فلم يتعرض أحدنا إلى الجواب، فيدعي العبدين أنهما كانا

ص: 23

كافرين ويدعي في العبد أنه لعله كان عبد قبيلة حليفة، بينه وبينها كان عهد، وفي كتبنا إذا أسلم العبد أو الأمة وهما ملك كافر عُتِقا، ودليل مسألتنا أنه قال عند محاصرة هوازن: من نزل فهو حر فنزلوا منهم نفيع بن حارث أبو بكرة الطائفي، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم حراً من غير إعتاق، ويقال: مولى النبي صلى الله عليه وسلم مجازاً، وأما دليلنا على أن العبد المهاجر إلينا قد عتق أثر أخرجه البخاري في الجزء الثاني من النكاح.

ص: 24

‌باب ما جاء في أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل وكراهة التفاضل فيه

ص: 24

[1240]

قوله: (يداً بيدٍ إلخ) قال أبو حنيفة: إن النقدين يجب القبض بالبراجم فيهما وأما سائر الأشياء الربوية فيكفي التعيين فيها، وأما ما في حديث الباب من لفظ يداً بيد فمراده التعيين لما في مسلم:(عيناً بعين) ، وأما النقدان فلا تعيين فيهما إلا بالقبض بالبراجم في المجلس، وأما قبض رأس المال في السلم فأيضاً ضروري عندنا لكنه لا يجب في مجلس العقد بل قبل تفرق الأبدان.

ص: 24

قوله: (قول مالك بن إلخ) لعل قوله في السلت بالحنطة لا في الحنطة بالحنطة، فإنه كيف يقول خلاف الحديث الصريح؟

ص: 25

‌باب ما جاء في بيع الصرف

ص: 25

[1241]

ما يكون فيه الثمن والمبيع النقدان ويجب القبض من الطرفين بإجماع الأمة، ونسب إلى ابن عباس أنه كان يقول بجواز التفاضل في الربوية، وتمسك بحديث البخاري:«لا رَبواً إلا في النسئة» ، وقال الجمهور: إن معناه لا ربواً الذي يخرب البلاد أي أشد الربا إلا في النسئة فإن الربا متفاضلاً نادراً أندر، ثم روي أن ابن عباس رجع عن مختاره حين بلغه إجماع الأمة واستغفر الله تعالى.

واعلم أن العبرة في بيع الصرف للوزن لا للضرب، فلا يؤخذ غير المضروب بما هو أقل منه مضروباً.

ص: 25

قوله: (الورق بالورق ربَواً إلخ) لفظ ربَواً بالألف والواو في الكتابة، وبالتنوين على الباء في القراءة، وأما وجه كتابة الواو فلأن في مثل الزكاة، والربا، والصلاة، لغة: صَلَوْةٌ، وزَكَوْة، ورِبَوْ، بالواو السكونة للجهولة في عرف العجم قراءة.

قوله: (فأبيع بالدنانير. . إلخ) أي التصرف في الثمن قبل القبض، وهذا جائز عندنا، وأما التصرف في المبيع قبل القبض ففي غير المنقول جائز عند الشيخين لا عنده، ولكن التميز بين المبيع والثمن متعذر سيما في الصرف والمبيع المقايضة، وإني قد جمعت جزئيات من كتب الفقه ونظمتها، ومنها هذين الشعرين مرابحة:

~ تعرّف المثلى صاح ثمناً

مدخول باء وكذا معيناً

~ وهو في النقد بيع فاعتن

كغير مدخول ولا معين

وذكرها الفقهاء أن الثمن مدخول الباء ولكن هذه الضابطة لا تجدي ولزومها من العوام متعذر، وأما الضابطة التي نظمتها في الأشعار فأخذتها من مرابحة رد المحتار وغيرها.

قوله: (هاء إلخ) اسم فعل بمعنى خذ.

ص: 26

‌باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال

ص: 27

[1244]

قال الشافعي: إن الثمرة قبل التأبير للمشتري وبعده للبائع فعمل بالمفهوم والمنطوق، وقال أبو حنيفة: إن الثمرة للبائع في الحالين إلا إذا صرح المشتري بأنها لي، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر ولكن هذا الجواب لا يعلق بالقلب، وأما قول إنها إذا كانت للبائع بعد التأبير، يكن له قبل التأبير بالأولى فلأحد أن يمنعه بأن البائع عمل في الثمرة إذا كان البيع بعد التأبير، وأما في صورة البيع قبل التأبير فلم يعمل بشيء وتصدى العيني إلى المعارضة، أقول: إن معارضة الخاص بالعام لا يقبله الذوق السليم، والصحيح في الجواب من جانب أبي حنيفة ما ذكر الطيبي وأبو عمر في التمهيد بأن التأبير كناية عن ظهور الثمرة، فمفهومه أن يكون الثمرة قبل الظهور للمشتري أي في عام البيع وبعد هذا العام فلا يذهب الوهم إلى نزاع، وهكذا مذهب أبي حنيفة فصار الحديث لطيفاً على مذهبنا أيضاً.

ص: 27

‌باب ما جاء البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا

ص: 28

[1245]

قال مالك وأبو حنيفة: ليس خيار المجلس إذا انعقد البيع، قال الشافعي وأحمد بخيار المجلس.

قوله: (ما لم يتفرقا أو يختارا إلخ) أو إما عاطفة، أو بمعنى إلا أن، أو إلى أن، فإذا كانت عاطفة يعطف على يتفرقا تحت النفي، وإذا كانت بمعنى إلى أن أو إلا أن يكون استثناءً أو غاية وفي يختار تفاسير أحدها ما قال الشافعية أن يقول المتبايعان: اختر اختر قبل ختم المجلس لختم الخيار فلا يمتد الخيار إلى آخر المجلس، وثانيها خيار الشرط، وخيار الشرط عندنا أيضاً معتبر، وهذا إلى ثلاثة أيام عند أبي حنيفة ولا تحديد عند الصاحبيين، وأما قول:(البياعان بالخيار ما لم يتفرقا) فقال الشافعي وأحمد: إنه خيار المجلس وأما شرح أبي يوسف فهو أن التفرق هو تفرق الأبدان كما قال الشافعي وأحمد، والغرض من الحديث أن المجلس جامع المتفرقات فيضم القبول بالإيجاب ويكون المراد أن المشتري له أن يقبل أو لا يقبل، وللبائع قبل القبول أن يرجع عن إيجابه فالاختيار هو هذا ما ذكره الطحاوي، وشرح محمد كما في موطئه ص (340) قال: ما لم يتفرقا من منطق البيع، ثم في شرح قول محمد أقوال؛

أحدها: إن للتفرق أقوالاً هو الفراغ عن الإيجاب والقبول، فإذن لا خيار وإن كان المجلس باقياً، وهذا أحسن فإنه يكون من حيث اللفظ، والأعلى تفرق الأبدان ومن حيث الحكم مراداً به تفرق الأقوال، أي تفرق الأبدان كناية عن تفرق الأقوال أي الفراغ عن الإيجاب والقبول، والوجه أن في الفراغ عن الإيجاب والقبول تمكن تفرق الأبدان.

والشرح الثاني لقول محمد شرحُ ابن همام، والأرجح في شرح قول الهداية ما قال ملا الهدا والجونپوري، وقال الشافعية: إن شرحنا راجح على شرح محمد فإن التفرق من التفعل يكون في الأبدان والافتراق من الافتعال يكون في الأقوال، أقول: إن في شرح أبي يوسف وأحد شرحي محمد تفرق الأبدان وأيضاً باقي التفرق في الأقوال كما في أحد لفظي حديث: «ستفرق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة» فإن في لفظ منه من الافتعال وفي لفظ من التفعل وليس فيه إلا تفرق الأقوال، وفي القرآن العزيز: في تفرق الأقوال، والأحسن شرح أبي يوسف وهو ألطف، وقال فاضل حنفي: إن شرح هو بعين ما قال الشافعية، ويكون الخيار خياراً مستحباً لا واجباً، واختاره مولانا قدس سره، أقول: يؤيده ما في ابن ماجه والبخاري لفظ: أو يقول اختر ثلاثاً، وحمله الشافعية أيضاً على الاستحباب فإن التثليث عندهم ليس بضروري، وقول ذلك الفاضل ليس بمخالف لمسائل الأحناف فإن في إقالة الهداية استحباب الإقالة في كل وقت إن ندم أحدهما وقال بعض الشافعية أن ابن عمر راوي المرفوع وفعله هو موافق لمذهبنا، وأما شرح ذلك الفاضل فنقله الحافظ ولم يرض به

ص: 28

ولكنه لم يرده أيضاً، أقول: أن مذهب الشافعية أن العبرة لما روي لا لما رأى فكيف يستدل عندهم بفعل ابن عمر؟ وأيضاً أقول: إن فعل ابن عمر ترك الواجب عندهم المستحب عندنا فإن مذهبهم أن لا يقوم من المجلس خشية أن يستقيله، وهذا الحق لازم عندنا، هذا الحق مستحب، فإذن الأقرب هو قولنا أو قولهم، حكي أنه وقع المناظرة في المسألة بين مالك وابن أبي ذئب فقيه المدينة، فقال مالك بن أنس: حديث الباب ليس عليه عملنا فعارضه ابن أبي ذئب، فقال مالك: اخرج عني، فقال ناقل القصة: إن مالكاً لم يحمد على ذلك ذكره الموالك في كتبهم، وبعد اللتيا والتي الألطف شرح أبي يوسف.

قوله: (لا أراكما تفرقتما إلخ) تمسك الشافعية بهذا، وأصل قصَّتِهما ما ذكر الطحاوي بأنهما كانا في السفينة فتبايعا أول الليل ثم عند الفجر أراد أحدهما الفسخ، فإذن ادعاء أنهما لم يتحركا عن مجلسهما ادعاء بعيد، وذكر البيهقي في السنن الكبرى أن ابن عينية بلغ كوفة وروى حديث الباب فبلغ الخبر أبا حنيفة، فقال أبو حنيفة: ليس بشيء، أرأيت إذا كانا في السفينة، فقال رجل: إن الله يسأل أبا

ص: 29

حنيفة. أقول: ما أراد أبو حنيفة معارضة الحديث بقياسه والعياذ بالله، بل مراده أن شرح الحديث مثل ما قال أبو يوسف أو غيره.

قوله: (ولا يحل له أن يفارق إلخ) قال الشافعية: إن هذا يفيدنا، وقال الحنفية: إن لفظ خشية أن يستقيله يفيدنا فإن الإقالة لا يكون إلا بعد صحة العقد، وطلب الإقالة من سين الاستفعال يدل على أن المشتري أو البائع ليس بمستبد فإن المستقيل لا بد من أن يقول لمتبائعه: أقلني فيصدق الاستقالة في هذا وإن كان الفسخ بخيرية، وأيضاً قوله:(ولا يحل له أن يفارقه) اه؛ ليس تفسيراً لما قبله بل جملة مستقلة.

وليعلم أن الإقالة عندنا أيضاً مستحبة عند ندم أحدهما، ومسألة أخرى لنا وهي أن الرجل إذا باع أو اشترى ثم لقي الآخر بعد مدة طويلة فقال له: أنت بالخيار ففي هذا يكون خياراً قبل تفرق الأبدان ومفتقراً على المجلس ولكن هذه المسألة بعد العقد وأما إذا قال هذا القول في صلب العقد يصير مفسداً للبيع، وإذا قال بعد الفراغ فهي مختلفة بين صاحب البحر وابن همام ولكن ظاهر الحديث على الخيار من جانب الشارع وفيما ذكرت التخيير من جانب المكلف.

ص: 30

قوله: (خير أعرابياً. . إلخ) تمسك به الحجازيون، أقول تفصيل الحديث: إنه اشترى الإبل ثم قال له عليك أن تدبر في صفقتك، إن أردت استرجع، ثم بلغ الأعرابي بعد مدة طويلة عنده فقال: هل عرفتني يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فأقول: إن قوله كان من مروته ومصداق خلقه العظيم لا أنه حق شرعي.

ص: 31

‌باب ما جاء فيمن يخدع في البيع

ص: 31

[1250]

اسم هذا الرجل حبان بن منقذ، قال أبو حنيفة: لا حَجْر إلا على ثلاثة، وعند صاحبيه على خمسة وهو قول الصاحبين.

قوله: (فنهاه إلخ) أي نهى عن البيع لا أنه حَجَره، واعلم أن الحَجْر إنما يكون من الأقوال لا في الأفعال.

قوله: (لا خلابة إلخ) قبل: إنه ليس عليه حكم شرعي بل كان يقول عند البيع لأن الناس كانوا متدينين، وقيل: إنه مدار الحكم الشرعي ويكون لهذا الرجل خاصة أن رد البيع إن لم يرض وهذا مختار الشافعي وأشار إليه محمد في موطئه، وفي مستدرك الحاكم زيادة:«لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام» إلخ فإذن يكون هذا خيار الشرط.

ص: 31

فائدة: أخرج مسلم حديث حبان بن منقذ وفيه أن في لسانه كانت لكنة، فدل على أن المدار على المقاصد وإن كانت الألفاظ قاصرة قصور شيء.

ص: 32

‌باب ما جاء في المصرّاة

ص: 32

[1251]

قال الشافعي وأحمد ومالك وأبو يوسف: إن في المصراة يجوز رد المبيع وصاع تمر، بدل اللبن، وعن أبي يوسف روايتان تحت وفاقه إياهم بأنه إما أن يرد المبيع وقيمة اللبن وإما أن يرده وصاع تمر، إحدى الروايتين في شرح أبي داود ومعالم السنن للخطابي، وثانيتهما في شرح مختصر الطحاوي للاسبيجابي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الرد، وأول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث وأتى بحديث الخراج بالضمان وسنده قوي، أقول: إن هذا الجواب ليس بذاك القوي فإن في مسألة خيار العيب ثمانية أقسام، فإن الزيادة إما متولدة من المبيع أو غير متولدة، ثم إما منفصلة أو متصلة، وكلاهما إما قبل القبض أو بعده، وأما مصداق حديث «الخراج بالضمان» عندنا فهي الزيادة غير المتولدة وأما ما نحن فيه فالزيادة منفصلة متولدة فلا يجدي في الجواب، واتبع المتأخرون الطحاوي وأما الزيادة المتولدة المنفصلة أو عكس هذه الصورة فلا يرد البيع فيهما، وفيما نحن فيه من الصورة الأولى، فأقول: إن المذكور في عامة كتبنا هو حكم القضاء وأما ديانة فالرد واجب فيحمل الحديث على الديانة والحكم يكون وجوباً، وأما حكم الرد ديانة فمذكور في الوجيز والتهذيب والحاوي القدسي، وجمعت هذا المضمون في البيتين:

~ بزيادة المنفصل المتولد

أو عكسه متعيب لم يردد

ص: 32

ثم في التهذيب والوجيز والحاوي الجواز بالتراضي يحمل فصار الخلاف في أنه حكم قضاءٍ أو ديانةٍ، والفرق في الديانة والقضاء عند الشافعية أيضاً، فإن في الصحيحين أن زوجة أبي سفيان استغاثت عنده بأنه لا يعطيني النفقة وأنه رجل شحيح، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من ماله قدر نفقتها ونفقة العيال، فقال بعض الشافعية: أمْرُه فتوى، وقال بعضهم: إنه حكم القضاء، وأما وجه ما ادعيت من وجوب الرد ديانة فما في الفتح أن الفسخ في الغرر الفعلي واجب، وحمل مولانا الحديث على الاستحباب على أن الإقالة مستحبة إذا ندم أحدهما وأما ما ذكر صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه، ورواية الذي ليس بفقيه غير معتبر إذا كانت خلاف القياس، والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير، ولبن الناقة أو الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة، فأقول: إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به عالم وأيضاً هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن أبان، وذلك صنف كتاباً في بيع المصراة فذكر فيه كلاماً وزعمه الناس ضابطة فلا يقبل نسبتها إلى عيسى بن أبان أيضاً.

حكي أنه وقع مناظرة بين حنفي وشافعي في مسجد رصافة في بغداد في مسألة المصراة، فقال الحنفي: لم يكن أبو هريرة قابل الاجتهاد ولم يكن فقيهاً إذ أسقطت عليه حية سوداء، فكان الحنفي يعدو لا تدعه الحية، فقيل له: استغفر من قولك، فاستغفر فتركته الحية، والله أعلم.

ص: 33

‌باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة

ص: 33

[1253]

الشرط المفسد غير متحمل عند الثلاثة ومتحمل عند أحمد إذا كان واحد، وفي الهداية أن الشرط الذي فيه نفع أحد المتعاقدين أو المبيع وهو من أهل الاستحقاق غير جائز، وواقعة الباب واقعة ليلة البعير وأكثرهم إلى أنها في غزوة ذات الرقاع، وفي السير أنها في السنة الرابعة أو الخامسة، واختلفت الروايات في قيمة البعير ذكرها البخاري ولا يمكن التوفيق بينهما، وتحمل على اختلاف الأوقات، فإن تكرار البيع في الطريق ثابت، وأجاب الطحاوي بأن الشرط لم يكن في صلب العقد بل بعده، أقول: إن في المسألة تفصيلاً بأن الشرط إن كان في مجلس العقد فيلحق الشرط بالعقد، وإن كان بعده فلا، فإذن لعل شرطه أو استدعاءه كان بعد العقد، أقول: يفصل في المسألة بأنه إن كان

ص: 33

المراد إلحاق الشرط بالعقد يكون فاسداً وإلا فلا، وإن كان الشرط في صلب العقد فإنه كالمواعيد، لا كالشروط، ذكر في جامع الفصولين أنه إذا اشترى حمل حطب واشترط نقله إلى بيته صح البيع ويجب عليه نقله، فإنه كالوعد، وأداء الوعد في المعاوضات واجب، أقول: إن في المسألة زيادة تفصيل، فإن في رواية أن الشرط يلحق بالعقد، وفي رواية أنه لا يلحق، وفي قول إنه إن كان قبل تبدل المجلس فيلحق وإلا فلا يلحق، وفي الهداية جواز الاشتراط بشروط متعارفة أقول: إن الحديث لم يخالفنا إذا فصلنا المسائل بهذا التفصيل وأقول أيضاً: إن غرضه لم يكن البيع حقيقة بل صورة وإيصال النفع إلى جابر كما تدل القصة أنه أعطاه الثمن وزاد فيه ورد عليه الإبل، فإذن لم تكن بيعاً واقعياً يتحمل فيه بعض التحمل، حكي أنه اجتمع أبو حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلى الكوفيون في حج مكة فجاء رجلٌ فسأل أبا حنيفة عن مسألة الباب فقال: إن الشرط والبيع باطل، ثم بلغ إلى ابن شبرمة فسأله فقال: إن الشرط والبيع صحيحان ثم بلغ إلى ابن أبي ليلى: فقال ابن أبي ليلى البيع صحيح والشرط باطل، ثم عاد الرجل على أبي حنيفة فقص ما قالا، فقال: لا أعلم ما زعما فروى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع وشرط» ، ثم عاد على ابن شبرمة فقال ما قال، فروى ابن شبرمة حديث الباب، ثم عاد على ابن أبي ليلى فقال ما قال فقال: لا أعلم ما زعما فروى حديث بريرة، أقول: إن المطابق بالسؤال هو جواب أبي حنيفة وأما ابن أبي ليلى فعمل بالقياس، وأما ابن شبرمة فالكلام في استدلاله مر منَّا، ولم يكن سؤال الرجل إلا عن بيع وشرط، وما ورد فيه إلا حديث: نهى عن بيع وشرط.

ص: 34

‌باب ما جاء في الانتفاع بالرهن

ص: 34

[1254]

قال الثلاثة لا يجوز الانتفاع بالمرهون، وقال أحمد: يجوز الانتفاع، وقال أبو حنيفة: إن منافع المرهون وزوائدها مرهونة، وأما أجرة حفظه وبيته فما كان له دخل في إبقاء المرهون فهو على الراهن

ص: 34

وأما غيره من الذي ليس بدخيل في بقائه فعلى المرتهن، ويجوز الانتفاع عندنا إذا أجاز الراهن ولا تكون الإجازة أو الانتفاع مشروطاً أو معروفاً.

قوله: (وعلى الذي يركب إلخ) قد أطنب الحافظ ابن تيمية الكلام أن من محاسن الشريعة الغراء إجازة الانتفاع من المرهون، وأجاب بعض المحشين بأن المراد من الذي يركب أو يشرب هو الراهن، أقول: كيف يجري هذا وقد صرح الراوي بالمرتهن في بعض الروايات؟ أقول: يمكن لنا أن نجيب بأن هذا إذا لم يكن مشروطاً أو معروفاً ويمكن أن يقال: إن المرهون ليس هو مصطلح الفقهاء بل المراد المنيحة، وقد ثبت في القاموس الراهن بمعنى المانح، ولينظر إلى ما في الطحاوي ص (253) ، ج (2) وما في حديث أبي داود من الزكاة قريب من حديث أبي هريرة، وليراجع إلى ما في تخريج الزيلعي فإنه يجدي شيئاً آخر.

ص: 35

‌باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز

ص: 35

[1255]

قال الثلاثة: لا يجوز هذا البيع إلا عند تفصيل الذهب من القلادة، وقال أبو حنيفة: يجوز البيع بلا فصل أيضاً إذا علم أن البدل أزيد في القلادة فإنه يصير الذهب مقابل الذهب، والزائد بدل القلادة، وأما شرط الزيادة فلكيلا يلزم الربا، وقال النووي: إن أبا حنيفة خالف النص، أقول: لا ينبغي مثل هذه الأقاويل، فإنه إذا أدار الحكم على الوجه الذي هو أجلى فأي بعد وأي خلاف من النص

ص: 35

‌باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك

ص: 36

[1256]

من المجمع عليه أن انتقال حق الولاء غير جائز، وأما جر الولاء فباب آخر ولا يجوز بيع المكاتب عند أبي حنيفة، وأما في واقعة الباب فلعلها عجزت ويجوز البيع عند التعجيز عن أداء بدل الكتابة.

ص: 36

‌باب حدثنا أبو كريب إلخ

ص: 37

[1257]

في حديث الباب حجة لنا على الشافعي على جواز بيع الفضولي، ولنا في صحة نكاح الفضولي حديث:«أن جاريةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبي زوجني ولم يستأمِرْني فخيَّرها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني راضية بنكاحِ أبي، وإنما أردت أن للنساء أمراً» . فإذن هذه الجارية إما ثيب فيلزم إنكاحها بدون استيمارها وذلك غير جائز عندهم، وإما بكر فلزم أن لا يكون ولاية الإجبار عليها.

ص: 37

‌باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي

ص: 38

[1259]

أشكل الحديث على العلماء فإنه يدل على تجزئ هذه الأشياء، ولا يقول به أحد.

قوله: (أصاب حد إلخ) أي يكون العبد جانياً، لا كما قال المحشي فإنه غلط.

قوله: (أو ميراثاً إلخ) أي حصل له الميراث، دل الحديث على أن العبد عتق بحصة ما أدى، وليس هذا مذهب أحد، بل قالوا: إن العبد عبد ما دام عليه درهم.

قوله: (يُوْدَى المكاتب إلخ) مثال وادى من الدية وليس بمهموز، ويكون العبد في هذه الصورة مجنياً عليه، وحديث الباب قوي، وأما حديث عمرو بن شعيب فضعيف من قبل يحيى بن أنيسة وهو سيء الحفظ، وأما الحديث الأول فقوي ووارد وما أجاب أحد عنه وإنما أتى بالاستدلالات، ولي هاهنا شيء أذكره وسيفيد للجواب إن شاء الله تعالى، وهو أن بحساب ما عتق إلخ وإن كان ظاهره العتق بقدر ما أدى ولكن المراد أنه حر من زمان أداء بدل الكتابة، وهذا المعنى محتمل في اللغة، وأما جملة يودي المكاتب ديته حر وعبد فلا تدل على أنه عتق بعضه بل فيها تشبيه بدية حر وعبد، والمراد أنه إذا جنى على المكاتب فعلى الجاني أرش وأرشه يكون قيمته، ثم في تقويم الأرش تعتبر شائبة الحرية والعبدية، وهذا يظهر مما أذكر مسألة مفصلة ففي كتبنا أن المدبر قيمته ثلثا قيمة القن كما في الهداية لفقدان أحد المنافع الثلاثة، وفي القن المنافع الثلاثة أي البيع والاستخدام والوطي موجودة، ثم يذكرون في الجنايات أن دية العبد قيمته، ويذكرون العبد هاهنا بلا تقييد القن أو المكاتب، والمروي عن أبي حنيفة أن دية العبد قيمته، وإذا زادت قيمته على دية الحر تنقص منها عشر دراهم، ودية الأمة قيمتها وإن زادت على خمسة آلاف تنقص منها خمسة دراهم، روي عن أبي يوسف أن دية العبد قيمته بالغة ما بلغت وقدوتنا في المسألة ابن مسعود، ثم يذكرون في التدبير أن قيمة المكاتب نصف قيمة القن، وقيل: ثلثها فنقصت قيمته من قيمة القن فإذا أودِيَ يودى بالنظر إلى جانب

الحرية والعبدية لأنه قريب الحرية، فإن نقصت قيمته فتكون الدية أيضاً ناقصة، فعلم تشبيه دية بدية حر وعبد للشبهتين وليس فيه الحكم بحرية قدر ما أدى فلا يخالف الحديث مذهب الأربعة، ويكون دية حر وعبد إلخ منصوباً مثل: له صراخ صراخ الثكلى، وإنما شرح الجملتين متفرقاً، وقطعت في نظم الحديث فإن الجملتين حديثان مستقلان لما في النسائي ص (722) ، فتدل حديث النسائي على تعدد الحديثين، وأما

ص: 38

دليل ما ذكرت في الجملة الأولى وحملتها على الزمان فإن ابن عباس راوي حديث الباب يفتي موافق الفقهاء الأربعة كما أخرجه الطحاوي ص (64) ج (2) فإنه قال بعد رواية المرفوع: ويقام على المكاتب حد المملوك إلخ.

قوله: (فلتحتجب إلخ) ظاهر حديث أنه إذا اجتمع عنده بدل الكتابة صار حراً قبل أدائه وليس مذهب أحد، فيقال: إنه على التورع، وهاهنا مسألة أخرى مختلفة فيها، قال الشافعي: إن الموليات لا يحتجبن عن عبيدهن وقال أبو حنيفة: إن بينهن وبينهم حجاب، وظاهر حديث الباب يفيد الشافعي، فحمل الأحناف الحديث على زيادة الاحتجاب، وذكر الطحاوي في مشكل الآثار محمل الحديث لطيفاً وهو أن الاحتجاب في الصورة التي اجتمع عنده بدل الكتابة، ولا يؤديه تعنتاً كيلاً تنقطع التعلقات التي بينه وبين مولاته فأمر الشارع بالاحتجاب قبل أداء بدل الكتابة لسد الذرائع، ومثل هذا ثبت أن أم سلمة كان لها عبد فكاتبه فأدى بعض النجم (قسط) ثم أتى بالباقي للأداء، وكانت أم سلمة في الهودج فاحتجبت، فقال: ماذا تفعلين؟ قالت: هكذا حكم الشريعة فبكا وأراد أن لا يؤدي، فقالت: أد أم لا ولكن حكم الشريعة قد جرى، وقال العيني: إن معنى فلتحتجب أن تهيأ للاحتجاب.

ص: 39

‌باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه

ص: 40

[1262]

قال أبو حنيفة: إن البائع قبل قبض المبيع يجوز له أن يحبس المبيع، وأما بعد القبض فهو وسائر الغرماء سواسية، وقال الحجازيون: يجوز له أن يأخذ شيئه إذا كان على حاله بدون تصرف فيه، ونقول: إن في العارية والمغصوب حق أخذ الرجل شيئه، وحديث الباب الصحيح ظاهره للحجازيين، وأما محمل الحديث عندنا فقال الأحناف: إنه محمول على الغصوب والعواري والأمانات، أقول: كيف يجري هذا الجواب والحال أن في مسلم تصريح البيع؟ فأقول: إن حكم حديث الباب محمول على الديانة لا القضاء أي يعطي المديون الدائن شيئه إذا كان موجوداً عنده بعينه لتعلق حق له به كما ذكر وفي فرس عاد إلى دار الحرب ثم أصابه المسلمون ما أحق المالك الأصلي بعدما قسمه الغانمون، كما في مسلم والترمذي: إن رجلاً من بني إسرائيل كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا ويمهلوا الناس إذا أعسروا فتجاوز الله عنه لهذه الحسنة، وإذا قصته الشريعة علينا ولم تنكره يكون ذلك الحكم في شريعتنا أيضاً. فلا بد من حمل الحديث على الديانة.

ص: 40

‌باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر ليبيعها له

ص: 40

[1263]

المسألة التي في الترجمة صحيحة عندنا، والمسألة ليست في حديث الباب بل مستنبطة من الحديث، وفي الهداية مسألة أخرى أنه إذا وكل المسلم الذمي ليشتري له الخمر ويبيع له فاشترى

ص: 40

الخمر يثبت الشراء في حق الموكل هذا عند أبي حنيفة خلاف صاحبيه، وحديث الباب لا يضره وله فتوى عمر رضي فيما إذا أمر الذمي على العاشر بالخمر، ذكروها في شروح البخاري.

ص: 41

‌باب أد الأمانة إلى من ائتمنك

ص: 41

[1264]

هذه المسألة مسألة الظفر، والصورة إن كان لأحد حق على الآخر فظفر المستحق على حقه فعند الشافعي يجوز له أخذ ذلك الشيء وإن كان بسرقة ومن أي جنس كان، وقال أبو حنيفة: إنه إذا وجد جنس حقه يجوز له وإلا فلا، والنقدان عنده في هذه المسألة جنس واحد، وأفتى أرباب فتوانا بما قال الشافعي.

ص: 41

‌باب أن العارية مؤادة

ص: 42

[1265]

قال الشافعي وغيره من الحجازيين: إن في العارية ضماناً هلكت أو استهلكها.

قال أبو حنيفة: الضمان في الاستهلاك ولا يرد الحديث علينا أصلاً، فإن العارية مؤداة أي إذا كانت موجودة، قال الشافعي: إن في العارية إباحة المنفعة، وقال أبو حنيفة: إن فيها تمليكاً.

قوله: (قال قتادة ثم نسئ إلخ) زعم الراوي أن بين القولين تعارضاً، أقول: لا تعارض بل يفسر أحدهما الآخر.

ص: 42

‌باب ما جاء في الاحتكار

ص: 42

[1267]

من الحكرة المنع والمراد، حبس الشيء عن بيعه ليباع في الجدب غالياً، والمنهي عنه هو حبس قوت الإنسان، وروي عن أبي يوسف في قوت الحيوان أيضاً، وأما إذا ادخر الغلة الخارجة من أرضه وحبسه عن البيع فذلك جائز، وفي كل باب مستثنيات.

ص: 42

‌باب ما جاء إذا اختلف البيّعان

ص: 44

[1270]

قال الشافعي: القول قول البائع وإلا فتخالفا وترادّا، قال أبو حنيفة: إن العبرة للتخالف والتراد عند كون المبيع قائماً، والحديث عندنا أيضاً محمول به.

ص: 44

‌باب ما جاء في بيع فضل الماء

ص: 44

[1271]

الماء ثلاثة أقسام؛

أحدها: الماء الذي لا صنع فيه لأحد كالنهر الجاري ويجوز فيه لكل واحد أن ينصب الرحى.

ص: 44

والثاني: أن تحفر جماعة نهراً صغيراً فيجوز منه سقي الدواب ولا يجوز سقي الأرض ونصب الرحى.

والثالث: الماء المحرز في الأواني ويجوز منه الشرب، ويجوز أخذه بالقتال أيضاً عند الاضطرار، وفيه أثر عمر فإنه قال حين ذكروا القصة: أفلا وضعتم فيهم السيف.

ص: 45

‌باب ما جاء في كراهية عسب الفحل

ص: 45

[1273]

واعلم أن حديث الباب حديث أنس قوي وجزيل يفيد في أن الألفاظ دخيلة في اصطلاح الحكم خلاف ما قال ابن تيمية: إن العبرة للمقاصد لا للألفاظ، وفي هذا أدلة منها الآية الدالة على أن المتوفى عنها زوجها لا تخطب تصريحاً، ويجوز الكناية فالغرض واحد والاختلاف في التعبير.

ص: 45

‌باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب

ص: 46

[1275]

قال صاحب الهداية: يجوز بيع الكلب وإن لم يكن معلماً، وقال شيخه السرخسي: إن جواز البيع منحصر على الكلب المعلم، والراجح ما قال السرخسي ووقع استثناء الكلب المعلم في الأحاديث منها ما في مسند أحمد بسند قوي، ومنها ما في النسائي ص (195) ، ج (2) . باب الرخصة في بيع كلب الصيد فإن فيه تصريحاً لا يجوز بيع الكلب إلا بيع كلب صيد، وأعلَّه البعض، وقيل: إن الحديث ثابت بأسانيد قوية، وصورة الإعلال بأن «إلا كلب صيد» ليست قطعة هذا الحديث بل حديث نهي اقتناء الكلب، ولنا ما في الطحاوي أن عثمان ذا النورين أوجب على رجل قتل كلب رجل قيمته وافرة، وأما حديث الباب وما يضاهيه فيمكن فيه أن يقال بعين ما قال الخطابي: إن حديث النهي عن

ص: 46

بيع الهرة إنما معناه أن لا تجعل الهرة مملوكة بل تمهل مباحة، ومذهب الشافعية أن بيع الهرة جائز، وفي الدر المختار باب البيع: المكروه: أن بيع القردة للهو واللعب غير جائز.

ص: 47

‌باب ما جاء في كسب الحجام

ص: 47

[1277]

أجرة الحجامة غير مرضية، وتصير في ملك الحجام، ولو بملك الحجام، ولو بملك فيه خبث وهذا يكون خلاف المرؤة، ومثله:«إن الله يحب أعالي الأمور ويكره سفا سفها» ، وإن قيل: إن الحجامة من ضروريات الدنيا، فلم جعلت أجرتها غير مرضية؟ قلت: أجاب الغزالي عن هذا في كتاب الضرورة من الإحياء.

قوله: (لرقيقك إلخ) دل الحديث على أن للحلال أيضاً مراتب ولا يخالفه ما في كتبنا من أن ما لا يجوز للإنسان لا يؤكل دوابه، وفي نظم ابن وهبان:

~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه

حرام خبيث نفعه متعذر

وقال ابن الشحنة: إن هذا فيما يقطع لحم الميتة ويؤكل كلبه، وأما إذا مر عند ميتة بكلبه فوقع الكلب عليه فلا وزر عليه، وقول ابن الشحنة هذا ينظر فيه.

ص: 47

‌باب ما جاء فيمن يشتري عبدا فيستعمله ثم يجد به عيبا

ص: 49

[1285]

قال الأحناف: إن حديث الخراج بالضمان محمول على الزيادة المنفصلة غير المتولدة فإذن لا يعارض حديث الباب حديث المصراة كما قال الطحاوي في المعارضة، والواقعة ليست بمذكورة في

ص: 49

طريق الباب ولكنها مذكورة في سائر الطرق وهي أن رجلاً اشترى عبداً فاستعمله ثم رده بعيب فرفع القضية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «الخراج بالضمان» .

ص: 50

‌باب ما جاء في الرخصة في في أكل الثمرة للمارّ بها

ص: 50

[1287]

قال العلماء: إن هذا الحديث وحديث: حلب اللبن للمار بها، دائر على عرف الناس فما كان وقيعاً وعزيزاً عند المالك لا يجوز أكله بلا إجازة.

ص: 50

‌باب ما جاء في النهي عن الثنيا

ص: 51

[1290]

الثنيا الاستثناء، قال العلماء: إن استثناء الأشجار من الأشجار المبيعة جائز، وأما استثناء بعض الثمار فإما أن يستثني الأرطال المعلومة أو المجهولة، فإن كانت معلومة أو استثناء الجزء الشائع مثل النصف أو الربع ففيه لنا روايتان، وإن كانت مجهولة فالمبيع غير جائز، وأما في استثناء الأرطال المعلومة فاختار صاحب الهداية ص (14) عدمَ الجواز، ودرُّ المختار الجوازَ، واختاره الطحاوي فإنه يؤيده الحديث الصريح وقد اختاره محمد في موطئه.

قوله: (المخابرة إلخ) قيل: المزارعة فيكون الحديث دليل أبي حنيفة للنهي عن المزارعة وقيل: المخابرة هو عمله بأهل خيبر، ولكن الأرجح هو القول الأول.

ص: 51

‌باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه

ص: 52

[1291]

قال الحجازيون: لا يجوز بيع الطعام قبل القبض والطعام عندهم عن الأشياء الربوية، وقال الشيخان: لا يجوز التصرف قبل القبض في المبيع إلا العقار، وقال محمد: لا يجوز التصرف في بيع ما قبل القبض، وأما القبض في الطعام عند أبي حنيفة فيكون بمحض التخلية، وأما تعريف التخلية فمتعذر ومحصله ما ذكره المصنف أن يرفع البائع ملكه عن المبيع بحيث يتمكن المشتري من القبض ولا يجب القبض بالبراجم، وأما ما في الأجناس الناطفي من أن يقول قد خليت فغير ضروري، وقال الشافعي: إن القبض بالنقل، وأما الحديث ففيه ذكر الطعام فنقح فيه الشيخان المناط وقرر المناط أن يكون الشيء منقولاً، وقصر الحجازيون الحكم على الطعام، وقال محمد وابن عباس: إن قيد الطعام اتفاقي والحكم حكم كل مبيع، وأما ألفاظ الحديث فثلاثة:(حتى يستوفيه)(حتى ينقله)(يقبضه) فزعم الشافعية أن الأصل (حتى ينقله) والآخران يحملان عليه، وقال الأحناف: إن الكل صور القبض أو كناية عن القبض.

ص: 52

‌باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك

ص: 53

[1293]

إن كان الخمر مبيعاً فالثمن إن كان نقداً فالبيع باطل، وإن كان عروضاً فالبيع فاسد وإن كان الخمر ثمناً فالبيع فاسد، وقال أبو حنيفة: إن التخليل والتخلل جائز، وقال الشافعي: لا يجوز التخليل وتفصيل مذهبه أن التخلل جائز والتخليل إن كان بلا إلقاء شيء ففيه قولان، وإن كان بإلقاء شيء فغير جائز، وحديث أنس يخالفنا في التخليل، وفي الحديث كلام، فإن حديث الباب يدل على أنه اشترى الخمر حين نزول الآية، والحديث السابق المار يدل على أنه كان الخمر عنده موجوداً قبل نزول الآية، وأجاب الزيلعي شارح الكنز من حديث الباب: أنتخذ الخمر خلاّ؟ إلخ أن معناه أنجعل الخمر بدل الخل للإدام ونأكله؟ أقول: إن هذا الجواب لا يعلق بالقلب وتمسك الأحناف بحديث، وذلك مروي بسندين ضعفهما الزيلعي في التخريج، وتأول فيه البيهقي بأن خل الخمر في نفسه الحجاز العنب، أقول: يتمسك بما أخرجه الدارقطني أنه جوز التخليل ورجاله ثقات إلا مغيرة بن زياد وضعفه الدارقطني، أقول: إنه من رجال السنن، وأما في خارج الصغرى للنسائي فقال مرة: إنه متروك، وقال مرة: إنه حسن، وأكثر أرباب الجرح والتعديل لهم فيه قولان وعن أحمد أيضاً قولان، فإذن أقول: إنه حسن بحسب الضابطة فيمكن تحسين الحديث وإن كان الكلام في خصوص هذا الحديث فلا أعلمه، ولنا ما في كامل ابن عدي عن أم سلمة أنه قال:«يطهر الخمر بالتخليل كما يطهر الجلد بالدباغة» ولا أعلم حال سند حديث كامل إلا أنه من عادته إخراج الحديث في كامله ما لا يكون حسناً ولا صحيحاً بل ما يكون فيه الوهم، وأما وجود الخمر عند المسلم فلا سبيل له إلا أن يكون غصب، أو كافر وعنده خمر فأسلم، وأما اشتراط الخمر فغير جائز عندنا، وفي الدر المختار من ملتقى الأبحر: إن النظر إلى الخمر على سبيل التلهي حرام، وفي الدر المختار إذا أتلف أحد خمر أخيه

ص: 53

المسلم فلا ضمان، وفي كتبنا أن نقل دن الخمر إلى الخل غير جائز، ويجوز نقل دن الخل إلى الخمر.

قوله: (فأحملها إلخ) قال أبو حنيفة: إن الأجرة على نقل الخمر وحمله طيبة خلاف صاحبيه، وأشار في الهداية ص (123) إلى الجواب من جانب أبي حنيفة، والحديث محمول على المقرون بالقصد إلخ، أي قصد الشرب.

ص: 54

‌باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام

ص: 55

[1297]

ظاهر حديث الباب يشير إلى بطلان بيع نجس العين، قال أبو حنيفة: شحم الميتة نجس ولا ينتفع به أصلاً، وأما السمن الذي سقطت الفأرة فيه، وماتت تنجس لمجاورة النجس وليس نجس عين، يجوز بيعه إذا أخبر المشتري بأنه سقطت الفأرة فيه، ويجوز الاستصباح به، وقال الشافعي: إن الاستصباح وطلي السفن بشحم الميتة جائز.

قوله: (الأصنام إلخ) من كسر الصنم فإن كان كسره بلا إجازة الإمام فعليه قيمة ما اتخذ منه لا قيمة الصنع، وإن كان كسره بإجازة الإمام فلا شيء أصلاً.

واعلم أن الخنزير لم يكن حلالاً في الشريعة خلاف ما قال في أول نور الأنوار، فإن في التوراة كان فيه حرمة كل ذي ظفر فاختلف علماء الإنجيل في دخول الخنزير في ذي ظفر، ولم يكن تصريح جوازه وحلته في شريعة ما.

ص: 55

‌باب ما جاء في كراهية الرجوع عن الهبة

ص: 55

[1298]

قال الشافعية بظاهر ما في جملتي حديث الباب، وفي متون الحنفية أن الرجوع عن الهبة جائز عند فقدان الموانع السبعة وهي ما ذكرها النسفي في منظومته:

ص: 55

~ يمنع الرجوع عن الهبة

يا صاحبي حروف ومع خزفة

ثم يذكر في الكتب أن الرجوع عن الهبة لا يجوز إلا بتراضي الطرفين كما في الكنز، وفي الدر المختار أن الرجوع مكروه تحريماً أو تنزيهاً وإن فقدت الموانع، وهذا حكم الديانة فأقول: إن حديث الباب محمول على الديانة لا القضاء والرجوع ديانة مكروه تحريماً وتمسكوا بحديث ابن ماجه: «الواهب أحق بالهبة ما لم يثب منها» إلخ.

قوله: (إلا فيما يعطي الوالد إلخ) قال أبو حنيفة: إن الوالد لا يرجع عن هبته لولده، وأما حديث الباب فجوابه أن في مال الولد حقاً للوالد أيضاً، فإذا أخذ شيء ولده فليس برجوع عن الهبة في الواقع والحقيقة.

ص: 56

‌باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك

ص: 56

[1300]

البحث طويل الذيل ولا أذكر إلا نبذة من الكلام، العرايا جمع العرية، وهي من علم أو

ص: 56

نصر، الأول لازم، والثاني متعد، وتفاسير العرية عديدة ذكرها في فتح الباري، قال الشافعي: العرايا بالأشجار التي أعطى صاحب البستان لأكل الرطب التي على رؤوس الأشجار خرصاً بدل التمر المجذوذ، فإن الرجل إذا كان عنده تمر مجذوذ ويشتهي قلبه أن يأكل الرطب في زمان النخيل فذهب عند صاحب البستان ليشتري الرطب بدل التمر فيجوز له ذلك البيع إلى خمسة أوسق لهذا الاشتهاء، فيكون هذا استثناءاً عن المزابنة أي يحرم بيع الثمار على رؤوس الأشجار بتمر مجذوذ إلا في خمسة أوسق، ثم قال الشافعي: يشترط الكيل في التمر والخرص في الرطب، فالعرايا هي الأشجار التي أفرز له صاحب البستان ليأكله، ثم قال الشافعية: إنه يجوز له أزيد من خمسة أوسق ولو ألف وسق في صفقات كل صفقة لا تزيد على خمسة أوسق ولمالك في العرية تفسيران أحدهما ما في موطئه، والثاني ما في كتاب الطحاوي وما ذكره الطحاوي، هو تفسير أبي حنيفة، فأحد تفسيريه أن لرجل نخيلاً كثيرةً في البستان ولرجل آخر عدة نخل في ذلك البستان، فذهب صاحب النخيل الكثيرة بعياله في البستان كما هو دأب العرب فضره إياب ذي النخيل القليلة وذهابه في البستان فقال لذي النخل القليلة: خذ عني تمراً بدل رطبك على تخيلك، فهذا البيع جائز لذي النخيل الكثيرة ولا يجوز لغير هذين الرجلين، فالعرايا هي الأشجار القليلة وفي هذا أيضاً يكون استثناءً من المزابنة. والتفسير الثاني للعرية عن مالك بن أنس أن يهب رجل صاحب البستان إعانة أو عارية بعض النخيل ثم ضرّه إياب الموهوب له وذهابه في البستان فيعطي الموهب له التمر المجذوذ بدل الرطب على رؤوس الأشجار، ويمنعه من الدخول في البستان، وهذا هو تفسير أبي حنيفة لفظاً بلفظ، والاختلاف في التخريج بأن معاوضة التمر والرطب عند مالك بيع فإنه إذا كان وهبه

الرطب ثبت ملك الموهوب له فإذا باعه بدل التمر يكون بيعاً، وقال أبو حنيفة: إنه إذا وهب بعض ثمر النخيل لم يثبت ملكه في ثمر النخيل بالتخلية فإن ملك الثمر لا يثبت إلا بقبض، ولا يثبت القبض إلا بالتخلية في صورة الهبة بخلاف بيع النخيل فإنه يثبت الملك فيه بالتخلية فقط، ففي هبة النخيل وبيع النخيل في ثبوت الملك فرق فإن الملك يثبت في البيع بالتخلية لا في الهبة ثم إذا أعطى مالك البستان التمر بدل الرطب على رؤوس الأشجار فلا يكون بيعاً بل استرداد وهبة وبدء هبة مستأنفة، وقال مالك: إنه بيع فليس الاختلاف إلا في التخريج، ومثل ما قال أبو حنيفة ومالك في تفسير العرية قال أحمد أيضاً، وهاهنا تفسير آخر عن أبي عبيد، وهو أن العرية هي الأوسق التي تخرج من مال الزكاة لأن يعطي من يشاء ولا يحملها إلى بيت المال وهي مصداق حديث:«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» أي لا يحملها إلى بيت المال بل يتصدق بها على من يشاء بتعارفه هذه التفاسير التي يحتاج إلى ذكرها، وهذه التفاسير كلها مروية عن الصحابة بالأسانيد القوية بلا ريب، ثم يرد على تفسير الحنفية أنكم فسرتموها بالهبة، والحال أن في جميع طرق الأحاديث إما إطلاق البيع على العرية أو استثناء العرية من البيع، والأحاديث تبلغ إلى عدد من الطرق ثم هي على خمسة أنواع، وتحت كل نوع أفراد فإن في

ص: 57

بعضها استثناء العرية من المزابنة، وفي بعضها عن أشياء أخر، وفي بعضها إطلاق البيع على العرية، فإذن يرد على الأحناف أن إطلاق البيع واستثناءها من البيع يخالف التفسير بالهبة فقال الأحناف: بأن في العرية صورة بيع، لا حقيقة بيع وتمشي الأحاديث على إطلاق البيع فإنها بيع مجازاً كما في الهداية ص (49) ج (2) وهو بيع مجازاً لأنه لم يملكه إلخ، أقول: قد ثبت تفسير أبي حنيفة من الصحابة بلا ريب، والعرية في اللغة الهبة كما صرح في الشعر:

~ وليست بسنها ولا رجبية

ولكن عرايا في السنين الجوائح

ذكره في معاني الآثار ص (113) ج (2) أيضاً، وقد نص علماء اللغة أن الهبة على أنواع العرية والمنيحة وغيرهما فلا ريب في كون تفسيرنا موافقاً للغة، ثم أقول من جانب الشافعية: إن عند أهل اللغة العرية هي الأشجار التي توهب للغير لأكله، ثم توسِّع وأطلق على كل شجرة منتخبة لأن يأكل ثمارها بنفسه أو يعطي غيره فإذن قرب تفسير الشافعية إلى اللغة، وأقول في الجواب من الأحناف من الحديث الدال على البيع بعد ثبوت تفسيرنا من اللغة: إن بيع العرية صورته أن يقول: اشتريت خمسة أوسق، من ثمار هذه الشجرة بدل هذا التمر ويكون المبيع خمسة أوسق، وأما إذا قال: اشتريت ثمار هذه الشجرة التي هي خمسة أوسق بدل هذه التمر ويكون المبيع ثمار الشجرة ثم البائع لا يضمن أن تخرج قدر خمسة أوسق أم لا، فهذه صورة أخرى فالصورة الأولى جائزة وهي صورة العرية عندنا، والصورة الثانية غير جائزة عند أبي حنيفة إلا أن في الصورة الأولى تخرص الخمسة الأوسق على الأشجار في الحال وإنما يكون البيع بالكيل فإنه كلما جناها يكيلها فالكيل يكون بعد الجني لا في الحال والبيع لا يكون بالخرص بل بالكيل فصدق لفظ البيع حقيقة وكون الرطب على رؤوس الأشجار وبدل التمر وبصورة الخرص في الحال وإن كان البيع بالكيل فإذن صار مذهبنا عين ظاهر الأحاديث، هذا ما حصل لي في توفيق المذهب بالحديث، وأما وجه خمسة أوسق فإما أن يقال: إن البيع يكون بالكيل والكيل لم يكن في الرطب حالة الرطب بل المعروف الكيل في التمر فإذا اختار بنفسه الكيل الذي غير معروف يقتصر على ما يقتضي به الحاجة، وحاجة الأكثرين يقتضي بخمسة أوسق وهذا أوسط الأحوال، وإما أن يقال بحمل خمسة أوسق على ما حملتُ حديث:(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فيقتصر الحكم على خمسة أوسق بحكم الشرع لا بالعادة.

قوله: (بمثل خرصها إلخ) قال الشافعية: إن الباء باء البدلية، والمخروص الرطب، والمثل هو التمر المجذوذ، وأما من جانب الحنفية فأقول: إن الباء باء التصوير أي يبيع بصورة الخرص هذا، والله أعلم، والبحث أطول.

ص: 58

‌باب ما جاء في الرجحان في الوزن

ص: 60

[1305]

زيادته إما هبة وإما زيادة في الثمن، فإن كانت زيادة في الثمن فيلحق بالثمن لما في الهداية، وإن كانت هبة فلا يقال: إنها هبة مشاع، فإن الفضة لم تكن مضروبة بل كانت مكسورة فلا شيوع فمن أي باب كانت زيادته يعتبر فيه الشروط ذلك الباب، قيل: إن أول من أخرج الضرب هو عبد الملك كما قال الشافعية، أو عمر الفاروق كما قال الأحناف، وهذا الضرب هو في الإسلام، وأما ضرب غير المسلم فكان في عهده أيضاً.

ص: 60

‌باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر

ص: 62

[1311]

السلف السلم، في السلم عند أبي حنيفة فإنه سبع شروط، ولا يصح عندنا إلا في المكيلات والموزونات والمزروعات والمعدودات المتقاربة، فإنه لا يصح إلا فيما يثبت في الذمة، ولا يكون بيع صحيحاً إلا ما يكون المبيع فيه موجوداً إلا بيع السلم، ويلحقه فصل الاستصناع كما يذكرونه لاحق السلم، وفي متوننا: إن السلم لا يكون في أقل من شهر، وقال السرخسي: إن العبرة لما وقع عليه العقد ولا يجب تعيين شهر، والسلم في الحيوان غير صحيح عندنا.

قوله: (إلى أجل معلوم إلخ) قال الشافعي: إن أجَّل يجب التعيين، وإن سلم المسلم فيه في المجلس فلا يجب تعيين الأجل، وعندنا يجب تعيين الأجل، وشرح جميع الجمل في حديث الباب على شاكلة ونسق واحد على ما قال أبو حنيفة خلاف الشافعية.

ص: 62

‌باب ما جاء في المخابرة والمعاومة

ص: 63

[1313]

المخابرة المزارعة، والمزارعة على النقدين جائزة اتفاقاً، وأما المزارعة بجزء معين فغير جائزة اتفاقاً، وأما بجزء مشاع فمختلفة فيها؛ قال أبو حنيفة بعدم الجواز، وقال مالك وأحمد وصاحبا أبي حنيفة بالجواز، وقال الشافعي: إن كانت المزارعة بتبعية المساقاة فجائزة وإلا فلا، والمساقاة تكون في الثمار وهي جائزة عند الشافعي لا عند أبي حنيفة، وأما أرباب فتوى أهل المذهبين فأفتوا بالجواز خلاف الإمام، وأما الأحاديث ففي الجواز وعدمه صحاح وحمل المجوزون النهي على الشفقة، وطرق الطحاوي بالروايات واختار مذهب الصاحبين، وأما أرباب التصنيف فيذكرون في أول الباب أن المزارعة عند أبي حنيفة باطلة خلاف صاحبيه ثم بعده يذكرون خلاف الفروع بينهم، وأقول: إذا فقد باب المزارعة عند أبي حنيفة فكيف يذكر الخلاف في الفروع؟ فقال شراح الهداية: إن ذكر أبي حنيفة الفروع بناءً على فرض صحة المزارعة، أقول: إن هذا لا يجدي بل مثله يجري في كل باب ثم رأيت في الحاوي القدسي قال: إن أبا حنيفة إنماكرهها ولم ينه عنها أشد النهي إلخ، فانحل الإشكال،

ص: 63

ومراده أن أبا حنيفة لم يقل ببطلان المزارعة بل كرهها، ذكر بعض الشافعية أن البذر إن كان من ربّ الأرض فمزارعة وإلا فمخابرة، ولم أجد هذا الفرق في غير كتبهم.

قوله: (سعّر لنا إلخ) روي عن أبي يوسف أن الغلو والمظلمة إذا انتهى يعين الإمام السعر بنفسه ويدخل في ترخيص الأشياء.

ص: 64

‌باب ما جاء في كراهية الغش في البيع

ص: 64

[1315]

ذكر في الفتح أن البيع ذا غرر قولي يجب فسخه قضاء، وذا غرر فعلي يجب فسخه ديانة، وكل بيع مكروه تحريماً يجب فسخه ديانة.

ص: 64

‌باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان إلخ

ص: 65

[1316]

قال أبو حنيفة: لا يجوز القرض إلا في المثلي أي المكيل أو الموزون، وقال الشافعي: يجوز استقراض الحيوان كالسلم ويعين كل تعيين كيلا يقع النزاع بعد، وللشافعي حديث الباب، ولنا ما مر من التشريع العام (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسئة) ، وحديث الباب واقعة حال، وإن قيل: إن حديث المار في البيع لا القرض، أقول: إن مناطهما واحد، ومحمل واقعة الباب عندي أنه اشترى البعير بثمن مؤجل ثم أعطى إبلاً بدل ذا الثمن فعبَّرَ الراوي بهذا، ومثل هذه المعاملة تكون في عصرنا كثيرة.

ص: 65

قوله: (استلف إلخ) أي اشترى بثمن مؤجل، ومثل هذا ما في الصحيحين:«أنه استسلف الطعام ورهن درعه» ولم تكن الدرع ثمناً بل رهناً بدل الثمن.

ص: 66

‌باب النهي عن البيع في المسجد

ص: 66

[1319]

يجوز للمعتكف بلا إحضار سلعة، وقال ابن وهبان في منظومته: إن اعتياد المرور بمسجد فسق والتعليم للأطفال فيه غير جائز، وقال الشارح: هذا إذا كان يعلم على الأجرة وإلا فلا:

~ ويفسق معتاد المرور بجامع

ومن علّم الأطفال فيه ويؤزر

ص: 66

‌كتاب الأحكام

ص: 68

لا نجد كتاب الأحكام في كتب الفقه بل نجد في كتب الحديث، ويذكر تحته مسائل مثل مسائل القضاء في الفقه

ص: 68

‌باب ما جاء في القاضي يخطئ ويصيب

ص: 69

[1326]

قال الشاه ولي الله رحمه الله في عقد الجيد: إن حديث الباب في حق القاضي لا في حق المفتي أو المجتهد والقاضي الحاكم يحتاج إلى معرفة المسائل والوقائع أيضاً بخلاف المفتي.

قوله: (أجران إلخ) في مسند في رواية بسند ضعيف أن للمصيب عشرة حسنات.

ص: 69

‌باب ما جاء كيف يقضي القاضي

؟

ص: 70

[1327]

حديث الباب يفيد في القياس وأخذه أرباب الأصول وتكلم فيه المحدثون لأن الراوي عن معاذ مبهم، أقول: إن الراوي عنه جماعة من أصحاب معاذ، وأصحاب معاذ ثقات فلا ضير والحديث قوي، وقال البيهقي: إن الحديث وإن هو منقطع لكنه مروي عن أصحاب معاذ فيكون حجة وأخذ أرباب القياس حديث الباب، أقول: إن الاجتهاد الذي أعم من القياس الذي قسيم الكتاب والسنة والإجماع لا ينكره داود الظاهري ولا يقال: إن داود الظاهري منكر القياس وليس بمجتهد، وإن أشار إليه في الهداية لكن الحق أنه مجتهد، والاجتهاد يشتمل على تقييد المطلق وتخصيص العام وتفسير المجمل وتقديم النص على الظاهر ومثل هذه الأبحاث، هذا والله أعلم، وراجع تخريج الهداية من أحاديث الاجتهاد من القضاء.

ص: 70

‌باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان

ص: 72

[1334]

لأن القضاء ينبغي أن يكون حالة الاعتدال، وثبت قضاؤه حالة الغضب لكنه لا يقاس عليه سائر أناس أمته.

ص: 72

‌باب ما جاء في هدايا الأمراء

ص: 72

[1335]

قال أرباب متون الحنفية: إن القاضي لا يجيب دعوة رجل إلا أن يكون من متعلقيه أو كان يدعوه قبل نصبه على منصب القضاء، والهدية على أربعة أقسام، وبحث ابن عابدين في جواز الدعوة المفتي وعدم الجواز.

ص: 72

‌باب ما جاء في الراشي والمرتشي إلخ

ص: 72

[1336]

الرشوة في اللغة إدلاء الدلو في البير، وقال فقهاؤنا: يجوز إعطاء الرشوة إذا كان مظلوماً، وإن كان ظالماً أو كان له غرض فاسد فلا يجوز، والراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، ووقع في بعض

ص: 72

كتب اللغة حديث: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» إلخ، والرائش الوكيل بين الراشي والمرتشي، وأحاديث أرباب اللغة لا تكون بلا أصل، وذكر العسكري إمام اللغة في كتاب الأمثال قريب ألف حديث ليست بلا أصل.

ص: 73

‌باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه

ص: 74

[1339]

قالوا: إن حديث الباب يرد على الحنفية حين قالوا: إن القضاء نافذ ظاهراً وباطناً، وأنكره البخاري في كتاب الحيل أشد الإنكار، أقول: ليست المسألة أن ينكر ذلك الإنكار فإن عنوان المسألة هذا قضاء القاضي بشهادة الزور في العقود والفسوخ لا في الأملاك المرسلة إذا كان المحل قابل الإنشاء ولا يأخذ القاضي الرشوة نافذ ظاهراً وباطناً وقيود أخر أيضاً، وأما الأملاك المرسلة فهي أن يدعي أن هذا الشيء لي ولا يذكر سبب ملكه فإنه قضاء ظاهراً لا باطناً، وأما وجه عدم نفاذه باطناً فذكر صاحب الهداية أن الشيء يتملك بأسباب عديدة فإذا قضي فالقضاء يكون بدل السبب، ولا وجه ترجيح بعض الأسباب على بعض فيكون ترجيحاً بلا مرجح، والوجه إلى أن العقود والفسوخ في يد القاضي وقدرته بخلاف الأملاك المرسلة، فعلى ما ذكر قلنا: إنه إذا ادعى رجل نكاح امرأة وشهد شاهدان فحكم القاضي بنكاحه حل له الاستمتاع، وزعم خصومنا أنا أخبرنا هذا الارتكاب بلا نكير، والحال أن هذا الزعم فاسد وعلى المدعي والشاهدين وزر الآخرة كما قال الشيخ في الفتح، وخلاف العراقيين والحجازيين في أن النكاح صحيح أم لا؟ والمرأة منكوحة أم لا؟ فقال الحجازيون: إنها تقوم عنده ولا تمكنه من نفسها، وقلنا: إنها تمكنه من نفسها، ثم قال جماعة منا: إن القضاء بمنزلة النكاح حتى قالوا: إنه يجب عند هذا القضاء شاهدان مثل ما يكون الشاهدان في النكاح، وقيل: لا يجب الشاهدان لأن القضاء ليس بنكاح صريح بل النكاح في ضمنه، واتفقنا على أن القضاء قائم مقام النكاح، وأما حديث الباب فلا يرد علينا فإنه في من هو ألحن بحجته، ولا نقول بأن القضاء نافذ بمحض ذلك اللحن بل يجب الشاهدان وغيره من الشروط، ونقول أيضاً: إن الحديث في الأملاك المرسلة فإنه في الميراث لما أخرجه أبو داود ص (148) ج (2) ، وقد يدور بالبال أنه مع الحل باطناً من النار لا في الكذب ابتداءً

فقط بل مستمراً، ونظيره ما ذكره في رد المحتار في نكاح الرقيق فيما وطئ جارية ابنه وادعى الولد، والأسهل أن يقال: إنه قطع له من النار من جهة السبب فهو في نفس الدفع لا بعده فالسبب تحقق ابتداءً والاتصاف مستمر كما قال بعض أرباب الفنون. إن التحقق مرة يكفي للصدق بإطلاق العام مستمراً أو أنه حكم من جهة السبب وبمثله قالوا في حديث عمار: «تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» . وأما حجتنا فذكر الطحاوي حين بوب على المسألة وأتى بشيء لطيف من باب التفقه ويذكر أرباب تصنيفنا واقعة علي أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد شاهد الزور فحكم علي بالنكاح، فقامت المرأة فقالت: واللهِ أعلم أنه كاذب، فأنكحني به

ص: 74

يا أمير المؤمنين كيلا يأثم، فقال علي: شاهداك زوّجاك إلخ، ذكره محمد في الأصل، ولا يذكرون سند هذه الواقعة ولم أجد السند وظني أنها لا تكون بلا أصل، ومر الحافظ على هذا الأثر ولم يرده زيادة الرد ولم يقبله أيضاً، فدل على أنه ليس بلا أصل.

ص: 75

‌باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه

ص: 75

[1340]

قال أبو حنيفة: إن فصل الأمور بطريقين: البينة على المدعي أو اليمين من المنكر؛ ولا ثالث، وقال الشافعية بالثالث أي الشاهد الواحد واليمين من المدعي، وحديث الباب لنا أي البينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا ثالث، وسيأتي حديث للحجازيين ولعل البخاري وافقنا فإنه لم يخرج حديث الحجازيين.

ص: 75

قوله: (عن ابن عباس إلخ) حديث ابن عباس: «ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» إلخ أخرجه النووي: في أربعينه وصححه، وابن حبان صححه في صحيحه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى وسنده صحيح، وأخرج البخاري قطعة منه في تفسير سورة البقرة، لكن معرفة المدعي والمدعى عليه متعذرة لا يدركها كل واحد، ولذا صرح الفقهاء في جميع الجزئيات بأن المدعي فلان والمدعى عليه فلان.

ص: 76

‌باب ما جاء في اليمين مع الشاهد

ص: 76

[1343]

حديث الباب حديث الحجازيين وحجة علينا، وأجاب الحنفية بأوجه منها أن الحديث لا يدل على أن اليمين كان على المدعي بل يمكن مراد أن يقال: إن الشاهد على المدعي واليمين للمنكر ومنها أن المراد أن فصل الخصومات في عهده كان بسببين إما بالبينة أو باليمين والشاهد اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولا يدل على الشاهد الواحد، وقال الجمهور: إن اسم الجنس لا يكون في المشتقات لكن الزمخشري قال بأنه قد يكون مشتق أيضاً اسم جنس كما قال تحت آية: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِم} [الفرقان: 27] الآية، فدل الحديث على أن يكون فصل الأمر بالبينة لكن البينة عام من أن يكون رجلين أو رجلاً وامرأتين أو امرأة واحدة أو رجل واحد أو أربعة شهداء لكن هذا الوجه للجواب يرده سائر طرق الحديث، وحديث الباب أخرجه مسلم في صحيحه، ونقل المحقق ابن أمير

ص: 76

الحاج إعلال ابن معين حديث الحجازيين بجميع طرقه لكن الجمهور إلى تصحيح الحديث، فأقول: ولينظر إلى أصل الواقعة، فأقول: إنه كان صلحاً لا فصل الأمر بالقضاء لما أخرجه أبو داود ص (508) أنه: قضى بشاهد واحد إلخ، وفيه:«اذهبوا فقاسموهم أنصاف المال» إلخ، فدل على أنه مصالحة فإنه لو كان قضاءً بشاهد واحد ويمين فكيف يكون التصنيف فليس إلا صلحاً، وعبره الراوي بالقضاء بشاهد ويمين فإذن لا حاجة إلى الجوانب، والمسألة مختلفة فيها في السلف.

قيل: إن أول من قضى بشاهد ويمين معاوية، ولكنه قال باقر: قضى جدي علي بيمين وشاهد، وسنده قوي رواه أبو يوسف في مسنده، تأليف ابن عروبة الحراني تلميذ أبي جعفر الطحاوي وهو في كنز العمال، ورأيت في تمهيد أبي عمر أنه روى مذهبنا ثم رد عليه أشد الرد، ولم يكن هذا الإنكار دأبه فإنه نقل عن محمد بن حسن أنه خبر الواحد خلاف كتاب الله تعالى، ثم توجه إلى أن يأتي بنظائر فيها الزيادة بخبر الواحد على القاطع ثم نقل عن محمد أنه إذا قضى قاضي بشاهد ويمين يجوز لقاضٍ آخر أن يفسخه، ثم غضب أبو عمر وقال: أليس مذهبنا مجتهداً فيه أيضاً، أقول: قول: إن محمد إنه خلاف الكتاب، فإن الكتاب قد تعرض إلى هذه المسألة في مواضع وليس فيها ذكر الطريق الثالث للفصل، وأما ما نقل عن محمد أن القاضي الثاني يجوز له أن يفسخه، فأقول: إن هاهنا دقيقة وهي أنه قد يكون القضاء مختلفاً فيه وقد تكون المسألة مختلفة فيها وإذا لحق القضاء مسألة مختلفة فيها مجتهدة فيها صارت مجمعة علينا، وأما إذا كان المختلف فيه قضاءً فإذا لحقه قضاء قاضٍ لا يصير مجمعاً عليه، وإلا إذا لحقه قضاء قاضٍ ثان فيصير مجمعاً عليه، فقول محمد في القضاء لا في المسألة فلا وجه للغضب.

ص: 77

‌باب ما جاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه

ص: 78

[1346]

أي إذا كان العبد مشتركاً بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فقال أبو يوسف ومحمد: إن العبد حر ثم أن كان المعتق موسراً فيضمن قيمة شريكه وإن كان معسراً فيستسعي العبد. قال الشافعي: إن المعتق إن كان موسراً فيضمن شريكه ولا يتجزئ العتق، وإن كان معسراً فيتجزئ العتق ولا يقول بالاستسعاء، بل يقول: يتخذ منه الشريك الثاني يوماً ويدعه يوماً إلى الأبد، وقال أبو حنيفة: إن كان المعتق معسراً فإما إن يستسعى أو يعتق وإن كان موسراً فإما ضمان أو استسعاء أو اعتاق والعتق يتجزئ عند أبي حنيفة في كل حال ولا يتجزئ عند صاحبيه في حال، وقال الشافعي: يتجزئ في بعض الأحوال لا في البعض الآخر، وقال النووي: إن وفاق الأحاديث للشافعي أقول: كيف وقد أخذ الشافعي، بحديث الضمان وأمهل حديث الاستعساء مع صحته؟ والإنصاف من حيث الحديث ما قال الطحاوي من أنه اختار مذهب الصاحبين، وأقول: إن مذهب أبي حينفة قوي تفقهاً فإن الإعتاق لازم الضمان والاستعساء المذكورين في الأحاديث، ووافق البخاري رحمه الله أبا حنيفة من الأول إلى الآخر.

ص: 78

قوله: (فهو عتيق إلخ) قال أبو حنيفة: معناه أنه لا يبق رقيقاً وإن لم يعتق كله في الحال.

قوله: (عتق منه ما عتق إلخ) قال أبو حنيفة: معناه أن هذا إعتاق المعتق الأول وأما الباقي فيعتق في المآل بعد الضمان أو الإعتاق أو الاستسعاء، وقال بعض الشافعية في الاستسعاء بأن المراد به أن يخدم مولاه يوماً ويترك يوماً، ويبقى على هذا إلى الأبد، أقول: إن هذا يخالفه قوم قيمة عدل إلخ، وأذكر مستدلات أبي حنيفة؛ منها أثر عمر أخرجه الطحاوي ص (63) ج (2) سنده قوي فيه: فقال عمر: أعتقوا أنتم وإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم وإلا فضمنكم إلخ، ولأبي حينفة حديثان صحيحان أحدهما في مصنف عبد الرزاق، والثاني في مسند أحمد ورجاله ثقات، وصحح حافظ من الحفاظ أحدهما.

ص: 79

واعلم أن ما يذكر في كتبنا أن العتق عند أبي حنيفة متجزئ فيه مسامحة، والحق أن يقال: إن إزالة الملك متجزية فإن إزالة الملك بمنزلة السبب للعتق، وكذلك الملك سبب الرقية فإن العتق هو قبول شهادته وكونه أهل الولاية وغيرهما، ولا يكون هذا إلا بعد إزالة الملك كله، فبين الرق والملك فرق وكذلك في ضدهما، ولذا قال النسفي في الكنز: إن الولد يتبع أمه في الملك والرق إلخ فإنه عطف الرق على الملك فيكونان مفترقين، وعلى هذا يقال: إن العبد مملوك زيد ورقيق في حق كل أناسي الدنيا، وكذلك إزالة الملك، حق المولى، والعتق في حق كل رجل، هذا والله أعلم.

ص: 80

‌باب ما جاء في العمرى

ص: 80

[1349]

هي إعطاء الدار ويقال للمعطي: المُعَمِّر، والمعطى له: المُعَمَّر له، ثم عند الثلاثة تكون الدار للمُعَمَّر له ولعقبه إذا قال: لك ولعقبك، وإذا لم يصرح بهذا فكذلك أيضاً، وإذا اشترط العدم فيلغوا الشرط، وقال الموالك: إنه ليس بهبة وتمليك بل عارية وألفاظ الأحاديث تؤيد الثلاثة.

وأما الرقبى فقال أبو حنيفة ومحمد: إنه عارية وليس بتمليك، وقال أبو يوسف: إنه هبة. قالا: إنه من الارتقاب الانتظار، وقال: إنه من الرقبة، وأما الأحاديث فبعضها يفيده مثل ما في الباب اللاحق:«الرقبى جائزة لأهلها» إلخ، وكذلك ما في ابن ماجه، ويقال من جانبها: إن المدار على العرف ولعل عرف أهل كوفة وعرف عهده متبدل.

ص: 80

قوله: (مالك بن أنس والشافعي إلخ) المذكور في كتب الشافعية ما ذكرت لا ما نقله الإمام المصنف رحمه الله تعالى.

ص: 81

‌باب ما ذكر في الصلح بين الناس

ص: 81

[1352]

يجوز الصلح عندنا في الإقرار والسكوت والإنكار، وقال الشافعية: لا يجوز إلا في الأول.

قوله: (كثير بن عبد الله إلخ) صحح المصنف هاهنا حديثه وحسن في باب تكبيرات العيدين، وقال أحمد: إنه لا يساوي درهماً ولكنه متحمل عند البخاري وابن خزيمة وضعفه الجمهور.

ص: 81

‌باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبة

ص: 82

[1353]

يجوز له ديانةً ولا جبر قضاء.

قوله: (أن يغرز خشبة إلخ) قال النووي في شرح المسلم: إن في عامة الطريق خشبة، بالتاء المعجمة، وفي مشكل الآثار للطحاوي خشبة بهاء الضمير، وأخذه النووي عن القاضي عياض فإنه ليس عنده مشكل الآثار.

قوله: (لأرمين بها إلخ) مرجع الضمير إما كلمة أو خشبة.

حكي في تذكرة أبي حنيفة أن رجلاً كانت له حائط فأراد كوة فيها فسأل أبا حنيفة عن الغرفة فأجاز له ومنعه جاره، وجاء ابن أبي ليلى فلم يجز له الكوة، فجاء الرجل الأول عند أبي حنيفة وأخبره بما قال ابن أبي ليلى، فقال له أبو حنيفة: أهدم جدارك، فلما أراد ذلك ذهب الجار عند ابن أبي ليلى وأخبره بما قال أبو حنيفة، فقال ابن أبي ليلى: ما أفعل فإنه جدره يفعل به ما شاء.

قوله: (وبه قال الشافعي إلخ) لعل قول الشافعي ديانة، وقول مالك قضاء فلا خلاف.

ص: 82

‌باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه

ص: 82

[1354]

أي العبرة في نية الحلف للحالف والمستحلف، وفي كتبنا أن الحالف إن كان ظالماً فالعبرة لنية المستحلف، وإن كان مظلوماً فالعبرة لنية الحالف، والمذكور في الحلف في محكمة القضاء الذي عليه

ص: 82

مدار فصل الأمر ولا الذي يكون فيما بينهم ولا يدور عليه فصل الأمور، حكي أن حجاجاً مبير الأمة أرسل رجلاً إلى واحد من السلف ليأتي به عنده، فأتى الرجل باب سفيان ونادى وكان سفيان في بيته فبدل مجلسه الذي كان فيه وقال ولأمته: قولي: إنه ليس هاهنا (في الموضع الذي جلس فيه أولاً) ، وكذلك يذكر قصة الشافعي بين يدي المأمون في مسألة خلق القرآن.

ص: 83

‌باب ما جاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل

؟

ص: 83

[1355]

قال الأحناف: إن طول الطريق وعرضه، كطول الباب وعرضه، المراد بهذا الطول هو الارتفاع، والمراد بالارتفاع أنه لا يجوز لأحد أن يكشف غرفة في حد الارتفاع، ولا يخالفنا حديث الباب، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إن الحديث في الطريق الجديد، وأما القديم فيترك على ما عليه سابقاً، وأشار البخاري إلى هذا ولا خلاف في الحديث ومسألتنا زيادة.

ص: 83

‌باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا

ص: 84

[1357]

أي إذا طلق امرأته وفارقته بوجه آخر فبمن يلحق الولد؟ ومذهبنا أنه يكون في حضانة الأم إن لم تنكح، ومدة الحضانة في الغلام سبع سنين وفي الجارية تسع سنين، وأما أصل مذهبنا فمدة الحضانة إلى التميز حتى يأكل بنفسه ويستنجي بنفسه كما قرأه خصاف رحمه الله، وقال الحنابلة: إن الغلام والجارية يتخيران في الاختيار فيلحق بمن شاء، وحديث الباب يخالفنا سيما إذا كانت الواقعة واقعة مسلم وكافر فإنه لا يتخير له في المسلم والكافر، والواقعة في أبي داود وابن ماجه: أن أحد الزوجين كان مسلماً والآخر كافراً فخير النبي صلى الله عليه وسلم فانحرف الولد إلى الكافر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يلتحق بالمسلم فلحق به، وهذه واقعة خاصة به لأنه مستجاب الدعوات ولعل غرضه من التمييز حساً رفع حجة الكافر لئلا يتوهم الكافر أنه راعي للمسلم.

ص: 84

‌باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده

ص: 84

[1358]

الحديث معمول به وتفصيل أنه يأخذ من ماله المنقول، لا من غير المنقول، أو أنه يأخذ جنس النفقة بلا إذن القاضي وما ليس من جنسها بإذن القاضي يطلب من النفقة، وفي بعض طرق حديث الباب قيد النفقة لعله في الجامع الكبير للسيوطي لكنه لعله موقوف على عمر.

ص: 84

‌باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال كاسره

؟

ص: 85

[1359]

قال الطحاوي في المشكل: إن الإناء من ذوات القيم لا من المثليات، فكيف يكون الإناء بإناء؟ أقول: إن بعض الأواني يكون مثلياً بل في زماننا أكثر الأواني مثلية، وكذلك بعض الثياب كما نقل في الهداية عن العتابي أن الكرباس مثلي، ويمكن أن يقال: إنه ليس بمفصل الأمر على الضوابط بل هو صلح كما وقع مصالحته في واقعة أخرجها في أبي داود ص (509)«وفيه: فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال للرجل: «رد على هذا زريبة أمته التي أخذت منها» فقال يا نبي الله إنها خرجت من يدي قال: «فاختلع نبي الله صلى الله عليه وسلم سيف الرجل وأعطانيه، وقال للرجل: «اذهب فزده آصعاً» إلخ، فإن هذا صلح لا قضاء.

ص: 85

‌باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة

ص: 86

[1361]

البلوغ حقيقي وحكمي، وظهور العانة ليس علامة البلوغ، والروايات في الفقه في البلوغ الحكمي مختلفة، ولعل اختلاف الروايات بحسب اختلاف الأحوال.

قوله: (بين الذرية والمقاتلة إلخ) الذرية أولاد المجاهدين، وليحفظ هاهنا قصة علي وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.

ص: 86

‌باب فيمن تزوج امرأة أبيه

ص: 86

[1362]

أي حليلة الأب كان هذا النكاح في الجاهلية، وجعل أبو حنيفة النكاح شبهة دارئة للحد خلاف

ص: 86

غيره، وكذلك فعل في النكاح بالمحارم، وقال: إنه ليس بزنا فلا يحد، وإن كان أشد من الزنا مثل اللواطة، والمسألة طويلة الذيل متعلقة بالنصوص والفقهيات، وأما حديث الباب فلا يرد على أبي حنيفة فإنه قتل، والقتل ليس بحد فإن الحد الجلد أو الرجم، وأيضاً قال الطحاوي: إن الذي يقيم الحد لا يعطي لواءً، وهذا الرجل قد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لواءً في يده كقتل أهل الجاهلية.

ص: 87

‌باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء

ص: 87

[1363]

قيل: إن الرجل القائل: بأن كان ابن عمك منافق، أقول: إن لفظ الأنصار لفظ المدح ولا يطلق إلا على المخلصين، وقيل: إنه أطلق عليه توسعاً، أقول: أطلق عليه لفظ البدري، في البخاري: وللبدريين وعد عظيم، وقيل: إنه حضر البدر لا أنه مسلم مخلص، وقيل: إن قوله هذا وإن كان يوجب الإكفار فإنه نسبة الجور إلى ختم المرسلين لكنه عنه بسبب الغضب، وجرى هذا اللفظ على لسانه، أقول: ليس هذا اللفظ موجب التكفير فإنه من المحاورات ومراده أنك فعلته يا رسول الله تحت حد الجواز لكنه بسبب رعاية القريب، ومثل هذه الكلمات تختلف باختلاف الأحوال، وأما غضبه فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ حين إلحان القراءة، وغضب على صحابي آخر كما في البخاري ص (19) باب الغضب في الموعظة، وأما قول الباري عز اسمه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: 65] الآية فتلقي المخاطب بما لا يترقب مثل قوله في حق نبيٍ {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] الآية، وأما الحكم المذكور في حديث الباب فالحكم الأصلي هو الثاني في

ص: 87

قوله: «يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى» إلخ، وحديث الباب يخالف ما في عامة كتبنا من أن يسقي الأسفل أولاً ثم الأعلى فالأعلى، لم يجب أحد منا حديث الباب، وأقول: إن في غاية البيان على الهداية للشيخ قوام الدين عن محمد بن حسن أن ما في كتبنا في ما لم يتعارف تقديم الأعلى، وإذا تعورف فوفاق ما في الحديث، وإلى هذا وجدت إشارات الكتب منها ما في موطأ محمد ص (358) قال محمد: وبه نأخذ لأنه كذلك الصلح بينهم إلخ، وفيه: لكل قوم ما اصطلحوا عليه إلخ، فدل على أن العبرة لعرف الناس فإنهم يتمشون على عرفهم.

ص: 88

‌باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم

ص: 88

[1364]

قال الثلاثة أن يقرع الإمام في مثل هذه الصورة، وقال أبو حنيفة: لا حكم للقرعة، فإنه قال: إن القرعة ليست مدار الحكم الشرعي بل لتطييب الخاطر، وقال الطحاوي: إن القرعة كانت ثم نسخت وواقعة الباب لعلها حين ثبوت القرعة، أقول: إن قول الطحاوي مؤيد بالروايات منها ما في مسند أحمد: أنه أرسل علياً إلى اليمن عاملاً أنه عمل بالقرعة، في واقعة أن رجالاً حضروا زبية أي حبالة الأسد فسقط فيها رجل وأخذ رجلاً آخر عند سقوطه والآخر ثالثاً فاختلفوا في الدية فأقرع علي فبلغ الفصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكان يضحك على فصل علي، وأما دليل النسخ فهو أن

ص: 88

علياً عرضته واقعة في عهده فلم يعمل فيها بالقرعة والواقعة ذكرها الطحاوي في باب أم الولد فلا عبرة للقرعة، وأما صورة الباب فالعبيد كلهم معتق البعض عند أبي حنيفة فيعتق ثلث كل واحد ويستسعي في ثلثيه، ومحمل الحديث عند أبي حنيفة أن الراوي ذكر الحساب الحاصل فإن حصص العبيد ثماني عشرة وعتقت ستة منها وبقيت ثنتا عشر في الرِّقيَّة، فالستة مثل عبدين، وثنتا عشر مثل أربعة أعبد، فذكر الراوي حاصل الحساب ولا بعد في هذا، وأما مراد فأقرع بينهم إلخ فأقول: إن القرعة لم تكن على الحرية والرِّقيَّة بل للتهائي في العمل والاستخدام، فإن في الاستخدام صوراً مثل أن يقول المالك الوارث: اخدموني من ستة أيام أربعة أيام واجعلوا يومين في أمركم للاستسعاء، أو يقول: اخدموني أربعة أشهر من ستة أشهر ويقول: اخدموني أربع وأستسعي عبدان منكم، ومثل هذه الأمور، فالقرعة في هذه الأمور، لكن ما قلت غير متبادر، وأما وجه تغييري خلاف التبادر وهو أن ألفاظ الحديث مضطربة، فإن في بعض الطرق أنه أعتق واحداً، وفي بعضها أنه أعتق ستة، وفي بعضها أنه دبّر عبيده، فالحديث مضطرب، وأما أدلة أبي حنيفة على تجَزُّئ العتق فمنها حديث مصنف عبد الرزاق الذي أخرجه الزيلعي وذكرته في بيع، المدبر، ومنها ما في فتح الباري: أن رجلاً دبّر فمات فاستسعى العبد في الثلثين، ومنها ما في لسان الميزان ووثقه الحافظ: أن رجلاً أعتق بعض عبده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعتق في عتقك وترق في رقك» ، ومنها ما في مسند أحمد عن سعيد بن عاص رحمه الله: أن صحابياً أعتق بعض عبده، وفي سنده راو مبهم لا أعلمه وثقه عبد الرزاق في مسنده والكل مرفوعات وقوية.

ص: 89

‌باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم

ص: 90

[1365]

قال أبو حنيفة: من ملك وذا رحم محرم عتق عليه، وقال الشافعي من كان ذا قرابة الولاء عتق عليه أصلاً وفرعاً.

قوله: (محرم إلخ) قال علماء اللغة: إن الجرَّ جرُّ الجوار، ورجال حديث الباب ثقات، ولا أعلم وجه كف المصنف لسانه عن التحسين أو التصحيح؟ والحديث حجة لنا.

ص: 90

‌باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم

ص: 90

[1366]

قال أبو حنيفة: إن الزرع تبع البذر فإذا زرع في أرض مغصوبة فالغاصب له الخارج بملك خبيث وعليه كراء الأرض، والغصب هذا في معناه اللغوي فإن الغصب الشرعي لا يكون إلا في المنقول عند أبي حنيفة خلاف محمد بن حسن، وحديث الباب للحجازيين ويخالفنا، وأما الطحاوي فروى دليلنا ولم يذكر محمل حديث الباب، أقول: المحمل لطيف بعد ذكر تفصيل المسألة، والمسألة مذكورة في

ص: 90

الهداية وهي أنه إذ غصب أرض رجل فالخارج يملكه الغاصب بملك خبيث، وإذا أعطى مالك الأرض كراء الأرض من هذا الخارج فهو له طيب، فإن الخبث كان لتعلقه وأما الخارج قدر أجرة الأرض فله مملوك بملك طيب، فتعرض الحديث إلى الحلة والحرمة.

قوله: (وليس له من الزرع إلخ) أي لا يطيب له ديانةً وأما قضاءً فمملوكه بملك خبيث يجب تصدقه ويطيب بقدر ما أنفق.

قوله: (وله نفقته إلخ) أي يطيب له قدر ما أنفق، وأما دليل أبي حنيفة فما أخرجه الطحاوي ص (264)، ج (2) : فجعل الزرع لصاحب البذر وجعل لصاحب الأرض أجراً معلوماً إلخ بسند جيد أرسله مجاهد، ومراسيله تقبل عند الجمهور.

ص: 91

‌باب ما جاء في النّحل والتسوية بين الولدان

ص: 91

[1367]

قال بعض المحدثين: إنه إذا فضل بعض ولده على البعض الآخر بلا فضل فالوصية باطلة خلاف

ص: 91

أكثر الفقهاء، فإن الهبة عندهم صحيحة مع الكراهة تحريماً، وقال الأحناف: يجوز الترجيح عند الفضل والرجحان، ولا يقال: إن الحديث سيخالفنا فإن الوجه جليُّ.

قوله: (الذكر والأنثى إلخ) قال أبو يوسف: إن التسوية هو للذكر مثل حظ الأنثيين.

ص: 92

‌باب ما جاء في الشفعة

ص: 92

[1368]

الشفعة عند أبي حنيفة إما في نفس المبيع أو في حق المبيع أو في حق الجوار، وخالف الحجازيون في الثالث، والبخاري وافقنا فإنه أخرج حديث العراقيين ولا يمكن إدراجه في الشفعة لو كان ما تأول خصمنا، ولنا حديث صريح نعم حديث يوهم إلى خلافنا، وسأذكر محمله ومراده، وتأول الشافعية في حديثنا بأن المراد البر والإحسان لاحق الشفعة، وقال بعضهم: إن المراد من الجار الشريك في نفس المبيع لكن التأويلين تأويلان، ولنا:(جار الدار أحق بالدار) .

ص: 92

‌باب ما جاء في الشفعة للغائب

ص: 93

[1369]

للغائب حق الشفعة وعليه ثلاث طلبات: طلب المواثبة، وطلب الإشهاد، وطلب الخصومة.

قوله: (تكلم شعبة إلخ) مر ابن قطان في كتاب الوهم والإيهام على كلام شعبة فقال ما كان شعبة فقيهاً بل حافظ الحديث ثم ذكر منشأ كلام شعبة وردّه.

ص: 93

‌باب ما جاء إذا حدّت الحدود ووقعت السّهام فلا شفعة

ص: 93

[1370]

حديث الباب يوهم إلى نفي شفعة الجوار، أقول أوّلاً: إن نفي حق الجوار مفهوم حديث الباب، ولنا حديث صريح فنطالب بالنكت، وجواب حديث الباب ما قال المحشون مذكور في الحاشية، والجواب عندي أن الفرق بين الحديث والفقه ليس إلا في التلقيب بأن الحديث يسمى الشفيع

ص: 93

في حق الجوار بالجار وسماه الفقهاء بالشفيع، ولا ينفي حديث الباب حكم شفعة الجوار، ودليلنا في حق الجوار ما أخرجه البخاري في صحيحه ص (300) .

قوله: (فلا شفعة إلخ) أي ما يسمى بالشفعة وهو القسمان الأولان للشفعة بل حق الجوار.

قوله: (عمر وعثمان) في هذا نظر دائر فإن في البخاري إعطاء حق الجوار في قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه فإنه لم يكن ثمة إلا شفعة الجوار وكان ذلك في عهد عمر والظن الغالب أن يكون بإجازة عمر.

قوله: (في كل شيء إلخ) لا شفعة في المنقولات عند الأربعة خلاف بعض العلماء فلا بد من التخصيص أو التأويل في لفظة «كل» والحديث أيضاً ساقط السند.

ص: 94

‌باب ما جاء في اللّقطة وضالة الإبل والغنم

ص: 95

[1372]

أصل اللغة أن اللقطة في غير الحيوانات، وفي المبسوط عن محمد أن مدة التعريف وقدر المال محولان إلى رأي من ابتلي به، وقال السرخسي: إنه أقرب إلى مذهب أبي حنيفة، وهكذا قال السرخسي في تفسير العمل الكثير في الصلاة، والوجه أن القياس لا يجري في الحدود وزعموا أن المراد بالحدود الزواجر، أقول: إن المراد بالحد هو ما يقع بين شيئين متجانسين ومختلفين حكماً لما قد صرح السرخسي في مواضع أن أبا حنيفة لا يحدد ولا يؤقت بالرأي، فدل على أن الحد معناه ما ذكرت.

قوله: (فادفعها إلخ) لا يجب الدفع قضاء بلا بينة وأما ديانة فيردها.

قوله: (فاستمتع إلخ) قلنا: إنه إن كان فقيراً يستمتع بها وإلا فلا، وقال الشافعية: إنه يستمتع بها وإن كان غنياً، وقالوا: إن أبي بن كعب كان من المياسير، وقال في الهداية ص (593) ج (1) وانتفاع

ص: 95

أبي كان بإذن الإمام وهو جائز إلخ، وأيضاً قال: إن الغنى يتبدل وقتاً فوقتاً ولا شيء يدل على كونه من المياسير حالة الاستمتاع بها، وأما ما قال: إنه كان استمتاعه بالإذن فقال في العناية: إن الاستمتاع بها للغني مجتهد فيه فإذا حكم به القاضي صار مجمعاً عليه، أقول: هذا ليس مراد الهداية أنه مذهبنا وإلا فكيف يصح جواباً وليس مراده أنه مذهب غيرنا.

قوله: (فضالّة الإبل إلخ) تمسك الشافعية بهذا على عدم التقاط الإبل، ومذهبنا أن يلتقط الإبل، وأما عهد السلف وكان عهد الأمانة بخلاف زماننا فإنه زمان الجناية فيلتقط فالاختلاف باختلاف الأعصار.

قوله: (وكان علي لا تحل له الصدقة إلخ) الواقعة مذكورة في سنن أبي داود، وغرض الترمذي أنه انتفاع به لا تصدق، ونقول: إنه صدقة نافلة وهي جائزة لأهل البيت عند أكثرنا وإن تردد فيه فخر الدين الزيلعي وابن همام، ولذا قلنا بجواز اللقطة على الفروع والأصول فافترق الزكاة والتصدق باللقطة.

قوله: (وإن جاء صاحبها وردها إلخ) قال الكرابيسي: إنه إذا عرف إلى المدة ثم استمتع بها فجاء المالك فلا شيء على الملتقط، ويرد عليه حديث الباب وبوّب البخاري موافق الكرابيسي لعله وافقه والله أعلم.

ص: 96

‌باب ما جاء في الوقف

ص: 97

[1375]

قال الأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد: إن الوقف حبس الشيء على ملك الله تعالى والمشهور

ص: 97

أن أبا حنيفة يقول: إن الوقف حبس الشيء على ملك الواقف والتصدق بالمنافع حتى قيل: إن الوقف عنده لا شيء فإن التصدق بالمنافع يتحقق بلا وقف أيضاً، وما أوجد الوقف شيئاً آخر، وكذلك قال السرخسي أيضاً، وقالوا: إن الوقف عنده باطل، أقول: إن في الحاوي القدسي أن الوقف عنده نذر بالتصدق بالمنافع والرجوع عنه مكروه تحريماً، ويكون على ملك الواقف إلا في صور أربعة، أي وقف المسجد أو علقه بموته أو خرج مخرج الوصية أو قضى بخروجه عن الملك قاضٍ، ففي هذه الأربعة لا يمكن الرجوع أصلاً، أقول: لا حاجة إلى ذكر الصورة الرابعة فإن هذا الحكم في كل مسألة، وقال ابن همام: إن أوقاف الصحابة باقية إلى الآن، أقول: إذا كان الرجوع مكروه تحريماً فكيف الرجوع عنهم؟ واختار الشيخ والطحاوي قول الصاحبين، وذكر الطحاوي حجة أبي حنيفة في معاني الآثار ص (250) ج (2) وقف عمر وهذا الوقف أول الأوقاف في الإسلام، وتعقب الحافظ على اختيار الطحاوي مذهب الجمهور ثم إتيانه تمسك أبي حنيفة وتصدى الحافظ إلى التأويل في حجتنا، فقال: إن عمر لم يقف بل شاور معه، أقول: إن في الأحاديث تصريح أنه وقف في الحال وكتب كتاباً بعض ألفاظه في النسائي منها ما في الترمذي وفي بعض معتبراتنا ونسيت تعينه لعله شرح صدر الشهيد على الجامع الصغير أن أبا يوسف رجع عن مذهب أبي حنيفة حين رجع من المدينة ورأى أوقاف الصحابة.

قوله: (حبست أصلها إلخ) ظاهره لأبي حنيفة.

قوله: (أو يطعم صديقاً الخ) هذا لفظ كتاب عمر، والوقف يكون في غير المنقول، وروي عن محمد بن حسن وقف المنقول، إذا كان متعارفاً مثل سرير الميت، وصنف محمد بن عبد الله المثنى الأنصاري حفيد أنس كتاباً في الوقف موافق أبي حنيفة، وهو من أخص تلامذة زفر، وأخذ منه مصنفونا ويعبرونه بالأنصاري.

قوله: (لا يباع الخ) أي لا يجوز لا أنه لا ينفذ.

ص: 98

‌باب ما ذكر في إحياء أرض الموات

ص: 100

[1378]

ويشترط عندنا إذن الإمام لا عند الحجازيين، ونقول: إن الأراضي تحت تصرف الإمام فمن أخذ بظاهر الحديث لم يشترط الإذن ومن ضم الحديث والنفقة اشترط الإذن.

قوله: (وليس لعرق ظالم إلخ) قيل: تركيب إضافي، وقيل: توصيفي، وهو غرس الشجرة في أرض الغير بلا إذنه، وأصل مذهبنا أن يقلع مالك الأرض الأشجار قل قيمة الأرض من الأشجار أو كثر، ونظر أرباب الفتوى إلى قلة القيمة وكثرتها وإذا رضي صاحب الشجرة بالقيمة تقوم مقلوعة لا مغروسة، ولكن في طبقات الشافعية مناظرة الشافعي ومحمد في المسألة وتلك تدل على التفصيل في المسألة.

ص: 100

‌باب ما جاء في القطائع

ص: 101

[1380]

جمع قطيعة وتفسيرها في عرف المتأخرين هو العفو الدائم عن الخراج (جاگير)، ويقال لها في التركية:(سيرغال) ووضع البخاري ترجمة على القطائع ولم يفسرها الشارحون أيضاً ولعله أراد أن يأذن الإمام بإحياء أرض الموات، وذكر أبو يوسف أيضاً لفظ القطيعة في كتاب الخراج ولم يفسرها واستعملها في الدر المختار ولعله أراد بها المقاطعة (تحطيكه)، وأما العفو الدائم عن الخراج فقيل: إنه جائز، وقيل: لا يجوز، واتفقوا على عدم جواز عفو العشر، وأما إقطاع المعدن فعندنا غير جائز، والمقطوع له غير ظالم في ما أخذ، وإنما الظلم في منعه غيره عن الأخذ.

ص: 101

‌باب ما ذكر في المزارعة

ص: 102

[1383]

قد مر ذكرها بالأقسام الثلاثة، قيل: إن المعاملة في لغة المدينة بمعنى المساقاة، وحديث الباب وارد على أبي حنيفة والشافعي، وأجاب الشافعي بأن هذه المزارعة تبع المساقاة، واعترض القدوري بأن أكثر أراضي خيبر كانت مكشوفة، وما كانت الأشجار حاوية على جميع الأراضي، وأما جواب أبي حنيفة فأجاب صاحب الهداية بأنه خراج المقاسمة لا المزارعة وهو تقسيم ما خرج من الأرض، وأخذه المرغيناني عن شيخه السرخسي، وقيل: إن جميع الهداية مأخوذ من مبسوط السرخسي، وكنت أتوهم أن جواب الهداية مناقض لكلامه في موضع آخر فإنه ذكر في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة وقسمها بين الغانمين، فإذن تكون الأراضي في ملك الغانمين ومزارعة، وقال في جواب حديث الباب: إنه خراج بالمقاسمة فتكون أراضي خيبر على ملك يهود الكفار فتدافع بين كلاميه، وما توجه إلى دفعه شارح من الشراح، ثم رأيت في مبسوط السرخسي فأطنب الكلام على أوراق تزيد على ثلاثين ورق. وكلامه يفيد دفع التدافع، وأجاب خواهر زاده في مبسوطه نقله العيني في العمدة، وذلك أيضاً مستبعد جداً.

ص: 102

‌كتاب الديات

ص: 104

‌باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل

ص: 104

[1386]

اتفقوا على أن الدية مائة إبل والاختلاف في أنها أرباعاً أو أثلاثاً، والدية مغلظة ومخففة، ولا يظهر الغلظة والشدة إلا في الإبل لا في الدراهم، ولنا رواية ابن مسعود موقوفة عليه بسند صحيح، والقتل على أقسام عديدة مذكورة في الفقه، وظني أن في الأحاديث صوراً فاخترنا صورةً واختاروا صورة، وحديث الباب لنا، وقال الخصوم: إن خشف بن مالك مجهول، وقلنا: إنه ليس بمجهول فيكون الحديث حجة.

ص: 104

قوله: (قرابة الرجل إلخ) مذهبنا أن في العرب عبرة النسب فإن الأنساب فيهم محفوظة، أفي العجم على أهل الديوان، والتفصيل في الفقه.

قوله: (إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا إلخ) هذا يخالفنا، فإنا نقول بعدم التخيير خلاف الشافعية فنضيف في هذا قيداً.

قوله: (ثلاثون إلخ) هذا حجة الشافعي ونحمله على أنه بحسب التقويم، والحق أنه أيضاً صورة ثابتة، والمسلك الترجيح فقهاً.

ص: 105

‌باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم

ص: 105

[1388]

قال الشافعي: اثنا عشر ألف درهم، وقلنا بعشرة آلاف درهم، وقال محمد للشافعي: إن اثنا عشرة من وزن الستة يكون عشرة آلاف من وزن السبعة، والمختار تسليم ثبوت الصورتين ثم مسلك الترجيح فقهاً.

ص: 105

‌باب ما جاء في دية الأصابع

ص: 106

[1391]

هكذا مذهبنا ومذهب غيرنا في نقل صحيح أن عمر كان يفتي أن دية الإبهامة أقل من دية سائر الأصابع فإن للإبهامة مفصلين وفي سائرها ثلاثة مفاصل حتى رأى في كتاب عمرو بن حزم أن في كل إصبع صغيرة وكبيرة عشرة من الإبل، واعلم أن دية أعضاء الإنسان قد تزيد على دية الكل كأن وُدِيَ أولاً في الأصابع ثم في الرجلين ثم في اليدين، وروي صحيحاً أن عمر أخذ ثلاث ديات سوالم لرجل جرح ثم بقي حيّاً.

ص: 106

‌باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة

ص: 107

[1394]

هاهنا مسألتان؛ أحدهما: أن اليهودي رضخ الرأس بصخرة فيكون فيه شبهة العمد عند أبي حنيفة فلا قصاص عنده، فإن القصاص في العمد وهو القتل بالأحد لا بالمثقل، ولكنه عمد عند صاحبيه.

وثانيتهما: أن في الحديث مماثلة ولا مماثلة عندنا، وجواب الأول أن اليهودي قطع الطريق أيضاً فيكون من قطاع الطريق ويقتل قاطع الطريق كيف ما قتل، ثم في متوننا أن قطع الطريق، في المصر في النهار ليس بقطع الطريق، لكن في المبسوطات أنه أيضاً قطع الطريق، فجواب الطحاوي

ص: 107

نافذ بلا ريب ويمكن حمل الحديث على السياسة وباب السياسة موجود عند الكل إلا أنه وسيع عندنا، وصنف عبد البر بن الشحنة في السياسة وذكر فيها مسائل كثيرة، وصنف ابن تيمية أيضاً وسماه بالسياسة الشرعية، وغرضه في ذلك الكتاب الرد على من يقول: إن مسائل الإسلام لا تكتفي نظام العالم، وبحث فيه من جانب الشريعة لا من جانب مذهب من المذاهب، ثم ظني أن باب التعزير غير باب السياسة، والله أعلم.

وجواب الثاني أيضاً الحمل على السياسة والمماثلة عند الشافعية في كل شيء إلا عمل لوط والإحراق.

حكي أن أبا العلاء إمام اللغة سأل أبا حنيفة عمن قتل بحجر كبير عظيم هل يكون قتلاً بشبهة العمد؟ قال أبو حنيفة: ولو ضرب بأبا قبيس (اسم جبل) ، فاعترض بعض الجهلة بأن أبا حنيفة عارٍ عن معرفة اللغة حيث قرأ أبا قبيس بالألف بعد دخول الباء الجارة عليه، أقول: إن هذا الاعتراض من قلة المعرفة وكثرة الجهل، وحقيقة الأمر أن في لغة فصيحة من لغات العرب أن إعراب الأسماء الستة بالألف في الأحوال الثلاثة:

~ إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد منتهاها

ص: 108

‌باب ما جاء لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث

ص: 110

[1402]

بعض الكلام في حديث الباب مر ولكن الكلام فيه أطول من حيث إدخالُ ما في الفقه من جواز قتل غير ما في حديث الباب، من قطاع الطريق ومن تارك الصلاة عند غيرنا مثل الشافعية والحنابلة، لكن القتل عند الحنابلة ارتداداً وفي كتاب لنا أن يقتل تارك الصلاة، وفي عامة كتبنا أنه يضرب حتى يسيل الدم من بدنه، فقيل في وجه إلحاق مثل هذين بما في الحديث بأنهم داخلون تحت النعت أي المفارق لجماعة، وقيل بإدخالهم تحت المنعوت أيضاً أي التارك لدينه، وورد في المعجم للطبراني:«من ترك الصلاة فقد كفر جهاراً» إلخ، وهو متمسك الحنابلة وتمسك النووي بحديث فيه المقاتلة على قتل تارك الصلاة، والحال أن بين القتال والقتل بوناً بعيداً حتى أن القتال قد يكون على ترك السنة أيضاً.

ص: 110

‌باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو

ص: 111

[1405]

قال الحجازيون: إن في الدية والقصاص تخييراً، وقلنا: إن التخيير بعد رضاء ولاة القتيل والصلح، وليس في حديث الباب ما يرد علينا فإن المذكور فيه التخيير بين القصاص والعفو لا بين الدية والقصاص.

ص: 111

قوله: (قتل رجل في عهد إلخ) أصل القصة ما في مسلم أن رجلين خرجا محتطبين فتنازعا فضرب أحدهما بفأسه على رأس الآخر فيكون عند أبي حنيفة القتل بالسلاح ولا عبرة فيه للإرادة وعدمها فيقال من جانبه: لعله ضربه بخشبة لا بالمحدد، والله أعلم، أو يقال: إن حكمه هذا حكم الديانة لا حكم القضاء.

ص: 112

‌باب ما جاء في النهي عن المثلة

ص: 113

[1408]

أي قتل الأعضاء صبراً، وفي النسائي قال صحابي: ما سمعت خطبة من خطبته بعد نزول الآية إلا وحث فيها على الصدقة ونهى عن المثلة، وروي بسند صحيح، قال ابن سيرين: إن حديث العرنيين قبل النهي عن المثلة.

ص: 113

‌باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر

ص: 114

[1412]

قال الحجازيون: لا يقتل مسلم بكافر أيُّ كافر كان، وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بدل الذمي، وفي الحربي المعاهد دية، وفي المستأمن روايتان وذكر الحافظ في فتح الباري أن رجلاً قال لزفر رحمه الله: إن الحد عندكم يندرء بالشبهة وأية شبهة أعلى من شبهة كفره، فقال زفر رحمه الله: كن شاهداً على أني رجعت مما قال أبو حنيفة.

قوله: (لا يقتل مسلم بكافر إلخ) قال الشافعية: أن لا يقتل مسلم بكافر ولكن قتل الذمي وذي عهد حرام، وإن قتلا فلا قصاص بل الدية، وقالوا: إن معنى القطعة الثانية أي «ولا ذو عهد في عهده» غير مصداق الأولى، وقال الطحاوي: إن مرادها أن لا يقتل ذو عهد في عهده بدل كافر فصار حاصل الحديث لا يقتل مسلم بحربي أقول: يتمشى على معنى ما قاله الشافعية أي «لا يقتل ذو عهد في عهده» وأما لو تصدى أحد إلى قتل ذي عهد فيقتص منه فإن المعاهد محقون الدم إجماعاً فيكون

ص: 114

حكمه حكم سائر الدماء، وحصل أن لا يقتل مسلم بدل حربي، وقال العيني في العمدة: إن حديث: «لا يقتل مسلم بكافر» ليس متعرضاً إلى ما نحن فيه بل غرضه بهذا وضع دماء الجاهلية أي لا يقتل بعد الإسلام بدل ما كان دم الجاهلية، ولقوله شواهد أيضاً منها أنه خطب في حجة الوداع كما في مسلم، وقال فيها:«ألا وإن دماء الجاهلية موضوعة تحت قدمي» إلخ ثم في حديث مسلم كلام فإن فيه ذكر حجة الوداع، وفي سائر الطرق ذكر أنه خطب في فتح مكة والرجحان إلى أنه خطب في فتح مكة بتعدد الخطبة فإذن صار شرح الجملة الأولى لطيفاً ألطف، لكن الجملة الثانية «ولا ذو عهد في عهده» وصارت ركيكة وعلى شرح الطحاوي يكون المراد بالكافر الحربي ونطالب وجه التخصيص بالحربي، ولي شيء آخر لا ركة فيه ولا تخصيص وهو أن يقال: إن الذمي في حكم المسلم فإن حقن دمه مستفاد من حقن دماء المسلمين فصار شرح «لا يقتل مسلم بكافر» أي لا يقتل مسلم وذمي بدل كافر، وليس ذلك إلا الحربي، ثم أقول: إن مستدلنا ما أخرجه الطحاوي ص (112) ج (2) بسند قوي: أن عمر أمر بأن يقتص من مسلم بكافر ثم أمر أن لا يقتص بل يودى، وزعم الشافعية أن عمر رجع عن القول الأول، وقال الطحاوي: إن الرجوع بعيد وحقيقة الأمر أنه أمر أولاً بالمسألة ثم صالح بالدية، ونقل علاء الدين المارديني أنه قتل مسلماً بكافر ولكني لم أجد تفصيل تلك الواقعة ولعله يجدي فيها ما أخرجه أبو داود ص (274) باب القسامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نضر بن إلخ» ، إلا أن في سنده وليد بن مسلم المدلس ولأن فيه ذكر القسامة أيضاً فلم أجد تفصيل ما رواه المارديني في كتب السير أيضاً، ولنا مرسل آخر أخرجه الطحاوي ص (111) ج (2) لكن في سنده عبد الرحمن البيلماني وهو متكلم فيه ومع ذلك من رجال السنن، وفيه ذلك المرسل بسند آخر، وسيأتي بعض التفصيل في

البخاري، وأما دية الذمي فعندنا ديته ودية المعلم كاملة، وعند الشافعية نصفها والآثار من الطرفين، وثبت دية الذمي نصف دية المسلم وكلها وثلثها، ولعل الاختلاف اختلاف الصور وودي الذمي بصور في عهده، ونحمل الناقصة على معاذير وحمل الكاملة على معاذير الشكل من حمل الناقصة على معاذير، وفي تخريج الزيلعي أن دية الذمي في عهد الخلفاء الأربعة كانت دية المسلم وسنده قوي، وإنما قلت في عهد معاوية.

ص: 115

‌باب ما جاء في الحبس في التهمة

ص: 117

[1417]

الحديث عندنا معمول به، وفي لسان الحكام لابن شحنة: من خرج من بيت خال وفيه مقتول وسيف الخارج متلطخ بالدم يقتص صاحب السيف الذي خرج، والله أعلم.

ص: 117

‌باب ما جاء في من قتل دون ماله فهو شهيد

ص: 117

[1418]

في الدر المختار: من تعدى على محارم رجل يجوز له قتله وإن لم يجد البينة فيقتص في أحكام الدنيا، ولا حرج عليه في أحكام الآخرة.

ص: 117

‌باب ما جاء في القسامة

ص: 119

[1422]

من وجد قتيلاً في موضع ولا يدري قاتله، فقال مالك بن أنس: إن كان لولاة القتيل لوث فينتخبون الذين عليهم لوث ويحلف ويقسم خمسون رجلاً من ولاة القتيل إن فلاناً قاتل قتيلنا فإن أقسموا يقتص المدعي عليه، وقال الشافعي: لا قصاص في صورة بل يقسم خمسون رجلاً من المدعين فإن أقسموا فيودى، وإلا فالقسم على ولاة القاتل فإن أقسموا بأنه لم يقتل فلا دية ولا قصاص، وقال أبو حنيفة: لا قسم على المدعين وإنما القسم على المنكرين أي خمسون رجلاً من المنتخبين مما حول موضع القتل يحلفون بالله ما علمنا قاتله وما قتلناه، وفائدة القسم درء القصاص وإن علموا بالقاتل أعلموا، ومذهب عمر الفاروق موافق لمذهب أبي حنيفة وسأل سائل عمر عن القسم قال: إنه يرفع القصاص، ويمكن لأحد أن يقول: إن البخاري موافق لنا فإنه أخرج قسامة أبي طالب في الجاهلية وقسامته موافق قسامتنا، ولعله يشير البخاري إلى أن تلك القسامة باقية على ما كانت في الجاهلية، والواقعة في عهده واحدة والخلاف في تخريجها.

قوله: (كبّر الكبر إلخ) كان عبد الرحمن ومن معه بنو أعمام، والمدعي إنما هو عبد الرحمن، وأما سؤاله عن الكبر ليس لكونه ممن ادعى عليه بل تفسير القصة ومعرفتها، ونقول في حديث الباب: إن غرضه من استحلاف المدعين هو ليس حكم الشريعة وضابطتها بل غرضه استفسار ما في ضميرهم لينكلوا عن الحلف، ولذا قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ ونظير استفسار ما في القلب ما في الصحيحين: قالت بنت أبي سفيان أم المؤمنين: تزوج أختي يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أتريدين» ؟ فمراده استفسار ما في قلبها، فقالت: أريد أن تكون أختي شريكتي في الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا، فإن الله حرم جمع أختين» ونقول أيضاً: إن راوياً قال بعد رواية الحديث: ليس العمل على هذا رواه أبو داود وأيضاً في أبي داود ص (622) باب ترك القود بالقسامة، قال: إن سهيلاً ـ والله ـ أوهم، الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ فصار الحديث معلولاً

ص: 119

قوله: (أعطه عقله إلخ) في البخاري: وهي يومئذ صلح، أي كان معهم عهداً، وقال محمد بن إسحاق في السيرة: إن هذه القصة بعد فتح خيبر، وفي بعض الصور عندنا الدية من بيت المال، وأدلتنا في مسألة الباب محصاة في موضعها كما في التخريج، وذكرها الشيخ علاء الدين المارديني أيضاً.

ص: 120

‌كتاب الحدود

ص: 121

‌باب ما جاء في الستر على المسلم

ص: 122

[1425]

في كتب الحنفية من رأى رجلاً يزني بغير محارم، الرائي لا يرفع الأمر إلى الحاكم، بل يستر عليه إلا إذا علم أنه يعتاده.

ص: 122

‌باب ما جاء في التلقين في الحد

ص: 123

[1427]

يستحب للإمام أن يلقن المعترف، ولا تلقين فيمن قام عليه البينة، وثبت تلقنيه رجلاً.

قوله: (أربع شهادات إلخ) هذا حجة لأبي حنيفة في الاعتراف أربع مرات في أمكنة، وقال أبو يوسف: يكفي الإقرار مرتين، وقال الحجازيون: يكفي مرةً واحدةً، وفي أبي داود وغيره: أنه أقر مرة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أقرَّ فأعرض، ثم أقرَّ فأعرض، ثم أقر وتمسك الحجازيون ببعض المبهمات التي ليس فيها ذكر أربع شهادات ونحمل الساكت على الناطق.

ص: 123

‌باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع

ص: 123

[1428]

يجوز الرجوع في صورة الاعتراف لا في حالة إقامة البينة عليه، وهكذا عندنا وعند غيرنا.

ص: 123

قوله: (مر برجل إلخ) قيل: إنه أبو بكر الصديق، وقيل غيره.

قوله: (هلاّ تركتموه إلخ) قال الموالك: إذا فرّ المعترف بالزنا في أثناء إقامة الحد عليه فيسأل إن كان فراره لألمٍ يحد، وإن كان رجوعاً فيترك ويسقط الحد والاستفسار لازم، وقال الشافعية: إذا هرب فلا يسقط الحد إلا إذا رجع صراحة، وفي كتبنا: أنه إذا فرّ فعلاً أو قولاً سقط الحد، واعترض على الموالك بأنهم إذا سألوا استفساراً فيلزم الدية على الصحابة رضوان الله عليهم، فاعترض الموالك بمعاذير، والحديث وارد على الكل ولكن أكثر ألفاظ الحديث أقرب إلى قول الموالك، منها لفظ الباب:«هلاّ تركتموه» وفي أبي داود ص (259)«هلا تركتموه لا تثبت» إلخ، وفيه لعله «يتوب فيتوب الله عليه» إلخ، وأقول لا بد من التفصيل في المسألة هاهنا، ولا بد من أن يقال: إنه إن فرّ من الألم الفوري فلا يسقط الحد، ثم رأيته في البدائع قال: فر ولم يرجع، ويقال إن ما عزاً فرَّ من الألم كما في الصحيحين:«فلما وجد مس الحجارة فرّ» إلخ، وفي أبي داود أنه قام بعد فرارٍ يسير.

قوله: (لم يصلِّ عليه إلخ) الروايات في الصلاة عليه مختلفة، وقيل في الجمع بأنه لم يصل وأمر غيره بالصلاة عليه ثم دعا له بعد عدة أيام، وصلى على الغامدية وامرأة أخرى لتوبتهما كما في أبي داود، وسيأتي في الترمذي.

قوله: (أحصنت إلخ) الإحصان له شروط عندنا في الزنا وحد القذف، واستخراج هذه الشروط عندنا متعذر، وبوّب عليه في المبسوط، ولعل الحنفية أخذوا بجميع إطلاق المحصن في القرآن فإن إطلاقات المحصنات كثيرة منها؛ الحرائر، ومنها المنكوحات، ومنها المسلمات ومنها العفائف، وظني أن المذكور والمسؤول في الحديث الإحصان بمعنى النكاح، فإن هذا ركن ركين من أركان الإحصان.

(مغلطة) قد يذكر في كتبنا أن المحصن حر عاقل بالغ مسلم، نكح بنكاح صحيح ودخل بها

ص: 124

ويكونان محصنين، وزعم بعض أرباب التصنيف أيضاً أن الإحصان هو إحصان الزاني والمزنية، والحال أن المراد بهما الزوجان، فإن الزاني إذا كان محصناً يرجم، والمزنية إذا كانت غير محصنة تجلد، فاستبصر ولا تخلط ولا تغلط.

ص: 125

‌باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود

ص: 125

[1430]

يجوز الشفاعة قبل رفع القضية إلى القاضي لا بعده، هذا في الحدود، وأما في التعازير فتجوز في الحالين.

قوله: (سَرقَتُ إلخ) في أكثر الطرق أنها وجحدت العواري التي عندها، ولقد أطنب الحافظ وأقول: إن كان جحود العواري فلا قطع، وإنها لعلها سرقت جحدت العواري.

قوله: (لقطعت يدها إلخ) قالوا: يستحب بعد هذا كلمة: أعاذها الله عنها.

ص: 125

‌باب ما جاء في تحقيق الرجم

ص: 126

[1431]

قيل: إن الخوارج أنكروا الرجم، لكن في قراءة ابن مسعود كان الرجم فإن في مصحفه:«الثيب والثيبة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله» فتكون القراءة مشهورة، لكن الإمام أي مصحف عثمان خال عن حكم الرجم، وحكم الرجم موجود في التوراة أيضاً.

قوله: (الاعتراف إلخ) قال به الموالك، ولا ترجم عندنا إلا بالبينة أو الاعتراف ولا عبرة للحبل، وهو مذهب الشافعية، وقال النووي: إذا حبلت ولا ندري نكاحها فكيف ترجم؟ لعلها نكحت وهل يجب علينا تحقيق أسرار المخلوق؟ أقول: يجب الجواب عن قول عمر فإنه قال به بمحضر من الصحابة، فقال الحافظ. إن عمر كان يقول بالرجم بالحبل في بعض الصور لا في كلها، وفاق الموالك، وأقول: يمكن أن يقال: إن أمر الحبل لا يبقى كذلك بل يبلغ إلى الاعتراف أو البينة فإن عادة للدنيا إنهم لا يدعونها مهملة بل يرفعون أمرها، فإما أن تدعي نكاح السر أو تعترف أو يقام البينة عليها، ولا مرفوع يدل على الرجم بالحبل وظني أن حقيقة الحال أن مراد عمر أن لا يبقى أحد في دار الإسلام غير منتسب ومهمل النسب، بخلاف أبي حنيفة والشافعي فإن جماعة من قطان دار الإسلام تبقى غير منتسبين إلى أحد، فإنا نقول: إن الأمة إذا ولدت أولاً ولم يدِّع مولاها فيبقى ولدانها بلا نسب، وأما عند الشافعية فمثل من أتي به حبلى لا نعلم نكاحها فإن أولادها تكون بلا انتساب، وأما المذكور منا فحكم القضاء، وأما باعتبار الديانة فلا يبقى بلا نسب لما ذكرت أولاً من وجوب الدعوة ديانة إذا علم أن نطفة أمته منه، وظني أن نهي عمر عن بيع أم الولد أيضاً من فروع هذه المسألة، فإن السلف كانوا مختلفين في بيع أم الولد ثم منع عمر، وأخذه أرباب المذاهب الأربعة.

قوله: (ولولا أني إلخ) هاهنا إشكال وهو أن حكم الرجم إما من القرآن أو ليس منه، فإن كان

ص: 126

حكم القرآن فلا يجوز لعمر ترك كتابته، وإن لم يكن منه فلا يجوز له كتابته، وفي فتح الباري بسند قوي عن عمر رضي الله عنه: كتبتها في آخر القرآن.

ص: 127

‌باب ما جاء في الرجم على الثيب

ص: 127

[1433]

الثيب المنكوحة.

قوله: (لما قضيت إلخ) لما بعنى إلا.

قوله: (المائة شاةٍ إلخ) بالجر عند الكوفيين.

قوله: (وتغريب عام إلخ) حمل الحنفية التغريب على السياسة، ولنا على هذا ما رواه الطحاوي أن عمر غرَّب رجلاً فلحق بأهل الشام فقال عمر: لا أغرِّب بعدُ ولو كان حدّاً، كيف كف عنه عمر؟ ولنا ما في البخاري: بإقامة حد وتغريب إلخ ودل العطف على أنه ليس بحد، ولا تغريب

ص: 127

للأرقاء والنسوان عند الحنفية، ونقول: إن في مسلم وفي الترمذي في الصفحة الآتية الجمع بين الجلد والرجم وليس ذلك مذهب أحد، فقيل بالحمل على النسخ أو بالسياسة، فكذلك نقول هاهنا.

قوله: (خادماً إلخ) قال شارح: إن المائة شاة والخادم أعطي زوج المزنية.

قوله: (واغد يا أنيس إلخ) قيل: لا تفتيش على الحاكم في الحدود، فكيف أرسله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب النووي بأن في الواقعة كان السؤال بسبب حد القذف فإنه من حقوق العباد، ولم يكن التفتيش عن حد الزنا الذي من حقوق الله، ولا يقال: إن أحدهما إذا أقر بالزنا وأنكره الآخر فلا حد على المقر، وفي كتبنا أن الإمام يسأل الزاني بمن زنيت وأين زنيت وما الزنا؟ وهاهنا كيف ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم المزنية وانتظر سؤالها؟ فإنا نقول: إن هذا إنما يرد لو كانت حاضرة وإذا كانت غائبة يقام عليه الحد، وكذا لو أقر بالزنا بمن لا يعرفها وما لو أطلق وقال: زنيت.

قوله: (فإن زنت في الرابعة فبيعوها إلخ) إن قيل: لا يجوز له أن يرفع الكل عن نفسه ووضعه على رأس أخيه المسلم، قلنا: إنه ليس وضعه على معين فإن المشتري يجوز له أن يبيعها ثم هكذا.

ص: 128

‌باب ما جاء في رجم أهل الكتاب

ص: 130

[1436]

ذيل المسألة طويل وذخيرتها كثيرة

قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يرجم أهل الكتاب، وقال الشافعي: يرجم أهل الكتاب ووافقه أحمد، وقال مالك رحمه الله: لاحد على الحربي أصلاً، ثم قال الموالك: إن كل قضية الذمي إذا رفعت إلى الحاكم فهو مخير بين أن يحكم بالشريعة الغراء أو يعرض عنه وتمسك بالآية، وقال الثلاثة: لا تخيير بل يحكم بما في الشريعة الغراء، وادعينا نسخ ما في الآية، ثم ظاهر حديث الباب للشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، وأجاب الطحاوي واعترض عليه الحافظ، أقول: إن في جواب الطحاوي اختصاراً فإنه قال: إن حكم الرجم كان بحكم التوراة وأذكر احتمالات مراد الطحاوي منها: أنهم جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم حكماً، فإذن يحكم بما في شريعتهم، نعم يبحث أنه هل له أن يحكم بشريعة حقة غير كتابه أم لا؟ ومنها: أن الإسلام لم يكن شرط الإحصان في التوراة بل كان الرجم على المحصن وغيره، ويقال على هذا: إن اشتراط الإسلام في الإحصان في شريعتنا ما مأخذه؟ ويطلب منا إثبات التسوية بين المحصن وغيره في التوراة، وقال الحافظ: لا تسوية بين المحصن وغيره في التوراة فإن في أبي داود ص (263) ج (2) : أنه سأل عن إحصانهما وعدمه، أقول: إن الإحصان في أبي داود ص (263) بمعنى التزوج لا بمعنى الإسلام، لما قلت أولاً: إن الإحصان المذكور في الأحاديث بمعنى التزوج، ومن تلك الاحتمالات أنه ألزم ما يعملونه من شريعتهم وإلزامه إياهم بما يلتزمونه ليس ببعيد، وأما دليل اشتراط الإسلام في الإحصان مما في الهداية بسند عبد الباقي بن قانع الحنفي بينه وبين أبي داود واسطة واحدة رواه عن ابن عمرو، وفي الجوهر النقي من باب من يلاعن من الأزواج، وعن ابن عمر: من أشرك بالله فهو غير محصن إلخ، ورجال السند ثقات أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، واختلف في رفعه ووقفه وظني الغالب أنه مرفوع، وتأول

الشافعية بأنه في حد القذف لا في الزنا، واختلف في وقت واقعة الباب، ففي أكثر الروايات أنها في المدينة وفي بعضها أنها واقعة في خيبر، وفي أسباب النزول للسيوطي أنها واقعة في الفدك، وورد في الروايات: أن اليهود تشاوروا وتناجوا. أن نذهب إلى هذا النبي ونبتليه فإن حكم

ص: 130

بالرجم كما في التوراة فهو نبي وإلا فليس بنبي، وأدعي أن آية الجلد بعد هذه الواقعة وكذلك آية الرجم:«الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما» ولي في هذه الدعوى ذخيرة كثيرة، وقال الحافظ: إن واقعة الباب في السنة الثامنة، وما أتى بما يشفي، وتمسك بأن ابن عباس شهد الواقعة وهجرته إلى المدينة المنورة في السنة الثامنة مع أبيه عباس، أقول: إن ابن عباس راوي الحديث وما من لفظ يدل على أنه شهد الواقعة، وكذلك تمسك الحافظ بأن عبد الله بن حارث بن جزء راوي الواقعة، وأتى المدينة في السنة الثامنة مع أبيه، أقول: لم أجد في كتاب من الكتب حارث بن جزء اسم صحابي من الصحابة، ولم يذكر الحافظ أيضاً صحابياً في الإصابة باسم حارث بن جزء، وقد سلمت أن عبد الله بن حارث أتي المدينة في السنة الثامنة لكن ما من رواية تدل على شهود الواقعة إلا ما أتى بسند ضعيف ما أخرجه الطبراني، أقول: إنه وهم الراوي فإن [من] أتي المدينة مع أبيه عبد الله بن عباس كما في مسلم لا عبد الله بن حارث، ثم أقول: إن في سيرة محمد بن إسحاق بسند صحيح أن اليهود امتحنوه حين دخل المدينة وعدّ الأشياء الممتحنة فيها وعدّ منها واقعة الباب أيضاً، وذكر القسطلاني أن الواقعة واقعة السنة الرابعة ولا مأخذ عنده، وعندي روايات دالة على تقدم الواقعة منها أن في واقعة الباب:«كان ثلاثة من اليهود وقد قتلوا في قرب أحد منهم كعب بن أشرف» ، أقول: كان للحافظ أن يستدل بما في تفسير ابن جرير عن أبي هريرة ما يدل على أنه شهد الواقعة ولكنه لم يأخذه، أقول: إن في أبي داود ص (263) ،

ج (2) عن أبي هريرة يخالف ما في تفسير ابن جرير فيكون ما في تفسير [ابن جرير] وهم الراوي فلا تكون القصة إلا قبل حكم الآية، وليحفظ هاهنا أنه كان يؤمر بالحكم بالتوراة لما في آية:{يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] إلخ، وفي أبي داود أنه أيضاً داخل فيه، وفي الأحاديث أنه كان يحب العمل بما في التوراة قبل نزول الشريعة الغراء لما في البخاري ص (503) : كان يحب العمل بالكتاب ما لم ينزل فيه حكم الله إلخ، وقال حافظ من الحفاظ: إن ابتداء خلاف أهل الكتاب كان بعد فتح مكة ولا أعلم مأخذه، وذكر ابن العربي المالكي في أحكام القرآن أن ما في الواقعة إلزام على اليهود بما في كتابهم، أقول: إن مدلول الآيات والأحاديث أن اليهود معاقبون على تركهم ما في التوراة كما يعاقبون على ترك الإيمان

ص: 131

بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولنا على مسألة الباب في باب المكاتبة في الزيلعي أن محمد بن أبي بكر الصديق كان عاملاً على مصر في عهد علي وكتب إلى علي أن مسلماً زنى بذمية، فقال. علي: حول الذمية إلى الذميين وارجم المسلم، فدل على عدم رجم الذمية.

واعلم أن في أبي داود ص (610) عن أبي هريرة ما يدل على قبول شهادة الكافر، ولا يجوز ذلك عند الشافعي، وجائز عندنا في بعض الصور.

ص: 132

‌باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها

ص: 133

[1439]

في كتب أصولنا أن الحدود زواجر، وعند الشافعية سواتر وكفارات، ولم أجد عن أئمتنا ومشائخنا أن الحدود زواجر فقط لا كفارات، لكن المحقق أن الحدود كفارات بعض الكفارة وعلى هذا عندي نُقول، فإن في جنايات الحج من ملتقط الفتاوى وهو من المعتبرات: أنه إذا جنى وفدى فمغفرة إلا إذا أصّر بحيث يجني ويكفر، ويجني ويكفر ومثله في التيسير تفسير الشيخ نجم الدين عمر النسفي معاصرالزمخشري وهو غير أبي البركات النسفي صاحب الكنز، وكذلك في الهداية ص (201) كتاب الصيام نقل عن الشافعي وقال: عُلِم أن التوبة ليست بمكفرة للجنايات إلخ، أي الحدود أيضاً دخيلة في المغفرة، وإليه يشير كلام الطحاوي ص (323) ، ووجدت في تعزير البدائع تصريح أن الحدود كفارات بعض الكفارة، وللحافظين كلام في شرح البخاري، وأما الأحاديث ففي الصحيحين:«أن الحدود كفارات» ، وفي مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا أدري أن الحدود كفارات أم لا» والسند قوي باعتراف الحافظ، وأبو هريرة متأخر عن عبادة فالعبرة له، وقال الحافظ: إن حديث عبادة متأخر عن حديث أبي هريرة، وقال: إن عند عبادة حديثين أحدهما في ليلة العقبة والثاني في وقت نزول سورة الممتحنة، وللحافظين هاهنا كلام طويل وقال العيني: إن الحديث واحد، أي في ليلة بيعة العقبة، وله قرائن أعلاها أن في مثل حديث الباب لفظ: أنه كان مع رهط من أصحابه ولا يطلق الرهط على ما فوق الأربعين، وأما في وقت نزول سورة الممتحنة فكان كثير من الصحابة والصحابيات، ثم لنا ما أخرجه الطحاوي ص (286) ج (2) عن محمد بن ثوبان، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:«تب إلى الله» إلخ، فدل على أن قطع اليدين فقط لم تكن كفارة كل كفارة.

قوله: (كفارة له إلخ) التنوين أيضاً مفيد لنا في المسألة ولا يدريه إلا من كانت له حذاقة في علم المعاني، قال التفتازاني في المطول: إن تنوين الخبر لا فائدة فيه، أقول: ربما تكون فيه فوائد وسيما إذا وقع لفت له فخرج من أن يكون وصفاً إلى أن يكون ذاتاً، وكما في البخاري أيضاً:«إيمان بالله ورسوله» إلخ، أي شيء إيمان بالله ورسوله.

ص: 133

‌باب ما جاء في إقامة الحدود على الإماء

ص: 134

[1440]

قال العراقيون: لا يقيم الحد إلا الحاكم، وقال الحجازيون: يجوز للمولى أن يقيم الحد، ومراد حديث الباب عندنا أن لا يخفي المولى الحد، وليس المراد أن يقيم الحد بنفسه، ولنا آثار ثلاثة من التابعين أخرجها الزيلعي: أن الجمعة والفيء وإقامة الحد للإمام السلطان، وهذه الآثار تفيدنا في مسألة الجمعة، ولنا أثر صحابي أيضاً بسند قوي:«أن إقامة الحد حق الإمام» ، رواه الطحاوي في أحكام القرآن، وقال الطحاوي لا نعلم خلاف هذا عن الصحابة، وقال ابن حزم: إن إقامة الحد من الصحابة على أرقائهم ثابت منها ما أخرجه مالك في موطئه.

ص: 134

‌باب ما جاء في حد السكران

ص: 135

[1442]

قال الشافعي: إن حد الخمر أربعون جلداً، وقال أبو حنيفة: إن الحد ثمانون جلداً، وكلامهم يشير إلى نفي ثمانين في عهده، أقول: إن حد الخمر في عهده كان بصور عديدة وما كان مقرراً ومؤقتاً وإنما وقته عمر، وأقول: إن التوقيت في مثل هذا جائز لعمر كما وقت في الصاع، والمسألة طويلة متعلقة بالاجتهاد وأشار في الهداية ص (229) باب المعاقل إنه جائز لعمر، فإنه قال: وليس ذلك نسخاً بل تقرير معنى لأن العقل كان على أهل إلخ، أقول: إن إيماء الشافعية إلى نفي ثمانين في عهده غير صحيح كيف وذلك ثابت برواية البخاري والطحاوي ص (88) ؟ والعجب على إغماض الحافظ عن هذه الرواية، والحال أن جلد ثمانين مصرح في البخاري ص (522) في مناقب عثمان: فأمر أن يجلد فجلده ثمانين إلخ، وفيه قال علي: وكلٌّ سنَّة وهذا أحب إليّ إلخ، فدل لفظ السنّة على رفع ثمانين، وقال: هذا أحب إليّ وزعم الشافعية أن إشارة هذا إلى أربعين أقول: الإشارة إلى ثمانين وإنما وقف علي على أربعين وقد صح جلده ثمانين في تلك الواقعة بلا ريب لما ذكرت من البخاري والطحاوي، وقال بعض الشافعية: إن أربعين حدٌ وأربعين سياسةٌ، ومرَّ البيهقي على بعض روايات ثمانين، وتأول فيه بأن الجلد كان ذا فرعين وجلد أربعين وعده الراوي

ص: 135

بثمانين، أقول: يلزم على هذا التأويل أن يقال في حديث الباب: إنه جلد عشرين وعدّه الراوي أربعين، فالحاصل أن نفي ثمانين في عهده غير صحيح.

ص: 136

[1444]

الحديث صحيح، وقالوا: ليس عليه عمل أحد من الأربعة، وقال السيوطي في قوت المغتدي: إني أقول به وإن لم يعمل به أحد من الأئمة، أقول الحديث معمول به عندنا أي الأحناف ونحمله على التعزير، ويجوز القتل عندنا تعزيراً كما يجوز قتل المبتدع تعزيراً، ذكر الشيخ عبد الرزاق المناوي في شرحه على الجامع الصغير للسيوطي: أن السيوطي ادعى الاجتهاد فكتبوا إليه تسعة مسائل من مسائل الشافعية يسألونه عن ترجيحها ومواضع تلك المسائل، فقال السيوطي: لا أقدر على هذا، ثم قال المناوي: والعجب ممن يدعي الاجتهاد ولا يقدر على ترجيح مسائل مذكورة وبيان مواضعها، وحكي في الطبقات الشافعية أن أبا محمد الجويني أراد أن يكتب تصنيفاً ويخرج عن تقليد الشافعي، فكتب

ص: 136

إليه البيهقي: إني سمعت إرادتك فاعلم أنك لست أهل الاجتهاد فلا تخرج عن تقليد الشافعي فترك أبو محمد الجويني ما أراد.

ص: 137

‌باب ما جاء في كم يقطع يد السارقّ

؟

ص: 137

[1445]

المذاهب في مسألة الباب تبلغ عشرين، قال ابن حزم: يقطع في سرقة حبة شعيرة أيضاً، وقال مالك رحمه الله: يقطع في ثلاثة دراهم، وقال الشافعي: يقطع في ربع الدينار، وقال أبو حنيفة رحمه الله والثوري رحمه الله: لاقطع في أقل من عشر دراهم، وأصح ما في الباب حديث الحجازيين فإنه حديث الصحيحين، وتكلم الطحاوي في المسألة وأتى بالاستدلالات ولم يذكر محمل حديث الحجازيين وتكلم الحافظ في المسألة وقال في آخر كلامه: إن حديث العراقيين لا يخالفنا فإنه لا ينفي القطع في أقل من عشرة دراهم، ثم أتى برواية دالة على نفي القطع في أقل من عشرة دراهم أخرجها ابن ماجه والطحاوي وضعفها الحافظ، أقول: محمل حديث الحجازيين أنه محمول على السياسة لكني

ص: 137

لم أجد في كتبنا القطع في أقل من عشرة دراهم سياسةً إلا أن للقطع سياسةً نظائر، منها ما في الدر المختار ص (215) أن القطع ثالثاً جائز سياسة، وقد ثبت في كتبنا القتل سياسة وهو أشد من القطع أيضاً وإنه كان هناك صور ما انتهى الأمر إلى عشرة دراهم، وفرق بين المنسوخ والمتروك وهذا المحمل أعلى المحامل عندي، وقال الأحناف: إن قيمة المجن مختلفة فيها، في بعض الروايات عشرة دراهم، وفي بعضها ثلاثة دراهم، وفي بعضها اختلاف آخر، فيؤخذ بالأحوط فإن الحدود تندرء بالشبهات، وأما أدلتنا من الحديث مما روى الطحاوي من حديثين، وقال الحافظ: إنهما مضطربان وفي سندهما محمد بن إسحاق وهو قد يروي عن ابن عباس وقد يروي عن ابن عمرو بن العاص، أقول: أخرجهما أبو داود والنسائي ص (240) عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص أقول: إن عند محمد بن إسحاق حديثين وهما حسنان لذاتهما، ووثق البخاري محمد بن إسحاق وهو من رجال مسلم، ولنا حديث ثالث أخرجه النسائي ص (240) عن عطاء عن أيمن بسند قوي، وفيه بحث طويل، فإن أيمن اختلف في أنه صحابي أو تابعي، والحديث على الأول منقطع وعلى الثاني مرسل، وقال النسائي: ما أحسب أنه له صحبة إلخ، فيكون مرسلاً وإذا كان صحابياً فليس لعطاء لقاء أيمن، لأن أيمن استشهد في غزوة حنين، وقال الطحاوي في أحكام القرآن: إن أيمن صحابي وعاش إلى ما بعد عهده والحديث متصل لكنه لم يذكر مأخذه، وقال محمد بن إسحاق في سيرته: إنه شهد غزوة حنين واستشهد، وذكر في كتاب الأم للشافعي أنه سأل محمد بن حسن دليل عشرة دارهم؟ فروى محمد حديث أيمن، فقال الشافعي: إنه منقطع فإنه شهد غزوة حنين قبل ولادة مجاهد، وقال شريك بن عبد الله في الطحاوي: إن أيمن صحابي، وقال الحافظ: إن كثيراً سيء الحفظ، أقول: إن أبا أيمن عُبَيْدٌ، وفي بعض الروايات تصريح أنه ابن أم أيمن، وفي الطحاوي ص (93) ج (2) حديث النسائي عن أيمن

الحبشي، والحال أن أبا أيمن الصحابي اسمه عُبَيدُ وهو يمني، ويذكر في كتب معرفة الصحابة أيضاً أيمن الحبشي ويذكر أيمن بن عُبَيد اليمني أيضاً، ولا يؤقتون موت الحبشي والله أعلم، وأقول: إن المذكور في الطحاوي هو ابن أم أيمنُ، والحبشة قبيلة من قبائل اليمن، هذا فاعلم والله

ص: 138

أعلم، ولنا فتوى عمر لكنه ثبت عنه القطع في أقل من عشرة دراهم أيضاً، وفتوى عمر أخرجه الزيلعي بسند قوي، وروي عن ابن مسعود أيضاً القطع في خمسة دراهم كما في النسائي ص (739) أقول: إن حقيقة الأمر أن الاعتماد على قيمة المجن ولعل قيمته أولاً كانت أقل من عشرة دراهم ثم غلت وصارت عشرة دراهم في آخر عهده فيبحث في أن العبرة لقيمة الأولى أو الآخرة والعمل بالآخرة ليس بنسخ، وشبيه هذا ما في ديات أبي داود ص (279) أن الدية كانت أربعمائة درهم ثم غلت الإبل فصارت الدية ثمانمائة درهم، ثم خطب عمر وقدر الدية عشرة آلاف دراهم، ولقد وجدت إلى ما قلت إشارت كتبنا كما في الهداية ص (516)، ج (1) : وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم إلخ، وهذا ما سنح لي من جانب الحنفية وهو قوي إن شاء الله تعالى.

ص: 139

‌باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته

ص: 140

[1451]

قال أبو حنيفة: لا حد على هذا الرجل وجعله شبهة دافعة للحد، والشبهة عنده على ثلاثة أقسام، وشبهة في العقد، شبهة في المحل، وشبهة الاشتباه.

ص: 140

قوله: (أحلتها له إلخ) أي أحلت له الوقاع بلا هبة أو نكاح أو تمليك، وهذا حرام باتفاق الفقهاء خلاف الروافض الملاعنة، وحديث الباب محمول عندنا على التعزير، ثم في متوننا أن التعزير لا يزاد على الحد والحد أربعون سوطاً، وفي الحاوي القدسي وغيره عن أبي يوسف أن التعزير يجوز إلى خمسةٍ وسبعين، وفي مشكل الآثار: ومعاني الآثار: يعزّر بالغاً ما بلغ ولا تقييد إلى حد، أقول: الأرجح هو هذا فإن فتاوى عمر ووقائعه تؤيده رواها الشاه ولي الله رحمه الله في إزالة الخفاء، منها أن عمر كتب إليه أن فلاناً يسأل دقائق القرآن تعنتاً فقال عمر: أرسلوه إليّ، فأرسل إليه، فضرب عمر في رأسه حتى انفجرت الدم من رأسه وحبسه، ثم جيء به فضربه في اليوم الثاني ثم حبسه، ثم جيء به يوماً ثالثاً فأراد عمر الضرب فقال ذلك الرجل: لم تعذبني يا أمير المؤمنين إن شئت فاقتلني، فقال عمر أَخَرَجَ من رأسك ما كان؟ قال: نعم خرج، فتركه فما اعترض على القرآن، وروي أن عليّاً ضرب شارب الخمر مائة وعشرين سوطاً، فالحاصل أني أقول بما في معاني الآثار ص73 ج (2) : إن قال قائل: أي يجوز التعزيز بمائة قيل له: نعم عزر رسول الله صلى الله عليه وسلم في. . إلخ، وأحمل ما في المتون على أنه لسدّ ذرائع أرباب المظلمة من سلاطين الجور.

ص: 141

‌باب ما جاء في المرأة استكرهت على الزنى

ص: 142

[1453]

قوله: ولم يذكر أنه جعل لها مهراً إلخ، فإن الحد والمهر لا يجتمعان.

قوله: (فأمر به إلخ) أي تصدى إلى الأمر لا أنه أمر، فإنه كيف يقام الحد قبل الاعتراف والبينة؟ فإنه ليس مذهب أحد، واعلم أن لحم البهيمة المزنية ليس بحرام.

ص: 142

‌باب ما جاء في حد اللوطي

ص: 143

[1456]

قال الحجازيون: إن اللواطة مثل الزنا جلداً ورجماً، وقال العراقيون: لاحد عليه وإن كان أشد من الزنا فإنه ليس بزنا ويعزر الإمام بما بدا له من الإحراق أو هدم الحائط عليه، وكان مأخذه في القرآن من تدمير قوم لوط وحديث الباب لنا فإنه قتل، والقتل ليس بحد، فإن الحد الجلد أو الرجم وحديث الباب قوي عند المحدثين بطريق غير طريق الباب.

ص: 143

قوله: (أهل الكوفة إلخ) ليس هذا مذهب أهل الكوفة، بل المذهب ما ذكرت وثبت الإحراق والهدم وغيرهما عن الصحابة، وإحراق أبي بكر الصديق رجالاً، وسيأتي مسألة الإحراق.

ص: 144

‌باب ما جاء في المرتد

ص: 144

ّ

ص: 144

[1458]

قلنا من ارتد عياذاً بالله يكشف شبهته ويعرض عليه الإسلام ويحبس ثلاثة أيام فإن رجع فبها وإلا فيقتل، وأما المرأة فتحبس عندنا وتقتل عند الحجازيين، وفي المسألة حديثان عامان معارضان فيقاسم في الأصول، نعم أخرج الحافظ حديثاً قوياً صريحاً خاصاً في قتل المرتدة، وما أجابه أحد من الحنفية وتخصصه ولكنه يقتضي جواباً شافياً عنه.

قوله: (حرّق قوماً إلخ) وهؤلاء الذين اعتقدوا سراية الألوهية في علي عياذاً بالله وكان رأسهم عبد الله بن السبأ رأس الروافض، وزعم أكثر الشارحين أنه أحرقهم وهم حيوان، لكن في تمهيد

ص: 144

أبي عمر أنه أحرقهم بعد قتلهم وروى عليه رواية، وأما مسألة الإحراق فمأخذ من قال بعدم الجواز رواية أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن وجدتم فلاناً وفلاناً ـ لرجلين من قريش ـ فأحرقوهما بالنار» ثم قال إلخ، وأصل الواقعة أنه لما خلّص أبا العاص وأخذ منه الوعد بأنه يرسل زينب إلى المدينة فأرسل صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة لقتل جبار بن أسود كان آذى زينب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أثره ليحرقوه ثم منع عن الإحراق، وزعم بعض أنه اطلع على الخطأ في حكم الإحراق، أقول: لا داعي إلى هذا بل هذا إمهال في دار الدنيا ومسامحة ليؤخذ في الآخرة أشد الأخذ، ولا يدل على منع الإحراق، وثبت الإحراق عن الصحابة أيضاً، وفي الدر المختار ص (334) : جواز إحراق اللوطي، وروي عن أحمد بن حنبل جواز إحراق الحيوانات المؤذية من القمل والزنابير وغيرها وبه أخذ عنه عدم البدّ منه.

ص: 145

‌باب الغالّ ما يصنع به

؟

ص: 146

[1461]

أي يُقطع يد سارق مال الغنيمة أم لا؟

قوله: (فأحرق متاعه إلخ) يدل حديث الباب على إحراق المال تعزيراً، وفي عامة كتبنا نفي التعزير بالمال وأنه منسوخ، ووجدت في الحاوي القدسي جواز التعزير بالمال عن أبي يوسف.

ص: 146

‌باب ما جاء في التعزير

ص: 147

[1463]

حديث الباب حديث الصحيحين وغربه المصنف لأن طريقه غريب، وقالوا: إن حديث الباب صحيح وليس عليه عمل أحد من الفقهاء فإن التعزير عند الكل زائد على عشرة جلدات، وفتاوى الصحابة تخالف المرفوع، والمرفوع أيضاً صحيح، وقال ابن دقيق العيد: بلغنا من بعض حفاظ العصر أنه يقول: إن المراد بالحدود ليست حدود الفقه بل حدود القرآن، أي مناهي الشرع فمراد الحديث أن لا يعزر على أشياء حقيرة صغيرة أزيد من عشر جلدات، أقول: إن المراد بهذا البعض هو ابن تيمية أقول: يمكن أن يكون مراد وحديث الباب سد مظالم الجائرين أي المنع عن التعزير على أمور محقرة، والله أعلم.

ص: 147

‌كتاب الصيد

ص: 148

‌باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل

ص: 148

[1464]

تفصيل الكلب المعلم والبازي المعلم مذكور في الفقه، والمختار عندنا أين يجرح الكلب ولا يخنق، فإذا خنق فقد حرم الصيد وأما صيد البندق فحرام عند الثلاثة بلا تزكية فإن فيه الدفع لا الحد، وفيه خلاف مالك بن أنس.

ص: 148

‌باب ما جاء الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه

ص: 150

[1468]

في المسألة قيود سبعة عندنا ما استقصاها إلا الزيلعي شارح الكنز؛ منها: أنه لا يجلس عن طلبه.

قوله: (إن سهمك قتله إلخ) في هذا عندنا تفصيل فإذا رماه فوقع على الأرض فذهب ثم وقع فمات لا يحل، وإذا رماه فوقع على الأرض ولم يذهب ومات فحلال.

ص: 150

‌كتاب الأطعمة

ص: 153

‌باب ما جاء في ذكاة الجنين

ص: 154

[1476]

قال الثلاثة وأبو يوسف ومحمد: إن الجنين حلال بلا ذكاته فإنه تبع أمه، وقال أبو حنيفة: إن خرج حيّاً فيجب تذكيته وإن خرج ميتاً فحرام، والمشهور ذكاة الجنين ذكاة أمه بالرفع، وقيل من الحنفية: إنه بالنصب فيظهر صحته على مذهب أبي حنيفة، وقيل على تقدير الرفع: إنه تشبيه بليغ مثل ما قال:

~ وعياش صپناها وجيدش جيدها

ولكن عظم الساق منش دقيق

ولقد تكلموا علماء الطرفين في حديث الباب، وقال أبو الفتح بن الجني الحنفي: إن المراد إن كان الاتحاد الذكاة لكان حق العبارة: ذكاة الأم ذكاة الجنين، وفي موطأ مالك ص (182) أثر ابن عمر محتمل لتأيد الطرفين وفيه: ذكاة ما في بطنها ذكاة أمها إذا تم خلقه ونبت شعره، وإذا خرج من بطن أمه ذبح إلخ، فهذا يصلح أن يكون لهم أو لنا، وإن قيل: إن كان مراد الحديث ما قال أبو حنيفة فأي فائدة في ذكره؟ قلت: هذا القول لغو، فإنه إذا لم يبين الشارع الأحكام فمن يبين؟ وأيضاً بعض الطبائع يتنفرون عنه فتصدى الشارع إلى بيان حلّته.

ص: 154

‌باب ما جاء ما قطع من الحيّ فهو ميت

ص: 155

[1480]

ذكر في الهداية تفصيلاً دقيقاً في المسألة، وقال: إن مقتضى الحديث أن المبان فرع والمبان عنه أصل، فإذا صلح الأصل قابلاً للأصلية فالمبان حرام، وإذا كان القطع نصفين فهما حلالان وفي المسألة تفصيل الفروع، وأشار صاحب الهداية إلى حديث آخر:«وما أُبِين من الحي فهو ميت» إلخ.

ص: 155

‌باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبّة

ص: 156

[1481]

الحلق الحلقوم، واللبة (هنسلي يعني نبرگرون) .

قوله: (لو طَعنتَ في فخذها إلخ) هذه ذكاة اضطرارية، وأما الاختيارية فتجب أن تكون في الحلقوم واللبة وإذا تأنس الوحش فذكاته اختيارية وإذا توحش الإنسي فذكاته اضطرارية، مثل: إن سقط الحيوان في البير وقرب الموت أو تعلقت الدجاجة على شجرة وكادت الموت.

ص: 156

‌كتاب الأحكام والفوائد

ص: 157

‌باب ما جاء في قتل الحيات

ص: 157

[1483]

ورد في الأحاديث تحريج العوامر، وقال بعض: إن التحريج منسوخ

أقول: قد يضر العوامر كما تدل قصة أخ فخر الإسلام ذكرها في شرح الجامع الصغير، وقصة الشاه أهل الله الدهلوي رحمه الله فتحرج، وفي أبي داود: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا بريّ ممن يخاف من الثار» إلخ وزعمه بعض ناسخاً.

قوله: (ذا الطفيتين إلخ) قيل: ذا نقطتين على الرأس، وقيل: ذا خطين من الرأس إلى الذنب وبلغني من بعض وهو عندي ثقة أني رأيت حية ذات قرنين.

ص: 157

‌باب من أمسك كلبا ما ينقص من أجره

ص: 159

[1487]

قوله: (ليس بضار إلخ) من الضري ناقصاً، والكلب المجاز اقتناؤه مستثنىً عن حديث الباب، والاختلاف في دخول ملائكة الرحمة.

قوله: (إن أبا هريرة له زرع إلخ) هذه ظرافة وبيان حال لا الطعن على أبي هريرة.

ص: 159

‌باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره

ص: 160

[1491]

يجب الذبح بما هو أحدّ، ويستحب السهل في الذبح كيلاً يتألم الحيوان.

قوله: (لم يكن سنّ إلخ) قال أبو حنيفة: يجوز الذبح بالسن المقلوع خلاف الشافعي وحديث الباب له، ويمكن لأبي حنيفة تخصيص الحديث بالوجه الفقهي، وأقول أيضاً: إن قوله: السن عظم إلخ إن كان المراد أن المناط كونه عظماً فقط فلا نسلمه مناطاً، وإن كان المراد أن النهي لكونه غير صالح للذبح، فأقول: إن أبا حنيفة أيضاً يفصل في المسألة بأنه إن صلح للذبح بحيث يكون ذا حدّ ومقلوعاً فالذبح به جائز وإلا فلا، فلا يرد عليه الحديث المرفوع هذا. والله أعلم وعلمه أتم.

ص: 160

‌كتاب الأضاحي

ص: 162

‌باب ما جاء في الأضحية بكبشين

ص: 162

[1494]

أضحية الكبش عندنا أولى.

قوله: (أملحين إلخ) الأملح مختلط السواد والبياض وهذا المعنى في هذا الموضع، وتختلف معانيه بحسب اختلاف المواضع مثل لفظ الأشهل.

ص: 162

قوله: (أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) الأضحية عن الميت إثابة جائزة ولا تنوب إلا بالوصية، وإذا أوصى فيلزم وإلا حكمها حكم أضحية الحي، قال ابن وهبان في منظومته:

~ وعن ميت بالأمر الزم تصدقاً

وإلا فكُلْ منها وهذا المحرّر.

ص: 163

‌باب ما لا يجوز من الأضاحي

ص: 164

[1497]

قوله: (التي لا تنقى إلخ) النقية المخ، إذا ذهب بعض العضو فالعبرة عندنا للثلث أو الربع أو النصف والمختار لعله النصف ويطلب التفصيل في الفقه.

ص: 164

‌باب ما يكره من الأضاحي

ص: 164

[1498]

قوله: (بمقابلة ولا مدابرة إلخ) قيل: المقابلة التي قطع الطرف العالي من أذنها، والمدابرة التي قطع الطرف السافل وتغير آخر أيضاً.

ص: 164

‌باب ما جاء في الجذع من الضأن في الأضاحي

ص: 165

[1499]

تصح عندنا الثني وهوابن حول من المعز، وابن حولين من البقر، وابن خمس من البعير، وابن فوق ستة أشهر من الضأن بشرط أن يشبه ابن سنة وأما قيد الألية في الضأن ابن ستة فقيد اتفاقي ذكره بعض المصنفين، وما إرادة ابن فوق ستة أشهر الجذع فخلاف اللغة، ونقول: يؤيدنا توارث السلف.

قوله: (فبقي عتوداً وجَدي إلخ) العتود ابن أربعة أشهر، والجدي ابن ستة، ودلت الروايات أن هذا من خصوصية الرجل.

ص: 165

‌باب ما جاء أن الشاة الواحد تجزئ عن أهل البيت

ص: 167

[1505]

قال مالك: تنوب أضحية واحدة عن أهل بيت واحد وإن كان أهل بيت خمسين نفساً، وفي مذهب الشافعي تفصيل، وقلنا: لا تجزئ شاة إلا عن واحد، وتمسك مالك بحديث الباب، ونقول: إن المراد الاشتراك في اللحم لا الاشتراك في أداء الأضحية، وهذا شائع في عرفنا أيضاً، وتجوز في بقرة سبع أنفس ويجب نصوح النية للقربة لا اتحاد النية، فيجوز أن ينوي رجل الأضحية وآخر العقيقة.

ص: 167

‌باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة

ص: 168

[1508]

يضحي من عليه الجمعة بعد الصلاة، ومن لا جمعة عليه بعد صبح يوم العيد.

قوله: (هذا يوم اللحم فيه مكروه إلخ) قيل: إن المعنى أن سؤال اللحم مكروه، وقال النووي: إن اللحَم بفتح الوسط بمعنى الحرص، أي حرص اللحم مكروه.

ص: 168

‌باب ما جاء في العقيقة

ص: 170

[1513]

نسب إلى أبي حنيفة أنه لا يقول بالعقيقة والموهم إليه عبارة محمد في موطئه، والحق أن مذهبنا استحبابها لسابع بعد يوم الولادة أو للرابع عشر أو الحادي وعشرين، ويسميه في ذلك اليوم، وراجع الناسخ والمنسوخ للخامس فقد ذكر عبارة عن محمد رحمه الله.

قوله: (مكافئتان إلخ) المراد إما التساوي في السن، وإما بلوغهما إلى سن الأضحية، وعملنا بما في الحديث من الغلام والجارية، وصدقة الفضة قدر أشعار رأس الولد.

ص: 170

‌باب الأذان في أذن المولود

ص: 170

[1514]

يستحب الأذان في الأيمن والإقامة في الأيسر، وفي عمل اليوم والليلة لابن السني: أن الأذان يدفع مرض أم الصبيان عن الولد، وقال الشاه عبد العزيز: إن الآذان أذان الصلاة، والصلاة صلاة الجنازة بعد الموت.

ص: 170

‌باب من العقيقة

ص: 173

[1522]

قوله: (الغلام المرتهن بعقيقته إلخ) في شرح هذه الجملة أقوال، والأرجح ما قال أحمد: بأن الولد إذا مات ولم يعق عنه فلا يشفع في الوالدين، ولفظ المرتهن على صيغة المجهول، ولا يزعم أنه لازم سيما إذا كان بعده باء كما قال امرء القيس:

~ عميد القلب مرتهناً

بذكر اللهو والطرب

قوله: (يجزئ في العقيقة إلخ) أي الأجزاء المستحب، ولم يقل أحد بوجوبها.

ص: 173

‌باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحى

ص: 173

[1523]

للعلماء في الحديث كلام وحسنه الترمذي، ومسألة حديث الباب مستحبة والغرض التشاكل بالحجاج، وأما حديث عائشة فلا يعارض ما ذكرت لأنه بعث الهدي في غير ذي الحجة وما ذكر ما في ذي الحجة.

ص: 173

‌كتاب النذور والأيمان

ص: 175

العلماء يجمعون بين النذر واليمين في بعض الأحيان وهو مفهوم من الحديث.

ص: 175

‌باب ما جاء لا نذر في معصية

ص: 175

[1524]

النذر عندنا مشروط بشروط خمسة، منها: أن يكون القربة مقصودة، ومنها أنه عمل اللسان لا القلب فقط، وصيغته صيغة الشرط والجزاء، أو لله عليّ، ويفهم من مبسوط السرخسي: أن لفظ علَيَّ فقط أيضاً يكفي للنذر، ومنها أن يكون شيء من جنسه واجباً، أقول: إن أصل مذهبنا أنه لو نذر بمعصية فلا وفاء ولا كفارة، ونقل الشيخ في الفتح عن الطحاوي إذا قال: لِلّه عليّ أن أقتل فلاناً ففيه كفارة ولا يوفي، وإني متردد في أنه مذهب الطحاوي فقط، أو مذهب أئمتنا الثلاثة أيضاً ولعله ليس إلا مذهبه. وما في موطأ محمد ص (327) قال محمد: وبه نأخذ، (من نذر نذراً في معصية ولم يسم فليطع الله وليكفر عن يمينه) ، وبه قال أبو حنيفة إلخ، ينظر فيه وكذا ما في الطحاوي والفتح والموطأ، وفي كتبنا: من نذر أن يذبح ابنه فعليه شاة فهذا تحرير المذهب، وأما الحديث فحمله الأحناف على الظاهر على ما حررت في المذاهب، وحمله الشافعي ومالك على نذر اللجاج، وهو ما يكون على شاكلة الشرط والجزاء بأن قال: إن كلمت فلاناً فعلي كذا ففي هذا يجب الحنث عندهم ويكفر، وأما النذر الذي يكون على شاكلة التنجيز بأن قال: لا أكلم أبي فلا كفارة ولا وفاء.

وأما حديث الباب فرجاله ثقات إلا أنه قال الترمذي: إن بين الزهري وأبي سلمة راويين يحيى بن أبي كثير وسليمان بن أرقم فأسقط الحديث أكثر المحدثين، وقال النسائي: إن مدار الحديث على سليمان بن أرقم وهو متروك وهو في أكثر الطرق، وفي طريق عمران بن حصين قال الزهري: أخبرنا أبو سلمة فلا يكون راوٍ ساقطاً ولا أدري أن هذا الطريق صحيح أو معلول وقال النووي: إن

ص: 175

الحديث ضعيف اتفاقاً، وقال الحافظ في التلخيص: صححه الطحاوي وابن السكن فلا يصح قول النووي، أقول: لا أعلم مأخذ نقل الحافظ تصحيح الحديث عن الطحاوي فإنه ضعفه في المشكل، نعم أخذ المسألة المذكورة في الحديث وأتى الطحاوي في المشكل على مسألته بحديث عائشة برجال ثقات ووافقه في تصحيح السند عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام وابن قطان في كتاب الوهم والإيهام وقال ابن قطان: إن قطعة (وكفارته كفارة اليمين) ، مدرجة أو مرفوعة فلا أدريها وجاء الطحاوي بما أخرجه أحمد في مسنده عن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين أن عبد رجل فرّ ونذر الرجل إن وجدت أقطع يده، فسأل عمران وكان عنده سمرة فأمر أن يكفر ولا يقطع اليد فعلم أن في الحديث قوة شيء، ومثله عمل بعض الصحابة وبه قال أحمد بن حنبل، وكلام ابن تيمية يفيد أن أحمد أسقط الحديث، والله أعلم أسقطه أحمد أم لا؟ وأخرج الطحاوي ص (24) ج (2) عن عقبة بن عامر بسند صحيح: نذرت امرأة أن تمشي إلى كعبة حافية كاشفة رأسها فقال: «تستر رأسها وتركب وتكفر» وزعم الطحاوي أن الكفارة كفارة يمين، أقول: إن الكفارة بدل الجزاء، وفي حديث صحيح: نذر رجل أن يصوم ويجلس في حر الشمس، وقال:«إنه يصوم ولا يجلس في الحر» وليس فيه ذكر الكفارة، وقال ابن تيمية من نذر نذراً حسناً فهو مخير بين الكفارة والوفاء، ثم أقول: إن المذكور يدل على خلاف ما قال ابن تيمية في مسألة أن النهي يدل على بطلان حكم المنهي عنه، وكذلك يخالفه ما روي عن ابن عباس أخرجه محمد في موطئه ص (327) قال ابن عباس: أرأيت أن الله تعالى قال: إلخ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِم} [المجادلة: 3] ثم جعل فيهم الكفارة إلخ، وأقول يرد عليه أن الشارع ربما يغضب على أمر ولا يبطن بمحض غضبه حكم ذلك الأمر وله نظائر منها وصال الصوم، ومنها أن رجلاً أعتق ستّة عبيده ثم مات فصلى عليه النبي - صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال بعد الصلاة: «لو دريت أنه أعتقهم لما صليت عليه» وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بفسخ الإحرام، وتأخروا في الفسخ ولم يبطل إحرامهم بمحض غضبه بل بفسخهم، وكذلك أمر في الحديبية بالحلق فما حلقوا وغضب فلم يبطل إحرامهم بمحض الغضب بل بالحلق، وأمثال أخر أيضاً، هذا فاعلم وادر.

ص: 176

‌باب ما جاء لا نذر فيما لا يملك ابن آدم

ص: 177

[1527]

الخلاف في النذر مثل الخلاف في الطلاق قبل النكاح.

ص: 177

‌باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث

ص: 178

[1530]

التكفير قبل الحنث جائز عند الشافعية لا عندنا، وجواب حديث الباب أن في حديث الترمذي عكس ما في الصحيحين فإن فيهما: الحنث ثم الكفارة.

ص: 178

‌باب ما جاء في الاستثناء في اليمين

ص: 179

[1531]

تفصيل الاتصال والانفصال في الاستثناء مذكور في الأصول والفقه، وفي التخريج عن ابن عباس جواز الاستثناء منفصلاً أيضاً، وفي المسألة حكاية محمد بن إسحاق وأبي حنيفة في حضرة الخليفة.

ص: 179

‌باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله

ص: 180

[1533]

قوله: (ذاكراً أو أثراً إلخ) قيل: معناه عامداً وناقلاً، وقيل: عامداً وناسياً، واعلم أن بعض الروايات والوقائع تخالف حكم حديث الباب، منها ما في الصحيحين في قصة أعرابي قال: أفلح وأبيه إن صدق إلخ ففيه حلفه بغير الله، فقيل فيه أصله: أفلح والله إن صدق فصحف للتشابه الخطي وصار أفلح وأبيه، وهذا أمر مستبعد، وقيل: بتقدير المضاف أي: أفلح ورب أبيه وهذا أيضاً غير مقبول، وقيل: إن الحديث في ما كان فيه تعظيم المقسم به، وأما ما في الصحيحين ففيه صورة القسم لا حقيقة القسم بل فيه تأكيد وهذا أصوب، ومنها ما في حديث الإفك لعمري إلخ، وهكذا في خطبة الدر المختار، وكذلك في خطبة المطول، فقال حسن لپي محشيه: إن هذا قسم صورة وتأكيد حقيقة وليس بقسم حقيقة، وكلامه هذا صواب، ومنها ما في أوائل البخاري في قصة أضياف أبي بكر الصديق: وقرة عيني إلخ، فالجواب في الكل واحد أي صورة القسم والتأكيد لا حقيقة قسم، وكذلك كل ما في القرآن ليس بقسم حقيقة بل تأكيد وشهادة على المضمون الآتي، ومثل هذا قال ابن قيم في كتابه أقسام القرآن، وأما ما في حديث الباب:«فقد كفر» فسيأتي تفصيله في ابتداء البخاري.

قوله: (واللات والعزى إلخ) أي تبادر به لسانه، قد أخطأ النووي في نقل مذهب أبي حنيفة خطأ

ص: 180

مفسداً، فإنه نقل من قال: واللات والعزى انعقد الحلف عند الحنفية، والحال أن المذكور في كتبنا أن من قال وحلف بهذا فقد كفر، ومنشأ غلط النووي ما في كتبنا أن قول: إن فعلت كذا فيهودي حلف، والحال أن هذا من وادٍ آخر فإن فيه ليس تعظيم اليهودية بل يزعمها قبيحاً وسبب الاحتراس، ثم إن فعل الفعل في هذه الصورة فإن زعم أنه يكفر بالفعل فكافر وإن لم يزعم فلا كفر، وإني أتعجب على العيني أنه نقل عبارة النووي وما ردّها، ولعل في عبارة العمدة سقماً وسقطاً.

ص: 181

‌باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع

ص: 181

[1535]

من نذر المشي إلى بيت الله فهذا قربة ونذر فإن ركب فعليه الهدي، وأما الأحاديث ففي بعضها ذكر الهدي، وفي بعضها ذكر صيام ثلاثة أيام، وفي بعضها ذكرهما، وقال الطحاوي: لعلها، نذرت وحلفت، أقول: إن الواجب الهدي وأما صيام ثلاثة أيام فبدل الهدي لا كفارة اليمين، ويؤيد الطحاوي ما في أبي داود عن ابن عباس ذكر اليمين أيضاً، وعندي أنه من اجتهاد ابن عباس لأنه لم يسأل عن اليمين أصلاً فإنه ليس ذكره في الروايات.

ص: 181

‌باب في كراهية النذور

ص: 182

[1536]

النذر المعلق غير مرضي وإن كان النذر قربة ولو نذر لزم، وأما النذر المنجز فحسن ومرضي.

ص: 182

‌باب ما جاء في وفاء النذر

ص: 183

[1538]

قال الحنفية: من حلف في حالة الكفر ثم أسلم لا يجب وفاء ذلك النذر، وقال الشافعية بوجوب الوفاء، وتمسكوا بحديث الباب، ونقول: الكلام في الوجوب، ولا ننفي الاستحباب ولا نص على وجوبه.

قوله: (لا اعتكاف إلا إلخ) قال الشافعية: لا يجب الصوم في الاعتكاف، وتمسكوا بحديث الباب بأن فيه اعتكاف الليالي ولا صوم في الليالي، أقول: لا يجب الصوم على مختار صاحب البحر في اعتكاف النفل ويقال من جانب الشيخ ابن همام: إن في رواية البخاري لفظ اليوم أيضاً في حديث الباب.

ص: 183

‌باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام

ص: 184

[1542]

المتبادر من حديث الباب الحلف باليهودية والنصرانية، لا بأنه إن فعل كذا فهو يهودي كما قال المصنف.

ص: 184

قوله: (كاذباً إلخ) أي لا بالعقيدة، ومذهبنا أن من حلف إن فعل كذا فهو يهودي؛ فإن زعم أنه يتهود بالفعل فهو كافر وإلا فلا، وهذا إذا أتى بذلك الفعل.

قوله: (فهو كما قال إلخ) يحول حكم إكفاره إلى الفقهاء

ص: 185

قوله: (تعال أقأمرك فليتصدق إلخ) زعم الأكثر أن مراده أن القائل بهذا القول آثم فليتصدق، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إن المراد أنه لم لا يتصدق بمال القمار، فعلى هذا التصدق بدل القمار لا كفارة الإثم والمعصية.

ص: 186

‌كتاب السّير

ص: 187

يذكر في أبواب السير ما نقل عنه في الجهاد والغزوات، وله فن مستقل صنفت فيه الكتب.

ص: 187

‌باب ما جاء في الدعوة قبل القتال

ص: 187

[1548]

قال الطحاوي: إن كانت أمارات أن الدعوة قد بلغتهم فإبلاغها قبل القتال مستحب، وإلا فواجب، والتفصيل يطلب من كتب فقه.

قوله: (فلكم مثل الذي علينا إلخ) هذا الحديث يصلح للدليل في أن يقتص من المسلم للذمي

قوله: (سلمان الفارسي إلخ) من أبناء ملوك الفارس، اتفقوا على أن عمر سلمان لم يكن أقل من

ص: 187

مائتين وخمسين، وقيل: عمره أزيد من ذلك، وقد أدرك وصي عيسى كما في صحيح البخاري.

ص: 188

‌باب ما جاء في الغنيمة

ص: 189

[1553]

الغنيمة ما حصل بإيجاف الخيل، والفيء غيره كما قال السرخسي في المبسوط، واتفقوا على أن في الغنيمة خمساً ولا خمس في الفيء إلا عند الشافعي، واختلف في فتح مكة وخيبر أنه فتح صلحاً أو عنوةً وحله وتأويله مني متعذر، كما أن تأويل قول السرخسي: إن حصل بإيجاف الخيل والركاب فغنيمة وإلا ففيء إلخ لم أدركه، وقد قال العلماء: إن فتح بني نضير عنوة، وفي الروايات أنهم حاصروهم أياماً، وفي القرآن إطلاق الفيء عليه.

ص: 189

قوله: (بست إلخ) في بعض الرويات أشياء أخر ذكرها الحافظ في فتح الباري في التيمم.

قوله: (جوامع الكلم إلخ) قد صنفت فيه الكتب، ونظائره، البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ومثله.

قوله: (طهوراً إلخ) هذا إن كان صيغة مبالغة الطاهر فلا يصلح بمعنى المطهر نعم إذا كان بمعنى الآلة فيصلح له.

ص: 190

‌باب في سهم الخيل

ص: 190

[1554]

قال أبو حنيفة: للفارس سهمان، وللراجل سهم، وقال الثلاثة وأبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله: للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس وللراجل سهم، وحديث الباب لهم، وقال في الهداية: إن الفرس، بمعنى الفارس، وأقول: إن روايات ابن عمر بطريق أخرجها الزيلعي، وفي بعض طرق الفرس، وفي بعضها الفارس، ولا يجري تأويله إلا في الثاني ورجال الطرق ثقات له، أقول: يحمل الحديث على الظاهر، ويقال: إنه يتنفل لأسهم والتنفيل ثابت عند الكل ثم عند أبي حنيفة التنفيل من رأس الغنيمة قبل النقل إلى دار الإسلام، ومن الخمس بعد النقل ومن خمس الخمس عند الشافعي، وأما عند أحمد رحمه الله فمن الأخماس الأربعة، ولا ينفل من خُمِس الله، وقال أبو حنيفة: إني لا أفضل البهيمة على الإنسان، وقال بعض الخصوم: إنه قياس في مقابلة النص، وقيل: إن القياس أيضاً ليس بقياس، وقال الحافظ في الفتح: لا شبهة في أن القياس أجلى لكنه خلاف النص،

ص: 190

أقول: إن أعلى النصوص لنا ما أخرجه أبو داود ص (325) ، ج (2) فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فالحساب لا يستقيم إلا على إعطاء الراجل سهماً وإعطاء الفارس سهمين، ولكن الروايات مختلفة في جيش خيبر، ويمكن التوفيق بأن بعض الرواة عد جميع من كان، وعد بعضهم المعتدِّين بلا تعداد خدمهم.

ص: 191

‌باب ما جاء في «قتل قتيلا فله سلبه»

ص: 194

[1562]

السلب ما على الرجل من الثياب والسلاح لا الفرس، وحديث الباب عند أبي حنيفة رحمه الله ومالك رحمه الله في النفل، وعند أحمد رحمه الله والشافعي رحمه الله تشريع كلي، فالخلاف في الغرض وقوله:«من قتل قتيلاً فله سلبه» في غزوة حنين.

ص: 194

‌باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء

ص: 196

[1567]

قوله: (عن عبيدة عن علي إلخ) عبيدة بفتح الأول على فعيلة.

ص: 196

قوله: (خيّرهم يعني أصحابك إلخ) هاهنا إشكال وهو أن أسارى بدر قد شور في حقهم فقال عمر: يقتلون ويقتل كل قريب قريبه، وقال أبو بكر الصديق: بالفداء واختاره النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل العتاب كما في الروايات، قال:«كان العقاب على رأس هذه الشجرة» ، لو لم يكن عمر: فإذا كان الله تعالى قد خيّر فكيف العتاب؟ والجواب باللهم إن العتاب لعله على اختيار الشق المرجوع.

قوله: (فدى رجلين مسلمين إلخ) الأسارى عندنا تقتل أو تسترق، وفي المفاداة بالنفس أو المال تردد، وعندي أنهما جائزان كما روي عن محمد بن حسن، وفي الدر المختار ص (219) وحرم منهم، أقول: إن أكثر أرباب التصنيف إلى نسخ المنّ بالآية: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] وفي السير الكبير لمحمد بن حسن: أن المنَّ جائز بشرط أن يرى الإمام مصلحة، والتمسك بحديث ثمامة وحديث آخر.

قوله: (مرسلاً إلخ) إذا كان مرسلاً فذكر عليّ ليس في موضعه كما وجد في النسخ.

ص: 197

قوله: (يقتل من شاء ويفدي من شاء إلخ) أقول: الأصوب يفادي من شاء من المفاعلة.

ص: 198

‌باب ما جاء في قبول هدايا المشركين

ص: 200

[1576]

قوله: (إن كسرى أهدى له إلخ) أقول: لم أجد متى أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقبل هديته، فإنه خرق كتابه حين كتب إليه، وأرسل أحشاءه إلى المدينة ليأتوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعندي أنه وهم الراوي قطعاً، وهاهنا مصداق قول الشافعي: أخذ فلان طريق المجرة إلخ، أي (كاهكشان) كان يقولها الشافعي فيمن يغلط.

ص: 200

‌باب ما جاء في سجدة الشكر

ص: 201

[1578]

روى مشائخنا عن أبي حنيفة أن سجدة الشكر ليست بشيء، ومثله روي عن مالك ثم في شرح قول أبي حنيفة قيل: إنه مكروه، وقيل: ليس بشكر كامل، والكمال في الركعتين، واختاره ابن عابدين والحموي محشي الأشباه وهو المختار لصحة الأحاديث، وقال في الدر المختار: سجدة الشكر مستحبة وبه يفتى.

ص: 201

‌باب ما جاء في أمان المرأة والعبد

ص: 201

[1579]

لكل مسلم حق في أمان الكافر ويصير الكافر مأموناً، نعم لو رأى الإمام عدم المصلحة فله نبذه ويعذر من آمن، ولا يجوز تعرضه قبل النبذ بسوء.

ص: 201

قوله: (ذمة المسلمين. . إلخ) أفتى بعض أرباب الفتوى أن أناس العصر لو خالفوا نصارى العصر فغدر ونقض العهد وتمسكوا بحديث الباب، أقول: إنه قياس علماء العصر فإن الحديث في صورة المحاربة وإني لا أتكلم إلا في أن المسألة ليست في كتب الفقهاء نفياً ولا إثباتاً، وإن كان الحكم ما قالوا، وظني أن معاهدة أناس العصر تنحصر عليهم ولا تسري إلى الغير.

ص: 202

‌باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوسي

ص: 204

[1586]

قال الشافعي: إن الجزية على الكتابي ومثله المجوسي فإنه كان ذا كتاب قد فقد، وقال أبو حنيفة: إن في مشركي العرب والمرتدين سيفاً أو إسلاماً والجزية على العجم، وتمسك الطحاوي في مشكل الآثار بحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: «لو قلتم كلمة يطيعكم بها العرب وتؤدي الجزية العجم» إلخ، وقلنا: إن قيد الكتابي والمجوسي قيد اتفاقي، وإن قيل: إن تردد عمر يفيد الشافعية قلت إن تردد عمر بسبب أنه زعم المجوسي من أهل الكتاب وفقد ولكنه لما رأى أن المجوسي يناكحون بمحارمهم زعم أنهم تركوا كتابهم فأراد أن يردهم إلى كتابهم فوجه التردد هذا لا في أخذ الجزية وأراد أن لا يبقي بالجزية من ينكح محارمه لا يعاهد معهم، والله أعلم.

ص: 204

‌باب ما يحل من أموال أهل الذمة

ص: 205

[1589]

قال العلماء: إن محمل حديث الباب أنه عاهد بالذميين أن يطعموا إذا أتاهم المسلمون، وهذا مفهوم من كتبه التي أخرجها الزيلعي في آخر التخريج.

ص: 205

‌باب ما جاء في الهجرة

ص: 205

[1590]

الهجرة إلى دار الإسلام من دار الحرب مختلفة في المتأخرين، وليست المسألة في كتب الأحناف نعم تعرض هاهنا الشافعية، وقال الشاه عبد العزيز في بعض رسائله باستحباب الهجرة وهو المختار، وقال بعض العلماء بالوجوب، وتدل الأحاديث والآيات على الاستحباب؛ منها ما أخرجه

ص: 205

الترمذي ص (195) عن بريدة لما فيه أنهم «يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم» إلخ، وقالوا: كانت واجبة على أهل مكة، وقد تجب في بعض الأحوال.

ص: 206

‌باب ما جاء في بيعة النساء

ص: 207

[1597]

تجوز بيعة النسوان بأخذ الرداء وهو ثابت، ولا تجوز المصافحة أصلاً ولم تثبت.

ص: 207

‌باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

ص: 210

[1606]

الكافر لا يقيم في جزيرة العرب، نعم يجوز المرور، واختلف في أن الحكم لجميع جزيرة العرب أو لبعضها، وأشار إلى الأول الطحاوي في مشكل الآثار واختصر محمد في موطئه ص (372) .

ص: 210

‌باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم

-

ص: 210

[1608]

كان حائط فدك بين مدينة وخيبر.

قوله: (لا نورث إلخ معروف أو مجهول إلخ) قال الروافض الملاعنة: إن الشيخان ظلما عياذاً بالله، والحال أن عليّاً وعثمان أيضاً تمشيا على ما فعله الشيخان.

ص: 210

حكي أن رافضياً ذهب عند السفاح الخليفة العباسي، وقال: إني مظلوم فأجرني، قال الخليفة: من ظلمك؟ قال: أبو بكر وعمر في تركة النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل الخليفة عند من الفدك؟ قال: عند عثمان قال: ثم عند مَنْ، قال: عند علي، وهكذا، قال الخليفة: فأي خصوصية أبي بكر وعمر، فسكت الرافضي الملعون، فأمر الخليفة بقطع رأسه فقطع، وقد تكلم شراح البخاري في حديث الباب، وقال السيد السمهودي: إن نزاع فاطمة لم يكن في تحصيل التركة وتملكها بل في تولي الوقف، وفي كتب الفقه أن الأولى بتولي الوقف أولاد الواقف، وقول السمهودي ألطف.

ص: 211

‌باب ما جاء في الطّيرة

ص: 213

باب ما جاء في الطِّيَرَة (بدغالي)

ص: 213

[1614]

نهي الشريعة عن الطيِّرَةَ لا الفأل، وليسا بمؤثرين في الأمور، بل التفاؤل يورث ظن الخير في الله، وفي الحديث:«أنا عند ظن عبدي بي» إلخ، وثبت تفاؤله بالأسامي، وروي عن عائشة رواه الحافظ في التلخيص بسند أئمة النحاة وهم ثقات وهو بمسلسل بالنحاة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الشعر أحياناً:

~ تفاءل بما تهوى يكن فلقلما

يقال الشيء كان إلا تحققا

وقال الحافظ في بعض تصانيفه: إن قطعة حديث الباب «وما منا» إلخ مدرجة من الراوي، واعلم أنه نسب انشاد الشعرين إلى أبي حنيفة ونسب إليه قصيدة أيضاً، ولكن عبارة هذه القصيدة ركيكة ولم تذكر هذه النسبة بالسند فلا أصل لها، وكان الشافعي في أعلى ذروة الشعر، ولم أجد عن مالك إنشاد شعر ونسب إلى البخاري أيضاً إنشاد بعض الأشعار.

ص: 213

‌كتاب فضائل الجهاد

ص: 215

‌باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله

ص: 216

[1622]

لعله أراد بالصوم «في سبيل الله» الصوم في الجهاد، وكلام البخاري أيضاً يشير إلى ما أراد الترمذي، والوجه أن لفظ «في سبيل الله» ، في عرف الشريعة يستعمل في الجهاد، واختلف أئمتنا في تفسير سبيل الله ولو لم يخرج الحديث تحت هذه الأبواب يزعم أن المراد به الصوم بنية ناصحة خالصة.

ص: 216

‌باب ما جاء في فضل من ارتبط فرسا في سبيل الله

ص: 220

[1636]

في بعض طرق حديث الباب أنه له أجر وإن لم ينو التفصيل، وفي مسلم زيادة:«ولم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها» إلخ في حديث الباب، وهي تفيدنا في زكاة الخيل، وقد أتى بها الزيلعي.

ص: 220

‌باب ما جاء في ثواب الشهيد

ص: 221

[1640]

قوله: (في طير خضر إلخ) قيل: إن حديث الباب يدل على التناسخ، وأجابوا بأن التناسخ، هو تدبير الروح الخارج من جسم في جسم، وأما ما نحن فيه من الحديث فالمراد به أن أرواح المؤمنين في طير خضر كالظروف فيها مثل الماء في الآنية، أقول: لا يحتاج إلى هذه التوجيهات بل يستقر الأحاديث، وفي موطأ مالك ص (84) عن كعب بن مالك: «إنما نسمة المؤمنين طير يعلق في شجر

ص: 221

الجنة حتى يرجعه الله في جسده يوم القيامة» إلخ فدل على أن الأرواح مثل طير خضر في العيش وسرعة السير والطيران لا أنها في طير خضر، فيكون الحاصل تشبيه الأرواح بالطيور، ووجه الشبهة ما ذكرت.

واعلم أن أرواح بعض المؤمنين غير الشهداء أيضاً طير خضر في الجنة، وفي حديث ضعيف السند أن الطير الخضر زرزور (مينا) .

قوله: (عفيف متعفف إلخ) واعلم أن الأخلاق تكون جبلية وطبعية ويدل عليه نصوص الشريعة كما في حديث وفد عبد القيس حين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 222

‌باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله

ص: 222

[1644]

غرض المصنف رحمه الله ظاهر قوله: (فصدق الله إلخ) من المجرد لا المزيد، ومعناه (راست

ص: 222

گفت) ، وكذلك الكذب، والمجرد قد يكون متعدياً، مثل كذب فلان فلاناً.

قوله: (سهم غرب إلخ) تركيب إضافي أو توصيفي وبينهما فرق، فإن معنى أحدهما سهم راميه غير معلوم، ومعنى الآخر سهم جهته غير معلومة.

ص: 223

‌باب ما جاء في غزوة البحر

ص: 223

[1645]

البحر ما يكون ماؤه مالحاً هذا أصل اللغة.

قوله: (تفلي رأسه إلخ) كانت أم حرام أخت أم أنس وهي من محارمه.

قوله: (ركبت أم حرام إلخ) في عهد عثمان بن عفان وكان معاوية عامله.

ص: 223

‌كتاب الجهاد

ص: 230

‌باب ما جاء في الرخصة لأهل العذر في القعود

ص: 230

[1671]

قال العلماء: إن مراد القرآن صحيح، والآية كاملة بلا ذكر {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] أيضاً فإن في القرآن القاعدون لا المقعدون، والقاعد بعذر مقعد لا قاعد.

ص: 230

‌باب ما جاء في الرخصة في الكذب إلخ

ص: 231

[1675]

لا يجوز الكذب إلا في مستثنيات، وهي أيضاً ليست بكذبات بل تورية، والمستثنيات عندنا أربعة ذكرها ابن وهبان في نظمه:

ص: 231

~ وللصلحِ جازَ الكذب أو دفع ظالمٍ

وأهلٍ لتَرضَى أو قتالٍ ليظفَروا

وتؤيدنا بعض الأحاديث المتوسطة في استثناء الأربعة، ولقد قرب الغزالي رحمه الله إلى رفع القبح من الكذب بل حسنه بحسن ما فيه، وقبحه بقبح ما فيه.

قوله: (الحرب خدعة إلخ) هذا خبر لا تشريع، وقيل: إنه تشريع أي تجوز التدبيرات العملية في الحرب، وأفصح الروايات خَدَعة بفتحتين مبالغة اسم فاعل، ومراده قيل: إنه خَدَعة لا يدري لمن تكون عاقبته.

ص: 232

‌باب ما جاء في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكم غزا

ص: 232

[1676]

الغزوة في اصطلاح المحدثين ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم، والسرية ما لا يكون فيه، والغزوات سبع وعشرون، والسريات سبعون.

ص: 232

‌باب ما جاء يستحب من الخيل

ص: 237

[1695]

تحسينه هذا ليس بالتشريع بل بالتجربة.

قوله: (في الشقر إلخ) الأشقر الذي يكون الشعار ذنبه ورقبته ولون بدنه أحمر، والمحجل طلق اليمين ما يكون إحدى قوائمه مخالفة اللون للأخرى.

ص: 237

‌باب ما يكره من الخيل

ص: 237

[1698]

مداره أيضاً على التجربة لا أنه تشريع وإخبار.

ص: 237

قوله: (الشكال إلخ) في تفسيره اختلاف الأقوال والأصوب الذي يكون إحدى رجليه ويديه من خلاف بلون واحد والأخريان بلون غيره.

ص: 238

‌باب ما جاء في الرهان والمسابقة

ص: 238

[1699]

ويطلق على المال المقرر في مسابقة الخيل، والمسألة أن المال لو كان من جانب فجائز وإلا فلا، وأما إذا كان من الجانبين فلجوازه صورة أن يدخل الثالث المحلل ويقول: إن سبقت فآخذ منكما وإلا فلا أعطي ويشترط في المحلل أن يحتمل فرسه أن يسبق، ودليل التحليل ما أخرجه أبو داود وجه جواز الشرط من الجانبين عند دخول المحلل مذكور في الزيلعي شرح الكنز، ولقد تعرض إليه ابن تيمية أيضاً وذكر فروعه في بعض تصانيفه.

قوله: (لا سبق إلا في الخيل إلخ) السبق بسكون الوسط مصدر بمعنى الرهان، وأما بفتحه فهو

ص: 238

المال المقرر ويدل حديث الباب على قصر الشرط على ما ذكر في حديث الباب لكن الفقهاء ألحقوا به أشياء أخر.

ص: 239

‌باب ما جاء في كراهية أن تنزى الحمر على الخيل

ص: 239

[1701]

نزو الحمار على الفرس غير مرضي، وقال الطحاوي: إن النهي نهي إرشاد وشفقة كيلا يكون تقليل آلة الجهاد فإن الفرس يعمل ما لا يعمل البغل، فالحاصل أن تحصيل البغال ليس غير جائز.

ص: 239

‌باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين

ص: 239

[1702]

الصعاليك الغرباء، وبمثل هذا الحديث تمسك بعض أهل العصر على التوسل بالصالحين المتعارف في زماننا، وصنف ابن تيمية كتاباً في عدم جواز التوسل بالصالحين المتعارف في زماننا أي الدعاء بمثل أن يقول: اللهم اقبل دعائي بحق فلان وتوسله، والحال أن ذلك لم يأت إليه ولم يستدع

ص: 239

منه دعاء وإنما هو توسل لساني فقط، ولكن للشوكاني في رسالة في الجواز، ولقد أتى ابن تيمية بنقول العلماء من المذاهب الأربعة ونقل من الحنفية عن تجريد القدوري ما في التتار خانية معزيا إلى المنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وكره قوله بحق أنبيائك ورسلك وأوليائك، ولينظر في مراده.

ص: 240

‌باب ما جاء في كراهية الأجراس على الخيل

ص: 240

[1703]

أعلم أن مدلول الحديث جواز المعازف وجوزها بعض الصوفية مثل جلال الدين الدواني، والعجب أن الحافظ ابن حزم أيضاً جوزها، وأسقط جميع الأحاديث الدالة على عدم الجواز، وكان في صحيح البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم:«يكون في أمتي من يحلون المعازف والحرير» وقال ابن حزم: إن في البخاري تعليقاً والسند معنعن، والحال أن المحدثين أوصلوه وأثبتوا السماع.

واعلم أن المعازف ما يضرب بالفم، والملاهي ما يضرب بالأيدي، وذهب جمهور الأئمة وأهل المذاهب الأربعة إلى التحريم واستثنوا الطبل والدهل للتسحير أو الوليمة أو لغرض صحيح آخر ثم سند حديث الباب على شرط مسلم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي من مقرونات البخاري ص (76) ، وفي موضع في تفسير سورة الجمعة هو راوٍ مستقل بلا قران، وقال الحافظ: إن في تفسير سورة الجمعة هو عبد العزيز بن محمد بن أويس الدراوردي، أقول: إنه إما من سهو القلم أو من نسخ الكاتب وأحاديث أخر تدل على عدم الجواز وهي صحاح، وما في تذكرات المشائخ (ال شتية) مثل اقتباس أنوار من أن بعض المتقدمين من الصوفية ارتكبوا السرود، وأقول: إن السرود لفظ فارسي ولا يطلق على ضرب المعازف بل على سماع الأشعار فقط، ويجب أن يعلم أن الصوفية المتقدمين لم يثبت عنهم سماع المعازف.

ص: 240

‌باب ما جاء من يستعمل على الحرب

ص: 240

[1704]

قوله: (فأخذ منه جارية إلخ) لعله أخذه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الطحاوي: إن الإمام إذا أجاز القسمة للعامل تجوز له القسمة ثمة.

ص: 241

‌باب ما جاء في طاعة الإمام

ص: 242

[1706]

قد مر أن الإمام إذا أمر بشيء مباح يصير ذلك واجباً، وإذا نهى عنه صار حراماً، وراجع فيه شرح الجامع الصغير للعزيزي.

قوله: (عبد حبشي إلخ) قيل: إن الإمامة مشروطة بأن يكون الإمام حرّاً وقرشياً، وأجيب بأنه يصلح أن يصير العبد عاملاً، وأما شرط كون الإمام قريشياً فعن أبي حنيفة وإمام الحرمين الشافعي خلاف ونقله نور الدين الطرابلسي عن أبي حنيفة كما في القول المختار، والمشهورة عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك شرط القرشي، وقد ينقل الإجماع أيضاً.

ص: 242

‌باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم والضرب والوسم في الوجه

ص: 242

[1708]

أي في وجوه الحيوانات وثبت الوسم على الفخذ عن عمر الفاروق وكان في قالبه الوقف

ص: 242

لله، وفي الفتاوى البزازية وقعت عبارة عجيبة وهي هذه: ويخاصم ضارب الدابة بغير وجهها لا بوجهها إلا بوجهها.

ص: 243

‌باب ما جاء في المشورة

ص: 245

[1714]

أصل معنى المشُورة أخذ العسل، والغرض هو الرجوع إلى القلب.

قوله: (قصة طويلة إلخ) والقصة أنه قال عمر أن يقتل الأسارى، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق المفاداة، فتمشى النبي صلى الله عليه وسلم على رأيه ورأي الصديق الأكبر فعاتب الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كان عذاب الله على رأس هذه الشجرة ولو نزل لم ينج إلا عمر» ، قوله: وهذا حديث حسن إلخ، حسن الحديث مع أنه منقطع، وقد اشترط المصنف في كتاب العلل في الحديث الحسن الاتصال فعلم أنه لم يعتبره هاهنا، بل تمشى على حسنه بالمتابعات والشواهد.

ص: 245

‌باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير

ص: 245

[1715]

قوله: (ابن أبي ليلى إلخ) عبد الرحمن بن أبي ليلى والد، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولد، والولد فقيه وسيء الحفظ، وأبوه من رجال الصحيحين وتابعي جليل القدر وفي ربا في فتح القدير أن مسلماً إن أعطى كافراً خنزيراً أو خمراً في دار الحرب فثمنه طيب للمسلم، ويجوز عند أبي حنيفة الربا في دار الحرب، وله تمسك في الحديث في مشكل الآثار وذكر التفقه أيضاً، وأقول: إن الشيخ ابن همام ترك شيئاً وهو أن الخبث عندنا خبث الكسب وخبث السبب وخبث العوض، وخبث السبب مثل: السرقة والنهبة والغضب، ولا يجوز سرقة مال حربي ولا نهبه ولا غصبه، فإنه وإن كان مباحاً لكنه يكون مباحاً في الحرب لا بلا حرب، وللإباحة شروط مذكورة في الفقه، والناس عنه غافلون، وأما خبث العوض فمثل: الخمر والخنزير في دار الإسلام وإن كان بتراضي الطرفين فإن

ص: 245

الشريعة تفسخ العقد بطريق النيابة، وأما إذا أخذ المسلم ثمنها في دار الحرب فلا خبث في السبب ولا في العوض فإن الشريعة ليست بنائبة في دار الحرب تفسخ العقد، والخبث إنما هو في الكسب فإن تعاطي الخمر والخنزير وتداوله في الأيدي حرام، وغرضي أن الفقهاء يذكرون المسائل المتعلقة بباب في ذلك الباب ولا يذكرون شروطها وقيودها ثمة بل في موضع آخر، ويجب التنبيه على هذا، ويأخذ السفهاء مسألة بلا قيود وشروط ويعترضون علينا، فاعترضوا بما في الفتح مغمضين عما يذكر في كتبنا من حرمة تعاطي الميتة والخنزير والخمر، قال ابن وهبان في منظومته:

~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه

حرام خبيث نفعه متعذر

ص: 246

‌باب ما جاء في الفيء

ص: 247

[1719]

الغنيمة ما حصلت بركض الخيل والركاب وما حصل بدونه فهو فيء، ولي هاهنا إشكال وهو أن نص القرآن يدل على أن أموال بني النضير لم تحصل بإيجاف الخيل فيكون فيئاً، والحال أن المسلمين حاصروا بني نضير أياماً فيكون فيه إيجاف خيل، كما في كتب السير فتعارض الأمر، وإن قيل: ما وقع الحرب بل صالح بنو النضير فإنهم قالوا: إن الأموال المنقولة لنا وغير المنقولة لكم، فيكون فيئاً لأن آخره الصلح، قلت: لا يشفي هذا ما في الصدور فإن الصلح في الآخر يكون في الغزوات كلها ولا يكون العبرة لذلك الصلح فالإشكال على حاله، واختلف الشافعية والحنفية في فتح مكة قلنا: إن فتحها كان غلبة وعنوة، وقالوا: إن فتحها كان صلحاً، وأدلتنا قوية حتى أن عجز الشافعية عن الجواب، ولعل الشافعي قال: إن آخر أمر فتح مكة وقوع الصلح وإن لم يكن في أوله، والله أعلم.

ص: 247

‌كتاب اللباس

ص: 248

‌باب ما جاء في الحرير والذهب للرجال

ص: 248

[1720]

قال الحنفية: إن استعمال أواني الذهب غير جائز للرجال والنساء، ويجوز الحرير للرجال قدر أربع أصابع، والعبرة لأصابع اللابس ولبس الثوب الذي لحمته وسداه حرير حرام، والذي لحمته غير حرير جائز والعكس غير جائز، ولو كان الحرير مطرزاً فكذلك التفصيل الطراز السنجاف والمنسوج (كشيده) إن كان مفرقاً وقدراً زائداً على أربعة أصابع فلا يجوز، وإن كان غير مفرق فيحول إلى رأي من يراه بعيداً فإنه لو وجده مفرقاً لا يجوز وإلا فيجوز، والنعل المزركش إن كان مفرقاً فلا يجوز وإلا فيجوز.

قوله: (خطب بالجابية إلخ) اعلم أن خطبة عمر في الجابية طويلة وتوجد قطعاتها في كتب الحديث ولا توجد بجميعها في الكتب.

ص: 248

‌باب ما جاء في الرخصة في لبس الحرير في الحرب

ص: 249

[1722]

قال أبو حنيفة: يجوز في الحرب ما كان سداه شيئاً أو لحمته حريراً في الحرب لا في غيره، ويجوز العكس في الحرب وغيره، ولا يجوز في الحرب الحرير الخالص.

قوله: (فرخص لهما إلخ) في بعض الروايات أنهما كانا مبتليين في الحكة (خارش) وهذا الحديث نظير التداوي بالأبوال.

قوله: (حدثنا أبو عمار إلخ) .

في هذا الحديث شيئان أحدهما أن مرسل الثوب ليس لسعد بل رجل آخر، اللهم إلا أن يُقرأ بُعثَ مجهولاً، وثانيهما أنه لم يلبسه أصلاً.

ص: 249

‌باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

ص: 250

[1727]

في كتب الشافعية أن الجلد يطهر بالدباغة، وذكر في الطبقات الشافعية مناظرة الشافعي وأحمد، وتدل المناظرة على عدم الطهارة بالدباغة عند الشافعي رحمه الله، وأحمد رحمه الله، وقال أبو حنيفة: كل إهاب إذا دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي والخنزير، خلاف مالك رحمه الله وأما الاختلاف في الكلب فقد مر في البخاري.

ص: 250

قوله: (النضر بن شميل إلخ) إطلاق الإهاب على كل شيء كان قبل الدباغة مشهوراً عن ابن شميل، وما ذكر المصنف والله أعلم مأخذه، وفي الحديث نزاع طويل والحديث ليس بأقل من الحسن.

ص: 251

‌باب ما جاء في كراهية جر الإزار

ص: 252

[1730]

في كتب الحنفية النهي عن جر الإزار بلا تقييد، وفي كتب الشافعية أن النهي عن جر الإزار خيلاء، وقال الحنفية: إن قيد خيلاء واقعي، وقال الشافعية: إنه احترازي ويجوز جر الإزار للنسوان.

ص: 252

‌باب ما جاء في لبس الصوف

ص: 253

[1733]

حديث الباب أنكره المصنف، وبسند آخر في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني.

ص: 253

‌باب ما جاء في العمامة السوداء

ص: 253

[1735]

كانت عمامته في أكثر الأحيان ثلاثة أذرع شرعية، وفي الصلوات الخمس سبعة أذرع وفي الجُمع والأعياد اثنا عشر ذراعاً، وفي بعض الروايات: أنه أمّم رجلاً وسدل له عذبتين، وقال

ص: 253

ابن تيمية: إن سدل عذبته ثابت في ليلة رأى فيها رؤيا حين وضع الله تعالى يده على كتفيه، وتجلى له ما بين السموات والأرض، وسيجيء هذا الحديث.

ص: 254

‌باب ما جاء في خاتم الفضة

ص: 255

[1739]

يجوز خاتم الفضة للرجال بقدر معروف في الفقه.

قوله: (وكان فصه حَبَشِياً إلخ) قيل: إنه كان من عقيق حبشة، وقيل: إنه كان من الفضة على صنع الحبشة، وما قلت: إن خاتم الفضة جائز بشرط أن لا يزيد على مثقال فمذكور في الدر المختار وغيره، وله حديث أخرجه الترمذي ص (210) ج (2) .

ص: 255

‌باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين

ص: 255

[1741]

لبس الخاتم في اليمين واليسار ثابت منه والخلاف في الأولوية.

ص: 255

قوله: (محمد بن إسماعيل. . إلخ) البخاري صحح حديث محمد بن إسحاق في هذا الموضع وأما تحسينه ففي مواضع، ولكنه لم يرو عنه في صحيحه.

ص: 256

‌باب ما جاء في نقش الخاتم

ص: 257

[1747]

قوله: (ثلاثة أسطر إلخ) قيل: صورة السطور هذه وقيل: هذه والله أعلم.

قوله: (لا تنقشوا عليه إلخ) لأنه كان لخوف الالتباس في عهده، وأما الآن فلا نهي، وفي فتح القدير أن التعويذ لو كان مشتملاً على القرآن وغيره ويكون مستوراً ففي الذهاب به في الخلاء بعض توسيع، وحديث الباب يصلح لأن يعرض دليلاً له.

ص: 257

‌باب ما جاء في الخضاب

ص: 258

[1752]

الخضاب في اللغة اللون ولا يجب أن يكون سواداً، وفي الحديث النهي الشديد عن الخضاب الأسود الذي لا يميز به بين الشيخ والشاب، وأما اختلاط الحناء والكتم فجائز، وزعم الناس أن الكتم الوسمة المتخذة من النيل، وهكذا قال المحشي، والحق أن الكتم تجلب من اليمن وتشدد الأحمرية، لا السواد والوسمة إذا لم تكن أسوداً شد السواد ويتميز بين الشيخ والشاب فجائزة، كما في موطأ محمد.

ص: 258

‌باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر

ص: 259

[1754]

قوله: (ربعة إلخ)(ميانه قد) ومع هذا صرح علماء السير أنه كان إذا مشى بين الرجال يرى أطول منهم معجزة.

قوله: (أسمر اللون إلخ) هو الأحمر المائل إلى البياض، والفرق بين آدم وأسمر أن آدم مائل إلى الحمرية، والأسمر إلى البياض.

قوله: (ليس بجعد إلخ) الجعد ضد المرسل، والسبط المرسل، وأشعاره كانت متوسطة، وقال صاحب التحفة في وصف أشعاره:

~ موئي نبي بودنه جعد قطط

خيراً مور آمده مر وسط

~ رنگ نبي سرخ وسپيد آمده

جاي يكي ضددو وقيد آمده

قوله: (يتكفأ إلخ) التكفؤ على قسمين؛ تكفؤ المختال والتكفؤ حسن بحيث لا يتمارت في المشي، وتكفؤه كان حسناً كما في الشمائل لفظ يتقلّع.

ص: 259

قوله: (فوق الجمّة إلخ) أي فوق موضع الجمة ودون موضع الوفرة.

ص: 260

‌باب ما جاء في الاكتحال

ص: 260

[1757]

الكحل على قسمين أبيض وأسود وكلاهما جائزان، والإثمد الأسود، ويقول أرباب اللغة بتعبير (ترمه أصفهاني) وليس هذا نوعاً خاصاً بل كل كحل الأسود.

ص: 260

‌باب ما جاء في مواصلة الشعر

ص: 261

[1759]

تفسيرها مذكور في أبي داود عن أحمد بن حنبل، والمواصلة من الأشعار منهية عنها لا من الغزل، وما في عصرنا فليست بممنوعة، وفي كتب الحنفية أن موضع الوشم نجس فإن الدم خرج من مستقره وانجمد تحت الجلد وهو نجس.

ص: 261

‌باب ما جاء في القميص

ص: 262

[1762]

كان أحب القطع عنده القميس وأحب الأجناس البرد وأحب الألوان البياض.

قوله: (أسماء بنت يزيد بن السكن إلخ) في مسلم في حديث يزيد بن الثكل وهو وهم.

ص: 262

‌باب ما جاء شد الأسنان بالذهب

ص: 264

[1770]

في كتبنا شد السن بالفضة جائز، وأما بالذهب ففيه اختلاف العبارات، وصرح الطحاوي بالجواز وهو كاف، ويخرج من كلامه أن الجواز مذهب الأئمة الثلاثة. والله أعلم.

قوله: (يوم الكلاب إلخ) في غاية البيان شرح الهداية للأمير الكاتب الإتقاني: أن كُلاب بضم الكاف، وقال: إنه اسم الماء، ووجه أمره أن الفضة تنتن سرعة بخلاف الذهب.

قوله: (قال بن مهدي مسلم بن زرين إلخ) وليس هذا بمختص بهذا الحديث، بل كان يقرأ في كل حديث مسلم بن زرين بالنون كما استفيد من بعض الكتب.

ص: 264

‌باب ما جاء في ترقيع الثوب

ص: 266

[1780]

الترقيع سُنة، وفي الإحياء للغزالي أن في ثوب عمر كانت بضع عشرة رقعة.

ص: 266

‌باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة

ص: 267

[1781]

الغدائر من المغادرة وهو الترك والإرسال، والضفائر جمع ضفيرة من الضفر الفتل (تافتن)، وقيل: يشترط في الضفيرة أن تكون الأشعار ثلاث حصص، وقيل: إن كون الضفيرة عريضة أيضاً شرط، وفي الحديث إشكال وهو أن عادته في الأشعار الجمة واللمة والوفرة، ولم يثبت الضفر وأما ثلاث حصص فلعل الراوي رأى تحت عمامته، وكانت ثلاثة بسبب العمامة في فتح مكة ومر الحافظ على هذه الرواية ولم يقل بشيء، وفي الفتاوى الهندية في باب الحظر والإباحة أن الضفائر للرجال مكروهة وأما الإرسال فلم أجد كراهة.

ص: 267

‌باب العمائم على القلانس

ص: 268

[1784]

الغرض ظاهر، وقالوا: إن ركانة هذا كان مصارعاً ذا قوة شديدة، وصارعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار لإظهار المعجزة فأسلم ركانة.

ص: 268

‌كتاب الأطعمة

ص: 270

‌باب ما جاء في أكل الأرنب

ص: 270

[1789]

الأرنب حلال عند الكل ونسب إلى الروافض تحريمه، والله أعلم.

ص: 270

‌باب ما جاء في أكل الضب

ص: 271

[1790]

يقال له في الفارسية: (سوسمار وفي الهندية گوه) وهذه مكروهة عندنا، وقال فقهاؤنا بكراهة تحريمة، ومحدثونا بكراهة تنزيهة، وقال الشافعي وغيره: إنها حلال، ونقول: إنه كان متوقفاً في أول الزمان ثم استقر رأيه على تركه، وقال الشافعية: إن النهي كان أولاً ثم أجاز النبي صلى الله عليه وسلم، وأقول: الأحاديث الصحاح في الإجازة والنهي موجودة والخلاف في الترتيب، ويكفينا ما ذكره مسلم في كتابه فإنه ذكر النهي آخراً وفي مسلم أنه أتى عنده ضبّ فعد أصابعه فقال:«لا آكله فإن قوماً من بني إسرائيل قد فقدوا» ، لعل التردد هو هذا.

ص: 271

‌باب ما جاء في أكل الضبع

ص: 271

[1791]

يقال له في الهندية (هندار) وفي الفارسية (كفتار) وهو عندنا حرام، وعند الشافعي حلال وأما ما ذكر والد مولانا عبد الحي أن الضبع (بّجو) فسهو، وحديث الشافعية قد أعله الطحاوي في مشكل الآثار نقلاً عن يحيى بن سعيد القطان، وأطنب الطحاوي كلاماً وهذا التعليل لم أجده في غيره، وفي مسند أحمد أن أحداً من الشيوخ أفتى عند سعيد بن المسيب بحرمة أكله فقبل ابن المسيب فتواه ولبعض الكلام في هذه المسألة مر سابقاً في الحج.

ص: 271

قوله: (حديث ابن جريج أصح إلخ) ليس هذا قول يحيى بن سعيد بل هو قول الترمذي كما في مشكل الآثار.

ص: 272

‌باب ما جاء في أكل لحوم الخيل

ص: 272

[1793]

الخيل عندنا مكروه، والمختار الكراهة تنزيهاً، ونقل في الدر المختار رجوع أبي حنيفة عن هذا قبل الموت في مرض موته، وفي بعض كتبنا أنه لو قرب الموت تذبح وإلا فلا لكونه آلة الجهاد، وفي

ص: 272

كتب الموالك إنه مكروه أشد الكراهة قريب الحرمة، وقد وقع مناظرة في المسألة بين فخر الإسلام البزدوي الحنفي والغزالي الشافعي وسكت الغزالي.

ص: 273

‌باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية

ص: 273

[1794]

الحمار الأهلي حرام عند الأربعة، ونسب حلته إلى ابن عباس، ونهى عنه في فتح خيبر، واختلفوا في مثار النهي.

ص: 273

‌باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل

ص: 277

[1806]

أجمعت الأئمة على إباحته، نعم فيه رائحة كريهة فيكون مكروهاً عند أوقات الأذكار، وكذلك حال التتن (تمباكو)، وما قيل: إنه حرام فإنه إنما كان الملوك منعوا الناس عنه وقد ذكرت أن الشيء المباح يصير حراماً بمنع خليفة وإمام، ولم يقل بتحريم الثوم إلا ابن حزم، وقد تعسر عليه الأمر فقهاً وحديثاً.

ص: 277

‌باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا

ص: 277

[1808]

واقعةً حين كان النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري قبل بناء المسجد النبوي والحجرات، وحكاياته عجيبة منها أن أبا أيوب أقام النبي صلى الله عليه وسلم في السفل، وأقام بنفسه وأهله العلو ثم خطر بباله أن في إقامته في السفل إساءة الأدب، مجلس في ناحية المكان كل الليلة، فلما أصبح نقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلو، ومنها أنه حين كان في السفلى صب بعض ولدانه الماء في داخل البيت فشق ذلك على أبي أيوب فأخذ عمامته وجذب الماء بها كيلا يقطر عليه، فلله درهم الصحابة إنهم يسنح لهم ما لا يسنح لغيرهم.

ص: 277

‌باب ما جاء في تخمير الإناء وإطفاء السراج والنار عند المنام

ص: 278

[1812]

دل الحديث على أن للشيطان قدرة على فتح الأبواب إلا إذا أغلق بالتسمية، وفي مسلم رواية أن في السنة ليلة تنزل فيها البلاء من السماء.

ص: 278

‌باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معيّ واحد إلخ

ص: 280

[1818]

قيل: إن أحوال الأناسي مختلفة فإن بعض المسلمين يأكل كثيراً وبعض الكفار يأكل قليلاً، فما مراد الحديث؟ وأجيب بأن المذكور في الحديث الابتغاء أي ينبغي أن يكون هكذا، وليس بخبر ثم في الحديث إشكال وهو أن الحديث يدل على أن الأمعاء سبعة، واتفق الأطباء على أنها ستة فلم أجد جوابه إلا ما قال الطحاوي أن المعي السابع المعدة وأدرجها الحديث في المعاء.

ص: 280

‌باب ما جاء في أكل لحوم الجلاّلة وألبانها

ص: 282

[1824]

الجلالة الحيوان التي تأكل القذرات والأرواث والأزبال، وقال الحنفية وقريب منه قول الشافعية: إن الجلالة لو وجدت رائحة كريهة فيها يحرم لبنها ولحمها حتى تترك ثلاثة أيام لتزول الرائحة الكريهة، أقول: إن الحديث لأبي حنيفة والشافعي في نجاسة أزبال ما يؤكل لحمه وغيره بأن الشريعة منعت عن لحم الجلالة ولبنها، والجلالة من الجلّة (يگنى) وهي روثة الغنم والإبل وغيرهما ولم يتبادر ذهن أحد إلى هذا الدليل.

ص: 282

‌باب ما جاء في كراهية الأكل متكئا

ص: 284

[1830]

قال الخطابي: إن الاتكاء هو الجلوس مطمئناً، أقول: إن المستحسن عند الأكل الجلوس جاثياً على ركبيته، أو مقيعاً، وأما التربيع فجلوس قبيح.

ص: 284

‌باب في ترك الوضوء قبل الطعام

ص: 288

[1847]

قوله: (كان سفيان الثوري يكره إلخ) اعلم أن أصح ما في باب غسل اليدين قبل الطعام حديث النسائي لكنه فيه قيد الجنب.

ص: 288

‌باب ما جاء في التسمية على الطعام

ص: 289

[1848]

اعلم أن الثابت بالأحاديث في التسمية بسم الله فقط.

قوله: (فإن نسي في أوله إلخ) في بعض الأحاديث أنه لو لم يسم على الطعام يشترك معه الشيطان وإذا قرأ التسمية في الوسط قاء الشيطان، ومدّ صاحب البحر هذا البحث إلى أن من ترك التسمية في أول الوضوء هل يفيد التسمية في وسط أم لا؟ ، والله أعلم وعلمه أتم.

ص: 289

‌كتاب الأشربة

ص: 293

‌باب ما جاء في شارب الخمر

ص: 293

[1861]

أقول: إن هذه المسألة لم أجد فيها ما يشفي الصدور ونقل أن الكرخي صنف في هذه المسألة كتاباً مستقلاً لكنا ما وجدناه.

الخمر عند أبي حنيفة وأبي يوسف عصير العنب إذا غلى (جوش مارا) واشتد (تيزهوا أدرائها) وقذف بالزبد، فأحكامه عشرة مذكورة في الهداية، منها أن مستحلها كافر، وأنها نجسة غليظة، وأن قليلها وكثيرها حرام وإن شاربها محدود أسكر أم لا، وسواها أشربة ثلاثة قليلها وكثيرها حرام، وفي رواية:«نجسة خفيفة» ، وفي رواية:«غليظة أحدها الطلماء» وهو عصير العنب المطبوخ الذي لم يطبخ ثلثاه واشتد والخمر لا يطبخ، وللطماء تفسير آخر وثانيها المسكر، والثالث النقيع، وهذه الثلاثة والخمر تسمى بالأشربة الأربعة، ويكون قليلها وكثيرها حراماً، ولا يطلق لفظ الخمر إلا على الأول من الأربعة، وأما سواها فيتخذ النبيذ من كل شيء من الحبوب والثمار والألبان وتسمى هذه الأقسام بالأنبذة وحكمها ما ذكروا أن القليل أي القدر غير المسكر منها حلال إذا كان بقصد التقوي على العبادة، وحرام بقصد التلهي، والكثير أي القدر المسكر منها حرام وهذا مذهب الشيخين للأحناف ومعه وكيع بن جراح وسفيان الثوري ولكنه لعله رجع سفيان عنه، وفي الهداية عن الأوزاعي أيضاً وفاق أبي حنيفة في الجملة وبعض الصحابة أيضاً وإن تأولت الخصوم أقوالهم وأئمة آخرون أيضاً موافقون للشيخين في الجملة، وأما الشافعي وأحمد ومالك ومحمد بن حسن وجمهور الصحابة فذهبوا إلى أن المسكر المائع من كل شيء يحرم قليله وكثيره أسكر أم لم يسكر، والمسكر الجامد ليس

ص: 293

بخمر، وأفتى أرباب الفتوى منا بقول محمد بن حسن، وأما أرباب اللغة فيشيدون أقوال أئمتهم ذكر صاحب القاموس الشافعي معنى الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل، وذكر الزمخشري معنى قول أبي حنيفة وقال: ليس في اللغة إلا هذا، ومن المعلوم أن الزمخشري أعلى من صاحب القاموس لأنه إمام اللغة، أقول: عندي أن أصل معنى الخمر لغة ما قال أبو حنيفة ولكنه مستعمل في معنى الحجازيين أيضاً، والمعنيان على الحقيقة ويمكن للجمهور أن يقولوا: إذا ذكر الشارع حكم ما زعمتموه خمراً وحكم غيره واحد فأي اعتراض.

تنبيه: قد يذكر الزمخشري في أساس اللغة معنى اللفظ ثم بعده يقول: ومن المجاز إلخ، وليس مراده المجاز المتعارف في ما بينا، بل مراده استعماله في المشتقات والتوسعات، فإن اللفظ الواحد يشتق منه ألف مشتقات بل أزيد، ونظير استعمال الخمر في المعنيين حقيقة أن في الفارسية معنى (گل پهول گلاب) إذا استعمل مطلقاً، ولو كان مقيداً فالاعتبار للقيد نحو (گل ترگس) أو غيره، والاستعمالان حقيقيان هذا ما بدا من شواهد أبي حنيفة من اللغة ما قال المتنبي:

فإن في الخمر معنى ليس في العنب

وقال أبو الأسود الدؤلي أستاذ الحسنين:

~ دع الخمر يشربها الغواة فإنني

أخذت أخاها مغيناً بمكانها

~ فإن لم تكنه أو يكنها فإنه

أخوها غذته أمه بلبانها

ويقول شاعر آخر متدين:

~ وإني لأكره تشديد الرواة لنا

فيه ويعجني قول ابن مسعود

قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول مغيراً عبارتهم لا غرضهم وذلك يجدي شيئاً، قالوا: إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله على قصد التقوي على العبادة، ويحرم على قصد التلهي، وأقول مغيراً عبارتهم: إن ما سوى الأربعة حرام إلا قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، والفرق أن عبارتهم تشعر أن الأصل الإباحة والحرمة بعارض التلهي، وعلى ما قلت تشعر بأن الأصل الحرمة وإنما الحلال قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، فإذن يكون التقوي مثل التداوي فيحول الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفة لأبي حنيفة وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرام إلا عند الاضطرار فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى ونطالب دليل التخصيص فسأبينه فيكون جميع أحاديث المسكر حرام على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرام، وفي كتب الحنفية: إن شرب الماء على حكاية شرب الخمر حرام، ووجدت لقولهم هذا دليل قول أبي هريرة مثل قولنا في مدخل ابن الحاج المالكي، وقال بعض الحنفية: إن كل محرم يكون بعض جنسه

ص: 294

حلالاً فيكون النبيذ حلالاً من جنس الخمر الذي حرام، والنظائر الحرير أنه حرام ويجوز قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب والفضة ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت أنهم ذكروا مثل ما ذكر بعض الأحناف، وقال: إن نهر طالوت كان كثيره حراماً وقليله حلالاً فعلم أن لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً، وأما أدلة الحنفية فمنها ما أخرجه أبو داود ص (164) ج (2) باب الأوعية:«فإن اشتد فاكسروه بالماء وإن أعياكم فأهرقوه» إلخ وسنده جيد، وقيل في الجواب: إن الاشتداد الغلظة لا الإسكار، وهذا مهمل لأن الاشتداد المستعمل في المسكرات والأنبذة بمعنى المسكر كما في مسلم ص (167) ج (2) :«ينبذ حتى يشتد» إلخ، قيل: إن المراد بالاشتداد الحموضة، وأقول: أي فائدة في الإهراق في هذه الصورة فإن دفع الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القراح، فأي نفع في الإهراق؟ ولأبي حنيفة آثار عمر في موطأ مالك ص (258) : طبخوا حتى ذهب ثلثاه وبقي الثلث إلخ، وفيه قال عبادة بن الصامت: أحللتها والله إلخ، وله أثر ابن عمر في البخاري في كتاب المغازي ص (627) وله أيضاً ما في الطحاوي ص (326) ج (2) أثر عمر الفاروق عن فهد نا عمر بن حفص نا أبي نا الأعمش إلخ: أن نبيذاً له عرام فذكر شدة لا أحفظها إلخ بسند صحيح، وفي الطحاوي لفظ وله غرام بالغين المعجمة وهو غلط، والصحيح بالعين أدلتنا المهملة كما قال النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ تلميذ الطحاوي وهو الذي أجاب عن أدلتنا جميعها من جانب الجمهور، وقال الحافظ: إن هذا أصح الآثار وفيه ص (327) حدثنا روح بن خرج نا عمرو بن خالد إلخ: فشربت من نبيذه وكان أشد النبيذ إلخ، وفيه ص (326) حدثنا ابن أبي داود نا أبو صالح ثني الليث إلخ، وأسانيد الكل صحاح وفي سند الثالث معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليفي وهو سهو الكاتب والصحيح

التيمي وله آثار أخر في كتاب الآثار لمحمد بن حسن قوية السند، وأجاب الجمهور، بعض الأجوبة نافذ لا البعض الآخر، وأجاب الحافظ عما أخرجه أبو داود في الفتح بأن الاشتداد لم يكن واقعاً بل كان خوف الاشتداد، ولقوله نفاذ سيما إذا كان في الدارقطني عن أبي هريرة لفظ خشية الاشتداد، وأما جواب أثر الموطأ فنقول: إن ذكر الإسكار ليس فيه، فالجواب أن مراد عبادة أن نبيذ التمر أو العنب لا يكون دائم البقاء إلا أن يصير خمراً أو خلاً، وإذا طبخ فيصير دائم البقاء فإما يصير خلًّا وهو حلال أو خمراً فيكون حراماً، والناس يشربونه على إفتائك ويكون حلواً فالحاصل أنه يصير مسكراً بعد مدة يسيرة فيشربه الناس ويزعمون أنه حلو ويسكرهم هذا، فهذا الأثر لم يتعرض إليه الحافظ لكنه تعرض إلى آثار الطحاوي، والجواب بأن المراد من الشدة الحموضة فبعيد، وأما قول: إن الشدة شدة الحلاوة فخلاف ما يستعمل الاشتداد في المسكرات، فالحاصل أن الحافظ لم يتيسر له الجواب من آثار الطحاوي، وأقول: إن الباب باب النصوص من القرآن والأحاديث وضروريات الدين فلا بد من محامل تلك الآثار، ولكنها تكفي الاعتذار من جانب أبي حنيفة، وما في النسائي عن راوٍ أن نبيذ عمر كان صار

ص: 295

خلًّا فإنما هو رأيه، وأقول: إن عصير العنب والتمر لو كان مزاً وقارصاً فلا منع فيه، والله أعلم، ولا يمكن قول الحافظ في المرفوع محملاً لآثار الطحاوي عن عمر فإن في الألفاظ تصريح أنه صار مشتداً لا أنه قرب الاشتداد، ولأبي حنيفة أثر آخر أيضاً وهو أن رجلاً شرب النبيذ من سخية الفاروق الأعظم وأسكر فحدَّ فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت من شنتك، فقال عمر: حددتك من الإسكار، أخبرنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل إن رجلاً عب في شراب لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه. قال: ونبذ نافع بن عبد الحارث لعمر بن الخطاب المزاد وهو عامل له على مكة، فاستأخر عمر حتى عد الشراب طوره فدعا عمر فوجده شديداً فصنعه في الجفان فأوجعه بالماء ثم شرب وسقى الناس، وأعلى الأشياء من جانب أبي حنيفة اعتذاراً ما أخرجه الطحاوي مرفوعاً ص (327) ج (2) قال: اشربا ولا تسكرا إلخ، ويمكن أن يقال: إن المراد باشربا الأنبذة لا الماء أو اللبن أو غيرهما لكن في الطحاوي والنسائي: «ولا تسكرا» فلا حجة لنا، وقال النسائي: إن لفظ ولا تسكرا وهم الراوي، والفرق بين لا تسكرا ولا تشربا مسكراً إلخ واضح ولكن حكم النسائي بأنه وهم الراوي غير متيقن، وأطنب الطحاوي في المسألة ما لم أجد ذلك التفصيل في غيره من الروايات، ورأيت في كتاب أن النسائي قد رمي في النبيذ بأنه كان يشرب على مذهب العراقيين لعله أطنب لهذا الاتهام ولم أجد الشفاء، فيما ذكر أهل كتبنا لكن في عقد الفريد كتاب الأدب شيء زائد على ما في كتبنا، ونقل التوسيعات في النبيذ من السلف الكبار وإني لم أجد رواية عن الشيخين موافق محمد، ولو وجدت لقطع بها وإن كانت شاذة ولكن لم أجد مع التتبع الكثير، وأما ما وقع في نظم ابن وهبان فزعمه بعض العلماء أنه مروي عن الشيخين موافق محمد والحال أنه ليس مراده ما زعموه بل

مراده إن وقوع الطلاق مروى عن الثلاثة لا حكم النهي عن قدر قليل من الأشربة فادره فإنه زل فيه الأقدام، وشعر نظم ابن وهبان هنا:

~ ويمنع عن بيع الدخان وأوقعوا

طلاقاً لمن من مسكر المحب يسكر

~ وعن كلهم يروى وأفتى محمد

بتحريم ما قد قل وهو المحرر

وزعموه أن المروي عن الكل تحريم ما قد قل، والحال أن المروي هو وقوع الطلاق. (واقعة) في شرح الهداية أن أبا حفص الكبير أفتى بحرمة النبيذ فقيل له: خالفت أبا حنيفة، فقال: ما خالفته فإنه يحرم إذا كان للتلهي، وأناس الزمان يشربونه على التلهي.

واعلم أن ما ذكرت جميعه كان أكثر مما ذكره مصنفونا، ومع ذلك أعترف أنه كان على طريق الكلام والمناظرة بالخصم ويجب العمل بما قال الجمهور ومحمد بن حسن، وأعلى ما وجدت عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن ما في شروح الهداية قال أبو حنيفة: لو أعطيت جميع ما في الدنيا ومثلها لأشرب قطرة نبيذ فلا أشربه فإنه مختلف فيه، ولو أعطيت جميع ما في الدنيا لأحرم النبيذ لا أحرمه

ص: 296

لأنه مختلف فيه، هذا على ما في الباب وأعلى ما يشفى الصدر، وعن أبي يوسف ما رواه أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ قال أبو يوسف، وفي نفسي في هذه الفتيا كأمثال الجبال ولكن عادة البلد أي كوفة، هذا والله أعلم وعلمه أتم، وراجع المبسوط من الرابع والعشرين.

قوله: (من تاب لم يتب الله عليه إلخ) التوبة الناصحة الخالصة تقبل في أي مرة كانت في أي حين كان لكنه لما عاد في المرة الرابعة يدل صنيعه على أنه لم يتب توبة نصوحة.

ص: 297

‌باب ما جاء كل مسكر حرام

ص: 297

[1863]

قال صاحب الهداية: إن ابن معين قدح في هذه الجملة، قال الزيلعي: لم أجد قدح ابن معين ومر عليه الحافظ، وقال: إن الحافظ جمال الدين الزيلعي أكثرهم تتبعاً وهو يعترف بأنه لم يجد قدح ابن معين، وأقول: أنا أيضاً لم أجد قدح ابن معين، نعم قدح إبراهيم النخعي موجود في كتاب الآثار لمحمد بن حسن إلا أني رأيت في مسند الخوارزمي وله مهارة كاملة واطلاع تام ورد على الخطيب البغدادي، وفيه نقل قدح يحيى بن معين لكنه لم يذكر مأخذه لو ذكره لكان أولى وأفيد.

ص: 297

‌باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر

ص: 300

[1872]

اعلم أن للخمر إطلاقين عمومي وخصوصي، فلا يخالف حديث الباب أبا حنيفة في أن الخمر هو عصير العنب، وأخذت الإطلاقين من كلام الطحاوي ص (324) ج (2)، وأما قول أنس:(وإنها لخمرنا يومئذ) فيحتمل أن يكون أراد بذلك ما كنا نخمر إلخ، وفي روايات عديدة صراحة الإطلاقين.

ص: 300

‌باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما

ص: 301

[1879]

النهي إنما هو إرشاد وشفقة كما يدل ما في الرخصة فيه، وقوله: نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي في الباب اللاحق، ليس معناه الأكل قائماً بل المراد أن تلقي اللقمة في فمك في ختم الطعام وتمشي وتلقمها وتختمها ماشياً، وإلا فالأكل ماشياً كما هو ظاهر اللفظ خلاف المروة.

ص: 301

‌باب ما جاء في الشرب بنفسين

ص: 303

[1886]

في بعض الأحاديث ذكر النفسين وفي بعضها ذكر الثلاثة، والجمع وهو الأصل أن النفس الثالث بعد الفراغ عن الشرب ذكره بعض الرواة لا البعض الآخر، ولم يثبت التنفس في الإناء بل إخراج النفس في وسط الشرب يدفع الإناء عن الفم لا في الإناء.

ص: 303

‌كتاب البر والصلة

ص: 307

‌باب ما جاء في برّ الخالة

ص: 309

[1904]

اعلم أن حديث الباب: (الخالة الأم إلخ) يصلح دليلاً لنا على إرث ذوي الأرحام، وتمسكنا بالآية الكريمة أيضاً.

ص: 309

‌باب ما جاء في قطيعة الرحم

ص: 310

[1907]

قوله: (شققت لها من اسمى إلخ) اعلم أنهم اختلفوا في واضع اللغات، وقيل: إن الواضع هو الله تعالى ويفيدهم حديث الباب، واعلم أن بعض الأسماء أسماء الذات مثل الرحمن وهو مثل الله في أنه اسم الذات هذا مذهب البعض، وقال الشيخ الأكبر: إن لأسماء الله تعالى حضرات، لكل اسم حضرة لا دخل فيها لغيره، وذكر أن سيد الطائفة جنيد رحمه الله قيل له: ما مراد آية: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم: 85] إلخ والحال أن المتقين كانوا قبل أيضاً عند الرحمن، فلم يذكر جنيد جواباً، وقال الشيخ الأكبر: والعجب من عدم سنوح الجواب لسيد الطائفة، والجواب أنهم كانوا قبل ذلك في حضرة أخرى أي حضرة المنتقم ثم يؤتون إلى حضرة الرحمن.

ص: 310

‌باب ما جاء في صلة الرحم

ص: 311

[1908]

قوله: (لا يدخل الجنة إلخ) في هذه الجملة محامل وتوجيهات ولي هاهنا ظرافة تجري في أكثر المواضع، وهي أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة ما دام قاطعاً وإذا عذب وتكافأ النكال فيدخل الجنة، ولا يكون إذن قاطعاً فإنه رفع عنه ما كان على رقبته، وكذلك أقول في تارك الصلاة، وهذا نظير مزاحه لبعض العجائز أن العجائز لا يدخلن الجنة فبكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يدخلن إلا وهن شواب» .

ص: 311

‌باب ما جاء في رحمة الولد

ص: 312

[1911]

قوله: (من ريحان الله) معناه (نازبو) ويأتي بمعنى الرزق أيضاً.

ص: 312

‌باب ما جاء في رحمة الصبيان

ص: 314

[1919]

المعروف ما يكون معروف الشريعة فيكون حسناً، والمنكر ما ينكره الشرع ويكرهه فيكون قبيحاً، ولا يختص الأمر والنهي بالإمام بل لكل واحد من المسلمين، والتعزيز مختص به، وما دام الإنسان مرتكباً في معصية يكون لكل مسلم حق زجره وضربه ومنعه، وإذا فرغ فلا حق للتعزير إلا للإمام.

ص: 314

‌باب ما جاء في رحمة الناس

ص: 315

[1922]

قوله: (من لم يرحم الناس لا يرحمه الله إلخ) هذا الحديث يسمى بمسلسل الأولين كانوا يسمعونه أول الشروع في سماع العلم، وقد كانوا يسمعونه في أول الملاقاة إذا أتوه أو أتى من سفر فالأولوية إذن إضافية وتمام الحديث ما في الباب عن عبد الله بن عمرو.

ص: 315

‌باب ما جاء في مواساة الأخ

ص: 318

[1933]

من الأسوء مهموز اللام بمعنى المواساة.

قوله: (آخا رسول إلخ) كانت المواخات سبب التوارث، ولم يكن بينهم توارث النسب في ذلك الحين.

قوله: (مهيم) هذه كلمة يمنية بمعنى أي شيء.

ص: 318

‌باب ما جاء في الغيبة

ص: 318

[1934]

الغيبة تعريفها في الحديث أي ذكرك أخاك بما يكره لو اطلع عليه، وفي الفقه مستثنيات، ولا غيبة للفاسق ويجوز ذكر فعله الشنيع ليحترز الناس عنه وعن فعله.

ص: 318

‌باب ما جاء في حق الجوار

ص: 320

[1942]

هذا حق الجوار ثابت عند الشافعي أيضاً وإنما يمنع شفعة الجوار.

ص: 320

‌باب ما جاء في الإحسان إلى الخدم

ص: 321

[1945]

قوله: (سيء الملكة إلخ) أي الملكة بمعنى الملك ويمكن أن يكون بمعنى الخلق لكنه لم يثبت من اللغة.

قوله: (ونبيُّ التوبة) لقب النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 322

‌باب ما جاء في البخل

ص: 326

[1962]

قوله: (المؤمن غرٌّ كريم إلخ) أي ساذج، ويخالفه ما في الصحيحين: أن رجلاً أسر في البدر وأتى عنده فاعتذر وألح، فخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله، ثم ذهب إلى أهله، وقال: إني خادعت محمداً ثم جاء أسيراً فاعتذر وألح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» إلخ، ولم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم، والجمع بين الحديثين أن مراد الأول أنه ليس بداهٍ ليكون يخرج الطرق والسبل قبل وقوع الأمر عليه، ومراد الثاني أنه يتعظ بما يقع عليه ولا يعود إلى ما صدر عنه مرة كالشطار.

ص: 327

‌باب ما جاء في اللعنة

ص: 330

[1976]

اللعنة (پهنكار ونفرين) ولا يلعن معين، وتجوز على طائفة مثل المشركين أو الكافرين أو المرتدين أو الفلاسفة ولا يلعن رجل خاصة إلا من علم كونه محل للعنة بالشرع كالقادياني، وفي الروايات أن امرأة لعنت ناقتها ففرق النبي صلى الله عليه وسلم الناقة عن القافلة، وقال:«لا ينبغي معنا الملعونة» ، وأما اللعن على يزيد فذكر عَنْ أحمد لا عن الثلاثة، ونقله الغزالي عن أبي حنيفة كما في ابن خلكان من الكيا، ولكن في الفقه عدم جوازه.

ص: 330

‌باب ما جاء في الشتم

ص: 331

[1981]

الشتم من القذف، وصرح الفقهاء بجواز قصاص الشتم وتدل عباراتهم على أن ينقل ألفاظ الشاتم ولو زاد يعزّر.

ص: 331

‌باب ما جاء في المزاح

ص: 334

[1989]

بكسر الميم (خوش طبعي) . قوله: (يا أبا عُميرُ ما فعل النُغير إلخ) هذا مزاح لأن الصغير لم يكن والد أحد، وقيل له: أبا عُمير، وتمسك الطحاوي بحديث الباب إن حرم المدينة ليس كحرم مكة فإن أبا عُمير أخذ النغير (لال رط يا) من المدينة، وقال الشافعي ومالك: إن حرم المدينة كحرم مكة. . . .

ص: 334

‌باب ما جاء في المداراة

ص: 335

[1996]

من الدرء مهموز اللام.

قوله: (بئس ابن العشيرة إلخ) هكذا وقع فإنه ارتد بعد إسلامه، وعياذاً بالله.

ص: 335

‌باب ما جاء في الكبر

ص: 336

[1998]

قال الغزالي في الإحياء: إن ادعاء شيء لا يوجد في غيره ليس بداخل في الكبر، وإنما الكبر نفخ بسببه يزعم الإنسان غيره حقيراً وفي صيام فتح القدير: أن الجمال من الأخلاق الحسنة والزينة من أخلاق الشيطان، وروي عن أبي حنيفة: أن الكبر والظلم يجازان تباً في الدنيا والعقبى، ويجب للمؤمن أن يختار حالة متوسط لا ترتفع إليه الأصابع زينة أو قبحاً، واعلم أن خلقه عليه السلام في التوراة مثل خلقه في حديث اللاحق في باب خلقه.

ص: 336

‌باب ما جاء في حسن العهد

ص: 341

[2017]

في مسند أحمد أنه كان يذكر خديجة أم المؤمنين، فقالت عائشة يوماً: ما تذكرها يا رسول الله كانت عجوزاً ماتت ورزقك الله حسنى منهما، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال:«والله ما عندي مثلها» فاستفعت عائشة.

ص: 341

‌باب ما جاء في الصبر

ص: 343

[2024]

قال العلماء: إن الصبر على قسمين؛ صبر على الشيء أي المكروه، وصبر عن الشيء أي المرغوب، وذكر الأستاذ أبو القاسم القشيري: أن واحداً من أولياء الله الكبار أنه قال: ما فرحت مثل فرحتي في ثلاثة وقائع؛ أحدها: أني ذهبت وكنت في السفر فمرضت بالحمى الشديدة فوقعت في مسجد ولم أقدر على المشي، فجاء رجل مؤذن أذن وسألني: من أنت؟ قلت: مسافر فأخذ برجلي يجرني حتى ألقاني خارج المسجد، والثانية: أني كنت على شط نهر فبال رجل وقع كله عليّ وكان تعليني من الحيوانات، والثالثة: أني كنت جالساً في السفينة فكان شرطي يذكر قصة جهاد وكنت أبلاهم ثياباً فأخذ بذوابتي وفؤادي وحركني يقول: هكذا كنا نحرك الكفار.

ص: 343

‌باب ما جاء في إن من البيان لسحرا

ص: 344

[2028]

قيل: إن قوله هذا في معرض الذم، وقيل: لا بل في معرض المدح.

ص: 344

‌كتاب الطّبّ

ص: 347

‌باب ما جاء في الدواء والحثّ عليه

ص: 348

[2038]

قال الغزالي: إن المريض لو علم بالقطع الشفاء ثم لم يداو به فهو عاص مثل الجائع الذي عنده طعام، ولو كان الشفاء مظنوناً فهو في حد الجواز، ولو كان موهوماً فترك ذلك الدواء أحسن وهو توكل.

ص: 348

‌باب ما جاء في الحبة السوداء

ص: 349

[2041]

الحبة السوداء بكسر الأول (كلونجي) ، ويقال لها في الفارسية (سياه وان) ، واعلم أن في الهندية (سياه وانه) اسم حب النيل وهو من السميات فلا يختلط، وذكر ابن سينا فوائد الحبة السوداء أزيد من أربعين.

ص: 349

‌باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسمّ أو غيره

ص: 349

[2043]

قوله (خالداً مخلداً فيها أبداً إلخ) اعلم أن شأن حديث الباب غير شأن سائر الحديث، ويؤيد

ص: 349

قول المعتزلة فتأول فيه شراحنا والتأويلات مذكورة في المنهاج للنووي على صحيح مسلم، وأعمل المصنف الحديث ولكنه أخرجه مسلم ص (72) في صحيحه، أقول: إن مراد الحديث أن فعله هذا أبدي ما دام في جهنم لا أن قيامه في جهنم أبدي قال عبده الحقير محمد جراغ قال شيخنا مد ظله العالي في بعض دروسه: إن طبقات عصاة المؤمنين تفنن، وقوله ذلك لعله يفيد في حديث الباب.

ص: 350

‌باب ما جاء في السعوط وغيره

ص: 351

[2047]

السعوط ما يلقى في الأنف مائعاً كان أو جامداً، واللّدود ما يصب في أحد جانبي الفم، قالوا: إنه لما أغشي عليه زعموا أنه مبتلى بذات الجنب فأرادوا اللدود فلما أفاق منع عنه، ثم لما أغشي قالوا لدوه وإنما منعه ليس إلا لأن المريض لا يرضى للدواء فلدّوه فأمر بلدودهم حتى أن لدت بعض أمهات المؤمنين أيضاً مع كونهن صائمات وما لدَّ عباس فقيل: إنه لم يكن في مشاورة الصحابة بلدوده، وقيل: إنه لم يلدّ أدباً فإن العم صنو الأب، وأما وجه لدوده الصحابة إنه لعله لو لم ينتقم عنهم لعلهم يقعون في أشد منه.

ص: 351

‌باب ما جاء في كراهية التداوي بالكي

ص: 351

[2049]

الكي نوعان ناري، وغير ناري والكي جائز غير مرضي، واعلم أن في قول عمران بن حصين

ص: 351

إشارة إلى قصة وهي أنه ابتلي في مرض الباسور (بواسير) ، فاكتوى وكان الملائكة يسلمون عليه فإذا الكتوى كفوا عن التسليم فتأسف عمران عليه.

ص: 352

‌باب ما جاء في الحجامة

ص: 352

[2051]

قوله: (في الأخدعين إلخ) الأخدعان العرقان، قال ابن سينا في قانونه: إن الحجامة يفيد في النصف الأخير من الشهر، فإن الرطوبات الصالحة تكون في الظاهر والفاسدة في الباطن في النصف الأول، وفي النصف الأخير يعكس الأمر.

ص: 352

‌باب ما جاء في كراهية الرقية

ص: 354

[2055]

الرقية (أفسون) إن اشتملت على ما هو غير جائز فلا تجوز، وإلا فتجوز كما يدل الباب الآخر أن بعض الرقى جائزة. . .

ص: 354

‌باب ما جاء في الرقية من العين

ص: 355

[2059]

الحمة (نيش عقرب) ثم المراد أعم من لدغ العقرب أو الحية.

قوله: (العين إلخ) وفي الطب دواؤه وذكروا إحراق ما يقال له في لساننا: (اسپند) ، وأنكر بعض الأطباء العين.

قوله: (لسبقته العين إلخ) لو: في الحديث امتناعية، وليس المراد أن الرقية أو العين أو الدعاء يرد القدر بل هي أيضاً من القدر، فإن القدر يحتوي على كل شيء، وللعين غُسل مذكور في موطأ مالك ترتيب الغسل، وكذلك في حاشية الباب اللاحق، وذكروا سر ذلك الغسل ليوافق الطب، أقول: لو يطلب السر فأقول ما قال بعض الحذاق: إن الله وضع دافع السم مع ذلك السم كما قالوا: إن في رأس الحية حبة تفيد في دفع سمها، وفي الحديث:«إن في إحدى جناحي الذباب دواء وفي ثانيهما دواء» ، وكذلك قالوا: إن أخبث سموم المعدنيات سم الألماس دفيعة معه ياقوت وكذلك أخبث السموم هيش (ب هناك) ومعه رفيقه جدوار (ناربسي) .

ص: 355

‌باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ

ص: 356

[2063]

لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن عند أبي حنيفة، وجوزه المشائخ وبعض التفصيل مر سابقاً، وتجوز الأجرة على التعويذ كما صرح به الشيخ في عمدة القاري وقال الشاه عبد العزيز في

ص: 356

تفسيره تحت آية: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: 41] ما حاصله: إنه إذا كان ختم البخاري أو القرآن العزيز لحاجة دنيوية تجوز الأجرة، وإذا كان لأمر دنيوي وقيد المكان والزمان تجوز الأجرة، وقال ابن عابدين في شفاء العليل: إن الأجرة حرام إذا كان لإيصال الثواب وأتى بالنقول الكثيرة، وقال بعض جاهلي العصر: إن عدم الجواز إنما إذا كانت الأجرة أقل من أربعين درهماً وأحاله إلى المبسوط والحال أنه لا لفظ في المبسوط، وإن هو إلا كذاب مفتر.

ص: 357

‌باب ما جاء في الكمأة والعجوة

ص: 358

[2066]

الكمأة في الفارسية (سماروغ) وجمعه كماً بلا تاء، والعجوة نوع تمر المدينة.

قوله: (المن إلخ) في الجلالين: أن المن الترنجبين، واعلم أن هذا المذكور في الحديث قريب المن، لا عين المن في القرآن.

ص: 358

‌باب ما جاء في كراهية التعليق

ص: 360

[2072]

تجوز التعليق (بأعوذ بكلمات الله التامة. . إلخ) كما ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي مسند أحمد عن أم سلمة: من ألقى وَدعة في عنق الصبي فالله بريء عنه إلخ، وسنده حسن عند ابن تيمية، الودعة الخرزة، ولعل تعليق ما هو مجرب بالطب جائز.

ص: 360

‌باب ما جاء في تبريد الحمّى بالماء

ص: 360

[2073]

قال الأطباء: إن الماء أنفع للحمى، لكنه مقيد ببعض أقسام الحمى، وذكر السيوطي: كنت أشفي بالماء من كل نوع الحمى.

ص: 360

‌باب ما جاء في دواء ذات الجنب

ص: 362

[2078]

اعترض بعض الأطباء من غير المسلمين بأن القسط البحري مضر أشد الهلاك لذات الجنب، أقول: ذات الجنب حقيقي وغير حقيقي، وإنما الإفادة لغير الحقيقي وهو احتقان الرياح في الجنب.

ص: 362

‌باب ما جاء في السنا

ص: 363

[2081]

قوله: (بالشبرم إلخ) هو حب النيل (سياه وانه) ، وهذا مسهل مع السمِّية.

واعلم أنه قد صنفت الكتب في الطب النبوي. [30] كتاب الفرائض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 363

‌كتاب الفرائض

ص: 365

‌باب ما جاء في تعليم الفرائض

ص: 365

[2091]

قوله: (تعلموا الفرائض إلخ) قيل: إن الفرائض في الحديث هي الأحكام المفروضة وتسمية هذا الفن بالفرائض محدث، أقول: كيف يقال أنه محدث؟ أقول: كيف يقال إنه محدث؟ والحال أنه قال: «إن زيد بن ثابت أفرضكم» .

ص: 365

‌باب ما جاء في ميراث الجد

ص: 368

[2099]

قال أبو حنيفة: إن الجَد كالأب يحرم الإخوة، وقال صاحباه: الإخوة والجد يرثون جميعاً بمقاسمة، والسلف أيضاً مختلفون وأبو بكر الصديق مع أبي حنيفة.

ص: 368

‌باب ما جاء في ميراث الخال

ص: 369

[2103]

قلنا: إن ذوي الأرحام يأخذ المال إذا لم يكن من قبلهم، وقال الشافعي: لاحظَّ لهم وإنما يوضع المال في بيت المال، ولنا حديث الباب، وتعرضوا إلى تعليل الحديث لكن تعليلهم ليس بشيء.

ص: 369

‌باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث

ص: 370

[2105]

أفتى أرباب الفتوى بأن بيوت الأموال انعدمت فيدفع الوراثة إلى من يدلي إلى الميت رضاعاً، وأفتى صاحب مجمع الأنهر بوضعها في المدارس الإسلامية وهذا يوافق أهل العصر ويفيد أرباب الفتوى ما في باب ميراث المولى الأسفل، فإن المولى الأسفل لا يرث وإنما يرث الأعلى في بعض الأحيان، وفي الحديث:«يعطى الأسفل المال» فدل الحديث على إعطاء الأبعد عند عدم كون من يأخذ التركة.

ص: 370

‌باب ما جاء أن الميراث للورثة والعقل للعصبة

ص: 372

[2111]

اعلم أن معنى الغرة في اللغة معروف، وعند الفقهاء خمسمائة درهم، والشراح مختلفون في شرح الحديث قيل: إن المتوفية كانت جانية، وقيل: كانت مجنية.

قوله: (على عصبتها إلخ) المرجوع إما الجانية أو المجنية.

ص: 372

‌باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

ص: 373

[2112]

هذه القرابة تسمى بالموالاة وفيها وراثة عندنا لا عند غيرنا، وصورتها أن حربياً أسلم على يد مسلم واشترط أن يكون أرشه وارثه من الجانبين، ولو أعطى أحدهما أرشاً لا يمكن الفسخ ويجوز قبل أداء أرش وقال السرخسي في المبسوط: لا حاجة إلى قيد الحربي وأدلتنا محصاة في موضعها فليراجع إليها في كتب الحديث.

ص: 373

‌كتاب الوصايا

ص: 375

‌باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص

ص: 376

[2119]

أي لم يوصِ في أمر الدنيا والمال، بل في أمور الدين مثل استخلاف أبي بكر، وبعث أسامة وإخراج اليهود من جزيرة العرب.

قوله: (أوصى بكتاب الله إلخ) قيل: معناه أوصى موافق كتاب الله وقيل: أوصى بحفظ كتاب الله، وعدم تضييعه وثبت خطبته في مرض الموت، وقالوا: إن الخطبة كانت تلافي ما يريد أن يكتب في القرطاس مثل استخلاف أبي بكر وإخراج المشركين من جزيرة العرب.

ص: 376

‌كتاب الولاء والهبة

ص: 379

‌باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه

ص: 380

[2127]

قوله: (ما بين العير إلى ثور إلخ) العير يقال له في هذا الزمان العائر، وفي الحديث:«أن العائر جبل النار» ، وقال صاحب القاموس: إني تحيرت في أن ثوراً في مكة لا المدينة حتى لقيت أعرابياً فسألته فقال: إن جبل ثور في المدينة خلف جبل أحد على ثلاثة أميال من المدينة.

قوله: (فعليه لعنة الله والملائكة إلخ) من قال بجواز لعن يزيد احتج بحديث الباب، ومن الثابت أن جماعة الصلاة في فتنة يزيد تركت في المدينة ثلاثة أيام، وقال سعيد بن المسيب: كنا نسمع صوت الأذان والإقامة من قبره عليه الصلاة والسلام، وقال ابن المسيب: إني تجنبت في أيام الفتنة لآمن شر يزيد.

ص: 380

‌باب في ما جاء القافة

ص: 381

[2129]

قال الشافعي: إن القافة معتبرة وبحيث لو ادعى المولان نسب ولد جارية فالعبرة لما قال القائف، وقال أبو حنيفة: إن الولد لهما.

قوله: (زيد بن حارثة إلخ) كان أسامة أسود وزيد آدم، فقال: الكفار إن أسامة ليس من زيد فمر هذا القائف عليهما، وقال: هذه الأقدام بعضها من بعض، وكان هذا القائف كافراً فسُر النبي صلى الله عليه وسلم، مسألة الرجوع في الهبة مرت سابقاً.

ص: 381

‌كتاب القدر

ص: 383

القدر تحت صفة الإرادة لا صفة العلم، وزعمت المعتزلة اندراجه تحت العلم وهو خلاف نصوص الشرع والإجماع، والإرادة مؤثرة في وجود المراد لا العلم في وجود المعلوم، وقال أرباب المعقول: إن علم الباري مؤثر لا علم الكائنات، وقال علماء الإسلام: إن من شأن العلم انجلاء المعلوم متى وقع كيف ما وقع، وزعمت المعتزلة أن في الإنسان اختياراً مستقلاً، ونقول: إن فيه اختياراً لكنه ليس بمستقل بل صورة في الحالة الراهنة، ويطلق عليه لفظ المختار حقيقة لا مجازاً لكنه في الحقيقة غير مختار، والاختيار وصف موضوع في الممكن يفعل به الأشياء أو يتركها من إرادته، ثم ذلك الوصف مستند إلى الاضطرار، وأما التأثير فإنما هو للفاعل الحقيقي، وإنما الإنسان مجبور محض في قبول ذلك الوصف، فالحاصل أن الإنسان مثل آلات المركب الدخاني كما يدل عليه لفظ الحديث في الصفحة (37) وهو يستعمله إلخ، إن قيل: أي فائدة في خلق العالم كما قال إبليس؟ قلت: إن في خلق العالم ثلاث احتمالات فإنه ممكن أو محال أو واجب، ومن البداهة أنه ليس بمحال وإلا فكيف يُخلق؟ والحال أنه مخلوق فيكون ممكناً؟ فإذا كان ممكناً فهل يقول أحد: إن إيجاده ليس بمستحسن؟ كيف يقول وفيه إظهار عجائب بارئ النسم وبدائعه، وإن قيل: يرفع الثواب والعقاب قلت: إن هذا يستلزم رفع الحسن من الحسن والقبح من القبيح ولا يقول به أحد فيكون جزاء مرتكب الحسن حسناً ومستحسناً، وكذلك جزاء مرتكب القبيح قبيحاً وهو إلقاؤه في النار وإدخال المطيع في الجنة، ثم إن قيل: لم خلق الله القبيح من الأمور ولم لم يخلق جميع مخلوقه حسناً؟ فيقال: إن خلق القبيح نظراً إلى الخالق حسن وإن كان نظراً إلينا قبيحاً، فإنه أيضاً كمال الخالق وإن من القانون في مخلوقاته في الدنيا تقليل الحسنات وتكثير القبيحات لأن الحسن يقتضي الاعتدال في الأنحاء والأنواع، ومن المعلوم أن الأقل شروطاً أكثر وجوداً والأكثر

شروطاً أقل وجوداً، وفي الاعتدال شروط كثيرة، ولقد صنفت نظماً في مسألة القدر وأذكره نبذة منه:

~ يا صاحبي إن الكلام بقدرتك

طويل وتحرير الخلاف يطول

ص: 383

~ لعلها أضحى لنا منا على اختيارنا

ولكنه نحو القدير يؤول

~ ففيك اختيار ليس منك وذلك

لجبر اختيار لا يكنك ذهول

~ وهذا هو الكسب الذي كلفوا به

وفيه اقتصاد فليكنك قبول

~ وأما اختيار مستقل فإنه

محال فلا يسألك عنه سؤول

~ ويثمر شرشر ما ينبغي له

فيزعمه الظلم الصريح جهول

~ كإيراث خبث البذر خبث نباته

طباعاً ولا يأتيه قال يقول

~ ولا يستوي الميزان إلا بخصلة

تفوت بأدنى ميلة فيعول

أقول: إن عصيان العاصي سبب لدخوله جهنم من قبيل التسبيب والتسبيب لا من قبيل الانتقام، وقد قلت فيما مر أن في الأفعال تأثيرات كما في الأدوية فإذا أكل أحدهم الفأر ومات لا يقول أحد: إنه مظلوم بل يطعن عليه وكذلك في الأفعال القبيحة.

ص: 384

‌باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر

ص: 384

[2133]

يجب للمسلم الاعتقاد بالقدر، ولا يجعل القدر عذراً لترك الأوامر وارتكاب النواهي، فإن صرفه اختياره إلى المرمر محسن في إرادته لكنه يعتقده أنه أيضاً من القدر، ولو فرض أن أحداً اطلع على شقاوته الأبدية قطعاً فلا يسقط عنه أحكام دار التكليف مثل الصوم والصلاة فلا يصح التقدير عذر في دار التكليف.

ص: 384

‌باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام

ص: 385

[2134]

اسمع على طور النكتة أن مسألة التقدير مذكورة في سورة البقرة فإنه تعالى قال لآدم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فأخطأت الملائكة وقالوا: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] . لكنهم لم يصروا على الخطأ فخلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود، وكان الغرض من السجود تسليم خلافة آدم فسلمت الملائكة خلافته، وخالف إبليس وارتدّ وحاج مع خالق المخلوق تبارك وتعالى ولا يجرئ أحد من المخلوق على المحاجة مع الخالق وإن هذا إلا كفر وظلم صريح، ولم يتب الملعون عن خطئه، فعلّم الله آدم التلكيف والتشريع وستر عنه التقدير، وأخذ أهل السنة والجماعة بالتشريع والتقدير ووفقهم الله الجمع بينهما، وقال الجبرية بالتقدير وذهب عنهم التشريع وقال المعتزلة بالتشريع لا بالتقدير، ثم اعلم أن التشريع والتكليف أيضاً في إحاطة التقدير، فعلم الله آدم أمراً ونهيا ونهى عن قرب الشجرة لكنه نسي وأكل وبكى على نسيانه مدة، ولم يصر على ما ارتكبه فتاب الله عليه، كما كان الأليق في المخلوق وخالقه فاستخلفه الله على الدنيا إلى أبد الدهر، فعلم من هذا أن الإنسان أفضل فإنه خلق فيه الخير والشر وكلف بالخير وهو في إحاطة التقدير، ومقتضى العقل أيضاً أفضلية الإنسان على الملك، ثم اصطفى الله موسى، للمناظرة مع آدم وكان موسى حديد الطبع فحج آدم موسى وكان إذن مقابلة مخلوق بمخلوق والعالم وراء عالم التشريع كما قال ابن همام في المسائرة فلا يعتذر في عالم التشريع بعالم التقدير، ولم يناظر آدم مع الرب تبارك وتعالى موقوع الأمر بينهما أمر الخالق والمخلوق وكان الدار دار التكليف، وقال الحافظ ابن تيمية: إن التمسك بالقدر كان في المصيبة لا عذراً في المعصية.

ص: 385

‌باب ما جاء في الشقاء والسّعادة هما أزليتان ومن القدر

ص: 386

[2135]

قوله: (فيما قد فرغ منه يا ابن الخطاب إلخ) قوله هذا من أعلى الإعجاز فإن حل العقيدة الوثيقة بمثل هذا المختصر من الكلام لا يحصل إلا لصاحب النبوة، ولا يحصل بعد تحصيل الفنون العقلية والنقلية مدة الأعمار والسنين، ويكفي لذوي الألباب في مسألة التقدير ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصر من الأقوال المباركة، ومعنى «كُلٌّ مُيْسَرٌ إلخ» أن كل واحد سهل له ما قدر له وليس الفعل والترك أيضاً مستأنفاً بل هو أيضاً مفروع عنه لا يخرج كل ما في الكون عن حيطة القدر.

قوله: (ينكث في الأرض إلخ) هذه واقعته وهو في المقبرة وكان الميت يدفن.

ص: 386

‌باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم

ص: 386

[2137]

قوله: (أربعين يوماً إلخ) في مسلم خمسة وأربعين يوماً، ولعل الاختلاف باختلاف الأحوال

ص: 386

والأشخاص، وفي علم الطب أن رحم المرأة إذا ضعف تطول مدة الحمل.

قوله: (وعمله شقي أو سعيد إلخ) هذا شيء واحد والشقاوة والسعادة تفسير الحمل، وأما الشيء الرابع فليس بمذكور هاهنا، وهو أن الحمل ذكر أو أنثى وليعلم أن الأعمال قبل الموت أمارات الشقاوة والسعادة.

ص: 387

‌باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة

ص: 387

[2138]

الحديث طويل الذيل سيأتي بحثه في جنائز البخاري، وكتب ابن قيم عدة أوارق في شفاء العليل على حديث الباب، والمسألة هاهنا مسألة نجاة أولاد المشركين والتوقف فيهم.

ص: 387

‌باب ما جاء لا يردّ القدر إلا الدعاء

ص: 388

[2139]

الدعاء أيضاً غير رادٍّ للقدر فإنه أيضاً من القدر إلا إن القدر مستور عنّا.

ص: 388

‌باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن

ص: 388

[2140]

قوله: (من أصابع الله إلخ) مرَّ الغزالي في إحياء العلوم على حديث الباب وهو من المتشابهات ولم يرض بقول التفويض إلى الله تعالى، ونقل أن أحمد بن حنبل لا يتأول في متشابه إلا هذا الحديث، وأقول: لعله لم يتأول فيه أيضاً إلا أنه حكي أن ابنه عبد الله كان يدرس الحديث فجاء أحمد بن حنبل في وقت درسه، وحديث الباب تحت الدرس وكان يحرك عبد الله أصابعه فغضب الإمام وقال: مه لعل الناس يزعمون أن أصابع الرحمن مثل أصابعك هذه، فلعل الغزالي أخذ من هذا، والله أعلم. ثم هذه الألفاظ الثابتة مثل اليد والأصبع واليمين والوجه والحقوة والقدم والساق فلم أجد نقلاً من السلف في إطلاق اسم مشترك على هذه، وأطلق المتكلمون لفظ الصفات وهو موهم للزيادة

ص: 388

على الذات وإخلاء للفظ عن موضوعه، وأطلق البخاري لفظ النعوت وهو وصت عليه الخص.

ص: 389

‌باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار

ص: 389

[2141]

قوله: (ما هذان الكتابان إلخ) الشراح مترددون في الكتابين، وعندي يمكن أن يكون هو البياض المحض والغرض التمثيل.

قوله: (سدّدوا وقاربوا إلخ) من السداد بفتح الأول، وأما السداد في الاعتقاد فعدم التعرض إلى التناقض بين نصوص الشريعة والنهي عن كونه مجادلاً، وأما في الأعمال فاختيار الأعمال المتوسطة والبلوغ إلى منتهاها بدون إفراط وتفريط.

قوله: (فريق في الجنة إلخ) اعلم أن جواباته في مسألة التقدير كافية وافية لمن له فهم سليم وذوق صحيح ولقد كتبت نعته ومنه:

~ آدم بصف محشر وذريت آدم

درزير لواءت كه خطيبي وأميري

ص: 389

~ يكتاكه بود مركزهر دائره يكتا

تامركز عالم تواي لي مثل ونظيري

~ وحق است وممتاز زباطل

آن دين نبي هست اگر صاف ضميري

~ آيات رسل بوده همه بهتر وبرتر

آيات توقرآن همه وأني همه گيرى

~ آن عقده تقدير كه ازكسب نشد حل

حرفي توكشا يدكه خبيري وبصيري

~ كانراكه جزاگفته آن عين عمل هست

بكزرز حفاف ونگران هـ پذيرى

~ أي ختم رسل أمت توخير أمم بود

ون ثمره كربا شد همه وردور أخيري

~ كس نيست أزين أمت توانكه وانور

باروئ سياه آمده وموئ زرئيرى

ص: 390

‌باب ما جاء في القدرية

ص: 392

[2149]

المفهوم من أقوال المتكلمين أن مرجئة أهل البدعة قائلون بأن معصية من المعاصي لا تضر، وذكر التوربشتي أن المرجئة هم الجبرية، وهو الحافظ، وفضل الله التوربشتي حاذق في الكلام، وكذلك مقتضى ظاهر الحديث من التقابل بين القدرية والمرجئة، وقال القدرية بأن أفعال العباد بخلق العباد وأنكر التقدير.

ص: 392

قوله: (وهو عمران القطان إلخ) في مسند أحمد رواية صلاته بالليل تسع ركعات وثلاث ركعات منها وتر وفي إسنادها عمران، وفي نسخة مسند أحمد عمران العطار، وكنت متردداً فيه مدة وراجعت إلى النسخ القلمية وفيها أيضاً العطار حتى أن وجدت في البخاري في ذات الرقاع عمران، وفي الحوض عمران القطان، وفي الهوامش العطار فحصل لي أنهما واحد.

ص: 393

‌باب ما جاء في الرضا بالقضاء

ص: 393

[2151]

اعلم أن القضاء إجمال والقدر تفصيل، والكلام بين الإرادة والمشيئة سيجيء في البخاري إن شاء الله.

قوله: (أو مسخ إلخ) أي مسخ الصورة، وورد في الحديث:«لا مسخ في أمتي» وقيل: إن حديث الباب محمول على المسخ القليل، وما ورد في الحديث فهو محمول على المسخ العام.

ص: 393

قوله: (أول ما خلق الله إلخ) في بعض الروايات: أن أول المخلوقات نور النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره القسطلاني في المواهب بطريق الحاكم والترجيح لحديث النور على حديث الباب.

ص: 394

قوله: (إلى الأبد إلخ) الأبد عند الشارحين القيامة، لأن علم الباري غير متناهٍ بالفعل ولا يسع في المتناهي، وأقول: إن الأبد يحمل على معناه اللغوي إلا أن في كتابة العلم إجمالاً وفي علم الله تفصيلاً، وهكذا أقول فيما سيجيء: إني رأيت ربي في المنام، ووضع يده بين كتفي فتجلى لي ما بين السماوات والأرض بأن علم البشر يكون بما في الأرض، والإعجاز أن يكون له علم ما في السماوات، ولا يجب أن يكون ذلك بكل شيء وبالتفصيل بل يكفي العلم الإجمالي، ولما كان خارجاً عن قدرة البشر كفى فيه الجنس ولا حاجة إلى الاستغراق ببعض الأشياء لا الاستغراق، فالاستدلال بذلك الحديث على إثبات علم الغيب له عليه الصلاة والسلام وتساوي علم النبي والباري غير صحيح، وأما الشراح فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم ما في السموات والأرض ما شاء الله وغرضهم إبطال التمسك المذكور بذلك الحديث، وأيضاً التجلي هو عرض لا تفصيل.

ص: 395

‌كتاب الفتن

ص: 396

‌باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح

ص: 397

[2162]

من حمل السلاح على أخيه أو تعرض لماله يجوز للآخر الذي حُمِلَ عليه قتل الحامل المتعرض ديانة كما في كتب المذاهب الأربعة.

ص: 397

‌باب ما جاء في لزوم الجماعة

ص: 398

[2165]

إذا تحققت الإمامة الكبرى لأحد فلا يجوز لأحدٍ البغاة الخروج عليه، ويجب اتباعه وتعبر الشريعة هذا الاتباع بلزوم الجماعة، وفي حديث:«لا تخرجوا على الإمام إلا أن تروا كفراً بواحاً» إلخ.

قوله: (ولا يستحلف إلخ) في أصل مذهبنا المنع عن الاستحلاف، وجوز أرباب الفتوى للشاهدين.

ص: 398

‌باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ص: 400

[2169]

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ولو تيقن عدم النفع فيجوز الترك لكن العمل بالعزيمة أولى، وإذا خشي الأذية والضرر فيترك.

ص: 400

‌باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر

ص: 401

[2174]

في جامع الفصولين لمحمود بن قاضي سماوة: أن قوماً بغت يسبب ظلم الإمام عليهم لا يحامي القوم ولا الإمام لأن الجور صدر عن الإمام، وأما إذا جاهد الإمام مع الكفار أو بلا مظلمة فيجب حماية الإمام إجماعاً، وزعم بعض الجاهلين مسألة جامع الفصولين على غير ما هي فأفتوا وضلّوا فأضلّوا.

ص: 401

‌باب ما جاء في رفع الأمانة

ص: 403

[2179]

هذه الأمانة في القرآن العزيز: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزب: 72] وذكر بعض تفصيلها في البخاري أي لون للقلب تمهيد للإيمان وبسببه يراعي الإنسان مواجب الناس وحقوقهم.

قوله: (مثل الوَكت إلخ) حديث الباب يدل على زيادة الإيمان ونقصانه كما قلنا.

ص: 403

‌باب ما جاء في انشقاق القمر

ص: 404

[2182]

انشق القمر في عهده ولا يمكن إنكاره كما أنكر بعض الملاحدة، وما نسب إلى بعض كبارنا إنكاره فلم يدرك من نسب إليهم مراد كبارنا فإن مرادهم أنه كان من أشراط قرب القيامة، وفيه الإعجاز أيضاً لا نفي الإعجاز رأساً والعياذ بالله، وادَّعت جماعة من المحدثين أن ثبوته بالتواتر، وفي مشكل الآثار أيضاً روايات كثيرة.

ص: 404

‌باب ما جاء في الخسف

ص: 405

[2183]

قوله: (طلوع الشمس من مغربها إلخ) يوم طلوع الشمس من المغرب يوم خروج الدابة، ويكون لتلك الدابة عصى وخاتم ترسم المؤمنين بالعصى يظهر منه لفظ (المؤمن) ، ويرسم الكفار بالخاتم ويظهر لفظ (الكافر) ، هكذا قال العلماء ولقولهم روايات أيضاً، وفي رواية ضعيفة السند أن الشمس تدور على دور القطب، وذكر الشيخ الأكبر لطيفة وهي أن المدور إذا دوّرت فإذا ختمت حركته يرجع، وكذلك الشمس تدور فإذا ختمت حركتها ترجع وتطلع من المغرب.

قوله: (نار تخرج من قعر عَدَن إلخ) قال النووي: إن هذه النار خرجت فيما مضى، وقال جماعة من المحدثين: إن قطعة الحديث: «تسوق الناس وتحشر الناس» وهم الراوي وأنها قطعة الحديث الذي فيه ذكر النار التي قريب القيامة لا النار التي وقعت، واعلم أنه وقع في الروايات أن الحشر والحساب يكون في الشام.

ص: 405

‌باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج

ص: 407

[2187]

سدّ يأجوج ومأجوج نحو البلاد الشرقية الشمالية، وأما ما تقول الملاحدة من أهل العصر أن ما من بقعة من بقع الأرض إلا ومُسِحَت ولم يوجد له بها يأجوج ومأجوج وليس بموجود فغلط محصن، فإن في الإفريقية أرض في أربعين منزلاً لم يطئه قدم واطئ، فإذن قولهم كذب بحت، وذكر يأجوج ومأجوج في التوراة أيضاً.

قوله: (الأثرة إلخ) ترجيح أحد على الآخر بلا وجه وجيه.

ص: 407

‌باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلخ

ص: 408

[2191]

ليس المراد به إخبار جميع ما يكون إلى القيامة وكل جزئيته، بل المراد الجنس مثل أخبار الفتن.

ص: 408

‌باب ما جاء في أشراط الساعة

ص: 412

[2205]

الأشراط جمع شَرَطَ بفتح الوسط، والشروط جمع الشَرْط بسكون الوسط.

ص: 412

قوله: (الله الله إلخ) قال العلماء: إن روح الدنيا لا إله إلا الله، فإذا خرج الروح تفسد الدنيا، وأقول: هذا يدل على أن الله الله مفرد أيضاً ذكر، وكذلك في القرآن العزيز {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] الآية، وقال الحافظ ابن تيمية: إن الله مفرداً ليس بذكر، وتأول في مثل هذا بالحذف أو التقدير.

ص: 413

قوله: (لكع بن لكع إلخ) لعين بن لعين.

قوله: (تقئ الأرض إلخ) يفهم من الروايات أن نهر الفرات ينتقل من موضعه وتخرج منه دفينة عظيمة فلا يأخذونها، لعل وجه عدم أخذهم إنقراض ما في الدنيا عن قريب.

قوله: (ريحاً حمراء إلخ) الريح التي تشتمل على البلاء والأمراض.

ص: 414

‌باب ما جاء في قتال الترك

ص: 416

[2215]

في الحديث نهي عن المقاتلة بالترك وتأذيهم، وفي الحديث:«واتركوا الترك ما تركوكم» وهذه إشارة إلى فتنة التاتار والتيمور، اعلم أن في الدنيا قومين لا يوجد رجل منهم كافر، وهم الأتراك والعرب.

ص: 416

‌باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير

ص: 417

[2220]

ثقيف حي من قبائل طائف، المبير هو حجاج بن يوسف ظالم هذه الأمة، والكذاب هو مختار بن أبي عبيد وأخته صفية بنت أبي عبيد زائدة زوجة ابن عمر، ويروى عن أحمد بن حنبل أن حجاجاً كافر.

ص: 417

‌باب ما جاء في القرن الثالث

ص: 418

[2221]

زعم أكثر العلماء أن مصداق القرن الأول من عهده والثاني عهد الصحابة والثالث عهد التابعين، وأقول: لعل هذا الأمر مستمر أي كل ماضٍ خير من مستقبل إلا ما شاء الله والخير والشر أمران إضافيان، وفي مسلم:«أنا بعثت لي خير القرون» فقرنه خير القرون الأولى والأخرى، والقرن في اللغة النسل أي ناس زمان وعصر واحد.

ص: 418

‌باب ما جاء في الخلفاء

ص: 418

[2223]

المراد باثني عشر أميراً عند أهل السنة والجماعة هم الخلفاء الأربعة، وحسن وعمر بن

ص: 418

عبد العزيز ومعاوية، ومثل المهدي والمستعصم ونقلوا أن المستعصم كان شهيداً في حرب تاتار وهو صائم وغيرهم من الصلحة، لا ما زعم المتشيعون من الأئمة اثني عشر من أهل البيت لأن عند أهل السنة كل من كان إماماً منهم فهو إمام ولا يحصرون والمراد هاهنا الأمراء.

ص: 419

‌باب ما جاء في الخلافة

ص: 419

[2225]

قوله: (الخلافة في أمتي ثلاثون سنة إلخ) خلافة أبي بكر الصديق ثنتان مع بعض الأشهر، وخلافة عمر الفاروق عشرة سنين مع بعض الشهور، وخلافة ذي النورين اثنا عشر سنة وخلافة علي أمير المؤمنين أربعة سنين، وخلافة حسن سبط النبي صلى الله عليه وسلم عدة أشهر.

قوله: (بنو الزرقاء إلخ) زرقاء امرأة من جداتهم، ثم كون الخليفة قريشياً عند الجمهور واجب، وعند إمام الحرمين وذكر الطرابلسي عن أبي حنيفة الاستحباب.

ص: 420

‌باب ما جاء في المهدي

ص: 421

[2230]

يعلم من الأحاديث أن أكثر حروب تقع بين المسلمين والنصارى فينزل عيسى لإصلاح النصارى، ويكون نبياً ويعمل بشريعة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وفي سن عمره روايات كثيرة ولكن الصحيحة أن يكون عمره في الدنيا بعد النزول أربعين سنة، وأتى الحافظ بالتوفيق بين الروايات في الأطراف، ويبعث المهدي لإصلاح المسلمين فبعد نزول عيسى يرتحل المهدي من الدنيا إلى العقبى.

ص: 421

‌باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم

ص: 422

[2233]

قوله: (يضع الجزية إلخ) حكم وضع الجزية لعيسى من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأحاديث الصحاح أن نزول عيسى في المغرب، فما حال الملعون القادياني يدعي أنه ابن مريم؟ والحال أن الملعون ابن وهل هو دجال خرج من المشرق.

ص: 422

‌باب ما جاء علامات خروج الدجال

ص: 424

[2238]

قوله: (في سبعة أشهر إلخ) في أبي داود ص (590) رواية تخالف رواية الباب، فإن فيها ستة سنين، ويمكن أن يقال: إن ست سنين تمضي في الحروب ثم بعدها تمضي سبعة أشهر في سائر الأمور ولكني ما وجدت النقل، وفي أبي داود ص590: عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال انتهى، ولا يتوهم اتصال جميع هذه الأشياء بل يمكن الفصل الطويل بين علامتين فإن صاحب الشريعة جمع في عدد العلامات.

ص: 424

‌باب ما جاء في فتنة الدجال

ص: 424

[2240]

قوله: (سورة أصحاب الكهف إلخ) لأنهم أيضاً ابتلوا في فتنة فنجاهم الله عنها بفضله اللهم أنجنا آمين.

قوله: (يوم كسنة إلخ) قيل: إنه تصوير لشّدة الابتلاء وليس في الواقع سنة، وقيل: إن في ذلك الزمان يكون تكاثف السحب والأمطار والظلمة ولا يرى النهار، ولا ريب أن القحط أيضاً يكون في ذلك الزمان كما في بعض الروايات، وقيل: يكون يوم سنة في الواقع وقرينة لفظ (ولكن اقدروا. إلخ) لفظ حديث الباب، وتمسك ابن همام على أن صلوات أهل بلغار خمس بهذا الحديث، وفي بلغار يطلع الصبح حين غيبوبة الشفق بعد غروب الشمس ومختار الشيخ ابن همام، واختاره شمس الأئمة الحلواني، واختار البقالي الأربع، ولما بلغ الحلواني ما اختاره البقالي أرسل الحلواني رجلاً إلى البقالي فبلغ الرجل والبقالي يعظ الناس فقال الرجل: ما حال من أسقط خامسة الصلوات؟ فقال: حاله كمن يتوضأ وسقط يده فسكت الرجل وذهب إلى الحلواني وبلغه ما ورد به. أقول: إن الصلوات عليهم خمس، ولكن حال الصلاة وحال رمضان عليهم كيف يكون حكمه ولم يتوجه إلى هذا أحد إلا الشوافع توجهوا إلى الصلاة، ويقولون: إن أهل بلغار يمرون على حساب من قريب منهم ويجدون وقت العشاء، وأما ابن بطوطة السياح صاحب الرحلة قال: بلغت بلغار وصمت ثمة معهم ولم أجد شيئاً من الكلفة على نفسي: وأما بعض البلاد مثل قاذان فلا يوجد الشفق الأحمر أيضاً بل إذا غربت الشمس طلعت الفجر، وكان فيهم ملا بهاء الدين الحنفي المرجاني وهو ذكي الطبع وله حواشي على الكتب، وصنف رسالة فيما نحن فيه ولم أجدها، ونقل النواب في رسالة عبارة الشيخ رفيع الدين الدهلوي رحمه الله.

ص: 425

قوله: (أن حَوِّز عبادي إلى الطور إلخ) هذا الحكم في التوراة أيضاً.

ص: 426

‌باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة

ص: 427

[2242]

قوله: (إن شاء الله إلخ) هذا لعله قيد الطاعون، وينظر في التواريخ هل دخل الطاعون في المدينة أم لا؟ وأما الوباء فقد دخلها، وذكر الشراح ما بدا لهم، وفي البخاري ص (1056) ج (2) أولاً الطاعون إن شاء الله، فبالجملة لو توهم نقض قاعدة الحديث يقال: إن عدم الدخول معلق بمشيئة الله تعالى فليتدبر.

ص: 427

‌باب ما جاء في ذكر ابن صياد

ص: 428

[2246]

كان مختلط الأحوال ويخبر عن المغيبات تكون بعضها صحيحة وبعضها كاذبة، وكان كاهناً فطرة وحلف بعض الصحابة بأنه دجال، ثم قيل: إنه غاب في وقعة الحرة مع يزيد، وقيل: إنه غاب في الحروب القادسية كان أولاً بالمسلمين ثم التحق باليهود.

ص: 428

قوله: (إن تميم الداري إلخ) هذا من خصوصية تميم الداري بأنه حدث عنه قائماً على المنبر، وقد ثبت ذهاب ابن الصياد إلى مكة مع أبي سعيد في حديث الباب، وثبت بسند صحيح أن ابن عمر غضب على ابن صياد وضربه بالعصا، وقالت حفصة: لم ضربته يا ابن عمر فإنه حدث أن سبب خروج الدجال غضبة فِلم أغضبته؟ .

قوله: (لا تحل له مكة إلخ) قيل: إن المراد به عدم دخوله مكة والمدينة هو بعد خروجه دجالاً، ويجوز دخوله قبل الخروج ولكن الأرجح أن ابن الصياد ليس بالدجال الكبير الموعود، نعم أحواله مختلطة ومشبهة مع أحوال الدجال الكبير ولعله دجال صغير.

قوله: (وهو الدُّخُّ إلخ) قيل: إنه قرأ الدخان في نفسه وسمعه الشيطان وأبلغه إلى ابن الصياد، أقول: من راجع إلى مقدمة ابن خلدون لا يحتاج إلى هذا، فإنه ذكر تفسير الكهانة وأنها قد تكون جبلياً وإنما أضمر هذه الآية لأن ابن صياد كان يرى دخاناً.

قوله: (فاضرب عنقه إلخ) قيل: إنه كان واجب القتل لأنه ادعى النبوة، وقيل: إنه كان صبيّاً فلا يقتل.

قوله: (تنام عيناه إلخ) هذه علامة الكاهن.

قوله: (له همهمة إلخ) هذه أيضاً من علامات الكهانة.

ص: 430

‌باب حديث تميم الداري في الدجال

ص: 431

[2253]

هذا من خصوصية تميم الداري، وكان نصرانياً ثم أسلم، واعلم أن الرجل المذكور حاله هو الدجال الكبير.

ص: 431