المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

-‌ ‌[كتاب الحج ومعناه لغة واصلاحا - وتاريخ افتراضه]- بسم الله الرحمن - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ١١

[أحمد البنا الساعاتي]

فهرس الكتاب

الفصل: -‌ ‌[كتاب الحج ومعناه لغة واصلاحا - وتاريخ افتراضه]- بسم الله الرحمن

-‌

‌[كتاب الحج

ومعناه لغة واصلاحا - وتاريخ افتراضه]-

بسم الله الرحمن الرحيم

(10)

كتاب الحج والعمرة)

الحج يقال بفتح الحاء وكسرها لغتان قرئ بهما فى السبع، وأكثر السبعة بالفتح، وكذا الحجة فيها لغتان فتح الحاء وكسرها أيضا، فمعناه على الفتح الفعلة من الحج أى المرة، وعلى الكسر الحالة والهيئة كالتلبية والأجابة (ومعنى الحج فى اللغة) القصد مطلقا، وقال الجوهرى هو من قولك حججته إذا أتيته مرة بعد أخرى، والأول هو المشهور، وقال الليث والخليل أصل الحج فى اللغة زيارة شاء تعظمه، وقال كثيرون هو إطالة الاختلاف إلى الشاء، واختاره ابن جرير، قال أهل اللغة يقال حج يحج بضم الحاء فهو حاج، والجمع حجاج وحجيج وحجج بضم الحاء، حكاه الجوهرى كنازل ونزل (ومعناه فى عرف الشرع) القصد إلى زيارة البيت الحرام على وجه التعظيم بأفعال مخصوصة كالطواف والسعى والوقوف بعرفة وغيرها محرما بنية الحج (وأما العمرة) ففيها قولان لأهل اللغة، حكاهما الأزهرى وآخرون، أشهرهما أصلها الزيارة، ولم يذكر ابن فارس والجوهرى غيره (والثاني) أصلها القصد، قاله الزجاج وغيره، قال الأزهرى وقيل إنما اختص الاعتمار بقصد الكعبة لأنه قصد إلى موضع عامر، والله أعلم (وقد اختلف فى وقت ابتداء فرض الحج) فقيل نزلت فريضته سنة خمس من الهجرة وأخره النبى صلى الله عليه وسلم من غير مانع، فانه خرج إلى مكة سنة سبع لقضاء العمرة ولم يحج، وفتح مكة سنة ثمان ولم يحج، وبعث أبا بكر أميرًا على الحج سنة تسع، وحج هو سنة عشر، وعاش بعدها ثمانين يوما ثم قبض، وكل هذه الأمور مجمع عليها بين أهل السير إلا فرض الحج فذكر القرطبى أنه فرض سنة خمس؛ وقيل سنة تسع قال وهو الصحيح، وذكر البيهقى أنه كان سنة ست، وفى حديث ضمام بن ثعلبة ذكر الحج، وذكر محمد بن حبيب أن قدومه كان سنة خمس من الهجرة، وقال الطرطوشى وقد روى أن قدومه على النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سنة تسع، وذكر الماوردى أنه فرض سنة ثمان وقال إمام الحرمين سنة تسع أو عشر وقيل سنة سبع وقيل كان قبل الهجرة وهو شاذ، والله أعلم

(رموز واصطلاحات تختص بالشرح)

(خ) للبخارى فى صحيحه (م) لمسلم (ق) لهما (د) لأبى داود (مذ) للترمذى (نس) للنسائى (جه) لابن ماجه (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة، أبى داود. والترمذى. والنسائى وابن ماجه (ك) للحاكم فى المستدرك (حب) لابن حبان فى صحيحه (خز) لابن خزيمة (*)

ص: 2

-[رموز واصطلاحات تختص بالشرح]-

(1)

باب ما ورد فى فضل الحج والعمرة

(1)

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه

(1) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا يزيد أنا

_________

*) في صحيحه (بز) للبزار فى مسنده (طب) للطبرانى فى معجمه الكبير (طس) له فى الأوسط (طص) له فى الصغير (ص) لسعيد بن منصور فى سننه (ش) لابن أبى شيبة فى مصنفه (عب) لعبد الرزاق فى الجامع (عل) لأبى يعلى فى مسنده (قط) للدارقطنى فى سننه (حل) لأبى نعيم فى الحلية (هق) للبيهقى فى السنن الكبرى (لك) للأمام مالك فى الموطأ (فع) للأمام الشافعى، فان اتفقا على إخراج حديث قلت أخرجه الأمامان (مى) للدارمى فى مسنده (طح) للطحاوى فى معانى الآثار، وهؤلاء هم أصحاب الأصول والتخريج رحمهم الله، (أما الشراح) وأصحاب كتب الرجال والغريب ونحوهم فاليك ما يختص بهم (طرح) للحافظ أبي زرعة ابن الحافظ العراقى فى كتابه طرح التثريب (نه) للحافظ ابن الأثير فى كتابه النهاية (خلاصة) للحافظ الخزرجى فى كتابه خلاصة تذهيب الكمال فى أسماء الرجال، ثم إذا قلت (قال الحافظ) وأطلقت فمرادى به الحافظ ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى شرح البخارى، فان كان فى غيره بينته (وإذا قلت) قال النووى فالمراد به فى شرح مسلم، فان كان فى المجموع فالرمز له (ج) وإذا قلت قال المنذرى فالمراد به الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب (وإذا قلت) قال الهيثمى فالمراد به الحافظ على بن أبى بكر بن سليمان الهيثمى فى كتابه مجمع الزوائد (وإذا قلت) قال فى التنقيح فالمراد به المحدث الشهير أبو الوزير أحمد حسن فى كتابه تنقيح الرواة فى تخريج أحاديث المشكاة (واذا قلت) قال فى المنتقى فالمراد به الحافظ مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية الكبير المتوفى سنة 621 جد ابن تيمية المشهور شيخ ابن القيم (واذا قلت) قال الزيلعى فمرادى الحافظ جمال الدين الزيلعى فى كتابه نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية (وإذا قلت) قال الشوكانى فالمراد به المحدث الشهير محمد بن على بن محمد الشوكانى فى كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، فان نقلت عن غير هؤلاء ذكرت أسماءهم وأسماء كتبهم، رحمة الله عليهم أجمعين

(تنبيه) يجد القاراء بالاستقراء من أول الكتاب إلى نهاية الجزء السابع أنى أورد فى الشرح فى آخر كل باب قبل الأحكام ما يتيسر لى من الأحاديث الزائدة على ما أخرجه الأمام أحمد فى الباب سواء أكانت فى الصحاح أو السنن أو المعاجم أو الجوامع أو المسانيد وسواء كانت صحيحة أو حسنة أو ضعيفة ضعفا يقوى بغيرها من طرق أخرى، وهذا الأخير لا أذكره إلا نادرا، معرضا عن ذكر الأحاديث الشديدة الضعف لأنها لا يعمل بها ولا فائدة فى ذكرها (*

ص: 3

-[بيان أن الحج من أفضل الأعمال]-

وعلى آله وصحبه وسلَّم أفضل الأعمال عند الله إيمانٌ لا شكَّ فيه وغزوٌ لا غلول فيه وحجٌّ مبرورٌ قال أبو هريرة رضى الله تبارك وتعالى عنه

هشام عن يحيى عن أبى جعفر أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال- الحديث" (غريبه) (1) وقع فى رواية لمسلم "إيمان بالله ورسوله" وفى ذكر الأيمان بعد قوله أفضل الأعمال عند الله تصريح بأن العمل يطلق على الأيمان (قال النووى) المراد به والله أعلم الأيمان الذى يدخل به فى ملة الأسلام وهو التصديق بقلبه والنطق بالشهادتين، فالتصديق عمل القلب والنطق عمل اللسان، ولا يدخل فى الأيمان ههنا الأعمال بسائر الجوارح كالصوم والصلاة والحج والجهاد وغيرها لكونه جعل قسما للجهاد والحج، ولقوله صلى الله عليه وسلم ايمان بالله ورسوله، ولا يقال هذا فى الأعمال، ولا يمنع هذا من تسمية الأعمال المذكورة ايمانا اهـ (قلت) يعنى باعتبار أنه لا يكمل الأيمان الا بها "وقوله لا شك فيه" قيد مخرج لمن آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه كمن يشك فيما علم من الدين بالضرورة كالتوحيد والنبوة والبعث والجزاء وافتراض الصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك فهذا لا يقال له مؤمن (2) الغزو هو الجهاد فى سبيل الله لاعلاء كلمة الله ونصر دينه ودفع المعتدين من الكفار على بلاد المسلمين "والغلول" السرقه من الغنيمة قبل القسمة وهو من الكبائر قال تعالى {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} فالمجاهد إذا غل لا يكون مجاهدا وليس له فى الجهاد ثواب بل عليه الوزر وشدة العذاب، نسأل الله السلامة، وسيأتى الكلام عليه أيضا فى كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (3) قال النووى الأصح الأشهر أن المبرور هو الذى لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة، وقيل هو المقبول، ومن علامة القبول أن يرجع خيرا مما كان ولا يعاود المعاصى، وقيل هو الذى لا رياء فيه، وقيل الذى لا يعقبه معصية وهما داخلان فيما قبلهما اهـ

_________

*) قاصدا بذلك أن يكون (كتابى هذا أجمع كتاب) فى علم السنة لا يحتاج مقتنيه إلى غيره، ولما كانت هذه الأحاديث الزائدة تزداد فى كل جزء عن سابقه بحسب زيادة المواد التى لم تكن موجودة قبل ذلك وكان لها ارتباط بالأحكام وتكثر الأشارة إليها فى الشرح، رأيت أن أترجم لها بعنوان (زوائد الباب) وتكون الأشارة اليها بلفظ الزوائد (فاذا قلت) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على كذا أو حديث عمر مثلا الذى فى الزوائد يدل على كذا، فمرادى بلفظ الزوائد ما زدته فى الشرح من الأحاديث التي تناسب الباب لغير الأمام أحمد، فتنبه والله الهادي

ص: 4

-[كلام العلماء فى أحاديث تفضيل الأعمال - والجمع بين ما تعارض منها]-

حجٌّ مبرورٌ يُكفِّر خطايا تلك السَّنة (1)

(1) هذا قول أبى هريرة ولا ينافى ما جاء مرفوعا أنه يرجع كهيئته يوم ولدته أمه كما فى الحديث الآتى، وهو كناية عن غفران الذنوب كلها. وسيأتى الكلام عليه فى شرحه (واعلم) أنه جاء فى تفضيل الأعمال أحاديث صحيحة غير هذا عند الشيخين والأمام أحمد فى غير هذا الموضع على غير هذا الترتيب كما فى (حديث ابن مسعود) تفضيل الصلاة ثم بر الوالدين ثم الجهاد، وفى حديث أبى ذر الأيمان والجهاد ولم يذكر الحج (وفى حديث عبد الله بن عمرو) أى الأسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (وفى حديث أبى موسى) وعبد الله بن عمر أى المسلمين خير قال من سلم المسلمون من لسانه ويده (وصح فى حديث عثمان) خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأمثال هذا فى الصحيح كثيرة فكيف الجمع بينها؟ "قال النووى" رحمه الله اختلف العلماء فى الجمع بينها، فذكر الأمام الجليل أبو عبد الله الحليمى الشافعى عن شيخه الأمام العلامة المتقن أبى بكر القفال الشاشى الكبير وهو غير القفال الصغير المروزى المذكور فى كتب متأخرى أصحابنا الخراسانيين، قال الحليمى وكان القفال أعلم من لقيته من علماء عصره أنه جمع بينها بوجهين (أحدهما) أن ذلك اختلاف جواب جرى على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص، فانه قد يقال خير الأشياء كذا ولا يراد به خير جميع الأشياء من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال والأشخاص، بل فى حال دون حال أو نحو ذلك. واستشهد فى ذلك بأخبار، منها عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حجة لمن لم يحج أفضل من أربعين غزوة، وغزوة لمن حج أفضل من أربعين حجة (الوجه الثانى) أنه يجوز أن يكون المراد من أفضل الأعمال كذا أو من خيرها، أو من خيركم من فعل كذا، فحذفت من وهى مرادة. كما يقال فلان أعقل الناس وأفضلهم. ويراد أنه من أعقلهم وأفضلهم؛ ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله، ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس مطلقًا، ومن ذلك قولهم أزهد الناس فى العالم جيرانه، وقد يوجد فى غيرهم من هو أزهد منهم فيه، هذا كلام القفال، وعلى هذا الوجه الثانى يكون الأيمان أفضلها مطلقا، والباقيات متساوية فى كونها من أفضل الأعمال والأحوال، ثم يعرف فضل بعضها على بعض بدلائل تدل عليها وتختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فان قيل فقد جاء فى بعض هذه الروايات أفضلها كذا ثم كذا بحرف ثم وهى موضوعة للترتيب (فالجواب) أن ثم هنا للترتيب فى الذكر كما قال تعالى {وما أدراك ما العقبة فك رقبة} الى قوله {ثم كان من الذين آمنوا} ومعلوم أنه ليس المراد هنا الترتيب فى الفعل، وكما قال تعالى {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا -الى قوله- ثم آتينا موسى الكتاب}

ص: 5

-[كلام العلماء فى الحكمة فى ذكر الجهاد قبل الحج فى حديث أبى هريرة]-

(2)

وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من حجَّ (وفى روايةٍ من أمَّ هذا البيت) فلم يرفث ولم

وقوله تعالى {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} ونظائر ذلك كثيرة وأنشدوا: قل لمن ساد ثم ساد أبوه

ثم قد ساد قبل ذلك جده

وذكر القاضى عياض فى الجمع بينهما وجهين * (أحدهما) * نحو الأول من الوجهين اللذين حكيناهما، قال قيل اختلف الجواب لاختلاف الأحوال، فأعلم كل قوم بما بهم حاجة اليه، أو بما لم يكملوه بعد من دعائم الأسلام ولا بلغهم علمه * (والثاني) * أنه قدَّم الجهاد على الحج لانه كان أول الاسلام، ومحاربة أعدائه والجد فى اظهاره (وذكر صاحب التحرير) هذا الوجه الثانى ووجها آخر أن ثم لا تقتضى ترتيبًا، وهذا قول شاذ عند أهل العربية والأصول، ثم قال صاحب التحرير والصحيح أنه محمول على الجهاد فى وقت الزحف الملجاء والنفير العام، فانه حينئذ يجب الجهاد على الجميع، وإذا كان هكذا فالجهاد أولى بالتحريض والتقديم من الحج لما فى الجهاد من المصلحة العامة للمسلمين مع أنه متعين متضيق فى هذا الحال بخلاف الحج، والله أعلم اهـ * (قلت) * وهو وجيه (تخريجه)(حب) فى صحيحه بلفظ حديث الباب، ورواه الشيخان عن أبى هريرة أيضا قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل؟ قال ايمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا؟ قال جهاد فى سبيل الله قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور، وللامام أحمد أيضا بهذا اللفظ وتقدم فى أول كتاب الايمان

(2)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم عن سيار عن أبى حازم عن أبى هريرة- الحديث" (غريبه) (1) فى رواية للبخارى "من حج لله فلم يرفث (2) فى رواية أخرى للبخارى أيضا "من حج هذا البيت" ولمسلم "من أتى هذا البيت" وهو يشمل الأتيان للحج والعمرة (وللدارقطنى) من طريق الاعمش عن أبى حازم بسند فيه ضعف من حج واعتمر (3) بتثليث الفاء فى المضارع والماضى؛ لكن الأفصح الضم فى المضارع والفتح فى الماضى، أى الجماع أو الفحش فى القول، أو خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع (وقال الازهرى) الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء "وقوله ولم يفسق" أى لم يأت بسيئه ولا معصية. وقال سعيد بن جبير فى قوله تعالى {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج} الرفث إتيان النساء والفسوق السباب. والجدال المراء، يعنى مع الرفقاء والمكارين. ولم يذكر فى الحديث الجدال فى الحج اعتمادا على الآية، ويحتمل أن يكون ترك الجدال قصدًا، لأن وجوده لا يؤثر في

ص: 6

-[تكفير كل الذنوب بالحج - ومباهات الله تعالى ملائكته بأهل عرفة]-

يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمُّه

(3)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان يقول إنَّ الله عز وجل يباهي ملائكته

ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة فى أحكام الحج لما يظهر من الأدلة، أو المجادلة بطريق التعميم لا تؤثر أيضا، لأن الفاحش منها دخل فى عموم الرفث، والحسن منها ظاهر فى عدم التأثير، والمستوى الطرفين لا يؤثر أيضا، قاله الحافظ، والفاء فى قوله فلم يرفث عطف على الشرط (1) هذا جواب الشرط، أى رجع من ذنوبه "كهيئته يوم ولدته أمه" أى مشابها لنفسه فى أنه يخرج بلا ذنب كما خرج بالولادة وهو يشمل الصغائر والكبائر والتبعات (قال الحافظ) وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك (قلت سيأتى فى أحكام الباب) قال وله شاهد من حديث ابن عمر فى تفسير الطبرى اهـ. لكن قال الطبرى إنه محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجر عن وفائها (وقال الترمذى) هو مخصوص بالمعاصى المتعلقة بحقوق الله خاصة دون العباد ولا تسقط الحقوق أنفسها، فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه لأنها حقوق لا ذنوب، إنما الذنوب تأخيرها فنفس التأخير يسقط بالحج لا هى أنفسها فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر، فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق (قلت) ظاهر الحديث يدل على غفران الذنوب التى قبل الحج كلها صغيرها وكبيرها مطلقا وفضل الله واسع، ويؤيد ذلك ما جاء فى صحيح مسلم فى كتاب الأيمان فى (باب كون الأسلام يهدم ما قبله، وكذا الحج والهجرة) من حديث عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له "أما علمت أن الأسلام يهدم ما كان قبله. وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها. وأن الحج يهدم ما كان قبله- الحديث" ومعنى يهدم ما كان قبله أى يسقطه ويمحوا أثره والله أعلم (تخريجه)(ق. نس. جه) ورواه أيضا الترمذى إلا أنه قال غفر له ما تقدم من ذنبه

(3)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أزهر ابن القاسم ثنا المثنى يعنى ابن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بابا عن عبد الله بن عمرو بن العاص- الحديث (غريبه)(2) المباهاة لغة ذكر مآثر نفسه وأصوله للاستعلاء على الغير، وهذا محال على الله سبحانه وتعالى، فالمراد اظهار فضل الحجاج للملائكة لأنهم قمعوا شهواتهم بخلاف الملائكة، فانهم وان كانوا معصومين، إلا أن ذلك بالجبلة لعدم تركيب

ص: 7

-[المتابعة بين الحج والعمرة تنفى الفقر والذنوب]-

عشيَّة عرفة بأهل عرفة، فيقول انظروا إلى عبادى أتونى شعثًا غبرًا

(4)

وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله

(5)

عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال تابعوا بين الحجِّ والعمرة، فإنَّ متابعةً بينهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفى الكير الخبث

الشهوة فيهم، والمراد الحجاج الذين حجوا بمال حلال قاصدين وجه الله تعالى مخلصين له فى حجهم بدون رياء؛ فلا مباهاة بمن حج من حرام أو قصد افتخارا "وقوله عشية عرفة" أى وقت الوقوف بعرفة (1) بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة آخره مثلثة. أى لم يتعهدوا تنظيف أبدانهم وملابسهم وشعورهم "وقوله غبرا" أى قد علاهم غبار الأرض، قال المناوى وذا يقتضى الغفران وعموم التكفير (تخريجه) أخرجه أيضا الطبرانى فى الكبير ورجال الأمام أحمد موثقون

(4)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو قطن واسماعيل ابن عمر قالا ثنا يونس عن مجاهد أبى الحجاج عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل ليباهى الملائكة بأهل عرفات يقول "انظروا إلى عبادى شعثا غبرا"(تخريجه)(حب. ك) وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه اهـ (قلت) وأقره الذهبى

(5)

عن عمر بن الخطاب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن عمر رضى الله عنه يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان مرة عن النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (2) أى أوقعوا المتابعة بينهما بأن تجعلوا كلا منهما تابعًا للآخر أى إذا حججتم فاعتمروا واذا اعتمرتم فحجوا (3) هكذا بالأصل (فان متابعة بينهما ينفيان) أى تجعلهما ينفيان الفقر والذنوب الخ، أى يزيلانه وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد والفقر الباطن بحصول غنى القلب، وكذلك يزيلان الذنوب ويمحوانها، قيل المراد بها الصغائر ولكن يأباه قوله "كما ينفى الكير الخ" وهو ما ينفخ به الحداد لاشتعال النار لتصفية خبث الحديد (4) الخبث بفتحتين ويروى بضم فسكون، والمراد الوسخ والرداء الخبيث (تخريجه)(ش جه) وفى اسناده عاصم بن عبيد الله ضعيف، لكن يعضده الحديثان بعده

ص: 8

-[فضل المتابعة بين الحج والعمرة]-

(6)

عن عبد الله بن عامرٍ عن أبيه رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مثله - وفيه فإنَّ متابعةً بينهما تزيد فى العمر والرِّزق وتنفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد

(7)

عن عبد الله (بن مسعودٍ) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحجِّ والعمرة فإنَّهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذَّهب والفضَّة، وليس للحجَّة المبرورة ثوابٌ دون الجنَّة

(8)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجُّ المبرور

(6) عن عبد الله بن عامر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ابن عامر ثنا شريك عن عاصم عن عبد الله بن عامر عن أبيه- الحديث" (غريبه)(1) هو عامر بن ربيعة الصحابي رضى الله عنه، وهذا الحديث رواه عامر عن النبى صلى الله عليه وسلم بدون واسطة، والحديث السابق رواه عامر عن النبى صلى الله عليه وسلم بواسطة عمر، فهذا من مسند عامر، وذاك من مسند عمر رضى الله عنهما (2) المراد بالزيادة هنا البركة، فاذا كان عمره عشرين عاما مثلا بارك الله له فيها بتوفيقه للأعمال الصالحة ومضاعفة الثواب حتى يكون ثوابه أكثر ممن عاش أربعين عاما لم يعمل مثل عمله، وإذا كان يكتسب كل يوم درهما مثلا بارك الله له فيه حتى يكون كمن عنده عشرة دراهم وهكذا (تخريجه)(جه) وفى اسناده عاصم ابن عبيد الله أيضا ويعضده حديث ابن مسعود الآتى بعده

(7)

عن عبد الله (بن مسعود)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو خالد الأحمر قال سمعت عمرو بن قيس عن عاصم عن شقيق عن عبد الله- الحديث" (غريبه)(3) تقدم الكلام فى معنى الحج المبرور فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (والثواب) الجزاء، والمعنى أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا دخول الجنة أوَّلا وإلا فمطلق الدخول يكفى فيه الأيمان، وهذا الحديث من أدلة القائلين بأن الحج يكفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها والله أعلم (تخريجه)(د. مذ) وقال حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن مسعود

(8)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عبد الرحمن قال

ص: 9

-[الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة]-

ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة، والعمرتان تكفِّران ما بينهما من الذُّنوب

(9)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة، قالوا يا نبيَّ الله ما الحجُّ المبرور؟ قال إطعام الطَّعام وإفشاء السَّلام

(10)

عن أبى سعيدٍ الخدرىِّ رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال

ثنا سفيان عن سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة- الحديث (غريبه)(1) هذا ظاهر فى فضيلة العمرة وأنها مكفرة للخطايا الواقعة بين العمرتين، وسبق فى أول أبواب الوضوء فى شرح حديث عمرو بن عبسة رقم 183 صحيفة 300 بيان هذه الخطايا وبيان الجمع بين هذا الحديث وأحاديث تكفير الوضوء للخطايا وتكفير الصلاة، وقد أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر، قال وذهب بعض علماء عصرنا إلى تعميم ذلك ثم بالغ فى الأنكار عليه (قال الحافظ) واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر. فماذا تكفر العمرة؟ (والجواب) أن تكفير العمرة مقيد بزمنها؛ وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية والله أعلم (تخريجه)(م. نس. وغيرهما) وللأمام أحمد أيضا عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما من الذنوب والخطايا، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة

(9)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عبد الصمد ثنا محمد بن ثابت ثنا محمد بن المنكدر عن جابر- الحديث" (غريبه) (2) أى ما علامة الحج المبرور؟ قال "اطعام الطعام" يعنى للفقراء والمساكين "وإفشاء السلام" يعنى اظهاره والبدء به على من عرف ومن لم يعرف (وفى رواية عند الطبرانى) من حديث جابر أيضًا قال وطيب الكلام بدل وإفشاء السلام، والمراد أن هذه الخصال من علامات الحج المبرور وليست علاماته قاصرة على هذه، والظاهر والله أعلم أنه صلى الله عليه وسلم أجاب السائل بذلك لكونه رأى منه التقصير فى هذه الخصال، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجيب كل انسان على حسب حاله (تخريجه) أورده المنذرى بلفظ اطعام الطعام وطيب الكلام وهو لفظ الطبرانى، ثم قال رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط بأسناد حسن وابن خزيمة فى صحيحه والبيهقى والحاكم مختصرا وقال صحيح الأسناد (وفى روايه لأحمد والبيهقى) "اطعام الطعام وافشاء السلام"

(10)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان

ص: 10

-[استمرار الحج والعمرة إلى ما بعد خروج يأجوج ومأجوج - وفضل النفقة فى الحج]-

ليحجَّنَّ البيت وليعتمرنَّ بعد خروج يأجوج ومأجوج

(11)

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّفقة فى الحجِّ كالنفقة فى سبيل الله بسبعمائة ضعفٍ

(12)

عن أمِّ سلمة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الحجُّ جهاد كلِّ ضعيفٍ

قال ثنا أبان ثنا قتادة عن عبد الله بن أبى عتبة عن أبى سعيد الخدرى- الحديث" (غريبه) (1) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء والجيم مبنيا للمفعول مؤكدا بالنون الثقيلة؛ وكذا قوله وليعتمرن، ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان، وهما قبيلتان من يافث بن نوج، وبه جزم غير واحد من الأوائل، وعليه كثير من الأواخر والله أعلم (2) هذا الحديث يفهم منه أن البيت يحج حتى بعد أشراط الساعة، لكن يعارضه ما ورد فى الصحيحين وعند الأمام أحمد وغيرهم أن الحبشة يخربون البيت فلا يعمر بعد ذلك، وما ورد عندهم أيضا بلفظ "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت، وظاهر هذا التعارض، لأنه يفهم من هذين الحديثين عدم الحج بعد أشراط الساعة وخراب البيت، ويفهم من حديث الباب عكس ذلك، وقد جمع الحافظ بينهما بأنه لا يلزم من حج البيت بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج فى وقت مّا عند قرب ظهور الساعة، قال ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله ليحجن البيت أى مكان البيت يحج؛ لأن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك اهـ (تخريجه)(خ. خز. عل) وأبو داود الطيالسى وأبو عوانة

(11)

عن عبد الله بن بريدة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بكر بن عيسى ثنا أبو عوانة ثنا عطاء بن السائب عن أبى زهير عن عبد الله بن بريدة الخ (غريبه)(3) المعنى أن النفقة فى الحج تضاعف إلى سبعمائة ضعف كالنفقة فى الجهاد لأنها كلها فى سبيل الله (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط والبيهقى واسناده حسن

(12)

عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا القاسم ابن الفضل عن أبى جعفر محمد بن على عن أم سلمة- الحديث" (غريبه)(4) المعنى أن من أراد الجهاد فى سبيل الله لأعلاء كلمة الله وابتغاء مرضاة الله وعجز عن ذلك لمرض ألمَّ به أو لضعف ببدنه وكان يمكنه الحج فليحج البيت، فان فعل ذلك كتب الله له مثل ثواب المجاهد فى سبيل الله ببركة نيته وإخلاصه وفضل الله واسع (تخريجه)(جه) ورجاله ثقات

ص: 11

-[الحج والعمرة جهاد الكبير. والضعيف. والمرأة]-

(13)

عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميِّ عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنَّه قال إن كان قاله جهاد الكبير والضَّعيف والمرأة الحجُّ والعمرة

(13) عن محمد بن إبراهيم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون قال حدثنى ابن وهب عن حيوة عن ابن الهاد عن محمد بن ابراهيم- الحديث" (غريبه) (1) هكذا فى الأصل "ان كان قاله" لكن رواه النسائى عن محمد بن ابراهيم أيضا عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال "جهاد الكبير. والصغير. والضعيف. والمرأة. الحج والعمرة" وهذا اتم وأظهر، والمعنى ان الحج والعمرة يقومان مقام الجهاد لمن منعه عنه كبر. أو ضعف بدن، أو صغر، أو أنوثة، ويؤجرون عليهما كأجر الجهاد، والله تعالى أعلم (تخريجه)(نس) وسنده جيد (زوائد الباب)(عن ابن عمر رضى الله عنهما) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ويرفع فى الثالثة، (بز. طب) ورجاله ثقات (وعن الحسين بن على) رضى الله عنهما قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال إنى جبان وإنى ضعيف، فقال هلم إلى جهاد لا شوكة فيه الحج (طب. طس) ورجاله ثقات (وقوله لا شوكة فيه أى لا قتال فيه، وشوكة القتال شدّته وحدّته (نه)(وعن عثمان بن سليمان) عن جدته أم أبيه قالت جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال إنى أريد الجهاد فى سبيل الله، قال الا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ قلت بلى- قال حج البيت (طب) وفيه الوليد بن أبى ثور ضعفه أبو زرعة وجماعة وزكاه شريك (وعن أبى سعيد الخدرى) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يقول إن عبدا أصححت له بدنه وأوسعت عليه فى الرزق لم يفد إلىَّ فى كل اربعة أعوام لمحروم، رواه الطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى الا أنه قال خمسة أعوام ورجال الجميع رجال الصحيح (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فى سبيل الله، النفقة فيه الدرهم بسبعمائة (طس) وفيه من لم أعرفه (وعن جابر) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للكعبة لسانا وشفتين ولقد اشتكت إلى الله فقالت يا رب قلَّ عوادى وقلَّ زوارى، فأوحى الله عز وجل إنى خالق بشرا خشَّعا سجَّدا يحنون اليك كما تحن الحمامة إلى بيضها (طس) وفيه سهل بن قرين وهو ضعيف (وعن أبى ذر) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان داود النبى صلى الله عليه وسلم قال إلا هى ما لعبادك عليك إذا هم زاروك فى بيتك؟ قالَّ إن لكل زائر على المزور حقا، يا داود إن لهم على أن أعافيهم في الدنيا وأغفر لهم

ص: 12

-[زوائد الباب فى فضل الحج والعمرة - وكلام العلماء فى ذلك]-

__

إذا لقيتهم (طس) وفيه محمد بن حمزة الرقى وهو ضعيف (وعن جابر بن عبد الله) رضى الله عنهما رفعه قال ما أمعر حاج قط، قيل لجابر ما الأمعار؟ قال ما افتقر، (طس. بز) ورجاله رجال الصحيح- الأمعار أصله من معر الرأس وهو قلة شعره (وعن عائشة رضى الله عنها) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج فى هذا الوجه لحج أو عمرة فمات فيه لم يعرض ولم يحاسب وقيل له ادخل الجنة، قالت وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يباهى بالطائفين (عل طس) وفى اسناد الطبرانى محمد بن صالح العدوى. ولم أجد من ذكره. وبقية رجاله رجال الصحيح وإسناد أبى يعلى فيه عائذ بن بشير وهو ضعيف (وعن أبى هريرة) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج الى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر الى يوم القيامة، ومن خرج غاريا فمات كتب له أجر الغازى الى يوم القيامة (طس) وفي جميل بن أبى ميمونة، وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان فى الثقات (وعن جابر) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان هذا البيت دعامة من دعائم الأسلام، فمن حج البيت أو اعتمر فهو ضامن على الله فان مات أدخله الجنة، وان رده الى أهله رده بأجر وغنيمة (طس) وفيه محمد بن عبد الله ابن عمير وهو متروك (وعن سهل بن سعد) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما راح مسلم فى سبيل الله مجاهدا أو حاجا مهلا أو ملبيا إلا غربت الشمس بذنوبه وخرج منها (طس) وفيه من لم أعرفه، أورد هذه الزوائد الحافظ الهيثمى وتكلم عليها جرحا وتعديلا، هذا وقد جاء فى مسند الأمام أحمد رحمه الله أحاديث كثيرة فى خصال متعددة من أفضل الأعمال، كالحج. والجهاد. والصلاة. وغير ذلك ستأتى (فى باب الترغيب فى خصال متعددة من أفضل أعمال البر) من قسم الترغيب ان شاء الله تعالى (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على فضل الحج والعمرة وانهما يمحوان الذنوب كلها صغيرها وكبيرها إذا حسنت النية وتمحض الأخلاص لله عز وجل، وتقدم الكلام فى الشرح على ما قاله العلماء فى ذلك، وحديث العباس بن مرداس الذى أشار اليه الحافظ (فى الكلام على قوله فى حديث أبى هريرة- رجع كهيئته يوم ولدته أمه) رواه ابن ماجه عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة فأجيب انى قد غفرت لهم ما خلا الظالم فانى آخذ للمظلوم منه، قال أى رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم، فلم يجب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل، قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال تبسم، فقال له أبو بكر وعمر رضى الله عنهما بأبى أنت وأمى إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذى أضحكك؟

ص: 13

-[أدلة وجوب الحج]-

(2)

باب وجوب الحج

(14)

عن عليٍّ رضى الله عنه قال لمَّا نزلت هذه الآية {ولله على النَّاس حجُّ البيت من استّطاع إليه سبيلًا} قالوا يا رسول الله أفي كلِّ عامٍ؟ فسكت فقالوا أفى كلِّ عامٍ؟ فسكت، قال ثمَّ قالوا أفى كلِّ عامٍ؟ فقال لا، ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله تعالى {يا أيُّها الَّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن

أضحك الله سنك، قال ان عدو الله ابليس لما علم أن الله قد استجاب دعائى وغفر لأمتى أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه ويدعو بالويل والثبور، فأضحكنى ما رأيت من جزعه (وأورده المنذرى) أيضا وقال رواه البيهقى من حديث ابن كنانة بن العباس بن مرداس ولم يسمه عن أبيه عن جده عباس، ثم قال وهذا الحديث له شواهد كثيرة وقد ذكرناها فى كتاب البعث، فان صح بشواهده ففيه الحجة، وان لم يصح فقد قال الله تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وظلم بعضهم بعضا دون الشرك اهـ (قلت) ورواه الأمام أحمد أيضا وسيأتى فى الباب السادص فى دعوات النبى صلى الله عليه وسلم لأمته من أبواب فضائل الأمة المحمدية وهو أحد الأحاديث التى أوردها ابن الجوزى فى الموضوعات وذب عنها الحافظ رحمه الله تعالى، وسيأتى الكلام عليه هناك وذكر ما ذب به الحافظ عنه والله أعلم، وقد تمسك بحديث ابن مسعود وحديث أبى هريرة الذى بعده من أحاديث الباب من قال بوجوب العمرة، ولكنه لا يكون مجرد اقتران العمرة بهذه الأمور الواجبة دليلا على الوجوب لما سيأتى فى باب حكم العمرة من حديث جابر قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم أعرابى، فقال يا رسول الله أخبرنى عن العمرة أواجبة هى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، وان تعتمر خير لك وسيأتى الكلام عليه هناك ان شاء الله تعالى (وفى أحاديث الباب أيضا) فوائد كثيرة تقدم الكلام عليها فى الشرح. والله الموفق

(14)

عن على رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا منصور بن وردان الأسدى ثنا على بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبى البخترى عن على رضى الله عنه- الحديث" (غريبه)(1) فيه دليل على أن الحج لا يجب الا مرة واحدة وهو مجمع عليه كما قال النووى والحافظ وغيرهما، وكذلك العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلا مرة إلا أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه (2) ظاهره يقتضى أن افتراض الحج كل عام كان مفروضًا عليه، حتى لو قال نعم لحصل، وليس بمستبعد

ص: 14

-[الدليل على أن الحج واجب فى العمر مرة]-

تبد لكم تسؤكم الى آخر الآية}

(15)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيُّها النَّاس كتب عليكم الحجُّ، قال فقام الأقرع بن حابسٍ فقال فى كلِّ عامٍ يا رسول الله؟ قال لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها أو لم تستطيعوا أن تعملوا بها، فمن زاد فهو تطوُّعٌ (وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ الأقرع بن حابسٍ سأل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الحجُّ كلّ عامٍ؟ فقال لا- بل حجَّةٌ، فمن حجَّ بعد ذلك فهو تطوُّعٌ، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لم تسمعوا ولم تطيعوا

(16)

عن سعيدٍ بن جبيرٍ عن ابن عبَّاسٍ عن الفضل أو أحدهما

إذ يجوز أن يأمر الله تعالى بالأطلاق ويفوض أمر التقييد الى الذى فوض اليه البيان، فهو إن أراد أن يقيد بكل عام يقيده به والله أعلم (1) فى الحديث اشارة الى كراهة السؤال فى النصوص المطلقة والتفتيش عن قيودها، بل ينبغى اطلاقها حتى يظهر فيها قيد، وقد جاء القرآن موافقا لهذه الكراهة (تخريجه)(جه. مذ) وقال حديث على حديث حسن غريب من هذا الوجه. ورواه أيضا البزار فى مسنده وقال البخترى لم يسمع من على اهـ وأخرجه الحاكم فى المستدرك فى تفسير آل عمران وسكت عنه ولم يتعقبه الذهبى فى مختصره بالانقطاع. ولكن أعله بعبد الأعلى قال وقد ضعفه أحمد اهـ

(15)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا سليمان بن كثير أبو داود الواسطى قال سمعت ابن شهاب يحدث عن أبى سنان عن ابن عباس- الحديث" (غريبه) (2) يعنى على المرة الواحدة فهو تطوع يثاب عليه (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا محمد بن أبى حفصة ثنا ابن شهاب عن أبى سنان عن ابن عباس أن الأقرع- الحديث"(4) أى لم تسمعوا سماع قبول. ولم تطيعوا إن سمعتم (تخريجه)(د. نس. هق. ك) وصحح الحاكم اسناده، وأقره الذهبى

(16)

عن سعيد بن جبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا أبو اسرائيل العبسى عن فضيل بن عمرو عن سعيد بن جبير الخ (غريبه)(5) هو ابن عباس

ص: 15

-[حجة القائلين بأن الحج واجب على الفور]-

عن الآخر قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من أراد الحجَّ فليتعجَّل فإنَّه قد يمرض المريض وتضلُّ الضَّالَّة وتعرض الحاجة

(17)

عن ابن عباسٍ رضى الله عنهما عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال على كلِّ مسلمٍ حجَّةٌ ولو قلت كلَّ عامٍ لكان

(فصل منه فى وجوب الحج على النساء وفى أمور تتعلق بهن)

(18)

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه عام حجَّة الوداع هذه الحجَّة ثمَّ (وفى لفظ إنَّما هذه الحجَّة ثمَّ الزمن) ظهور الحصر، قال فكنَّ كلُّهنَّ يحججن إلَّا زينب بنت جحشٍ وسودة بنت زمعة

رضي الله عنهما. والمراد بقوله عن ابن عباس هو عبد الله وهو أصغر من أخيه الفضل وقد اشتهر عند المحدثين بابن عباس دون باقى أولاد العباس. فاذا ذكر ابن عباس بدون اسم علم أنه عبد الله "وقوله أو أحدهما عن الآخر" يعنى عن الفضل بن عباس عن أخيه عبد الله. يشك الراوى فى ذلك. وعلى كل حال فالحديث مروى عن أحدهما عن أخيه عن النبى صلى الله عليه وسلم فلا يضر الشك لأنهما صحابيان (1) استدل به القائلون بوجوب الحج على الفور وسيأتى ذكرهم فى الأحكام (تخريجه)(جه. هق. مى) وسنده جيد

(17)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو أحمد الزبيرى ثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث" (غريبه)(2) أى واحدة واجبة فى العمر وله بعد ذلك أن يتطوع ما شاء (3) أى لكان الحج فرضا فى كل عام مرة، ولكن لم يقل ذلك رحمة بأمته عليه الصلاة والسلام (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد

(18)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حجاج وحدثنا يزيد بن هارون قال أنا ابن أبى ذئب واسحاق بن سليمان قال سمعت ابن أبى ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبى هريرة- الحديث" (غريبه)(4) أى انما الواجب عليكن هذه الحجة ثم الزمن البيوت فلا تخرجن الى الحج مرة أخرى، فكنى النبى صلى الله عليه وسلم بظهور الحصر عن ملازمتهن البيوت. وظهور جمع ظهر والحصر بضم أوله وسكون ثانيه

ص: 16

-[حجة القائلين باقتصار المرأة على الحجة المفروضة]-

رضي الله تعالى عنهما، وكانتا تقولان والله لا تحرِّكنا دابَّةٌ بعد أن سمعنا ذلك من النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم (وفى لفظ) بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ثمَّ ظهور الحصر

(19)

عن واقد بن أبى واقدٍ اللَّيثىِّ عن أبيه رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجَّته هذه ثمَّ ظهور الحصر

(20)

عن عائشة بنت طلحة أنَّ عائشة امَّ المؤمنين رضى الله عنها قالت قلت للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ألا نجاهد معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أحسن الجهاد

ويجوز ضم الصاد المهملة أيضا جمع حصير. وهو ما يفرش فى البيوت، ولذا قالت زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة "والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم"(1) هذا اللفظ من رواية اسحاق بن سليمان أحد رجال السند كما يستفاد ذلك من نفس الحديث فى الأصل، ففيه بعد قوله "سمعنا ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم" قال اسحق بن سليمان فى حديثه قالتا- والله لا تحركنا دابة بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه ثم ظهور الحصر. وقال يزيد بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه) أوررده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قد قال "فكنَّ كلهن يحججن الا زينب وسودة" والبزار وقال "انما هى هذه الحجة ثم ظهور الحصر" وفيه صالح مولى التوأمة. ولكنه من رواية ابن أبى ذئب عنه، وابن أبى ذئب سمع منه قبل اختلاطه وهو حديث صحيح اهـ.

(19)

عن واقد بن أبى واقد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن واقد بن أبى واقد- الحديث" (غريبه) (2) يعنى حجة الوداع كما تقدم فى حديث أبى هريرة "وقوله هذه" أى هذه الحجة هى الواجبة عليكن ثم الزمن ظهور الحصر يعنى البيوت، لأنه لا يجب عليكن حج بعدها (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد

(20)

عن عائشة بنت طلحة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس قال ثنا عبد الواحد عن حبيب بن أبى عمرة قال حدثتنا عائشة بنت طحة أن عائشة أم المؤمنين- الحديث" (غريبه)(3) أى نبذل المقدور فى القتال، لأن معنى الجهاد بذل النفس فى القتال (4) هكذا رواية الأمام أحمد (لك) بكاف الخطاب المكسورة

ص: 17

-[حجة القائلين بجواز الحج للمرأة تطوعا]-

وأجمله، الحجُّ حجٌّ مبرورٌ، فقالت عائشة فلا أدع الحجَّ أبدًا بعد أن سمعت هذا من رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

(21)

عن عمران بن حطَّان السَّدوسىِّ عن عائشة رضى الله عنها أنّها سألت النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقالت يا رسول الله أعلى النِّساء جهادٌ؟ قال الحجُّ والعمرة هو جهاد النِّساء

للمؤنثة المفردة؛ ووقع فى رواية للبخارى "لكنَّ" بضم الكاف وتشديد النون بلام الجر الداخلة على ضمير المخاطبات، وهو ظرف مستقر خبر أحسن، وأجمله عطف عليه. والحج بدل من أحسن "وحج مبرور" خبر مبتدأ محذوف، أى هو حج مبرور أو بدل من البدل، ويجوز لكنَّ بفتح اللام وكسر الكاف مع زيادة ألف قبل الكاف وتشديد النون للاستدراك، وأحسن نصب بها، وهو رواية للبخارى أيضا، وعزاه الحافظ فى باب فضل الحج المبرور للحموى. وقال التميمى لكن بتخفيف النون وسكونها، وأحسن مبتدأ. والحج خبره اهـ (قلت) والأول أرجح بدليل رواية الأمام أحمد لأنها لا تقبل تأويلا وأليق بسياق الحديث والله أعلم. والمعنى ليس لك أو لكنَّ الجهاد. ولكن الأفضل منه فى حقك أو حقكن حج مبرور، ولذا قالت عائشة لا أدع أى لا أترك الحج أبدًا الخ، وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب فى الحج أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "هذه ثم ظهور الحصر" عدم وجوب الحج عليهن مرة أخرى، فلا ينافى أنه مستحب فى حقهن لما جاء من الترغيب فى الحج والله أعلم (تخريجه)(خ. د. نس. جه) وغيرهم

(21)

عن عمران بن حطان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان ابن داود قال ثنا حميد بن مهران عن محمد بن سيرين عن عمران بن حطان- الحديث" (غريبه)(1) أى لأنهما يشبهان الجهاد فى السفر والخروج من البلاد والتعب، أما مقاتلة الأعداء فلا تقوى عليها المرأة (تخريجه) أورده صاحب المنتقى وقال رواه أحمد وابن ماجه وسنده صحيح (زوائد الباب)(عن أبى أمامة) رضى الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس فقال إن الله كتب عليكم الحج، فقام رجل من الأعراب، فقال أفى كل عام؟ فعلق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضب ومكث طويلا ثم مكث فقال من هذا السائل؟ فقال الأعرابى أنا يا رسول الله، فقال ويحك يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت نعم لوجبت لو أن أحللت لكم جميع ما فى الأرض من شاء وحرمت عليكم

ص: 18

-[زوائد الباب - وحجج القائلين بوجوب الحج على الفور]-

__

مثل خف بعير لوقعتم، فأنزل الله عز وجل عند ذلك {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم- الآية} (طب) واسناده حسن جيد (وعن ابن مسعود) رضى الله عنه قال أمرتم بأقامة أربع. اقامة الصلاة. وايتاء الزكاة. وأقيموا الحج والعمرة الى البيت. والحج الحج الأكبر، والعمرة الحج الأصغر (طب) ورجاله ثقات، أوردهما الهيثمى (الأحكام) أحاديث الباب تدل على وجوب الحج وجوا عينيًا على كل مسلم مكلف مستطيع وذلك باجماع المسلمين، وتظاهرت على ذلك دلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والأصل فى ذلك قول الله عز وجل {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} هذه آية وجوب الحج عند الجمهور، وقيل بل هى قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} والأول أظهر، وقد وردت الأحاديث الصحيحة المتعددة بأنه أحد أركان الأسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك اجماعا ضروريا؛ وإنما يجب على المكلف فى العمر مرة واحدة بالنص والأجماع، وقد جاء ذلك صريحًا فى حديث ابن عباس الثانى من أحاديث الباب أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج كل عام؟ فقال لا- بل حجة واحدة فمن حج بعد ذلك فهو تطوع- الحديث" وفى حديث أبى هريرة الأخير من أحاديث الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه عام حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر وغير ذلك كثير فى أحاديث الباب (وقد اختلف العلماء) هل الحج واجب على الفور أم على التراخى؟ (فذهب جماعة) إلى أنه واجب على الفور لما جاء فى حديث ابن عباس أو الفضل أو أحدهما عن صاحبه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أن يحج فليتعجل- الحديث" وللأمام أحمد أيضا وأبى داود حديث آخر عن ابن عباس وحده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال تعجلوا الى الحج يعنى الفريضة فان أحدكم لا يدرى ما يعرض له، والى القول بالفور ذهب الأئمة (أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك وأحمد) والمزنى من أصحاب الشافعى ومن أهل البيت زيد بن على والهادى والمؤيد بالله والناصر، واحتج لهم بقوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} وهذا أمر والأمر يقتضى الفور، وبحديث ابن عباس السابق "من أراد أن يحج فليتعجل" وبما رواه سعيد بن منصور فى سننه عن عبد الرحمن بن سابط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يحج حجة الأسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أى حال شاء يهوديا أو نصرانيا، ولأن وجوبه على التراخى يخرجه عن رتبة الواجبات لأنه يؤخر الى غاية، ولا يأثم بالموت قبل فعله لكون الشارع رخص له فى تأخيره، وليس على الموت أمارة يقدر بعدها على فعله (وذهب الائمة الشافعى والأوزاعى والثورى) ومحمد بن الحسن ونقله الماوردى عن ابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس إلى أنه واجب على التراخي

ص: 19

-[حجج القائلين بوجوب الحج على التراخى - وعدد من حج مع النبى صلى الله عليه وسلم]-

__

(قال النووي) واحتج الشافعى والأصحاب بأن فريضة الحج نزلت بعد الهجرة وفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فى رمضان سنة ثمان. وانصرف عنها فى شوال من سنته. واستخلف عتاب بن أسيد فأقام للناس الحج سنة ثمان بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه، ثم غزا غزوة تبوك فى سنة تسع وانصرف عنها قبل الحج فبعث أبا بكر رضى الله عنه فأقام للناس الحج سنة تسع ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه وعامة أصحابه قادرون على الحج غير مشتغلين بقتال ولا غيره، ثم حج النبى صلى الله عليه وسلم بأزواجه وأصحابه كلهم سنة عشر، فدل على جواز تأخيره، هذا دليل الشافعى وجمهور الأصحاب (قال البيهقى) وهذا الذى ذكره الشافعى مأخوذ من الأخبار "قال "فأما نزول فرض الحج بعد الهجرة فكما قال، واستدل أصحابنا له بحديث كعب بن عجرة قال وقف علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسى يتهافت قملا، فقال يؤذيك هو امُّك؟ قلت نعم يا رسول الله، فقال قد أذاك هو امُّ رأسك؟ قلت نعم، قال فاحلق رأسك، قال ففىَّ نزلت هذه الآية {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية الخ} رواه البخارى ومسلم (قال أصحابنا) فثبت بهذا الحديث أن قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله فأن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه الخ} نزلت سنة ست من الهجرة، وهذه الآية دالة على وجوب الحج، ونزل بعدها قوله تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقد أجمع المسلمون على أن الحديبية كانت سنة ست من الهجرة فى ذى القعدة، وثبت بالأحاديث الصحيحة واتفاق العلماء أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا حنينا بعد فتح مكة وقسم غنائمها واعتمر من سنته فى ذى القعده، وكان احرامه بالعمرة من الجعرَّانة، ولم يكن بقى بينه وبين الحج إلا أيامًا يسيرة، فلو كان على الفور لم يرجع من مكة حتى يحج مع أنه هو وأصحابه كانوا حينئذ موسرين، فقد غنموا الغنائم الكثيرة ولا عذر لهم ولا قتال ولا شغل آخر، وإنما أخره صلى الله عليه وسلم عن سنة ثمان بيانا لجواز التأخير وليتكامل الأسلام والمسلمون فيحج بهم حجة الوداع ويحضرها الخلق فيبلّغوا عنه المناسك، ولهذا قال فى حجة الوداع "ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ولتأخذوا عنى مناسككم" ونزل فيه قوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} قال أبو زرعة الرازى فيما روينا عنه حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مائة ألف وأربعة عشر ألفا كلهم رآه وسمع منه، فهذا قول الأمام أبي زرعة الذى لم يحفظ أحد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كحفظه ولا ما يقاربه (قال النووى) واحتج أصحابنا أيضًا بحديث أنس فذكره وهو حديث ضمام بن ثعلبة وتقدم بطوله رقم 10 صحيفة 66 فى باب من وفد على النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب الأيمان في الجزء

ص: 20

-[حجج القائلين بوجوب الحج على التراخى وردُّ حجج المخالفين]-

__

الأول وفيه "وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع اليه سبيلا- قال صدق"(قال النووى) رواه مسلم فى صحيحه فى أول كتاب الأيمان، وروى البخارى أصله، وفى رواية البخارى أن هذا الرجل ضمام بن ثعلبة (قلت وكذلك فى رواية الأمام أحمد) قال وقدوم ضمام بن ثعلبة على النبى صلى الله عليه وسلم كان سنة خمس من الهجرة، قاله محمد بن حبيب وآخرون، وقال غيره سنة سبع. وقال أبو عبيد سنة تسع، وقد صرح فى هذا الحديث بوجوب الحج (قال واحتج أصحابنا) أيضا بالأحاديث الصحيحة المستفيضة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى حجة الوداع من لم يكن معه هدى أن يفسخ الأحرام بالحج ويجعله عمرة وهذا صريح فى جواز تأخير الحج مع التمكن (واحتج أصحابنا أيضا) بأنه إذا أخره من سنة الى سنة أو أكثر وفعله يسمى مؤديا للحج لا قاضيا بأجماع المسلمين؛ هكذا نقل الأجماع فيه القاضى أبو الطيب وغيره، ونقل الاتفاق عليه أيضا القاضى حسين وآخرون، ولو حرم التأخير لكان قضاء لا أداء (قال) وأما الجواب عن احتجاج الحنفية بالآية الكريمة وأن الأمر يقتضى الفور فمن وجهين (أحدهما) أن أكثر أصحابنا قالوا إن الأمر المطلق المجرد عن القرائن لا يقتضى الفور بل هو على التراخى، وهذا الذى ذكرته من أن أكثر أصحابنا عليه هو المعروف فى كتبهم فى الأصول، ونقله القاضى أبو الطيب فى تعليقه فى هذه المسألة عن أكثر أصحابنا (والثانى) أنه يقتضى الفور وهنا قرينة، ودليل يصرفه إلى التراخى وهو ما قدمناه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه (وأما الحديث)"من أراد الحج فليتعجل" فجوابه من أوجه (أحدها) أنه ضعيف (قلت) هذا بالنسبة لرواية أبى داود لأن فى سندها مهران أبا صفوان وفيه مقال، لكن رواه الأمام أحمد من غير هذا الطريق بسند جيد (قال)(والثانى) أنه حجة لنا، لأنه فوض فعله إلى ارادته واختياره، ولو كان على الفور لم يفوض تعجيله الى اختياره (والثالث) أنه ندب جمعا بين الروايتين (قلت وهذا أوجه الأجوبة) قال وأما الجواب عن حديث فليمت إن شاء يهوديا، فمن أوجه * (أحدها) * أنه ضعيف * (والثانى) * أن الذم لمن أخره إلى الموت ونحن نوافق على تحريم تأخيره إلى الموت، والذى نقول بجوازه هو التأخير بحيث يفعل قبل الموت * (الثالث) * أنه محمول على من تركه معتقدًا عدم وجوبه مع الاستطاعة، فهذا كافر، ويؤيد هذا التأويل أنه قال فليمت ان شاء يهوديا أو نصرانيا؛ وظاهره أنه يموت كافرا ولا يكون ذلك إلا إذا اعتقد عدم وجوبه مع الاستدامة، وإلا فقد أجمعت الأمة على أن من تمكن من الحج فلم يحج ومات لا يحكم بكفره بل هو عاص. فوجب تأويل الحديث لو صح والله أعلم اهـ ج * (قلت) * الظاهر ما ذهب اليه الشافعية ومن وافقهم لقوة أدلتهم

ص: 21

-[الجمع بين حديث منع النساء من الحج بعد الفريضة - وبين حديث عائشة المبيح لذلك]-

__

وهذا لا ينافي أن الأحوط والأفضل التعجيل للمستطيع بقدر الأمكان، لأن الأجل غير معلوم (وقد استدل بحديثى أبى هريرة وأبى واقد) المذكورين فى الباب على عدم جواز الحج لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع لقوله صلى الله عليه وسلم لهن إذ ذاك "هذه ثم لزوم الحصر" أى عليكن لزوم البيت ولا يجب عليكن الحج مرة أخرى بعد هذه الحجة، ففهم بعض الصحابة من ذلك المنع مطلقا، ولذلك منع عمر رضي الله عنه فى أول خلافته أزواج النبى صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة كما روى ابن سعد من طريق أم درة عن عائشة رضى الله عنها قالت منعنا عمر الحج والعمرة حتى إذا كان آخر عام أذن لنا، وإلى ذلك ذهبت زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فقالتا "والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن يعارضهما حديث عائشة المذكور بعدهما فى الباب بلفظ "قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ألا نجاهد معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور، فقالت عائشة فلا أدع الحج أبدا بعد أن سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أيضا البخارى، ولفظ الاسماعيلى "لو جاهدنا معك، قال لا جهاد- ولكن حج مبرور" وأجيب عن هذا من وجهين (الوجه الأول) أن حديثى أبى هريرة وأبى واقد ليسا صريحين فى المنع فلا يترك بهما المتيقن وهو الجواز المستفاد من حديث عائشة، أما قوله صلى الله عليه وسلم "لا جهاد ولكن حج مبرور" فى جواب قولهن "ألا تخرج فنجاهد معك" كما فى لفظ الاسماعيلى فالمراد به أن ذلك ليس بواجب عليكن كما وجب على الرجال ولم يرد بذلك تحريمه عليهن، فقد ثبت فى حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب فى الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد وخص به عموم قوله صلى الله عليه وسلم "هذه ثم ظهور الحصر" وقوله تعالى {وقرن فى بيوتكن} وكأن عمر رضي الله عنه كان متوقفا فى ذلك ثم ظهر له قوة دليلها فأذن لهن فى آخر خلافته ثم كان عثمان بعده يحج بهن فى خلافته أيضا كما سيجاء (وقال البيهقى) فى حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبى واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال لا المنع من الزيادة (وفيه دليل) على أن الأمر بالقرار فى البيوت ليس على سبيل الوجوب اهـ (الوجه الثانى) أن المراد بحديثى أبى هريرة وأبى واقد جواز الترك لا النهى عن الحج لهن بعد حجة الوداع، فقد ثبت حجهن بعد النبى صلى الله عليه وسلم لما أخرج البخارى من طريق ابراهيم عن أبيه عن جده أذن عمر رضى الله عنه لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن (وروى ابن سعد) فى الطبقات بأسناد صححه الحافظ من طريق أبى اسحاق السبيعى، قال رأيت نساء النبى صلى الله عليه وسلم حججن فى هوادج عليها الطيالسة

ص: 22

-[حج عثمان بنساء النبى صلى الله عليه وسلم فى خلافته - وحجهن أيضا فى خلافة معاوية]-

(3)

باب وجوب الحج على الشيخ الكبير والزمن (*)

(إذا أمكنهما الاستنابة - وجوازه عن الميت إذا كان قد وجب عليه)

(22)

عن الفضل بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال أتت امرأةٌ من خثعم فقالت يا رسول الله إنَّ أبى أدركته فريضة الله عز وجل فى الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع أن يثبت على دابَّته قال فحجِّي عن أبيك

زمن المغيرة أى ابن شعبة، والظاهر أنه أراد بذلك زمن ولاية المغيرة على الكوفة لمعاوية وكان ذلك سنة خمسين أو قبلها (ولابن سعد أيضا) من حديث أم معبد الخزاعية قالت رأيت عثمان وعبد الرحمن فى خلافة عمر حجا بنساء النبى صلى الله عليه وسلم فنزلن بقديد فدخلت عليهن وهن ثمان (وله) من حديث عائشة أنهن استأذن عثمان فى الحج فقال أنا أحج بكن فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت وإلا سودة فانها لم تخرج من بيتها بعد النبى صلى الله عليه وسلم (وأخرج ابن سعد أيضا) من حديث أبى هريرة فكن نساء النبى صلى الله عليه وسلم يحججن إلا سودة وزينب، فقالتا لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر متوقفا فى ذلك، ثم ظهر له الجواز فأذن لهن وتبعه على ذلك من ذكر من الصحابة ومن فى عصره من غير نكير والله أعلم

(22)

عن الفضل بن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهرى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس حدثنى الفضل بن عباس قال أتت امرأة- الحديث" (غريبه)(1) لم أقف على اسم هذه المرأة وخثعم بالخاء المعجمة المفتوحة فمثلثة ساكنة فعين مهملة غير منصرف للعلمية ووزن الفعل أو التأنيث لكونه اسم قبيلة معروفة (2) أى لضعفه من الكبر، زاد البخارى ومسلم أفأحج عنه، وفى رواية لمسلم بدون هذه الزيادة كرواية الأمام أحمد، وللأمام أحمد رواية أخرى بهذه الزيادة عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم بدون واسطة الفضل أن امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع والفضل بن عباس ردفه فقالت إن فريضة الله فى الحج على عباده أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الرحل، فهل ترى أن أحج عنه؟ قال نعم (تخريجه)(ق. والثلاثة) ولفظ البخارى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال كان الفضل رديف النبى صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر اليها وتنظر اليه فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل الى الشق الآخر فقالت ان فريضة الله أدركت أبي شيخا الخ

_________

(*) الزمن بكسر الميم من باب تعب هو المريض الذى أصيب بمرض طويل يمنعه من تحمل مشقة السفر

ص: 23

-[دليل وجوب الحج على الكبير الذى لا يثبت على الراحلة إذا أمكنه الاستنابة]-

(23)

عن سليمان بن يسارٍ عن عبد الله بن عبَّاسٍ أو عن الفضل بن عبَّاسٍ رضي الله عنهم أنَّ رجلًا سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنَّ أبى أدركه الإسلام وهو شيخٌ كبيرٌ لا يثبت على راحلته أفأحجُّ عنه قال أرأيت لو كان عليه دينٌ فقضيته عنه أكان يجزيه، قال نعم قال فاحجج عن أبيك

(23) عن سليمان بن يسار (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا يحيى بن اسحاق عن سليمان بن يسار- الحديث" (غريبه) (1) هكذا فى هذه الرواية "أن رجلا سأل" وفى الحديث السابق أن السائل امرأة ولم يذكر فى هذه الرواية التصريح باسم الرجل، وقد جاء التصريح باسمه فى رواية ابن ماجه ولفظه عن ابن عباس عن حصين بن عوف الخثعمى قال قلت يا رسول الله إن أبى أدركه الحج- الحديث" وله رواية أخرى عن أبى الغوث بن حصين الخثعمى أنه استفتى النبى صلى الله عليه وسلم عن حجة كانت على أبيه وقوَّى الحافظ إسناد الرواية الأولى، وقد جاء هذا الحديث بروايات متعددة وألفاظ مختلفة عند غير الأمام أحمد أيضا، ففى بعضها أن السائل رجل وأنه سأل عن أبيه. وفى بعضها أن قال إن أمى عجوز كبيرة (وفى رواية) إنى أبى أو أمى، وفى أخرى أن امرأة سألت عن أمها (قال الحافظ) اتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب على أن السائلة امرأة وأنها سألت عن أبيها، وخالفه يحيى بن أبى اسحاق عن سليمان فاتفق الرواة عنه على أن السائل رجل اهـ ورجح الحافظ رواية ابن شهاب لقوة سندها، وقد جمع بعض العلماء بين هذه الروايات بتعدد الواقعة، لكن قال الحافظ الذى يظهر لى من مجموع هذه الطرق أن السائل رجل وكانت ابنته معه، فسألت أيضا- والمسئول عنه أبو الرجل وأمه جميعا، ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى باسناد قوة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس "قال كنت ردف النبى صلى الله عليه وسلم وأعرابى معه بنت له حسناء، فجعل الأعرابى يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها وجعلت التفت اليها ويأخذ النبى صلى الله عليه وسلم برأسى فيلويه، فكان يلبى حتى رمى جمرة العقبة" فعلى هذا فقول الشابة إن أبى لعلها أرادت به جدها لأن أباها كان معها وكأنه أمرها أن تسأل النبى صلى الله عليه وسلم ليسمع كلامها ويراها رجاء أن يتزوجها، فلما لم يرضها سأل أبوها عن أبيه، ولا مانع أن يسأل ايضا عن أمه؛ وتحصل من هذه الروايات ان اسم الرجل حصين بن عوف الخثعمى، وأما ما وقع فى الرواية الأخرى أنه ابو الغوث بن حصين فان اسنادها ضعيف، ولعله كان فيه عن ابى الغوث حصين فزيد فى الرواية ابن أو أن أبا الغوث

ص: 24

-[تقديم أكبر الأولاد فى الحج عن أحد والديه الذى لا يقوى على السفر لضعفه من الكبر]-

(وعنه من طريقٍ ثانٍ) حدَّثنا الفضل قال كنت رديف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسأله رجلٌ فقال إنَّ أبى أو أمِّى شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ - فذكر الحديث

(24)

عن عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنهما قال جاء رجلٌ من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أبى أدركه الإسلام وهو شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع ركوب الرَّحل والحجُّ مكتوبٌ عليه، أفأحجُّ عنه؟ قال أنت أكبر ولده؟ قال نعم، قال أرأيت لو كان على أبيك دينٌ فقضيته عنه أكان ذلك يجزئ عنه؟ قال نعم قال فاحجج عنه

(25)

وعن سودة بنت زمعة رضى الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوه وفي

أيضا كان مع ابيه حصين فسأل كما سأل أبوه وأخته، والله اعلم اهـ (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن يحيى بن ابى اسحاق قال سمعت سليمان بن يسار حدثنا الفضل الخ (2) اى راكبا خلفه وأردفته الا أركبته خلفى (تخريجه)(نس. هق. طب) وسنده جيد، وأخرجه ايضا ابن خزيمة عن الحسن مرسلا، ورواه ابن ماجه من حديث حصين بن عوف الخثعمى كما تقدم

(24)

عن عبد الله بن الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن يوسف بن الزبير عن عبد الله بن الزبير- الحديث" (غريبه)(3) استدل به على أن المشروع أن يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده (4) فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع فى نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه، وفيه أن يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة (تخريجه)(نس. هق) وقال الحافظ إن اسناده صالح

(25)

عن سودة بنت زمعة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمّى أبو عبد الصمد ثنا منصور عن مجاهد عن مولى لابن الزبير يقال له يوسف بن الزبير بن يوسف عن ابن الزبير عن سودة بنت زمعة، قالت جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أبى شيخ كبير لا يستطيع أن يحج، قال أريتك لو كان على أبيك دين فقضيته عنه قبل منك؟ قال نعم، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالله أرحم، حج عن أبيك

ص: 25

-[جواز حج الولد مطلقا عن أحد والديه إذا مات بعد أن وجب عليه الحج]-

آخره قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله أرحم حجَّ عن أبيك

(26)

عن بريدة الأسلمىِّ رضى الله عنه أنَّ امرأةً أتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت إنَّ أمِّي قد ماتت ولم تحجَّ فيجزئها أن أحجَّ عنها؟ قال نعم، قالت فإنَّ أمِّى كان عليها صوم شهرٍ فيجزئها أن أصوم عنها؟ قال نعم

(تخريجه)(هق) وأورده الهيثمى، وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات

(26)

عن بريدة الأسلمى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عبد الله بن عطاء المكى عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى تصدقت على أمى بجارية فماتت وإنها رجعت إلى فى الميراث، قال قد آجرك الله ورد عليك فى الميراث، قالت فان أمى ماتت ولم تحج- الحديث" ذكر بتمامه فى باب نهى المتصدق عن مشترى ما تصدق به رقم 182 صحيفة 132 من كتاب الزكاة فى الجزء التاسع (تخريجه)(م. والأربعة)(زوائد الباب)(عن أبى رزين) رجل من بنى عامر أنه قال يا رسول الله إن أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن، قال احجج عن أبيك واعتمر (د. هق. خز) وسنده جيد- الظعن بفتحتين أو سكون الثاني، ومعناه الارتحال. أى لا يقوى على السير ولا على الركوب من كبر السن (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال إن أبى مات ولم يحج حجة الأسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه عنه؟ قال نعم، قال فانه دين عليه فاقضه (بز. طب. طس) وإسناده حسن (وعن عقبة بن عامر) رضى الله عنه أن امرأة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أحج عن أمى وقد ماتت؟ قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أليس كان مقبولا منك؟ قالت بلى. فأمرها أن تحج عنها؛ وجاءت امرأة فقالت أحج بابنى وهو مرضع أو صغير؟ قال نعم (طب. طس) وفيه شريك أبو حاتم وثقه أبو زرعة وابن معين فى رواية وضعفه النسائى وابن معين فى رواية (وعن زيد بن أرقم) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج عن أبيه أو عن أمه أجزأ ذلك عنه وعنهما (طب) وفيه راو لم يسم (وعن أبى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج عن ميت فللذى حج عنه مثل أجره، ومن فطَّر صائما فله مثل أجره، ومن دعا الى خير فله مثل أجر فاعله (طس) وفيه على بن زيد بن بهرام (قال الهيثمى) ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات، أورد هذه الأحاديث

ص: 26

-[مذاهب الأئمة فى الحج عن الضعيف والميت الذى لا يقوى على السفر]-

__

الحافظ الهيثمي عدا الحديث الأول وتكلم عليها جرحا وتعديلا (الأحكام) احاديث الباب تدل على انه يجوز الحج من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج لكبر سنه وضعفه وعدم تحمل مشاق السفر أو كان قد مات ولم يحج حجة الأسلام فللولد أن يحج عن أبيه وإن لم يوص الوالد بذلك، والمراد بالولد هنا الجنس سواء أكان ذكرا أم أنثى (وذهب بعض أهل العلم) الى عدم جواز حج المرأة عن الرجل، قالوا لأن المرأة تلبس فى الأحرام ما لا يلبسه الرجل فلا يحج عنه إلا رجل مثله، وقول النبى صلى الله عليه وسلم للخثعمية فى أحاديث الباب حجى عن أبيك يردّ هذا القول، (وذهب جماعة) الى أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما اختص سالم مولى أبى حذيفة بجواز إرضاع الكبير، حكاه ابن عبد البر، وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص، وأما ما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بأسنادين مرسلين فى هذا الحديث فزاد حجى عنه وليس لأحد بعده، فلا حجة فى ذلك لضعف اسنادهما مع الأرسال (وذهب جماعة) إلى أن ذلك خاص بالابن ولا يصح من غيره، والظاهر عدم اختصاص ذلك بالابن لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة؟ قال أخ لى أو قريب لى، قال حججت عن نفسك؟ قال لا، قال حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة، رواه أبو داود وابن ماجه، وقال فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة، ورواه الدارقطنى أيضا وفيه قال هذه عنك وحج عن شبرمة، وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه، والبيهقى وقال اسناده صحيح اهـ (وقال الخطابى) فى الكلام على حديث الخثعمية (فيه) بيان جواز حج الأنسان عن غيره حيا وميتا، وأنه ليس كالصلاة والصيام وسائر الأعمال البدنية التى لا تجزاء فيها النيابة (والى هذا ذهب الشافعى) وكان مالك لا يرى ذلك وقال لا يجزئه ان فعل، وهو الذى روى حديث ابن عباس، وكان يقول فى الحج عن الميت إن لم يوص به الميت- إن تصدق عنه وأعتق أحب إلى من أن يحج عنه، (وكان ابراهيم النخعى وابن أبى ذئب) يقولان لا يحج أحد عن أحد والحديث حجة على جماعتهم، قال وفيه دلالة على أن فرض الحج يلزم من استفاد مالا فى حال كبره وزمانته إذا كان قادرا به على أن يأمر غيره فيحج عنه كما لو قدر على ذلك بنفسه، وقد يتأول بعضهم قولها "ان فريضة الله أدركت أبى شيخا" فقال معناه أنه أسلم وهو شيخ كبير، وحكى عن (مالك وعن أبى حنيفة) أنهما قالا الزّمن لا يلزمه فرض الحج إلا أن أبا حنيفة قال إن لزمه الفرض فى حال الصحة ثم زمن لم يسقط عنه بالزمانة (وقال مالك) يسقط، واستدل الشافعى بخبر الخثعمية على وجوب الحج على المعضوب الزمن إذا وجد من يبذل له طاعته من ولده وولد ولده، ووجه ما استدل به من هذا الحديث أنها ذكرت وجوب فرض الحج

ص: 27

-[ما يستفاد من حديث الخثعمية - ومذاهب الأئمة فى الحج عن الحى والميت]-

__

على أبيها حال الزمانة وهو قولها "إن فريضة الله على عباده أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع ان يستمسك على الراحلة" ولا بد من تعلق وجوبه بأحد أمور، إما بمال أو بقوة بدن أو وجود طاعة من ذى قوة. وقد علمنا عجزه ببدنه ولم يجر للمال ذكر، وإنما جرى الذكر لطاعتها وبذلها نفسها عنه، فدل عل أن الوجوب تعلق به. ومعلوم فى اللسان أن يقال فلان مستطيع لأن يبنى داره إذا كان يجد من يطيعه فى ابتنائها كما إذا وجد ما لا ينفقه فى بنائها وكما لو قدر عليه بنفسه انتهى كلام الخطابى رحمه الله تعالى (وقد اختلفوا) فيما إذا عوفى المعضوب. (فقال الجمهور) لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا منه (وقال الأمامان أحمد واسحاق) لا تلزمه الأعادة لئلا تفضى الى إيجاب حجتين (وأجيب) بأن العبرة بالانتهاء وقد انكشف أن الحجة الأولى غير مجزئة (وقد ذكر النووى) رحمه الله لأحاديث الباب فوائد (منها) جواز الأرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وجواز سماع صوت الأجنبية عند الحاجة فى الاستفتاء والمعاملة وغير ذلك (ومنها) تحريم النظر الى الأجنبية (ومنها) إزالة المنكر باليد لمن أمكنه (ومنها) جواز حج المرأة عن الرجل (ومنها) بر الوالدين بالقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ونفقة وحج وغير ذلك (ومنها) وجوب الحج على من هو عاجز بنفسه مستطيع بغيره كولده، وهذا مذهبنا لأنها قالت أدركته فريضة الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة (ومنها) جواز قول حجة الوداع وأنه لا يكره ذلك (ومنها) جواز حج المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها وهو مذهبنا (ومذهب الجمهور) جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب وهو الزمانة والهرم ونحوهما (وقال مالك والليث والحسن بن صالح) لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الأسلام (قال القاضى)(وحكى عن النخعى وبعض السلف) لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهى رواية عن مالك وإن أوصى به (وقال الشافعى والجمهور) يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره سواء أوصى به أم لا ويجزاء عنه (ومذهب الشافعى) وغيره أن ذلك واجب فى تركته، وعندنا يجوز للعاجز الاستنابة فى حج التطوع على أصح القولين، واتفق العلماء على جواز حج المرأة عن الرجل الا الحسن بن صالح فمنعه، وكذا يمنعه من منع أصل الاستنابة مطلقا والله أعلم اهـ (قلت) وفى حديث بريدة الأخير من أحاديث الباب دلالة على أنه يجزاء عن الميت صيام وليه عنه إذا مات وعليه صوم واجب وإن لم يوص بذلك، وتقدم الكلام على ذلك مستوفى فى أحكام باب وصول ثواب القرب المهداة الى الميت صحيفة 101 من كتاب الجنائز فى الجزء الثامن والله الموفق

ص: 28

-[حجة القائلين بجواز حج الصغير والأثابة عليه]-

(4)

باب ما جاء فى صحة حج الصبى والعبد من غير إيجاب له عليهما

(27)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال كان النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم بالرَّوحاء فلقى ركبًا فسلَّم عليهم فقال من القوم؟ قالوا المسلمون، قالوا فمن أنتم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزعت امرأةٌ فأخذت بعضد صبىٍّ فأخرجته من محفَّتها فقالت يا رسول الله هل لهذا حجٌّ؟ قال نعم ولك أجرٌ

(27) عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن ابراهيم عن عقبة عن كريب عن ابن عباس- الحديث" (غريبه) (1) الروحاء مكان على ستة وثلاثين ميلا من المدينة "وقوله فلقى ركبا" قال القاضى عياض يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلا فلم يعرفوه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل كونه نهارا لكنهم لم يروه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك لعدم هجرتهم فأسلموا فى بلدانهم ولم يهاجروا قبل ذلك اهـ. وكان ذلك اللقاء حين رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بعد الحج، ففى رواية النسائى عن ابن عباس قال صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان بالروحاء- الحديث" وفى زاد المعاد للحافظ ابن القيم "ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، فلما كان بالروحاء لقى ركبا الخ"(والركب) بفتح الراء وسكون الكاف جمع راكب وهم العشرة فما فوقها من أصحاب الأبل فى السفر دون بقية الدواب ثم اتسع فيه فأطلق على كل من ركب دابة (2) معناه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال مستفهما من القوم؟ فقال القوم نحن المسلمون، ثم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فمن أنتم؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر لمبتدأ محذوف (3) أى خافت فوت الجواب وبادرت فأخذت بعضد صبى أى بساعده وهو من المرفق إلى الكتف (4) بكسر الميم وتشديد الفاء، مركب من مراكب النساء كالهودج إلا أنها ليس لها قبة كقبة الهودج (5) قال الخطابى إنما كان له الحج من ناحية الفضيلة دون أن يكون محسوبا عن فرضه لو بقى حتى بلغ ويدرك مدرك الرجل؛ وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهى غير واجبة عليه وجوب فرض، ولكن يكتب له أجرها تفضلا من الله سبحانه وتعالى؛ ويكتب لمن يأمره بها ويرشده اليها أحر، فاذا كان له حج فقد علم أن من سننه أن يوقف به فى المواقف ويطاف به حول البيت محمولا إن لم يطق المشى، وكذلك السعى بين الصفا والمروة ونحوها من أعمال الحج، وفى معناه المجنون إذا كان مأيوسا من إفاقته، وفى ذلك دليل على أن حجه إذا فسد ودخله نقص فان جبرانه واجب عليه كالكبير وإن اصطاد صيدا لزمه الفداء كما يلزم الكبير (تخريجه)(م. د. نس)

ص: 29

-[جواز حج الصبى والرمى عنه - فان بلغ فعليه حجة أخرى]-

(28)

عن جابر (بن عبد الله رضى الله عنهما) قال حججنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ومعنا النِّساء والصِّبيان ورمينا عنهم

(29)

عن السَّائب بن يزيد رضى الله عنه قال حجَّ بى مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم فى حجَّة الوداع وأنا ابن سبع سنين

(28) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير ثنا أشعث عن أبى الزبير عن جابر- الحديث" (غريبه) (1) أى نيابة عنهم، وفيه أن من لا يقدر على أداء فعل يجوز أن ينوب عنه رفيقه، وظاهره أن الرمى حصل نيابة عن النساء والصبيان، لكن رواه ابن أبى شيبة وابن ماجه بلفظ حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم" وهويفيد أن التلبية والرمى حصل نيابة عن الصبيان لا النساء، وهى تبين أن المراد بقوله فى رواية الأمام أحمد "ورمينا عنهم" يعنى عن الصبيان فقط، ولا مانع من الرمى عن المرأة أيضا إذا عجزت عن ذلك، والله أعلم (تخريجه)(جه. ش) وفى اسناده أشعث بن سوّار، بعضهم وثقه وبعضهم ضعفه والاكثرون على تضعيفه، ورواه الترمذى من هذا الوجه بلفظ آخر قال- كنا إذا حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نلبى عن النساء ونرمى عن الصبيان (قال ابن القطان) ولفظ ابن أبى شيبة أشبه بالصواب، فان المرأة لا يلبى عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم

(29)

عن السائب بن يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا حاتم بن اسماعيل عن محمد يعنى ابن يوسف عن السائب بن يزيد- الحديث" (غريبه) (2) كذا للأكثر بضم أوله على البناء لما لم يسم فاعله (وقال ابن سعد) عن الواقدى عن حاتم "حجت بى أمى" وللفاكهى من وجه آخر عن محمد بن يوسف عن السائب "حج بى أبى" ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه، أفاده الحافظ (تخريجه)(خ. مذ) ولم يذكر البخارى لفظ حجة الوداع (زوائد الباب)(عن محمد بن كعب القرظى) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال أيما صبى حج به أهله فمات أجزأت عنه، فان أدرك فعليه الحج، وأيما رجل مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه، فان اعتق فعليه الحج، أورده صاحب المنتقى وقال ذكره أحمد بن حنبل فى رواية ابنه عبد الله هكذا مرسلا اهـ (قلت) لم أقف على هذا الحديث فى المسند ولعله فى كتاب آخر من كتب الأمام أحمد أو ابنه عبد الله لا سيما ولم يعزه صاحب المنتقى الى المسند والله أعلم، وأخرجه أيضا أبو داود فى المراسيل، وفيه راو لم

ص: 30

-[زوائد الباب - ومذاهب العلماء فى حكم حج الصبى]-

__

يسم (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال كنا نحج بصبياننا فمن استطاع منهم رمى ومن لم يستطع رمى عنه، أورده صاحب المهذب (وعن عبد الله بن أبى يزيد) قال سمعت ابن عباس رضى الله عنهما يقول بعثنى أو قدَّ منى النبى صلى الله عليه وسلم فى الثَّقل من جمع بليل، رواه البخارى- الثقل بفتح المثلثة والقاف ويجوز اسكانها أى الأمتعة، ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أنه يصح حج الصبى ولا يجب عليه، أما عدم وجوبه عن الصبى فمجمع عليه (قال ابن المنذر) أجمع أهل العلم على سقوط فرض الحج عن الصبى وعن المجنون والمعتوه؛ قال وأجمعوا على أن المجنون إذا حج ثم أفاق أو الصبى ثم بلغ أنه لا يجزئهما عن حجة الاسلام، قال وأجمعوا على أن جنايات الصبيان لازمة لهم اهـ. وقد ذهب الى صحة حج الصبى الأئمة (مالك والشافعى وأحمد وداود) وجماهير العلماء من السلف والخلف، وأشار ابن المنذر الى الاجماع فيه (وقال ابن بطال) أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبى حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور (وقال أبو حنيفة) لا يصح احرامه ولا يلزمه شاء من محظورات الأحرام، وإنما يحج على جهة التدريب، وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبى أجزأه ذلك عن حجة الأسلام لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (نعم) فى جواب قولها "ألهذا حج" وقال الطحاوى لا حجة فى قوله صلى الله عليه وسلم نعم على أنه يجزئه عن حجة الاسلام بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له، قال لأن ابن عباس راوى الحديث قال "أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى" ثم ساقه بأسناد صحيح، وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على شرطهما. والبيهقى وابن خزيمة وصححه (وقال ابن خزيمة) الصحيح موقوف وأخرجه كذلك (قال البيهقى) تفرد برفعه محمد بن المنهال، ورواه الثورى عن شعبة موقوفا، ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحارث بن شريح أخرجه كذلك الاسماعيلى والخطيب، ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن عباس، قال احفظوا عنى ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره وهو ظاهر فى الرفع (وقد أخرج ابن عدى) من حديث جابر بلفظ "لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى" ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور فى الزوائد فيؤخذ من مجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبى ولا يجزئه عن حجة الاسلام إذا بلغ، وهذا هو الظاهر فتعين المصير اليه جمعا بين الأدلة (قال القاضى عياض) رحمه الله أجمعوا على أنه لا يجزئه أذا بلغ عن فريضة الأسلام إلا فرقة شذت فقالت يجزئه لقوله نعم، وظاهره استقامة كون حج الصبى حجا مطلقا، والحج إذا أطلق تبادر منه اسقاط الواجب، ولكن العلماء ذهبوا الى خلافه محتجين بحديث ابن عباس (يعني

ص: 31

-[حجة من اعتبر الزاد والراحلة من الاستطاعة]-

(5)

باب اعتبار الزاد والراحلة من الاستطاعة

(وكذلك سلامة الطريق ووجود محرم للمرأة)

(30)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا يحيى عن ابن جريجٍ أنا عطاءٌ قال سمعت ابن عباسٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأةٍ من الأنصار سمَّاها ابن عبَّاسٍ فنسيت اسمها ما منعك أن تحجِّي معنا العام قالت يا نبيَّ الله إنَّما كان لنا ناضحان فركب أبو فلانٍ وابنه لزوجها وابنها ناضحان وترك ناضحًا ننضح عليه؛ فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فإذا كان رمضان فاعتمري فيه، فإنَّ عمرةً فيه تعدل حجَّةً

المذكور آنفًا فى الزوائد) قال وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج اهـ (قال النووى) وهو مردود ولا يلتفت اليه لفعل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه واجماع الأمة على خلافه اهـ

(30)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) قال الحافظ القائل نسيت اسمها ابن جريج بخلاف ما يتبادر الى الذهن من أن القائل عطاء وانما قلت ذلك لأن المصنف "يعنى البخارى" أخرج الحديث فى باب حج النساء من طريق حبيب المعلم عن عطاء فسماها ولفظه "لما رجع النبى صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج- الحديث" ويحتمل ان عطاء كان ناسيا لاسمها لما حدَّث به ابن جريج وذاكرًا له لما حدث به حبيبا (2) يعنى عام حجة الوداع لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد نزول فرض الحج غيرها (3) تثنية ناضح بضاد معجمة ثم مهملة اى بعير (قال ابن بطال) الناضح البعير أو الثور أو الحمار الذى يستقى عليه اهـ. لكن المراد به هنا البعير لتصريحه بلفظ البكر فى حديث أبى بكر بن عبد الرحمن الآتى بعد هذا (4) أى تعنى زوجها وابنها "وقولها ننضح" بكسر الضاد المعجمة (5) رمضان بالرفع وكان تامة اى فاذا جاء رمضان (6) قال ابن خزيمة فى هذا الحديث إن الشاء يشبه الشاء ويجعل عدله إذا أشبهه فى بعض المعانى لا جميعها. لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر (تخريجه)(ق. وغيرهما) ومناسبة هذا الحديث للترجمة أن المرأة لم تستطع الحج لعدم تيسر الراحلة، وقد اختلف العماء فى معنى هذا الحديث، فقال بعضهم ان الحجة التى فاتت هذه المرأة كانت تطوعا لأجماع الأمة على ان العمرة لا تجزاء عن حجة الفريضة إذ لا مانع من ان تكون حجت مع ابى بكر رضى الله عنه فى السنة التاسعة. ثم أرادت أن تحج

ص: 32

-[حديث أم معقل الأسدية - وقصة الجمل]-

(31)

عن معقل بن أمِّ معقلٍ عن أمِّ معقلٍ الأسديَّة قال أرادت أمِّى الحجَّ وكان جملها أعجف فذكرت ذلك للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، فقال اعتمرى فى رمضان، فإنَّ عمرةً فى رمضان كحجَّةٍ (وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن أبى سلمة بن عبد الرَّحمن عن أمِّ معقلٍ

مع النبي صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع فى السنة العاشرة فمنعها عدم تيسر الراحلة (وقال بعضهم) إن الحجة التى فاتت هذه المرأة هى حجة الوداع، وكانت أول حجة أقيمت فى الأسلام فرضا (قلت) وهذا مبنى على أن الحج إنما فرض فى السنة العاشرة ولكنه غير متفق عليه، وتقدم الخلاف فيه بأدلته فى احكام الباب الثانى (وعلى كل حال) فان كان ما فاتها حجة الفرض فيكون المراد من الحديث بيان فضل العمرة فى رمضان وأن ثوابها كثواب حجة لكنها لا تسقط الحجة المفروضة، بل لا بد من الأتيان بها من قابل. وان كان ما فاتها تطوعا فالعمرة فى رمضان تقوم مقام الحجة فى التطوع والله أعلم (ونقل الترمذى) عن اسحاق ابن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن قل هو الله احد تعدل ثلث القرآن (وقال ابن العربى) حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد ادركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان اليها (وقال ابن الجوزى) فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد والله اعلم

(31)

عن معقل بن أم معقل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال حدثنى يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن معقل بن أم معقل- الحديث" (غريبه)(1) بفتح الهمزة والسين المهملة نسبة الى أسد بن خزيمة ابن مدركه بن الياس بن مضر أبى قبيلة عظيمة من مضر الحمراء، قال فى تاج العروس، وأم معقل هذه غير المرأة المبهمة المتقدمة فى حديث ابن عباس، فان هذه أسدية وتلك أنصارية، وهذه اسمها أم معقل، وتلك اسمها أم سنان، وقد صرح باسمها فى رواية للبخارى ومسلم فهما قصتان وقعتا لامرأتين كما قال الحافظ (2) العجف الهزال. وبابه طرب فهو أعجف، والأنثى عجفاء. وعجف بالضم لغة، والجمع عجاف بالكسر على غير قياس، والمعنى أن جملها كان ضعيفا مهزولا لا يقدر على السفر؛ والظاهر أن أم معقل كانت أدت الحجة المفروضة وتريد الحج تطوعا، فأخبرها أن عمرة فى رمضان تعدل حجة، فلها أن تعتمر فى رمضان ريثما يقوى جملها أو تجد غيره، والله أعلم (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني

ص: 33

-[حديث أم معقل الأسدية - وقصة الجمل]-

الأسديَّة أنَّها قالت يا رسول الله إنِّى أريد الحجَّ وجملى أعجف فما تأمرنى؟ قال اعتمرى فى رمضان، فإنَّ عمرةً في رمضان تعدل حجَّةً

(32)

عن أبى بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشامٍ عن امرأةٍ من بنى أسد بن خزيمة يقال لها أمُّ معقلٍ قالت أردت الحجَّ فضلَّ بعيري فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان، فإنَّ عمرةً فى شهر رمضان تعدل حجَّةً (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال كنت فيمن ركب مع مروان حين ركب إلى أمِّ معقلٍ، قال وكنت فيمن دخل عليها من النَّاس معه وسمعتها حين حدَّثت هذا الحديث (وعنه من طريقٍ ثالثٍ) قال أرسل مروان إلى أمِّ معقلٍ الأسديَّة يسألها عن هذا الحديث فحدَّثته أنَّ زوجها

أبي ثنا روح ومحمد بن مصعب قالا ثنا الأوزاعى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن- الحديث" (تخريجه)(عب. وابن منده) وسنده جيد، والطريق الثانية فيها انقطاع، لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يدرك أم معقل

(32)

عن أبى بكر بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهرى عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث- الحديث" (غريبه) (1) أى غاب وخفى موضعه وأضللته بالألف فقدته (قال الأزهرى) وأضللت الشاء بالألف إذا ضاع منك فلم تعرف موضعه كالدابة والناقة وما أشبههما، فان أخطأت موضع الشاء قلت ضللته ولا تقل أضللته (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن ابن اسحاق قال ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن الحارث بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه قال كنت فيمن ركب- الحديث"(غريبه)(3) يعنى حديثها الآتى (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا ثنا شعبة عن ابراهيم بن مهاجر عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث قال أرسل مروان إلى أم معقل- الحديث" (غريبه)(5) فى الطريق السابق قال كنت فيمن ركب مع مروان، وفى هذا الطريق قال أرسل مروان إلى أم معقل، فيحتمل أن مروان أرسل إليها أولا ثم ركب إليها

ص: 34

-[حديث أم معقل الأسدية - وقصة الجمل]-

جعل بكرًا لها فى سبيل الله وأنَّها أرادت العمرة فسألت زجها البكر فأبى، فأتت النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمره أن يعطيها، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الحجُّ والعمرة من سبيل الله وقال عمرةٌ فى رمضان تعدل حجَّة أو تجزئ حجَّةً، وقال حجَّاجٌ تعدل بحجَّةٍ أو تجزئ بحجَّةٍ (وعنه من طريقٍ رابعٍ) قال أخبرنى رسول مروان الَّذى أرسل إلى أمِّ معقلٍ قال قالت جاء أبو معقلٍ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فلمَّا قدم أبو معقلٍ قال قالت أمُّ معقلٍ قد علمت أنَّ علىَّ حجَّةً وأنَّ عندك بكرًا فأعطنى فلأحجَّ عليه، قال فقال لها إنَّك قد علمت أنِّى قد جعلته في سبيل الله؛ قالت فأعطني صرام

بنفسه لشدة اهتمامه بأمر هذا الحديث، فكان أبو بكر بن عبد الرحمن فيمن ركب معه والله أعلم (1) هكذا بالأصل "وأنها أرادت العمرة" ولم أجد من قال ذلك فى طريق من الطرق ولا أصل من الأصول غير هذه الطريق. بل كلهم قالوا الحج بدل العمرة، ولا أدرى هل وقع ذلك تحريفا من الناسخ أو خطأ من بعض الرواة، لا سيما وفى اسناد هذه الطريق ابراهيم بن مهاجر وهو ضعيف لا يحتج بحديثه والله أعلم (2) فيه أنه جعل الحج من سبيل الله، وعليه فيجوز صرف الزكاة لمن يريد الحج كالمجاهد، وفى ذلك خلاف سيأتى فى الأحكام (3)(سنده) حدثنى عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا أبو عوانة قال ثنا ابراهيم بن مهاجر عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال أخبرنى رسول مروان- الحديث" (غريبه) (4) فى هذه الطريق "قال أخبرنى رسول مروان" وفى الطريق الثانية "قال كنت فيمن ركب مع مروان حين ركب إلى أم معقل قال وكنت فيمن دخل عليها من الناس وسمعتها حين حدثت هذا الحديث" ولا منافاة بين ذلك لاحتمال أن رسول مروان أدركها قبلهم فحدثهم بما سمع منها ثم لم يكتفوا بحديثه فقابلوها فحدثتهم والله أعلم (5) يتبادر إلى الذهن من هذا التعبير أن عليها حجة مفروضة أو منذورة وليس كذلك، بل المعنى أنها جعلت على نفسها حجة مع النبى صلى الله عليه وسلم لتحوز بذلك شرف المعية وكثرة الثواب، وإنما قلت ذلك لأنها لو كانت مفروضة أو منذورة ما كانت العمرة فى رمضان تغنى عنها، ويؤيد ذلك ما جاء عند النسائى بلفظ "ان أم معقل جعلت عليها حجة معك" وعند ابن منده أيضا "جعلت على نفسها حجة معك فلم يتيسر لها ذلك" والله أعلم (6) الصرام قطع الثمرة واجتناؤها من

ص: 35

-[بقية حديث أم معقل الأسدية - وقصة الجمل]-

نخلك قال قد علمت أنه قوت أهلى، قالت فإنِّى مكلِّمةٌ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وذاكرته له، قال فانطلقا يمشيان حتَّي دخلا عليه، قال فقالت له يا رسول الله إنَّ علىَّ حجَّةً وإنَّ لأبى معقلٍ بكرًا، قال أبو معقلٍ، صدقت جعلته في سبيل الله، قال أعطها فلتحجَّ عليه فإنَّه فى سبيل الله، قال فلمَّا أعطاها البكر قالت يا رسول الله إنِّى امرأةٌ قد كبرت وسقمت فهل من عملٍ يجزئ عنِّى من حجَّتى؟ قال فقال عمرةٌ فى رمضان تجزيء لحجَّتك

النخلة، والمعنى أعطنى ما جنيته من ثمرة نخلك (1) أى يكون ثوابه مثل ثواب حجتى التى أريدها؟ (تخريجه)(د. نس) ورواه الترمذى مختصرا عن أم معقل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عمرة فى رمضان تعدل حجة. وقال حديث حسن غريب، ورواه أيضا ابن خزيمة فى صحيحه باختصار إلا أنه قال إن الحج والعمرة فى سبيل الله، وإن عمرة فى رمضان تعدل حجة أو تجزاء حجة، وهذا اللفظ أعنى قول النبى صلى الله عليه وسلم (عمرة فى رمضان تعدل حجة) صحيح متفق على صحته، رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم من عدة طرق عن كثير من الصحابة كما سيأتى فى أبواب العمرة؛ وإنما الاختلاف والضعف والاضطراب جاء فى قصة أم معقل، قال صاحب عون المعبود فى شرح سنن أبى داود، ولا شك أن رواة هذا الحديث لم يتقنوا ألفاظ الحديث ولم يحفظوها بل اختلطوا وغيروا الألفاظ واضطربوا فى الأسناد وفيه ضعيف ومجهول اهـ (قلت) يعنى بالضعيف ابراهيم بن مهاجر؛ وبالمجهول رسول مروان لأنه لم يسم، ولأجل دفع الاضطراب ورفع التناقض قد أولت فى تفسير كثير من ألفاظه كما عرفت، والحديث الصحيح الذى عليه المعول هو الحديث الأول من أحاديث الباب فقد أخرجه الشيخان والأمام أحمد وليس فيه اختلاط، ولأبى داود رواية أخرى من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدته أم معقل قالت، لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل فى سبيل الله وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبى صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من حجه جئته فقال يا أم معقل ما منعك أن تخرجى معنا قالت لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذى نحج عليه، فأوصى به أبو معقل فى سبيل الله، قال فهلا خرجت عليه فان الحج فى سبيل الله، فأما إذ فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمرى فى رمضان فانها كحجة، فكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي.

ص: 36

-[التحذير من النوم فوق السطوح التى ليس لها حاجز]-

(33)

عن أبي عمران الجونىِّ قال حدَّثنى بعض أصحاب محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وغزونا نحو فارس، فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بات فوق بيتٍ ليس له إجَّارٌ فوقع فمات فقد برئت منه الذِّمَّة ومن ركب البحر عند ارتجاجه

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدرى ألى خاصة؟ والحديث بهذا السياق لا يستقيم معناه، لأنه يفهم منه أن أبا معقل توفى قبل خروج النبى صلى الله عليه وسلم الى الحج وأنه أوصى قبل وفاته بجعل جملهم فى سبيل الله ففهمت أنها لا تملكه ولا يجوز استعماله فى الحج، وهذا هو السبب فى عدم خروجها مع النبى صلى الله عليه وسلم مع أنه ثبت فى حديثها الطويل المذكور فى الباب عند الأمام أحمد وأبى داود أيضا أن زوجها منعها الجمل، لأنه جعله فى سبيل الله، ثم حج مع النبى صلى الله عليه وسلم وتركها وأنها اشتكه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حضورهما من الحج. فالحديث فيه تقديم وتأخير والصواب ما فى حديث الباب (أما قولها الحج حجة، والعمرة عمرة) فمعناه أنهما ليسا سواء فى المنزلة فكيف جعل النبى صلى الله عليه وسلم عمرة فى رمضان كحجة؟ ولا تشك فى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك، فهل هذه المزية لها خاصة أم للناس عامة؟ (قال الحافظ) وبالخصوصية قال بعض المتقدمين، ففى رواية أحمد بن منيع قال سعيد بن جبير ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها. واستظهر الحافظ حمله على العموم والله أعلم

(33)

عن أبى عمران الجونى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أزهر بن القاسم ثنا محمد بن ثابت عن أبى عمران الجونى- الحديث" (غريبه) (1) الأجار بهمزة مكسورة بعدها جيم مشددة وآخره راء مهملة، هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه، ووقع فى رواية أبى داود "ليس له حجار" والحجار جمع حجر بكسر الحاء المهملة. أى ليس عليه شاء يستره ويمعه من السقوط، يقال احتجرت الأرض اذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك، أو يكون من الحجر وهى حظيرة الأيل وحجرة الدار وهو راجع الى المنع أيضا (2) معنى الذمة هنا العهد. وذلك أن لكل من الناس عهدا من الله تعالى بالحفظ والكلاءة، فاذا ألقى بيده الى التهلكة انقطع عنه ذلك العهد ووكله الله الى نفسه ولا يؤاخذ أحد بدمه (3) الارتجاج الاضطراب أى عند هياجه وتلاطم أمواجه، لأن من ركبه فى هذه الحال فقد ألقى بنفسه الى الهلاك، والله تعالى يقول {ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة} أما اذا ركبه فى وقت هدوئه فلا بأس بذلك، ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن من وجب عليه الحج وكان لا يصل اليه الا بطريق البحر

ص: 37

-[كراهة ركوب البحر عند هياجه - والنهى عن سفر المرأة بغير محرم]-

فمات فقد برئت منه الذِّمَّة (وعنه من طريقٍ ثان) قال كنَّا بفارس وعلينا أميرٌ يقال له زهير بن عبد الله، فقال حدَّثنى رجلٌ أنَّ نبىَّ الله صلى الله عليه وسلم قال من بات فوق إجَّارٍ أو فوق بيتٍ ليس حوله شيءٌ يردُّ رجله فقد برئت منه الذِّمَّة، ومن ركب البحر بعد ما يرتجُّ فقد برئت منه الذِّمَّة

(34)

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأةٌ إلَّا ومعها ذو محرمٍ، وجاء النَّبىُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم رجلٌ فقال إنِّى اكتتبت فى غزوة كذا وكذا وامرأتى حاجَّةٌ، قال فارجع فحجَّ معها

فلا يركب البحر عند هياجه وإن فاته الحج (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أزهر ثنا هشام يعنى الدستوائى عن أبي عمران الجونى قال كنا بفارس- الحديث" (2) أى حاجز يمنع رجله من السقوط لا سيما فى الليالى المظلمة، وربما يفهم بعض الناس أن معنى البيات المذكور فى الحديث منحصر فى النوم فقط، وليس كذلك. فان إتيانه بمعنى النوم نادر، والأصل فى معناه السهر بالليل- قال تعالى {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما} وقال الأزهرى قال الفراء بات الرجل إذا سهر الليل كله فى طاعة أو معصية (وقال الليث) من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ، ألا ترى أنك تقول بات يرعى النجوم، ومعناه ينظر اليها، وكيف ينام من يراقب النجوم؟ اهـ (قلت) ويشير الى ذلك قوله فى الحديث (يرد رجله) أى عن المشى إلى موضع السقوط. ولا يمشى عادة إلا المتيقظ. وحدوثه من النائم نادر، ومع هذا فالحديث يستفاد منه النهى عن النوم فوق السطوح التى ليس لها حاجز والمكث عليها للمتيقظ، وسيأتى فى الزوائد ما يؤيد ذلك والله أعلم (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه أحمد والبيهقى ورجاله ثقات (وفى رواية للبيهقى) عن أبى عمران أيضا قال كنت مع زهير الشنوى فأتينا على رجل نائم على ظهر جدار وليس له ما يدفع رجليه فضربه برجله ثم قال قم ثم قال زهير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث الباب

(34)

عن ابن عباس رضى الله عنهما الخ. هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب سفر النساء من أبواب صلاة المسافر رقم 1197 صحيفة 85 من الجزء الخامس فارجع اليه ان شئت وإنما ذكرته هنا لمناسبة الترجمة

ص: 38

-[النهي عن سفر المرأة ولو مسيرة يوم واحد بغير محرم - وزوائد الباب]-

(35)

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يومًا وليلةً (وفى روايةٍ "تسافر ليلةً" وفى روايةٍ "ثلاثة أيَّامٍ" وفى روايةٍ "يومًا تامًّا) إلَّا مع ذي محرمٍ من أهلها

(35) عن أبي هريرة الخ الحديث تقدم أيضا بسنده وشرحه وتخريجه رقم 1200 صحيفة 86 فى الباب المشار اليه فى الجزء الخامس أيضا (زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها أحجتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جملك، فقال ما عندى ما أحجك عليه، فقالت أحججنى على جملك فلان، قال ذاك حبيس فى سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتى تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وأنها سألتنى الحج معك قالت أحججنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت ما عندى ما أحججك عليه، قالت أحجنى على جملك فلان، فقلت ذاك حبيس فى سبيل الله عز وجل قال أما إنك لو أحججتها عليه كان فى سبيل الله، وأنها أمرتنى أن أسألك ما يعدل حجة معك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معى يعنى عمرة فى رمضان، رواه أبو داود وابن خزيمة فى صحيحه كلاهما بالقصة، واللفظ لأبى داود. وآخره عندهما سواء (وعنه أيضا) قال جاءت أم سليم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركانى، فقال يا أم سليم عمرة فى رمضان تعدل حجة، رواه ابن حبان فى صحيحه (وعن أبى طليق) أن امرأته قالت له وله جمل وناقة أعطنى جملك أحج عليه، قال هو حبيس فى سبيل الله، قالت إنه فى سبيل الله أن أحج عليه، قالت فأعطنى الناقة وحج على جملك، قال لا أوثر على نفسى أحدا؛ قالت فأعطنى من نفقتك، قال ما عندى فضل عن ما أخرج به وأدع لكم، ولو كان معى لأعطيتك، قالت فاذ فعلت ما فعلت فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام إذا لقيته وقل له الذى قلت لك، فلما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه منها السلام وأخبره بالذى قالت له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت أم طليق، لو أعطيتها جملك كان فى سبيل الله، ولو أعطيتها من نفقتك أخلفها الله لك، قلت فما يعدل الحج معك؟ قال عمرة فى رمضان، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير والبزار باختصار عنه ورجال البزار رجال الصحيح اهـ (قلت) قال الحافظ المنذرى أبو طليق هو أبو معقل وكذلك زوجته أم معقل تكنى أم طليق أيضا، ذكره ابن عبد البر النمرى اهـ. وأشار إلى هذا الحديث أيضا الحافظ فى الفتح وذكر شيئا منه، ثم قال وزعم ابن عبد البر أن أم معقل

ص: 39

-[ذكر النسوة اللاتي اشتركن فى قصة الجمل - وزوائد الباب]-

__

هي أم طليق كنيتان وفيه نظر، لأن أبا معقل مات فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب وهو من صغار التابعين، فدل على تغاير المرأتين ويدل عليه تغاير السياقين أيضا اهـ (قلت) يستفاد مما أوردنا فى أحاديث الباب والزوائد أن قصة الجمل وقعت لأربع نسوة إحداهن أم سنان الأنصارية. والثانية أم معقل الأسدية. والثالثة أم سليم. والرابعة أم طليق بل قال الحافظ ووقعت (يعنى القصة) لأم الهيثم أيضا فيصرن خمسة، والظاهر أن القصة تعددت وأن هؤلاء النسوة كن قد أدين فريضة الحج مع أبى بكر رضى الله عنه سنة تسع، ولذلك لم يستعد أزواجهن لما يوصلهن إلى الحج مع النبى صلى الله عليه وسلم والله أعلم (وعن ابن عمر رضى الله عنهما) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها زوجها فى الحج، قال ليس لها أن تنطلق الا باذن زوجها (قط)، وأورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط ورجاله ثقات (وعن جابر بن عبد الله) رضى الله عنهما قال لما نزلت هذه الاية {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} قام رجل فقال يا رسول الله ما السبيل؟ قال الزاد والراحلة (قط) وفى اسناده محمد بن عبد الله بن عبيد الليثى (قال الزيلعى) تركوه وأجمعوا على ضعفه (وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده قال قال رجل يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال الزاد والراحلة (قط) وفيه محمد بن عبيد الله بن ميسرة العزرمى الكوفى (قال الأمام أحمد) ترك الناس حديثه وقال الفلاس متروك (وعن أنس) رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} قال قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال الزاد والراحلة رواه الدارقطنى، وأخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح على شرطهما، والبيهقى كلهم من طريق سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن مرسلا (قال الحافظ) فى التلخيص وسنده صحيح الى الحسن ولا أرى الموصول إلا وهما، وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا الا أن الراوى عن حماد هو ابو قتادة عبد الله بن واقد الحرانى وهو منكر الحديث كما قال أبو حاتم، ولكنه قد وثقه أحمد (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزاد والراحلة، يعنى قوله من استطاع اليه سبيلا- رواه ابن ماجه والدارقطنى (قال الحافظ) وسنده ضعيف، ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال الزاد والراحلة. رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن. والظاهر أن الترمذى حسنه لكثرة شواهده، والا ففى سنده ابراهيم بن يزيد الخوزى وهو متروك الحديث كما صرح به الحافظ فى التقريب (وعنه أيضا) قال سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الحاج

ص: 40

-[زوائد الباب مع شرح الغريب منها - وفضل من حج ماشيا]-

__

قال الشعث التفل، فقال آخر يا رسول الله أى الحج أفضل؟ قال العج والثج، فقام آخر فقال يا رسول الله ما السبيل؟ فقال الزاد والراحلة، رواه الأمام الشافعى فى مسنده وابن ماجه، ورواه والترمذى فى التفسير إلى قوله والثج، وفى اسناده ابراهيم بن يزيد الخوزى وتقدم الكلام عليه فى الحديث السابق لكن حسنه المنذرى، وقال رواه ابن ماجه باسناد حسن، والشعث بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة وبالثاء المثلثة، الذى تفرق شعره، والتفل بالتاء المثناة من فوق وبالفاء المكسورة. الذى لا يتطيب فتوجد منه رائحة كريهة، والعج رفع الصوت بالتلبية. وهو بفتح العين المهملة وبالجيم، والثج بفتح الثاء المثلثة وبالجيم نحر البدن، قال وكيع فى رواية ابن ماجه يعنى بالعج العجيج بالتلبية والثج نحر البدن (وعن بشير بن مسلم) عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يركب البحر الا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله، فان تحت البحر نارا وتحت النار بحرا، رواه أبو داود وسعيد بن منصور فى سننهما وهذا لفظ أبى داود، ومعنى قوله فان تحت البحر نارًا الخ. قيل هو على ظاهره فان الله على كل شاء قدير (وقال الخطابي) تأويله تفخيم أمر البحر وتهويل شأنه، وذلك أن الآفة تسرع إلى راكبه ولا يؤمن الهلاك عليه فى كل وقت كما لا يؤمن الهلاك فى ملابسة النار ومداخلتها والدنو منها اهـ (قال المنذرى) فى هذا الحديث اضطراب روى عن بشير هكذا، وروى عنه أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو. وروى عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو وقيل غير ذلك (وقال أبو داد) رواته مجهولون. وذكره البخارى فى تاريخه وذكر له هذا الحديث وذكر اضطرابه وقال لم يصح حديثه (وقال الخطابى) قد ضعفوا إسناد هذا الحديث اهـ (وعن زاذان) قال مرض ابن عباس مرضا شديدًا فدعا ولده فجمعهم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول من حج من مكة ماشيًا حتى يرجع الى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة كل حسنة مثل حسنات الحرم. قيل وما حسنات الحرم؟ قال بكل حسنة مائة ألف حسنة (هق. ك) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى (وعن عبد الله بن عبيد بن عمير) قال قال ابن عباس ما ندمت على شاء فاتنى فى شبابى إلا أنى لم أحج ماشيا ولقد حج الحسن ابن على رضى الله عنهما خمسة وعشرين حجة ماشيا وان النجائب لتقاد معه. ولقد قاسم الله ما له ثلاث مرات حتى إنه يعطى الخف ويمسك النعل (قال البيهقى) ابن عمير يقول ذلك رواية عن الحسن بن على. وقد روى فيه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما حديث مرفوع وفيه ضعف (وعن عطاء عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال ما آسى على شاء ما آسى على أنى لم أحج ماشيًا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن الاستطاعة المذكورة فى قول الله عز وجل {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه

ص: 41

-[مذاهب الأئمة فى تفسير الاستطاعة إلى الحج]-

سبيلا" تشتمل على جملة أمور، ومع ذلك فهى نوعان (أحدهما) أن يكون مستطيعًا بنفسه (والثانى) أن يكون عاجزا بنفسه لا يقدر على الثبوت على الراحلة لمرض مزمن أو كبر وله مال أو من يطيعه من ولده أو ولد ولده، فيلزمه أن يستأجر بماله أو يأذن للمطيع فى الحج عنه؛ وتقدم الكلام عليه فى باب وجوب الحج على الشيخ الكبير الخ (وأما الاستطاعة بالنفس) فتشتمل على جملة أمور كما قدمنا (منها) أن يكون صحيحا واجدًا للزاد والراحلة "وفى معنى الراحلة ما حدث من المراكب البرية والبحرية والهوائية" لحديث الجمل المذكور أول الباب، رواه الشيخان وغيرهما، ولأحاديث الزاد والراحلة المذكورة فى الزوائد وإن كانت ضعيفة ولكنها جاءت من عدة طرق عن كثير من الصحابة، وصحح بعضها جماعة من الحفاظ، على أنها لكثرة طرقها يقوى بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها (وقد استدل بها) من قال إن الاستطاعة المذكورة فى القرآن هى الزاد والراحلة، أما الزاد فهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع، وأما الراحلة أو ما يقوم مقامها فيشترط أن تبلغه مقصوده ذهابًا وإيابًا سواء أكانت ملكه أو بأجرة معتدلة يقدر على دفعها بدون غبن، وهذا إذا كانت المسافة بعيدة لا يمكنه المشى اليها، والى ذلك ذهب الأئمة (أبو حنيفة والشافعى وأحمد) وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وإسحاق (قال الترمذى) والعمل عليه عند أهل العلم أن الرجل اذا ملك زادًا أو راحلة وجب عليه الحج اهـ وفسرعكرمة الاستطاعة بالصحة (وقال الضحاك) ان كان شابا فليؤاجر نفسه بأكله وعقبه حتى يقضى نسكه (وعن مالك) ان كان يمكنه المشى وعادته سؤال الناس لزمه الحج، لأن هذه الاستطاعة فى حقه فهو كواجد الزاد والراحلة، وفى ذلك نظر. لأن السؤال محرم الا لضرورة الحياة. فكيف يجعل واجبا لغير ضرورة؟ (وفى حديثى ابن عباس وأم معقل) أنه جعل الحج من السبيل، وقد اختلف الناس فى ذلك، فكان ابن عباس لا يرى بأسا أن يعطى الرجل من زكاته فى الحج، وروى مثل ذلك عن ابن عمر (وكان الأمام أحمد واسحاق) يقولان يعطى من ذلك فى الحج. وقال الأئمة (أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثورى والشافعى) لا تصرف الزكاة الى الحج، وسهم السبيل عندهم الغزاة والمجاهدون (ومنها) أى من الاستطاعة أيضا أن يكون الحاج آمنا على نفسه وماله سواء أكان السفر برًا أم بحرًا فان كان لا بد له من اجتياز البحر جاز له ركوبه، وقد جاء فى ذلك حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضى الله عنهما، وتقدم فى الزوائد بلفظ "لا يركب البحر الا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله- الحديث" رواه أبو داود والبيهقى وآخرون، ولكنه ضعيف، وتقدم الكلام عليه. فان كان البحر هائجا فلا يجوز له ركوبه لا لحج ولا غيره حتى يهدأ لحديث

ص: 42

-[مذاهب الأئمة فى سفر المرأة إلى الحج وهل يشترط لها المحرم أم لا؟]-

__

أبي عمران الجونى المذكور فى الباب، وذلك باتفاق العلماء (قال النووى رحمه الله إذا كان البحر مفرقًا أى مخيفًا أو كان قد اغتلم وماج حرم ركوبه لكل سفر لقول الله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة} ولقوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} هكذا صرح به امام الحرمين والأصحاب قال (ومذهب أبى حنيفة ومالك وأحمد) أنه يجب الحج فى البحر إن غلبت فيه السلامة والا فلا، وهذا هو الصحيح عندنا اهـ (ومن الاستطاعة أيضا) وجود محرم للمرأة يسافر معها، والمحرم من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجرى مجراهم، وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور قبل الحديث الأخير من أحاديث الباب على أن الزوج داخل فى مسمى المحرم أو قائم مقامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم للرجل الذى أرادت امرأته الحج "فارجع فحج معها"(قال الحافظ) وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره، وبه قال (أحمد وهو وجه للشافعى) والمشهور أنه لا يلزمه كالولى فى الحج عن المريض، فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها فصار فى حقها كالمؤنة (واستدل به) على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض (وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية) والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخى، وقد روى الدارقطنى عن ابن عمر مرفوعا فى امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها فى الحج ليس لها أن تنطلق إلا بأذن زوجها (وأجيب عنه) بأنه محمول على حج التطوع جمعا بين الحديثين (ونقل ابن المنذر الأجماع) على أن للرجل منع زوجته عن الخروج فى الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا (وقد استدل ابن حزم) بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها (وتعقب) بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذى كتب فيه اهـ (واعلم) أنه وردت أحاديث كثيرة فى النهى عن سفر المرأة الا بمحرم فيها اختلاف فى تقدير المسافة التى يحرم قطعها فى السفر بغير محرم، ففى بعضها مسافة ثلاثة أيام، وفى بعضها ثلاثة أيام فصاعدا (وفى رواية) مسافة يومين (وفى رواية) يوم وليلة (وفى أخرى) يوم (وفى رواية ليلة) بل جاء فى رواية لأبى داود لا تسافر بريدا والبريد نصف يوم، وتقدمت هذه الروايات وأشبعنا الكلام عليها فى باب سفر النساء فى الجزء الخامس صحيفة 85 (قال العلماء) اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن وليس فى النهى عن الثلاثة تصريح بأباحة اليوم والليلة أو البريد (قال البيهقى) كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم فقال لا، وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا، وسئل عن سفرها يوما فقال لا، وكذلك البريد فأدى كل منهم ما سمعه،

ص: 43

-[مذاهب الأئمة واختلافهم فى حكم المحرم للمرأة فى سفر الحج]-

__

وما جاء منها مختلفًا عن رواية واحد فسمعه فى مواطن، فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح وليس فى هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا (فالحاصل) أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغبر زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة (قلت) هى المذكورة قبل الحديث الأخير من أحاديث الباب بلفظ "لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم" ولفظ مسلم "الا مع ذى محرم"(قال النووى وأجمعت الأمة) على أن المرأة يلزمها حجة الأسلام اذا استطاعت؛ لعموم قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت} وقوله صلى الله عليه وسلم "بنى الأسلام على خمس- الحديث" واستطاعتها كاستطاعة الرجل. لكن اختلفوا فى اشتراط المحرم لها (فأبو حنيفة يشترطه) لوجوب الحج عليها الا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل. ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأى. وحكى ذلك عن الحسن البصرى والنخعى. وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين (ومالك والأوزاعى والشافعى فى المشهور عنه) لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها (قال أصحابنا) يحصل الأمن بزوج أو محرم أو بنسوة ثقات. ولا يلزمها الحج عندنا الا بأحد هذه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها، لكن يجوز لها الحج معها، هذا هو الصحيح وقال بعض أصحابنا يلزمها بوجود امرأة واحدة. وقد يكثر الأمن ولا تحتاج الى أحد بل تسير وحدها فى جملة القافلة وتكون آمنة. والمشهور من نصوص الشافعى وجماهير أصحابه هو الأول (واختلف أصحابنا) فى خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التى ليست واجبة. فقال بعضهم يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الأسلام (وقال الجمهور) لا يجوز الا مع زوج أو محرم. وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة. وقد قال القاضى عياض (واتفق العلماء) على أنه ليس لها أن تخرج فى غير الحج والعمرة إلا مع ذى محرم إلا الهجرة من دار الحرب. فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها الى دار الأسلام وان لم يكن معها محرم، والفرق بينهما أن اقامتها فى دار الكفر حرام اذا لم تستطع اظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها. وليس كذلك التأخر عن الحج، فانهم اختلفوا فى الحج هل هو على الفور أم على التراخى (قال القاضى عياض) قال الباجى هذا عندى فى الشابة، وأما الكبيرة غير المشتهاة فتسافر كيف شاءت فى كل الأسفار بلا زوج ولا محرم، وهذا الذى قاله الباجى لا يوافق عليه، لأن المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة، ويجتمع فى الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه

ص: 44

-[مذاهب العلماء فى حكم المشى إلى الحج - وتفسير الصرورة]-

(6)

باب التغليظ فى ترك الحج للمستطيع

(36)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنََّه كان يقول لا صرورة في الإسلام

ومروءته وخيانته ونحو ذلك والله أعلم (وفى حديث ابن عباس) المذكور فى آخر الزوائد والآثار المذكورة بعده دلالة على استحباب المشى لمن قدر على الحج راكبا وماشيا، وبه قال (داود الظاهرى) واحتج أيضا بما فى حديث عائشة عند البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها "ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك" وفى رواية أخرى صحيحة "على قدر عنائك ونصبك"(وذهب جمهور العلماء) إلى أن الحج راكبا أفضل، لأنه صلى الله عليه وسلم حج راكبا ولأنه أعون على المناسك والدعاء وسائر عباداته فى طريقه وأنشط له (فان قيل) إن حجه صلى الله عليه وسلم راكبًا كان لبيان الجواز (فالجواب) أن ذلك يقال فيما يتكرر فعله لأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب فى معظم الأوقات على الصفة الكاملة؛ أما ما لم يفعله إلا مرة واحدة فلا يفعله إلا على أكمل وجوهه ومنه الحج فانه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة بأجماع المسلمين وهى حجة الوداع، سميت بذلك لأنه ودع الناس فيها لا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم "لتأخذوا عنى مناسككم"(وللشافعية فى ذلك قولان) أصحهما تفضيل الركوب اقتداء به صلى الله عليه وسلم (قال الغزالى) من سهل عليه المشى فهو أفضل فى حقه، ومن ضعف وساء خلقه بالمشى فالركوب أفضل (قال النووى) والصحيح أن الركوب أفضل مطلقا والله أعلم

(36)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر قال أنا ابن جريج أخبرنى عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث" (غريبه)(1) بفتح الصاد المهملة وضم الراء هو الذى لم يحج قط، وهو نفى معناه النهى. أى لا يترك الحج فى الاسلام من استطاعه، وأصله من الصر وهو الحبس والمنع، فمن ترك الحج مع الاستطاعة فقد منع عن نفسه الخير، وفى الموطأ قال مالك فى الصرورة من النساء التى لم تحج قط إنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها فى الحج ولتخرج فى جماعة النساء اهـ. وفى النهاية لا صرورة فى الأسلام (قال أبو عبيد) هو فى الحديث التبتل وترك النكاح، والصرورة أيضا الذى لم يحج قط وأصله من الصر الحبس والمنع، وقيل أراد من قتل فى الحرم قتل ولا يقبل منه أن يقول إنى صرورة ما حججت ولا عرفت حرمة الحرم، كان الرجل فى الجاهلية إذا أحدث حدثًا

ص: 45

-[زوائد الباب فى وعيد من ترك الحج وهو مستطيع]-

__

فلجأ إلى الكعبة لم يهج فكان إذا لقية ولى الدم فى الحرم قيل له هو صرورة فلا تهجه اهـ (قال الخطابى) الصرورة تفسر تفسيرين (أحدهما) أن الصرورة هو الرجل الذى قد انقطع عن النكاح وتبتل على مذهب رهبانية النصارى (والآخر) أن الصرورة هو الرجل الذى لم يحج، فمعناه على هذا أن سنة الدين أن لا يبقى أحد من المسلمين يستطيع الحج فلا يحج حتى يكون صرورة فى الأسلام اهـ (تخريجه)(د. ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط البخارى ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى (زوائد الباب) عن الحارث عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك زادا وراحلة تبلغه الى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، وذلك أن الله يقول فى كتابه {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} أخرجه الترمذى وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفى اسناده مقال. وهلال بن عبد الله مجهول. والحارث يضعف فى الحديث اهـ. وقد ورد هذا الحديث من عدة طرق (منها) هذه التى ذكرها الترمذى (ومنها) ما رواه البيهقى وأبو يعلى وسعيد بن منصور فى سننه عن شريك بن أبى سليم عن ابن سابط عن أبى أمامة بلفظ "من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا، وليث ضعيف. وشريك سيء الحفظ وقد خالفه سفيان الثورى فأرسله (قال الحافظ فى التلخيص) رواه أحمد فى كتاب الأيمان له (هو كتاب آخر غير المسند) عن وكيع عن سفيان عن ليث عن ابن سابط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يحج ولم يمنعه من ذلك مرض حابس أو سلطان ظالم أو حاجة ظاهرة فذكره مرسلا، وكذلك ذكره ابن أبى شيبة عن أبى الأحوص عن ليث مرسلا، وأورده أبو يعلى من طريق أخرى عن شريك مخالفة للأسناد الأول، وراويها عن شريك عمار بن مطر ضعيف (ومنها) عن أبى هريرة رفعه من مات ولم يحج حجة الأسلام فى غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أى الميتتين شاء إما يهوديا أو نصرانيا، رواه ابن عدى من حديث عبد الرحمن القطامى عن أبى المهزم وهما متروكان عن أبى هريرة (قال الحافظ) بعد ذكر هذه الطرق مع ألفاظها وله طريق صحيحة إلا أنها موقوفة، رواها سعيد ابن منصور والبيهقى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لقد هممت أن أبعث رجالا إلى أهل الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين (لفظ سعيد) ولفظ البيهقى أن عمر قال ليمت يهوديا أو نصرانيًا يقولها ثلاث مرات. رجل مات ولم يحج وعنده كذلك سعة وخليت سبيله (قال الحافظ) وإذا انضم هذا الموقوف الى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك

ص: 46

-[المذاهب في حكم من لم يحج وهو مستطيع - ومن حج عن غيره ولم يحج عن نفسه]-

(أبواب العمرة)

(1)

باب ما جاء فى فضل العمرة خصوصا فى رمضان

(37)

عن هرم بن خنبشٍ رضي الله عنه قال كنت جالسًا عند

وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع والله أعلم اهـ (قال الشوكاني) وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا، وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزى فى عده لهذا الحديث من الموضوعات، فان مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسنا لغيره وهو محتج به عند الجمهور ولا يقدح فى ذلك قول العقيلى والدارقطنى لا يصح فى الباب شاء، لأن نفى الصحة لا يستلزم نفى الحسن (الأحكام) حديث الباب مع الزوائد تدل على التغليظ على من ترك الحج وهو مستطيع، وأنه لا ينبغى تأخيره (أما قوله) فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا فهو محمول على من استحل الترك وعدم الوجوب كما قال الحافظ (وقال بعض العلماء) هو من باب التغليظ الشديد والمبالغة فى الوعيد لمن اعتقد وجوبه وتساهل فى الأداء وهو قادر عليه (وقال الطيبى) رحمه الله. المعنى أن وفاته بهذه الحالة ووفاته على اليهودية أو النصرانية سواء، والمقصود التغليظ فى الوعيد كما فى قوله تعالى ومن كفر اهـ (قال الخطابي) وقد يستدل بحديث الباب من يزعم أن الصرورة لا يجوز له أن يحج عن غيره، وتقدير الكلام عنده أن الصرورة إذا شرع فى الحج عن غيره صار الحج عنه وانقلب عن فرضه ليحصل معنى النفى فلا يكون صرورة (وهذا مذهب الأوزاعى والشافعى وأحمد واسحاق) وقال مالك والثورى حجه على ما نواه (واليه ذهب أصحاب الرأى) وقد روى ذلك عن الحسن البصرى وعطاء والنخعى اهـ والله أعلم

(37)

عن هرم بن خنبش (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن عبيد ثنا داود الأودى عن عامر الأودى عن هرم بن خنبش- الحديث" (غريبه) (1) قال فى الخلاصة هرم بكسر الراء بن خنبش بمعجمتين بينهما نون ثم موحدة صحابى كذا سماه داود الأزدى، والصحيح وهب اهـ (قلت) ومما يؤيد ذلك أنه ترجم له فى المسند بقوله (حديث وهب بن خنبش الطائى عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم ذكر له هذا الحديث من ثلاث طرق (إحداها) قال حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا وكيع ثنا داود الزعافرى عن الشعبى عن ابن خنبش الطائى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة" (والثانية) حديث الباب بسنده (والثالثة) قال حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ويحيى بن معين قالا ثنا وكيع ثنا سفيان وقال مرة وكيع وقال سفيان عن بيان وجابر عن الشعبى عن وهب

ص: 47

-[فضل العمرة في شهر رمضان]-

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته امرأةٌ فقالت يا رسول الله فى أيِّ الشُّهور أعتمر؟ قال اعتمري في رمضان، فإنَّ عمرةً فى رمضان تعدل حجَّةً

(38)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال عمرةٌ فى رمضان تعدل حجَّةً

(39)

عن جابر (بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما) عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم مثله

(40)

عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه استأذنه

ابن خنبش الطائي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة" فعبر عنه مرة بابن خنبش. ومرة بهرم. ومرة بوهب. وصحح الأخير صاحب الخلاصة كما تقدم والله أعلم (1) تقدم الكلام على معنى ذلك قبل باب أى فى باب اعتبار الزاد والراحلة الخ (تخريجه) أخرجه ابن ماجه من طريقين (احداهما) من طريق وكيع عن سفيان عن بيان وجابر عن الشعبى عن وهب بن خنبش قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة"(والثانية) من طريق وكيع عن داود بن يزيد الزعافرى عن الشعبى عن هرم بن خنبش قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة" قال البوصيرى فى زوائد ابن ماجه حديث وهب بن خنبش إسناد الطريق الأولى من طريق صحيح، وإسناد الطريق الثانية ضعيف لضعف داود بن يزيد، وضبط خنبش بأنه بمعجمة ونون وبموحدة بوزن جعفر اهـ

(38)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن نمير ثنا ابن أبى ليلى عن عطاء عن ابن عباس- الحديث" (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(39)

عن جابر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا زكريا بن عدى أنبأنا عبيد الله يعنى ابن عمرو الرقى عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة"(تخريجه)(جه) وفيه من لم أعرفه وباقى رجاله ثقات

(40)

عن عمر بن الخطاب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (2 فى الأصل عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم كما ترى فى السند ولم يذكر عمر، والظاهر أن لفظ عمر سقط من الناسخ، لأن الحديث

ص: 48

-[تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنقبة لعمر بن الخطاب رضى الله عنه]-

في العمرة فأذن له، فقال يا أخي لا تنسنا من دعائك وقال بعد فى المدينة أشركنا فى دعائك فقال عمر ما أحبُّ أنَّ لى بها ما طلعت عليه الشَّمس لقوله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يا أخي

(41)

عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم العمرة إلى العمرة كفَّارةٌ

عند الإمام أحمد فى مسند عمر، وقد رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه جميعًا عن عبد الله ابن عمر عن عمر بن الخطاب، ويؤيد ذلك قوله فى آخر الحديث "فقال عمر ما أحب أن لى بها ما طلعت عليه الشمس الخ (1) فيه استحباب طلب الدعاء من الحاج أو المعتمر فى مواطن الخير، وفيه أن الأنسان لا يخص نفسه بالدعاء، وفيه تواضع النبى صلى الله عليه وسلم حيث طلب الدعاء من عمر وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق على الأطلاق (2) معنى هذه الجملة وهى قوله "وقال بعد فى المدينة أشركنا فى دعائك" أن شعبة روى هذا الحديث عن عاصم فى غير المدينة؛ ثم لقيه بعد ذلك فى المدينة فحدثه به مرة أخرى فقال فيه "أشركنا فى دعائك" فيحتمل أنه قالها بدل قوله فى الرواية الأولى "لا تنسنا من دعائك" ويحتمل أنه زادها على الرواية الأولى لكونه سمعها كذلك فنسى تبليغها أوَّلا كما سمعها؛ فقد جاء هذا الحديث عند ابن ماجه عن ابن عمر عن عمر أنه استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة فأذن له وقال يا أخى أشركنا فى شاء من دعائك ولا تنسنا" ولفظه عند أبى داود عن سالم بن عبد الله عن أبيه "عن عمر قال استأذنت النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة فأذن لى وقال لا تنسنا يا أخى من دعائك، فقال كلمة ما يسرني أن لى بها الدنيا، قال شعبة ثم لقيت عاصما بعد بالمدينة، فحدثنيه فقال أشركنا يا أخى فى دعائك"(3) يريد أن قول النبى صلى الله عليه وسلم له يا أخى- أحب اليه مما طلعت عليه الشمس، يعنى أنه لو أعطيت له الدنيا بما احتوت عليه بدل قول النبى صلى الله عليه وسلم له يا أخى ما قبلها ولا رغب فيها، فالباء فى قوله بها للبدلية (تخريجه)(د. جه. مذ) وقال حديث حسن صحيح (قلت) فى إسناده عند الجميع عاصم بن عبيد الله ضعيف، وبعضهم قال لا بأس بحديثه، ولعل الترمذى من هذا الفريق. والله أعلم

(41)

عن عبد الله بن عامر بن ربيعة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا حجاج قال ابن جريج حدثنى يحيى بن جرحة عن ابن شهاب قال حدثنى عبد الله ابن عامر قال رأى عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على ظهر راحلته قال ثنا يونس بن محمد

ص: 49

-[فضل الحج والعمرة - وزوائد الباب - وشاء من الأحكام]-

لما بينهما من الذُّنوب والخطايا، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة

وسريج بن النعمان قالا ثنا فليج عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر- الحديث" (غريبه) (1) قيل المراد بالذنوب هنا الصغائر دون الكبائر كما فى قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة، لما بينهما وقيل غير ذلك، وتقدم الكلام عليه مستوفى فى شرح حديث أبى هريرة رقم 8 صحيفة 9 من هذا الجزء فى باب ما ورد فى فضل الحج والعمرة (فان قيل) الذى يكفر ما بين العمرتين العمرة الأولى أو العمرة الثانية؟ (فالجواب) أن ظاهر الحديث أن العمرة الأولى هى المكفرة لأنها هى التى وقع الخبر فيها أنها تكفر، ولكن الظاهر من حيث المعنى أن العمرة الثانية هى التي تكفر ما قبلها إلى العمرة التى قبلها فان التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر، قاله العينى، والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف اهـ (قلت) يعضده حديث أبى هريرة الوارد بلفظه عند مسلم والأمام أحمد وغيرهما وتقدم فى الباب المشار اليه آنفًا والله أعلم (زوائد الباب) (عن ابن عباس) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر فى رمضان رواه الطبرانى فى الكبير وفيه مسلم بن كيسان الأعور وهو ضعيف لاختلاطه (وعن أنس ابن مالك) رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "عمرة فى رمضان كحجة معى (طب) وفيه هلال مولى أنس وهو ضعيف (وعن عروة البارقى) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة"(طب) وفيه جابر الجعفى وفيه كلام كثير، وقد وثقه شعبة وسفيان (وعن على رضى الله عنه) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة فى رمضان تعدل حجة"(بز) وفيه حرب بن على (قال الهيثمى) لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على فضل العمرة خصوصا فى رمضان، وتقدم الكلام على كونها تعدل حجة فى شرح حديث رقم 30 صحيفة 32 فى باب اعتبار الزاد والراحلة الخ "أما تكفير ما بين العمرتين من الذنوب" فقد تقدم الكلام عليه فى شرح حديث أبى هريرة صحيفة 10 فى باب ما ورد فى فضل الحج والعمرة، فارجع اليه والله الموفق

(تنبيه) قال الحافظ لم يعتمر النبى صلى الله عليه وسلم إلا فى أشهر الحج، وقد ثبت فضل العمرة فى رمضان بحديث الباب فأيهما أفضل؟ الذى يظهر أن العمرة فى رمضان لغير النبى صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما فى حقه فما صنعه هو أفضل، لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم بالقول والفعل، وهو لو كان مكروها لغيره لكان فى حقه أفضل والله أعلم (وقال صاحب الهدى) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يشتغل فى رمضان من العيادة بما

ص: 50

-[جواز العمرة قبل الحج وفى أى شهر من أشهر السنة]-

(2)

باب جواز العمرة فى جميع أشهر السنة قبل الحج وبعده ومعه

(42)

خط عن عكرمة بن خالدٍ قال سألت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن العمرة قبل الحجِّ، فقال ابن عمر لا بأس على أحدٍ يعتمر قبل أن يحجَّ قال عكرمة قال عبد الله اعتمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يحجَّ "قر"(وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال قدمت المدينة فى نفرٍ من أهل مكَّة نريد العمرة منها فلقيت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، فقلت إنَّا قومٌ من أهل مكَّة قدمنا المدينة ولم نحجَّ قطُّ. أفنعتمر منها؟ قال نعم، وما يمنعكم من ذلك؟ فقد اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم عمره كلَّها قبل حجَّته واعتمرنا

(43)

عن أبى عمران أسلم أنَّه قال حججت مع موالىَّ فدخلت على أمِّ

هو أهم من العمرة وخشى من المشقة على أمته، إذ لو اعتمر فى رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة فى الجمع بين العمرة والصوم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وخوفا من المشقة عليهم اهـ

(42)

"خط" عن عكرمة بن خالد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال وجدت فى كتاب أبى ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج قال قال عكرمة بن خالد سألت عبد الله ابن عمر- الحديث" (غريبه) (1) هو ابن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم مات سنة أربع عشرة ومائة (2) يعنى ليس عليه شاء ولا حرج إذا اعتمر قبل أن يحج (3) يعنى عمرة الحديبية. وعمرة القضاء. وعمرة الجعرانة، وسيأتى بيان ذلك مفصلا فى محله (4) "قر" (سنده) حدّثنا عبد الله قال قرأت على أبى ثنا يعقوب بن ابراهيم ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى عكرمة بن خالد بن العاص المخزومى قال قدمت المدينة- الحديث"(تخريجه)(خ. هق. د. خز)

(43)

عن أبى عمران (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حجاج ثنا ليث بن سعد المصرى قال حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن أبى عمران أسلم- الحديث" (غريبه)(5) هو أسلم بن يزيد النجيبى مولاهم أبو عمران المصرى عن أبى أيوب وعقبة بن عامر وأم سلمة، وعنه يزيد بن أبى حبيب وعبد الله بن عياض وثقه النسائي

ص: 51

-[جواز العمرة قبل الحج وبعده ومعه]-

سلمة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلت أعتمر قبل أن أحجَّ؟ قالت إن شئت اعتمر قبل أن تحجَّ وإن شئت بعد أن تحجَّ، قال فقلت إنَّهم يقولون من كان صرورةً فلا يصلح أن يعتمر قبل أن يحجَّ، قال فسألت أمَّهات المؤمنين فقلن مثل ما قالت، فرجعت إليها فأخبرتها بقولهنَّ، قال فقالت نعم وأشفيك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهلُّوا يا آل محمَّدٍ بعمرةٍ فى حجٍّ

(44)

عن البراء بن عازبٍ رضى الله عنه قال اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قبل أن يحجَّ، واعتمر قبل أن يحجَّ فقالت عائشة لقد علم أنَّه اعتمر أربع عمرٍ بعمرته الَّتى حجَّ فيها

(45)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أنَّ عائشة رضي الله عنها

"خلاصة" وقال الحافظ فى التقريب ثقة من الثالثة (1) أى من لن يسبق له حج قط وتقدم تفسيره بأطول من هذا فى شرح حديث ابن عباس رقم 36 صحيفة 45 فى باب التغليظ فى ترك الحج للمستطيع (2) أى أزيدك ربحا وعلما أكثر مما علمت، وعبرت بهذا التعبير البليغ، لأن الجهل داء والعلم شفاء (3) أى مع الحج وهذا يقال له القران، وهو أن يحرم بالحج والعمرة معا، وهذه فائدة أخرى استفادها أبو عمران بغير سؤال، لأنه سألها عن العمرة قبل الحج فأجابته بجوازها قبل الحج وبعده، ثم زادته أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمرهم بالعمرة مع الحج، فتلخص من هذا أن العمرة جائزة قبل الحج وبعده ومعه (تخريجه)(هق) وسنده جيد

(44)

عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أخبرنا زكريا عن أبى اسحاق عن البراء بن عازب- الحديث" (غريبه)(4) يعنى أنه اعتمر قبل أن يحج مرتين فقالت عائشة (لقد علم) أى البراء (أنه) أى النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر الخ. ويحاب عن ذلك بأن البراء لم يحسب العمرة الأولى وهى عمرة الحديبية. لأنها لم تتم، لأن المشركين صدوا النبى صلى الله عليه وسلم عنها، وأسقط الأخيرة لدخولها فى أعمال الحج. وأثبت عمرة القضاء وعمرة الجعرانة والله أعلم (تخريجه)(خ. هق)

(45)

(عن جابر بن عبد الله) هذا ظرف من حديث طويل سيأتي بسنده وطوله

ص: 52

-[اعتمار عائشة رضى الله عنها فى شهر الحجة بعد انقضاء الحج]-

حاضت فنسكت المناسك كلَّها غير أنّها لم تطف بالبيت، فلمَّا طهرت طافت قالت يا رسول الله أتنطلقون بحجٍّ وعمرةٍ وأنطلق بالحجِّ فأمر عبد الرَّحمن ابن أبى بكرٍ أن يخرج معها إلى التَّنعيم فاعتمرت بعد الحجِّ فى ذى الحجَّة

(46)

عن عبد الله بن طاوسٍ عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أنَّها

في باب فسخ الحج إلى العمرة، وقد اقتصرت منه هنا على ما يناسب ترجمة الباب وهو ان عائشة اعتمرت بعد الحج فى أشهر الحج (غريبه)(1) سيأتى من حديث عائشة نفسها فى باب ما تفعل من حاضت فى الحج أو نفست أن حيضها كان بسرف قبل دخولهم مكة (قال الحافظ) وفى رواية أبى الزبير عن جابر عند مسلم أن دخول النبى صلى الله عليه وسلم وشكواها ذلك له كان يوم التروية، ووقع عند مسلم من طريق مجاهد عن عائشة أن طهرها بعرفة، وفى رواية القاسم عنها وطهرت صبيحة ليلة عرفة حين قدمنا منى، وله من طريقه فخرجت من حجتى حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفنا بالبيت- الحديث" واتفقت الروايات كلها على أنها طافت طواف الأفاضة من يوم النحر، واقتصر النووى فى شرح مسلم على النقل عن أبى محمد بن حزم أن عائشة حاضت يوم السبت ثالث ذى الحجة وطهرت يوم السبت عاشر يوم النحر، وإنما أخذه بن حزم من هذه الروايات التى فى مسلم ويجمع بين قول مجاهد وقول القاسم أنها رأت الطهر وهى بعرفة ولم تتهيأ للاغتسال إلا بعد أن نزلت منى، أو انقطع الدم عنها بعرفة وما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى، وهذا أولى والله أعلم اهـ (2) أى لأن الطهارة من شرط الطواف (3) تريد أن الناس يرجعون بحج منفرد. وعمرة منفردة. وترجع هى بحج مقرون بعمرة، وسيأتى بيان ذلك فى شرح الحديث التالى (4) بفتح المثناة وسكون النون وكسر المهملة مكان معروف خارج مكة وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهى (وقال المحب الطبرى) التنعيم أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل وليس بطرف الحل. بل بينهما نحو من ميل، ومن أطلق عليه أدنى الحل فقد تجوز (قال الحافظ) أو أراد بالنسبة إلى بقية الجهات، قال وروى الفاكهى من طريق عبيد بن عمير قال إنما سمى التنعيم لأن الجبل الذى عن يمين الداخل يقال له ناعم والذى عن اليسار يقال له منعم والوادى نعمان اهـ (قلت) وهو المعروف الآن بمساجد عائشة (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(46)

عن عبد الله بن طاوس (سنده) حدثنى عبد الله حدثنى أبى قال ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها- الحديث"

ص: 53

-[اعتمار عائشة عقب الحج يدل على جواز العمرة فى أشهر الحج]-

أهلَّت بعمرةٍ فقدمت ولم تطف بالبيت حتَّى حاضت، فنسكت المناسك كلَّها وقد أهلَّت بالحجِّ، فقال لها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يوم النَّحر يسعك طوافك لحجِّك ولعمرتك فأبت، فبعث بها مع عبد الرَّحمن إلى التَّنعيم فاعتمرت بعد الحجِّ

(47)

عن عيسى بن عبد الرَّحمن البجلىِّ السَّلمىِّ عن أمِّه قالت سألت عائشة رضى الله عنها عن العمرة بعد الحجِّ قالت أرسل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم معى أخي فخرجت من الحرم فاعتمرت

(48)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(غريبه)(1) جاء في رواية القاسم وغيره عند البخارى والأمام أحمد وغيرهما أنها أهلت بالحج، ولا منافاة فانها أول ما أهلت بعد خروجهم من المدينة أهلت بالحج كما صرحت بذلك عند البخارى فى رواية القاسم عنها قالت خرجنا مهلين بالحج الخ. ثم فسخته إلى العمرة لمَّا فسخ الصحابة، وعلى هذا يتنزل قول طاوس عنها، وكذا عروة فى رواية أخرى أنها "أهلت بعمرة" فلما حاضت وتعذر عليها التحلل من العمرة لأجل الحيض وجاء وقت الخروج إلى الحج أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة واستمرت إلى أن تحللت، وعليها يدل قول النبى صلى الله عليه وسلم لها فى الحديث "يسعك طوافك لحجك ولعمرتك" فلما أبت ووجدها حريصة على عمرة منفردة كما فعل الناس ووجد فى إعمارها مخالفة لعادة المشركين وهى تحريم العمرة فى أشهر الحج كما سيأتى. تلطف بها وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر أن يعمرها من التنعيم فاعتمرت بعد الحج، وهذا موضع الدلالة من الحديث والله أعلم (تخريجه)(م. وغيره)

(47)

عن عيسى بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو أحمد قال ثنا عيسى بن عبد الرحمن البجلى- الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وأم عيسى بن عبد الرحمن لم أقف على من ترجمها وباقى رجاله ثقات

(48)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس- الحديث"

ص: 54

-[إبطال ما زعمه المشركون من تحريم العمرة فى أشهر الحج بعمرة عائشة]-

عائشة ليلة الحصبة إلَّا قطعًا لأمر أهل الشِّرك فإنَّهم كانوا يقولون إذا برأ الدَّبر، وعفا الأثر، ودخل صفر، فقد حلَّت العمرة لمن اعتمر،

(49)

عن ابن أبى مليكة قال قال عروة لابن عبَّاسٍ حتَّى متى تضلُّ النَّاس يا ابن عبَّاسٍ، قال ما ذاك يا عروة؟ قال تأمرنا بالعمرة في أشهر الحجِّ وقد نهى أبو بكرٍ وعمر فقال ابن عبَّاسٍ قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال

(غريبه)(1) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الباء الموحدة وهى الليلة التى تلى ليلة النفر الأخير، والمراد بها ليلة المبيت بالمحصب (2) يعنى أهل الجاهلية فانهم كانوا يرون أن العمرة فى أشهر الحج من أفجر الفجور فى الأرض ويجعلون المحرم صفرا كما صرح بذلك فى رواية لمسلم والأمام أحمد (قال العلماء) المراد الأخبار عن النساء الذى كانوا يفعلونه وكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه وينسئون المحرم، أى يؤخرون تحريمه إلى ما بعد صفر لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة تضيق عليهم أمورهم من الغارة وغيرها فأضلهم الله تعالى فى ذلك، فقال جل ذكره {إنما النساء زيادة فى الكفر- الآية} (3) بفتح المهملة والموحدة أى ما كان يحصل بظهور الأبل من أثر الحمل عليها أو مشقة السفر فانه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحج (4) أى زال واندرس أثر الأبل وغيرها فى سيرها لطول مرور الأيام هذا هو المشهور (وقال الخطابى) المراد أثر الدبر والله أعلم اهـ (قال النووى) وهذه الألفاظ تقرأ كلها ساكنة الآخر ويوقف عليها، لأن مرادهم السجع اهـ (5) يريدون أنها لا تحل إلا بعد ذلك؛ وهذا من تحكماتهم الباطلة المأخوذة من غير أصل، فأراد النبى صلى الله عليه وسلم إبطال هذه العادة القبيحة وأعمر عائشة ليلة الحصبة لأنها من أشهر الحج ليخالفهم فيما تعودوه (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد، قال المنذرى وأخرج البخارى ومسلم طرفا منه ولم يخرجا قصة عائشة فى العمرة

(49)

عن ابن أبى مليكة (سنده حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا أيوب عن ابن أبى مليكة- الحديث" (غريبه)(6) يريد أن ابن عباس أخطأ فى إفتاء الناس بجواز العمرة فى أشهر الحج، لا يريد عروة أن ابن عباس يقصد إضلالهم (6) الظاهر أن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما كانا ينهيان عن العمرة فى الحج بقصد التمتع، لا لأن ذلك حرام لا يجوز فعله، بل لأن الأكمل أن يأتى بالعمرة فى غير أشهر الحج

ص: 55

-[جراءة الصحابة فيما يرونه حقا - ومحاورة عروة وابن عباس]-

عروة كانا هما أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم به منك

لتكون عمرة مستقلة يتحمل مشقتها فيكون ثوابها أعظم، ويؤيد ذلك ما ثبت عند الأمام أحمد، وسيأتي فى باب ما جاء فى التمتع بالعمرة إلى الحج عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كان ابن عمر يفتى بالذى أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله، إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغى فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرّمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا أم سنة عمر؟ إن عمر لم يقل لكم إن العمرة فى أشهر الحج حرام؛ ولكنه قال أتمُّ العمرة أن تفردها من أشهر الحج (1) يريد عروة أن صحبتهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقدم من صحبته فهما أعلم به منه، وليس بلازم فانه قد يصادف الصغير فى الزمن القصير ما لم يصادف الكبير فى الزمن الطويل والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى باختلاف قليل فى بعض الألفاظ وعزاه للطبرانى فى الأوسط وقال إسناده حسن، ولفظه (عن عروة بن الزبير) أنه أتى ابن عباس فقال يا ابن عباس طالما أضللت الناس، قال وما ذاك يا عروة؟ قال الرجل يخرج محرما بحج أو عمرة، فاذا طاف زعمت أنه قد حل فقد كان أبو بكر وعمر ينهيان عن ذلك، فقال أهما ويحك آثر عندك أم ما فى كتاب الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فى أصحابه وفى أمته؟ فقال عروة هما كانا أعلم بكتاب الله وما سن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم منى ومنك، قال ابن أبى مليكة رحمه الله تعالى فخصمه عروة (زوائد الباب)(عن عائشة رضى الله عنها) أنها قالت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك، فقيل لها انتظرى فاذا طهرت فاخرجى إلى التنعيم فأهلى ثم ائتينا بمكان كذا، ولكنها على قدر نفقتك أو نصبك، رواه البخارى (قال الكرمانى) فى قوله أو نصبك "أو" إما للتنويع فى كلام النبى صلى الله عليه وسلم وإما شك من الراوى، والمعنى أن الثواب فى العبادة يكثر بكثرة النصب أو النفقة، والمراد النصب الذى لا يذمه الشرع، وكذا النفقة، قال النووى اهـ (قال الحافظ) ووقع فى رواية الاسماعيلى من طريق أحمد بن منيع عن اسماعيل "على قدر نصبك -أو- على قدر تعبك" وهذا يؤيد أنه من شك الراوى، وفى روايته من طريق حسين بن حسن "على قدر نفقتك أو نصبك" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأخرجه الدارقطنى والحاكم) من طريق هشام عن ابن عون بلفظ "إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك" بواو العطف، وهذا يؤيد الاحتمال الأول اهـ (الأحكام)

ص: 56

-[مذاهب العلماء فى مشروعية العمرة فى جميع السنة - ومن أين يحرم لها]-

__

أحاديث الباب تدل على مشروعية العمرة فى جميع أشهر السنة قبل الحج وبعده وفى أشهر الحج أيضا (وإلى ذلك ذهب الجمهور) قال الشوكانى (وذهبت الهادوية) إلى أن العمرة فى أشهر الحج مكروهة، وعللوا ذلك بأنها تشغل عن الحج فى وقته، وهذا من الغرائب التى يتعجب الناظر منها، فان الشارع صلى الله عليه وسلم إنما جعل عمره كلها فى أشهر الحج لأبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما عرفت، فما الذى سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة وألجأ إلى مخالفة الشارع وموافقة ما كانت عليه الجاهلية، ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحج لا يصلح مانعًا ولا يحسن نصبه فى مقابلة الأدلة الصحيحة؛ وكيف يجعل مانعا وقد اشتغل بها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى أيام الحج وأمر غيره بالاشتغال بها فيها، ثم أىُّ شغل لمن لم يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال، لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق الاشتغال يقع فى مثل هذه المضايق التى هى السم القتَّال والداء العضال، قال وحكى فى البحر عن الهادى أنها تكره فى أيام التشريق (قال أبو يوسف) يوم النحر (وقال أبو حنيفة) ويوم عرفة اهـ قال الحافظ (واختلف السلف) فى جواز الاعتمار فى السنة أكثر من مرة (فكرهه مالك) وخالفه مطرف وطائفة من أتباعه وهو قول الجمهور (واستثنى أبو حنيفة) يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ووافقه أبو يوسف إلا فى يوم عرفة (واستثنى الشافعى) البائت بمنى لرمى أيام التشريق، وفيه وجه اختاره بعض الشافعية فقال بالجواز مطلقا كقول الجمهور والله أعلم (واختلفوا أيضًا) هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة؟ فروى الفاكهى وغيره من طريق محمد بن سيرين قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل مكة التنعيم، ومن طريق عطاء قال من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها، وأفضل ذلك أن يأتي وقتا أى ميقاتا من مواقيت الحج (قال الطحاوى) ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم، ولا ينبغى مجاوزته كما لا ينبغى مجاوزة المواقيت التى للحج، وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل، وإنما أمر النبى صلى الله عليه وسلم عائشة بالأحرام من التنعيم، لأنه كان أقرب الحل من مكة؛ ثم روى من طريق ابن أبى مليكة عن عائشة فى حديثها، قالت وكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه، قال فثبت بذلك أن ميقات مكة للعمرة الحل وأن التنعيم وغيره فى ذلك سواء اهـ (واستدل بحديث خروج عائشة إلى التنعيم مع أخيها) على جواز الخلوة بالمحارم سفرا وحضرا وعلى جواز إرداف المحرم محرمه معه (واستدل به) على تعيين الخروج الى الحل لمن أراد العمرة ممن كان بمكة وهو أحد قولى العلماء، والثانى تصح العمرة ويحب عليه دم لترك الميقات (قال الحافظ) وليس فى حديث الباب ما يدفع ذلك اهـ (واستدل به أيضا) على أن أفضل جهات الحل التنعيم

ص: 57

-[اختلاف المذاهب فى المكان الذى يحرم منه العمرة]-

(3)

باب حكم العمرة وصفتها

(50)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعرابىٌّ فقال يا رسول الله أخبرنى عن العمرة أواجبةٌ هي؟ فقال رسول الله صلَّى الله

(وتعقبه الطحاوي) بما تقدم من أن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أمر عائشة بالأحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل من مكة لا أنه الأفضل (واستدل بحديث عائشة) المذكور فى الزائد على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرا من الاعتمار من جهة الحل البعيدة (قال الحافظ) وهو ظاهر هذا الحديث (وقال الشافعى) فى الأملاء أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أحرم منها ثم التنعيم، لأنه أذن لعائشة منها، قال وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلى، وحكى الموفق فى المغنى (عن أحمد) أن المكى كلما تباعد فى العمرة كان أعظم لأجره (وقالت الحنفية) أفضل بقاع الحل للاعتمار التنعيم (ووافقهم بعض الشافعية والحنابلة) ووجهه أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم خرج من مكة الى الحل ليحرم بالعمرة غير عائشة، وأما اعتماره صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فكان حين رجع من الطائف مجتازا إلى المدينة، ولكن لا يلزم من ذلك تعين للفضل لما دل عليه هذا الخبر أن الفضل فى زيادة التعب والنفقة، وإنما يكون التنعيم أفضل من جهة أخرى تساويه الى الحل لا من جهة أبعد منه، والله أعلم (وقال النووى) ظاهر الحديث أن الثواب والفضل فى العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة، وهو كما قال، لكن ليس ذلك بمطرد، فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلا وثوابا بالنسبة الى الزمان، كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين فى المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات فى غيره، وبالنسبة إلى شرف العبادة الماليه والبدنية كصلاة الفريضة الى أكثر من عدد ركعاتها أو أطول من قراءتها، ونحو ذلك من صلاة النافلة، وكدرهم من الزكاة بالنسبة الى أكثر منه من التطوع، أشار الى ذلك ابن عبد السلام فى القواعد، قال وقد كانت الصلاة قرة عين النبى صلى الله عليه وسلم وهى شاقة على غيره، وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا والله أعلم، أفاده الحافظ

(50)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا أبو معاوية ثنا الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله- الحديث"

ص: 58

-[أركان العمرة - وزوائد الباب]-

عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لا؛ وأن تعتمر خيرٌ لك

(51)

عن عمرو بن دينار ذكروا الرَّجل يهلُّ بعمرةٍ فيحلُّ هل له أن يأتى يعنى امرأته قبل أن يطوف بين الصَّفا والمروة، فسألنا جابر بن عبد الله رضى الله عنهما فقال لا حتَّى يطوف بين الصَّفا والمروة، وسألنا ابن عمر رضى الله عنهما، فقال قدم رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فطاف بالبيت سبعًا فصلَّى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصَّفا والمروة، ثمَّ قال لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ

(غريبه)(1) بفتح الهمزة هكذا ضبطه المحدثون كقوله تعالى {وأن تصوموا خير لكم} وقد احتج بهذا الحديث القائلون بعدم وجوب العمرة، وسيأتى ذكرهم فى الأحكام (تخريجه)(هق. ش. مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح

(51)

عن عمرو بن دينار (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان قال قال عمرو يعنى ابن دينار ذكروا الرجل يهل بعمرة- الحديث" (تخريجه) (نس) والبخارى مقدما سؤال ابن عمر ومؤخرا سؤال جابر بعكس ما هنا (زوائد الباب) (عن يعلى بن أمية) قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخ بالخلوق (أى متلطخ بالطيب) عليه مقطعات قد أحرم بعمرة، قال كيف تأمرنى يا رسول الله فى عمرتى؟ فأنزل الله عز وجل {وأتموا الحج والعمرة لله} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من السائل عن العمرة؟ فقال أنا، فقال ألق ثيابك واغتسل واستنق ما استطعت، وما كنت صانعا فى حجتك فاصنعه فى عمرتك، أورده الهيثمى وقال هو فى الصحيح باختصار، رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الحج جهاد. والعمرة تطوع" أورده الهيثمى، وقال رواه الطبرانى فى الكبير وفيه محمد ابن الفضل بن عطية وهو كذاب (وعن ابن مسعود) رضى الله عنه قال أمرتم بأقامة أربع، إقامة الصلاة. وإيتاء الزكاة. وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت. والحج الحج الأكبر. والعمرة الحج الأصغر، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات (وعن وهيب) عن عبد الله بن عون أنه كان يقرأ {وأتموا الحج والعمرة لله} يقول هى واجبة، قال وكان الشعبى يقرؤها {وأتموا الحج والعمرة لله} ويقول هي تطوع (هق)

ص: 59

-[زوائد الباب - ومذاهب الأئمة فى حكم العمرة وأدلة القائلين بوجوبها]-

__

(وعن عبد الله بن لهيعة) عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحج والعمرة فريضتان واجبتان (هق) وقال ابن لهيعة غير محتج به، قال وفى حديث الصُّبى بن معبد أنه قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه إنى وجدت الحج والعمرة مكتوبين على، وإنى أهللت بهما، فقال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم (قلت سيأتى حديث الصُّبى بن معبد) فى باب ما جاء فى فى القران (وعن ابن جريج) أخبرنى نافع مولى ابن عمر أن عبد الله بن عمر كان يقول ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع الى ذلك سبيلا، فمن زاد بعدها شيئا فهو خير وتطوع (قال ابن جريج) وأخبرت عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع اليه سبيلا (هق)(وعن طاوس) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال والله انها لقرينتها فى كتاب الله {وأتموا الحج والعمرة لله} راوه البيهقى وقال رواه الشافعى عن سفيان بن عيينة (وعن ثوير) عن أبيه قال سمعت ابن مسعود يقول "وأقيموا الحج والعمرة الى البيت" ثم يقول والله لولا التحرج أنى لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا لقلت العمرة واجبة مثل الحج (هق)(وعن طلحة بن عبيد الله) رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الحج جهاد. والعمرة تطوع" رواه ابن ماجه، قال البوصيرى فى زوائد ابن ماجه فى اسناده ابن قيس المعروف بمندل ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما والحسن أيضا ضعيف اهـ (قلت) يعنى الحسن بن يحيى الخشنى أحد رجال السند عند ابن ماجه (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية العمرة، وقد اتفق العلماء على ذلك، لكن منها ما يدل على الوجوب ومنها ما يدل على الندب لهذا اختلفت أنظار العلماء (فذهب الى وجوبها) جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عند الأمامين (الشافعى وأحمد) وبه قال اسحاق. والثورى. والمزنى. وطاوس. وعطاء. وابن المسيب. وسعيد بن جبير، والحسن البصرى. وابن سيرين والشعبى. ومسروق. وأبو بردة بن أبى موسى الحضرمى. وعبد الله ابن شداد. وداود، وهو مروى عن عمر. وابن عباس. وابن عمر. وجابر من الصحابة رضى الله عنهم، واستدلوا بما فى الزوائد من الأحاديث المصرحة بالوجوب، وبحديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى قصة السائل الذى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأيمان والأسلام وهو جبريل عليه السلام، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم الأسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وأن تقيم الصلاة. وتؤتى الزكاة. وتحج البيت. وتعتمر. وتغتسل من الجنابة. وتتم الوضوء. وتصوم رمضان، قال فان قلت هذا فأنا مسلم؟ قال نعم، قال صدقت وذكر الحديث، هكذا رواه البيهقى، وقال رواه مسلم فى الصحيح ولم يسق متنه، هذا

ص: 60

-[حجة القائلين بأن العمرة سنة لا واجبة]-

كلام البيهقي (قال النووى فى المجموع) وليس هذا اللفظ على هذا الوجه فى صحيح مسلم ولا للعمرة والغسل من الجنابة والوضوء فيه فى هذا الحديث ذكر؛ لكن الأسناد به للبيهقى موجود من صحيح مسلم، وروى الدارقطنى هذا اللفظ الذى رواه البيهقى بحروفه، ثم قال هذا إسناد صحيح ثابت، واحتج البيهقى أيضا بما رواه بأسناده عن أبي رزين العقيلى الصحابى رضى الله عنه أنه قال يا رسول الله إنى شيخ كبير لا أستطيع الحج والعمرة ولا الظعن، قال حج عن أبيك واعتمر (قال البيهقى) قال مسلم بن الحجاج سمعت أحمد بن حنبل يقول لا أعلم فى إيجاب العمرة، حديثا أجود من هذا ولا أصح منه ولم يجوده أحد كما جوده شعبة، هذا كلام البيهقى (قال النووى) وحديث أبى رزين هذا صحيح، رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة، قال الترمذى هو حديث حسن صحيح اهـ (وذهب أبو حنيفة ومالك وأبو ثور) إلى أن العمرة سنة ليست واجبة، وحكاه ابن المنذر وغيره عن النخعى ودليلهم ما جاء فى الزوائد من الأحاديث المصرحة بعدم الوجوب وبحديث جابر المذكور فى الباب، وأجيب عن الحديث بأن فى اسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف وتصحيح الترمذى له فيه نظر، لأن الأكثر على تضعيف الحجاج، واتفقوا على أنه مدلس (قال النووى) ينبغى أن لا يغتر بالترمذى فى تصحيحه فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه اهـ (قال الشوكانى) وتصحيح الترمذى له إنما ثبت فى رواية الكروخى فقط، وقد نبه صاحب الأمام على أنه لم يرد على قوله حسن فى جميع الروايات عنه إلا فى رواية الكروخى، وقد قال ابن حزم إنه مكذوب باطل وهو إفراط، لأن الحجاج وإن كان ضعيفًا فليس متهما بالوضع وقد رواه البيهقى من حديث سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله عن أبى الزبير عن جابر بنحوه، ورواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر، ورواه ابن عدى من طريق أبى عصمة عن ابن المنكدر عن أبى صالح. وأبو عصمة قد كذبوه، قال وفى الباب عن أبى هريرة عند الدارقطنى وابن حزم والبيهقى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الحج جهاد والعمرة تطوع" وإسناده ضعيف كما قال الحافظ (وعن طلحة) عند ابن ماجه باسناد ضعيف، وعن ابن عباس عند البيهقى (قال الحافظ) ولا يصح من ذلك شاء، وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور، ويؤيده ما عند الطبرانى عن أبى أمامة مرفوعا "من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة"(واستدل القائلون) بوجوب العمرة أيضا بما أخرجه الدارقطنى من حديث زيد بن ثابت رضى الله عنه بلفظ "الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت" وأجيب عنه بأن فى إسناده اسماعيل بن مسلم المكى وهو ضعيف، وفى الحديث أيضا انقطاع، ورواه

ص: 61

-[مذاهب العلماء فى أفعال العمرة وأركانها]-

البيهقي موقوفاً على زيد (قال الحافظ) واسناده أصح، وصححه الحاكم ورواه ابن عدى عن جابر وفى اسناده ابن لهيعة (قلت واستدلوا أيضا) بما رواه البخارى. وأبو داود. والنسائى وابن ماجه. والأمام أحمد، وتقدم رقم 21 صحيفة 18 فى فضل وجوب الحج على النساء عن عائشة رضى الله عنها قالت يا رسول الله أعلى النساء جهاد؟ قال الحج والعمرة هو جهاد النساء (قال الشوكانى) والحق عدم وجوب العمرة، لأن البراءة الأصلية لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف ولا دليل يصلح لذلك لا سيما مع اعتضادها بما تقدم من الأحاديث القاضية بعدم الوجوب؛ ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج فى حديث بنى الأسلام على خمس واقتصار الله جل جلاله على الحج فى قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا} (فان قيل) إن وقوع العمرة فى جواب من سأل عن الأسلام يدل على الوجوب (فيقال) ليس كل أمر من الأسلام واجبا، والدليل على ذلك حديث شعب الأسلام والأيمان فانه اشتمل على أمور ليست بواجبة بالأجماع {وأما قوله تعالى- وأتموا الحج والعمرة لله} فلفظ التمام مشعر بأنه انما يجب بعد الأحرام لا قبله، ويدل على ذلك ما أخرجه الشيخان وأهل السنن (وأحمد والشافعى) وابن أبى شيبة عن يعلى بن أمية (قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق، فقال كيف تأمرنى أن أصنع فى عمرتى؟ فأنزل الله تعالى على النبى صلى الله عليه وسلم الآية، فهذا السبب فى نزول الآية، والسائل قد كان أحرم وإنما سأل كيف يصنع، أفاده الشوكاني (هذا وحديث عمرو بن دينار الثانى من حديثى الباب) يستفاد منه أن أركان العمرة ثلاثة. الأحرام. والطواف والسعى (وإلى ذلك ذهب الجمهور وزاد الشافعية) إزالة الشعر لما رواه البخارى والنسائى عن الحسن بن مسلم أن طاوسًا أخبره أن ابن عباس أخبره عن معاوية رضى الله عنه أنه قصر عن النبى صلى الله عليه وسلم بمشقص فى عمرة على المروة، وسيأتى للأمام أحمد نحوه فى باب النحر والحلاق والتقصير ان شاء الله تعالى (وزاد الشافعية أيضا) والترتيب بين هذه الأركان، كما فعلها النبى صلى الله عليه وسلم الأول فالأول (وخالف الحنفية) فقالوا ليس للعمرة إلا ركن واحد وهو معظم الطواف أربعة أشواط، أما الأحرام فهو شرط لها، وأما السعى بين الصفا والمروة فهو واجب كما فى الحج عندهم، ومثل السعى الحلق أو التقصير فهو واجب فقط لا ركن (فائدة) يجب للعمرة ما يجب للحج، وكذلك يسن لها ما يسن له، وبالجملة فهى كالحج فى الأحرام والفرائض والواجبات والسنن والمحرمات والمكروهات والمفسدات والأحصار وغير ذلك، ولكنها تخالفه فى أمور (وهى) أنها ليس لها وقت معين ولا تفوت. وليس فيها وقوف بعرفة ولا نزول بمزدلفة، وليس فيها رمى جمار ولا جمع بين صلاتين ولا خطبة ولا طواف قدوم، وأن ميقاتها الحل لجميع الناس بخلاف الحج فان ميقاته للمكى الحرم. والله أعلم

ص: 62

-[عدد غزوات النبى صلى الله عليه وسلم وحجه وعمره]-

(4)

باب كم حج النبى صلى الله عليه وسلم واعتمر

(52)

عن أبى إسحاق حدَّثنى زيد بن أرقم رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم غزا تسع عشرة وأنَّه حجَّ بعد ما هاجر حجَّةً واحدةَّ، حجَّة الوداع قال أبو إسحاق وبمكَّة أخرى

(53)

عن قتادة قال سألت أنسًا كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أربعًا عمرته الَّتى صدَّه عنها المشركون فى ذي القعدة وعمرته أيضًا فى العام المقبل فى ذى القعدة، وعمرته حين قسم غنيمة حنينٍ من الجعرانة

(52) عن أبي اسحاق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبى اسحاق قال سألت زيد بن أرقم كم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال سبع عشرة، قال وحدثنى زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة- الحديث" (غريبه) (1) معناه أنه يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وأخبر أنه غزا معه سبع عشرة اهـ وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين، وقيل سبعًا وعشرين. وقيل غير ذلك وهو مشهور فى كتب المغازى وغيرها وسيأتى تفصيل غزواته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعددها فى باب حوادث السنة الثانية من الهجرة من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى (2) كانت سنة عشر من الهجرة؛ وكونه صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة بعد الهجرة هذا متفق عليه، "وقوله قال أبو اسحاق وبمكة أخرى" يعنى قبل الهجرة. وسيأتى فى الزوائد أنه صلى الله عليه وسلم حج قبل الهجرة أكثر من مرة والله أعلم (تخريجه)(م. وغيره)

(53)

عن قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا همام عن قتادة- الحديث" (غريبه)(3) له فى رواية أخرى كم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال حجة واحدة واعتمر أربع مرات فذكر نحوه (4) مفعول لفعل محذوف أى اعتمر أربعًا (5) هى عمرة الحديبية (6) يعنى عمرة القضاء (7) هى المسماة بعمرة الجعرانة وفيها لغتان، إحداهما كسر الجيم وسكون العين المهملة وفتح الراء المخففة وبعد الألف نون، والثانية كسر العين وتشديد الراء. والى التخفيف ذهب الأصمعى وصوبه الخطابى، وقال فى تصحيف المحدثين إن هذا مما ثقلوه وهو مخفف. وحكى القاضى عياض عن ابن المدينى قال أهل المدينة ينقلونه وأهل العراق يخففونه، وهى ما بين الطائف ومكة وهى إلى مكة أقرب

ص: 63

-[عدد عمر النبى صلى الله عليه وسلم وأنها كلها كانت فى أشهر الحج]-

فى ذي القعدة، وعمرته مع حجَّته

(54)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال اعتمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أربع عمرٍ؛ عمرة الحديبية. وعمرة القضاء. والثَّالثة من الجعرانة. والرَّابعة الَّتى مع حجَّته

(55)

عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمرٍ كلُّ ذلك فى ذي القعدة يلبِّى حيث يستلم الحجر

(56)

عن عائشة رضي الله عنها قالت ما اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إلَّا في ذى القعدة، ولقد اعتمر ثلاث عمرٍ

(57)

عن مجاهدٍ عن ابن عمر رضى الله عنهما قال سئل كم اعتمر

(1) يعني العمرة التى قرنها صلى الله عليه وسلم بحجته. لأنه كان قارنا (قال ابن حزم) ستة عشر من الثقات مع أنس اتفقوا على أن لفظ النبى صلى الله عليه وسلم كان إهلالا بحجة وعمرة معًا. وصرحوا عن أنس أنه سمع ذلك منه صلى الله عليه وسلم اهـ (قلت) وسيأتى ذلك فى باب ما جاء فى القران (تخريجه)(ق. د. مذ) وغيرهم

(54)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا داود يعنى العطار عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (تخريجه) رواه ابن ماجه فى سننه وسنده جيد

(55)

عن عمرو بن شعيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا حجاج عن عمرو بن شعيب- الحديث" (غريبه)(2) يعنى غير العمره التى كانت مع حجته صلى الله عليه وسلم فانها كانت فى ذى الحجة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد

(56)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن سلمة عن أبى اسحاق عن يحيى بن عبَّاد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال دخلت على عائشة فقالت ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(4) تعنى سوى التى قرنها بحجة الوداع كما صرحت بذلك فى الحديث التالى (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد ورجاله كلهم ثقات، وروى ابن ماجه الشق الأول منه، وصححه الحافظ

(57)

عن مجاهد عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا

ص: 64

-[ما جاء في عمرة الحديبية]-

رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال مرَّتين فقالت عائشة لقد علم ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثةً سوى الَّتى قرنها بحجَّة الوداع

(فصل منه فى عمرة الحديبية)

(58)

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرًا فحال كفَّار قريشٍ بينه وبين البيت، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية فصالحهم على أن يعتمروا العام المقبل، ولا يحمل السِّلاح عليهم

حسن ثنا زهير عن أبى اسحاق عن مجاهد عن ابن عمر- الحديث" (غريبه) (1) يشبه أن يكون ابن عمر لم يعد العمرة التى قرنها النبى صلى الله عليه وسلم بحجته، ولم يعد أيضا عمرة الحديبية لأن النبى صلى الله عليه وسلم صدَّ عنها (2) أى علم مشاهدة لما صرحت به عائشة فى حديث آخر حيث قالت "يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو معه" رواه البخارى والأمام أحمد وسيأتى فى العمرة فى رجب، وكأنها نسبته إلى نسيانه بعد علمه بأنها كانت أربع عمر لما رواه مجاهد وعروة بن الزبير عن عبد الله بن عمر أنهما قالا له كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربعا، رواه البخارى والأمام أحمد وسيأتى فى العمرة فى رجب أيضًا (3) هى عمرة الحديبية. والقضاء. والجعرانة (4) هى الرابعة التى قرنها بحجة الوداع سنة عشر كما تقدم (تخريجه)(د) قال المنذرى وأخرجه النسائى وأخرجه ابن ماجه مختصرا بنحوه

(58)

عن عبد الله بن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس وسريج قالا ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر- الحديث" (غريبه)(5) كان خروجه صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين مستهل ذى القعدة سنة ست من الهجرة وبعث عينًا له من خزاعة يخبر عن قريش، وهذا العين اسمه بسر بضم الموحدة وسكون المهملة بن سفيان. ذكره ابن عبد البر وغيره. وكان دليله إليها عمرو بن عبد تميم الأسلمى ذكره العسكرى وابن شاهين، وقد ثبت فى الصحيحين وعند الأمام أحمد وغيره أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة، وسيأتى ذلك فى باب عمرة الحديبية من أبواب حوادث السنة السادسة من كتاب السيرة النبوية عن جابر قال كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الأرض، وله فى رواية أخرى قال كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهى سمرة على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت (6) بحاء مضمومة فمهملة مفتوحة

ص: 65

-[من أفعال العمرة تقليد الهدى وإشعاره والحلاق أو التقصير]-

(وفي لفظ ولا يحمل سلاحًا) إلَّا سيوفًا ولا يقيم بها إلَّا ما أحبُّوا، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلمَّا أن أقام ثلاثًا أمروه أن يخرج فخرج

(59)

عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا قلَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى وأشعره بذى الحليفة، وأحرم منها بالعمرة، وحلق بالحديبية فى عمرته، وأمر أصحابه بذلك، ونحر بالحديبية قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك

(فصل منه في عمرة القضاء (*))

فتحتية ساكنة فموحده مكسورة فتحتية ثانية مخففة، وقيل مشددة، اسم لبئر فى طريق جدة سميت بشجرة حدباء هناك (قال الفاسى يقال إنها المعروفة الآن ببئر شمس قال فى المواهب وهى على تسعة أميال من مكة (1) هذا اللفظ لسريج أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث (2) يعنى عمرة القضاء وسيأتى الكلام عليها فى الفصل التالى (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد ومعناه فى البخارى وغيره

(59)

عن المسور بن مخرمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهرى عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان- الحديث" (غريبه) (3) تقليد الهدى هو أن يفتل حبل من قشر شجر الحرم ويجعل فى عنق الهدى كالقلادة ليعلم أنه هدى فلا يمسه أحد بسوء، ويجوز أن تكون القلادة بحبل من العهن أى الصوف، وقيل هو المصنوع منه، وقيل هو الأحمر خاصة، وقد ثبت كون القلادة من العهن من حديث عائشة رضى الله عنها عند البخارى وغيره قالت "فتلت قلائدها من عهن كان عندى" واختار الأمام مالك وربيعة أن تكون من نبات الأرض (قال ابن التين) لعله أراد أنه الأولى مع القول بجواز كونها من الصوف والله أعلم "والأشعار" هو أن يكشط شاء من جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هديا، ويجوز أن يعلق فى عنقها نعلا، وسيأتى الكلام على ذلك مستوفى فى باب ما جاء فى إشعار البدن وتقليد الهدى، وهو الباب الأول من كتاب الهدايا والضحايا (تخريجه)(خ وغيره)

_________

(*) وتسمى أيضا بعمرة القضية، وإنما سميت بهما لأنه صلى الله عليه وسلم قاضى قريشًا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التى صد عنها، إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة (وهذا مذهب الشافعية والمالكية) وقالت الحنفية هى قضاء عنها؛ وكانت فى ذى القعدة سنة سبع من الهجرة قبل

ص: 66

-[ما جاء في عمرة القضاء أو القضية]-

(60)

عن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه قال كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعتمر فطاف وطفنا معه، وصلَّي وصلَّينا معه وسعى بين الصَّفا والمروة وكنَّا نستره من أهل مكَّة لا يصيبه أحدٌ بشاءٍ

(61)

عن إسماعيل بن أبى خالدٍ قال قلت لعبد الله بن أبى أوفي رضى الله عنه أدخل النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته قال لا

(60) عن عبد الله بن أبي أوفى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعلى ثنا اسماعيل قال سمعت عبد الله بن أبى أوفى يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) قال فى المواهب خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين ألفان واستخلف على المدينة أبارهم، بضم الراء وسكون الهاء اسمه كلثوم بن الحصين الغفارى وساق عليه الصلاة والسلام ستين بدنة اهـ (2) يعنى خلف المقام ركعتين كما فى رواية البخارى، والمراد بالمقام هنا مقام ابراهيم عليه الصلاة والسلام (3) أى خوفا عليه من غدر أهل مكة (تخريجه)(خ. د نس. جه)

(61)

عن إسماعيل بن أبى خالد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا اسماعيل بن أبى خالد- الحديث" (غريبه) (4) يعنى الكعبة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دخلها حين فتح مكة بالاتفاق وفى حجة الوداع على خلاف فى ذلك كما سيأتى فى بابه "وقوله فى عمرته" يعنى عمرة القضاء أو القضية (5)، قيل سبب عدم دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة فى هذه العمرة ما كان فيها حينئذ من الأصنام ولا يمكنه إزالتها، لأن المشركين لا يمكنونه من ذلك، فلما كان فى الفتح أمر بأزالتها ثم دخلها، ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع فى الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الأقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخولها لئلا يمنعوه (تخريجه) (خ. د. نس. جه) وروى الترمذى وأبو يعلى والطبرانى والنسائى وهذا لفظه عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال "دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة

_________

فتح مكة (قال السهيلى) والمراد بالقضاء والقضية الكتاب الذى وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ووهم من ظن أن المراد قضاء العمرة التى تحللوا منها، إذ لا يجب القضاء على المحصر وتسمى عمرة الصلح، قاله الحاكم فى الأكليل، وتسمى عمرة القصاص لنزول قوله تعالى {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} اهـ

ص: 67

-[شعر ابن رواحة فى عمرة القضاء - وما جاء فى عمرة الجعرانة]-

(فصل منه فى عمرة الجعرانة)

(62)

عن محرِّشٍ الكعبيِّ الخزاعىِّ رضى الله عنه أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم خرج ليلًا من الجعرانة حين أمسى معتمرًا فدخل مكَّة ليلًا فقضى عمرته، ثمَّ خرج من تحت ليلته فأصبح بالجعرانة كبائتٍ حتَّى إذا زالت الشَّمس خرج من الجعرانة فى بطن سرف حتَّى جامع الطَّريق

في عمرة القضاء وابن رواحة بين يديه يقول:

خلوا بنى الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

قال عمر يا ابن رواحة فى حرم الله وبين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول هذا الشعر؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم خل عنه فوالذى نفسى بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل"

(62)

عن محرش الكعبى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ابن جريج قال أخبرنى مزاحم بن أبى مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله عن محرش الكعبى- الحديث" (غريبه) (1) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر راء مشددة فمعجمة، ويقال بكسر أوله وسكون ثانيه، ويقال بسكون المعجمة وفتح الراء الخفيفة (2) تقدم ضبطها، والأشهر أنها بكسر الجيم وسكون العين المهملة وهى ما بين الطائف ومكة وهى إلى مكة أقرب (قال الحافظ بن كثير) فى تاريخه البداية والنهاية عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذى لا يمكن منعه ولا دفعه، ومن نفاها لا حجة معه فى مقابلة من أثبتها والله أعلم وهم كالمجمعين على أنها كانت فى ذى القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين، وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبرانى بسنده عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر فيها، وذلك لليلتين بقيتا من شوال فانه غريب جدا وفى اسناده نظر والله أعلم اهـ، ويعارضه ما جاء عند الشيخين والأمام أحمد من حديث أنس مصرحا بأنها كانت فى ذى القعدة، ولفظ مسلم "وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين فى ذى القعدة" ويوم حنين كانت غزوة هوازن، وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال، وكانت فى سنة ثمان وهى سنة غزوة الفتح، وكانت غزوة هوازن بعد الفتح فى خامس شوال (3) بوزن كتف مصروفا وممنوعا، وهو موضع قريب من التنعيم، وتقدم الكلام

ص: 68

-[ما جاء في العمرة فى رجب والكلام على ذلك]-

طريق المدينة بسرف، قال محرِّشٌ فلذلك خفيت عمرته على كثيرٍ من النَّاس (زاد فى روايةٍ) فنظرت إلى ظهره كأنَّه سبيكة فضَّةٍ

(فصل منه فيما جاء فى العمرة فى رجب)

(63)

عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزُّبير المسجد فإذا نحن بعبد الله بن عمر رضى الله عنهما فجالسناه قال فإذا رجالٌ يصلُّون الضُّحي، فقلنا يا أبا عبد الرَّحمن ما هذه الصَّلاة؟ فقال بدعةٌ فقلنا له كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أربعًا إحداهنَّ في رجبٍ، قال فاستحيينا أن نردَّ

عليه في شرح حديث رقم 199 صحيفة 4 فى الباب الأول من أبواب حمل الجنازة فى الجزء الثامن (1) منهم ابن عمر ومولاه نافع، فقد روى مسلم بسنده عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها (قال الحافظ) ابن كثير فى تاريخه البداية والنهاية، وهذا غريب جدا عن ابن عمر وعن مولاه نافع فى انكارهما عمرة الجعرانة وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، وذكر ذلك أصحاب المغازى والسنن كلهم اهـ (2) أى فى صفاء اللون والاعتدال، وإنما تمكن من النظر إلى ظهره صلى الله عليه وسلم لأنه كان محرما إذ ذاك بالعمرة (تخريجه)(د. نس. مذ) وقال الترمذى حسن غريب ولا يعرف لمحرش الكعبى عن النبى صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وقال أبو عمرو النمرى روى عنه حديث واحد وذكر هذا الحديث

(63)

عن مجاهد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبيدة بن حميد عن منصور بن المعتمر عن مجاهد- الحديث" (غريبه)(3) يعنى إظهارها فى المسجد والاجتماع لها هوالبدعة، لا أن نفس تلك الصلاة بدعة (قال القاضى عياض) وغيره إنما أنكر ابن عمر ملازمتها واظهارها فى المساجد وصلاتها جماعة لأنها مخالفة للسنة، ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قوما يصلونها فأنكر عليهم فقال ان كان ولا بد ففى بيوتكم اهـ (قلت) صلاة الضحى سنة ثابتة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، انظر أبواب صلاة الضحى صحيفة 19 فى الجزء الخامس (4) يعنى اعتمر أربعا هكذا وقع فى رواية منصور عن مجاهد، وهذا يخالف ما تقدم فى الحديث السادس من أحاديث الباب من رواية أبى اسحاق عن مجاهد عن ابن عمر رضى الله عنهما، قال سئل كم اعتمر رسول الله

ص: 69

إنكار عائشة رضى الله عنها اعتمار النبى صلى الله عليه وسلم فى رجب

عليه قال فسمعنا استنان أمِّ المؤمنين عائشة رضى الله عنها، فقال لها عروة بن الزُّبير يا أمَّ المؤمنين ألا تسمعى ما يقول أبو عبد الرَّحمن؟ يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا إحداهنَّ فى رجبٍ، فقالت يرحم الله أبا عبد الرَّحمن أما إنَّه لم يعتمر عمرةً إلَّا وهو شاهدها، وما اعتمر شيئًا فى رجب (ومن طريقٍ ثانٍ) عن ابن جريجٍ قال سمعت عطاءً يقول أخبرنى عروة بن الزُّبير قال كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة إنَّا لنسمعها تستنُّ، قلت يا أبا عبد الرَّحمن اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رجبٍ؟ قال نعم، قلت يا أمَّاه ما تسمعين ما يقول أبو عبد الرَّحمن، قالت ما يقول؟ قلت يقول اعتمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في

_________

صلى الله عليه وسلم قال مرتين، وتقدم توجيهه فى شرحه (قال الحافظ) جعل منصور الاختلاف فى شهر العمرة وأبو اسحاق الاختلاف فى عدد الاعتمار، قال ويمكن تعدد السؤال بأن يكون ابن عمر سئل أولا عن العدد فأجاب فردت عليه عائشة فرجع اليها فسئل مرة ثانية فأجاب بموافقتها، ثم سئل عن الشهر فأجاب بما فى ظنه اهـ (1) يستفاد منه أنهما كان يعلمان الحكم ولكنهما كرها الرد عليه لكبر سنه وشرف صحبته، فأخبر عروة عائشة بما قال ليكون الرد منها (2) قيل استنانها سواكها، وقيل استعمالها الماء (قال ابن فارس) سننت الماء على وجهى اذا أرسلته إرسالا الا أن يكون استن لم تستعمله العرب الا فى السواك، وقيل معناه سمعنا حس مرور السواك على أسنانها (قلت) جاء صريحا فى رواية عطاء عن عروة عند مسلم قال "وانا لنسمع ضربها بالسواك تستن"(3) هو عبد الله بن عمر ذكرته بكنيته تعظيما له ودعت له إشارة الى أنه نسى "وقولها أما إنه لم يعتمر" تعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم "عمرة الا وهو" أى ابن عمر "شاهدها" أى حاضر معه، وقالت ذلك مبالغة فى نسبته الى النسيان ولم تنكر عائشة على ابن عمر الا قوله احداهن فى رجب، ولذا قالت وما اعتمر شيئا فى رجب "وفى رواية للأمام أحمد أيضا" فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الا وهو معه، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رجب قط (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن ابن جريج- الحديث"

ص: 70

-[زوائد الباب فى عدد عمر النبى صلى الله عليه وسلم]-

رجبٍ، قالت يغفر الله لأبى عبد الرَّحمن، نسى، ما اعتمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فى رجبٍ، قال وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم، سكت

(1) قال النووي سكوت ابن عمر على انكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسى أو شك، وقال القرطبى عدم إنكاره على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه رجع لقولها، وقد تعسف من قال إن ابن عمر أراد بقوله اعتمر فى رجب عمرة قبل الهجرة، لأنه وإن كان محتملا، لكن قول عائشة ما اعتمر فى رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما وقد بينت الأربع وأنها لو كانت قبل الهجرة فما الذى كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الأشكال، وأيضا فان قول هذا القائل، لأن قريشا كانوا يعتمرون فى رجب يحتاج إلى نقل وعلى تقديره فمن أين له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم، وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة (تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة فساق ثلاثة وستين بدنة وجاء على من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبى جهل فى أنفه برة (بضم الباء وتخفيف الراء الحلقة تكون فى أنف البعير) من فضة فنحرها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل بدنه ببضعة فطبخت فشرب من مرقها. رواه الترمذى وقال هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه الا من حديث زيد بن حباب ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن روى هذا الحديث فى كتبه عن عبد الله بن أبى زياد. وسألت محمدا (يعنى البخارى) عن هذا الحديث فلم يعرفه من حديث الثورى عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظا، وقال إنما يروى عن الثورى عن أبى اسحاق عن مجاهد مرسلا (وعن عروة عن عائشة رضى الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين، عمرة فى ذى القعدة، وعمرة فى شوال. رواه أبو داود (وعنه أيضا) عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اعتمر ثلاث عمر، عمرتين فى ذى القعدة، وعمرة فى شوال. رواه سعيد بن منصور فى سننه والبيهقى وقوَّى الحافظ إسناده، ورواه الأمام مالك فى الموطأ عن هشام عن أبيه مرسلا. لكن قولها فى شوال مغاير لقول غيرها فى ذى القعدة بل لقولها كما فى رواية عباد بن عبد الله بن الزبير عنها قالت "ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى ذى القعدة ولقد اعتمر ثلاث عمر" وهو مذكور فى أحاديث الباب. وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام (وعن أبى هريرة) رضى الله عنه قال اعتمر النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كلها فى ذى القعدة (هق)(وعن جابر) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر كلها في

ص: 71

-[زوائد الباب - وشئ من احكامه - ومعجزة للنبى صلى الله عليه وسلم]-

__

ذي القعدة، إحداهن زمن الحديبية، والأخرى فى صلح قريش، والأخرى مرجعه من الطائف زمن حنين من الجعرانة (بز. طس) ورجاله رجال الصحيح (وعن عمر بن الخطاب) رضى الله تعالى عنه قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا قيل حجه فى ذى القعدة (طس) ورجاله ثقات الا أن سعيد بن المسيب اختلف فى سماعه من عمر (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال (عل) من رواية عتبة مولى ابن عباس ولم أعرفه (وعن خالد بن عبد العزى بن سلامة) ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه بالجعرانة وأجزره وظل عنده وأمسى عند خالد ثم ندب النبى صلى الله عليه وسلم العمرة فانحدر النبى صلى الله عليه وسلم ومحرش الى الوادى حتى بلغا مكانا يقال له أشقاب فقال يا محرش ماء هذا المكان الى الكدة (1) وماء الكد لخالد وما بقى من الوادى لك يا محرش، ثم أن النبى صلى الله عليه وسلم فحص الكدة بيده فانبجس الماء (أى انفجر) فشرب ثم ندب النبى صلى الله عليه وسلم العمرة فأرسل خالد الى رجل من أصحابه يقال له محرش بن عبد الله والنبى صلى الله عليه وسلم يومئذ خائف من دخول مكة فسار به طريقا يعدله عن من يخاف من ذلك قد عرفها حتى قضى نسكه وأضحى عند خالد راجعين وأحله محرش يعنى خلفه (طب) أورده الهيثمى وقال فيه من لم أعرفه، وأورد أيضا الثلاثة قبله وتكلم عليها جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر؛ والمهم منها هى الحجة التى كانت بعد الهجرة سنة عشر، لأنها جاءت بعد افتراض الحج وتعلم الناس المناسك منها. وأجمع المسلمون عليها (وفيها أيضا دلالة) على أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر (الأولى) عمرة الحديبية سنة ست من الهجرة (والثانية) عمرة القضاء فى السنة السابعة (والثالثة) عمرة الجعرانة فى السنة الثامنة بعد فتح مكة (والرابعة) كانت مع حجته وكلها كانت فى القعدة إلا الرابعة فكانت فى ذى الحجة، هذا هو الصحيح الذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة (وذهب اليه المحققون من الفقهاء) والمحدثين (أما ما ورد فيها) مخالفًا لذلك فى العدد كما جاء فى بعض روايات عائشة وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر مرتين، وفى بعضها ثلاثا كرواية عمرو

_________

(1)

بضم الكاف وفتح الدال المهملة مشدده، قال فى النهاية الكدة هى الأرض الغليظة، لانها تكد الماشى فيها أى تتعبه اهـ، والمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قسم ماء أشقاب الذى ينتهى إلى الكدة قسمين فجعل قسما منه يسمى بماء الكد لخالد بن عبد العزى وما بقى من الوادى لمحرش، وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم معهما، لأن خالدا أكرم نزله، ومحرشًا رافقه فى الطريق، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصنع معه معروف إلا ويكافاء صاحبه عليه بأفضل منه فينبغى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم

ص: 72

-[كلام العلماء فى أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر فى ذى القعدة ولم يعتمر فى رجب]-

__

ابن شعيب وعائشة المذكورين فى أحاديث الباب، وكذلك ما جاء فى الزوائد عن عمر وجابر وأبى هريرة، فيجمع بينها بأن من قال عمرتين فانه لم يحسب الأولى وهى عمرة الحديبية لكونها لم تتم، والعمرة التى كانت مع حجته لانها كانت مقرونة بحجه صلى الله عليه وسلم كما تقدم (وأما ما ورد فيها) مخالفا فى الزمن كحديث ابن عمر رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر فى رجب فيحمل على النسيان كما صرحت بذلك عائشة رضى الله عنها فقالت "يغفر الله لأبى عبد الرحمن نسى" وكذلك قال غير واحد من المحدثين المحققين (وأما ما رواه أبو داود) بسند قوى عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر عمرتين فى ذى القعدة وعمرة فى شوال فيجمع بينه وبين ما ورد فى الأحاديث الصحيحة أن الثلاثة كانت فى ذى القعدة بأن يكون وقع فى آخر شوال وأول ذى القعدة؛ ويؤيده ما رواه الأمام أحمد وابن ماجه بأسناد صحيح عنها أنها قالت "ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى ذى القعدة ولقد اعتمر ثلاث عمر"(قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله تعالى وظن بعض الناس أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر فى سنة مرتين، واحتج بما أخرجه أبو داود عن عائشة، قالوا وليس المراد بها ذكر مجموع ما اعتمره فان أنسا وعائشة وابن عباس وغيرهم قد قالوا إنه اعتمر أربع عمر فعلم أن مرادها به أنه اعتمر فى سنة مرتين، مرة فى ذى القعدة ومرة فى شوال، قال وهذا الحديث وهم وإن كان محفوظا عنها فان هذا لم يقع قط فانه اعتمر أربع عمر بلا ريب (العمرة الأولى) كانت فى ذى القعدة عمرة الحديبية ثم لم يعتمر إلا فى العام القابل (عمرة القضية) فى ذى القعدة ثم رجع إلى المدينة ولم يخرج إلى مكة حتى فتحها سنة ثمان فى رمضان ولم يعتمر ذلك العام، ثم خرج إلى حنين وهزم الله أعداءه فرجع إلى مكة (وأحرم بعمرة) وكان ذلك فى ذى القعدة كما قال أنس وابن عباس فمتى اعتمر فى شوال؟ ولكن لقى العدو فى شوال وخرج فيه من مكة وقضى عمرته لما فرغ من أمر العدو فى ذى القعدة ليلا ولم يجمع ذلك العام بين عمرتين ولا قبله ولا بعده، قال وقولها اعتمر فى شوال إن كان هذا محفوظا فلعله فى عمرة الجعرانة حين خرج فى شوال ولكن إنما أحرم بها فى ذى القعدة (قال) ولا تناقض بين حديث أنس "فى الصحيحين" أنهن فى ذى القعدة إلا التى مع حجته وبين قول عائشة وابن عباس لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى ذى القعدة، لأن مبدأ عمرة القران كان فى ذى القعدة ونهايتها كان فى ذى الحجة مع انقضاء الحج، فعائشة وابن عباس أخبرا عن ابتدائها، وأنس أخبر عن انقضائها، (فأما قول عبد الله بن عمر) إن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر أربعا إحداهن فى رجب فوهم منه رضى الله عنه، قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه "يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قط إلا وهو شاهد، وما اعتمر فى رجب قط" وأما ما رواه الدارقطنى عن عائشة قالت

ص: 73

-[كلام الحافظ ابن القيم فى أحاديث العمرة - وأنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر فى رمضان]-

(5)

باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم

(64)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى حدَّثنا يحيي حدَّثنا جعفرٌ حدَّثنى أبى قال أتينا جابر بن عبد الله رضى الله عنهما وهو فى بنى سلمة فسألناه عن حجَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فحدَّثنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحجَّ

"خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عمرة رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بأبى وأمى أفطرت وصمت وقصرت وأتممت، فقال أحسنت يا عائشة" فهذا الحديث غلط، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر فى رمضان قط، وعمره مضبوطة العدد والزمان، ونحن نقول يرحم الله أم المؤمنين ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان قط، وقد قالت عائشة رضى الله عنها لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فى ذى القعدة، رواه ابن ماجه وغيره، ولا خلاف أن عمره لم تزد على أربع، فلو كان قد اعتمر فى رجب لكانت خمسا، ولو كان قد اعتمر فى رمضان لكانت ستًا إلا أن يقال بعضهن فى رجب. وبعضهن فى رمضان. وبعضهن فى ذى القعدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع اعتماره صلى الله عليه وسلم فى ذى القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة رضى الله عنهم (قال) ولم يكن فى عمره عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة؛ وقد أقام بعد الوحى بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة فى تلك المدة أصلا، فالعمرة التى فعلها رسول اله صلى الله عليه وسلم وشرعها فهى عمرة الداخل الى مكة لا عمرة من كان بها فيخرج الى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخل الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها فوجدت فى نفسها أن ترجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فانهن كن متمتعات ولم يحضن ولم يقرنَّ وترجع هى بعمرة فى ضمن حجتها فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم تطييبًا لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم فى تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه اهـ (ويستفاد من أحاديث الباب أيضا) أن العمرة فى أشهر الحج أفضل منها فى رجب بلا شك، وأما التفضيل بينها وبين العمرة فى رمضان فموضع نظر، وقد تقدم الكلام عليه فى أحكام (باب ما جاء فى فضل العمرة خصوصا فى رمضان) تحت عنوان (تنبيه) صحيفة 50 من هذا الجزء. فارجع اليه والله الموفق

(64)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) بفتح الحاء ويجوز كسرها والمراد حجة الوداع (2) بفتح الكاف وضمها أى لبث بالمدينة بعد الهجرة لكنه اعتمر، وقد

ص: 74

-[صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم وتاريخه وعدد من حضره]-

ثمَّ أذِّن فى النَّاس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ هذا العام، قال فنزل المدينة بشرٌ كثيرٌ كلُّهم يلتمس أن يحجَّ يأتمُّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويفعل مثل ما يفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشرٍ بقين من ذى القعدة وخرجنا معه حتَّى أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنت عميسٍ بمحمَّد بن أبى بكرٍ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال اغتسلى، ثم استذفري بثوبٍ ثمَّ أهلِّى، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى إذ استوت به ناقته على البيداء أهلَّ بالتَّوحيد لبَّيك

فرض الحج سنة خمس. وقيل سنة ست. وقيل سنة ثمان. وقيل سنة تسع، وتقدم الخلاف فى ذلك (1) بضم الهمزة مبنى للمجهول أى نادى مناد بأذنه، ويجوز بناؤه للمعلوم ويكون النبى صلى الله عليه وسلم أعلمهم بذلك بنفسه؛ وعلى كلا الأمرين فالمراد إعلام الناس بحجه صلى الله عليه وسلم وإشاعته بينهم ليتأهبوا للحج معه ويتعلموا المناسك والأحكام ويشاهدوا أقواله وأفعاله، وتشيع دعوة الأسلام وتبلغ الرسالة القريب والبعيد، وفيه أنه يستحب للأمام إيذان الناس بالأمور المهمة ليتأهبوا لها (2) قال القاضى عياض هذا مما يدل على أنهم كلهم أحرموا بالحج لأنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وهم لا يخالفونه، ولهذا قال جابر وما عمل من شاء عملنا به، ومثله توقفهم عن التحلل بالعمرة ما لم يتحلل حتى أغضبوه واعتذر اليهم، ومثله تعليق علىّ وأبى موسى احرامهما على احرام النبى صلى الله عليه وسلم (3) قال فى المرقاة وقد بلغ جملة من معه صلى الله عليه وسلم من أصحابه فى تلك الحجة تسعين ألفًا. وقيل مائة وثلاثين ألفًا اهـ (وقوله ذا الحليفة) بضم الحاء المهملة والفاء اسم مكان على نحو ستة أميال من المدينة، وبينه وبين مكة عشر مراحل أو تسع (4) بكسر الفاء أى ولدت كما صرح بذلك فى رواية مسلم وأبى داود (5) بالذال المعجمة وكذا عند أبى داود، وعند مسلم استثفرى بالثاء المثلثة بدل الذال، والمعنى واحد (قال النووى) فيه استحباب غسل الأحرام للنفساء، وفيه أمر الحائض والنفساء والمستحاضة بالاستثفار. وهو أن تشد فى وسطها شيئا وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها فى ذلك المشدود فى وسطها. وهو شبيه بثفر الدابة بفتح الفاء (وفيه) صحة إحرام النفساء وهو مجمع عليه والله أعلم اهـ (وقوله ثم أهلى) أى لبى وارفعى صوتك بالتلبية (قال العلماء) الأهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول فى الأحرام، يقال أهلَّ المحرم بالحج يهل إهلالا اذا لبى ورفع صوته، والمهل بضم الميم موضع الأهلال، وهو الميقات الذى يحرمون منه (6) أصل البيداء المفازة التى لا شاء بها، وهى هاهنا اسم موضع

ص: 75

-[صفة التلبية - وحجة القائلين بأنه صلى الله عليه وسلم نوى الحج مفردا]-

اللَّهمَّ لبَّيك، لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك، ولبَّي النَّاس. والنَّاس يزيدون ذ المعارج ونحوه من الكلام والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يسمع فلم يقل لهم شيئًا، فنظرت مدَّ بصري وبين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من راكبٍ وماشٍ ومن خلفه مثل ذلك، وعن يمينه مثل ذلك، وعن شماله مثل ذلك، قال جابرٌ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شاءٍ عملنا به، فخرجنا لا ننوى إلَّا الحجَّ حتَّى أتينا الكعبة فاستلم نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ثمَّ

مخصوص بين مكة والمدينة وأكثر ما ترد ويرد بها هذه (نه)(وقوله أهل بالتوحيد) يعنى قوله لا شريك لك، وفيه اشارة الى مخالفة ما كانت الجاهلية تزيده بعد قوله "لا شريك لك" فقد كانوا يقولون الا شريكا هو لك تملكه وما ملك (ومعنى لبيك اللهم لبيك) أى اجابة بعد اجابة ولزوما لطاعتك، وسيأتى لذلك مزيد ايضاح فى أول أبواب التلبية ان شاء الله تعالى (1) أى العلو والفواضل، قاله ابن عباس (وقال مجاهد) ذا المعارج معارج السماء (وقال قتادة) ذا الفواضل والنعم (قال القاضى) عياض رحمه الله تعالى فيه اشارة الى ما روى من زيادة الناس فى التلبية من الثناء والذكر كما روى فى ذلك (عن عمر) رضى الله عنه أنه كان يزيد لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك مرهوبا منك ومرغوبا اليك (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل (وعن أنس) رضى الله عنه لبيك حقا تعبدا ورقا (قال القاضى) قال أكثرالعلماء المستحب الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه قال (مالك والشافعى) والله أعلم (2) قال النووى هكذا فى جميع النسخ مد بصرى (يعنى نسخ مسلم) وهو صحيح ومعناه منتهى بصرى، قال وأنكر بعض أهل اللغة مد بصرى وقال الصواب مدى بصرى وليس هو بمنكر بما هما لغتان. المد أشهر (3) فيه جواز الحج راكبًا وماشيا (قال النووى) وهو مجمع عليه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة واجماع الأمة قال الله تعالى {وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر} (4) معناه الحث على التمسك بما أخبركم عن فعله فى حجته تلك فانه مأخوذ عن الوحى (5) فيه أن السنة للحجاج أن يدخلوا مكة قبل الوقوف بعرفات ليتمكنوا من استلام الحجر الأسود والطواف وغيره

ص: 76

-[كيفية الطواف - ثم الصلاة فى مقام ابراهيم - ثم السعى بين الصفا والمروة]-

رمل ثلاثةً ومشى أربعةً حتَّى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلَّى خلفه ركعتين ثمَّ قرأ {واتَّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} قال أبى قال أبو عبد الله يعنى جعفرًا فقرأ فيهما بالتَّوحيد، وقل يا أيُّها الكافرون؛ ثمَّ استلم الحجر وخرج إلى الصَّفا ثمَّ قرأ {إنَّ الصَّفا والمروة من شعائر الله} ثمَّ قال نبدأ بما بدأ الله به فرقي على الصَّفا حتَّى إذا نظر إلى البيت كبَّر قال

(1) يعني في طواف القدوم، وفيه أن المحرم إذا دخل مكة قبل الوقوف بعرفات يسن له طواف القدوم وهو مجمع عليه، وفيه أن الطواف سبع مرات لقوله ثم رمل ثلاثة ومشى أربعة، وفيه أن السنة الرمل فى الثلاث الأول ويمشى على عادته فى الأربع الأخيرة، قال العلماء الرمل هو أسرع المشى مع تقارب الخطا وهو الخبب (2) هذا دليل لما أجمع عليه العلماء أنه ينبغى لكل طائف إذا فرغ من طوافه أن يصلى خلف المقام ركعتى الطواف واختلفوا هل هما واجبتان أم سنتان، وسيأتى ذكر الخلاف فى أبواب الطواف إن شاء الله تعالى (3) القائل (قال أبى) هو عبد الله بن الأمام أحمد (4) هو جعفر بن محمد بن على بن الحسين رضى الله عنهم يقول ما معناه ان النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى ركعتى الطواف فى الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون، وفى الثانية بعد الفاتحة بالتوحيد. يعنى بسورة قل هو الله أحد، وقد جاءت هذه الجملة فى صحيح مسلم مرفوعة الى النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ "فكان أبى يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الركعتين قل هو الله أحد. وقل يا أيها الكافرون" قال النووى معنى هذا الكلام أن جعفر بن محمد روى هذا الحديث عن أبيه عن جابر قال كان أبى يعنى محمدا يقول إنه قرأ هاتين السورتين، قال جعفر ولا أعلم أبى ذكر تلك القراءة عن قراءة جابر فى صلاة جابر. بل عن جابر عن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة هاتين الركعتين (قال) وأما قوله لا أعلم ذكره الا عن النبى صلى الله عليه وسلم ليس هو شكا فى ذلك، لأن لفظة العلم تنافى الشك. بل جزم برفعه الى النبى صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره البيهقى بأسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود ثلاثًا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد (5) فيه دليل للقائلين بالعود الى استلام الحجر الأسود بعد الفراغ من صلاة الركعتين ثم يخرج من باب الصفا ليسعى، واتفقوا على أن هذا الاستلام ليس بواجب وانما هو سنة لو تركه لم يلزمه دم (6) أى نبدأ السعى من الصفا، لأن الله عز وجل قدمه فى الذكر فقال "إن الصفا والمروة من شعائر الله" فبدأ

ص: 77

-[كيفية السعى والأذكار التى تقال على الصفا والمروة]-

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شاءٍ قديرٌ، لا إله إلَّا الله أنجز وعده وصدَّق عبده وغلب الأحزاب وحده، ثمَّ دعا ثمَّ رجع إلى هذا الكلام، ثمَّ نزل حتَّي إذا انصبَّت قدماه فى الوادى رمل حتَّى إذا صعد مشى حتَّي أتى المروة فرقى عليها حتَّي نظر إلى البيت فقال عليها كما قال على الصَّفا فلمَّا كان السَّابع عند المروة، قال يا أيُّها النَّاس إنِّى لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي

بالصفا ولذا اشترط جمهور الفقهاء بدء السعى من الصفا، وبه قال الأمامان (مالك والشافعى والجمهور) وقوله (فرقى على الصفا) أى صعد على جل الصفا (حتى نظر الى البيت) أى الكعبة فيه دلالة على استحباب ذلك للحاج ان أمكن (وقوله حتى إذا نظر الى البيت) فيه استحباب الوقوف على الصفا مستقبلا ذاكرا بهذا الذكر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومعنى أنجز وعده) أى وفى وعده بأظهاره عز وجل للدين (1) هكذا فى المسند "وصدق عبده" يعنى محمدًا صلى الله عليه وسلم ورواية مسلم وأبى داود فى هذا الحديث نفسه (ونصر عبده) بدل وصدق، ومعنى تصديق الله تعالى لعبده تأييده بالمعجزات. والله سبحانه وتعالى أعلم (وغلب الأحزاب) أى هزمهم فى يوم الخندق (وحده) أى من غير قتال الآدميين قال تعالى {فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} أو المراد كل من تحزب لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه هزمهم؛ وكان الخندق فى شوال سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس (2) أى بعد فراغه من هذا الذكر (ثم رجع إلى هذا الكلام) أى الذكر بعد الدعاء، قال السندى يقول الذكر ثلاث مرات ويدعو بعد كل مرة (3) قال القاضى عياض مجاز من قولهم صب الماء فانصب أى انحدرت قدماه، ومنه إذا مشى كأنه ينحط فى صبب أى موضه منحدر (4) أى سعى وأسرع فى المشى فى بطن الوادى، وقد صرح بذلك فى رواية أبى داود، والمراد ببطن الوادى المنخفض منه، فاذا بلغ المرتفع منه مشى باقى المسافة إلى المروة على عادة مشيه، وهذا السعى مستحب فى كل مرة من المرات السبع فى هذه المواضع؛ والمثنى مستحب فيما قبل الوادى وبعده (5) يعنى صنع على المروة كما صنع على الصفا من الرقى واستقبال القبلة والذكر والدعاء، وهذا متفق عليه (6) أى لو علمت فى قبل من أمرى ما علمته فى دبر منه، والمعنى لو ظهر لى هذا الرأى الذى رأيته الآن لأمرتكم به فى أول أمرى وابتداء خروجى و (لم أسق الهدي)

ص: 78

-[أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من ليس معه هدى أن يتحلل من إحرامه ويجعله عمرة]-

ولجعلتها عمرةً فمن لم يكن معه هديٌ فليحلل وليجعلها عمرةً، فحلَّ النَّاس كلُّهم، فقال سراقة بن مالك بن جعشمٍ وهو فى أسفل المروة يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبَّك رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أصابعه فقال للأبد ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ قال دخلت العمرة فى الحجِّ إلى يوم القيامة، قال وقدم علىٌّ من اليمن فقدم بهديٍ وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه

"بضم السين" يعنى لما جعلت علىَّ هديا وأشعرته وقلدته وسقته بين يدى، فانه إذا ساق الهدى لا يحل حتى ينحر، ولا ينحر إلا يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، بخلاف من لم يسق فانه يجوز له فسخ الحج، قال ذلك صلى الله عليه وسلم تطييبًا لقلوبهم وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم اليه إذ كان يشق عليهم ترك الاقتداء بفعله (1) أى جعلت إحرامى بالحج مصروفا إلى العمرة كما أمرتكم به موافقة (2) بسكون الحاء المهملة أى ليصر حلالا وليخرج من إحرامه بعد فراغه من أفعال العمرة (وقوله وليجعلها عمرة) أى وليجعل الحجة عمرة إذ قد أبيح له ما قد حرم عليه بسبب الأحرام حتى يستأنف الأحرام بالحج، قاله القاراء (3) معناه أن سراقة رضى الله عنه يستفهم من النبى صلى الله عليه وسلم هل جواز فسخ الحج إلى العمرة "كما هو الظاهر من سياق الحديث" أو الأتيان بالعمرة فى أشهر الحج، أو مع الحج يختص بهذه السنة أم للأبد؟ (4) يعنى أن ذلك جائز فى كل عام لا يختص بعام دون آخر إلى يوم القيامة، وكرر ذلك ثلاثًا للتأكيد، وشبك بين أصابعه إشارة الى اشتراك كل الأعوام فى ذلك بدون اختصاص أحدها (وقد اختلف العلماء) فى معنى هذا السؤال فقال بعضهم المراد منه فسخ الحج إلى العمرة، وقال آخرون بل المراد الأتيان بالعمرة فى أشهر الحج، وذهب فريق إلى أن المراد بذلك القران يعنى اقتران الحج بالعمرة (فعلى الأول) يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم (دخلت العمرة فى الحج الى يوم القيامة) أى دخلت نية العمرة فى نية الحج، بحيث أن من نوى الحج صح له الفراغ منه بالعمرة (وعلى الثانى) حلت العمرة فى أشهر الحج وصحت (وعلى الثالث) دخلت العمرة فى الحج أى اقترنت به لا تنفك عنه لمن نواهما معا، وتندرج أفعال العمرة فى أفعال الحج حتى يتحلل منهما معًا، وسيأتى ذكر الخلاف مبسوطا فى أحكام باب فسخ الحج الى العمرة إن شاء الله تعالى (5) فى رواية مسلم وأبى داود (وقدم علىٌّ من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الباء وسكون الدال، جمع بدنة والبدنة واحدة الأبل، سميت به لعظمها وسمنها وتقع على الجمل والناقة. وقد تطلق على البقرة. ونسبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عليا رضي الله عنه

ص: 79

-[جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير - كأن يقول أحرمت بما أحرم به فلان]-

من المدينة هديًا فإذا فاطمة رضى الله عنها قد حلَّت ولبست ثيابها صبيغًا واكتحلت، فأنكر ذلك عليٌّ رضى الله عنه عليها فقالت أمرنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال علىٌّ بالكوفة قال جعفرٌ قال أبى هذا الحرف لم يذكره جابرٌ فذهبت محرِّشًا أستفتى بها النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم فى الَّذى ذكرت فاطمة، قلت إنَّ فاطمة لبست ثيابها صبيغًا واكتحلت وقالت أمرنى به أبى، قال صدقت صدقت صدقت أنا أمرتها به، قال جابرٌ وقال لعلىٍّ بم أهللت؟ قال قلت اللَّهم إنِّى أهللت بما أهلَّ به رسولك صلى الله عليه وسلم قال ومعى الهدي، قال فلا تحلَّ قال فكانت جماعة الهدى الَّذي أتى به علىٌّ رضى الله تعالى عنه من اليمن والَّذي

اشتراها له لا أنها من السعاية على الصدقة كما يتبادر إلى الذهن، وكان عددها سبعًا وثلاثين بدنة (1) كان عدد الهدى الذى ساقه النبى صلى الله عليه وسلم معه منا المدينة ثلاثا وستين بدنة كما جاء فى رواية الترمذى وأعطى عليا البدن التى جاءت معه من اليمن وهى تمام المائة (2) أى مصبوغا (3) فيه إنكار الرجل على زوجته ما يراه منها مخالفا للدين، لأنه ظن أن ذلك لا يجوز فأنكره (4) معنى هذا أن جعفرا أحد رجال السند يذكر عن أبيه محمدا راوى هذا الحديث عن جابر أن جابرًا لم يذكر هذا الحرف يعنى هذه الجملة فى حديثه، والظاهر أن محمدا رواها عن على رضى الله عنه حين كان بالكوفة وهى قوله "فذهبت محرشا استفتى به النبى صلى الله عليه وسلم إلى قوله صدقت أنا أمرتها به" وجاء فى رواية مسلم بلفظ "ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها، فقالت إن أبى أمرنى بهذا. قال فكان على يقول بالعراق فذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم محرشا على فاطمة للذى صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما ذكرت- الحديث" والله أعلم (5) التحرش الأغراء والمراد هنا أن يذكر للنبى صلى الله عليه وسلم ما فعلته ليزجرها عنه (6) أى بأى شاء نويت حين أحرمت، بحج أو عمرة أو بهما؟ "فقال قلت اللهم إنى أهللت بما أهل به رسولك" فيه أنه يصح الأحرام معلقا وهو أن يحرم إحراما كأحرام فلان فينعقد احرامه وصير محرما بما أحرم به فلان (7) إنما أمر عليا رضي الله عنه بعدم

ص: 80

-[مكان النحر بمنى - وتحديد منًى وعرفات]-

أتى به النَّبي صلى الله عليه وسلم مائةً فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثةً وستِّين ثمَّ أعطى عليًّا فنحر ما غبر وأشركه فى هديه، ثمَّ أمر من كلِّ بدنةٍ ببضعةٍ فجعلت في قدرٍ فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثمَّ قال نبيُّ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، قد نحرت هاهنا، ومنًى كلُّها منحرٌ ووقف بعرفة، فقال ونفت هاهنا وعرفة كلُّها موقفٌ، ووقف

الحل، لأنه كان آتيا بالهدى معه (1) فيه استحباب ذبخ المهدى هديه بنفسه وجواز الاستنابة فيه، وذلك جائز بالأجماع إذا كان النائب مسلما (2) أى ما بقى وفيه استحباب تعجيل ذبح الهدايا وإن كانت كثيرة فى يوم النحر ولا يؤخر بعضها الى أيام التشريق (وأما قوله وأشركه فى هديه) فظاهره أنه أشركه فى نفس الهدى (قال القاضى عياض) وعندي أنه لم يكن تشريكا حقيقة بل أعطاه قدرًا يذبحه اهـ والظاهر أن النبى صلى الله عليه وسلم تولى ذبح البدن التى جاءت معه من المدينة، لأنها كانت ثلاثا وستين كما تقدم وأعطى عليا البدن التى جاءت معه من اليمن وهى تمام المائة والله أعلم (قال القارى) ولا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم أشرك عليا فى ثواب هديه، لأن الهدى يعطى حكم الأضحية (3) البضعة بفتح الباء الموحدة لا غير، هى القطعة من اللحم، وفيه استحباب الأكل من هدى التطوع وأضحيته (قال العلماء) لما كان الأكل من كل واحدة سنة وفى الأكل من كل واحدة من المائة منفردة كلفة جعلت فى قدر ليكون آكلا من مرق الجميع الذى فيه جزء من كل واحدة، ويأكل من اللحم المجتمع فى المرق ما تيسر، وأجمع العلماء على أن الأكل من هدى التطوع وأضحيته سنة ليس بواجب (4) يعنى كل بقعة منها يصح النحر فيها وهو متفق عليه، لكن الأفضل فى المكان الذى نحر فيه صلى الله عليه وسلم (كذا قال الشافعى) ومنحر النبى صلى الله عليه وسلم هو عند الجمرة الأولى التى تلى مسجد منى. كذا قال ابن التين، وحدُّ منى من وادى محسر الى العقبة (5) يعنى عند الصخرات وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فيها، وقد أجمع العلماء على أن من وقف فى أى جزء كان من عرفات صح وقوفه ولها أربعة حدود، حد الى جادة طريق المشرق (والثانى) الى مسافات الجبل الذى وراء أرضها (والثالث) الى البساتين التى تلى قرنيها على يسار مستقبل الكعبة. (والرابع) وادى عرنة بضم العين وبالنون، وليست هى ولا نمرة من عرفات ولا من الحرم

_________

(م 11 - الفتح الربانى - ج 11)

ص: 81

-[الإحرام بالحج يوم التروية - ووجوب الهدى على من تمتع بالعمرة الى الحج]-

بالمزدلفة فقال قد وقفت هاهنا والمزدلفة كلُّها موقفٌ (وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه إلى قوله لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ثمَّ قال) ولو لم أسق الهدى لأحللت، ألا فخذوا مناسككم، قال فقام القوم بحلِّهم حتَّي إذا كان يوم التَّروية وأرادوا التَّوجُّه إلى منًى أهلُّوا بالحجِّ قال فكان الهدى على من وجد والصِّيام على من لم يجد وأشرك بينهم فى هديهم، الجزور بين سبعةٍ، والبقرة بين سبعةٍ وكان طوافهم

(1) يعني بالمزدلفة، وفى قوله والمزدلفة كلها موقف دلالة على أنها كلها موقف كما أن عرفات كلها موقف وسيأتى تحديدها فى شرح الحديث التالى (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين ابن محمد وخلف بن الوليد قالا ثنا الربيع يعنى ابن صبيح عن عطاء عن جابر بنحوه (3) أى حلوا من إحرامهم، ولفظ مسلم "قال فحل الناس كلهم وقصَّروا إلا النبى صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى"(قال النووى) والمراد بقوله حل الناس كلهم أى معظمهم، والهدى بأسكان الدال وكسرها وتشديد الياء مع الكسر وتخفف مع الأسكان، قال وأما قوله وقصَّروا ولم يحلقوا مع أن الحلق أفضل لأنهم أرادوا أن يبقى شعر يحلق فى الحج، فلو حلقوا لم يبق شعر، فكان التقصير هنا أحسن ليحصل فى النسكين إزالة شعر. والله أعلم (4) يوم التروية هو الثامن من ذى الحجة سمى به لأن الحجاج يرتوون ويشربون فيه من الماء ويسقون الدواب لما بعده (5) قال النووى (والأفضل عند الشافعى) وموافقيه أن من كان بمكة وأراد الأحرام بالحج أحرم يوم التروية عملا بهذا الحديث، وفيه بيان أن السنة أن لا يتقدم أحد الى منى قبل يوم التروية (وقد كره مالك ذلك) وقال بعض السلف لا بأس به، ومذهبنا أنه خلاف السنة اهـ (6) أى وجد الهدى والمراد به هدى التمتع (7) المراد لم يجد هديا هناك إما لعدم الهدى وإما لعدم ثمنه. وإما لكونه يباع بأكثر من ثمن المثل. وإما لكونه موجودا لكنه لا يبيعه صاحبه، ففى كل هذه الصور يكون عادما للهدى فينتقل الى الصوم سواء كان واجدا لثمنه فى بلده أم لا، قاله النووى (قلت) وفيه اشارة الى قوله تعالى {فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة} وللعلماء خلاف فى أفضل الأوقات للصيام فى الحج سيأتى فى بابه ان شاء الله تعالى (8) المعنى أن البدنة أو البقرة تجزاء فى الهدى عن سبعة اشخاص، وقد جاء صريحا فى حديث جابر قال "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك فى الأبل والبقر كل سبعة منا في بدنة"

ص: 82

-[القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد وسعى واحد - وذكر زيادة مسلم في حديث جابر]-

بالبيت وسعيهم بين الصَّفا والمروة لحجِّهم وعمرتهم طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا

رواه الشيخان والأمام أحمد وسيأتى ذلك فى كتاب الهدايا والضحايا ان شاء الله تعالى (1) هذا الحكم يختص بالقارن الذى أحرم بالحج والعمرة معًا، فانه يجزاء عنهما طواف واحد وسعى واحد، اما المتمتع فلا بد للعمرة من طواف وسعى، وللحج كذلك (تخريجه)(م. د. جه) مطولا (قال النووى) رحمه الله وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد، وهو من أفراد مسلم، لم يروه البخارى فى صحيحه، ورواه أبو داود كرواية مسلم (قال القاضى) وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا. وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا، وخرَّج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريب منه اهـ (قلت) هذا الحديث عند مسلم تضمن قصة حج النبى

صلى الله عليه وسلم من أول خروجه من المدينة الى نهاية حجه، وجاء فى مسند الأمام أحمد ما تضمنته هذه القصة فى حديثين (أحدهما) حديث الباب عن جابر بنحو ما رواه مسلم الى يوم التروية (والثانى) من حديث على وفيه القصة بنحو رواية مسلم من يوم الوقوف بعرفة الى نهاية الحج بطواف الأفاضة؛ ما أفعال الحج كالتوجه الى منى يوم التروية وما يفعله الحجاج بمنى وتوجههم إلى عرفة يوم عرفة ونحو ذلك كالخطب فقد ذكرها الأمام أحمد متفرقة فى أحاديث متعددة، وحرصا على راحة القارئ وتقريب الفائدة له أتيت بهذه الأفعال من رواية مسلم فى الشرح لتكون القصة متصلة الحلقات كما فى صحيح مسلم. على أن الأمام أحمد رحمه الله تعالى روى فى هذا الباب أحاديث كثيرة ليست فيه عند مسلم. واليك ما رواه مسلم رحمه الله من حديث جابر قال "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر. والعصر. والمغرب. والعشاء. والفجر. ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش الا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع فى الجاهلية. فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة (أى قاربها) فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادى فخطب الناس وقال ان دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، ألا كل شاء من أمر الجاهلية تحت قدمىَّ موضوع ودماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا فى بنى سعد موضوع كله. فاتقوا الله فى النساء فانكمأخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فان فعلن ذلك فاضربوهن

ص: 83

-[الوقوف بعرفة وكلها موقف - ثم الدفع منها إلى المزدلفة]-

(65)

"ز" عن علي رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة وهو مردف أسامة بن زيد فقال هذا الموقف وكلُّ عرفة موقف، ثمَّ دفع يسير العنق وجعل النَّاس يضربون يمينًا وشمالًا وهو يلتفت ويقول السَّكينة أيُّها النَّاس، السَّكينة أيُّها النَّاس، حتَّى جاء المزدلفة وجمع بين الصَّلاتين،

ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم اشهد. اللهم اشهد. اللهم اشهد. ثلاث مرات، ثم أذن. ثم أقام فصلى الظهر. ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء الى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه (حبل المشاة هو بالحاء المهملة وإسكان الباء يعنى مجتمعهم) واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى ان رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة - الحديث" "مورك الرحل هو ما يجعل فى مقدمة الرحل شبه المخده" وقوله "أيها الناس السكينة" أى الزموا السكينة

(65)

"ز" عن على رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أحمد ابن عبدة البصرى ثنا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومى حدثنى أبى عبد الرحمن ابن الحارث عن زيد بن على بن حسين بن على عن أبيه على بن حسين عن عبيد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن على بن أبى طالب رضى الله عنه - الحديث" (غريبه) (1) فيه جواز الأرداف اذا كانت الدابة مطيقة. وقد تظاهرت به الأحاديث (2) بالتحريك من أعنق أى أسرع. يعنق اعناقا أى اسراعا، والأسم العنق "ومنه حديث لا يزال المؤمن معنقا ما لم يصب دما حراما" أى مسرعا (3) بالنصب أى الزموا السكينة وهى الرفق والطمأنينة، ففيه أن السكينة فى الدفع من عرفات سنة، فاذا وجد فرجة فلا بأس من الأسراع، وانما أمرهم بالسكينة لأنهم كانوا يسرعون جدا أكثر من اسراعه صلى الله عليه وسلم (4) بكسر اللام معروفة، سميت بذلك من التزلف والازدلاف وهو التقرب، لأن الحجاج اذا أفاضوا من عرفات أزلفوا اليها أى مضوا اليها وتقربوا منها، وقيل سميت بذلك لمجاء الناس اليها فى زلف من الليل أى ساعات، وتسمى جمعا بفتح الجيم واسكان الميم، سميت بذلك

ص: 84

-[الوقوف بالمزدلفة وتحديدها - والدفع منها الى منى]-

ثمَّ وقف بالمزدلفة فوقف على قزح وأردف الفضل بن العبَّاس، وقال هذا الموقف وكلُّ المزدلقة موقف، ثمَّ دفع وجعل يسير العنق والنَّاس يضربون يمينًا وشمالًا وهو يلتفت ويقول السَّكينة السَّكينة أيُّها النَّاس؛ حتَّى جاء محسِّرًا فقرع راحلته فخبَّب حتَّى خرج ثمَّ عاد لسيره الأوَّل حتَّى رمى الجمرة ثمَّ جاء المنحر وكلُّ منًى منحر، ثمَّ جاءته امرأة شابَّة من خثعم فقالت إنَّ أبى شيخ كبير وقد أفند وأدركته فريضة الله في الحجِّ ولا يستطيع أداءها فيجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم. وجعل يصرف وجه

لاجتماع الناس فيه، والمزدلفة كلها من الحرم، قال الأزدرقى فى تاريخ مكة والماوردى وكثير من الشافعية حد مزدلفة ما بين مأزمى عرفة ووادى محسر وليس الحدان منها ويدخل فى المزدلفة جميع تلك الشعاب والحبال الداخلة فى الحد المذكور اهـ - الحبال بالحاء المهملة المكسورة جمع حبل وهو التل اللطيف من الرمل الضحم (وقوله وجمع بين الصلاتين) أى جمع تأخير. وسيأتى الكلام على ذلك فى باب الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة (1) بضم القاف وفتح الزاى، وهو القرن أى المكان المرتفع الذى يقف عنده الأمام بالمزدلفة، ولا ينصرف للعدل والعلمية كعمر، وهو من قزح الشاء أى ارتفع (2) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة. سمى بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أى أعيى وكلَّ ومنه قوله تعالى {ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير} (وقوله فقرع راحلته) أى ضربها بسوطه لتسرع فى السير. وهو معنى قوله فخبَّب، والأسراع فى ذلك الموضع سنة (قال العلماء) يسرع الماشى ويحرك الراكب دابته فى وادى محسر ويكون ذلك قدر رمية حجر (3) أى من وادى محسر ثم عاد لسيره الأول بدون إسراع (4) يعنى المسماة بجمرة العقبة ولفظ مسلم "ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، وسيأتى للأمام أحمد نحو هذا بى بابه ونفيض الكلام عليه فى الشرح ان شاء الله (وقوله ثم جاء المنحر) قال القاضى عياض فيه دلالة على أن المنحر موضع معين من منى، وحيث ذبح منها أو من الحرم أجزأه (5) أى كبر حتى صار هرما والفند فى الأصل الكذب. وأفند تكلم بالفند، ثم قالوا للشيخ اذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بالمخرّف من الكلام عن سنن الصحة، وأفنده الكبر إذا

ص: 85

-[طواف الإفاضة - وفضل الوضوء والشرب من ماء زمزم]-

الفضل بن العبَّاس عنها ثمَّ أتاه رجل فقال إنِّى رميت الجمرة وأفضت ولبست ولم أحلق، قال فلا حرج فاحلق ثمَّ أتاه رجل آخر فقال إنِّى رميت وحلفت ولبست ولم أنحر، فقال لا حرج فانحر ثمَّ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فدعا بسجلٍ من ماء زمزم فشرب منه وتوضَّأ ثمَّ قال انزعوا يا بنى عبد المطَّلب فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت قال العبَّاس يا رسول الله إنِّى رأيتك تصرف وجه ابن أخيك، قال إنِّى رأيت غلامًا شابًّا وجاريةً شابَّةً فخشيت عليهما الشَّيطان

(66)

عن سالم بن عبد الله أنَّ عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال

أوقعه في الفند "نه"(1) أى لأنه وجده ينظر اليها وهو شاب وهى شابة جميلة فخشى عليهما الشيطان كما سيأتى فى آخر الحديث؛ وفيه تحريم النظر الى المرأة الأجنبية وفيه إزالة المنكر باليد إن أمكن (2) فيه جواز تأخير الحلاق بعد طواف الأفاضة والتحلل بلبس الثياب (3) فيه جواز تأخير النحر على الحلاق والتحلل بلبس الثياب أيضا (وقوله ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم أى طاف طواف الأفاضة وهو ركن من أركان الحج باتفاق العلماء (4) فيه استحباب الشرب والوضوء من ماء زمزم (وقوله انزعوا) بكسر الزاى معناه استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء، والدلاء جمع دلو وهو معروف والرشاء الحبل الذى يربط فى الدلو ليجذب به ولفظ مسلم "فأتى بنى عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا بنى عبد المطلب - الحديث" ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم أتى بنى بعد المطلب بعد فراغه من طواف الأفاضة فوجدهم يسقون على زمزم أى يغرفون بالدلاء ويصبونه فى الحياض ونحوها ليشرب الحجاج أو يسقونهم من الدلاء نفسها (5) لفظ مسلم "فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه" ومعناه لولا خوفى أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاسقاء، وفيه فضيلة الاستقاء واستحباب شرب ماء زمزم (تخريجه) لم أقف عليه من حديث على لغير عبد الله بن الأمام أحمد وسنده جيد ومعناه فى الصحيحين

(66)

عن عبد الله بن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج

ص: 86

-[شبهة القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالعمرة]-

تمتَّع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع بالعمرة إلى الحجِّ وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة ثمَّ أهلَّ بالحجِّ وتمتَّع النَّاس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحجِّ، فإنَّ من النَّاس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد، فلمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنَّاس من كان منكم أهدى فإنَّه لا يحلُّ من شئٍ حرم منه حتَّى يقضى حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصَّفا والمروة وليقصّر وليحلل ثمَّ ليهلَّ بالحجِّ وليهد، فمن لم يجد هديًا فليصم ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةً

ثنا ليث قال حدثنى عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله - الحديث" (غريبه) (1) قال القاضى عياض رحمه الله قوله تمتع هو محمول على التمتع اللغوى. وهو القران آخرا، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بالحج مفردًا ثم أحرم بالعمرة فصار قارنًا فى آخر أمره، والقارن هو متمع من حيث اللغة ومن حيث المعنى، لأنه ترفه باتحاد الميقات والأحرامم والفعل، ويتعين هذا التأويل هنا للجمع بين الأحاديث فى ذلك وممن، روى إفراد النبى صلى الله عليه وسلم ابن عمر الراوى هنا (وأما قوله بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج) فهو محمول على التلبية فى أثناء الأحرام، وليس المراد أنه أحرم فى أول أمره بعمرة ثم أحرم بحج لأنه يفضى إلى مخالفة الأحاديث السابقة "يعنى أنهم أحرموا أولا بالحج كما ثبت ذلك عن جابر وعائشة" قال ويؤيد هذا التأويل (قوله تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج) ومعلوم أن كثيرًا منهم أو أكثرهم أحرموا بالحج أولا مفردا، وإنما فسخوه إلى العمرة آخرا فصاروا متمتعين "فقوله وتمتع الناس" يعنى فى آخر الأمر والله أعلم (3) معناه أن من لم يكن معه هدى فليفعل الطواف والسعى والتقصير، وقد صار حلالا فله فعل ما كان محظورا عليه فى الأحرام من الطيب واللباس والنساء والصيد وغير ذلك، وإنما أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم بالتقصير ولم يأمرهم بالحلاق مع أن الحلاق أفضل لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ليبقى له شعر يحلقه فى الحج، فان الحلاق فى تحلل الحج أفضل منه فى تحلل العمرة (قال النووى) وهذا دليل على أن التقصير أو الحلق نسك من مناسك الحج، وهذا هو الصحيح فى مذهبنا. وبه قال جماهير العلماء اهـ (وقوله ثم ليهل بالحج) معناه يحرم به في وقت الخروج

ص: 87

-[صفة أفعال القارن في الحج ومن أهدى وساق الهدى]-

إذا رجع إلى أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكَّة استلم الرُّكن أول شيءٍ ثمَّ خبَّ ثلاثة أطوافٍ من السَّبع ومشى أربعة أطوافٍ، ثمَّ ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثمَّ سلَّم فانصرف، فأتى الصَّفا فطاف بالصَّفا والمروة ثمَّ لم يحلل من شئٍ حرم منه حتَّى قضى حجَّه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت، ثمَّ حلَّ من كلِّ شئٍ حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدي وساق الهدى من النَّاس

(67)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظُّهر بالمدينة أربعًا وصلَّى العصر بذي الحليفة ركعتين وبات بها حتَّى

إلى عرفات، لا أنه يهل به عقب تحلل العمرة، ولهذا قال ثم ليهل. فأتى بثم التى هى للتراخى والمهلة (1) تقدم الكلام على ذلك فى شرح الحديث الشابق وسيأتى مستوفى فى أحكام باب التمتع (2) أى أسرع فى المشى عن المعتاد وفيه اثبات طواف القدوم واستحباب السرعة فى ثلاثة أطواف منه، وأنه يصلى ركعتى الطواف وأنهما يستحبان خلف المقام وقد سبق بيان هذا فى حديث جابر وسنذكره ان شاء الله تعالى بأوضح من هذا فى أبوابه الآتية (وقوله ثم لم يحلل من شاء حرم منه) معناه أن النبى صلى الله عليه وسلم بقى على إحرامه لم يحل كغيره لأنه كان قارنا والقارن لا يتحلل بالطواف والسعى. بل لا بد فى تحلله من الوقوف بعرفات والرمى والحلاق والطواف كما فى الحاج المفرد (تخريجه)(ق. د. نس. هق)

(67)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا خالد ثنا أيوب عن أبى قلابة عن أنس - الحديث" (غريبه)(3) أى أربع ركعات تامة بدون قصر لأنه لم يفارق البلد (4) انما صلى العصر ركعتين على سبيل القصر لأنه كان منشئا للسفر، وبين المدينة وذى الحليفة ستة أميال، ويقال سبعة، وهذا الحديث مما احتج به أهل الظاهر فى جواز القصر فى طويل السفر وقصيره، وقال الجمهور لا يجوز القصر الا فى سفر يبلغ مرحلتين (وقال أبو حنيفة) وطائفة شرطه ثلاث مراحل واعتمدوا فى ذلك آثارا عن الصحابة، وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لأن المراد أنه حين سافر صلى الله عليه وسلم الى مكة فى حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعًا ثم سافر

ص: 88

-[حديث أنس رضي الله عنه في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم]-

أصبح فلمَّا صلَّى الصُّبح ركب راحلته فلمَّا انبعثت به سبَّح وكبَّر حتَّى استوت به البيداء ثمَّ جمع بينهما فلما قدمنا مكَّة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوُّا فلمَّا كان يوم التَّروية أهلوُّا بالحجِّ ونحر رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سبع بدنات بيده قيامًا وضحَّى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بكبشين أقرنين أملحين

فأدركته العصر وهو مسافر بذى الحليفة فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره فلا دلالة فيه قطعًا، وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام أهله إن كان من أهل الخيام، هذا جملة القول فيه، أفاده النووى (قلت) تقدم تفصيل ذلك فى باب مسافة القصر فى الجزء الخامس صحيفة 100 (1) أى بات بذى الحليفة حتى دخل فى الصباح، قال العلماء وهذا المبيت ليس من سنن الحج، وإنما فعله صلى الله عليه وسلم رفقا بأمته ليلحق به من تأخر عنه فى السير ويدركه من لم يمكنه الخروج معه (2) أى فلما نهضت به قائمة أهل حينئذ بالحج وما زال يسبح ويكبر (حتى استوت به البيداء) أى حتى صارت به راحلته على البيداء، فالبيداء منصوب على نزع الخافض، وتقدم تفسيرها فى حديث جابر أول الباب، ونزيد هنا أنه مكان مرتفع معروف متصل بذى الحليفة، وقد جاء فى رواية النسائى من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وصعد جبل البيداء وأهل بالحج والعمرة (3) أى جمع بين الحج والعمرة فى التلبية، فقال لبيك عمرة وحجا، وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة الكثيرة؛ منها رواية النسائى المتقدمة. ومنها ما رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى بالحج والعمرة جميعًا يقول لبيك عمرو وحجا وغير ذلك كثير (4) أى أمر الناس الذين كانوا معه ولم يسوقوا الهدى بالتخلل فحلوا أى صاروا حلالا (5) برفع يوم لأن كان تامة فلا تحتاج إلى خبر، ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذى الحجة كما تقدم، وسمى بالتروية لأنهم كانوا يرددون دوابهم بالماء ويحملونه معهم أيضا فى الذهاب من مكة إلى عرفات (6) تقدم فى حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم نحر بيده ثلاثًا وستين، ولا منافاة لاحتمال أن أنسًا رضى الله عنه لم ير إلا ذلك العدد (7) أى أبيضين لكل واحد منهما قرنان حسنان، وذلك بالمدينة فى عيد الأضحى فى غير سنة حجه صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه أناب عنه من يذبحهما بالمدينة سنة حجة ضحية والله أعلم (تخريجه)(ق. د. نس)

ص: 89

-[بيان الحال التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع]-

(68)

عن أبي إسحاق بن سعيد عن أبيه قال صدرت مع ابن عمر يوم الصَّدر فمرَّت بنا رفقه يمانيَّة ورحالهم الأدم وخطهم إبلهم الجرر، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من أحبَّ أن ينظر إلى أشبه رفقةٍ وردت الحجَّ العام برسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وأصحابه إذ قدموا في حجَّة الوداع فلينظر إلى هذه الرُّفقة

(فصل منه في ذكر الأمكنة التى نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم والمساجد التي صلى فيها)

(فى طريقة بين المدينة ومكة فى حجة الوداع رواية نافع عن عبد الله بن عمر)

(69)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى قال قرأت على أبى قرَّة موسي بن طارق قال قال موسى بن عقبة وقال نافع كان عبد الله (يعني بن عمر)

(68) عن أبي إسحاق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا اسحاق بن سعيد عن أبيه - الحديث" (غريبه) (1) هو سعيد بن عمرو بن سعيد ابن العاص الأموى أبو عثمان بن أبى أحيحة الأشدق عن أبيه وابن عباس وابن عمر، وعنه ابناه اسحاق وخالد وشعبة، قال النسائى ثقة، قال الذهبى وفد على الوليد بن يزيد "خلاصة" (2) الصدر بالتحريك رجوع المسافر من مقصده، وسمى به اليوم الذى يعزم فيه الحاج على الرجوع إلى بلده بعد قضاء نسكه وهو المراد هنا (3) بضم الراء وكسرها جماعة ترافقك فى السفر (والرحال) جمع رحل وهو الذى تركب عليه الأبل كالسرج للفرس، قال فى الصحاح رحل البعير هو أصغر من القتب والجمع رحال اهـ (والأدم) بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوغ (4) جمع خطام ككتاب وكتب، وهو كل ما وضع فى أنف البعير ليقتاد به من أى شاء (والجرر) جمع جرير وهو حبل من أدم ويطلق على غيره، (5) المعنى أن هذه الرفقة هى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقت قدومهم فى حجة الوداع فى تواضعهم وأحوالهم ورحالهم وخطم ابلهم، يريد ابن عمر رضى الله عنهما أن يظهر لمن لم ير النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى عصره ما كانوا عليه من التقشف والتواضع ونحو ذلك والله أعلم (تخريجه)(د) مختصرا بسنده عن ابن عمر أنه رأى رفقة من أهل اليمن رحالهم الأدم فقال من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة كانوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هؤلاء، وسكت عنه المنذرى فهو صالح، وسنده عند الأمام أحمد جيد

(69)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(6) لفظ البخارى "وحدثنى نافع" ونافع

ص: 90

-[ذكر الأمكنة التي نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى فيها في طريق حجة الوداع]-

رضي الله عنهما إذا صدر من الحجِّ أو العمرة أناخ بالبطحاء التى بذي الحليفة (وأنَّ عبد الله) حدَّثه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرِّس بها حتَّى يصلِّى صلاة الصبح، قال موسي (وأخبرنى سالم) أنَّ عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فى معرّسه فقيل له إنَّك فى بطحاء مباركة، قال وقال (حدَّثنا نافع) أنَّ عبد الله بن عمر أخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّي حيث المسجد الصَّغير الذَّى دون المسجد الذى يشرف على الرَّوحاء، قال (وقال نافع) إنَّ عبد الله بن عمر حدثه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة عن يمين الطَّريق في مكان بطح سهل حيث يقضي من الأكمة

هو العدوي مولاهم أبو عبد الله المدنى أحد الأعلام عن مولاه ابن عمر وأبى لبابة وأبى هريرة وعائشة وخلق، وعنه ابناه أبو بكر وعمر وأيوب وابن جريج ومالك وخلائق، قال البخارى أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، قال حماد بن زيد مات عشرين ومائة "خلاصة"(1) أى رجع (والبطحاء) المسيل الواسع المجتمع فيه دقاق الحصى من مسيل الماء "وذى الحليفة" تقدم ضبطه وهو الميقات المشهور لأهل المدينة (وقوله وأن عبد الله) يعنى ابن عمر رضى الله عنهما (2) بمهملات مع تشديد الراء (والتعريس) نزول المسافر آخر الليل للاستراحة (ولفظ البخارى) كان ينزل بذى الحليفة حين يعتمر وفى حجته تحت سمرة فى موضع المسجد الذى بذى الحليفة (3) هو ابن عقبة. وسالم هو ابن عبد الله بن عمر (4) يعنى آتاه آت من قبل الله عز وجل فى هذا المكان وهو بطحاء ذى الحليفة فأخبره بذلك وفيه فضل هذا المكان وأنه مبارك (5) أى الذى هو فى أعلا مكان فى الروحاء (والروحاء) بفتح الراء مشددة وسكون الواو وبالحاء المهملة ممدودا اسم موضع فيه قرية جامعة على ليلتين من المدينة، بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا كما عند مسلم فى الأذان، ولابن أبى شيبة ثلاثون، وقد قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم هذا واد من أودية الجنة. وقد صلى فيه قبلى سبعون نبيا، ومر به موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام حاجا أو معتمرًا أفاده القسطلانى (6) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنه شجرة ضخمة. أى عظيمة (والرويثة) بضم الراء وبالمثلثة مصغرا قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر

ص: 91

-[ذكر الأمكنة التي نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى فيها في طريق حجة الوداع]-

دون بريد الرُّويثة بميلين وقد انكسر أعلاها وهي قائمة على ساقٍ (وقال نافع) إنَّ عبد الله بن عمر حدَّثه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى من وراء العرج وأنت ذاهب على رأس خمسة أميالٍ من العرج فى مسجدٍ إلى هضبةٍ عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة، على القبور رضم من حجارةٍ على يمين الطَّريق عن سلمات الطَّريق بين أولئك السَّلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشَّمس بالهاجرة فيصلِّى الظُّهر فى ذلك المسجد (وقال نافع) إنَّ عبد الله بن عمر حدَّثه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل تحت سرحةٍ (وفى لفظ سرحاتٍ) عن يسار الطَّريق في مسيلٍ دون هرشا، ذلك المسيل لاصق على هرشا (وفى لفظٍ لاصق بكراع هرشا) بينه وبين الطَّريق قريب من

فرسخا (وقوله فى مكان بطح) بفتح الباء الموحدة وسكون المهملة وكسرها أى واسع (وقوله حيث يفضى) أى يخرج صلى الله عليه وسلم (من الأكمة) بفتح الهمزة والكاف موضع مرتفع (1) أى بينه وبين المكان الذى ينزل فيه البريد بالرويثة سيلان. وقيل المراد بالبريد سكة الطريق (وقوله وقد انكسر اعلاها) يعنى الشجرة المعبر عنها بالسرحة (وهى قائمة على ساق) يعنى كالبنيان ليست متسعة من أسفل (2) بفتح العين وسكون الراء المهملتين آخره جيم. قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلا (3) بفتح الهاء وسكون الضاد المعجمة جبل منبسط على وجه الأرض أو ما طال واتسع وانفرد من الجبال (4) بفتح الراء وسكون المعجمة، وللأصيلى رضم بفتحها أى صخور بعضها فوق بعض (5) بفتح اللام جمع سلمة بالفتح، وهو شجر من العضاه ورقه القرظ الذى يدبغ به، وبه سمى الرجل سلمة. ويجوز أن يكون بكسر اللام جمع سلمة. بالكسر وهى الحجر، وهذه رواية الأصيلى وأبى ذر للبخارى، وبالفتح رواية غيرهما، وأضيفت السلمات إلى الطريق لأنها فى المكان الذى يتفرع عن جوانبه (6) أى نصف النهار عند اشتداد الحر (7) بفتح الراء جمع سرحة بفتح السين وسكون الراء، تقدم تفسيرها وهى الشجرة الضخمة العظيمة (وقوله فى مسيل) بفتح الميم وكسر المهملة مكان منحدر (دون هرشا) بفتح الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة مقصور. جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفة

ص: 92

-[ذكر الأمكنة التي نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى فيها في طريق حجة الوداع]-

غلوة سهمٍ (وقال نافع) إنَّ عبد الله بن عمر حدَّثه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذى طوًي يبيت به حتَّى يصلِّي صلاة الصُّبح حين قدم إلى مكَّة، ومصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على أكمةٍ غليظة ليس فى المسجد الذَّي بنى ولكن أسفل من ذلك على أكمةٍ خشنةٍ غليظةٍ (قال وأخبرنى) أنَّ عبد الله بن عمر أخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتى الجبل الطَّويل الَّذي قبل الكعبة فجعل المسجد الَّذي بنى يسار المسجد بطرف الأكمة ومصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أسفل منه على الأكمة السوداء، يدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها، ثمَّ يصلِّي مستقبل الفرضتين من الجبل الطَّويل الذي بينه وبين الكعبة

وفي لفظ (لاصق بكراع هرشا) بضم الكاف أى بطرف هرشا (1) بفتح الغين المعجمة غاية بلوغ السهم. أو أمد جرى الفرس (2) بضم الطاء موضع بمكة، قال القسطلانى ولأبى ذر عن الكشميهنى طوى بكسرها وعزاه العينى كابن حجر للأصيلى، وله فى الفرع كأصله طوى بفتحها، ولأبى ذر بذى الطوى بزيادة "أل" مع كسر الطاء والمد، وعزا العينى كابن حجر زيادة الألف واللام للحموى والمستملى، وحكيا فتح الطاء عن عياض وغيره، وهو الذى فى الفرع. وليس فيه ضم التاء البتة اهـ (3) بفتحات موضع مرتفع على ما حوله. أو تل من حجر واحد (وقوله غليظة) أى عظيمة كما فى رواية (4) بضم الفاء وسكون الراس وفتح الضاد المعجمة مدخل الطريق الى الجبل (وقوله قبل الكعبة) بكسر القاف وفتح الموحدة أى ناحيتها (5) قال العينى قوله فجعل. الظاهر أنه من كلام نافع وفاعله عبد الله "ويسار" مفعول ثان (وقوله بطرف الأكمة) صفة للمسجد الثانى اهـ (6) بالنصب على الظرفية أو بالرفع خبر مبتدأ (تخريجه)(خ) وقد ذكر الحافظ عقب شرحه لهذا الحديث (تنبيهات) فقال رحمه الله تعالى (الأول) اشتمل هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان فى مسنده مفرقة من طريق اسماعيل بن أبى أويس عن أنس بن عياض يعيد الأسناد فى كل حديث إلا أنه لم يذكر الثالث، وأخرج مسلم منها الحديثين الأخيرين فى كتاب الحج (الثانى) هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجد ذي الحليفة،

ص: 93

-[ذكر المساجد التي كانت بالمدينة غير مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وما بقى منها]-

والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية، وقد وقع فى رواية الزبير بن بكار فى أخبار المدينة من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر فى هذا الحديث زيادة بسط فى صفة تلك المساجد، وفى الترمذى من حديث عمر بن عوف أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى وادي الروحاء وقال لقد صلى فى هذا المسجد سبعون نبيًا (الثالث) عرف من صنيع ابن عمر استحباب تتبع آثار النبى صلى الله عليه وسلم والتبرك بها (وقد قال البغوى من الشافعية) إن المساجد التى ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيها لو نذر أحد الصلاة فى شاء منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة (الرابع) ذكر البخارى المساجد التى فى طرق المدينة ولم يذكر المساجد التى كامن بالمدينة لأنه لم يقع له إسناد فى ذلك على شرطه، وقد ذكر عمرو بن شبة فى أخبار المدينة المساجد والأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة مستوعبا، وروى عن أبى غسان عن غير واحد من أهل العلم أن كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبنى بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم. وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس وهم يومئذ متوافرون عن ذلك؛ ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة اهـ. وقد عين عمرو بن شبة منها شيئا كثيرا، لكن أكثره فى هذا الوقت قد اندثر وبقى من المشهورة الآن مسجد قباء. ومسجد القضيخ. وهو شرقى مسجد قباء. ومسجد بنى قريظة. ومشربة أم ابراهيم وهى شمال مسجد بنى قريظة. ومسجد بنى ظفر. شرقى البقيع ويعرف بمسجد البغلة. ومسجد بنى معاوية ويعرف بمسجد الأجابة. ومسجد الفتح قريب من جبل سلع. ومسجد القبلتين فى بنى سلمة. هكذا أثبته بعض شيوخنا. اهـ ما نقله الحافظ (زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة وساق الهدى وقال من لم يقلد الهدى فليجعلها عمرة، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن أبى أوفى) رضى الله عنه قال إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعد ذلك (بز. طب. طس) وفيه يزيد بن عطاء وثقه الأمام أحمد وغيره وفيه كلام (وعن أبى داود) يعنى الأنصارى المازنى رضى الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جئنا ذا الحليفة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فصلى ركعتين ثم أحرم فى دبر الصلاة بحج وعمرة معًا (طس) وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصارى ضعفه البخارى وغيره. ووثقه الحاكم. وفيه أيضًا جماعة لم أعرفهم ولم يسمعوا (وعن عائشة) رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع لولا أهديت لحللت. وكان أهل بعمرة وحج - قلت هو فى الصحيح خلا قولها وكان أهل بعمرة وحج (طس) ورجاله ثقات رجال الصحيح (وعن البراء بن عازب) رضى الله عنه قال كنت مع على حين أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على

ص: 94

-[كلام العلماء في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بين مختلف الروايات]-

.....

اليمن فأصبت معه أواقىّ، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة قد نضحت البيت بنضوح "أى طيبته بطيب" فقالت مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال قلت لها إني أهللت بأهلال النبى صلى الله عليه وسلم، قال فأنى سقت الهدى وقرنت، وقال لأصحابه لو أني استقبلت من أمرى ما استدبرت لفعلت كما فعلتم، ولكنى قد سقت الهدى وقرنت، فقالت انحر من البدن سبعا وستين. أو ستا وستين وأمسك لنفسك ثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين وأمسك من كل بدنة بضعة - قلت للبراء حديث فى الصحيح بغير هذا السياق وليس فيه ذكر القران والله أعلم، أورد هذه الزوائد الحافظ الهيثمى وتعقب كل حديث بما فيه جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد (منها) ما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قارنًا (ومنها) ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا، وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة، وأما النهى الوارد عن عمر وعثمان رضى الله عنهما عن التمتع فسيأتى الكلام عليه وتوضيح معناه فى باب ما جاء فى التمتع بالعمرة إلى الحج ان شاء الله تعالى (ومعنى الأفراد) أن يحرم بالحج فى أشهره ويفرغ منه ثم يعتمر (والتمتع) أن يحرم بالعمرة فى أشهر الحج ويفرغ منه ثم يحج من عامه (والقران) أن يحرم بهما جميعا، وكذا لو أحرم بالعمرة وأحرم بالحج قبل طوافها صح وصار قارنًا، (وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم حج قرانًا) عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر. وعائشة. والبراء بن عازب. وعلى. وعمران بن حصين. وأبو قتادة. وسراقة بن مالك. وأبو طلحة. والهرماس ابن زياد الباهلى. وابن أبى أوفى. وأبو سعيد. وجابر. وأم سلمة. وحفصة. وسعد بن أبى وقاص. وأنس بن مالك رضى الله عنهم (وأما حجه صلى الله عليه وسلم تمتعًا) فروى عن عائشة وابن عمر. وعلى. وعثمان. وابن عباس. وسعد بن أبى وقاص (وأما حجه صلى الله عليه وسلم إفرادا) فروى عن عائشة وابن عمر وجابر وكلها أحاديث صحيحة، إلا أن بعضها ليس على ظاهره بل يحتاج إلى تأويل، وستأتى كل هذه الأحاديث فى أبواب الأفراد والقران والتمتع (قال النووى رحمه الله ولقد اختلفت روايات أصحابه رضى الله عنهم فى صفة حجة النبى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، هل كان قارنا أم مفردا أم متمتعًا؟ وقد ذكر البخارى ومسلم رواياتهم كذلك، وطريق الجمع بينها أنه صلى الله عليه وسلم كان أولا مفردا ثم صار قارنا، فمن روى الأفراد فهو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوى وهو الانتفاع والارتفاق، وقد ارتفق بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة فى الاقتصار على فعل واحد، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث كلها، وقد جمع بينها أبو محمد بن حزم الظاهرى فى كتاب صنفه فى حجة الوداع خاصة، وادعى أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وتأول باقي الأحاديث، والصحيح

ص: 95

-[أدلة القائلين بأنه صلى الله عليه وسلم كان مفردا في حجته - وكلام القاضى عياض في ذلك]-

.....

ما سبق (يعني أنه كان أولا مفردا ثم صار قارنا) قال واحتج الشافعى وأصحابه فى ترجيح الأفراد بأنه صح ذلك من رواية جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة، وهؤلاء لهم مزية فى حجة الوداع على غيرهم (فأما جابر) فهو أحسن الصحابة سياقة لرواية حديث حجة الوداع فانه ذكرها من حين خروج النبى صلى الله عليه وسلم من المدينة الى آخرها فهو أضبط لها من غيره (وأما ابن عمر) فصح عنه أنه كان آخذا بخطام ناقة النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع، وأنكر على من رجح قول أنس على قوله، وقال كان أنس يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس وإنى كنت تحت ناقة النبى صلى الله عليه وسلم يمسنى لعابها أسمعه يلبى بالحج (وأما عائشة) فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف، وكذلك اطلاعها على باطن أمره وظاهره وفعله فى خلوته وعلانيته مع كثرة فقهها وعظم فطنتها (وأما ابن عباس) فمحله من العلم والفقه فى الدين والفهم الثاقب معروف مع كثرة بحثه وتحفظه أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم التى لم يحفظها غيره، وأخذه إياها من كبار الصحابة (ومن دلائل ترجيح الأفراد) أن الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم بعد النبى صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وأفردوا الحج وواظبوا على إفراده، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم واختلف فعل على رضى الله عنه، ولم يكن الأفراد أفضل وعلموا أن النبى صلى الله عليه وسلم حج مفردا لم يواظبوا عليه مع أنهم الأئمة الأعلام وقادة الأسلام، ويقتدى بهم فى عصرهم وبعدهم، فكيف يليق بهم المواظبة على خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخلاف عن على رضى الله عنه وغيره فانما فعلوه لبيان الجواز. وقد ثبت فى الصحيح ما يوضح ذلك (ومنها) أن الأفراد لا يجب فيه دم بالأجماع وذلك لكماله، ويجب الدم فى التمتع والقران وهو دم جبران لفواة الميقات وغيره فكان ما لا يحتاج إلى جبر أفضل اهـ (قلت) وأجاب الطحاوى عن ذلك بأن هذا مبنى على أن دم القران دم جبران، وقد منعه من رجح القران وقال إنه دم فضل وثواب كالأضحية، ولو كان دم نقص لما تام الصيام مقامه ولأنه يؤكل منه، ودم النقص لا يؤكل منه كدم الجزاء (وقال القاضى عياض) رحمه الله قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ومن مطيل مكثر ومن مقصر مختصر، قال وأوسعهم فى ذلك نفسا أبو جعف الطحاوى الحنفى فانه تكلم فى ذلك فى زيادة على ألف ورقة، وتكلم معه فى ذلك أبو جعفر الطبرى ثم أبو عبد الله بن أبى صفرة ثم المهلب. والقاضى أبو عبد الله بن المرابط. والقاضى أبو الحسن بن القصار البغدادى والحافظ أبو عمرو بن عبد البر وغيرهم (قال القاضى عياض) وأولى ما يقال فى هذا على ما فحصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم مما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها ولو أمر بواحد

ص: 96

-[جمع القاضي عياض بين مختلف الروايات في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وحجج القائلين بالقرآن]-

.....

لكان غيره يظن أنه لا يجزاء فأضيف الجميع اليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبى صلى الله عليه وسلم إما لأمره به وإما لتأويله عليه (وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه) فأخذ بالأفضل فأحرم مفردا للحج وبه تظاهرت الروايات الصحيحة (وأما الروايات بأنه كان متمتعًا) فمعناها أمر به (وأما الروايات بأنه كان قارنا) فأخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه، بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدى، وكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه هدى فى آخر احرامهم قارنين بمعنى أنهم أدخلوا العمرة على الحج؛ وفعل ذلك مواساة لأصحابه وتأنيسا لهم فى فعلها فى أشهر الحج لكونها كانت منكرة عندهم فى أشهر الحج ولم يمكنه التحلل معهم بسبب الهدى، واعتذر اليهم بذلك فى ترك مواساتهم فصار صلى الله عليه وسلم قارنا فى آخر أمره، وقد اتفق جمهور العلماء على جواز ادخال الحج على العمرة، وشذ بعض الناس فمنعه وقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة (واختلفوا) فى إدخال العمرة على الحج فجوزه أصحاب الرأى (وهو قول الشافعى) لهذه الأحاديث، ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصا بالنبى صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ فى أشهر الحج؛ قال وكذلك يتأول قول من قال كان متمتعا أى تمتع بفعل العمرة فى أشهر الحج وفعلها مع الحج، لأن لفظ التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت، قال ولا يبعد رد ما ورد عن الصحابة من فعل مثل ذلك الى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج مفردا، فيكون الأفراد إخبارا عن فعلهم أولا، والقران اخبارا عن احرام الذين معهم هدى بالعمرة ثانيا، والتمتع لفسخهم الحج الى العمرة ثم اهلالهم بالحج بعد التحلل منها كما فعل كل من لم يكن معه هدى اهـ (قال الحافظ) وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق اليه قديما ابن المنذر وبيَّنه ابن حزم فى حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبرى تمهيدا بالغا يطول ذكره، ومحصله أن كل من روى عنه الأفراد حمل على ما أهل به فى أول الحال، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه الأمر (ورجح الحافظ رواية من روى القران) بأمور يطول ذكرها (منها) أن أحاديثه مشتملة على زيادة عن من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت من مخرج صحيح فكيف اذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة "وتقدم فى ذكرهم فى أول الأحكام"(ومنها) أن من روى الأفرد والتمتع اختلف عليه فى ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى الله عليه وسلم حج قرانا (ومنها) أن روايات القران لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد والتمتع فانها تحتمله (ومنها) أن رواة القران أكثر كما تقدم (ومنها) أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا، وفيهم من أخبر عن أخباره صلى الله عليه وسلم

ص: 97

-[جمع الحافظ ابن تيمية بين مختلف روايات الأفراد والقران والتمتع - ومذاهب العلماء في تفضيل أيها]-

.....

بأنه فعل ذلك، وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك (ومنها) أن النسك الذى هو أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه، وقد جمع شيخ الأسلام الحافظ ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله، إن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا، وكل من روى الأفراد قد روى أنه صلى الله عليه وسلم حج تمتعًا وقرانا فيتعين الحمل على القران، وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منها وأتى بالعمرة اهـ (وقد اختلف العلماء) فى هذه الأنواع الثلاثة أيها أفضل، فذهب جماعة من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة واسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم المزنى وابن المنذر وأبو اسحاق المروزى وتقى الدين السبكى الى أن القران أفضل (وذهب جماعة) من الصحابة والتابعين وجماعة من الشافعية وغيرهم إلى أن الأفراد أفضل (وذهب جماعة) من الصحابة والتابعين أيضا ومن بعدهم كالأمامين (مالك وأحمد) إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه وسلم تمناه فقال "لولا أنى سقت الهدى لأحللت" ولا يتمنى إلا الأفضل (قال الحافظ) وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبًا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته، وإلا فالأفضل ما اختاره الله له واستمر عليه قال (وقال ابن قدامة يترجح التمتع) بأن الذى يفرد إن اعتمر بعدها فهى عمرة مختلف فى إجزائها عن عمرة الأسلام بخلاف عمرة التمتع فهى مجزئة بلا خلاف، فيترجح التمتع على الأفراد ويليه القران (وقال من رجح القران) هو أشق من التمتع وعمرته مجزئة بلا خلاف فيكون أفضل (قلت وقال من رجح الأفراد) إن الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم أفردوا الحج وواظبوا على ذلك، فلو لم يكن أفضل لم يواظبوا عليه، وتقدم ذلك فى أول الأحكام (قال الحافظ) وحكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة فى الفضل سواء، وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة فى صحيحه (وعن أبى يوسف) القران والتمتع فى الفضل سواء أوهما أفضل من الأفراد (وعن أحمد) من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبى صلى الله عليه وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر أصحابه، زاد بعض أتباعه، ومن أراد أن ينشاء لعمرته من بلده سفرا فالأفراد أفضل له، قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة (فمن قال الأفراد أفضل) فعلى هذا يتنزل لأن أعمال سفرين للنسكين أكثر مشقة فيكون أعظم أجرا ولتجزاء عنه عمرته من غير نقص ولا اختلاف، أفاده الحافظ (واختاره الشوكانى) ما ذهب اليه الأمام أحمد لاحتجاجه بما اتفق عليه من حديث جابر وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة (قال الشوكانى) وهذا هو الحق، فانه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى الله عليه وسلم لأفضل الخلق وخير القرون، وأما ما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال

ص: 98

-[جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد - والتحذير من مجاوزته إلى ما يجر إلى مفسدة]-

.....

كذلك تطييبًا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد، لأن المقام مقام تشريع للعباد، وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه والأمر على خلاف ذلك، وهل هذا إلا تغرير يتعالى عنه مقام النبوة، قال وبالجملة لم يوجد فى شاء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غير هذا الحديث، فالتمسك به متعين. ولا ينبغى أن يلتفت إلى غيره من المرجحات فانها فى مقابلته ضائعة اهـ (هذا وأحاديث الفصل) المروية عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما تدل على استحباب النزول فى الأماكن التى نزل فيها النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصلاة فى المساجد التى صلى فيها فى طريقه بين مكة والمدينة فى حجة الوداع تبركا بأثره الشريف كما كان يفعل ابن عمر رضى الله عنهما، فقد كان يستحب التببع لآثار النبى صلى الله عليه وسلم والتبرك بها إلا ما ورد النهى عنه كاتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، والاستغاثة بأصحاب تلك القبور من ضر نزل به أو طلب منفعة تعود عليه كما يفعل كثير من الناس الآن، فان هذا إشراك بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فالله وحده هو الضار النافع لا يشاركه فى ذلك أحد مهما علت درجته، قال تعالى مخاطبا أفضل خلقه {قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء. إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} فواجب على العلماء أن يعلموا العوام هذه العقيدة ويغرسوها فى قلوبهم، وإلا كانوا كعلماء بنى إسرائيل الذين لعنهم الله فى كتابه العزيز بقوله عز وجل {لعن الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون} إذا علمت هذا فلا بأس بالنزول فى الأمكنة التى نزل بها النبى صلى الله عليه وسلم وصلى فيها اقتداء به، ولكن على شرط أن لا يجر ذلك إلى اعتقاد وجوبه؛ فقد روى شعبة عن سليمان التيمى عن المعرور بن سويد قال كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى سفر فصلى الغداة ثم أتي على مكان فجعل الناس يأتونه ويقولون صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال عمر إنما هلك أهل الكتاب أنهم كانوا اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوا كنائس وبيعًا؛ فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض، وإنما كره عمر رضى الله عنه ذلك لأنه خشى أن يلتزم الناس فى الصلاة فى تلك المواضع فيشكل ذلك على من يأتى بعدهم ويرى ذلك واجبا، وكذا ينبغى للعالم إذا رأى الناس يلتزمون النوافل التزاما شديدا أن يترخص فيها فى بعض المرات ليعلم بفعله ذلك أنها غير واجبة كما فعل ابن عباس فى ترك الأضحية، وروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة فى المواضع التى صلى فيها الشارع فقال ما يعجبني ذلك إلا في

ص: 99

-[سبب مشروعية الرمَل في طواف القدوم]-

(6)

باب ما رواه أبو الطفيل عن ابن عباس رضى الله عنهما فى أسباب بعض أعمال الحج

(70)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا سريج ويونس قالا ثنا حمَّاد يعنى ابن سلمة عن أبى عاصم الغنويِّ عن أبى الطُّفيل قال قلت لابن عباسٍ يزعم قومك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأنَّ ذلك سنَّة، قال صدقوا او كذبوا قلت وما صدقوا وكذبوا؟ قال صدقوا. رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت، وكذبوا. ليس بسنَّةٍ إنَّ قريشًا قالت زمن الحديبية دعوا محمَّدًا وأصحابه حتَّى يموتوا موت النَّغف فلمَّا صالحوه على أن يقدموا من العام المقبل ويقيموا بمكَّة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ارملوا بالبيت ثلاثًا وليس بسنَّةٍ،

مسجد قباء لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكبًا وماشيًا ولم يفعل ذلك فى تلك الأمكنة، فرحم الله الأمام مالك فقد بنى مذهبه على سد الذرائع، وهذا أسلم والله أعلم

(70)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) قال المنذرى أبو الطفيل هو عامر ابن واثلة، وهو آخر من مات من الصحابة رضى الله عنهم وأبو عاصم الغنوى لا يعرف اسمه (2) يعنى فى طواف القدوم، وتقدم معنى الرمل (3) يعنى صدقوا فى أن النبى صلى الله عليه وسلم فعله وكذبوا فى قولهم إنه سنة مقصودة متأكدة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يجعله سنة مطلوبة دائما على تكرار السنين، وإنما أمر به تلك السنة لأظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى، هذا معنى كلام ابن عباس (4) قال النووى رحمه الله هذا الذى قاله (يعنى ابن عباس) رضى الله عنهما من كون الرمل ليس سنة مقصودة هو مذهبه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ومن بعدهم فقالوا هو سنة فى الطوفات الثلاث من السبع، فان تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة، ويصح طوافه ولا دم عليه اهـ (5) بفتح النون والغين المعجمة وفاء، دود يكون فى أنوف الأبل والغنم، واحدتها نغفة يقال للرجل إذا استحقر واستضعف ما هو إلا نغفة، يعنى أنهم قالوا ذلك احتقارًا للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم كانوا إذ ذاك قليلوا العدد والعدد، ولم يعلموا أن الله عز وجل ناصر نبيه صلى الله عليه وسلم (6) بصيغة التصغير جبل مشرف على الحرم من جهة الغرب (وفى رواية أخرى) للأمام أحمد "والمشركون على جبل

ص: 100

-[سبب مشروعية السعى بين الصفا والمروة وحكم الركوب فيه]-

قلت ويزعم قومك أنَّه طاف بين الصَّفا والمروة على بعير وأنَّ ذلك سنَّة، فقال صدقوا وكذبوا فقلت وما صدقوا وكذبوا؟ فقال صدقوا قد طاف بين الصَّفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنَّةٍ، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه ولا تناله أيديهم، قلت ويزعم قومك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصَّفا والمروة وأنَّ ذلك سنَّةٌ، قال صدقوا إنَّ إبراهيم لمَّا أمر بالمناسك عرض له

قيقعان، فبلغه أنهم يتحدثون أن بهم هزالا فأمر بهم أن يرملوا ليريهم أن بهم قوة، وكان ذلك فى عمرة القضاء، وجاء أصرح من هذا فى رواية أخرى لمسلم والأمام أحمد وستأتى فى باب طواف القدوم والرمل الخ. عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، قال فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، قال فأطلع الله النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك فأمر أصحابه أن يرملوا وقعد المشركون ناحية الحجر ينظرون اليهم، فرملوا ومشوا ما بين الركنين، قال فقال المشركون هؤلاء الذين تزعمون أن الحمى وهنتهم، هؤلاء أقوى من كذا وكذا ذكروا قولهم، قال ابن عباس فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم (1) أى صدقوا فى أنه صلى الله عليه وسلم طاف راكبا، وكذبوا فى أن الركوب أفضل. بل المشى أفضل، وإنما ركب صلى الله عليه وسلم لشدة ازدحام الناس عليه وسؤالهم إياه عن أحكام المناسك، وكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أن لا يدفع قاصده ولا يضرب الناس بين يديه كما يفعل الملوك والعظماء، فدفعا لما يحصل من ضرر الزحام ركب صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قوله كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الياء التحتية مبنى للمجهول وكذا قوله ولا يصرفون، وفى لفظ لمسلم "قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب والمشى والسعى أفضل"(2) أى ما يلقيه عليهم من المواعظ وتعليم الأحكام (ولا تناله أيديهم) أى لأن كل سائل يريد أن يلفته اليه بمدّ يده عليه، وفى هذا إيذاء له صلى الله عليه وسلم، فمن أجل ذلك ركب والله أعلم (قال النووى) وهذا الذى قاله ابن عباس مجمع عليه، أجمعوا على أن الركوب فى السعى بين الصفا والمروة جائز وأن المشى أفضل منه إلا لعذر (3) أقرّ ابن عباس رضى الله عنهما هذا السؤال ولم

ص: 101

-[سبب مشروعية رمي الجمرات - وأن الذبيح اسماعيل على الأرجح]-

الشيطان عند السَّعي فسابقه فسبقه إبراهيم، ثمَّ ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة فعرض له شيطان (وفي لفظٍ الشيَّطان) فرماه بسبع حصيات حتَّى ذهب، ثمَّ عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات قال قد تلَّه للجبين (وفى لفظ وثمَّ تلَّه للجبين) وعلى إسماعيل قميص أبيض، وقال يا أبت إنَّه ليس لى ثوب تكفِّننى فيه غيره؛ فاخلعه حتَّى

يكذبه، لأن السعى بين الصفا والمروة مشروع بنص القرآن. قال تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطَّوَّف بهما} وهو من أركان الحج عند الجمهور، ثم ذكر ابن عباس للسائل سبب مشروعية السعى وهو أن ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما أمره الله بأداء مناسك الحج وذبح أحد ولديه قربانا لله تعالى عقب مناسك الحج، والراجح أنه اسماعيل كما صرح بذلك فى هذا الحديث، اعترضه الشيطان ليفسد عليه عبادته ففر منه ابراهيم تخلصا من شره، فتبعه الشيطان مسرها فأسرع ابراهيم فسبقه وكان ذلك بين الصفا والمروة (1) هذا اللفظ ليونس أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث. يعنى أن الشيطان عرض له مرة ثانية يريد إفساد عبادته فرماه ابراهيم بسبع حصيات حتى ذهب عنه، ثم عرض له مرة ثالثة عند الجمرة الوسطى فرمان بسبع حصيات أيضا ليدفعه عن نفسه، والظاهر أن اسماعيل كان مع أبيه ابراهيم فى ذاك الوقت؛ وقد استحضره ابراهيم عليه السلام استعدادا لتنفيذ ما أمره الله به من ذبحه، وقد حاول الشيطان منعه بكل الوسائل فلم يفلح، ففى الرواية للبغوى أن الشيطان أقبل على ابراهيم عليه السلام فقال له أين تريد أيها الشيخ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لى فيه، قال والله انى لأرى الشيطان قد جاءك فى منامك فأمرك بذبح ابنك هذا، فعرفه ابراهيم عليه السلام فقال اليك عنى يا عدو الله فوالله لأمضين أمر ربى، فرجع ابليس بغيظه (2) زاد البغوى هنا فى رواية "حتى ذهب حتى أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم مضى ابراهيم لأمر الله عز وجل"(3) بفتح الثاء المثلثة أى وهناك تله للجبين، وهذا اللفظ ليونس أيضا "ومعنى تله للجبين" أى صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه (قال ابن عباس) رضى الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة "وتله للجبين" أى أكبه على وجهه (4) الظاهر أنه أراد بخلع القميص عدم تلوثه

ص: 102

-[سبب مشروعية الهدي والتضحية - وتعليم جبريل ابراهيم عليهما السلام مناسك الحج]-

تكفِّنني فيه، فعالجه ليخلعه فنودى من خلفه أن يا إبراهيم قد صدَّقت الرُّؤيا فالتفت إبراهيم فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين، قال ابن عبَّاس لقد رأيتنا نتَّبع هذا الضَّرب من الكباش (قال) ثمَّ ذهب به جبريل إلى الجمرة القوصى، فعرض له الشَّيطان فرماه بسبع حصيات حتَّى ذهب، ثمَّ ذهب به جبريل إلى منيً قال هذا منًى (وفي لفظٍ هذا مناخ النَّاس) ثمَّ أتى به جمعًا؛ فقال هذا المشعر الحرام، ثمَّ ذهب به إلى عرفة؟ فقال ابن عبَّاس هل تدري لم سمِّيت عرفة؟ قلت لا، قال إنَّ جبريل قال لإبراهيم عرفت (وفى لفظ هل عرفت؟) قال نعم، قال ابن عبَّاس فمن ثمَّ سمِّيت عرفة؟ ثمَّ قال هل تدرى كيف كانت التلبية؟ قلت وكيف كانت؟ قال إنَّ إبراهيم لمَّا أمر أن يؤذِّن فى النَّاس بالحجِّ خفضت له الجبال رءوسها

بالدم ليكون عند التكفين نظيفًا طاهرا والله أعلم (1) أى قد حصل المقصود من رؤياك باضجاعك ولدك للذبح وامتثالك أمر ربك، وذكر السدى وغيره أنه أمرَّ السكين على رقبته فلم تقطع شيئا بل حال ببنها وبينه صفيحة من نحاس ونودى ابراهيم عند ذلك قد صدَّقت الرؤيا (2) أى له قرنان حسنان (أعين) أى واسع العين (3) أى نطلب هذا الصنف المتصف بذلك لأجل الضحية (4) هذا اللفظ ليونس أيضا وهو بضم الميم موضع الأناخة لأن الناس يبيتون بها فينيخون إبلهم (وقوله ثم أتى جمعًا) بفتح الجيم يعنى المزدلفة، وسميت جمعًا لاجتماع الناس بها أو لكونهم يجمعون فيها بين صلاتى المغرب والعشاء جمع تأخير وتقدم معنى تسميتها بالمزدلفة (5) المشعر. واحد المشاعر. هى المعالم الظاهرة، وإنما سميت المزدلفة المشعر الحرام لأنها داخل الحرم (6) روى عبد الرزاق أخبرنى ابن جريج قال قال ابن المسيب قال على بن أبى طالب (رضى الله عنه) بعث الله جبريل عليه السلام إلى ابراهيم صلى الله عليه وسلم فحج به حتى إذا أتى عرفة قال عرفت وكان قد أتاها مرة قبل ذلك، فلذلك سميت عرفة، وقال ابن المبارك عن عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء قال إنما سميت عرفة أن جبريل عليه السلام كان يرى إبراهيم المناسك فيقول عرفت عرفت، فسميت عرفات

ص: 103

-[سبب مشروعية التلبية تأذين ابراهيم في الناب بالحج]-

ورفعت له القرى فأذَّن في النَّاس بالحجِّ

(1) روى ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس. ومجاهد. وعكرمة. وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف أن الله عز وجل أمر ابراهيم أن يؤذن فى الناس بالحج. أى ينادى فى الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذى أمره الله ببنائه، فذكر أنه قال يا رب كيف أبلغ الناس وصوتى لا ينفذهم، فقال نادو علينا البلاغ فقام على مقامه "أى مقام ابراهيم" وقيل على الحجر، وقيل على الصفا. وقيل على أبى قبيس، وقال يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه، فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض وأسمع من فى الأرحام والأصلاب وأجابه كل شاء سمعه من حجر ومدر وشجر ومن كتب الله أن يحج إلى يوم القيامة "لبيك اللهم لبيك"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات اهـ (قلت) روى مسلم وأبو داود منه الجزء المختص بالطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة من حديث الطفيل عن ابن عباس أيضا (وللأمام أحمد رواية أخرى) مختصرة "عن ابن عباس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل ذهب بابراهيم عليه السلام الى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى الجمرة القصوى فرماه بسبع حصيات فساخ، فلما أراد ابراهيم أن يذبح اسحاق قال يا أبت أوثقنى لا اضطرب فينضح عليك دمى اذا ذبحتنى، فشده، فلما أحد الشفرة وأراد أن يذبحه نودى من خلفه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا" فى هذه الرواية أن الذبيح اسحاق، ولكن فى اسنادها عطاء بن السائب وقد اختلط (زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال جاء جبريل الى النبى صلى الله عليه وسلم ليريه المناسك فانفرج له ثبير فدخل منى فأراه الجمار ثم أراه جمعا، وأراه عرفات، فلما كان عند الجمرة نبع له ابليس (أى خرج له من الأرض كما يخرج الماء من العين) فرماه بسبع حصيات فساخ (أى غاص فى الأرض) ثم نبع له حتى ذكر جمرة العقبة فساخ فذهب (وفى رواية عن ابن عباس أيضا) قال انطلق جبريل عليه السلام بالنبى صلى الله عليه وسلم ليريه المناسك فأتى به جمرة العقبة فاذا إبليس عليها فأمره فرماه بسبع حصيات فساخ فى الأرض، ثم أتى الجمرة الوسطى فاذا هو بابليس فأمره فرماه بسبع حصيات فساخ فى الأرض، ثم أتي الثالثة فقال مثل ذلك، ثم أتى جمعا ثم لبى من عرفات، أورده الهيثمى وقال رواه كله الطبرانى فى الكبير وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط (الأحكام) اشتمل هذا الباب على ذكر أسباب شاء كثير من أفعال الحج، فذكر فيه سبب الرمل فى طواف القدوم والسعى بين الصفا والمروة

ص: 104

-[بيان مواقيت الإحرام المكانية وتحديد ذى الحليفة والجحفة]-

(أبواب الاحرام ومواقيته وصفته واحكامه)

(1)

باب مواقيت الاحرام المكانية

(71)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لأهل المدينة ذا الحلِّيفة ولأهل الشَّام

والركوب فيه (وفيه أيضا) سبب رمى الجمرات الثلاث والمبيت بمنى والوقوف بالمزدلفة (وفيه أيضا) سبب تسمية عرفة بعرفة وسبب التلبية، أما أحكام هذه الأفعال ومذاهب الأئمة فيها فستأتى مفصلة فى أبوابها ان شاء الله تعالى والله الموفق

(71)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ثنا يزيد أنا حماد ابن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (1) قال القاضى عياض وقت أى حدَّد (وقال الحافظ) أصل التوقيت أن يجعل للشاء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا، قال ابن الأثير التأقيت أن يجعل للشاء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة، يقال وقت الشاء بالتشديد يؤقته، ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته، ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات (وقال الشوكانى) المراد بالتوقيت هنا التحديد، ويحتمل أن يريد به تعليق الأحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر (وقال ابن دقيق العيد) إن التأقيت فى اللغة تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد والتعيين، وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقد يكون وقَّت بمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى {ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (2) أى النبوية ومن سلك طريق سفرهم ومر على ميقاتهم (وقوله ذا الحليفة) مفعول وقت وهو تصغير حلفة، نبت معروف. وهى قرية خربة وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب. وبئر يقال لها بئر على، وقال فى القاموس هو ماء لبنى جشم على ستة أميال (يعنى من المدينة) وصححه النووى، وقول من قال كابن الصباغ فى الشامل والرويانى فى البحر إنه على ميل من المدينة وهم يرده الحس (3) أى من العريش إلى نابلس، وقيل إلى الفرات ومن سلك طريقهم (الجحفة) بضم الجيم واسكان الحاء المهملة وفتح الفاء قرية على ستة أميال من البحر وثمان مراحل من المدينة، ومن مكة خمس مراحل أو ستة أو ثلاثة، قال ابن الكلبى كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بنى عبيل "بفتح المهملة وكسر الموحدة" وهم اخوة عاد حرب، فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة "بفتح أوله وسكون ثانيه" وهي

ص: 105

-[ميقات أهل اليمن يلملم - وأهل نجد قرن - وتحديد يلملم وقرن]-

الجحفة؛ ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنًا، وقال وهنَّ وقت لأهلهنَّ ولمنّ مرَّ بهنَّ من غير أهلهنَّ يريد الحجَّ والعمرة، فمن كان منزله من وراء الميقات فإهلاله من حيث ينشئ وكذلك، حتَّى أهل مكَّة إهلالهم

الجحفة كما صرح بذلك فى رواية عند مسلم، فجاء سيل فاجتحفهم أى استأصلهم فسميت الجحفة، وهى الآن خربة لا يصل اليها أحد لوخمها، وإنما يحرم الناس الآن من رابغ لكونها محاذية لها، وفى حديث عائشة عند النسائى مرفوعا ولأهل الشام ومصر الجحفة (وعند الشافعى) فى مسنده عن عطاء مرسلا ولأهل المغرب الجحفة، قال الولى بن العراقى وهذه زيادة يجب الأخذ بها وعليها العمل (1) يعنى إذا مروا بطريق تهامة ومن سلك طريق سفرهم ومر عليهم فيمقاتهم جميعا (يلملم) بفتح الياء التحتية واللامين وسكون الميم الأولى بينهما غير منصرف. جبل من جبال تهامة، ويقال فيه ألملم بهمزة بدل الياء على مرحلتين من مكة، فان مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم نجد (2) أى نجد الحجاز أو اليمن ومن سلك طريقهم فى السفر (قرنا) بفتح القاف وسكون الراء أى قرون المنازل كما فى رواية أخرى للشيخين والأمام أحمد، وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطه صاحب القاموس، وحكى النووى الاتفاق على تخطئته. وقيل إنه بالسكون. الجبل. وبالفتح. الطريق، حكاه عياض عن القابسى (قال الحافظ) والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان اهـ. ويسمى قرن الثعالب، وسمى بذلك لكثرة ما كان يأوى اليه من الثعالب، وحكى الرويانى عن بعض قدماء الشافعية أنهما موضعان، أحدهما فى هبوط، وهو الذى يقال له قرن المنازل والآخر فى صعود، وهو الذى يقال له قرن الثعالب، والمعروف الأول، لكن فى أخبار مكة للفاكهى أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين منى ألف وخمسمائة ذراع فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت (3) أى هذه المواقيت لأهل هذه البلدان (ولمن مر بهن) أى بهذه المواقيت (من غير أهلهن) أى من غير أهل البلاد المذكورة، فاذا أراد الشامى الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتى الجحفة التى هى ميقاته الأصلى، فان أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وحكى النووى الأجماع على ذلك، وتعقب بأن المالكية يقولون يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه؛ وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية؛ وهكذا ما كان من البلدان خارجا عن البلدان المذكورة، فان ميقات أهلها الميقات الذى يأتون عليه (4) أى بين الميقات ومكة

ص: 106

-[من أين يحرم أهل مكة - ومن كان بلده بين الميقات ومكة]-

من حيث ينشئون (وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه) فمن كان من دون ذلك فمن حيث أنشأ حتَّي أهل مكَّة من مكَّة

(72)

عن نافعٍ عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أين يحرم؟ قال مهلُّ أهل المدينة من ذى الحليفة، ومهلُّ أهل الشَّام من الجحفة، ومهلُّ أهل اليمن من يلملم، ومهلُّ أهل نجد من قرن، وقال ابن عمر وقاس النَّاس ذات عرق بقرن (ومن طريقٍ ثانٍ) عن عبد الله

(فإهلاله من حيث ينشيء) أى يهل من ذلك الموضع (قال الحافظ) وهذامتفق عليه إلا ما روى عن مجاهد أنه قال ميقات هؤلاء نفس مكة ويدخل فى ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك، فانه يحرم من حيث تجدد له القصد، ولا يجب عليه الرجوع الى الميقات (1) يعنى أن أهل مكة وغيرهم ممن هنا بها يهلون من مكة (كما فى الطريق الثانية) ولا يخرجون الى الميقات للأحرام منه وهذا فى الحج، وأما فى العمرة فيجب الخروج الى أدنى الحل كما سيأتى (قال المحب الطبرى) ولا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة، واختلف فى القارن فذهب الجمهور الى أن حكمه حكم الحاج فى الأهلال من مكة، وقال ابن الماجشون يتعين عليه الخروج الى أدنى الحل والله أعلم (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم هن لهم ولكل آت أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة. فمن كان من دون ذلك - الحديث" (3) أى فمهله من مكانه حيث قصد الذهاب إلى مكة (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(72)

عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمرو بن عون وغير واحد عن نافع عن ابن عمر - الحديث" (غريبه)(4) بضم الميم وفتح الهاء أى موضع اهلال أهل المدينة الخ (5) ومثلها مصر والمغرب من الجحفة (6) يريد ابن عمر رضى الله عنهما أنه لم يسمع فى ذات عرق حديثا مرفوعا. وسيأتى الكلام عليه (7)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عبد الله ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر

ص: 107

-[كلام العلماء في مهل أهل العراق - وهل هو ثابت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم لا]-

ابن دينار عن ابن عمر رضى الله عنهما قال وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجدٍ قرنًا، ولأهل الشَّام الجحفة، وقال هؤلاء الثَّلاث حفظتهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدِّثت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولأهل اليمن يلملم، فقيل له العراق، قال لم يكن يومئذ عراق

(73)

عن ابن جريح أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهلِّ فقال سمعت ثمَّ انتهى، أراه يريد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول مهلُّ أهل

- الحديث" (غريبه)(1) أى سمعهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير واسطة (وقوله وحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولأهل اليمن يلملم) يريد أنه لم يسمع هذا الميقات الرابع من النبى صلى الله عليه وسلم. وإنما بلغه عنه بواسطة، وهذا لا يقدح فى الحديث، فقد ثبت ذلك فى حديث ابن عباس المتقدم ورواه الشيخان أيضا، وفى حديث جابر الآتى رواه مسلم وغيره (2) أى فقيل لابن عمر ما ميقات العراق (فقال لم يكن يومئذ عراق) يعنى أن العراق لم يكن فتح فى زمنه صلى الله عليه وسلم، وهذا لا ينافى أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق قبل فتحه لعلمه بأنه سيفتح، ويكون ذلك من معجزات النبى صلى الله عليه وسلم والأخبار بالمغيبات المستقبلات ولم يبلغ ابن عمر ذلك؛ فقد وقت صلى الله عليه وسلم لأهل الشام الجحفة فى جميع الأحاديث الصحيحة، ومعلوم أن الشام لم يكن فتح حينئذ. وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بفتح الشام واليمن والعراق. وأنهم يأتون اليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه زويت له مشارق الأرض ومغاربها، وقال سيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها وأنهم سيفتحون مصرى وهى أرض يذكر فيها القيراط، وأن عيسى عليه السلام ينزل على المنارة البيضاء شرقى دمشق. وكل هذه الأحاديث فى الصحيح. وفى الصحيح من هذا القبيل ما يطول ذكره. والله أعلم. قاله النووى (قلت) جاءت أحاديث وآثار كثيرة من عدة طرق تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق. بل جاء ذلك فى حديث جابر رواه مسلم والأمام أحمد وسيأتى بعد هذا. إلا أنه مشكوك فى رفعه. وسيأتى الكلام على هذه المسألة فى الأحكام ان شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(73)

عن ابن جريج (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ابن جريج - الحديث" (3) بضم الميم أى مواضع الأهلال (فقال) أي جابر (سمعت

ص: 108

-[تحديد ذات عرق - وحجة القائلين بأن مهل أهل العراق لم ينبت مرفوعا]-

المدينة من ذي الحليفة، والطَّريق الأخرى الجحفة، ومهلُّ أهل العراق من ذات عرقٍ ومهلُّ أهل نجدٍ من قرنٍ، ومهلُّ أهل اليمن من يلملم (ومن

ثم انتهى) أى سكت جابر عن الكلام ثم قال (أراه) بضم الهمزة أى أظنه، وقد ثبت فى رواية مسلم بعد قوله ثم انتهى "فقال أراه" يعنى أن جابرًا عدل عن قوله سمعت، وأتى بقوله أراه بدلها، والضمير فى قوله أراه يرجع إلى النبى صلى الله عليه وسلم بديل قول أبى الزبير (يريد النبى صلى الله عليه وسلم فهذه الجملة من كلام أبى الزبير مفسرة لقول جابر أراه (يقول) يعنى النبى صلى الله عليه وسلم (مهل أهل المدينة من ذى الحليفة - الحديث) والمعنى أن أبا الزبير سمع بعض الناس يسأل جابرا عن مواضع إحرام الحجاج من جميع الجهات، فقال جابر سمعت ثم وقف عن الكلام، ثم قال أراه أى أظن أن النبى صلى الله عليه وسلم قال مهل أهل المدينة من ذى الحليفة الخ. وأما قوله يريد النبى صلى الله عليه وسلم فهو من كلام أبى الزبير يفسر به رجوع الضمير الى النبى صلى الله عليه وسلم فى قول جابر أراه يعنى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم (قال النووى) رحمه الله لا يحتج بهذا الحديث مرفوعا لكونه لم يجزم برفعه (1) هو الجبل الصغير. وقيل العرق من الأرض السبخة تنبت الطرفاء وبينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلا، وهذا صريح فى كونه ميقات أهل العراق، لكن قال النووى إنه غير ثابت لعدم جزمه برفعه (وأجيب) بأن قوله أراه أو أحسبه كما فى رواية لمسلم معناه أظنه، والظن فى باب الرواية يتنزل منزلة اليقين وليس ذلك قاد حافى رفعه، وأيضا فلو لم يصرح برفعه لا يقينا ولا ظنا فهو منزل منزلة المرفوع، لأن هذا لا يقال من قبل الرأى، وإنما يؤخذ توقيفا من الشارع، لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها يقينًا باتفاق، وقد أخرجه الأمام أحمد من رواية ابن لهيعة كما فى الطريق الثانية؛ وابن ماجه من رواية ابراهيم بن يزيد كلاهما عن أبى الزبير ولم يشكا فى رفعه، ووقع فى حديث عائشة عند أبى داود والنسائى بأسناد صحيح كما قاله النووى أن "رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق" لكن الأمام أحمد كان ينكر على أفلح بن حميد هذا الحديث، نعم قال ابن عدى قد حدث عنه ثقات الناس وهو عندى صالح وأحاديثه مستقيمة كلها وصححه الذهبى، وقال العراقى إن اسناده جيد، وروى الدارقطنى والأمام أحمد وسيأتى بعد هذا من حديث الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث" وسيأتى بلفظه، وفيه قال "ولأهل العراق ذات عرق" فهذه الأحاديث وإن كانت لا تخلوا من مقال، فمجموعها لا يقصر عن درجة الاحتجاج، وقد قال ذلك غير واحد

ص: 109

-[تحديد تهامة والعقيق - وحجة القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق]-

طريقٍ ثانٍ) عن ابن لهيعة ثنا أبو الزُّبير قال سألت جابرًا عن المهلِّ قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول مهلُّ أهل المدينة من ذى الحليفة فذكره باللَّفظ المتقدِّم

(74)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشَّام الجحفة، ولأهل اليمن وأهل تهامة يلملم، ولأهل الطَّائف وهى نجد قرنًا، ولأهل العراق ذات عرقٍ

(75)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال وقَّت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لأهل المشرق العقيق

من أئمة الحديث والله أعلم (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثما ابن لهيعة - الحديث" (2) هنا صرح بالسماع فالحديث مرفوع بلا شك (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه مسلم، ولكن بالشك فى رفعه كما هنا، وأخرج الطريق الثانية ابن ماجه بغير شك وفى اسناده ابن لهيعة ضعيف

(74)

عن عمرو بن شعيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا حجاج عن عطاء عن جابر. وعن أبى الزبير عن جابر. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - الحديث" (غريبه)(3) بكسر التاء المثناة، هى أرض أولها ذات عرق من قبل نجد إلى مكة وما وراءها بمرحلتين أو أكثر، ثم تتصل بالغور وتأخذ الى البحر، ويقال إن تهامة تتصل بأرض اليمن وإن مكة من تهامة اليمن، والنسبة اليها تهامى وتهام أيضا بالفتح. قاله فى المصباح (تخريجه)(قط) وفى إسناده الحجاج بن أرطاة فيه كلام قال الهيثمى. وقد وثق

(75)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن يزيد بن أبى زياد عن محمد بن على بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(4) هو واد وراء ذات عرق مما يلى المشرق، قال الأمام أبو منصور الأزهرى فى تهذيب اللغة يقال لكل مسيل ماء شقه السيل فأنهره ووسعه عقيق. قال وفى بلاد العرب أربعة أعقه، وهى أودية عادية. منها عقيق يدفق ماؤه فى غور ثهامة وهو الذى ذكره الشافعى فقال لو أهلوا من العقيق كان أحب إلى (تخريجه)(د. مذ) وقال

ص: 110

-[حجة القائلين بجواز الأحرام قبل الميقات - وفضل الأحرام من بيت المقدس]-

(76)

عن عبد الله بن الزُّبير رضى الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وقَّت لأهل نجد قرنًا

(77)

عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة عن أمِّ حكيمٍ السَّلميَّة عن أم سلمة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحرم من بيت المقدس غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه (ومن طريقٍ ثانٍ) عن يحيى بن أبى سفيان الأخنسىِّ عن أمِّه أمِّ حكيم بنة أمية بن الأخنس عن أمِّ سلمة زوج النبيَّ صلى الله عليه وسلم ورضى عنها قالت سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول من أهلَّ من المسجد الأقصى بعمرةٍ أو بحجةٍ غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه، قال فركبت أمُّ حكيمٍ عند ذلك

حديث حسن (قال النووى) فى شرح المهذب وليس كما قال فانه من رواية يزيد بن زياد وهو ضعيف باتفاق المحدثين اهـ. وقال الخطابى الحديث فى العقيق أثبت منه فى ذات عرق والله أعلم

(76)

عن عبد الله بن الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا حماد يعنى ابن سلمة عن أيوب عن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما - الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، إلا أن أيوب بن أبى تميمة لم يسمع من ابن الزبير

(77)

عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة قال ثنا جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة - الحديث" (غريبه) (1) هى بنت أمية بنت الأخنس كما فى الطريق الثانية (2) تقدم غير مرة الكلام فى تكفير الذنوب بالأعمال الصالحة والخلاف فى ذلك، وفيه فضيلة الأحرام من بيت المقدس، لأن له مزايا عديدة لا توجد فى غيره (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال حدثنى أبى عن ابن إسحاق قال حدثنى سليمان بن سحيم مولى آل جبير عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي - الحديث"

ص: 111

-[تحديد التنعيم وأنه ميقات العمرة لمن بمكة]-

الحديث إلى بيت المقدس حتَّى أهَّلت بعمرةٍ

(78)

عن عبد الرَّحمن بن أبى بكر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارحل هذه النَّاقة، ثمَّ أردف أختك فإذا هبطتما من أكمة التَّنعيم فأهلَاّ وأقبلا، وذلك ليلة الصَّدر (وعنه من طريقٍ ثانٍ) بنحوه وفيه فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنَّها عمرة متقبَّلة

(غريبه)(1) أي عندما سمعت هذا الحديث لتحوز هذه المزية العظمى، وسيأتى الكلام عليه فى الأحكام (تخريجه)(د. جه. هق) وغيرهم قال النووى وإسناده ليس بالقوى (قلت) إسناده عند الأمام أحمد لا بأس به والله أعلم

(78)

عن عبد الرحمن بن أبى بكر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن اسحاق أنبأنا عبد الله يعنى ابن المبارك أنبأنا زكريا بن اسحاق عن ابن أبى نجيح أن أباه حدثه أنه أخبره من سمع عبد الرحمن بن أبى بكر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (2) أى شد عليها رحلها يقال رحلت البعير رحلا من باب نفع شددت عليه رحله، وتقدم شرحه، وهو للبعير كالسرج للفرس (3) أى اجعلها خلفك على ظهر الناقة؛ والرديف الذى تجعله خلفك على ظهر الدابة، تقول أردفته اردافا، وفيه جواز إرداف المرأة مع الرجل إذا كانت محرما له (4) الأكمة بفتحات تل وقيل شرفة كالرابية وهو ما اجتمع من الحجارة فى مكان واحد، وربما غلظ وربما لم يغلط، والجمع أكم وأكمات مثل قصبة وقصب وقصبات، وجمع الأكم إكام مثل جبل وجبال وجمع الأكام أكم بضمتين مثل كتاب وكتب وجمع الأكم آكام مثل عنق وأعناق (مصباح) والتنعيم موضع قريب من مكة وهو أقرب أطراف الحل الى مكة، ويقال بينه وبين مكة أربعة أميال ويعرف بمساجد عائشة، وتقدم الكلام عليه بأطول من هذا فى باب جواز العمرة فى جميع أشهر السنة صحيفة 53 فى الشرح (5) بفتحات أى ليلة سفرهم من مكة الى المدينة بعد انقضاء نسكهم (6) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا داود بن مهران الدباغ حدثنا داود يعنى العطار عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنة عبد الرحمن ابن أبى بكر الصديق عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن أردف أختك يعنى عائشة فأعمرها من التنعيم فاذا هبطت بها - الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما)

ص: 112

-[زوائد الباب - واتفاق الأئمة على مشروعية المواقيت]-

.....

من مسند عائشة بألفاظ مختلفة. وفى الطريق الأولى من حديث الباب رجل لم يسم (زوائد الباب)(عن نافع عن ابن عمر) رضى الله عنهما قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا، قال فانظروا حذوها من طريقكم؛ فحد لهم ذات عرق رواه البخارى (وقوله المصران بالتثنية) المراد بهما البصرة والكوفة (وعن عائشة) رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق (د. نس) وسكت عنه أبو داود والمنذرى فهو صالح (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدائن العقيق. ولأهل البصرة ذات عرق. ولأهل المدينة ذا الحليفة. ولأهل الشام الجحفة (طب) وفيه أبو ظلال هلال بن يزيد وقفه ابن حيان وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن الحارق بن عمرو) قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى أو بعرفات ووقت لأهل اليمن يلملم أن يهلوا منها (طب) ورجاله ثقات (وعن ابن عباس رضى الله عنهما) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا تجاوز الموقت إلا باحرام (طب) وفيه خصيف وفيه كلام قد وثقه جماعة (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحرم من بيت المقدس دخل مغفورا له (قال الهيثمى) هكذا وجدته فى نسختين، رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه غالب بن عبد الله العقيلى وهو متروك (وعن الحسن) أن عمران بن حصين رضى الله عنه أحرم من البصرة، فلما قدم على عمر وكان قد بلغه ذلك أغلظ له وقال يتحدذ الناس أن رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أحرم من مصر من الأمصار (طب) ورجاله رحال الصحيح الا أن الحسن لم يسمع من عمر (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية المواقيت المذكورة فيها، وقد أجمع العلماء على ذلك، وحكمها الوجوب عند جمهور العلماء، منهم (الأئمة الأربعة) بحيث لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم وصح حجه (وقال عطاء والنخعى) لا شاء عليه (وقال سعيد بن جبير) لا يصح حجه (قال النووى) وفائدة المواقيت أن من أراد حجا أو عمرة عليه مجاوزتها بغير احرام ولزمه الدم (قال أصحابنا) فان عاد الى الميقات قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم، وفى المراد بهذا النسك خلاف منتشر (وأما من لا يريد حجا ولا عمرة) فلا يلزمه الأحرام لدخول مكة على الصحيح من مذهبنا سواء دخل لحاجة تتكرر كحطَّاب وحشّاش وصياد ونحوهم أو لا تتكرر كتجارة وزيارة (وأما من مر بالميقات) غير مريد دخول الحرم بل لحاجة دونه ثم بدا له أن يحرم فيحرم من موضعه الذى بدا له فيه، فان جاوزه بلا إحرام ثم أحرم أثم ولزمه الدم؛ وان أحرم من الموضع الذى بدا له أجزأه ولا دم عليه ولا يكلف

ص: 113

-[اختلاف الأئمة في ميقات العراق وأدلاء كل بحجته والجمع بين ذلك]-

.....

الرجوع إلى الميقات. هذا مذهبنا ومذهب الجمهور (وقال أحمد واسحاق) يلزمه الرجوع الى الميقات اهـ. وقد اتفق العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على الأربعة مواقيت المذكورة فى حديث ابن عباس الأول من أحاديث الباب (واختلفوا) فى ذات عرق هل صرت ميقاتا لأهل العراق بتوقيت النبى صلى الله عليه وسلم ونصه. أم باجتهاد عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما هو صريح فى صحيح البخارى وهو الحديث الأول من أحاديث الزوائد؟ (قال صاحب المهذب) انه لم ينص عليه النبى صلى الله عليه وسلم بل هو اجتهاد من عمر نص على ذلك الشافعى فى الأم، ووجهه ما روى عن ابن عمر قال لما فتح هذان المصران فذكر الحديث اهـ (قلت) هذا الحديث هو الأول من أحاديث الزوائد (وذهبت الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية) الى أنه منصوص عليه. محتجين بحديثى جابر وعمرو بن شعيب. والحديث الثانى لابن عباس من أحاديث الباب، وبحديثى أنس وعائشة المذكورين فى الزوائد (قال النووى) فى شرح المهذب وهو الصحيح عند جمهور أصحابنا أنه منصوص عليه من النبى صلى الله عليه وسلم، وممن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد فى تعليقه. والمحاملى فى كتابيه المجموع والتجريد. وصاحب الحاوى واختاره القاضى أبو الطيب فى تعليقه. وصاحب الشامل وغيرهما (قال الرافعى) واليه ميل الأكثرين (ورجح جماعة) كونه مجتهدا فيه، منهم القاضى حسين، وإمام الحرمين. وغيرهما وقطع به الغزالى فى الوسيط (قال إمام الحرمين) الصحيح أن عمر وقته قياسا على قرن ويلملم قال والذى عليه التعويل أنه باجتهاد عمر (وذكر القاضى أبو الطيب) فى تعليقه أن قول الشافعى قد اختلف فى ذات عرق، فقال فى موضع هو منصوص عليه، وفى موضع ليس منصوصا عليه (وممن قال إنه مجتهد فيه) من السلف طاوس وابن سيرين وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وحكاه البيهقى وغيره (وممن قال من السلف إنه منصوص عليه) عطاء بن أبى رباح وغيره، وحكاه ابن الصباغ عن (أحمد وأصحاب أبى حنفة) واحتج من قال إنه مجتهد فيه بحديث ابن عمر لما فتح المصران (واحتج) القائلون بأنه منصوص عليه بالأحاديث السابقة عن النبى صلى الله عليه وسلم. يعنى المنصوص فيها أن ذات عرق ميقات العراق، وتقدم بعضها فى أحاديث الباب وبعضها فى الزوائد (قال النووى) قالوا وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة فمجموعها يقوى بعضه بعضا ويصير الحديث حسنا ويحتج به، ويحمل تحديد عمر رضى الله عنه باجتهاده على أنه لم يبلغه تحديد النبى صلى الله عليه وسلم فحدده باجتهاده فوافق النص، وكذا قال الشافعى فى أحد نصية السابقين إنه مجتهد فيه لعدم الحديث عنده، وقد اجتمعت طرقه عند غيره فقوى وصار حسنا والله أعلم اهـ (قال الحافظ) لعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا يخلو عن مقال، قال لكن الحديث

ص: 114

-[اختلاف العلماء في ميقات أهل العراق هل هو العقيق أو ذات عرق والجمع بين ذلك]-

.....

بمجموع الطرق يقوى (وممن قال بأنه غير منصوص) وإنما أجمع عليه الناس طاوس وبه قطع الغزالى والرافعى فى شرح المسند "يعنى مسند الشافعى" والنووى فى شرح مسلم وكذا وقع فى المدونة لمالك (وممن قال بأنه منصوص عليه) الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعى فى الشرح الصغير. والنووى فى شرح المهذب. وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ، قال ابن عبد البر هى غفلة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحى قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح، فلا فرق فى ذلك بين الشام والعراق، وبهذا أجاب الماوردى وآخرون، وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب فأخرج أبو داود والترمذى (قلت والأمام أحمد فى أحاديث الباب) عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق وحسنه الترمذى، ولكن فى اسناده يزيد بن أبى زياد (قال النووى) ضعيف باتفاق المحدثين (قال الحافظ) فى نقل الاتفاق نظر يعرف من ترجمته، ويريد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونًا بآخر، قال شعبة لا أبالى إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد، وهو من كبار الشيعة وعلمائها، ووصفه فى الميزان بسوء الحفظ، وقد جمع بين هذا الحديث وبين ما قبله بأوجه (منها) أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق (ومنها) أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة، ووقع ذلك فى حديث أنس عند الطبرانى وإسناده ضعيف (ومنها) أن ذات عرق كانت أولا فى موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شاء واحد اهـ بتصرف واختصار (قال ابن المنذر) واختلفوا فى المكان الذى يحرم منه من أتى من العراق على ذات عرق، فكان أنس يحرم من العقيق، واستحب ذلك الشافعى (وكان مالك واسحاق وأحمد وأبو ثور) وأصحاب الرأى يرون الأحرام من ذات عرق، وقال أبو بكر الأحرام من ذات عرق يجزاء وهو من العقيق أحوط، وقد كان الحسن بن صالح يحرم من الربذة، وروى ذلك عن خصيف والقاسم بن عبد الرحمن (وفى أحاديث الباب أيضا) دلالة على أن من كان من أهل مكة وأراد الحج فميقاته من مكة نفسها، وتقدم الكلام على ذلك فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب، وإن أراد العمرة فميقاته من أدنى الحل (وفضَّل الأمام الشافعى وأصحابه) الأحرام بالعمرة من الجعرانة لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة وتقدم صحيفة 68 رقم 62 من حديث محرش الكعبى، وسيأتى فى باب طواف القدوم والرمل عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت ثلاثا ومشوا أربعا، قالوا فان أخطأ الجعرانة فمن التنعيم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة من التنعيم كما فى حديث الباب عن عبد الرحمن بن أبى بكر، وقد تقدم الكلام في الإحرام بالعمرة

ص: 115

-[كلام العلماء فيمن أحرم قبل الميقات أو بعده - تتمة في مواقيت الحج الزمانية]-

.....

من التنعيم ومذاهب العلماء فيه صحيفة 57 فى أحكام باب جواز العمرة فى أشهر السنة فارجع اليه إن شئت (وقد استدل بحديث أم سلمة) المذكور فى الباب على استحباب تقديم الأحرام على الميقات، ويؤيد ذلك ما أخرجه الأمام الشافعى فى الأم عن عمر والحاكم فى المستدرك بأسناد قوى عن على رضى الله عنهما أنهما قالا إتمام الحج والعمرة فى قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} أن تحرم لهما من دويرة أهلك، بل ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فى قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} قال إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك، وهو المشهور عن عمر وعلى رضى الله عنهما (وبه قال الأمام أبو حنيفة وهو قول للأمام الشافعى) وصححه الرافعى، وحكاه ابن المنذر عن علقمة والأسود وعبد الرحمن وأبى اسحاق والبيهقى (قال ابن المنذر) وثبت أن ابن عمر أهلَّ من ايلياء وهو بيت المقدس (وذهب الأمامان مالك وأحمد) إلى أن الأفضل أن يحرم من الميقات، وبه قال عطاء والحسن البصرى واسحاق، وروى عن عمر بن الخطاب، حكاه ابن المنذر عنهم كلهم (وهو قول للأمام الشافعى) وصححه النووى قال وهو موافق للأحاديث الصحيحة "هن وقت لأهلهن ولمن مر بهن من غير أهلهن" أما من كان مسكنه بين مكة والميقات فميقاته موضعه (وبه قال الأئمة الأربعة) وطاوس وأبو ثور والجمهور، وقال مجاهد يحرم من مكة. ودليل الجمهور حديث ابن عباس المذكور أول الباب والله أعلم (تنبيه) حكى الأمام الشافعى وابن المنذر رحمهما الله عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه أحرم من الفرع (بضم الفاء وإسكان الراء) وهو بلاد بين مكة والمدينة بين ذى الحليفة وبين مكة، فتكون دون ميقات المدنى وابن عمر مدنى، وهذا ثابت عن ابن عمر، رواه الأمام مالك فى الموطأ بأسناده الصحيح، وتأوله الأمام الشافعى وأصحابه تأويلين (أحدهما) أن يكون خرج من المدينة إلى الفرع لحاجة ولم يقصد مكة ثم أراد النسك فان ميقاته مكانه (والثانى) أنه كان بمكة فرجع قاصدًا الى المدينة، فلما بلغ الفرع بدا له أن يرجع الى مكة فميقاته مكانه والله أعلم

(تتمة فى مواقيت الحج الزمانية)

اعلم أرشدنى الله واياك أن للحج مواقيت زمانية كما له مواقيت مكانية، وقد علمت المكانية وما فيها من الأحكام (أما الزمانية) فهى أشهر معلومة يكون الأحرام بالحج فيها، والأصل فى ذلك قول الله عز وجل {الحج أشهر معلومات} قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره اختلف أهل العربية فى قوله تعالى {الحج أشهر معلومات} فقال بعضهم تقديره الحج حج أشهر معلومات، فعلى هذا التقدير يكون الأحرام بالحج فيها أكمل من الأحرام فيما عداها وان كان ذاك صحيحا، والقول بصحة الأحرام فى جميع السنة (مذهب مالك وأبي حنيفة

ص: 116

-[تعيين أشهر الحج واختلاف المذاهب في الأحرام في غيرها]-

.....

وأحمد بن حنبل) واسحاق بن راهويه؛ وبه يقول ابراهيم النخعى والثورى والليث ابن سعد، واحتج لهم بقوله تعالى {يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج} وبأنه أحد النسكين فصح الاحرام به فى جميع السنة كالعمرة (وذهب الشافعى) رحمه الله الى أنه لا يصح الأحرام بالحج الا فى أشهره مروى عن ابن عباس وجابر وبه يقول عطاء وطاوس ومجاهد رحمهما الله، والدليل عليه قوله عز وجل {الحج أشهر معلومات} وظاهره التقدير الآخر الذى ذهب اليه النحاة، وهو أن وقت الحج أشهر معلومات، فخصصه بها بين سائر شهور السنة، فدل على أنه لا يصح قبلها كميقات الصلاة (وقال الشافعى) رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أخبرنى عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال لا ينبغى لا حد يحرم بالحج الا فى شهور الحج من أجل قول الله تعالى {الحج أشهر معلومات} وكذا (رواه ابن أبى حاتم) بسنده عن ابن جريج به (ورواه ابن مردويه) فى تفسيره من طريقين عن حجاج بن أرطاة عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس أنه قال من السنة أن لا يحرم بالحج الا فى أشهر الحج (وقال ابن خزيمة فى صحيحه) حدثنا أبو كريب حدثنا أبو خالد الأحمر عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال لا يحرم بالحج الا فى أشهر الحج فان من سنة الحج أن يحرم بالحج فى أشهر الحج، وهذا إسناد صحيح، وقول الصحابى من السنة كذا فى حكم المرفوع عند الاكثرين ولا سيما قول ابن عباس تفسيرًا للقرآن وهو ترجمانه (وقد ورد فيه حديث مرفوع) عند ابن مردويه بسنده عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج إلا فى أشهر الحج" وإسناده لا بأس به (لكن رواه الشافعى والبيهقى) من طرق عن ابن جريج عن أبى الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما يسأل أيهل بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال لا؛ وهذا الموقوف أصح وأثبت من المرفوع ويبقى حينئذ مذهب صحابى يتقوى بقول ابن عباس من السنة أن لا يحرم بالحج إلا فى أشهره. والله أعلم (وقوله أشهر معلومات) قال البخارى. قال ابن عمر هى شوال وذو القعدة. وعشر من ذى الحجة، وهذا الذى علقه البخارى بصيغة الجزم رواه ابن جرير موصولا بسند صحيح عن ابن عمر "الحج أشهر معلومات" قال شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة (ورواه الحاكم) عن ابن عمر أيضا بسند قال هو على شرط الشيخين قال الحافظ ابن كثير وهو مروى عن عمر. وعلى. وابن مسعود. وعبد الله بن الزبي. وابن عباس. وعطاء. وطاوس. ومجاهد وابراهيم النخعى. والشعبى. والحسن. وابن سيرين. ومكحول. وقتادة. والضحاك بن مزاحم. والربيع بن أنس. ومقاتل بن حيان (وهو مذهب الشافعى وأبى حنيفة وأحمد بن حنبل وأبى يوسف وأبى ثور) رحمهم الله

ص: 117

-[اختلاف المذاهب في أشهر الحج هل هي ثلاثة كاملة أو شهران وبعض الثالث]-

(2)

باب اختلاف الصحابة رضى الله عنهم فى المكان الذي أهل عنه النبي صلى الله عليه وسلم

(79)

عن سعيد بن جبيرٍ قال قلت لعبد الله بن عبَّاس رضى الله عنهما يا أبا العبَّاس عجبًا لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إهلال رسول الله

واختار هذا القول ابن جرير، قال وصح اطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب كما تقول العرب رأيته اليوم، وإنما وقع ذلك فى بعض العام واليوم، وكقوله تعالى {فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه} وإنما تعجل فى يوم ونصف يوم (وقال الأمام مالك بن أنس والشافعى فى القديم) شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله وهو رواية عن ابن عمر أيضا رواه ابن جرير بسنده عنه. قال شوال وذو القعدة وذو الحجة (وقال ابن أبى حاتم) فى تفسيره حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرنى ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عبد الله بن عمر يسمى شهور الحج؟ قال نعم، كان عبد الله يسمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة، قال ابن جريج وقال ذلك "ابن شهاب. وعطاء. وجابر بن عبد الله" صاحب النبى صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح الى ابن جريج، وقد حكى هذا أيضا عن طاوس. ومجاهد وعروة ابن الزبير والربيع بن أنس وقتادة وجاء فيه حديث مرفوع ولكنه موضوع "وفائدة مذهب مالك" أنه إلى آخر ذى الحجة بمعنى أنه مختص بالحج فيكره الاعتمار فى بقية ذى الحجة لا أنه يصح الحج بعد ليلة النحر (فقد روى ابن أبى حاتم) بسند صحيح عن طارق بن شهاب قال قال عبد الله الحج أشهر معلومات ليس فيها عمرة، قال ابن جريج وإنما أراد من ذهب الى أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة أن هذه الأشهر ليست أشهر العمرة إنما هى للحج وإن كان عمل الحج قد انقضى بانقضاء أيام منى كما قال محمد بن سيرين ما أحد من أهل العلم يشك فى أن عمرة فى غير أشهر الحج أفضل من عمرة فى أشهر الحج، وقال ابن عون سألت القاسم بن محمد عن العمرة فى أشهر الحج فقال كانوا لا يرونها تامة (قال الحافظ) ابن كثير وقد ثبت عن عمر وعثمان رضى الله عنهما أنهما كانا يحبان الاعتمار فى غير أشهر الحج وينهيان عن ذلك فى أشهر الحج والله اعلم اهـ (قلت) تقدم ان العمرة جائزة فى جميع أشهر السنة قبل الحج وبعده ومعه وهو ترجمة باب تقدم صحيفة 51 وتكلمنا هناك بما فيه الكفاية والله الموفق

(79)

عن سعيد بن جبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق ثنا خصيف بن عبد الرحمن الجزرى عن سعيد بن جبير - الحديث" (غريبه)(1) أى إحرامه (وقوله أوجب) أي أوجب على نفسه بإحرامه اجتناب

ص: 118

-[حديث ابن عباس في الجمع بين مختلف الأحاديث في مكان إهلال النبي صلى الله عليه وسلم]-

صلى الله عليه وسلم حين أوجب، فقال إنِّى لأعلم النَّاس بذلك، إنَّها إنَّما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة واحدة فمن هنالك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجًّا، فلمَّا صلَّى فى مسجده بذى الحليفة ركعتيه أوجب فى مجلسه، فأهلَّ بالحجِّ حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثمَّ ركب فلمَّا استقلت به ناقته أهلَّ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أنَّ النَّاس إنَّما كانوا يأتون أرسالًا فسمعوه حين استقلَّت به ناقته يهلُّ فقالوا إنَّما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلَّت به ناقته، ثمَّ مضى رسول اله صلى الله عليه وسلم فلمَّا علا على شرف البيداء أهلَّ، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا إنَّما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علا على شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلَاّه، وأهلَّ حين استقلَّت به ناقته، وأهلَّ حين علا على شرف البيداء، فمن أخذ بقول عبد الله بن عبَّاس

ما يجتنبه المحرم والتزم ذلك، ويحتمل أيضا أنه أوجب لنفسه الجنة والثواب عند الله تعالى باحرامه، حتى لو مات وهو محرم قبل إتمام الحج كتب له ثواب الحج وجاء يوم القيامة ملبيا كما ورد فى صحاج الأحاديث (1) أى نقلوا عنه أنه صلى الله عليه وسلم أهل بذلك المكان بعد فراغه من صلاة ركعتيه بمسجد ذى الحليفة (2) أى فلما نهضت برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته وارتفعت وتعالت (أهل) يعنى لبى (3) بفتح الهمزة أى جماعات متتابعين (4) أى لان مجيئهم صادف إهلاله وهو على ناقته فظنوا أنه لم يهل إلا فى ذلك الوقت، فنقلوا عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهل حين استقلت به راحلته لأنهم لم يسمعوا إهلاله بالمسجد (5) أى أعلى مكان فيها (والبيداء) مكان قريب من ذى الحليفة فوق علميها (أى علمى ذى الحليفة) لمن صعد من الوادى، قاله أبو عبيد البكرى وغيره (6) أى لأن مجيئهم صادف إهلاله حين علا على شرف البيداء فظنوا أنه لم يهل إلا فى هذا المكان، فنقلوا عنه أنه صلى الله عليه وسلم إنما أهل فى هذا المكان لأنهم لم يروا إهلاله السابق (7) هذه الجملة من كلام سعيد بن جبير كما صرح بذلك فى رواية أبى داود بلفظ "قال سعيد فمن أخذ بقول ابن عباس الخ" ومعناه أن من بلغه قول ابن عباس من أهل المدينة ومن على ميقاتها أهل من ذى الحليفة بعد فراغه من صلاة الركعتين

ص: 119

-[حجة القائلين بأن احرام النبي صلى الله عليه وسلم كان وهو على البيداء]-

أهلَّ في مصلَاّه إذا فرغ من ركعتيه

(80)

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم صلَّي الظُّهر ثمَّ ركب راحلته فلمَّا علا جبل البيداء أهلَّ

(81)

عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال كان ابن عمر يقول هذه البيداء التَّّى يكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أحرم النَّبيُّ

سنة الإحرام لأنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه من المدينة وحفظ ذلك عنه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ (تخريجه)(د) قال المنذرى فى إسناده خصيف بن عبد الرحمنم الحرانى وهو ضعيف اهـ (قلت) قال فى الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال ابن عدى إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به اهـ (قلت) ورواه الحاكم فى المستدرك عن أحمد بن جعفر القطيعى عن عبد الله بن الأمام أحمد عن أبيه بسند حديث الباب ولفظه، ثم قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم مفسر فى الباب ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى، وقول الحاكم (مفسر فى الباب) يريد أنه مفسر لغيره من الأحاديث الواردة فى الباب

(80)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك - الحديث (غريبه)(1) يعنى بذى الحليفة (2) هذه الرواية تشعر بأنه صلى الله عليه وسلم لم يهل إلا بعد صعوده جبل البيداء، وقد علمت من حديث ابن عباس المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ذى الحليفة عقب صلاة الركعتين بمسجد ذى الحليفة، ولعل أنسا رضى الله عنه لم يسمع إهلاله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالمسجد، وإنما سمعه على جبل البيداء فأخبر بما سمع والله تعالى أعلم (تخريجه)(د. نس) وسكت عنه أبو داود والمنذرى ورجال إسناده رجال الصحيح إلا أشعث بن عبد الملك الحمرانى وهو ثقة، والله سبحانه وتعالى أعلم

(81)

عن سالم بن عبد الله بن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن موسى بن عقبة عن سالم - الحديث" (غريبه)(3) قال النووى قال العلماء هذه البيداء هى الشرف الذى قدام ذى الحليفة إلى جهة مكة، وهى بقرب ذى الحليفة، وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر، وكل مفازة تسمى بيداء، وأما هنا فالمراد بالبيداء ما ذكرناه اهـ (وقوله يكذبون فيها) أى يقولون إنه صلى الله عليه وسلم أحرم منها، ولم يحرم منها

ص: 120

-[إنكار ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء - وإنما أحرم من مسجد ذى الحليفة]-

صلى الله عليه وسلم إلَاّ من عند المسجد (زاد فى روايةٍ) يعنى مسجد ذى الحليفة (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال كان ابن عمر إذا ذكر عنده البيداء يسبُّها ويقول إنَّما أحرم رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم من ذى الحيفة

(82)

عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل رجله فى الغرز واستوت به ناقته قائمةً أهلَّ من مسجد ذي الحليفة

وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذى الحليفة ومن عند الشجرة التى كانت هناك وكانت عند المسجد، وسماهم ابن عمر كاذبين لأنهم أخبروا بالشئ على خلاف ما هو، والكذب عند أهل السنة هو الأخبار عن الشئ بخلاف ما هو، سواء تعمده أم غلط فيه أو سها، وقالت المعتزلة يشترط فيه العمدية، وعندنا أن العمدية شرط لكونه إنما لا يكونه يسمى كذبا، فقول ابن عمر جار على قاعدتنا، وفيه أنه لا بأس باطلاق هذه اللفظة اهـ (1) ثبتت هذه الزيادة عند مسلم وأبى داود (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مؤمل حدثنا سفيان عن موسى بن عقبة عن سالم قال كان ابن عمر- الحديث (3) إنما كان يسبها لأن الناس جعلوها ميقاتًا لأحرام النبى صل الله عليه وسلم وليست كذلك، وإنما الميقات من ذى الحليفة كما ثبت فى باب المواقيت (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه الشيخان وأبو داود والنسائى وغيرهم، والطريق الثانية لم أقف على من أخرجها وسندها جيد

(82)

عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن عبيد عن نافع عن ابن عمر- الحديث" (غريبه)(4) بفتح الغين المعجمة ثم راء ساكنة ثم زاى، وهو ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو خشب، وقيل هو الكور مطلقا كالركاب للسرج (تخريجه)(م. وغيره)(زوائد الباب)(عن جابر ابن عبد الله) رضى الله عنهما قال أراد النبى صلى الله عليه سلم الحج أذَّن فى الناس فاجتمعوا، فلما أتى البيداء أحرم (مذ) وقال حديث حسن صحيح (وعن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص) قالت قال سعد بن أبى وقاص كان نبى الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهلَّ إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على جبل البيداء (د) قال المنذرى فى إسناده محمد بن اسحاق بن يسار اهـ (قلت) هو ثقة لكنه مدلس، وقد روى هذا الحديث بالعنعنة لا بالتحديث، والمدلس إذا عنعن لا يحتج بحديثه (وعن عبد الله بن عمر) رضى الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب راحلته بذى الحليفة ثم يهل حين تستوي به

ص: 121

-[اختلاف الأدلة في المكان الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم والجمع بينها والمذاهب في ذلك]-

.....

قائمة (م)(الاحكام) أحاديث الباب مع الزوائد منها ما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم أهل من مسجده بذى الحليفة (ومنها) ما يدل على أن إهلاله صلى الله عليه وسلم كان بعد ما استقلت به راحلته (ومنها) ما يدل على أنه كان بعد ما علا جبل البيداء (وفى بعضها) أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر "يعنى بذى الحليفة" ثم ركب راحلته، فلما علا جبل البيداء أهل، وهو حديث أنس المذكور فى الباب؛ ومثله عند مسلم من طريق أبى حسان عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذى الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج، لكن روى النسائي ما يخالف ذلك من طريق الحسن عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب، وفى هذا تناقض واختلاف (أما الاختلاف) فى صلاة الظهر فطريق الجمع فيه أن يقال انه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فى آخر ذى الحليفة وأول البيداء والله أعلم (وأما الاختلاف) فى مكان الأهلال فقد جمع بينه حديث ابن عباس المذكور أول الباب بأن الناس كانوا يأتون أرسالا جماعة بعد أخرى فرأى قوم شروعه صلى الله عليه وسلم فى الأهلال بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة فنقلوا عنه أنه أهل بذلك المكان، ثم أهل لما استقلت به راحلته، فسممه آخرون فظنوا أنه شرع فى الأهلال فى ذلك الوقت، لأنهم لم يسمعوا إهلاله بالمسجد فقالوا إنما أهل عندما استقلت به راحلته، ثم روى كذلك من سمعه يهل على شرف البيداء، وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهل فى مسجدها بعد فراغه من الصلاة ويكرر الأهلال عند ركوب دابته وعند مروره بشرف البيداء (قال الحافظ) وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك، وإنما الخلاف فى الأفضل اهـ (قلت) ذهب الأمامان (مالك والشافعى والجمهور) الى أن الأفضل أن يحرم اذا انبعث به راحلته لاتفاق أغلب الروايات فى المعنى وأصحها على أنه صلى الله عليه وسلم أهل عند انبعاث راحلته، وانبعاثها هو استواؤها قائمة (وقال أبو حنيفة وأحمد وداود) يحرم عقب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته وقبل قيامه (قال النووى) وهو قول ضعيف للشافعى وفيه حديث من رواية ابن عباس لكنه ضعيف اهـ (قلت) يشير الى حديث ابن عباس المذكور أول الباب وقد علمت ما فيه، وإنما ضعفوه لأن فى إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحرانى وهو غير متفق على ضعفه، على أن النووى نفسه قال فى شرح المهذب، وأما قول البيهى إن خصيفا غير قوى فقد خالفه فيه كثيرون من الحفاظ والأئمة المتقدمين فى البيان فوثقه يحيى بن معين قوى إمام الجرح والتعديل ووثقه أيضا محمد بن سعد وقال النسائى فيه هو صالح اهـ (وفى أحاديث الباب) دلالة على أن التلبية لا تقدم على الأحرام (وفيها) استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الأحرام ويكونان نافلة (وإلى ذلك ذهب العلماء كافة) إلا ماحكاه

ص: 122

-[كلام العلماء في استحباب الركعتين قبل الأحرام وأن الأحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله]-

(3)

باب ما يصنع من أراد الاحرام من الغسل والطيب

(83)

عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بحطمىّ وأشنان ودهنه بشئٍ من زيت غير كثير

القاضي عياض وغير عن الحسن البصرى أنه استحب كونهما بعد صلاة فرض، قال لأنه روى أن هاتين الركعتين كانتا بعد صلاة الصبح (قال النووى) والصواب ما قاله الجمهور وهو ظاهر الحديث (قال أصحابنا) وغيرهم من العلماء وهذه الصلاة سنة لو تركها فاتته الفضيلة ولا إثم عليه ولا دم اهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) دلالة على أن ميقات أهل المدنية من عند مسجد ذى الحليفة ولا يجوز لهم تأخير الأحرام إلى البيداء، وبهذا قال جميع العلماء (وفيها) أن الأحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الأحرام من مسجده مع كمال شرفه (قال النووى) فان قبل إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز، قلنا هذا غلط لوجهين (أحدهما) أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة فى بيان المواقيت (والثانى) أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يحمل على بيان الجواز فى شئ يتكرر فعله كثيرا فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز لبيان الجواز ويواظب غالبا على فعله على أكمل وجوهه، وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثًا كله ثابت، والكثير أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثلا، وأما الأحرام بالحج فلم يتكرر، وانما جرى منه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم مرة واحدة فلا يفعله غلا على أكمل وجوهه. والله أعلم اهـ

(83)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زكريا ابن عدى قال انا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عروة عن عائشة -الحديث" (غريبه)(1) بكسر الخاء المعجمة وفتحها وكسر الميم بينهما طاء مهملة ساكنة، نبات كالسدر يغسل به الرأس وغيره، وقد ذكر له صاحب القاموس خواص: فقال نبات محلّل منضّج مليّن نافع لعسر البول والحصاة والنَّسا وقرحة الأمعاء والارتعاش ونضج الجراحات وتسكين الوجع ومع الخل للبهق ووجع الأسنان مضمضة ونهش الهوام وحرق النار، وخلط برزه بالماء أو سحيق أصله يجمّدانه، ولعابه المستخرج بالماء الحار ينفع المرأة العقيم والمقعد اهـ (والأشنان) يضم الهمزة وكسرها وسكون الشين المعجمة يغسل به أيضا، قال فى القاموس الأشنان بالضم والكسر معروف نافع للجرب والحكة جلاء. منق مدر للطمث مسقط للأجنة (تخريجه)(قط) وأورده الهيثمى بلفظه، وقال رواه البزار والطبرانى فى الأوسط باختصار وإسناد البزار حسن

ص: 123

-[حجة القائلين باستحباب الطيب لمريد الأحرام قبل إحرامه]-

(84)

وعنها رضي الله عنها قالت طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بيدىَّ (وفي لفظٍ بيدىَّ هاتين) بذريرةٍ لحجَّة الوداع للحلِّ والإحرام حين أحرم وحين رمى جمرة العقبة يوم النَّحر قبل أن يطوف بالبيت (وفي لفظٍ قبل أن يفيض)

(85)

عنخ عثمان بن عروة أنَّه سمع أباه يقول سألت عائشة رضى الله عنها بأيِّ شئٍ طيَّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت بأطيب الطِّيب

(86)

عن عائشة رضي الله عنها قالت كأنِّى أنظر إلى وبيص المسك

(84) وعنها رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرنى عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم-الحديث" (غريبه) (1) هو نوع من الطيب مجموع من أخلاط (2) أى لتحلله من محظورات الأحرام بعد رمى جمرة العقبة والحلق، وقبل الطواف. أى طواف الأفاضة كما يدل عليه اللفظ الآخر "قبل أن يفيض" وفيه دلالة على استباحة الطيب قبل طواف الأفاضة وبعد الرمى والحلق، واليه ذهب الجمهور (وقولها والأحرام حين أحرم) معناه أنها طيبته عند إرادته الأحرام بالحج، وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الأحرام، وإنما يحرم ابتداؤه بعد الأحرام وهو مذهب الجمهور، وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام (تخريجه)(ق. لك. والأربعة. وغيرهم)

(85)

عن عثمان بن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان ثنا عثمان بن عروة- الحديث" (غريبه)(3) أطيب الطيب المسك، فقد روى عن أبى سعيد قال ذكر المسك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو أطيب الطيب، رواه الأمام أحمد وغيره، وسيأتى فى أبواب الطيب والكحل من كتاب اللباس والزينة، وسيأتى بعد هذا الحديث عن عائشة أنها قالت كأنى أنظر إلى وبيص المسك فى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(86)

عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسحاق بن يوسف قال أخبرنا سفيان عن الحسن بن عبيد الله عن ابراهيم عن الأسود عن عائشة- الحديث" (غريبه)(4) بفتح الواو وكسر ابلء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي

ص: 124

-[حجة القائلين باستحباب الطيب لمريد الأحرام قبل إحرامه]-

في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم (وعنها من طريقٍ ثانٍ) قالت كأنِّى أنظر إلى وبيص الطِّيب فى مفرق رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم (وفى لفظ فى مفارقه) وهو يلبيِّ

(87)

وعنها أيضًا رضى الله عنها أنهنَّ كنَّ يخرجن مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عليهنَّ الضِّماد قد أضمدن قبل أن يحرمن

آخره صاد مهملة وهو البريق واللمعان، والمراد أثر الطيب لا جرمه، وقال الأسماعيلى الوبيص زيادة على البريق، والمراد به التلألؤ، وهو يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط اهـ. وإنما قالت كأني أنظر لأنها أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة اليه (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إبراهيم ابن أبى العباس قال ثنا شريك عن أبى اسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كأنى أنظر الخ (2) بفتح الميم وكسر الراء وهو المكان الذى يفترق فيه الشعر فى وسط الرأس "وفى لفظ فى مفارقه" بالجمع وإنما جمع تعميما لجوانب الرأس التى يفرق فيها (وقال الجوهرى) قولهم للمفرق مفارق كأنهم جعلوا كل موضع منه مفرقا (وقولها وهو يلبى) الواو فيه للحال أى والحال انه يلبى، وفيه دلالة على أن أثر الطيب بعد الأحرام لا يضر والله تعالى أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(87)

وعنها أيضا رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن عبد الله بن الزبير قال ثنا عمر بن سويد قال سمعت عائشة ابنة طلحة تذكر وذكر عندها المحرم يتطيب فذكرت عن عائشة أم المؤمنين أنهن كن يخرجن- الحديث" (غريبه) (3) أى الى مكة فى حجة الوداع تعنى نفسها وسائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم (4) أصل الضماد الخرقة يشد بها العضو الجريح، ثم قيل لوضع الدواء على الجرح وغيره وان لم يشد، ثم استعير لكل شئ بوضع على الجسد من دواء وطيب وغيره، والمراد هنا الطيب (وقولها قد أضمدن) أى قد وضعن الطيب على جباههن قبل أن يحرمهن، وقد جاء عند أبى داود واضحا لفظ "كنا نخرج مع النبى صلى الله عليه وسلم الى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الأحرام، فاذا عرقت اجدانا سال على وجهها فيراه النبى صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا" (ومعنى نضمد) أى نلطخ (السك) بضم السين المهملة طيب معروف يضاف الى غيره من الطيب ويستعمل، كن يضعنه قبل الأحرام فيبقى موجودًا بعد الأحرام يسيل مع العرق فلا ينهاهن عنه

ص: 125

-[مذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما كراهة أثر الطيب للمحرم]-

ثمَّ يغتسلن وهو عليهنَّ يعرقن ويغتسلن لا ينهاهن عنه

(88)

عن سليمان بن يسار أنَّ عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه وجد ريح طيب بذي الحليفة فقال ممَّن هذه الرِّيح؟ فقال معاوية منيِّ يا أمير المؤمنين، فقال منك لعمرى فقال طيبَّتنى أمُّ حبيبة وزعمت أنها طيَّبت رسول اله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عند إحرامه، فقال أذهب فأقسم عليها لما غسلته فرجع إليها فغسلته

(89)

عن إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر عن أبيه أنَّه سأل ابن عمر عن الرجل يتطيَّب عند إحرامه؟ فقال لأن أطَّلى بقطران أحبُّ إلي من أن

(1) أي غسل الإحرام بعد تلطخهن بالطيب، ويستفاد منه استحباب الغسل للاحرام وأن أثر الطيب لا يضر بعده (2) بفتح الراء من باب تعب، أى فيسيل مع العرق كما فى رواية أبى داود (وقولها ويغسلن) أى وجوههن للوضوء ونحوه فيسيل معه فلا ينهاهن، وما ذلك إلا لكونه مباحا، وفى ذلك خلاف سيأتى فى الأحكام (تخريجه)(د. ش) وسنده جيد

(88)

عن سليمان بن يسار (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا حماد يعنى ابن سلمة عن يحيى بن أبى إسحاق عن سليمان بن يسار- الحديث" (غريبه) (3) الظاهر أن ذلك كان فى حجة أو عمرة اعتمرها عمر رضى الله عنه فى رجب سنة 17 من الهجرة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم (4) فى الموطأ "منك لعمر الله" وإنما أقسم عمر أن الطيب من معاوية لأنه كان يحب الرفاهية، وكان عمر رضى الله عنه يسميه كسرى العرب (5) يعنى زوج النبى صلى الله عليه وسلم بنت أبى سفيان وأخت معاوية واسمها رملة، ولكنها مشهورة بكنيتها (6) إنما أمره عمر بغسله وأكد عليه، لأنه كان يكره الطيب للمحرم ووافقه آخرون، وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام (تخريجه)(لك. عب) وسنده جيد

(89)

عن ابراهيم بن محمد (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن ابراهيم بن محمد- الحديث" (غريبه)(7) بتشديد الطاء يقال طليته بكذا أى لطخته وأطليت افتعلت منه إذا فعلته بنفسك فالتشديد هنا أظهر وإن خففت تقدر المفعول أى نفسى (والقطران) بفتح فكسر معروف واللام في لأن أطلى

ص: 126

-[استحباب الغسل قبل الأحرام حتى للحائض والنفساء]-

أفعله، قال فسأل أبى عائشة رضي الله عنها فأخبرها بقول ابن عمر رضي الله عنهما، فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن، كنت أطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه ثمَّ يصبح محرمًا ينتضح طيبا

(فصل منه فيما تفعل الحائض والنفساء قبل الأحرام وبعده)

(90)

عن ابن عباس رضى الله عنهما رفعه إلى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم، أنَّ النفساء والحائص، تغتسل، وتحرم، وتقضى المناسك كلَّها غير أنَّها لا تطوف بالبيت حتَّى تطهر

مفتوحة وهو مبتدأ خبره أحب (1) فى رواية الأمام أحمد ينتضح بتاء بعد النون، وعند غيره ينضح بغير تاء (قال فى النهاية) وهو بالحاء المهملة أى يفوح، والنضوح بالفتح ضرب من الطيب تفوح رائحته، وأصل النضح الرشح. فشبه كثرة ما يفوح من طيبه بالرشح، وروى بالحاء المهملة، وقيل هو بالخاء العجمة فبما نحن من الطيب. وبالمهملة فيما رق كالماء، وقيل هما سواء وقيل بالعكس اهـ (تخريجه)(نس) بلفظ حديث الباب والبخارى ولفظه عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال سألت عائشة فذكرت لها قول ابن عمر ما أحب أن أصبح محرما أنضح طيبا، فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف فى نسائه ثم أصبح محرما، وله فى رواية أخرى، فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا "رواية البخارى بالخاء المعجمة"

(90)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مروان ابن شجاع حدثنى خيف عن عكرمة ومجاهد وعطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما - الحديث" (2) انما منعت الحائض والنفساء (يعنى التى ولدت قبل الأحرام أو بعده) من الطواف بالبيت لأمرين (الأول) لأن البيت من داخل المسجد وهما ممنوعتان من دخوله (والثانى) لأن من شرط صحة الطواف الطهارة عند الجمهور، وهما غير طاهرتين ما بقى الدم، أما باقى المناسك كالسعى والوقوف بعرفة والمزدلفة ورمى الجمار ونحو ذلك فلا تمنعان منها كما ذهب اليه الجمهور لأن الطهارة ليست شرطًا فيها (تخريجه)(د. مذ) وقال حسن غريب من هذا الوجه اهـ (قلت) وفى اسناده مروان بن شجاع وخصيف بن عبد الرحمن الحزرى فيهما مقال؛ ووثقهما جماعة والله أعلم

ص: 127

-[استحباب الغسل عند الأحرام للحائض والنفساء وغيرهما]-

(91)

عن أسماء بنت عميسٍ رضى الله عنها أنَّها ولدت محمَّد بن أبى بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مرها فلتغتسل ثم لتهلَّ

(92)

عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه قال كانت عائشة تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحجَّ، فلمَّا قدمنا سرف طمثت

(91) عن أسماء بنت عميس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء بنت عميس -الحديث" (غريبه)(1) بضم العين وفتح الميم امرأة أبى بكر الصديق رضى الله عنهما كانت تحت جعفر بن أبى طالب وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم قتل عنها فى غزوة مؤتة، فتزوجها أبو بكر رضى الله عنه فمات عنها، ثم تزوجها على رضى الله عنه، وولدت لجعفر عبد الله ومحمدا، وولدت لأبى بكر محمدا بالبيداء أثناء سفرهما لحجة الوداع وهو المراد هنا، وولدت لعلىّ أبى الأرقم بمكة، وبايعت النبى صلى الله عليه وسلم رضى الله عنها (والبيداء) تقدم تفسيرها وهى مكان بذى الحليفة، وقد جاء فى كثير من الروايات فى صحيح مسلم وغيره، ولدت أسماء بذى الحليفة، فذكره الخ، وفى رواية له أيضا (نفست بالشجرة) وهذه المواضع الثلاثة متقاربة فالشجرة بذى الحليفة، وأما البيداء فهي بطرف ذى الحليفة (قال القاضى عياض) يحتمل أنها نزلت بطرف البيداء لتبعد عن الناس، وكان منزل النبى صلى الله عليه وسلم بذى الحليفة حقيقة وهناك بات وأحرم فسمى منزل الناس كلهم باسم منزل إمامهم (2) بسكون اللام الأولى ويجوز كسرها، وهذا الغسل لأجل الأحرام ففيه صحة إحرام النفساء ومثلها الحائض وأولى منهما الجنب لأنهما شاركتاه فى شمول اسم الحدث وزادتا عليه بسيلان الدم، ولذا صح صومه دونهما، وأولى منهم غير المحدث فالغسل مستحب لكل من يريد الأحرام مطلقا والغرض منه النظافة للحائض والنفساء، وسيأتي الكلام عليه فى الأحكام (تخريجه)(لك. م. د. جه. مى. وغيرهم)

(92)

عن عبد الرحمن بن القاسم (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم بن القاسم قال ثنا عبد العزيز يعنى ابن عبد الله بن أبى سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه-الحديث" (غريبه)(3) تقدم تفسيره وضبطه (وقولها طمثت)

ص: 128

-[يجوز للحائض والنفساء فعل كل أفعال الحج وأقواله إلا الطواف بالبيت]-

فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكى، فقال ما يبكيك؟ قلت وددت أنِّى لم أخرج العام، قال لعلَّك نفست يعنى حضت، قالت قلت نعم، قال إنَّ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلى ما يفعل الحاجُّ غير أن لا تطوفى بالبيت حتَّى تطهرى الحديث (ومن طريقٍ ثانٍ عن عروة عن عائشة بنحوه وفيه) فحضت قبل أن أدخل مكَّة فأدركنى يوم عرفة وأنا حائض فشكوت ذلك إلى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقال دعى عمرتك وانقضى رأسك وامتشطى واغتسلى وأهلىِّ بالحجِّ ففعلت الحديث

بفتح أوله وكسر ثانيه أى حضت، يقال طمثت المرأة تطمث بكسر الميم طمثا بسكونها إذا حاضت فهي طامث؛ وطمثت بفتح الميم إذا دميت بالافتضاد، والطمث الدم والنكاح (نه)(1) هو بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان، الفتح أنصح والفاء مكسورة فيهما، وأما النفاس الذى هو الولادة فيقال فيه نفثت بالضم لا غير (2) هذا تسلية لها وتخفيف لهما ومعناه أنك لست مختصة به. بل كل بنات آدم يكون منهن هذا كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط وغيرهما، واستدل البخارى فى صحيحه فى كتاب الحيض بعموم هذا الحديث على أن الحيض كان فى جميع بنات آدم. وأنكر به على من قال إن الحيض أول ما أرسل ووقع فى بنى اسرائيل (3) معناه أصنعى كل شئ يصنعه الحاج من أفعال الحج، وأقواله وهيآته إلا الطواف وركعتيه، فيصح الوقوف بعرفات وغيره كما تقدم (4)(سنده حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد ثنا هشام قال يحيى أملاه علىَّ هشام قال أخبرنى أبى قال أخبرتنى عائشة- الحديث" (5) قال النووى ليس معناه إبطالها بالكلية والخروج منها "فان العمرة والحج لا يصح الخروج منهما بعد الأحرام بنية الخروج، وانما يخرج منهما بالتحلل بعد فراغهما" بل معناه ارفضى العمل فيها واتمام أفعالها التى هى الطواف والسعى وتقصير شعر الرأس، فأمرها صلى الله عليه وسلم بالأعراض عن أفعال العمرة وأن تحرم بالحج فتصير قارنة وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها الا الطواف فتؤخره حتى تطهر وكذلك فعلت (6) قال الخطابى استشكل بعض أهل العلم أمره لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط، وكان الشافى يتأوله على أنه أمرها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، قال وهذا لا يشاكل القصة، وقيل إن مذهبها أن المعتمر غذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج

ص: 129

-[استحباب الغسل للأحرام من الحائض قبل انقطاع الدم]-

(93)

عن جابر بن عبد الله قال دخل النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم على عائشة وهى تبكى فقال لها مالك تبكين؟ قالت أبكى أنَّ النَّاس أحلوُّ ولم أحلل، وطافوا بالبيت ولم أطف، وهذا الحجُّ قد حضر، قال إنَّ هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم فاغتسلى وأهلِّى بالحجِّ وحجِّى، قالت ففعلت ذلك فلمَّا طهرت قال طوفى بالبيت وبين الصَّفا والمروة ثمَّ قد أحللت من حجِّك ومن عمرتك قالت يا رسول الله إنِّى أجد فى نفسى من عمرتي أنِّى لم أكن طفت حتَّى

إذا رمى الجمرة، قال وهذا لا يعلم وجهه؛ وقيل كانت مضطرة الى ذلك، قال ويحتمل أن يكون نقض رأسها كان لأجل الغسل لتهل بالحج لاسيما إن كانت ملبدة فتحتاج الى نقض الضفر، وأما الامتشاط فلعل المراد به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شيء ثم تضفره كما كان (تخريجه) الطريق الأولى طرف من حديث سيأتى بتمامه فى باب فسخ الحج الى العمرة والطريق الثانية بعض حديث سيأتى بتمامه فى باب التخيير للمحرم بين التمتع والأفراد والقران وكلاهما أخرجه الشيخان وغيرهما

(93)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول دخل النبى صلى الله عليه وسلم على عائشة -الحديث" (غريبه) (1) هذا الغسل لأجل الأحرام وهو موضع الدلالة من الحديث، وقد سبق بيانه، وأنه استحب لكل من أراد الأحرام بحج أو عمرة سواء الحائض وغيرها (2) قال النووى رحمه الله يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة (إحداها) أن عائشة رضى الله عنها كانت قارنة ولم تبطل عمرتها (والثانية) أن القارن يكفيه طواف واحد وسعى واحد وهو مذهب الشافعى والجمهور، وقال أبو حنيفة وطائفة يلزمه طوافان وسعيان (والثالثة) أن السعى بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح، وموضع الدلالة أن رسول الله أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت "يعنى كما فى الطريق الأولى من الحديث السابق" ولم تسع كما لم تطف، فلو لم يكن السعى متوقفًا على تقدم الطواف عليه لما أخرته اهـ (قلت) يستفاد من كلام النووى رحمه الله أن الطهارة ليست شرطا للسعى وانها ما امتنعت عن السعى إلا لأن من شرطه أن يكون مسبوقًا بطواف، وعلى هذا فلو حاضت بعد الطواف، ثم سعت صح سعيها، والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 130

-[زوائد الباب - ومذاهب العلماء في حكم الغسل للأحرام]-

حججت قال فاذهب يا عبد الرَّحمن فأعمر أختك من التَّنعيم

(1) تعني أن غيرها ممن لم يكن عندهم عذر طافوا مرتين مرة للعمرة ومرة للحج وهى لم تطف إلا مرة واحدة بعد الطهر وإن كان هذا يكفى لنسكها الا أنها لم يسترح ضميرها لذلك فجبرا لخاطرها ولبيان جواز العمرة فى أشهر الحج أمر أخاها أن يعمرها من التنعيم والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)(زوائد الباب)(عن ابن عباس رضى الله عنهما) قال تطيب قبل أن تحرم (طب) ورجاله الصحيح (وعن أم سلمة) رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطيبى وأنت محرمة ولا تمسى الحناء فانه طيب (طب) وفيه ابن لهيعة، قال الهيثمى حديثه حسن وفيه كلام (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال من السنة أن يغتسل الرجل إذا أراد أن يحرم، رواه البزار والطبرانى فى الكبير إلا أنه قال "عند إحرامه وعند دخول مكة" ورجال البزار ثقات كلهم. قاله الهيثمى (وعن خارجة ابن زيد بن ثابت عن أبيه) أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم تجرد لأهلاله واغتسل، رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن غريب. وأخرج الحاكم والبيهقى من طريق يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لبس ثيابه، فلما أتى ذا الحليفة صلى ركعتين ثم قعد على بعيره، فلما استوى على البيداء أحرم، ويعقوب ضعيف، قاله الحافظ (الأحكام) أحاديث الباب منها ما يدل على مشروعية الغسل لكل من يريد الأحرام بحج أو عمرة أو بهما، سواء أكان رجلا أم امرأة ولو حائضا أو نفساء ويغتسلان بنية غسل الأحرام كما ينوى غيرهما، والغرض من مشروعية الغسل لهما النظافة وإن بقى حكم الحدث موجودا (قال النووى) فى شرح المهذب اتفق العلماء على أنه يستحب الغسل عند ادارة الأحرام بحج أو عمرة أو بهما سواء كان احرامه من الميقات الشرعى أو غيره ولا يجب هذا الغسل، وإنما هو سنة متأكدة يكره تركها نص عليه الشافعى فى الأم واتفق عليه الأصحاب (قال ابن المنذر) فى الأشراف (أجمع عوام أهل العلم) على أن الأحرام بغير غسل جائز، قال (وأجمعوا على أن الغسل للأحرام ليس بواحب) والدليل على عدم وجوبه أنه غسل لأمر مستقبل فلم يكن واجبا كغسل الجمعة والعيد والله أعلم (قال الشافعى) رحمه الله فى الأم استحب الغسل عند الأحرام للرجل والصبى والنرأ' الحائض والنفساء وكل من أراد الأحرام، قال وأكره ترك الغسل له، وما تركت الغسل للأحرام؛ ولقد كنت اغتسل له مريضا فى السفر وإني أخاف ضرر الماء، وما صحبت أحدا اقتدى به

ص: 131

-[اختلاف المذاهب في حكم الطيب لمن أراد الأحرام وإدلاء كل بحجته]-

.....

رأيته تركه، قال وإذا أتت الحائض والنفساء الميقات وعليهما من الزمان ما يمكن فيه طهرهما وأدراكهما الحج بلا علة أحببت استئخارهما ليطهرا فيحرما طاهرتين، وان أهلتا غير طاهرتين أجزأ عنهما ولا فدية، قال وكل ما عملته الحائض عمله الرجل الجنب والمجدث والاختيار له أن لا يعلمه كله الا طاهرا، قال وكل عمل الحج تعمله الحائض وغير الطاهر من الرجال إلا الطواف بالبيت وركعتيه، هذا آخر نصه فى الام بحروفه (قال النووى) واتفق لأصحابنا فى جميع الطرق على جميع هذا الا قولا شاذا ضعيفا حكاه الرافعى أن الحائض والنفساء لا يسن لهما الغسل (والصواب) استحبابه لهما للحديث السابق "يعنى حديث أسماء بنت عميس) المذكور فى الباب اهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) ما يدل على مشروعية الطيب لمن يريد الأحرام بحج أو عمرة أو بهما، فيستحب له أن يتطيب فى بدنه بأى نوع من أنواع الطيب سواء الذى يبقى له جرم بعد الأحرام والذى لا يبقى، وسواء الرجل والمرأة لأحاديث عائشة المذكورة فى الباب من عدة طرق أخرجها الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم، وأخرج حديثها الطحاوى من ثمانية عشر طريقا (وبه قال جمهور العلماء) من السلف والخلف والمحدثين والفقهاء منهم سعد بن أبى وقاص. وابن عباس. وابن الزبير. ومعاوية. وعائشة وأم حبيبة. وابن جعفر. وأبو سعيد الخدرى: وجماعة من التابعين بالحجاز والعراق والأئمة (أبو حنيفة. وأبو يوسف. والشافعى. وأحمد) والثورى. واسحاق. وأبو ثور وابن المنذر وداود. وغيرهم (وقال آخرون بكراهته) وأنه لا يجوز أن يتطيب المحرم قبل احرامه بما يبقى عليه رائحته بعد الأحرام، واذا أحرم حرم عليه الطيب حتى يطوف بالبيت منهم (عطاء والزهرى ومالك) وسعيد بن جبير. والحسن. وابن سيرين، واليه ذهب (محمد بن الحسن) واختاره الطحاوى وهو مذهب عمر. وعثمان. وابن عمر. وعثمان ابن أبي العاص، واحتج لهم بحديث يعلى بن أمية قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق، فقال يا رسول الله كيف تأمرني أن أصنع فى عمرتى؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك أثر الخلوق واصنع فى عمرتك كما تصنع فى حجك" رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم، واحتج الأولون بأحاديث الباب كما سبق، وأجاب النووى عن حديث يعلى بن أمية بأوجه (احدها) أن هذا الخلوق كان فى الجبة لا فى البدن، والرجل منهى عن التزعفر فى كل الأحوال (قال أصحابنا) ويستوى فى النهى عن المزعفر الرجل الحلال والمحرم (الثانى) أن خبرهم متقدم وخبرنا متأخر فكان العمل على المتأخر، وانما قلنا ذلك لأن خبرهم بالجعرانة كان عقب فتح مكة سنة ثمان من الهجرة، وخبرنا كان عام حجة الوداع بلا شك وحجة الوداع كانت سنة عشر

ص: 132

-[اختلاف المذاهب في حكم الطيب لمن أراد الأحرام وإدلاء كل بحجته]-

.....

من الهجرة، وإنما قلنا إنه كان عام حجة الوداع لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد الهجرة غيرها بالأجماع (الثالث) أنه يحتمل أنه استعمل الطيب بعد إحرامه فأمر بأزالته، وفى هذا الجواب جمع بين الأحاديث فيتعين المصير اليه اهـ ج (واعلم) أن القاضى عياضا وغيره كالطحاوى ومحمد بن الحسن ممن يقول بكراهة الطيب قبل الأحرام، قالوا ويزيد هذا قولها فى الرواية الأخرى "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما" هكذا ثبت فى رواية لمسلم، فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه ثم زال بالغسل بعده لاسيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى ولا يبقى مع ذلك طيب؛ ويكون قولها (ثم أصبح ينضخ طيبا) كما ثبت فى رواية لمسلم أى أصبح ينضخ طيبا قبل غسله، وقد ثبت فى رواية لمسلم (قلت والأمام أحمد) أن ذلك الطيب كان ذريرة وهى مما يذهبه الغسل، قالوا وقولها "كأنى أنظر إلى وبيص الطيب فى مفارق رسول الله وهو محرم" المراد أثره لا جرمه هذا اعتراضهم (والصواب) ما قاله الجمهور من استحباب الطيب للأحرام لقولها طيبته لأحرامه وهذا ظاهر فى أن التطيب للأحرام لا للنساء، ويعضده قولها كأنى أنظر الى وبيص الطيب، وتأويلهم المذكور غير مقبول لمخالفته الظاهر بغير دليل يحملنا عليه والله أعلم اهـ (ونقل العينى) عن الطرطوشى أنه قال يكره الطيب المؤنث كالمسك والزعفران والكافور والغالية والعود ونحوها، فان تطيب وأحرم فعليه الفدية، فان آكل طعامًا فيه طيب فان كانت النار مسته فلا شئ عليه وإن لم تمسه النار فه وجهان "وأما غير المؤنث" مثل الرياحين والياسمين والورد فليس من ذلك. ولا فدية فيه أصلا، والطيب المؤنث طيب النساء كالخلوق والزعفران. قاله شمر (وأما شم الريحان) ففى شرح المهذب الريحان الفارسى والمرزنجوش واللينوفر والنرجس فيها قولان (أحدهما) يجوز شمها لما روى عن عثمان رضى الله عنه أنه شئل عن المحرم يدخل البستان؟ قال نعم، ويشم الريحان (والثانى) لا يجوز لانه يراد الرائحة فهو كالورد والزعفران، والأصح تحريم شمها ووجوب الفدية، وبه قال ابن عمر وجابر والنووى (ومالم وأبو حنيفة) وأبو ثور إلا أن أبا حنيفة ومالكا يقولان يحرم ولا فدية (وقال ابن المنذر) واختلف فى الفدية عن عطاء وأحمد، وممن جوزه وقال هو حلال ولا فدية فيه عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد واسحاق رحمهم الله تعالى، قال العبدرى وهو قول أكثر العلماء وفى التوضيح الحناء عندنا ليس طيبا خلافا لابى حنيفة (وعند مالك وأحمد) فيه الفدية، وقالت عائشة وكان صلى الله عليه وسلم يكره ريحه، أخرجه أبى عاصم فى كتاب الخضاب، وكان يحب الطيب فلو كان طيبا لم يكرهه (وأما الطيب بعد رمي الجمرة)

ص: 133

-[جواز الاشتراط في الأحرام للمريض ومن يخشى عدم الأتمام لمانع]-

(3)

باب الاشتراط في الإحرام

(94)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّه قال جاءت ضباعة بنت الزُّبير ابن عبد المطَّلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنِّى امرأة ثقيلة وإنِّى أريد الحجَّ فكيف تأمرني كيف أهلُّ؟ قال أهلِّى واشترطي أنَّ محلىِّ حيث حسبتنى قال فأدركت (وعنه منّ طريقٍ ثانٍ) أنَّها قالت يا رسول الله إنِّي أريد أن أحجَّ فأشترط؟ قال نعم، قالت فكيف أقول؟ قال قولى لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك محلىِّ من الأرض حيث تحبسني

فقد رخص فيه ابن عباس. وسعد بن أبى وقاص. وابن الزبير. وعائشة. وابن جبير والنخعى. وخارجة بن زيد. وهو قول الكوفيين والشافعى. وأحمد. واسحاق. وأبى ثور وكرهه سالم ومالك، وقال ابن القاسم ولا فدية لما جاء فى ذلك اهـ والله أعلم

(94)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أنه سمع طاوسا وعكرمة يخبران عن ابن عباس أنه قال جاءت ضباعة- الحديث" (غريبه) (1) بضاد معجمة مضمومة ثم موحدة مخففة هى ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (قال الشافعى) رحمه الله كنيتها أم حكيم. وهى بنت عم النبى صلى الله عليه وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم (قال النووى) وأما قول صاحب الوسيط "يعنى الغزالى" هى ضباعة الأسلمية فغلط فاحش والصواب الهاشمية اهـ (2) أى ضخمة كثيرة اللحم، وفى حديثى أم سلمة وعائشة الأثيين أن اعتذارها كان بسبب المرض، وأن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذي جاءها، فيحتمل أنها أتته مرة واعتذرت بثقل بدنها، ثم جاءها مرة أخرى فاعتذرت بأنها وجعه، ويحتمل أنه جاءها فلم يجدها فأرسل فى طلبها فجاءته والله أعلم (3) أى كيف أنوى الحج وكيف ألى (4) بفتح الميم وكسر الحاء المهملة أى مكان إحلالى (حيث حبستنى) أى حيث حصل لى مانع يمنعنى عن الأتمام (5) أى أدركت الحج ولم يحصل لها مانع يلجئها للتحلل حتى فرغت منه (6) (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عباد بن العوام عن هلال يعنى ابن خباب عن عكرمة عن ابن عباس ان ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنى أريد أن أحج - الحديث"(تخريجه)(م. والأربعة) وزاد النسائى فى رواية وقال فإن لك على

ص: 134

-[جواز الاشتراط في الأحرام للمريض ومن يخشى عدم الأتمام لمانع]-

(95)

عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهى شاكية فقال ألا تخرجين معنا فى سفرنا هذا؟ وهو يريد حجَّة الوداع، قالت يا رسول الله إنِّى شاكية وأخشى أن يحبسنى شكواى قال فأهلِّي بالحجِّ وقولى اللهمَّ محلىِّ حيث تحبسنى

(96)

عن عائشة رضى الله عنها قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزُّبير بن عبد المطَّلب فقالت إنِّى أريد الحجَّ وأنا شاكية، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حجِّي واشترطى أنَّ محلىِّ حيث حبستنى (وعنها من طريقٍ ثانٍ) قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزُّبير، فقال لها أردت الحجَّ؟ قالت والله ما أجدني إلَاّ وجعةً، فقال لها حجِّي واشترطى، فقال قولى اللَّهمَّ محلي

ربك ما استثنيت، وقد جاء هذا الحديث فى مسند الأمام أحمد فى موضعين، الطريق الأولى فى مسند ابن عباس فى الجزء الأول منه، والطريق الثانية فى مسند ضباعة فى الجزء السادس منه، فانظر كيف جمع الله بين الشتيتين، ورحم الله الأمام أحمد

(95)

عن أم سلمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال حدثنى أبى قال فزعم ابن اسحاق عن أبى بكر بن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أم سلمة -الحديث" (غريبه)(1) أى أخشى ان يزداد مرضى فلا أقدر على اتمام الحج (تخريجه)(طب) وسنده جيد

(96)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة وهشام عن أبيه عن عائشة -الحديث. وقوله وهشام عن أبيه معناه أن الرزاق روى هذا الحديث من طريقين (أحدهما) عن معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة (والثانى) عن معمر عن هشام "يعنى ابن عروة" عن أبيه عن عائشة، وهكذا رواه مسلم أيضا (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حماد بن أسامة قال أنا هشام عن أبيه عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الحديث"

ص: 135

-[رأى ابن عمر رضى الله عنهما عدم الاشتراط فى الحج]-

حيث حبستني وكانت تحت المقداد بن الأسود

(97)

عن سالم (بن عبد الله بن عمر) عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّه كان يكره الاشتراط في الحجَّ ويقول أما حسبكم بسنَّة نبيِّكم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنه لم يشترط

(1) أي كانت زوج المقداد بن الأسود رضى الله عنه فولدت له عبد الله وكريمة، وقتل عبد الله فى وقعة الجمل، روى عنها ابن عباس وجابر وأنس وعائشة وعروة وعبد الرحمن الأعرج وسعيد بن المسيب وابنتها كريمة (تخريجه)(ق. هق. والأربعة. وغيرهم)

(97)

عن سالم (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق أنا معمر عن الزهرى عن سالم- الحديث" (غريبه) (2) رواية الترمذى "ينكر" بدل يكره، ومعنى ذلك أنه كان يكره فعل الاشتراط وينكره على من أفتى به، وفيه اشارة الى إنكار ابن عمر ما كان يفتى به ابن عباس من جواز الاشتراط (قال البيهقى) لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة فى الاشتراط لصار اليه ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه (3) أى أما يكفيكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شئ حتى حج عاما قابلا ويهدى أو يصوم إن لم يجد، وهذا التفسير جاء فى رواية للبيهقى من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهرى عن سالم عن عبد الله بن عمر، وفى آخره قال يونس قال ربيعة لا نعلم شرطا يجوز فى احرامه (تخريجه)(خ. مذ. هق)(زوائد الباب)(عن جابر) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لضباعة حجى واشترطى أن محلى حيث حبستى (طب. طس) وفيه حجاج بن نصير وثقه ابن حبان وقال يهم وفيه كلام. قاله الهيثمى (قلت) حديث جابر رواه البيهقى أيضا من طريقين وليس فى واحد منهما حجاج بن نصير (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال أرادت ضباعة بنت الزبير الحج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجى وقولى محلى حيث حبستى (طب) قال الهيثمى وفيه على بن عاصم وهو متكلم فيه لسوء حفظه وتماديه على الخطأ واحتقاره العلماء اهـ (قلت) وكأن البيهقى لم يطلع على هذا الحديث أو لم يعتبره لهذه العلة، فانه قال لوبلغ ابن عمر حديث ضباعة فى الاشتراط لصار اليه الخ ما تقدم والله أعلم (وعن سعيد بن المسيب) عن ضباعة بنت الزبير قال قالت يا رسول الله أنى أريد الحج فكيف أهل بالحج؟ قال قولى اللهم إنى أهل بالحج إن أذنت لى به وأعتنى عليه ويسرته لى، وإن حبستنى فعمرة وإن حبستنى عنهما جميعًا

ص: 136

-[زوائد الباب - ومذاهب العلماء في جواز الاشتراط في الحج وعدمه]-

.....

فمحلي حيث حبستنى (وعن زينب بنت نبيط) امرأة أنس بن مالك عن ضباعة بنت الزبير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها حجى واشترطى، رواهما البيهقى (وعن سويد بن غفلة) قال قال لى عمر بن الخطاب رضى الله عنه يا أبا أمية حج واشترط فان لم ما اشترطت ولله عليك ما اشترطت (وعن عمير بن زياد) عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال حج واشترط وقل اللهم الحج أردت وله عمدت فان تيسر وإلا فعمرة، رواهما البيهقى أيضا (وعن علقمة ابن أبى علقمة) عن أمه عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تقول استثنوا فى الحج. اللهم الحج أردت وله عمدت فان تممته فهو حج وإلا فهى عمرة، وكانت تستثنى وتأمر من معها أن يستثنوا (هق)(وعن هشام بن عروة) عن أبيه قال قالت لى عائشة رضى الله عنها هل تستثنى اذا حججت؟ فقلت لها ماذا أقول؟ فقالت قل اللهم الحج أردت وله عمدت فان يسرته فهو الحج وإن حبسنى حابس فهو عمرة (هق) قال ورزينا عن محمد بن عمرو بن أبى سلمة قال كانت أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم تأمرنا إذا حججنا بالاشتراط (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على جواز الاشتراط فى الحج خوفا من حدوث طارئ يطرأ عليه أثناء الحج من مرض أو نحوه (وإلى ذلك ذهب جمع من الصحابة) منهم عمر بن الخطاب وعلى وابن مسعود. وجابر. وابن عباس. وعائشة. وأم سلمة. وضباعة صاحبة القصة رضى الله عنهم، وبه قال جماعة من التابعين واليه ذهب الأئمة (أحمد واسحاق وأبو ثور) وهو الصحيح من مذهب الشافعى وحجتهم أحاديث الباب (وذهب الأمامان أبو حنيفة ومالك) وبعض التابعين إلى أنه لا يصح الاشتراط، وهو مروى عن ابن عمر كما فى حديثه المذكور فى الباب، وتقدم قول البيهقى لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لصار اليه ولم ينكر الاشتراط؛ وحملوا أحاديث الباب على أنها قضية عين وأنها مخصوصة بضباعة (قال النووى) وهو تأويل باطل، وقيل معناه محلى حيث حبسنى الموت إذا أدركتنى الوفاة انقطع إحرامى، حكاه إمام الحرمين، وأنكره النووى وقال إنه ظاهر الفساد، وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج، حكاه المحب الطبرى- وقصة ضباعة تردُّه، وقد أطنب ابن حزم فى التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه "ومن الغريب أن بعض العلماء" ادعى أنه لا يثبت فى الاشتراط اسناد صحيح، وكأنه صحيح، وكأنه غفل عما رواه البخارى ومسلم والأمام أحمد وغيرهم من عدة طرق صحيحة عن جمع من الصحابة (قال الحافظ) صح القول بالاشتراط عن عمر. وعثمان. وعلى. وعمار. وابن مسعود وعائشة. وأم سلمة. وغيرهم من الصحابة، ولم يصح انكاره عن أحد من الصحابة الا عن ابن عمر، ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية اهـ (قال النووى) فى حديث قصة ضباعة- هذا الحديث مشهور

ص: 137

-[جواز تعليق الأحرام بالحج على احرام رجل آخر]-

(4)

باب من أحرم مطلقا أو قال أحرمت بما احرم بـ فلان

(98)

عن أبى موسى الأشعريِّ رضى الله عنه قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومى فلمَّا حضر الحجُّ حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحججت فقدمت عليه وهو نازل بالأبطح فقال لى بم أهللت يا عبد الله بن قيس؟ قال قلت لبيَّك بحجٍّ كحجٍِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحسنت ثمَّ قال هل سقت هديًا؟ فقلت ما فعلت، فقال لى اذهب فطف بالبيت وبين الصَّفا والمروة

في صحيحي البخارى ومسلم وسنن أبى داود والترمذى والنسائى وسائر كتب الحديث المعتمدة من طرق متعددة بأسانيد كثيرة عن جماعة من الصحابة، وفيما ذكره مسلم من تنويع طرقه أبلغ كفاية، قال وفى هذا الحديث ذليل على أن المرض لا يبيح التحلل اذا لم يكن اشتراط فى حال الأحرام والله أعلم اهـ

(98)

عن أبى موسى (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا الثورى عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبى موسى الأشعرى-الحديث" (غريبه) (1) يعنى إلى اليمن، ولفظ البخارى "بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن" قيل كان بعثه صلى الله عليه وسلم إياه إلى اليمن فى السنة العاشرة من الهجرة قبل حجة الوداع؛ (وعن أبى بردة) قال بعث النبى صلى الله عيله وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل رضى الله عنهما الى اليمن وبعث كل واحد منهما على مخلاف، قال واليمن مخلافان، والمخلاف بكسر الميم فى اليمن كان كالرستاق فى العراق وجمعه مخاليف (2) لفظ البخارى "وهو بالبطحاء" والواو فى (وهو) للحال "والأبطح أو البطحاء" يعنى بطحاء مكة وهو المحصب، هو فى الأصل مسيل واديها، وحدُّه من الحجون ذاهبًا إلى منى (3) هو اسم أبى موسى رضى الله عنه (4) استحسان النبى صلى الله عليه وسلم فعل أبى موسى دليل على جوازه "وقوله اذهب فطف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم احلل" معناه أنه صار كالنبى صلى الله عليه وسلم وتكون وظيفته أن يفسخ حجته الى عمرة فيأتى بأفعالها، وهى الطواف والسعى والحلق، فاذا فعل ذلك صار حلالا وتمت عمرته، وإنما لم يذكر الحلق هنا، لأنه كان مشهورا عندهم، ويحتمل أنه داخل في قوله واحلل

ص: 138

-[رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إفراد العمرة في غير أشهر الحج]-

ثمَّ احلل فانطلقت ففعلت ما أمرنى، وأتيت امرأة من قومي فغسلت رأسى بالخطميِّ وفلته ثمَّ أهللت بالحجِّ يوم الرَّوية فما زلت أفتى النَّاس بالَّذى أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفِّى، ثمَّ زمن أبى بكر رضى الله عنه، ثمَّ زمن عمر رضى الله عنه، فبينا أنا قائم عند الحجر الأسود أو المقام أفتى النَّاس بالَّذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاني رجل فسارَّنى فقال لا تعجل بفتياك فإنَّ أمير المؤمنين قد أحدث في المناسك شيئًا فقلت أيُّها النَّاس من كنَّا أفتيناه فى المناسك شيئا فلينَّئد فإنَّ أمير المؤمنين قادم فيه فأتمُّوا قال فقدم عمر رضى الله عنه فقلت يا أمير المؤمنين هل أحدثت فى المناسك شيئًا؟ قال نعم، إن تأخذ بكتاب الله عز وجل فإنَّه يأمر بالتَّمام (وفي لفظٍ فإنَّ الله تعالى قال وأتمُّوا الحجَّ والعمرة لله) وإن نأخذ بسنَّة نبيِّنا صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فإنَّه لم يحلل حتَّى نحر الهدي

هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرما له (والخطمىّ) بكسر الخاء وضمها مع كسر الميم بينهما طاء مهملة ساكنة. تقدم تفسيره فى باب ما يصنع من أرادا الأحرام رقم 83 صحيفة 123 (وفلته) بتخفيف اللام أى أخرجت ما به من القمل ونحوه بواسطة المشط، ففى رواية البخارى فمشطتنى أو غسلت رأسى، وفى رواية لمسلم فمشطتنى وغسلت رأسى (2) المعنى أنه تحلل بالعمرة وأقام بمكة حلالا إلى يوم التروية وهو الثامن من ذى الحجة ثم أحرم بالحج يوم التروية (3) يعنى مقام ابراهيم عليه السلام (4) فى رواية لمسلم رويدك بعض فتياك، ورويد اسم فعل معناه أمهل وأمسك عن الفتيا، ويقال فتيا وفتوى لغتان مشهورتان (5) أى خلاف ما كان أبو موسى يفتى به الناس (6) هذا أمر بالتؤدة، يقال انأد فى فعله اذا تأنىَّ وتثبت ولم يعجل، واتئد فى أمرك أى تثبت، وأصل التاء فيهما واو (7) أى فأنموا به وأطيعوه فيما يأمركم، لأن الله تعالى يقول "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم"(8) قال الحافظ محصل جواب عمر فى منعه الناس من التحلل بالعمرة أن كتاب الله دال على منع التحلل والأمر بالأتمام فيقتضي استمرار

ص: 139

-[اختلاف العلماء في جواز تعليق الأحرام بالحج على احرام شخص آخر]-

(99)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لعلىٍّ رضى الله عنه بم أهللت؟ قال قلت اللَّهمَّ إنِّى أهلُّ بما أهلَّ به رسولك، قال ومعى الهدى، قال فلا تحلُّ

الإتمام إلى فراغ الحج وأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا دالة على ذلك لأنه لم يحل حتى بلغ الهدى محله، لكن الجواب عن ذلك ما أجاب به هو صلى الله عليه وسلم حيث قال، ولولا أن معى الهدى لأحللت، فدل على جواز الأحلال لمن لم يكن معه هدى، وتبين من مجموع ما جاء عن عمر فى ذلك أنه منع منه سدا للذريعة اهـ. والله أعلم (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم)

(99)

(عن جابر بن عبد الله) هذا طرف من حديث طويل تقدم جمعيه بسنده وشرحه فى باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم صحيفة 74 رقم 64 من هذا الجزء (1) فى هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا بالبقاء على إحرامه وعدم التحلل، وفى الحديث السابق أمر أبا موسى بفسخه الى عمرة وكلاهما قد أحرم بما أحرم به النبى صلى الله عليه وسلم وعاق إحرامه على إحرامه، فما الفرق بينهما (الجواب) أن عليا رضى الله عنه كان معه الهدى كما كان مع النبى صلى الله عليه وسلم الهدى فبقى على إحرامه كما بقى النبى صلى الله عليه وسلم وكل من معه الهدى، وأبو موسى لم يكن معه هدى فتحلل بعمرة كمن لم يكن معه هدى، ولولا الهدى مع النبى صلى الله عليه وسلم لجعلها عمرة (تخريجه)(م. د. جه) وللشيخين والأمام أحمد أيضا من حديث أنس قال قدم على رضى الله عنه على النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال بم أهللت؟ قال بما أهل به النبى صلى الله عليه وسلم فقال لولا أن معى الهدى لأحللت (الأحكام) حديثا الباب يدلان على جواز تعليق الأحرام بأحرام شخص معين يعرفه من أراد التعليق، وأما مطلق الأحرام على الأبهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ما شاء لكونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك (قال الشوكانى) وإلى ذلك (ذهب الجمهور) وعند المالكية لا يصح الأحرام على الأبهام، وهو قول الكوفيين (قال ابن المنير) وكأنه مذهب البخارى لأنه أشار فى صحيحه عند الترجمة لهذين الحديثين "يعنى حديث أبى موسى وحديث أنس المذكور فى الشرح قبل الأحكام" إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن، وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الأحرام فلا يصح ذلك، وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية، وهى هل يكون خطابه صلى الله عليه وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة فى حكم الخطاب العام للأمة أولا؟ فمن ذهب الى الأول جعل حديث على وأبى موسى شرعا عاما ولم يقبل دعوى الخصوصية إلا بدليل، ومن ذهب إلى الثانى قال إن هذا الحكم مختص بهما والظاهر الأول اهـ (وقال النووى) فى الكلام على شرح

ص: 140

-[حجة القائلين بالتخيير في الأحرام بين التمتع والأفراد]-

(5)

باب التخيير في الاحرام بين التمتع والأفراد والقران

(100)

عن هشام بن عروة قال أخبرنى أبى قال أخبرتنى عائشة رضى الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذى الحجَّة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبَّ يهلَّ بعمرةٍ فليهلَّ، ومن أ؛ ب أن يهلَّ بحجَّةٍ فليهلَّ فلولا أنِّى أهديت لأهلك بعمرةٍ، قالت فمنهم من أهلَّ بعمرةٍ ومنهم من أهلَّ بحجةٍ، وكنت ممَّن أهلَّ بعمرةٍ فحضت قبل أن أدخل مكَّة فأدركنى يوم عرفة وأنا حائض فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعى عمرتك وانقضى رأسك وامتشطى وأهلِّى بالحجِّ ففعلت، فلمَّا كانت ليلة الحصبة أرسل معى عبد الرَّحمن إلى التَّنعيم فأردفها فأهلَّت بعمرةٍ

حديث أبي موسى فى هذا الحديث فوائد (منها) جواز تعليق الأحرام، فاذا قال أحرمت بأحرام كأحرام زيد صح إحرامه وكان إحرامه كاحرام زيد؛ فان كان زيد محرما بحج أو بعمرة أو قارنا كان المعلق مثله، وإن كان زيد أحرم مطلقا كان المعلق مطلقًا ولا يلزمه أن يصرف إحرامه الى ما يصرف زيد إحرامه اليه، فلو صرف زيد إحرامه الى حج كان للمعلق صرف إحرامه الى عمرة وكذا عكسه (ومنها) استحباب الثناء على من فعل فعلا جميلا لقوله صلى الله عليه وسلم "يعنى لأبى موسى" أحسنت اهـ. والله اعلم

(100)

عن هشام بن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ابن سعيد ثنا هشام قال يحيى أملاه علىَّ هشام قال أخبرني أبي قال أخبرتنى عائشة- الحديث" (غريبه) (1) أى مقاربين لاستهلاله، وكان خروجهم قبله لخمس فى ذى القعدة كما صرحت به فى رواية عمرة عند مسلم عن عائشة (2) فيه دليل لجواز الأنواع الثلاثة (قال النووى) وقد أجمع المسلمون على ذلك، وإنما اختلفوا فى أفضلها اهـ (قلت) تقدم الكلام على ذلك فى آخر باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم فى الأحكام ص 98 فارجع اليه ان شئت (3) احتج به القائلون بتفضيل التمتع، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى، ووجه الدلالة منهما أنه صلى الله عليه وسلم لا يتمنى الا الأفضل وتقدم بيان ذلك فى الباب المشار اليه آنفًا (4) بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين وهي

ص: 141

-[حجة القائلين بالتخيير في الأحرام بين الحج مفردا وبين التمتع بالعمرة أوَّلاً]-

مكان عمرتها فقضي الله عزّ َوجلَّ حجَّها وعمرتها ولم يكن في شئٍ من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة

(101)

عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قالت خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم حتَّى إذا كنَّا بذى الحليفة قال من أراد منكم أن يهلَّ بالحجِّ فلبهلَّ ومن أراد منكم أن يهلَّ بعمرةٍ فليهلَّ

التي بعد أيام التشريق، وسميت بذلك لأنهم نفروا من منى فنزلوا فى المحصب وباتوا به "وقوله فاردفها" فيه انتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب فى حكايته عن عائشة، ويحتمل أن يكون قوله فأردفها الخ الحديث مدرجا من كلام عروة، وقد جاء فى رواية لمسلم بلفظ "فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معى عبد الرحمن بن أبى بكر فأردفنى وخرج بى إلى التنعيم فأهللت بعمرة فقضى الله حجنا وعمرتنا، ولم يكن فى ذلك هذى ولا صدقة ولا صوم (ولمسلم أيضا) فى رواية أخرى بعد هذه ساق فيها الحديث بنحو ما تقدم وقال فيه قال عروة فى ذلك انه قضى الله حجها وعمرتها قال هشام ولم يكن فى ذلك هدى ولا صيام ولا صدقة (قال النووى) وهذا اللفظ وهو قوله ولم يكن فى ذلك هى ولا ولا صدقة ولا صوم" ظاهره فى الرواية الأولى أنه من كلام عائشة، ولكن صرح فى الرواية التى بعدها بأنه من كلام هشام بن عروة، فيحمل الأول عليه ويكون الأول فى المعنى المدرج اهـ. والله أعلم (1) أى مكان عمرتها التى لم تتمها مستقلة كما فعل غيرها ممن أهلوا بالعمرة مثلها ولم يكن لهم عذر كعذرها (2) قال النووي وهذا محمول على إخبارهما عن نفسها، أى لم يكن علىّ فى ذلك هدى ولا صوك ولا صدقة، ثم انه مشكل من حيث أنها كانت قارنة، والقارن يلزمه الدم وكذلك المتمتع، ويمكن أن يتأول هذا على أن المراد لم يجب علىّ دم ارتكاب شئ من محظورات الأحرام كالطيب وستر الوجه وقتل الصيد وإزالة شعر وظفر وغير ذلك؛ أى لم أرتكب محظورا فيجب بسببه هدى أو صدقة أو صوم، هذا هو المختار فى تأويله اهـ (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(101)

عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس قال ثنا عمران بن يزيد حدثنا منصور عن أمه عن أسماء-الحديث" (غريبه)(3) أى من أراد أن ينوى الأحرام بحج مفرد فليفعل، ومن أراد أن يحرم بعمرة فقط فليفعل، ففيه التخبير بين الافراد والتمتع، فالافراد هو الأهلال بالحج وحده

ص: 142

-[حجة القائلين بالتخيير في الأحرام بين الأفراد والقران والتمتع]-

قالت أسماء وكنت أنا وعائشة والمقداد والزُّبير ممَّن أهلَّ بعمرةٍ

(102)

عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنواع، فمنَّا من أهلَّ بحجّ وعمرة ومنَّا من أهل بحجّ مفرد، ومنَّا من أهلَّ بعمرة، فمن كان أهلَّ بحجٍّ وعمرةٍ معًا لم يحلَّ من شيء ممَّا حرَّم الله عز وجل عليه حتَّى يقضى حجَّه، ومن أهلَّ بعمرةٍ ثمَّ طاف بالبيت وسعى بين الصَّفا والمروة وقصَّر أحلَّ ممَّا حرم منه حتَّى يستقبل حجًّا (وعنها من طريقٍ ثانٍ) قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع، فمنَّا من أهلَّ بحجٍّ، ومنَّا من أهلَّ بعمرةٍ فأهدى فقال النّّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله

والتمتع هو الاعتمار فى أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج فى تلك السنة (1) زاد فى رواية عند مسلم والأمام أحمد وستأتى فى باب التمتع بالعمرة الى الحج "فلم يكن معى هدى فحللت وكان مع الزبير هدى فلم يحلل"(تخريجه)(م. وغيره)

(102)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون قال أنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال كانت عائشة تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (2) يعنى قرن فى احرامه بين الحج والعمرة، والقران هو الأهلال بالحج والعمرة وهو جائز باتفاق العلماء، ويطلق التمتع فى عرف السلف على القران (قال ابن عبد البر) ومن التمتع أيضا القران، ومن المتمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة اهـ. وتقدم فى شرح الحديث السابق معنى الأفراد والتمتع، وحكى النووى فى شرح مسلم الأجماع على جواز الأنواع الثلاثة، وتأول ما رود من النهى عن التمتع عن بعض الصحابة (3) يستفاد منه أن أفعال العمرة هى الأحرام والطواف والسعى والحلاق أو التقصير (4) أى بعد تحلله من العمرة يحرم بالحج، وليس ذلك على الفور بل له أن يبقى أياما إلا أنه لا يؤخر الأحرام بالحج عن يوم التروية (5) (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا معمر بن بشر قال ثنا عبد الله أنا يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"(6) أى فساق الهدي معه

ص: 143

-[الدليل على أن القارن والمتمتع يلزمهما الهدى]-

وصحبه وسلَّم من أهلَّ بالعمرة ولم يهد فليحل ومن أهلَّ بعمرةٍ فأهدى فلا يحلُّ ومن أهلَّ بحج فليتمَّ حجَّه، قالت عائشة وكنت ممَّن أهلَّ بعمرةٍ

(6)

باب ما جاء فى الافراد

(103)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّه قال أهلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحجِّ

(1) أي لم يكن معه هدى فليحل بعد أفعال العمرة المصرح بها فى الطريق الأولى (2) أى فليبق على احرامه (3) معناه فليهل بالحج مع عمرته فلا يحل حتى يحل منهما جميعًا كما جاء ذلك صريحا من رواية عروة عن عائشة أيضا وسيأتى فى باب القران (تخريجه)(ق. غيرهما)(الأحكام) حدثنا الباب يدلان على جواز الأفراد والقران والتمتع، فالحاج مخير فى أيها شاء، فان أحرم بالحج فقط جاز له ذلك، وإن أحرم به مع العمرة جاز أيضا، وإن أحرم بالعمرة فقط وأدى مناسكها ثم أحرم بالحج جاز له ذلك أيضا، وقد حصل كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة لجماعة من الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع كما يستفاد من حديث عائشة (قال النووى رحمه الله وقد أجمع المسلمون على ذلك، وإنما اختلفوا فى آفضلها (قلت تقدم الخلاف فى تفضيلها فى أحكام باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم صحيفة 98 من هذا الجزء) قال وهذا الحديث (يعنى الطريق الثانى من حديث عائشة المذكور فى الباب) ظاهر فى الدلالة لمذهب (أبى حنيفة وأحمد) وموافقيهما فى أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدى لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر (ومذهب مالك والشافعى) وموافيقهما أنه إذا طاف وسعى وحلق حل من عمرته وحل له كل شئ فى الحال سواء كان ساق هديا أو لا، واحتجوا بالقياس على من لم يسق الهدى وبأنه تحلل من نسكه فوجب أن يحل له كل شئ كما لو تحلل المحرم بالحج، وأجابوا عن هذه الرواية بأنها مختصرة من الروايات التى ذكرها مسلم والتى ذكرها قبلها عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدى فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى منهما جميعًا، فهذه الرواية مفسرة للمحذوف من الرواية التى احتج بها أبو حنيفة، وتقديرها ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه، ولابد من هذا التأويل لأن القضية واحدة والراوى واحد، فيتعين الجمع بين الروايتين على ما ذكرناه والله أعلم اهـ

(103)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا

ص: 144

-[حجة القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفرداً]-

فلمَّا قدم طاف بالبيت وبين الصَّفا والمروة ولم يقصِّر ولم يحلَّ من أجل الهدى وأمر من لم يكن ساق الهدى أن يطوف وأن يسعى ويقصِّر أو يحلق ثم يحلَّ

(104)

عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النَّاس عام حجَّة الوداع، فقال من أحبَّ أن يبدأ منكم بعمرةٍ قبل الحجَّ فليفعل، وأفرد رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الحجَّ ولم يعتمر

(105)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال أهللنا أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالحجِّ خالصًا ليس معه غيره خالصًا وحده، فقدمنا مكَّة صبح رابعة مضت من ذي الحجَّة فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حلُّوا واجعلوها عمرةً - الحديث

يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس- الحديث" (غريبه)(1) يعنى مكة (2) فيه أن من ساق الهدى لا يتحلل من عمل العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ ويكون طوافه وسعيه واحدا لحجه وعمرته، وفيه أنه لا يحل حتى ينحر هديه وهو قول الأمامين (أبى حنيفة وأحمد) رحمهما الله، وفيه دلالة على انه صلى الله عليه وسلم كان قارنا (3) أى ثم يستأنف الأحرام بالحج يوم التروية كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يسوقوا الهدى (تخريجه)(د) قال المنذرى فى اسناده يزيد بن أبى زياد أبو عبد الله الكوفى تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم فى الشواهد

(104)

عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة بن سعيد قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن علقمة بن أبى علقمة عن أمه عن عائشة- الحديث" (غريبه)(4) أى لم يعتمر عمرة مستقلة وإنما أهل بالعمرة بعد الحج فصار قارنا لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبى بهما جميعا، وسيأتي ذلك فى باب القران الآتى بعد هذا (تخريجه)(م. والأربعة)

(105)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل أنا ابن جريج عن عطاء قال قال جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أهللنا- الحديث" (غريبه) (5) أى لا يخالطه شئ من العمرة ولا القران، ثم أكذ ذلك بقوله خالصا وحده (6) بكسر الحاء المهملة ويجوز فتحها والكسر أفصح (7) الحديث له بقية وإنما اقتصرنا فى المتن على هذا المقدار لمناسبة الترجمة وبقيته "فبلغه أنا نقول لماَّ لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نحل فيروح الى منى ناس منا ومذاكيرنا تقطرمنيا، فخطبنا فقال

ص: 145

-[زوائد الباب وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أفردوا الحج]-

(106)

وعنه أيضًا قال أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّته بالحجِّ

(107)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أهللنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بالحجِّ مفردًا

قد بلغني الذي قلتم وإنى لأتقاكم وأبركم، ولولا الهدى لحللت، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما أهديت، حلوا واجعلوها عمرة، قال وقدم على رضى الله عنه من اليمن قال بم أهللت؟ قال بما أهل به النبى صلى الله عليه وسلم، قال فاهد وامكث حراما كما أنت" وسيأتى فى باب فسخ الحج الى العمرة لجابر حديث أكثر معنى من هذا وأطول (تخريجه)(ق. د. جه. وغيرهم)

(106)

وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم-الحديث" (غريبه)(1) يعنى فى أول الأمر لكن ثبت عند اليخارى والأمام أحمد غيرهما أنه صلى الله عليه وسلم أدخل العمرة على الحج، وسيأتى عن ابن عمر فى باب القران قال سمعت رسول الله صلى اللهعليه وسلم وهو بالعقيق يقول أتانى الليلة آت من ربى فقال صل فى هذا الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة (تخريجه)(م. وغيره)

(107)

عن ابن عمر رضى الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل بن محمد ثنا عباد يعنى ابن عباد حدثنى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر -الحديث" (غريبه) (2) أى من غير عمرة معه؛ وتقدم أن هذا كان فى أول الأمر ثم أدخل عليه العمرة والله أعلم (تخريجه) (م. مذ. وغيرهما) (زوائد الباب) (عن عامر بن ربيعة) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، أورده الهيثمى وقال رواه البزار وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف (وعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) قال حججت مع أبى بكر رضى الله عنه فجرد "أى أفرد" ومع عمر رضى الله عنه فجرد، ومع عثمان رضى الله عنه فجرد (هق)(وعن نافع) أن ابن عمر كان يقول إن عمر رضى الله عنه كان يقول إن تفصلوا بين الحج والعمرة وتجعلوا العمرة فى غير أشهر الحج أتم لحج أحدهم وأتم لعمرته (هق)(وعن عبد الله الحسن) ابنى محمد بن على عن أبيهما أن على بن أبي طالب رضى الله عنه قال يا بنى أفرد بالحج فانه أفضل (هق)(وعن القاسم بن عبد الرحمن) قال قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه جردوا الحج (هق)(وعن الأسود) عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) أنه أمر بافراد الحج، قال نسكان أحب أن يكون لكل واحد منهما شعث وسفر (هق)(الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية الأفراد فى الحج وأنه أفضل من القران والتمتع، وقد اختلفت الأحاديث

ص: 146

-[مذاهب العلماء في إفراد الحج - والجمع بين مختلف الأحاديث]-

(7)

باب ما جاء في القران

(108)

عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبى الجعد مولى الحسن ابن علىّ رضى الله عنهما قال خرجنا مع علىٍّ رضى الله عنه فأتينا ذا الحليفة فقال علىُّ رضي الله عنه إنِّى أريد أن أجمع بين الحجِّ والعمرة، فمن أراد ذلك فليقل كما أقول، ثمَّ لبيَّ قال لبَّيك بحجٍّ وعمرة معًا، قال وقال سالم وقد أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه قال والله إنَّ رجلى لتمسُّ رجل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وإنَّه ليهلُّ بهما جميعًا

(109)

عن حميد بن هلال قال سمعت مطرِّفًا قال قال لى عمران بن حصين

في ذلك، فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابى قال إن كلا أضاف الى النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به اتساعا، ثم رجح أنه صلى الله عليه وسلم أفراد الحج، وكذا قال القاضى عياض وزاد فقال (وأما احرامه) صلى الله علي وسلم ققد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردًا (وأما رواية من روى التمتع) فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله ولوا أن معى الهدى لأحللت فصح أنه لم يتحلل (وأما رواية من روى القرآن) فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة إلى الحج لما جاء الى الوادى وقيل قل عمرة فى حجة، قال الحافظ هذا الجمع هو المعتمد (قلت) تقدم الكلام على الجمع بين مختلف الروايات فى الأنواع الثلاثة ومذاهب الأئمة فى ذلك وبيان أفضلها فى أحكام باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم ص 95 فارجع اليه والله الموفق

(108)

عن عثمان بن المغيرة (سنده) حدقنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عثمان أبو عوانة ثنا عثمان بن المغيرة- الحديث" (تخريجه)(ق. وغيرهما) بدون قصة على، وقصة على رضى الله عنه جاءت بسياق آخر عند مسلم والبخارى ولفظه (عن سعيد بن المسيب قال اختلف على وعثمان رضى الله عنهما وهما بصفا نفى المتعة، فقال على ما تريد إلا أتنهى عن أمر فعله التبى صلى الله عليه وسلم قال فلما رأى ذلك على رضى الله عنه أهل بهما جميعًا)

(109)

عن حميد بن هلال (سنده) حدقنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر وحجاج قالا أنا شعبة عن حميد بن هلال- الحديث" (غربيه)(1) كنيته أبو نجيم بضم النون وفتح الجيم، صحابى جليل، أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر سنة

ص: 147

-[حجة القائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً في حجة]-

رضي الله عنه إنِّى أحدِّثك حديثًا عسى الله عز وجل أن ينفعك به إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قد جمع بين حجٍّ وعمرةٍ ثمَّ لم ينه عنه حتَّى مات ولم ينزل قرآن فيه يحرِّمه، وإنَّه كان يسلَّم علَّى فلمَّا اكتويت أمسك عنِّي فلمَّا تركته عاد إلىَّ

(110)

عن عكرمة بن عمَّار عن الهرماس بن زيادٍ رضي الله عنه قال كنت ردف أبى فرأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

سبع من الهجرة وغزا مع النبى صلى الله عليه وسلم غزوات، وبعثه عمر بن الخطاب الى البصرة ليفقه أهلها وكان قاضيها، استقضاه عبد الله بن عامر أياما ثم استعفاه فأعفاه، توفى سنة ثنتين وخمسين، وكان الحسن البصرى يحلف بالله تعالى ما قدم البصرة راكب خير لهم من عمران، وكان مجاب الدعوة، وله مناقب كثيرة ستأتى فى كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (1) أى إذا علمته وعلَمته الناس (ولمسلم الأمام أحمد) وسيأتى فى كتاب المناقب عن مطر ف "قال بعث الىَ عمران بن حصين فى مرضه الذى توفى فيه، فقال إنى كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدى فان عشت فاكتم عنى، وإن مت فحدث بها إن شئت، وإنه قد سلم على، وواعلم أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبى الله صلى الله عليه وسلم قال رجل فينها برأيه ما شاء، يشير الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث نهى عن المتعة، وسيأتى فى الكلام على ذلك فى باب التمتع بالعمرة الى الحج (2) بضم أوله وفت اللام مشددة، والمعنى أن عمران بن الحصين رضى الله عنه كانت به بواسير فكان يصبر على المهمات، وكانت الملائكة تسلم عليه، وكان يراهم عيانًا فاكتوى فانقطع سلامهم عليه، ثم ترك الكى فعاد سلامهم عليه، ولذلك قال مطرف، فان عشت فاكتم عنى أى لا تخبر أحدًا بأن الملائكة تسلم علي لأنه كره أن يشاع عنه ذلك فى حياته لما فيه من التعرض للفتنه بخلاف ما بعد الموت، ولذلك قال له "وإن مت فحدث بها إن شئت" رضى الله عنه (3) يعنى تسليم الملائكة لأنه فعل شيئا يشبه أن ينافى التوكل بالنسبة لدرجته هو وقوة إيمانه، وهذا لا ينافى استحباب التداوى لمن كان ضعيف الأيمان أو لا يصبر على المرض (وقوله فلما تركته) أى ترك التداوى بالاكتواء (عاد الى) يعنى تسليم الملائكة (تخريجه)(م. نس. هق) ورواه البخارى مختصرًا

(110)

عن عكرمة بن عمار (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 148

-[قصة الصبي بن معبد في إحرامه بالحج والعمرة معاً]-

على بعير وهو يقول لبَّيك بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا

(111)

عن الحكم عن أبي وائل أنَّ الصُّبيَّ بن معبد كان نصرانيًّا تغلبيا أعرابيًّا (وفي رواية أنَّ رجلًا كان نصرانيًّا يقال له الصُّبيُّ بن معبد) فأسلم فسأل أيُ العمل أفضل؟ فقيل له الجهاد في سبيل الله، فأراد أن يجاهد، فقيل له حججت؟ فقال لا، فقيل حجَّ واعتمر ثمَّ جاهد، فانطلق حتَّى إذا كان بالحوائط أهلَّ بهما جميعًا، فرآه زيد بن صوحان وسلمان

عبد الله بن عمران بن على أبو محمد من أهل الرى وكان أصله أصبهانيا، قال حدثنا يحيى ابن الضريس، قال ثنا عكرمة بن عمار- الحديث" (تخريجه)(طب. طس) قال الهيثمى ورجاله ثقات

(111)

عن الحكم عن أبى وائل (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن الحكم عن أبى وائل- الحديث" (غربيه) (1) يضم الصاد المهملة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء التحتية (وقوله تغلبيا) أى من بنى تغلب بكسر اللام ابن وائل بن قاسط، والنسبة اليه تغلى بفتح اللام كما فى القاموس والمختار (2) رواية النسائى "كنت أعرابيا نصرانيا فأسلمت فكنت حريصا على الجهاد فوجدت الحج والعمرة مكتوبين على "فأتيت رجلا من عشيرتى يقال له هريم بن عبد الله فسألته فقال اجمعهما ثم اذبح ما استيسر من الهدى فأهللت بهما- الحديث" فظهر من هذه الرواية أن المسئول المبهم فى حديث الباب هو هريم بهاء مضمومة ثم راء مفتوحة بالتصفير ابن عبد الله، وكان من عشيرة الصبى بن معبد "وقوله فوجدت الحج والعمرة مكتوبين على" أى مفروضين على الأنسان ولعله أخذ ذلك من قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} والله أعلم (3) لفظ النسائى وأبى داود "فلما أتيت العذيب لقينى سلمان بن ربيعة وزبدبن صوحان الخ" وقد فسر صاحب النهاية العذيب بأنه اسم ماء لبنى تميم على مرحلة من الكوفة سمى بتصغير العذب، وقيل سمى به لأنه طرف أرض العرب من العذبة. وهى طرف الشاء اهـ، ولم أجد لفظ الحوائط لغير الأمام أحمد، فيحتمل أن هذا المكان كان به بساتين لتوفر الماء فيه، والبستانى يقال له حائط اذا كان عليه حائط، وهو الجدار، وجمعه حوائط، فسمى هذا المكان بالحوائط أيضًا لذلك

ص: 149

-[كلام العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة]-

ابن ربيعة فقالا لهو أصلُّ من جملةٍ أو ما هو بأهدى من ناقته، فانطلق إلى عمر رضى الله عنه فأخبره بقولهما فقال هديت لسنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، قال الحكم فقلت لأبى وائل حدَّثك الصُّبىُّ؟ فقال نعم

(112)

عن سراقة (بن مالك بن جعشم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة، قال وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع

والله أعلم (1) معنى هذه الجملة أن عمر رضى الله عنه منع من الجمع بين الحج والعمرة واشتهر ذلك المنع، وهذا الرجل المسمى بالصبى بن معبد لا يدرى بذلك. فهو وجمله سواء فى عدم العلم (وقوله أو ما هو بأهدى) الخ أو للشك من الراوى، ولفظ ابن ماجه "فقالا لهذا أضل من بعيره فكأنما حملا على جبلا بكلمتهما فقدمت على عمر بن الخطاب" الحديث (2) على بناء المفعول وتاء الخطاب، أى هداك الله بواسطة من أفتاك أو هداك من أفتاك (فان قيل) كان عمر رضى الله عنه يمنع من الجمع فكيف قرره على ذلك بأحسن تقرير؟ (فالجواب) كان عمر رضى الله عنه يرى جواز ذلك لبعض المصالح ويرى أنه جوز النبى لذلك، فكأنه يرى أن من عرض له مصلحة افتضت الجمع فى حقه فالجمع فى حقه سنة والله أعلم (تخريجه)(د. نس. جه. هق) وسنده جيد

(112)

عن صرافة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مكى بن ابراهيم ثنا داود يعنى ابن يزيد قال سمعت عبد الملك الزراد يقول سمعت النزال بن يزيد بن سبرة صاحب على يقول سمعت صرافة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غربيه)(3) قال النووى رحمه الله اختلف العلماء فى معناه على أقوال، أصحها وبه قال جمهورهم معناه أن العمرة يجوز فعلها فى أشهر الحج الى يوم القيامة، والمقصود بها بين إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة فى أشهر الحج (الثانى) معناه جواز القران، وتقدير الكلام دخلت أفعال العمرة فى أفعال الحج الى يوم القيامة (والثالث) تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا معناه سقوط العمرة، قالوا ودخولها فى الحج معناه سقوط وجوبها، وهذا ضعيف أو باطل، وسياق الحديث يقتضى بطلانه (والرابع) تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه جواز فسخ الحج الى العمرة، وهذا ايضًا ضعيف اهـ (تخريجه) لم أقف

ص: 150

-[نهي عثمان بن عفان رضي الله عنه عن التمتع والقران]-

(113)

عن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالعقيق يقول أتانى اللّيلة آتٍ من ربِّى فقال صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجَّةٍ قال الوليد يعنى ذا الحليفة

(114)

عن مروان بن الحكم قال شهدت عليًّا وعثمان رضي الله عنهما بين مكَّة والمدينة وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلمَّا

عليه من حديث سراقة لغير الأمام أحمد، وفى اسناده داود بن يزيد الأودى وهو ضعيف لكن رواه (م. د) من حديث جابر. ورواه (مذ. د) عن ابن عباس مرسلا

(113)

عن عمر رضى الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الوليد ابن مسلم ثنا الأوزاعى أن يحيى بن كثير حدثه عن عكرمة مولى ابن عباس قال سمعت ابن عباس يقول سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول سمعت رسول الله الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غربيه)(1) هو ذو الخليفة كما فسر الوليد بن مسلم أحد رجال السند، وسعى بالعقيق لما روى الزبير بن بكار فى أخبار المدينة أن تبعًا لما أنحدر فى مكان عند رجوعه من المدينة، قال هذا عقيق الأرض فسمى العقيق (2) هو جبريل عليه السلام كما صرح به فى رواية للبيهقى (وقوله صل فى هذا الوادى المبارك) قال الكرمائى ظاهرة أن هذه الصلاة صلاة الأحرام وقيل كانت صلاة الصبح، والأول أظهر والله أعلم (3) برفع عمرة فى أكثر الروايات على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هى عمرة الخ. وبنصبها فى بعضها باضمار فعل، أى جعلتها عمرة، وهو دليل على أن حجة النبى صلى الله عليه وسلم كان قرانا (4) هو ابن مسلم أحد رجال السند كما تقدمت الأشارة اليه (تخريجه)(خ. د. جه)

(114)

عن مروان بن الحكم (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن على بن الحسين عن مروان بن الحكم- الحديث" (غربيه)(5) كان ذلك بمصفان كما صرح بذلك فى رواية للبخارى (6) أى عن فصخ الحج الى العمرة لأنه كان مخصوصًا بتلك السنة التى حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض الأوقوال، أو عن التمتع المشهور، وهو أن يحرم بعمرة فقط، ثم بعد الفراغ من أفعالها والتحلل منها يحرم بالحج مفردًا (وقوله وأن يجمع بينهما) بضم الياء من قوله يجمع وسكون الجيم وفتح الميم، وضمير الأثنين فى بينهما عائد على الحج والعمرة، والواو في وأن

ص: 151

-[مخالفة علي لعثمان رضي الله عنهما وتلبيته بالحج والعمرة معاً]-

رأى ذلك علي رضى الله عنه أهلَّ بهما فقال لبَّيك بعمرةٍ وحجٍ معًا، فقال عثمان رضي الله عنه ترانى أنهي النَّاس عنه وأنت تفعله؟ قال لم أكن أدع سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحدٍ من النَّاس (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال كنَّا نسير مع عثمان رضى الله عنه فإذا رجل يلبىِّ بهما جميعًا فقال عثمان رضى الله عنه من هذا؟ فقالوا علىّ، فقا لألم تعلم أنِّى نهيت عن هذا؟ قال بلى، ولكن لم أكن لأدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك

(115)

عن عبد الله بن الزُّبير رضى الله عنهما قال والله إنَّا لمع

للعطف، فيكون النهى واقعًا على التمتع والقران (1) أى فلما رأى على رضى الله عنه النهى الواقع من عثمان على المتعة والقران (أهل بهما) أى بالحج والعمرة حال كونه قائلا "لبيك بعمرة وحج معا" وإنما فعل ذلك خشية أن يحمل الناس النهى على التحريم فأشاع ذلك، ولم يخف على عثمان أن التمتع والقران جائزان، وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر، فكل مجتهد مأجور، ولا يقال إن هذه الواقعة دليل لمسألة اتفاق أهل العصر الثانى بعد اختلاف أهل العصر الأول وإن ذكره ابن الحاجب وغيره، لأن نهى عثمان عنه ان كان المراد به الأعمار فى أشهر الحج قبل الحج فلم يستقر الأجماع عليه، لأن الحنفية يخالفون فيه، وإن كان المراد به سخ الحج إلى العمرة فكذلك، لأن الحنابلة يخالفون فيه، على أن الظاهر كما مر أن عثمان ما كان عليه يبطله، وإنما كان يرى الأفراد أفضل منه، وفى رواية النسائى ما يشعر بأن عثمان رجع عن النهى ولفظه "نهى عثمان عن التمتع فلى على وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان، فقال له على ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال بلى" أفاده الحافظ (قلت) وسيأتى فى حديث عبد الله بن الزبير أن عثمان اعتذر لعلى بأصرح من هذا. فقال "اني لم أنه عنها (يعنى نهى تحريم بل نهى تنزيه) إنما كان رأيا أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء ترك"(2) معناه أنه مجتهد لا يجوز عليه أن يقلد مجتهدًا آخر لاسيما مع وجود السنة والله أعلم (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا الأعمش عن مسلم البطين عن على بن الحسين عن مروان بن الحكم قال كنا نسير الحديث (4) أى بالحج والعمرة (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(115)

عن عبد الله بن الزبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 152

-[مناقشة علي لعثمان في نهيه عن العمرة في أشهر الحج وإقامة الدليل عليه واعتذار عثمان]-

عثمان بن عفَّان رضى الله عنه بالجحفة ومعه رهط من أهل الشَّام فيهم حبيب بن مسلمة الفهرىُّ إذ قال عثمانوذكر له التَّمتُّع بالعمرة إلى الحجِّ إن أتمَّ للحجِّ والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحجِّ فلو أخَّرتم هذه العمرة حتَّى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فإنَّ الله تعالى قد وسَّع في الخير، وعلىُّ بن أبى طالب رضى الله عنه فى بطن الوادي يعلف بعيرًا له فبلغه الَّذى قال عثمان، فقال أعمدت إلى سنَّةٍ سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورخصةٍ رخَّص الله تعالى بها للعباد في كتابه تضيِّق عليهم فيها وتنهى عنها وقد كانت لذى الحاجة ولنائى الدَّار ثمَّ أهلَّ بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا، فأقبل عثمان على النَّاس

يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال والله إنا لمع عثمان- الحديث" (غربيه) (1) بضم الجيم وإسكان الحاء المرحلة وفتح الفاء اسم قرية تقدم الكلام عليها فى باب مواقيت الأحرام صحيفة 105 وهى مقيات أهل الشام (2) قال فى التقريب حبيب بن مسلمة بن مالك بن وهب القرشى الفهرى المكى نزيل الشام وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم مجاهدا، مختلف فى صحبته، والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا، وله ذكر فى الصحيح فى حديث ابن عمر مع معاوية، مات بأرمينية وكان أميرا عليها لمعاوية سنة اثنتين وأربعين (3) معناه أن الأفضل لمن يريد الحج أن لا يجمع بينه وبين العمرة فى أشهر الحج سواء فى ذلك القارن والمتمتع بالعمرة فى أشهر الحج، وإنما يحرم بالحج مفردًا ثم يعتمر فى غير أشهر الحج ليكون قد زار البيت مرتين، مرة للحج ومرة للعمرة، وهذا معنى قوله "فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا البيت زورتين كان أفضل" وهذا رأى عثمان رضى الله عنه واجتهاده كما صرح به فى آخر الحديث (4) يشير الى قوله تعالى {فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى} (5) يعنى أن الله تعالى رخص للناس بالتمتع فى أشهر الحج رحمة بهم، لأن منهم الفقير لاذي لا يمكنه زيارة البيت مرتين فى العام، ومنهم صاحب الأشغال الكثيرة التى لا تسمح له بذلك، ومنهم من بلده بعد يشق عليه الزيارة مرة أخرى لأجل العمرة والله أعلم بخلقه، وقد رخص لهم فى ذلك ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فلا ينبغى ولا يجوز أن يفتى بالرأى مع وجود

ص: 153

-[رأي ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج - ورأى أنس أنه صلى الله عليه وسلم قرن والجمع بينهما]-

فقال وهل نهيت عنها؟ إنِّى لم أنه عنها، إنَّما كان رأيًا أشرت به فمن شاء أخذ به، ومن شاء تركه

(116)

عن حميد عن بكر قال قلت لابن عمر إن أنسًا أخبرنا أنَّ النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لبَّيك بعمرة وحج قال وهل أنس، خرج فلبىَّ بالحجِّ ولبينا معه، فلمَّا قدم أمر من لم يكن معه الهدى أن يجعلها عمرةً، قال فذكرت ذلك لأنس، فقال ما تعدُّونا إلاّ صبيانًا

(117)

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلَّى الله

النص. هذا ما ذهب اليه الأمام على رضى الله عنه والدليل بعضده، ثم أهلَ على رضى الله عنه بالحج والعمرة معًا أمام عثمان ليعلم الناس أن ذلك جائز وأنه لا مانع منه (1) اعتذر عثمان رضى الله عنه وبين الناس أنه لم ينه عن العمرة فى أشهر الحج لكونها لا تجوز فيها، بل هى جائزة الا أنها فى غير أشهر الحج أفضل، وهذا رأيه واجتهاده، ولذلك قال فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الأمام أحمد وسنده جيد

(116)

عن حميد عن بكر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سهل ابن يوسف عن حميد عن بكر- الحديث" (غربيه)(2) هو حميد الطويل، وبكر هو ابن عبد الله المزنى كما صرح بذلك فى رواية النسائى (3) احتج به القائلون بالقران (قال النووى) والصحيح المختار فى حجة النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان فى أول إحرامه مفردًا ثم أدخل العمرة على الحج قال فحديث ابن عمر هما محمول على اول احرامه صلى الله عليه وسلم، وحديث انس محمول على أواخره واثنائه، وكأنه لم يسمعه أولا. ولابد من هذا التأويل أو نحوه لتكون رواية أنس موافقة لرواية الأكثرين واله أعلم (4) بكسر الهاء أى غلط يقال وهل عن الشاء وفيه. وهلا من باب تعب، أى غلط فيه (وقوله خرج) يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) أى كأنكم ما تأخذون بقولنا لعدكم ايانا صبيابا خينئذ، وقد علمت الجمع بين الحديثين وكلاهما حق (تخريجه)(م. نس. وغيرهما)

(117)

عن ابن عمر رضى الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 154

-[زوائد الباب في أدلة القران بين الحج والعمرة]-

عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من قرن بين حجَّته وعمرته أجزأه لهما طواف واحد

(118)

عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدَّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّما قرن خشية أن يصدَّ عن البيت وقال إن لم يكن حجَّة فعمرة

أحمد بن عبد الملك الحرانى أنا الدراوردى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر- الحديث" (تخريجه)(م. وغيره)

(118)

عن عمرو بن شعيب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو أحمد ثنا يونس بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- الحديث" (غربيه)(1) من المعلوم قطعًا أنه صلى الله عليه وسلم ما حج بعد الهجرة إلا مرة واحدة هى حجة الوداع وهى التى قرن فيها، وكانت سنة عشر من الهجرة فى أواخر أيام حياته صلى الله عليه وسلم بعد أن عزز الله الأسلام وأظهره على سائر الأديان، وفتحت مكة وغيرها من البلدان، ونزل فى حجة الوداع قوله تعالى {اليوم أكملت لكن دينكم وأتممت ليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينًا} فكيف يخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصد عن البيت، هذا مما لا يفهم له معنى ولا يؤخذ على ظاهره، ولابد أن يكون غلط فيه يعض الرواة لاسيما وفى اسناده من تكلم فيه والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى بلفظه عن عمرو بن شعيب عن أبيه ولم يقل عن جده كما هنا، وعزاه للإمام أحمد ثم قال، وهو مرسل وفيه يونس بن الحارث وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد غيره، ولا أدرى ما معنى خشية أن يصد عن البيت وهو فى حجة الوداع والله أعلم (زوائد الباب)(عن أبن أبى أوفى) رضى الله عنه قال إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعد ذلك (بز. طب. طس) وفيه يزيد بن عطاء، قال الهيثمى وثقه أحمد وغيره وفيه كلام (وعن جابر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة وساق الهدى وقال من لم يلد الهدى فليجعلها عمرة (بز) ورجاله رجال الصحيح (وعن أبى داود) يعنى الأنصارى المازنى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جئنا ذا الحليفة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فصلى ركعتين ثم أحرم فى دبر الصلاة بحجة وعمرة معًا (طس) وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصارى ضعفه البخارى وغيره ووثقه الحاكم، قال الهيثمى وفيه أيضا جماعة لم أعرفهم ول يسموا (وعن عائشة) ؤضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع ولولا أخهديت لحللت، وكان أهل بعمرة وحج (طس) ورجاله ثقات رجال الصحيح، قال الهيثمي هو في الصحيح

ص: 155

-[أحكام الباب في القران بين الحج والعمرة ومذاهب الأئمة في ذلك]-

(8)

باب ما جاء فى التمتع بالعمرة إلى الحج

(119)

عن عمران بن حصين رضى الله عنه قال نزلت آية المتعة فى كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينزل آية تنسخها ولم ينه عنها النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم حتَّى مات

(120)

عن شعبة قال سمعت أبا جمرة الضُّبعىَّ قال تمتَّعت فنهانى ناس عن ذلك فأتيت ابن عبَّاس رضي الله عنهما فسألته عن ذلك فأمرني

خلا قولها وكان أهل بعمرة وحج، أورد هذه الأحاديث الحاف الهيثمى (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية القران بين الحج والعمرة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم قرنبينهما فى حجته، وللعلماء خلاف فى ذلك تقجم فى أحكام باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم صحيفة 95 فارجع اليه

(119)

عن عمران بن حصين (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ثنا عمران القصير ثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين- الحديث (غربيه)(1) زاد فى رواية عند مسلم "يعنى متعة الحج"(وقوله فى كتاب الله تعالى) يشير الى قوله عز وجل {فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى} قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره والتمتع بالعمرة الى الحج يشمل من أحرم بهما أو أحرم بالعمرة أولًا، فلما فرغ منها أحرم بالحج، وهذا هو التمتع الخامس. وهو المعروف فى كلام الفقهاء، والتمتع العام يشمل القسمين كما دلت عليه الأحاديث الصحاح، فان من الرواة من يقول تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر يقول قرن. ولا خلاف أنه ساق هجيا. وقال تعالى {فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى} أى فليذبح ما قدر عليه من الهدى وأقله شاة (2) لفظ مسلزم "ثم لم تنزل آية تفسخ آية متعة الحج .. الحديث"(تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)

(120)

عن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا ثنا شعبة- الحديث" (غربيه)(3) بالجيم والراء اسمه نصر بن عمران والضبعى بضم الضاد المعجمة وفتح الباء نسبة إلى ضبيعة بن نزار (4) قال الحافظ لم أقف على أسمائهم وكان ذلك فى زمن ابن الزبير وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم من حديث أبى الزبير عنه وعن جابر (قلت وسيأتى للأمام أحمد أيضا) ونقل ابن أبى حاتم عن الزبير

ص: 156

-[حجة القائلين بجواز التمتع بالعمرة الى الحج]-

بها قال ثمَّ انطلقت إلى البيت فنمت فأتانى آتٍ فى منامي فقال عمرة متقبَّلة وحجُّ مبرور، قال فأتيت ابن عبَّاس فأخبرته بالَّذى رأيت فقال الله أكبر الله أكبر، سنَّة أبى القاسم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وقال فى الهدى جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم

(121)

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى مات، وأبو بكر حتَّى مات، وعمر حتَّى مات، وعثمان حتَّى مات، رضي الله عنهم

أنه كان لا يرى التمتع إلا للمحصر ووافقه علقمة وابراهيم، وقال الجمهور لا اختصاص بذلك للحصر (1) أى بالعمرة لأنه كان يرى جوازها (2) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أى هذه عمرة متقبلة (وحج مبرور) اى مقبول، وتقدم الكلام فى معناه بأوسع من هذا فى الباب الأول من كتاب الحج (3) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أى هذه سنة أبى القاسم ويجوز فيه النصب أى وافقت سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم، والى هنا انتهى الحديث عند مسلم، زاد البخارى "فقال لى أقم عندى فأجعل لك سهما من مالى، قال شعبة فقلت لم؟ فقال للرؤيا التى رأيت" أى لأجل الرؤيا المذكورة (قال الحافظ) ويؤخذ منه إكرام من أخبرنه المرء بما يسره وفرح العالم بموافقة الحق والاستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعى، وعرض الرؤيا على العالم والتكبير عند المسرة والعمل بالأدلة الظاهرة والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه للدليل اهـ (4) هذه الجملة وهى قوله وقال فى الهدى الخ ليست عند الشيخين وهى من كلام ابن عباس، وقد جاء مرفوعا فى غير هذا الحديث، ومعناه أن الهدى يكون من الأبل أو البقر أو الغنم ويجوز أن يشترك سبعة فى بقرة أو بدنة، وفى بعض الروايات عشرة فى بدنة، وسيأتى ذلك مع الكلام عليه فى كتاب الهدايا والضحايا إن شاء الله تعالى (5) فى الأصل بعد قوله فى دم، قال عبد الله "يعنى ابن الأمام أحمد" ما أسند شعبة عن أبى جمرة إلا واحدا وأبو جمرة أوثق من أبى حمزة والله أعلم (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)

(121)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ابن محمد ثنا عبد الواحد يعنى ابن زياد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عباس- الحديث"

ص: 157

-[نهي معاوية بن أبى سفيان عن العمرة في أشهر الحج وتعجب ابن عباس منه]-

وكان أوَّل من نهى عنها معاوية قال ابن عبَّاس فعجبت منه وقد حدَّثني أنَّه قصَّر عن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بمشقصٍ

(122)

عن غنيمٍ قال سألت سعد بن أبى وقاَّص رضي الله عنه

(غريبه)(1) يعارضه ما فى صحيح مسلم قال عبد الله بن شقيق كان عثمان ينهى عن المتعة وكان على يأمر بها، وسيأتى للأمام أحمد نهى عثمان وعمر أيضا عن المتعة فى هذا الباب، ويمكن أن يجاب أن نهيهما محمول على التنزية، ونهى معاوية رضى الله عنه على التحريم، فأوليته باعتبار التحريم (قال النووى) رحمه الله وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهى تنزيه لا تحريم اهـ. ويمكن الجمع بين فعلهما ونهيهما بأن الفعل كان متأخرا لما علما جواز ذلك ويتحمل أن يكون لبيان الجواز كذا فى شرح أبى الطيب (2) هذه الجملة وى قوله (قال ابن عباس فعجبت منه الخ- الحديث. لم أقف عليها فى هذا الحديث لغير الأمام أحمد، ورواه الترمذى إلى قوله وكان أول من نهى عنها معاوية، نعم جاءت قصة تقصير معاوية شعر النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث مستقل رواه مسلم وأبو داود والنسائى والأمام أحمد أيضا، وإنما تعجب منه ابن عباس رضى الله عنه لكونه كان ينكر العمرة، والظاهر أنه كان ينكرها فى أشهر الحج سواء أكانت مقرونة بالحج أم مفردة والنبى صلى الله عليه وسلم كان قارنا أو متمتا باعتبار أن القران يسمى تمتعًا، وقد أخبر معاوية أنه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلماذا ينكر العمرة وقد أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها؟ ففى رواية لأبى داود أن معاوية قال لابن عباس أما علمت أنى قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابى على المروة لحجته، قال ابن حزم فى حجة الوادع. قال السندى وهذا مشكل يتعلق به من يقول إنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، والصحيح الذى لا شك فيه والذى نقله الكواف أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصر من شعره شيئا ولا أحل شيئا من إحرامه إلى أن حلق بمنى يوم النحر، ولعل معاوية عنى بالحجة عمرة الجعرانة لأنه قد أسلم حينئذ، ولا يصوغ هذا التأويل فى رواية من روى أنه كان فى ذى الحجة، أو لعله قصر عنه عليه الصلاة والسلام بقية شعر لم يكن استوفاء الحلاق بعد قصره معاوية على المروة يوم النحر اهـ والله أعلم (3) المشقص كمنبر نصل عريض أو سهم فيه ذلك، والنصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش، قاله فى القاموس (تخريجه)(مذ) وقال حديث ابن عباس حديث حسن اهـ وروى (م. د. نس) منه قصة تفسير معاوية عن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة وسلم

(122)

عن غنيم (سنده) حدثنا عبد لله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد أنبأنا سليمان يعنى التيمى حدثنى غنيم- الحديث" (غربيه)(4) هو ابن قيس

ص: 158

-[رأي سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه جواز العمرة في أشهر الحج]-

عن المتعة قال فعلناها وهذا كافر بالعرش يعنى معاوية

(123)

عن مالك بن أنسٍ عن ابن شهاب عن محمَّد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطَّلب أنَّه حدَّثه أنه سمع سعد بن أبى وقَّاص والضَّحَّاك بن قيس رضى الله عنهما عام حجِّ معاوية بن أبى

سفيان وهما

المازني (1) بضم العين والراء هى بيوت مكة كما فسرت بذلك فى رواية عند مسلم (قال أبو عبيد) سميت بيوت مكة عرشا لأنها عيدان تنصب وتظلل، قال ويقال لها أيضا عروش بالراء واحدها عرش كفلس وفلوس، ومن قال عرش فواحدها عريش كقليب وقلب (قال النووى) وفى حديث آخر أن عمر رضى الله عنه كان إذا نظر إلى عروش مكة قطع التلبية وقال واما قوله {وهذا يومئذ كافر بالعرش} فالأشارة بهذا الى معاوية بن أبى سفيان وفى المراد بالكفر هنا وجهان (أحدهما) ما قاله المازرى وغيره المراد وهو مقيم فى بيوت مكة، قال ثعلب يقال اكتفر الرجل إذا لزم الكفور وهى القرى، وفى الأثر عن عمر رضى الله عنه "أهل الكفور هم أهل القبور" يعنى القرى البعيدة عن الأمصار وعن العلماء (والوجه الثانى) المراد الكفر بالله تعالى، والمراج أنا تمتعنا ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية مقيم بمكة، وهذا اختيار القاضى عياض وغيره وهو الصحيح المختار، والمراد بالمتعة العمرة التى كانت سنة سبع من الهجرة وهى عمرة القضاء وكان معاوية يومئذ كافر، وإنما أسلم بعد ذلك عامالفتح سنة ثمان، وقيل إنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع. والصحيح الأول، وأما غير هذه العمرة من عمر النبى صلى الله عليه وسلم فلم يكن معاوية كافرا ولا مقيما بمكة بل كان معه النبى صلى الله عليه وسلم (قال القاضى عياض) وقال له بعضهم كافر بالعرش بفتح العين واسكان الراء، المراد عرش الرحمن قال القاضى هذا تصحيف، وفى هذا الحديث جواز المتعة فى الحج اهـ (تخريجه)(م. وغيره)

(123)

عن مالك بن أنس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك قال أبى وحدثنا عبد الرواق أنبأنا مالك بن أنس- الحديث" (غربيه)(2) سعد بن أبى وقاص صحابى معلوم ومشهور (والضحاك بن قيس) يعنى ابن خالد بن وهب الفهرى الأمير المشهور صحابى أيضا، وقتل فى موقعة مرج راهط سنة 55 على الصحيح (3) كان أول حجة حجها بعد الخلافة سنة أربع وأربعين، وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين، ذكره ابن جرير، والمراد الأولى، لأن سعدا مات سنة خمس وخمسين

ص: 159

-[نهي عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن المتعة فى أشهر الحج]-

يذكران التَّمتع بالعمرة إلى الحجِّ فقال الضحَّاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فقال سعد رضى الله عنه بئسما قلت يا ابن أخى، فقال الضَّحَّاك فإنَّ عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك فقال له سعد قد صنعها رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وصنعناها معه

(124)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فنهانا عنهما عمر فانتهينا

(125)

عن إبراهيم بن أبى موسى عن أبي موسى (الأشعرىِّ رضى الله عنه) أنه كان يفتى بالمتعة فقال له رجل رويدك ببعض فتياك فإنَّك لا تدرى ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعدك حتَّى لقيه بعد فسأله

على الصحيح (1) أى لأن الله تعالى قال {وأتموا الحج والعمرة لله} فأمره بالأتمام يقتضى الاستمرار الى فراغ الحج ومنع التحلل، والتمتع يتحلل ويستمتع بما كان محظورا عليه (2) أى نهى عن التمتع وتقدم نهى عمر من حديث أبى موسى فى باب من أحرم مطلثا أو قال أحرمت بما أحرم به فلان، وسيأتى نحوه فى هذا الباب أيضا مع تعليل نهى عمر رضى الله عنه (3) أى فلا حجة لأحد بعد فعل رسول الله صلة الله عليه وسلم وأصحابه (خريجه)(لك. نس. هق. مذ) وصححه

(124)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا حماد عن عاصم عن أبى نضرة عن جابر- الحديث" (غربيه)(4) إحداهما متعة النكاح وهى نكاح المرأة الى الرجل، وهذه قد وقع الأجماع على تحريمها (والثانية) متعة الحج، وهذه قد وقع الأجماع على جوازها سواء أكانت مقرونة بحج أم مفردة فى أشهر الحج (5) سيأتى كلام عمر رضى الله عنه فى علة نهيه عن المتعة فى الحديث التالى (تخريجه)(م) وغيره

(125)

عن ابراهيم بن موسى (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الله محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحاكم عن عمارة بن عمير عن ابراهيم بن أبى موسى عن أبى موسى- الحديث" (غربيه)(6) أى ارفق قليلا وأمسك عن الفتيا

ص: 160

-[بيان السبب في نهى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن المتعة فى أشهر الحج]-

فقال عمر رضى الله عنه قد علمت أنَّ النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكنىِّ كرهت أن يظلوُّا بهنَّ معرسين في الأراك ثمَّ يرحون بالحجِّ تقطر رءوسهم (وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن أبى بردة عن أبى موسي (الأشعرىِّ رضى الله عنه) أنَّ عمر رضي الله عنه قال هى سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى المتعة، ولكنىِّ أخشى أن يعرسوا بهنَّ تحت الأراك ثمَّ يرحوا بهنَّ حجَّاجًا

(126)

عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كان ابن عمر رضى الله عنهما يفتى بالَّذي أنزل الله عز وجل من الرُّخصة بالتَّمتُّع وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فيقول ناس لابن عمر كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟ فيقول لهم عبد الله ويلكم. ألا تتقون الله، إن كان عمر نهي عن ذلك فيبتغى فيه الخير،

(1) هو بإسكان العين وتخفيف الراء، والضمير فى بهن يعود إلى النساء للعلم بهن وإن لم يذكرون، يقال أعرس الرجل فهو معرس إذا دخل بأمرأته عند بنائها، وأراد هنا الوط، فسماه إعراسا لأنه من توابع الأعراس ولا يقال فيه عرس، والتعريس نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال منه عرس يعرس تعريسا "الأراك" بفتح الهمزة شجر معروف بأرض الحجاز، له حمل كعناقيد العنب. واسمه الكباث بفتح الكاف، وإذا نضج يسمى المرد بفتح الميم وسكون الراء والمعنى أن عمر رضى الله عنه كره التمتع لأنه يقضى التحلل ووطء النساء إلى حين الخروج إلى عرفات، فبين العلة التى لأجلها كره التمتع، وكان من رأيه عدم الترفه للحاج بكل طريق. فكرة قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر البلل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده به، ومن يتفعلم ينفطم (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق قال وأخبرنى هشيم عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن عمارة عن أبى بردة- الحديث" (تخريجه)(م. نس. جه. هق. وغيرهم)

(126)

عن سالم بن عبد الله بن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا روح ثنا صالح بن أبى الأخضر ثنا ابن شهاب عن سالم- الحديث (غربيه)(3) يشير إلى قوله عز وجل {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}

ص: 161

-[من قال أن متعة النساء والحج كانتا جائزتين أوَّلاً للحاجة اليها ثم نسختا]-

يلتمس به تمام العمرة فلم تحرِّمون ذلك وقد أحلَّه الله وعمل به رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تتبَّبعوا أم سنَّة عمر؟ إنَّ عمر لم يقل لكم إنَّ العمرة في أشهر الحجِّ حرام، ولكنَّه قال أتمُّ العمرة أن تفردوها من أشهر الحجِّ

(127)

عن أبى نضرة قال قلت لجابر بن عبد الله إنَّ ابن الزُّبير رضى الله عنهما ينهى عن المتعة وإنَّ ابن عبَّاس رضي الله عنهما يأمر بها، قال فقال لى على يديَّ جرى الحديث، تمتَّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عفَّان ومع أبى بكر، فلمَّا ولى عمر خطب النَّاس فقال إنَّ القرآن هو القرآن وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرَّسول وإنَّهما كانتا متعتان على عبد رسول الله

(1) يعني أن تكون مفردة مستقلة عن الحج لتكون أشق على النفس فيكون ثوابها أعظم، هذه وجهة نظر عمر رضى الله عنه (2) يعنى أنه لا قول لأحد بعد قول الله عز وجل ورسوله، ومع هذا فان عمر لم يخالف الله ورسوله ولم يقل بتحريم العمرة، بل قصد بنهيه الأثم والأفضل فى نظره وهو مجتهد، ولا لوم عليه فى ذلك والله أعلم (تخريجه)(هق) وفى اسناده صالح بن أبى الأخضر، قال يحيى بن معين ضعيف، وقال الأمام أحمد يعتبر به، وقال العجلى يكتب حديثه وليس بالقوى

(127)

عن أبى نضرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز قال وثنا عفان قالا ثنا همام ثنا قتادة عن أبى نضرة- الحديث (غربيه)(3) هو أحد رجال السند يعنى أنه زاد فى روايته ومع أبى بكر (4) يريد أن كتاب الله عز وجل محفوظ لا يعتبر به تغيير ولا تبجيل وانه واجب الاتباع، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه مسموع وأمره مطاع لأنه لا ينطق عن الهوى (وأنهما كانتا متعتان) جائزتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاجة اليهما وقد انتهت الحاجة "احداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء"(وأما متعة الحج) فقد قال الله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} وقد فهم عمر رضى الله عنه من ذلك أن إتمامهما إفراد كل واحد منهما عن الآخر وأن تكون العمرة فى غير أشهر الحج، فقد روى عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهرى قال بلغنا أن عمر قال في قول الله تعالى

ص: 162

-[كلام العلماء فيما استقر عليه الأمر في متعة الحج ومتعة النساء]-

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم متعة الحجِّ والأخرى متعة النِّساء

(128)

عن يونس عن الحسن أنَّ عمر رضى الله عنه أراد أن ينهى عن متعة الحجِّ فقال له أبىُّ (بن كعب) رضي الله عنه ليس ذاك لك قد تمتَّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينهنا، فأضرب عن ذلك عمر رضى الله عنه وأراد أن ينهى عن حلل الحبرة لأنَّها تصبغ بالبول، فقال له أبىُّ ليس ذلك لك، قد لبسهنَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ولبسناهنَّ في عهده

"وأتموا الحج والعمرة لله" من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر وأن تعتمر في غير أشهر الحج، إن الله تعالى يقول "الحج أشهر معلومات" وقال هشام عن ابن عوف سمعت القاسم بن محمد يقول ان العمرة في أشهر الحج ليست بتامة، فقيل له فالعمرة في المحرم؟ قال كانوا برونها تامة (وأما متعة النساء) فقد روى الشيخاني والأمام أحمد عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية (وعن سبرة الجهني) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة" رواه الأمام أحمد وأبو داود، وسيأتي في باب نكاح المتعة الى يوم القيامة، وأما متعة الحج فقد اختلف فيها الصحابة ثم انعقد الأجماع بعد ذلك على جواز الأفراد والقران والتمتع كما سيأتي في الأحكام عن النووي والله أعلم (تخريجه) (م. هق. وغيرهما) ولفظ مسلم عن جابر تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل بنازله "فأتموا الحج والعمرة" كما أمركم الله وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة الى أجل إلا رجمته بالحجارة (وله في رواية) فافصلوا حجكم من عمرتكم فانه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم

(128)

عن يونس عن الحسن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنبأنا يونس عن الحسن_ الحديث" (غريبه)(1) أي ليس ذاك من حقك، وإنما هو من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرع وقد تمتعنا ولم ينهنا (2) أي فأعرض عن قوله ولم يعره التفاتا، لأن له نظرا خاصا في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم بيانه (3) بوزن عنبة ثياب يمانية من قطن أو كتان مخططة، والجمع حبر وحبرات مثل عنب وعنبات (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال الحسن لم يسمع من

ص: 163

-[نهي عثمان وابن الزبير رضى الله عنهم عن المتعة وإنكار ابن عباس عليهما ذلك]-

(129)

عن سعيد بن المسيَّب قال اجتمع علىّ وعثمان رضى الله عنهما بعسفان فكان عثمان رضى الله عنه ينهي عن المتعة والعمرة فقال له علىّ رضى الله عنه ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تنهى عنها فقال عثمان رضي الله عنه دعنا منك

(130)

عن إسحاق بن يسار قال إنَّا لبمكَّة إذ خرج علينا عبد الله ابن الزُّبير رضي الله عنهما فنهى عن التَّمتُّع بالعمرة إلى الحجِّ وأنكر أن يكون النَّاس صنعوا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك عبد الله بن عبَّاس رضى الله عنهما، فقال وما علم ابن الزُّبير بهذا؟ فليرجع إلى أمِّه أسماء بنت

أبي ولا من عمر ورجاله رجال الصحيح

(129)

عن سعيد بن المسيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب_ الحديث" (غريبه)(1) قال النووي رحمه الله المختار أن المتعة التي نهى عنها عثمان هي التمتع المعروف في الحج وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم، وإنما نهيا عنها لأن الأفراد أفضل، فكان عمر وعثمان يأمران بالأفراد لأنه أفضل. وينهيان عن التمتع نهي تنزيه لأنه مأمور بصلاح رعيته، وكان يرى الأمر بالأفراد من جملة صلاحهم والله اعلم (2) أي ما تقصد بنهيك هذا عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) أي اتركنا من كلامك، وإنما قال عثمان ذلك لأنه يرى أن ما رآه من مصلحة الناس، زاد مسلم فقال (يعني عليا رضي الله عنه لا أستطيع أن أدعك، فلما أن رأى علىّ ذلك أهل بهما جميعًا (قال النووي) ففيه اشاعة العلم وإظهاره ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه ووجوب مناصحة المسلم في ذلك، وهذا معنى قول علي لا أستطيع أن أدعك، وأما إهلال علي بهما فقد يحتج به من يرجح القران، وأجاب عنه من رجح الأفراد بأنه إنما أهل بهما ليبيبن جوازهما لئلا يظن الناس أو بعضهم أنه لا يجوز القران ولا التمتع وأنه يتعين الأفراد والله اعلم (تخريجه)(ق. هق)

(130)

عن اسحاق بن يسار (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا يعقوب بن ابراهيم قال حدثني أبي عن ابن اسحاق قال حدثني أبي إسحاق بن يسار

ص: 164

-[نهي ابن الزبير عن متعة الحج وانكار ابن عباس عليه واستشهاده بأمه أسماء امرأة الزبير]-

أبي بكر رضى الله عنهما فليسألها فإن لم يكن الزُّبير قد رجع إليها حلالًا وحلَّت، فبلغ ذلك أسماء فقالت يغفر الله لابن عبَّاس، والله لقد أفحش، قد والله صدق ابن عبَّاس، لقد حلوُّا وأحللنا وأصابوا النِّساء

(131)

عن مسلم القرِّيِّ قال سألت ابن عبَّاس عن متعة الحجِّ فرخَّص فيها وكان ابن الزُّبير ينهى عنها، فقال هذه أمُّ ابن الزُّبير تحدث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص فيها فأدخلوا عليها فاسألوها، قال فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء فقالت قد رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها

قال إنا لبمكة_الحديث" (غريبه) (1) ظاهر هذا أن الزبير حل مع من أحلوا وليس كذلك، فقد ثبت عند مسلم والامام أحمد وغيرهما وسيأتي في هذا الباب ان الزبير كان معه الهدى فلم يحل، وأسماء لم يكن معها هدى فحلت (2) يعني أنه جاوز الحد في كلامه لأمرين (الأمر الاول) لن في قوله فليرجع "يعني ابن الزبير الى أمه الخ" تلميحا بأن الزبير أصاب أسماء حينما حل كما فعل من أحلوا مع نسائهم، وهذا لا ينبغي التلميح به (الأمر الثاني) أن كلامه يفهم منه أن الزبير قد حل من احرامه والواقع غير ذلك، فقد كان معه الهدى ولم يحل، وسيأتي في حديث أسماء انها قالت فلم يكن معي هدى فحللت وكان مع الزبير زوجها هدى فلم يحل، قالت فلبست ثيابي وحللت فجئت الى الزبير فقال قومي عني قالت فقلت أتخشى أن أثب عليك؟ "ويجاب عن ابن عباس" في الأمر الأول بأنه كان يفهم أن الزبير حل مع من أحلوا لأنه كان محرما بعمرة ولم يعلم أنه ساق الهدى وإن كان هذا الفهم خطأ فالخطأ مغتفر، ولذلك دعت له أسماء بالمغفرة لأنها فهمت أن ذلك ناشئ عن خطأ لا عن عمد. أما قولها 0 قد والله صدق ابن عباس) فانها تعني أن بعض الناس قد كان معتمرا وحل وأصاب النساء حقيقة كما قال ابن عباس، والله اعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السباق لغير الأمام أحمد، ورواه مسلم بسياق آخر سيأتي بعد هذا

(131)

عن مسلم القرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا شعبة عن مسلم القرى_ الحديث" (غريبه)(3) هو بقاف مضمومة ثم راء مشددة، قال السمعاني هو منسوب الى نبي قرة حي من عبد القيس (تخريجه)(م. هق)

ص: 165

-[رجوع عبد الله بن الزبير عن نهيه عن التمتع بالعمرة الى الحج]-

(132)

عن عبد الله بن شريك الِّعامرىِّ قال سمعت عبد الله بن عمر وعبد الله بن عبَّاس وعبد الله بن الزُّبير رضى الله عنهم سئلوا عن العمرة قبل الحجِّ في المتعة فقالوا نعم سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم فتطوف بالبيت بين الصَّفا والمروة ثمَّ تحلُّ وإن كان ذلك قبل يوم عرفة بيوم ثمَّ تهلُّ بالحجِّ فتكون قد جمعت عمرةً وحجَّةً أو جمع الله لك عمرةً وحجَّةً

(133)

عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت خرجنا محرمين

(132) عن عبد الله بن شريك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبيس ثنا اسحاق بن يوسف عن شربك عن عبد الله بن شربك_ الحديث" (غريبه) (1) ان قيل هذا ينافي ما تقدم في الحديثين السابقين من نهي عبد الله بن الزبير عن التمتع بالعمرة إلى الحج وإنكاره على من فعل ذلك (فالجواب) أن ذلك كان قبل أن يتحقق وقوعه للناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة بالوداع، وغيرها فلما تحقق وقوعه من آمه رجع عن الأنكار وأفنى بالجواز، والرجوع الى الحق فضيلة (2) ظاهره جواز الحل بعد الطواف والسعي بين الصفا والمروة، وليس كذلك، بل الحل لا يكون إلا بعد الحلق والتقصير، وإنما حذف للعلم به لأنهم كانوا يعلمون أنه من لوازم الحل، وقد صرح بالحلق أو التقصير في حديث ابن عباس، وتقدم في باب ما جاء في الأفراد قال "وامر من لم يكن ساق الهدى أن يطوف وان يسعى ويقصر أو يحلق ثم يحل" (3) يعني يوم التروية وهو غاية المدة التي يجوز التحلل فيها، والغرض أن يحرم بالحج يوم التروية كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين تحللوا سواء حل من العمرة يوم التروية أو قبلها بأيام، وليهد إن تيسر له، فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع (4) أي كتب الله له ثواب عمرة مستقلة وحجة كذلك والله أعلم (تخريجه)(طب) اورده الهيثمي بلفظه. وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وعبد الله بن شربك وثقه أبو زرعة وابن حبان، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح

(133)

عن أسماء بنت أبي بكر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن بكر قال أنا ابن جريج وروح قال ثنا ابن جريج قال أخبرني منصور بن عبد الرحمن عن صفية بنت شيبة وهي أمه عن أسماء الخ (غريبه)(5) هكذا عند مسلم أيضًا

ص: 166

-[حجة القائلين بجواز التمتع وأن المتمتع لا يحل من احرامه إذا كان معه هدى]-

فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليتمَّ (وفى لفظٍ فليقم على إحرامه) ومن لم يكن معه هدي فليحلل، قالت فلم يكن معى هدى فحللت وكان مع الزُّبير زوجها هدى فلم يحلَّ قالت فلبست ثيابى وحللت؛ فجئت إلى الزُّبير، فقال قومي عنىِّ قالت فقلت أتخشى أن أثب عليك

(134)

عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أمر النَّاس عام حجَّة الوداع، فقال من أحبَّ أن يبدأ منكم بعمرة قبل الحجِّ فليفعل، وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجَّ ولم يعتمر

(135)

وعنها أيضًا رضى الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

خرجنا محرمين، وله في رواية أخرى "مهلين بالحج" والمعنى أن بعضهم كان مهلا بحج وبعضهم بعمرة كما صرحت بذلك عائشة في حديثها المتقدم في أول باب التخبير في الأحرام وفيه "فمنهم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بحجة" وكانت أسماء وطائشة أهلتا بعمرة كما صرحت بذلك أسماء في حديثها المذكور في الباب المشار اليه وفيه "قالت أسماء وكنت أنا وعائشة والمقداد والزبير ممن أهل بعمرة"(1) هذا اللفظ لروح أحد رجال السند، ومعناه فليبق محرما حتى يتحلل يوم النحر (2) هذا تصريح بأن الزبير لم يتحلل في حجة الوداع قبل يوم النحر خلافا لمل فهمه ابن عباس، وقد تقدم الكلام عليه قبل حديثين (2) إنما أمرها بالقيام مخافة من عارض قد يندر منه كلمس بشهوة أو نحوه، فان اللمس بشهوة حرام في الأحرام، فاحتاط لنفسه بمباعدتها من حيث أنها زوجة متحللة تطمع بها النفس (تخريجه)(م. هق. وغيرهما)

(134)

(عن عائشة رضي الله عنها هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب ما جاء في الأفراد، وإنما ذكرته هنا لمناسبة الترجمة ولأنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم التمتع بالعمرة فدل على جواز ذلك والله اعلم

(135)

وعنها أيضا رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن ابن شهاب وحدثنا محمد بن جعفر قال ثنا مالك عن

ص: 167

-[حجة القائلين بجواز التمتع وأن المتمتع لا يحل من إحرامه إذا كان معه هدى]-

عام حجَّة الوداع فأهللنا بعمرةٍ ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدى فليهلَّ بالحجِّ مع العمرة ثمَّ لا يحلُّ حتَّى يحلَّ منها جميعًا قالت فقدمت مكَّة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصَّفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انقضى رأسك وامتشطى وأهلِّى بالحجِّ ودعى العمرة قالت ففعلت، فلمَّا قضينا الحجَّ أرسلنى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مع عبد الرَّحمن بن أبى بكر إلى التَّنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الَّذين أهلوُّا بالعمرة بالبيت وبين الصَّفا

الزهري عن عروة عن عائشة_ الحديث" (غريبه) (1) تعني نفسها وآخرين وافقوها، وأحرم آخرون بالحج كما ثبت في الآحاديث المتقدمة (2) قال القاضي عياض رحمه الله الذي تدل عليه نصوص الآحاديث في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال لهم هذا القول بعد إحرامهم بالحج في منتهى سفرهم ودنوهم من مكة بسرف كما جاء في رواية عائشة، أو بعد طوافه بالبيت وسعيه كما جاء في رواية جابر، ويحتمل تكرار الامر بذلك في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة (3) أي اتتركي العمل فيها وإتمام أفعالها التي هي الطواف والسعي وتقصير شعر الرأس، وليس معناه رفضها بالكلية، وإنما أمرها صلى الله عليه وسلم بالأعراض عن أفعال العمرة وأن تحرم بالحج فتكون قارنة وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها إلا الطواف فتؤخره حتى تطهر وكذلك فعلت، ومما يؤيد ذلك ما تقدم في حديث جابر في آخر باب ما يصنع من أراد الاحرام من الفعل والطيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها طوفي بالبيت "يعني طواف الأفاضة" وبين الصفا والمروة، ثم قد أحللت من حجك وعمرتك، فهذا يفيد بقاء عمرتها صحيحة مجزئة وأنها كانت قارنة (4) معناه أنها أرادت أن يكون لها عمرة منفردة عن الحج كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج الى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قيل يوم التروية ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصل لهم عمرة منفردة وحجة منفردة، وأما عائشة فأنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر يسعك طوافك لحجك وعمرتك، أي وقد تما وحسبا لك جميعا فأبت وأرادت عمرة منفردة كما حصل لباقي الناس، فلما اعتمرت عمرة منفردة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 168

-[أحكام الباب وكلام العلماء في المراد بالنهى عن المتعة]-

والمروة، ثمَّ أحلوُّا ثمَّ طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منًي لحجِّهم، فأمَّا الَّذين جمعوا الحجَّ فطافوا طوافا واحدا

هذه مكان عمرتك أي التي كنت تريدين حصولها منفردة غير مندرجة فمنعك الحيض من ذلك، وإنما حرصت على ذلك لتكثر أفعالها فيزداد ثوابها والله أعلم (1) أي بعد الحلق او التقصير كما تقدم (2) هذا دليل على أن القارن يكفيه طواف واحد عن طواف الركن وأنه يقتصر على أفعال الحج وتندرج أفعال العمرة كلها في أفعال الحج، وبهذا (قال الأمام الشافعي) وهو محكى عن ابن عمر وجابر وعائشة (والأمة مالك وأحمد) واسحاق وأبو داود، وقال (الأمام أبو حنيفة) يلزمه طوافان وسعيان، وهو محكى عن علي بن أبي طالب وابن مسعود والشعبي والنخعي والله أعلم (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)(الاحكام) أحاديث الباب تدل على جواز التمتع بالعمرة الى الحج في أشهر الحج سواء أكانت العمرة مفردة أو مقرونة بالحج، أما أحاديث النهي الواردة في الباب عن عمر وعثمان وعبد الله ابن الزبير فتقدم الكلام عليها في الشرح ونزيد هنا ما لم يذكر هناك (قال المازري) رحمه الله اختلف في المتعة التي نهى عنها عمر في الحج فقيل فسخ الحج الى العمرة وقيل هي العمرة في أشهر الحج ثم الحج من عامه، وعلى هذا إنما نهى عنها ترغيبا في الأفراد الذي هو أفضل لا أنه يعتقد بطلائها او تحريمها (وقال القاضي عياض) ظاهر الأحاديث أن المتعة التي اختلفوا فيها إنما هي فسخ الحج الى العمرة، قال ولهذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الناس عليها ولا يضربهم على مجرد التمتع في أشهر الحج، وإنما ضربهم على ما اعتقده هو وسائر الصحابة أن فسخ الحج الى العمرة كان مخصوصا في تلك السنة (قال ابن عبد البر) لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقول الله تعالى {فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدى" هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، قال ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفره للنسك الآخر من بلده، قال ومن التمتع أيضا فسخ الحج الى العمرة، هذا كلام القاضي (قال النووي) والمختار ان عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه، ومرادهم نهى أولوية للترغيب في الأفراد لكونه أفضل، وقد انعقد الأجماع بعد هذا على جواز الأفراد والتمتع والقران من غير كراهة، وإنما اختلفوا في الأفضل منها اخ (قلت) تقدم الكلام في التفضيل في آخر باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم في الاحكام صحيفة 98 من هذا الجزء فارجع اليه والله الموفق

ص: 169

-[تاريخ قتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وسببه]-

(9)

باب جواز ادخال الحج على العمرة والتحلل بالأحصار

(136)

عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجَّة الوداع فأهللت بعمرةٍ ولم أكن سقت الهدى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه الهدى فليهلَّ بالحجِّ مع عمرته ثمَّ لا يحلُّ حتَّى يحلَّ منهما جميعا فحضت، فلمَّا دخلت ليلة عرفة قلت يا رسول الله إنِّى كنت أهللت بعمرةٍ فكيف أصنع بحجَّتى؟ قال انقضي رأسك وامتشطى وأمسكى عن العمرة وأهلِّى بالحجَّ، فلمَّا قضيت حجَّتى أمر عبد الرحمن بن أبى بكر فأعمرنى من التَّنعيم مكان عمرتى التَّى نسكت عنها

(137)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى حدَّثنا هيحيى عن عبيد الله أخبرنى نافع أنَّ عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلَّما عبد الله (يعنى ابن عمر رضى الله عنهما) حين نزل الحجَّاج لقتال ابن الزُّبير فقالا لا يضرُّك

(136) عن عروة عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة_ الحديث (غريبه)(1) هذا موضع الدلالة من الحديث، ففيه ادخال الحج على العمرة وبهذا يكون قارنا وتكفيه أفعال الحج عن أفعال العمرة (2) أي عن بقية أفعالها لأن أفعال الحج تغني عنها (3) أي مكان عمرتي في التي أدركني الحج فيها ولم أحلل منها كما صرح بذلك في رواية لمسلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(137)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(4) هو ابن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب العمري أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة والعلماء الاثبات (ونافع) هو العدوى مولاهم أبو عبد الله أحد الاعلام، روى عن مولاه ابن عمر وأبي لبابة وأبي هريرة وعائشة وخلق، وروى عنه ابناه أبو بكر وعمر وأيوب وابن جريج ومالك وخلائق (قال البخاري) أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر (5) هما ابنا عبد الله ابن عمر (6) سبب ذلك على ما ذكره أصحاب الأخبار أنه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يستخلف بقي الناس بلا خليفة شهرين وأياما، فأجمع أهل الحل والعقد من أهل مكة

ص: 170

-[جواز إدخال الحج على العمرة والتحلل بالأحصار]-

أن لا تحجَّ هذا العام، فإنَّا نخشى أن يكون بين النَّاس قتال، وأن يحال بينك وبين البيت، قال إن حيل بينى وبينه فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حين حالت كفَّار قريش بينه وبين البيت أشهدكم أنِّى قد أوجبت عمرةً فإن خلِّى سبيلى قضيت عمرتى، وإن حيل بينى وبينه فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه ثمَّ خرج حتَّى أتى ذا الحليفة فلبَّي بعمرةٍ ثمَّ تلا {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ثمَّ سار حتَّى إذا كان بظهر البيداء قال ما أمرهما إلَاّ واحد، إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحجِّ، أشهدكم أنِّى قد أوجبت حجَّةً مع عمرتى فانطلق حتَّى ابتاع

فبايعوا عبد الله بن الزبير وتم له ملك الحجاز والعراق وخراسان وأعمال المشرق، وبابع أهل الشام ومصر مروان بن الحكم، فلم يزل الأمر كذلك حتى مات مروان وولى ابنه عبد الملك فمنع الناس الحج خوفًا أن يبايعوا ابن الزبير ثم بعث جيشًا أمَّر عليه الحجاج بن يوسف الثقفى فقاتل أهل مكة وحاصرهم حتى غلبهم وقتل ابن الزبير وصلبه، وذلك سنة ثلاث وسبعين (1) يعنى فى عمرة الحديبية حيث منعوا النبى صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، فقد روى الأمام مالك فى الموطأ أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدى وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شئ قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل اليه الهدى؛ ثم لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدًا من أصحابه (يعنى المتقدمين ى صحبته الملازمين له) ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئًا ولا يعودوا لشئ {وقوله أشهدكم} إنما قاله ليعلمه من أراد الاقتداء به ممن كانوا معه، فلهذا قال أشهدكم ولم يكتف بالنية مع أنها كافية فى صحة الأحرام (2) تقدم بيان ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية مالك فى الموطأ (3) أى لأنه ميقات أهل المدينة، وإنما أهل بعمرة ليوافق ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بعمرة الحديبية سنة ست (4) تقدم الكلام عليها وهى مكان قريب من ذى الحليفة {وقوله ما آمرهما إلا واحد} يعنى الحج والعمرة فى حكم الحصر، فاذا جاز التحلل فى العمرة مع أنها غير محدودة بوقت فهو فى الحج أجوز (5) يعنى أنه أدخل الحج على العمرة

ص: 171

-[جواز الاكتفاء بطواف القدوم عن طواف الأفاضة للقارن]-

بقديدٍ هديًا ثمَّ طاف لهما طوافًا واحدًا بالبيت وبالصَّفا والمروة ثمَّ لم يزل كذلك إلى يوم النَّحر (ومن طريقٍ ثانٍ) عن نافع خرج ابن عمر يريد العمرة فأخبروه أن بمكَّة أمرًا، فقال أهلُّ بالعمرة فإن حبست صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة، فلمَّا سار قليلا وهو بالبيداء قال ما سبيل العمرة إلَاّ سبيل الحجِّ أوجب حجَّا أو قال أشهدكم أنِّى قد أوجبت حجًّا، فإنَّ سبيل الحجِّ سبيل العمرة، فقدم مكَّة فطاف بالبيت سبعًا وبين الصَّفا والمروة سبعا، وقال هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فعل أتى قديدًا فاشترى هديًا فساقه

(138)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى حدَّثنا محمَّد بن جعفر وروح قالا حدَّثنا شعبة قال روح سمعت مسلمًا القرِّىَّ قال محمد عن مسلم القرِّي قال

فصار قارنا، وهذا موضع الدلالة من الحديث (1) بالتصغير موضع بين مكة والمدينة (2) يعني طواف القدوم اكتفى به عن طواف الأفاضة كما هو شأن القارن، وهذا معنى قوله "ثم طاف لهما" أي للحج والعمرة طوافا واحدا (وقوله ثم لم يزل كذلك) يعني محرما بالحج والعمرة (إلى يوم النحر) أي ثم تحلل بالنحر والحلاق أو التقصير (وفي رواية للشيخين) فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزل على ذلك ولم ينحر ولم يحلق ولم يقصر ولم يحلل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعني في حجة الوداع"(3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان ثنا أيوبي بن موسى عن نافع خرج ابن عمر-الحديث" (4) الظاهر أنه يشير بقوله هكذا إلى شراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى من قديد وسوقه، ويحتمل رجوع الأشارة إلى الأفعال المتقدمة أيضًا، ويؤيد ذلك رواية الشيخين المذكورة آنفًا، وفيها قال ابن عمر بعد ذكر هذه الأفعال المتقدمة "كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق. لك. هق. وغيرهم)

(138)

حدّثنا عبد الله (غريبة)(5) معناه أن روحا روى هذا الحديث

ص: 172

-[أحكام الباب ومذاهب العلماء في جواز إدخال الحج على العمرة]-

سمعت ابن عبَّاس رضى الله عنهما يقول أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة وأهلَّ أصحابه بالحجِّ، قال روح أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وأصحابه بالحجِّ فمن لم يكن معه هدى أحلَّ وكان ممَّن لم يكن معه هدي طلحة ورجل آخر فأحلَاّ

عن مسلم القرى بالسماع، وأما محمد بن جعفر فرواه عنه بالعنعنة " والقرى" بضم القاف وكسر الراء مشددة، وتقدم الكلام عليه في الباب السابق (1) لعله يريد بقوله "أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة" أي لبى بتا لا أحرم ليوافق الأحاديث الكثيرة الصحيحة عن ابن عباس أيضًا وغيره عند الشيخين والأمام أحمد وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج أولا (2) يعني أن روحا قال في روايته أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (يعني وبعض أصحابه) بالحج وهذه الرواية تؤيد ماقلنا من أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج أوّلا (وقال البيهقي) بعد ذكر هذا الحديث وقول من قال إنه أهل بالحج لعلة أشبه لموافقته رواية أبي العالية البراء وابي حسان الأعرج عن ابن عباس في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم بالحج والله أعلم (تخريجه)(م. نس. هق)(الأحكام) أحاديث الباب يستفاد منها جملة أحكام (منها) جواز إدخال الحج على العمرة كما في ترجمة الباب، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء لكن بشرط أن يكون الأدخال قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح (وهو قول الحنفية) وقبل ولو بعد تمام الطواف (وهو قول المالكية) وشذ بعض الناس فمنعه مطلقًا، وقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة، ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع ادخال الحج على العمرة قياسًا على منع إدخال العمرة على الحج مع أن إدخال العمرة على الحج ثابت بفعله صلى الله عليه وسلم وإن اختلفوا فيه، فجوزه أصحاب الرأي (وهو قول الشافعي) ومنعه آخرون وجعلوه خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتماد حينئذ في أشهر الحج (ومنها) أن القارن يقتصر على طواف واحد وسعي واحد (وهو مذهب الجمهور) وخالف فيه الأمام أبو حنيفة وطائفة (ومنها) جواز التحلل بالأحصار (ومنها) أن القارن يهدى، وشذ ابن حزم فقال لا هدى على القارن (ومنها) صحة القياس والعمل به وأن الصحابة رضي الله عنهم كان يستعملونه، ولهذا قاس ابن عمر رضي الله عنهما الحج على العمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تحلل من الأحصاء عام الحديبية من إحرامه بالعمرة وحدها (ومنها) جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجا السلامة. قاله ابن عبد البر (ومنها) غير ذلك تقدم بعضه في الشرح والله أعلم

ص: 173

-[كلام العلماء في معنى التلبية واشتقاقها]-

(10)

باب التلبية وصفتها واحكامها

(فيه ثلاثة فصول - الفصل الأول فيما جاء في ألفاظها وفضلها)

(139)

خط عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما كان يقول سمعت النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم يقول لبَّيك الَّلهمَّ لبَّيك لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد

(139)"خط" عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله قال وجدت كتاب أبي ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول -الحديث" (غريبة)(1) قال ابن المنير مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى (قال المازري) التلبية مثناة للتكثير والمبالغة ومعناها إجابة بعد إجابة ولزوما لطاعتك فثنى للتوكيد لا تثنية حقيقة (وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام) لب بالمكان إذا أقام به، فالملبي يخبر عن إقامته وملازمته لعبادة الله عز وجل وثنى هذا المصدر لتدل التثنية على الكثرة فكأنه يقول تلبية بعد تلبية أبدًا، وليس المراد مرتين فقط لقوله عز وجل {ثم ارجع البصر كرتين} المراد كرة بعد كرة أبدًا ما استطعت، وإذا كان المعنى في التلبية الأخبار بالملازمة على العبادة فهل المراد كل عبادة الله أيّ عبادة كانت ـو العبادة التي هو فيها من الحج؟ الأحسن عند المفسرين الثاني دون الأول للاهتمام بالمقصود (وقال القاضي عياض) قيل هذه الأجابة لقوله تعالى لابراهيم صلى الله عليه وسلم {وأذن في الناس بالحج} (وقال إبراهيم الحربى) في معنى لبيك أي قربا منك وطاعة والألباب القرب (وقال أبو نصر) معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع (2) يروى بكسر الهمزة من إن وفتحها وجهان مشهوران لأهل الحديث وأهل اللغة (قال الجمهور) الكسر أجود، قال الخطابى الفتح رواية العامة، وقال ثعلب الاختيار الكسر وهو الأجود في المعنى من الفتح، لأن من كسر جعل معناه إن الحمد والنعمة لك على كل حال، ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب (وقوله والنعمة لك) المشهور فيه نصب النعمة (قال القاضي عياض) ويجوز رفعها على الابتداء ويكون الخبر محذوفًا (قال ابن الأنباري) وإن شئت جعلت خبر إن محذوفًا تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك اهـ قال الكرماني وحاصله أن النعمة والشكر على النعمة كليهما لله تعالى {وقوله والملك} يجوز فيه الوجهان الرفع والنصب كما تقدم (قال ابن المنير) قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك، لأن الحمد متعلق النعمة، ولهذا يقول الحمد لله على نعمه؛ فكأنه قال لا حمد إلا لك لأنه لا نعمة إلا لك {وأما الملك} فهو مستقل بنفسه، ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك

ص: 174

-[من زاد في التلبية عن الوارد - ومعنى التلبية للمحرم واستحبابها]-

والنِّعمة لك والملك لا شريك لك، قال نافع وكان ابن عمر يقول وزدت أنا لبَّيك لبَّيك وسعديك والخير في يديك، لبَّيك والَّرغباء إليك والعمل

(140)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلُّ ملبِّدًا يقول لبَّيك اللهمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك، لا يزيد على هؤلاء الكلمات

(1) يستفاد منه جواز الزيادة على الوارد بما يحب من ذكر الله تعالى؛ ولكن الاقتصار على الوارد أفضل (2) قال القاضي عياض اعرابها وتثنيتها كما سبق في لبيك، ومعناه مساعدة لطاعتك بعد مساعدة (وقوله والخير في يديك) رواية مسلم (بيديك) بالباء بدل الفاء والمعنى واحد، وهو أن الخير كله بيد الله تعالى ومن فضله (3) يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر ونظيره العلا والعلياء والنعمى والنعماء، قاله المازري (وقال القاضي عياض) وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر الرغبي مثل سكري، ومعناه هنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير، وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة (تخريجه)(ق. لك. وغيرهما)

(140)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن اسحاق ثنا عبد الله أنا يونس عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر - الحديث" (غريبة)(4) هو حال من يهل (قال العلماء) التلبيد ضفر الرأس بالصمغ أو الخطمى وشبههما مما يضم الشعر ويلزق بعضه ببعض ويمنعه النمعط والقمل، فيستحب تلبيد الرأس قبل الأحرام لكونه أرفق به، وقد نص عليه الشافعي وأصحابه، وهو موافق لحديث الأعرابي الذي خر عن بعيره وهو محرم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يمسوه بطيب ولا يخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا (وفي رواية ملبدا) رواه الشيخان والأمام أحمد وتقدم مع الكلام عليه صحيفة 189 رقم 143 من كتاب الجنائز في الجزء السابع (5) هذا لا ينافى ما سيأتي من حديث أبي هريرة قال (كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اله الحق) لاحتمال أن ابن عمر لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وسمعها أبو هريرة، والظاهر أنه كان يقول هذه الجملة التي رواها أبو هريرة قليًلا لتضافر الروايات على رواية ابن عمر والله أعلم (تخريجه)(ق. هق. ك. والأربعة. وغيرهم).

ص: 175

-[تلبية رسول الله صلى الله التي كان بها يلبى بها في حجة الوداع]-

(141)

عن الضَّحَّاك (بن مزاحم) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كانت تلبية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لبَّيك لبَّيك الَّلهم لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنٍِّعمة لك والملك لا شريك لك (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال كان ابن عبَّاس إذا لبيَّ يقول لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك (فذكر مثل الطَّريق الأولى ثمَّ قال) وقال ابن عبَّاسٍّ انته إليها فإنَّها تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم

(142)

عن أبى عطيَّة قال قالت عائشة رضى الله عنها إنَّى لأعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبىِّ، قال ثمَّ سمعتها تلبيِّ تقول لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك، والملك لا شريك لك

(143)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال كان من تلبية رسول الله

(141) عن الضحاك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود ثنا شريك عن أبي إسحاق عن الضحاك -الحديث (غريب)(1) هكذا رواية الأمام أحمد في المسند لبيك لبيك مرتين قبل اللهم (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبي اسحاق عن الضحاك بن مزاحم قال كان ابن عباس -الحديث" (3) أي اعمل بتا فإن هذه الألفاظ كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ من حديث ابن عباس لغير الأمام أحمد؛ وأورده الهيثمي بلفظه وقال رواه أحمد ورجاله ثقات.

(142)

عن أبي عطية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن فضيل قال ثنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبلي عطية -الحديث" (غريبة)(4) اسمه مالك بن عامر الهمداني الوادغي (تخريجه)(خ. هق) وأخرجه أيضًا أبو داود الطيالسي في مسنده.

(143)

عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله ثنما عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة-الحديث"

ص: 176

-[جواز التلفظ بما أحرم به الأنسان في التلبية - ومن لبى بغير الوارد]-

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لبَّيك إله الحقِّ

(144)

عن بكر بن عبد الله المزنىِّ قال سمعت أنس بن مالك يحدِّث قال سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يليِّ بالحجِّ والعمرة جميعا، فحدَّثت ابن عمر بذلك فقال لبيَّ بالحجِّ وحده فلقيت أنسًا فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال ما تعدُّوننا إلَاّ صبيانًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبَّيك عمرةً وحجًّا

(145)

عن عبد الله بن أبى سلمة أنَّ سعد بن أبى وقَّاص رضى الله عنه سمع رجلا يقول لبَّيك ذا المعارج فقال إنَّه لذو المعارج ولكنَّا كنَّا مع

(تخريجه)(نس. جه. حل. هق. ك) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي.

(144)

عن بكر بن عبد الله المزنى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا حميد الطويل أنا بكر بن عبد الله المزنى-الحديث" (غريبة)(1) لا منافاة بين قول ابن عمر وقول أنس، قال النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أوًلا بالحج فلبى به فسمعه ابن عمر يلبي بالحج وحده، فأخبر بما سمع، ثم أدخل العمرة على الحج فلبى بهما جميعًا فسمعه أنس فأخبر بما سمع (2) أي كأنكم ما تأخذون بقولنا لعدكم إيانا صبيانًا حيئنذ ثم ذكر الحديث، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا، فهو صريح جدًا في كونه صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولا يقبل تأويًلا، وفيه أيضًا جواز التلفظ بما أحرم به الإنسان من حج أو عمرة أو بهما جميعًا في التلبية، وهذا موضع الدلالة منه والله أعلم (تخريجه)(ق. نس هق. وغيرهم).

(145)

عن عبد الله بن أبي سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة -الحديث (غريبة)(3) أي مصاعد الملائكة وهي السموات، وقال قتادة معناه ذا الفواضل والنعم اهـ. وجاء في حديث جابر تقدم في باب صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه التلبية بمثل ما جاء في حديث ابن عمر، ثم قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلم يقل لهم شيئًا، ففيه إشارة إلى جواز التلبية بذلك ونحوه من مل ذكر فيه تعظيم لله عز وجل، وسيأتي بسط

ص: 177

-[الأمر بالتلبية وفضلها وأنها مكفرة للذنوب]-

رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لا نقول ذلك

(146)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أضحى يومًا محرمًا ملبِّيًا حتَّى غربت الشَّمس غربت بذنوبه كيوم ولدته أمُّه

(الفصل الثاني فى حكم التلبية والجهر بها)

(147)

عن أمِّ سلمة رضى الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا آل محمَّد من حجَّ منكم فليهلَّ في حجِّه أو حجَّته شكَّ أبو عبد الرَّحمن

(148)

عن سعيد بن جبير قال أتيت على ابن عبَّاس رضى الله عنهما بعرفة وهو يأكل رمَّانًا، فقال أفطر رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم

الكلام على ذلك في الأحكام (تخريجه)(هق) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد الله لم يسمع من سعد بن أبي وقاص والله أعلم

(146)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد الخياط ثنا عاصم بن عمر عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن جابر ابن عبد الله-الحديث" (غريبة)(1) معناه أن من كان محرمًا بحج أو عمرة فلبى بعد ارتفاع الشمس من وقت الضحى إلى غروب الشمس، ويستثنى من ذلك وقت أكله وصلاته ونومه وأشغاله الضرورية غربت الشمس بذنوبه، وهو كناية عن غفران ذنوبه كلها صغيرها وكبيرها كما يستفاد من تشبيهه بالمولود وفضل الله واسع (تخريجه)(جه. طب) وفي إسناده عاصم بن عبيد الله وعاصم بن عمر بن حفص، وهما ضعيفان فالحديث ضعيف، والأحاديث الصحيحة المتقدمة في باب الحج تغنى عنه، والله أعلم

(147)

عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا حيوة وابن لهبمة قالا سمعنا يزيد بن حبيب يقو حدثني أبو عمران قال قالت أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -الحديث" (غريبة)(2) أي فليلب (وقوله شك أبو عبد الرحمن) يعني عبد الله بن الأمام أحمد (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد.

(148)

عن سعيد بن جبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا

ص: 178

-[الأمر برفع الصوت بالتلبية واستحباب ذلك]-

بعرفة وقد بعثت إليه أمُّ الفضل بلبن فشربه، وقال لعن الله فلانًا عمدوا إلى أعظم أيَّام الحجِّ فمحوا زينته؛ وإنَّما زينة الحجِّ التَّلبية

(149)

عن خلَاّد بن السَّائب بن خلَاّد عن أبيه رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال أتاني جبريل عليه السلام فقال مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالإهلال (وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتانى جبريل عليه السلام فقال أن آمر أصحابي

إسماعيل ثنا أيوب قال لا أدري أسمعته من سعيد ب جبير أم نبئته عنه، قال أتيت على ابن عباس بعرفة -الحديث" (غريبة)(1) لم يذكر اسم الملعون ولم أقف على من ذكره، ولعله من كبار كفار قريش قبل فتح مكة أو من مشركى العرب الذين تأخر اسلامهم (وقوله عمدوا) بواو الجماعة يعنى هو وأتباعه (2) أعظم أيام الحج هو يوم عرفة وأيام منى، لأنه يكثر فيها التلبية والتكبير وأعمال الحج (وقوله فمحو ازينته) إما أن يكون ذلك بتركهم التلبية بالكلية، وإما بادخالهم فيها لفظ الشرك وهو قولهم لبيك لا شريك لك الا شريكًا تملكه وما ملك، رواه مسلم والبيهقي من حديث ابن عباس، وسيأتي جميعه في الزوائد والله أعلم (تخريجه) أورده الحافظ السيوطي في الجامع الكبير، وعزاه لابن جرير وسنده جيد، لولا ماذكره أيوب من الشك في سماعه هل سمعه من سعيد بن جبير نفسه أو بلغه بواسطة ولم يذكر من الواسطة

(149)

عن خلاد بن السائب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بن الحارث عن خلاد بن السائل- الحديث" (غريبة) (3) أي التلبية كما صرح بذلك في رواية عند النسائي، وهذا الأمر حمله الجمهور على الندب وحمله الظاهرية على الوجوب (4) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن بن مهدى عن مالك وثنا روح قال ثنا مالك يعني ابن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب اِلأنصاري عن أبيه -الحديث"(5) لفظ الموطأ فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي الحديث "وأو" هنا للشك من الرواى اشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد اللفظين وكل منهما سد مسد الآخر

ص: 179

-[الأمر برفع الصوت بالتلبية وأنه من شعائر الدين]-

أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتَّلبية أو بالإهلال يريد أحدهما

(150)

عن السَّائب بن خلَاّد رضى الله عنه أنَّ جبريل عليه السلام أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال كن عجَّاجًا ثجَّاجًا. والعجُّ التَّلبية. والثَّج نحر البدن

(151)

عن زيد بن خالد الجهنىِّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم جاءنى جبريل عليه السلام، فقال يا محمَّد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتَّلبية فإنَّها من شعائر الدِّين

(152)

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه

(1) أي إظهارًا لشعائر الأحرام وتعليمًا للجاهل ما يستحب في ذلك المقام (وقوله أو بالأ هلال) أو للشك من الرواى والأهلال هو رفع الصوت بالتلبية كما تقدم، فالتصريح بالرفع معه زيادة بيان (وقوله يريد أحدهما) يعنى أنه صلى الله عليه وسلم انما قال أحد هذين اللفظين، لكن الراوى شك فيما قاله من ذلك فأتى بأو التي لأحد الشيئين، ثم زاد ذلك بيانًا بقوله "يريد أحدهما" وتقدم أنه جاء في رواية للنسائى التصريح بالتلبية بدون شك، ولابن ماجه بالأهلال، وفي رواية للحاكم في المستدرك والأمام أحمد وسيأتي بعد من حديث زبد بن خالد الجهني التصريح بالتلبية أيضًا (تخريجه)(لك. هق. ك. والأربعة) وصححه الترمذى وابن خزيمة والحاكم وابن حبان

(150)

عن السائب بن خلاد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال أنا محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حّنطب عن السائب بن خلاد أن جبريل -الحديث" (تخريجه)(طب) وفي اسناده محمد بن اسحاق ثقة ولكنه مدلس وقد عنعن.

(151)

عن زيد بن خالد الجهني (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني-الحديث" (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وقال صحيح الأسناد

(152)

عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا

ص: 180

-[الأمر برفع الصوت بالتلبية وفعلها عقب الصلاة]-

وسلَّم أمرني جبريل برفع الصَّوت في الإهلال فإنًَّه من شعائر الحجِّ

(153)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال إنَّ جبريل أتانى فأمرنى أن أعلن بالتَّلبية

(الفصل الثالث فى مدة التلبية وفعلها عقب الصلاة)

(154)

وعنه أيضًا رضى الله عنه أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم لبىَّ دبر الصَّلاة صلى الله عليه وسلم

(155)

عن ابن سخبرة قال غدونا مع عبد الله بن مسعود

أسامة بن زيد قال حدثني عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال سمعت ابا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -الحديث" (تخريجه)(هق. ك) وصححه، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله ثقات

(153)

ع ن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا عبد الصمد ثنا عبد الرحمن يعني ابن عبد الله بن دينار ثنا أبو حازم عن جعفر عن ابن عباس -الحديث" (غريبة)(1) يعني أن أجهرر بتا (تخريجه) لم اقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الحافظ في التلخيص، وعزاه للأمام أحمد فقط وسكت عنه.

(154)

وعنه أيضاً (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الحكم قنا عبد السلام بن حرب عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس-الحديث" (غريبة)(2) يعني أن أول إهلاكه بالتلبية كان عقبل تحلله من صلاة الركعتين سنة الأحرام، وبعد قال الأئمة الثلاثة (أبو حنيفة ومالك وأحمد- وقالت الشافعية) الأفضل أن يهل عند انبعاث راحلته، مستدلين بحديثي ابن عمر وجابر المتفق عليهما وتقدما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهل حتى استقلت به راحلته والله أعلم (تخريجه) أورده الحافظ في التلخيص وقال رواه أصحاب السنن (يعني الأربعة) والحاكم والبيهقي مطولا ومختصرا من حديث ابن عباس وفي اسناده خصيف وهو مختلف فيه اهـ.

(155)

عن ابن سخبرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا صفوان ابن عيسى أنا الحارث بن عبد الرحمن عن مجاهد عن ابن سخبرة قال غدونا - الحديث" (غريبة)(2) اسمه عيسى بن ميمون الواسطى عن مولاه القاسم بن محمد وحماد ابن سلمة، ويسميه الطفيل بن سخبرة، وعنه يزيد بن هارون وأبو نعيم رحمهم الله تعالى

ص: 181

-[استحباب التلبية في الذهاب من منى إلى عرفات]-

رضي الله عنه من منىً إلى عرفات فكان يلبىِّ، قال وكان عبد الله رجلًا آدم له ضفران عليه مسحة أهل البادية، فاجتمع عليه غوغاء من غوغاء النَّاس، قالوا يا أعرابىُّ إنَّ هذا اليوم ليس يوم تلبيةٍ إنَّما هو يوم تكبير، قال فعند ذلك التفت إلىَّ فقال أجهل النَّاس أم نسوا؟ والَّذى بعث محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِّ لقد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التَّلبية حتَّى رمى جمرة العقبة إلَاّ أن يخلطها بتكبير أو تهليل

(156)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال غدونا مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إلى عرفات منَّا المكبِّر ومنَّا الملبيِّ

(1) أي لأجل الوقوف بعرفة 02) الآدم من الناس السمر والجمع أدمان (وقوله له ضفران) تثنية ضفر، وهو نسج الشعر بعضه على بعض، والمعنى أن شعر رأسه كان طويلاً فجعله ذؤابتين (3) بفتح الميم أي يبه أهل البادية في لونهم وذيهم (4) أصل الغوغاء الجراد حين يخف للطيران، ثم استعير للسفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر، ويجوز أن يكون من الغوغاء الصوت والجلبة لكثرة لغطهم وصياحهم وهو المراد هنا، والمعنى أنه كثر صياح الناس بقولهم يا أعرابي الح (5) أي أجهل الناس أحكام الحج فلم علموها أم لموها ثم نسوها؟ (6) أي من منى إلى عرفة كما صرح بذلك في رواية الحاكم (حتى رمى جمرة العقبة) يعني يوم النحر (إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل) فإن ذلك جائز لأنه من الأذكار المطلوبة في هذه الأيام أيضاً، والله أعلم (تخريجه) رواه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) واقره الذهبي.

(156)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنبأنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن ابن عمر - الحديث (غريبة)(7) أي من منى كما صرح بذلك في رواية أخرى لمسلم (إلى عرفات) للوقوف بعرفة (منا المكبر ومنا الملبي) أي لأن هذا اليوم مما يستحب فيه التكبير أيضاً (تخريجه)(م. نس. هق. وغيرهم)

ص: 182

-[استحباب التلبية من عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة حتى رمى جمرة العقبة]-

(157)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أفاض من عرفات وردفه أسامة، وأفاض من جمع وردفه الفضل بن عبَّاس، قال ولبيَّ حتَّى رمى جمرة العقبة

(158)

عن عكرمة قال وقفت مع الحسين فلم أزل أسمعه يقول لبَّيك حتى رمى الجمرة فقلت يا أبا عبد الله ما هذا الإهلال؟ قال سمعت عليَّ بن أبى طالب رضى الله عنه يهلُّ حتَّى انتهي إلى الجمرة وحدَّثنى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ حتَّى انتهى إليها (وعن من طريقٍ ثانٍ) قال أفضت مع الحسين بن علىّ رضي الله عنهما من المزدلفة فلم أزل أسمعه يلبيِّ حتَّى رمي جمرة العقبة، فسألته فقال أفضت مع أبى من المزدلفة، فلم أزل معه يلبيِّ حتَّى رمى جمرة العقبة، فسألته فقال أفضت مع النَّبيِّ صلَّى الله

(157) عن ابن عباس رضي الله عنهما (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس -الحديث" (غريبة)(1) يعني المزدلفة وسميت بجمع لاجتماع الناس فيها أو لجمعهم صلاة المغرب مع العشا فيها جمع تأخير (تخريجه) لم أقف عليه من حديث ابن عباس لغير الأمام أحمد وسنمده جيد، ورواه مسلم وغيره من حديث ابن عباس عن الفضل بن عباس وسيأتي مثله للإمام أحمد أيضاً في هذا الباب والله أعلم

(158)

عن عكرمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن أبى عدى عن محمد بن اسحاق حدثنى أبان بن صالح عن عكرمة-الحديث" (غريبه) (2) هو الحسين بن على رضي الله عنهما؛ ويحتمل أن هذا الوقوف كان بعرفة، ويحتمل أنه كان بالمزدلفة لقوله في الطريق الثانية "افضت مع الحسين بن علي رضي الله عنهما من المزدلفة" (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن سلمة عن أبى اسحاق عن ابان بن صالح عن عكرمة قال افضت مع الحسين-الحديث"(4) في هذه المرة قال" فلم أول معه" بخلاف التي قبلها والتي بعدها فانه قال "فلم أزل أسمعه" هكذا بالأصل

ص: 183

-[استحباب التلبية يوم النحر حتى يرمى جمرة العقبة]-

عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، فلم أزل أسمعه يلبيِّ حتَّى رمي جمرة العقبة

(159)

عن الفضل بن العباس رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لبىَّ يوم النَّحر حتى رمى جمرة العقبة

(تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وسنده جيد

(159)

عن الفضل بن العباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان حدثنا وهيب ثنا عبد الله بن عثمان بن خشيم عن أبي الطفيل عن الفضل بن عباس -الحديث" (تخريجه) (ق. والأربعة) (زوائد الباب) (عن أبي هريرة رضية الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أهل قط إلا بشّر ولا مكبر قط إلا بشّر، قيل يارسلو الله بالجنة؟ قال نعم، رواه الطبراني في الأوسط باسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، ورواه أيضًا البيهقي إلا أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أهل مهل قط إلا آبت الشمس بذنوبه) يقال أهلّ الملى إذا رفع صوته بالتلبية (وعن سهل بن سعد) رضيى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من ملب يلبى إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا عن يمينه وشماله، رواه الترمذى وابن ماجه والبيهقى كلهم من رواية اسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن أبى حازم عن سهل ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبيدة يعنى ابن حميد حدثنى عمارة بن غزية عن أبى حازم عن سهل ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبيدة يعنى ابن حميد حدثنى عمارة بن غزية عن أبى حازم عن سهل، ورواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) واقره الذهبي " وقوله حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا اله" معناه حتى يلبى جميع ما على يمينه وشماله من حجر الأرض ومدرها وشجرها إلى منتهاها من المشرق إلى المغرب والغاية محذوفة أي إلى منتهى الأرض، والمدر هو الطين المستحجر، وفائدة المسلم من تلبية الحجر والشجر والمدر معرفة فضل هذا الذكر وأن له عند الله شرفًا ومكانة، ولا يبعد أن يكتب له ثواب ذلك كأنه فعله بنفسه زيادة عن ذكره الخاص لأن المتسبب فيه والله أعلم

(وعن أبى بكر الصديق) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال العج والنج، رواه (مذ. جه. خز) كلهم من رواية محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن ابن يربوع، وقال الترمذى لم يسمع محمد من عبد الرحمن، ورواه الحاكم وصححه وأقره الذهبى، ورواه البزار إلا أنه قال مابال الحج؟ قال العج والثج، قال وكيع يعني بالعج العجيج بالتلبية والثج نحر البدن يعني لثج الدم من المنحر، وتقدم حديث السائل بن خلاد في أحاديث الباب

ص: 184

-[زوائد الباب في فضل التلبية وألفاظها والجهر بها]-

.....

المتقدمة في ذلك (وعن عامر بن ربيعة) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أضحى مؤمن يلبى حتى تغرب الشمس إ لا غابت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه (جه. هق) ورواه الطبراني في الكبير، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الحج العج والثج، فأما العج فالتلبية، وأما الثج فنحر البدن (عل) وفيه رجل ضعيف (وعن عبد الله بن عروة) قال سمعت عبد الله ابن الزبير ونحن معه قد خرجنا نعتمر، فلما انحدرنا من الأكمة في الوادي اغتسل ابن الزبير وصلى ركعتين واغتسلنا معه وصلينا ركعتين ثم أهل بالتلبية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، قال عبد الله بن عروة سمعت ابن الزبير يقول "هذه والله تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم في دبر الصلاة (طس) وفيه من لم أعرفه (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال كانت تلبية موسى صلى الله عليه وسلم لبيك عبدك وابن عبديك، وكانت تلبية عيسى صلى الله عليه وسلم لبيك عبدك وابن أمتك وكانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك لا شريك لك (بز) وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (عل) من رواية عبد الله بن نمير عن اسماعيل ولم ينسبه، فإن كان ابن أبى خالد فهو من رجال الصحيح، وإن كان اسماعيل بن ابراهيم بن مهاجر فهو ضعيف، وكلاهما روى عنه (وعنه أيضًا) قال كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك حجًا حقًا تعبدًا ورقًا (بز) مرفوعًا وموقوفًا ولم يسم شيخه في المرفوع (وعن أبى الطفيل) رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته القصوى بهل والناس يقتل بعضهم بعضا يريدون أن ينظروا إليه (بز) وفيه محمد بن مهزم ولم يجرحه أحد، وقد ذكره ابن أبى حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات، فلما قال لبيك الله لبيك قال إنما الخير خير الآخرة (طس) وإسناده حسن (وعن حزيمة بن ثابت) رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من تلبيته سال الله عز وجل مغفرته ورضوانه واستعتقه من النار (طب) وفيه صالح بن محمد بن زائدة وثقة الأمام أحمد وضعفه خلق، ورواه الأمام الشافعى والدار قطنى أيضًا بلفظ "سال الله عز وجل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار"(وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه كنا نخرج حجاجًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بلغ من الغد الروحاء حتى تبح حلوقنا يعنى من رفع الصوت بالتلبية (طس) وفيه عمر ابن صهبان وهو ضعيف (وعن القاسم بن محمد) قاتل كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته

ص: 185

-[زوائد الباب في تلبية المشركين وسبها]-

.....

أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (قط)(وعن عطاء عن ابن بعاس) قال برفع الحديث إنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر (مذ. وصححه)(وعن ابن عباس) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلبى المعتمر حتى يستلم الحجر (د)(وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال لا تصعد المرأة فوق الصفا والمروة ولا ترفع صوتها بالتلبية (هق) وقال موقوف وترجم له البيهقى (باب المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية استدلالا بما مضى من قول النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) ثم ذكره بسنده إلى ابن عمر.

(فصل منه فيما جاء في تلبية المشتركين وسببها)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان الناس بعد اسماعيل على الأسلام فكان الشيطان يحدث الناس بالشيء يريد أن يردهم عن الأسلام حتى أدخل عليهم في التلبية، لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، قال فما زال حتى أخرجهم عن الأسلام إلى الشرك (بز) ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال إن المشركين كانوا يطوفون بالبيت فيقولون لبيك لبيك لا شريك لك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم قد قد، فيقولون إلا شركا هو لك تملكه وما ملك، ويقولون غفرانك غفرانك، قال فأنزل الله عز وجل "وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" فقال ابن عباس كان فيهم أمانان، نبي الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار، قال فذهب نبى الله صلى الله عليه وسلم وبقى الاستغفار "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وماكانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" قال فهذا عذاب الآخرة وذلك عذاب الدنيا (هق) وقال أخرجه مسلم في الصحيح من حديث النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار مختصرا دون قولهم غفرانك إلى آخرره اهـ (قلت) وقوله "قد قد" قال القاضي عياض روى باسكان الدال وكسرها مع التنوين، ومعناه كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدو (وعنه أيضًا) قال كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكهوما ملك، فأنزل الله تعالى " هل لك ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) (طس) وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف (وعن عمر ابن معد يكرب) رضي الله عنه قال لقد رايتنا في الجاهلية ونحن إذا حججنا البيت نقول:

هذي زبيد قد أتتك قسرا

تغدوا بتا مضمرات شزرًا

يقطعن خبتا وجبالا وعرا

قد تركوا الأصنام خلوًا صفرًا

ونحن اليوم نقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك (بز. طب. طص. طس) إلا أنه قال لقد رأيتنا

ص: 186

-[كلام العلماء في مشروعية التلبية وألفاظها]-

.....

من قرن ونحن إذا حججنا قلنا

لبيك تعظيمًا اليك عذرا

هذى زبيد قد أتتك قسرا

يقطعن خبتًا وجباًلاوعرا

قد خلفوا الأمداد خلوًا صفرا

ولقد رايتنا وقوفا ببطن محسر نخاف أن تخطفنا الجن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارتفوا عن بطن عُرْنة فإنهم إخوانكم إذا أسلموا، ولمنا التلبية فذكره، وفيه شرقى بن قطامى وهو ضعيف وقال البزار إسناده ليس بالثابت " وزاد الطبراني في الكبير وكنا نمنع الناس أن يقفوا في الجاهلية فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحول بينهم وبين عرنة، فإنما كان موقفهم ببطن محسّر عشية عرفة فرق أن تخطفهم الجن والباقي نحره (الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على مشروعية التلبية وفضلها وكيفية ألفاظها وحكمها والجهر بها ومدتها وغير ذلك (أما مشروعييتها) فقد أجمع المسلمون عليها (وأما فضلها) فيدل عليه حديث جابر المذكور في آخر الفصل الأول من فصول الباب مع ماجاء في الزوائد من الأحاديث الكثيرة الدالة على فضلها وإن كان بعضها ضعيفًا فالبعض الآخر صحيح، والضعيف منها يقوى بكثرة طرقه فنبت فضلها بذلك، ولم يخالف فيه أحد من علماء المسلمين (وأما لفظها) فقد أجمع المسلمون على لفظ حديث ابن عمر الثاني من أحاديث الباب وما ماثله من أحاديث غيره وما صح مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأي لفظ كان" واختلفوا في الزيادة فيها" (فقال الأمام مالك) أكره الزيادة فيها على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عنه أنه لا بأس أن يزاد فيها ما كان ابن عمر يزيده مما هو مذكور في الحديث الأول من أحاديث الباب، وقال الثورى والأوزاعى ومحمد بن الحسن له أن يزيد فيها ماشاء وأحب (وقال الأئمة أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور) لا بأي بالزيادة، وقال الترمذى قال الشافعى إن زاد في التلبية شيئًا من تعظيم الله تعالى فلا بأس إن شاء الله، وأحب إلى أن يقتصر (وقال أبو يوسف والشافعى) في قول لا ينبغي أن يزاد فيها على تلبية النبي صلى الله عليه وسلم المذكوة " واليه ذهب الطحاوى واختاره"وقد زاد جماعة في التلبية منهم ابن عمر. ومنهم أبوه عمر بن الخطاب. زاد هذه الزيادة التي جاءت عن ابنه عبد الله المذكوة فيالحديث الأول من أحاديث الباب، ولعل عبد الله أخذها من أبيه كما ثبت ذلك في بعض الروايات (ومنهم ابن مسعود) فروى أنه لبى فقال لبيك عدد الحصى والتراب، وتقدم في حديث جابر في صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية، قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا (وروى سعيد بن منصور) في سننه بأسناده إلى الأسود ابن يزيد أنه كان يقول لبيك غفار الذنوب، وفي تاريخ مكة للأزرق في صفة تلبية

ص: 187

-[ما جاء في تلبية بعض الأنبياء - ومذاهب العلماء في حكم التلبية والجهر بها]-

.....

جماعة من الأنبياء عليهم السلام، رواه من رواية عثمان بن ساج، قال أخبرني صادق أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد مر بفج الروحاء سبعون نبيًا تلبيتهم شتى منهم يونس ابن متى، وكان يونس يقول لبيك فراج الكرب لبيك، وكان موسى صلى الله عليه وسلم يقول لبيك أنا عبدك لديك لبيك، قال وتلبية عيسى عليه السلام أنا عبدك وابن أمتك بنت عبديك لبيك، وتقدم نحوه في الزوائد عن ابن عباس، وروى الحاكم في المستدرك من رواية داود ابن أبي هند عن عكرمة عم ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات؛ فلما قال لبيك اللهم لبيك، قال إنما الخير خير الآخرة، وقال هذا حديث صحيح ولم يخرجاه (وأما حكمها) ففيه خلاف بين الأئمة قال الحافظ فيها مذاهب أربعة يمكن توصيلها إلى عشرة (الأول) أنها سنة من السنن لايجب بتركها شيء (وهو قول الشافعى وأحمد)(ثانيها) واجبة ويجب بتركها دم، حكاه الماوردى عن ابن أبي هريرة من الشافعية، وقال إنه وجد للشافعى نصا يدل عليه (وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية-والخطابى عن مالك وأبي حنيفة) وأغرب النووي فحكى عن مالك أنها سنة ويجب بتركها دم، ولا يعرف ذلك عندهم إلا أن ابن الجلاب قال التلبية في الحج مسنونة غير مفروضة، وقال ابن التين يريد أنها ليست من أركان الحج وإلا فهي واجبة، ولذلك يجب بتركها الدم ولو لم تكن واجبة لم يجب، وحكى ابن العربي أنه يجب عندهم بترك تكرارها دم، وهذا قدر زائد على أصل الوجوب 0 قالثها) واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق، وبهذا صدّ ابن شاس من المالكية كلامه في الجواهر له (وحكى صاحب الهداية) من الحنفية، لكن زاد القول الذي يقوم مقام التلبية من الذكر كما في مذهبهم من أنه لا يجب لفظ معين، وقال ابن المنذر، قال أصحاب الرأي أن كبر وهلل أو سبح ينوي بذلك الأحرام فهو محرم (رابعها) أنها ركن في الحرام لا ينعقد بدونها، حكاه ابن ابد البر (عن الثورى وأبي حنيفة) وابن حبيب من المالكية والزبير من الشافعية، وأهل الظاهر قالوا هي نظير تكبيرة الأحرام للصلاة وهو قول عطاء أخرجه سعيد بن منصور بأسناد صحيح عنه، قال التلبية فرض الحج، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة، وحكى النووي عن داود أنه لابد من رفع الصوت بتا، وهذا قدر زائد على أصل كونها ركنا اهـ (وأما الجهر بها) فهو مستحب عند جمهور العلماء، قال بن بطال رفع الصوت بالتلبية مستحب، وبه قال (أبو حنيفة والتورى والشافعي) واختلفت الرواية عن مالك، ففي رواية ابن القاسم لا ترفع الأصوات بالتلبية إلا في االمسجد الحرام ومسجد منى (وقال الشافعي) في قوله القديم لا يرفع الصوت بالتلبية إلا في مساجد الجماعات إلا المسجد الحرام. ومسجد منى. ومسجد عرفة

ص: 188

-[مذاهب العلماء في الجهر بالتلبية ومدنها]-

.....

وقوله الجديد استحبابه مطلقا؛ وفي التوضيح وعندنا أن التلبية المقترنة بالأحرام لا يجهر بتا صرح به الجويني من أصحابنا "وأجمعوا أن المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية" وإنما عليها أن تسمع نفسها مستدلين بحديث ابن عمر لا تصعد المرأة فوق الصفا والمروة ولا ترفع صوتها بالتلبية، رواه البيهقى موقوفا عل ابن عمر وتقدك في الزوائد، وبما رواه ابن أبي شيبة عن معن عن إبراهيم بن حبيبة عن جاود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال" لا ترفع المرأة بالتلبية" ومن حديث أبي الجويرية عن حماد عن إبراهيم مثله، وعن عطاء كذلك (أما حديث السائب بن خلاد) المذكور في الباب بلفظ "أتاني جبريل عليه السلام فقال مر اصحابك أن يرفعوا اصواتهم بالتلبية. وفي لفظ فأمرني أن آمر أصحابي الخ" فهو يدل على استحباب رفع الصوت للرجل فقط بالتلبية بحيث لا يضر نفسه، وبه قال ابن رسلان، وخرج بقوله أصحابي النساءن فإن المرأة لا تجهر بتا بل تقتصر على إسماع نفسها؛ قال الروياني فإن رفعت صوتها لا يحرم لأنه ليس بعورة على الصحيح بل يكون مكروها وكذا قال أبو الطيب وابن الرفعة (قال الشوكاتي)(وذهب داود) إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله فأمرني أن آم اصحابي لاسيما وأفعال الحج وأقواله بيان المحل واجب قول الله تعالى {ولله على الناس حج البيت} وقوله صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم اهـ (وأما مدة التلبية) فمن وقت الأحرام إلى رمي جمرة العقبة إن كان مفردًا أو قارنًا كما يستفاد من أحاديث الفصل الثالث من فصول الباب، وكلما أكثر من التلبية كثر ثوابه وأجره لحديث جابر المذكور في آخر الفصل الأول مرفوعًا بلفظ " من أضحى يومًا محرمًا ملبيًا حتى غربت الشمس غربت بذنوبه كيوم ولدته أمه" وحديث عامر بن ربيعة المذكور في الزوائد بنحوه، ويستثنى من ذلك اوقت نومه وأكله وشربه وصلاته ومالابد له منه (وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء) وقالت طائفة يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة (وقالت طائفة) يقطعها إذا راح إلى الموقف رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد

صحيحة عن عائشة وسعد بن أبي وقاص، وعن علي وأم سلمة أنهما يلبيان حتى نزول الشمس يوم عرفة (وبه قال الأمام مالك) وهو قول الأوزاعي والليث، وعن الحسن البصري مثله، لكن قال إذا صلى الله عليه وسلم الغداة يوم عرفة (واختلف الأولون) هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي (فذهب إلى الأول) ابن مسعود وابن عباس وميمونة، وبه قال عطاه. وطاوس. وسعيد بن جبير والنخعى. والثورى. والامامان الشافعي. وأحمد. وأصحاب الرأي (وذهب إلى الثاني) الظاهرية وابن حزم والأمام أحمد في رواية وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم ما روى

ص: 189

-[مذاهب العلماء في المعتمر متى يقطع التلبية وتأكد التلبية في مواضع]-

.....

ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمي جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخرر حصاة، قال ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى، وأن المراد حتى رمي جمرة العقبة أي أتم رميها اهـ (قال الوكاني) والمر كلما قال ابن خزيمة، فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه كما تقرر ف الأصول اهـ (فإن كان محرما بعمرة) فقط فليمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر كما جاء ذلك في حديثي ابن عباس المذكورين في الزوائد، وظاهر هذا أنه يلبي في حال دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يرع في الاستلام، ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص، وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند لاشروع في الاستلام الأمامان (أبو حنيفة والشافعي) في الجديد، وقال في القديم يلبي ولكنه يخفض صوته (وهو قول ابن عباس والأمام أحمد)"وتتأكد التلبية في مواضع" لحديث ذكره صاحب المهذب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا رأى ركبًا أو صعد أكمه أ، هبط واديًا وفي أدبار المكتوبة وآخر الليل (قال الحافظ) في التلخيص رواه ابن عسكر في تخريجه لأحاديث المهذب من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية في فوائده باسناد له عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا لقى ركبًا فذكره وفي إسناده من لا يعرف، وروى الشافعي عن سعيد بن سالم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبي راكبًا ونازًلا ومضطجعًا (وروى ابن أبي شيبة) من رواية بن سابط قال كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع في دبر الصلاة وإذا هبطوا واديًا أو علّوه وعند التقاء الرفاق، وعند خثيمة نحوه وزاد"وإذا استقلت بالرجل راحلته" اهـ مذاكره الحافظ (قلت) وبذلك قال إبراهيم النخعى (والأمامان الشافعي وأحمد والجمهور) وكان الأمام الشافعي قبل يقول مثل قول الأمام مالك لا يلبي عند اصطدام الرفاق (وقول النخعى ومن وافقه) مع رواية ابن أبي شيبة عن ابن سابط يدل على أن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يستحبون ذلك والحديث يدل عليه أيضًا (قال ابن قدامة في المغنى) ويجزاء من التلبية في دبر الصلاة مرة واحدة، قال الأثرم قلت لبي عبد الله (يعني الأمام أحمد) رحمه الله ما شيء يفعله العامة يلبون في دبر الصلاة ثلاث مرات فتبسم، وقال ما ادرى من اين جاءوا به؟ قلت أليس بجزئه مرة واحدة؟ قال بلى، وهذا لأن المروى التلبية مطلقًا من غير تقييد، وذلك يحصل بكمرة واحدة، وهكذا التكبير في أدبار الصلوات في أيام الأضحى وأيام التشريق، ولا بأس بالزيادة على مرة، لأن ذلك ذكر وخير وتكراره ثلاثًا حسن

ص: 190

-[عدم الجهر بالتلبية في مواضع وتركها في أخرى - وكيف يلبى من لم يعرف اللغة العربية]-

أبواب ما يجوز فعله للمحرم وما لا يجوز له

(1)

باب نزع المخيط للمحرم وما لا يجوز له من الثياب والطيب

(160)

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلًا قال يا رسول الله

فإن الله وتر يحب الوتر (قال ابن قدامة) ولا ستحب رفع الصوت بالتلبية في الأمصار ولا في مساجدها إلا في مكة والمسجد الحرام، لما روى عن ابن عباس أنه سمع رجًلا يلبي بالمدينة فقال إن هذا لمجنون، إنما التلبية إذا برزتن وهذا قول (مالك يعني والأمام أحمد)(وقال الشافعي) يلبي في المساجد كلها ويرفع صوته أخذًا من عموم الحديث، قال ولنا قول ابن عباس، ولأن المساجد إنما بنيت للصلاة، وجاءت الكراهة لرفع الصوت فيها عامًا إلا الأمام خاصة فوجب غبقاؤها على عمومهان فأما مكة فتستحب التلبية فيها لأنها محل النسك وكذلك المسجد الحرام وسائر مساجد الحرم كمسجد منى وفي عرفات أيضًا (قال) ولا يلبى بغير العربية إلا أن يعجز عنها، لأن ذكر مشروع فلا يشرع بغير العربية كالآذان والأذكار المشروعة في الصلاة (قال) ولا بأس بالتلبية في طواف القدوم، وبه يقول ابن عباس وعطاء بن سائب وربيعة بن عببد الرحمن وابن أبي ليلى وداود (والشافعي) وروى عن سالم ابن عبد الله أنه قال لا يلبى حول البيت، وقال ابن عيينة ما رأينا أحداً يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب، وذكر أبو الخطاب أنه لا يبلى (وهو قول للشافعي) لأنه مشتغل بذكر يخصه فكان أولى (قال) ولنا أنه زمن التلبية فلم يكره له كما لو لم يكن حول البيت، ويمكن الجمع بين التلبية فلم يكره له كما لو لم يكن حول البيت، ويمكن الجمع بين التلبية والذك المشروع في الطواف، ويكره له رفع الصوت بالتلبية لئلا يشغل الطائفين عن طوافهم وأذكارهم، وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بما أحب من خير الدينا والآخرة لما روى الدار القطني بأسناده (قلت تقدم في الزوائد) عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من تلبيته سال الله مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار، وقال القاسم بن محمد يستحب الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلى على محمد صلى الله عليه وسلم 0 قلت رواه الدار قطنى وتقدم في الزوائد أيضًا) قال ولا بأس إن يلبى الحلال؛ وبه قال الجسن. والنخعى. وعطاء بن لاسائل (والشافعي) وأبو ثور وابن المنذر. وأصحاب الرأي (وكرهه مالك) قال ابن قدامة ولنا أنه ذكر يستحب للمحرم فلم يكره لغيره كسائر الأذكار اهـ والله أعلم

(160)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل

ص: 191

-[ما يجتنبه المحرم من الثياب - وكلام العلماء في تفسير السراويل]-

ما يلبس المحرم أو قال ما يترك المحرم؟ قال لا يلبس القميص ولا السَّراويل ولا العمامة ولا الخفَّين إلَاّ أن لا يجد نعلين؛ فمن لم يجد نعلين فليلبسهما أسفل من اكعبين ولا البرنس ولا شيئًا من الثِّياب

أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر -حديث" (غريبه)(1) أو في قوله (أو قال ما يترك المحرم) للشك من الراوي، وقد جاء في الطريق الثانية من هذا الحديث؛ وفي رواية لمسلم منه أيضًا أن رجًلا سال النبي صلى الله عليه وسلم عما يلبسه المحرم من الثياب لا عما يتركه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص الخ (قال العلماء) هذا من بديع الكلام وجزله فانه صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبسه المحرم فقال لا يبلس كذا وكذا، فحصل في الجواب أنه لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك، وكان التصريح بما لا يلبس أولى لأنه منحصر، وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم لا يلبس كذا وكذا يعني ويلبس ما سواه (2) القميص نوع من الثياب معروف والسراويل ثوب خاص بالنصف الأسفل من البدن ولفظه اعجمى لا عربي على الصحيح 0 قال صاحب المحكم) السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنثن ولم يعرف الأصمعى فيها إلا التأنيث والجمع سراويلات، قال سيبويه ولا يكسر لأنه لو كسر لم يرجع إلى لفظ الواحد فترك، وقد قيل سراويل جمع، واحدة سروالة؛ سروله فتسرول. ألبسه إياها فلبسها، والسراوين السراويل، زعم يعقوب أن النون فيها بدل من اللام (وقال الجوهرى) السروايل معروف يذكر ويؤنثن والجمع الساويلات 0 قال سيبويه) سراويل واحدة وهي اعجمية أعربت فأشبهت من كلامهم مالا ينصرف في معرفة ولا نكرة فهي مصروفة في النكرة، ومن النحويين من لا يصرفه في النكرة ويزعم أنه جمع سروال وسروالةن والعمل على القول الأولن والثاني أقوى (وقال أبو حاتم) السحستاني في كتابه المذكر والمؤنث السراويل مؤنثة لا يذكرها من علمناه، قال وبعض العرب يظن السراويل جماعةن قال وسمعت من الأعراب من يقول الشراويل بالشين يعني المعجمة، ذكره النووي ف يتهذيب الأسماء واللغات (واعلم) أنه صلى الله عليه وسلم نبه بالقميص والسراويل على جميع مافي معناهما وهو ما كان مخيطًا أو مخيطًا معموًلا على قدر البدن أو قدر عضو منه (3) يعني أن من لم يجد نعلين وكان له خفان فليلبسهما بعد قطعهما أسفل من الكعبين، فإن ذلك يجزئه من النعلين بشرط القطع وعدم وجود النعلين وإلا فلا، ونبه صلى الله عليه وسلم بالخفاف على كل سائر للرجل من مداس وجمجم وجورب وغيرها فإنه لا يجوزن والمراد كشف الكعبين في الأحرام وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم (4) البرنس بضم الباء الموحدة والنون

ص: 192

-[اجتناب المحرم ما صبغ من الثياب بالوالس والزعفران - ونهى المرأة عن النقاب ولبس القفازين]-

مسَّه ورس ولا زعفران (وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وزاد فيه) ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفَّازين (وعن من طريقٍ ثالثٍ) قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم لا يلبس المحرم البرنس ولا القميص ولا العمامة ولا السَّراويل ولا الخفَّين إلَاّ أن يضطرَّ يقطعه من عند الكعبين، ولا يلبس ثوبا مسَّه الورس ولا الزَّعفران إلَاّ أن يكون

قال الأزهري وصاحب المحكم وغيرهما البرنس كل ثوب رأسه منه ملتزق به، دراعة كانت أو جبة أو ممطرا (والممطر) بكسر الميم الأولى وفتح الطاء مايلبس في المطر يتوقى به (وقد نبه صلى الله عليه وسلم بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطًا كان أو غيره حتى العصابة فانها حرام، فأن احتاج إليها لشجة أو صداع أو غيرهما شدها ولمته الفدية (1) الورس نبت أصفر طيب الريح يكون باليمين يصبغ به الثياب والخز وغيرهما، يقال ورّست الثوب توريسا إذا صبغته بالورس، والزعفران معلوم طيب الريح أيضًا، ونبه صلى الله عليه وسلم بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطيب، فيحرم على الرجل والمرأة جميعًا في الأحرام جميع أنواع الطيب، والمراد مايقصد به التطيب (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ابن القاسم ثنا ليث حدثني نافع عن عبد الله أنه قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الأحرام؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص فذكر نحو ما تقدم في الطريق الأولاوزاد فيه ولا تنتقب المرأة الخ (3) معناه أن المرأة التي أحرمت بحج أو عمرة لا يجوز لها ستر وجهها بنقاب أو نحوه مما يستر الوجه، لأنه ليس بعورة، والنقاب غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما، وقال الحافظ النقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر اهـ (وقوله ولا تلبس القفازين) بضم القاف وتشديد الفا وبعد الألف زاي، ما تلبس المرأة في يديها فيغطي أصابعها وكفها عند معانات الشيء كغزل ونحوه، أو للوقاية من البرد ونحوه، وهو لليد كالخف للرجل (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -الحديث" (5) يعني إلا أن يضطر للبسه لعدم وجود النقل، فإن اضطر لذلك فلقطعه من عند الكعبين أي أسفل منهما (6) قال ابن العربي ليس الورس من الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب ومايشبهه في ملائمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع

ص: 193

-[جواز لبس المحرم ما صبغ من الثياب بالورس والزعفران بعد غسله عند الجمهور]-

غسلًا (وعنه من طريقٍ رابعٍ) قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول على هذا المنبر وهو ينهى النَّاس إذا أحرموا عمَّا يكره لهم لا تلبسوا العمائم فذكر نحوه

(161)

عن عطاءٍ أنَّه كان لا يرى بأسًا أن يحرم الرَّجل في ثوب مصبوغ بزعفران قد غسل ليس فيه نفض ولا ردع

الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب (وقوله ألا أن يكون غسيلا) أي مغسوًلا ذهبت رائحته بالغسل فيجوز عند الجمهور خلافًا للأمام مالك (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا محمد يعني ابن اسحاق عن نافع عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر وهو ينهي الناس إذا أحرموا عما يكره لهم لا تلبسوا العمائم ولا القمص ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفين إلا أن يضطر مضطر إليهما فيقطعهما أسفل من الكعبين ولا ثوبا مسه الورس ولا الزعفران؛ قال وسمعته ينهي النساء عن القفاز والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب (وقوله على هذا المنبر) يعني منير مسجد المدينة، ويؤيده رواية الدار قطنى أن رجًلا نادى في المسجد ماذا يترك المحرم من الثياب (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (ق. والربعة، وغيرهم) واخرج الطريق الثانية منه (خ. نس. مذ) واخرج الطريق الثالثة منه (ق. والأربعة) بدون قوله إلا أن يكون غسيلا، وقد أخرجه بهذه الزيادة يحيى بن عبد الحمد الحماني في مسنده عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر كما هنا، وروى الطحاوى عن أحمد بن أبي عمران إن يحيى بن معين أنكره على الحماني فقال له عبد الرحمن بن صالح الأزدي قد كتبته عن أبي معاوية وقام في الحال فأخرج له أصله فكتبه عنه يحيى بن معين اهـ (قال الحافظ) وهي زيادة شاذة لأن ابا معاوية وإن كان متقنا لكن في حديثه عن غير الأعمش مقال، قال أحمد أبو معاوية مضطرب الحديث في عبيد الله ولم يجاء بهذه الزيادة غيره اهـ، وأخرج الطريق الرابعة منه البخارى والثلاثة.

(161)

عن عطاء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا الحجاج عن عطاء -الحديث" (غريبه)(2) الردع بلاعين المهملة أثر الطيب الذي له جرم يظهر في البدن والثوب، يقال ردع به الطيب إذا لزق بجلده (والنفض) ذهاب لون الصبغ مع بقاء أثره، والمعنى أنه يجوز للمحرم أن يلبس ثوبًا مصبوغًا بزعفران قد انقطع

ص: 194

-[جواز لبس المحرم الخفين مع قطعهما أسفل من الكعبين إذا لم يجد النعلين]-

(162)

عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله

(163)

عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم قال إذا لم يجد المحرم النَّعلين فليلبس الخفَّين وليقطعهما أسفل من الكعبين

(164)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال خطب رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وقال إذا لم يجد المحرم إزارًا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين

(165)

وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم مثله

ريحه ولا ينفض صبغه على البدن بسبب الغسل ونحوه ويغتفر اثر الصبغ لعسر زواله (تخريجه) هذا الأثر موقوف على عطاء، وفي إسناده الحجاج بن أوطأة فيه كلام؛ وقد جاء مرفوعًا من حديث ابن عباس الآني بعده.

(162)

عن عكرمة عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا الحجاج عن الحسين بن عبد الله عن عبيد الله عن عكرمة -الحديث" (غريبه) (1) هكذا جاء الحديث في المسند عقب أثر عطاء بعد ذكر السند" عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بهذا اللفظ" (وقوله مثله) يعني مثل أثر عطاء المتقدم ولم يذكر لفظه (تخريجه) أورده الهيثمي، ولفظه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لا بأس أن يحرم الرجل في ثوب مصبوغ بزعفران قد غسل فليس له نفض ولا ردع" ثم قال رواه أبو يعلى والبزار وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله وهو ضعيف

(163)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثناهشيم أنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر -الحديث" (تخريجه)(نس. الجهة المدعية) وسنده جيد

(164)

عن ابن بعاس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنبأنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس -الحديث" (غريبه)(2) في رواية لمسلم من طريق شعبة عن عمرو بن دينار بهذا الأسناد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات فذكر هذا الحديث (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(165)

وعن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم وابو النضر ثنا زهير عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله

ص: 195

-[الرخصة للمرأة المحرمة في لبس الخفين مع عدم قطعهما إذا لم تجد النعلين]-

(166)

عن محمَّد بن إسحاق قال حدَّثنى نافع وكانت امرأته أمَّ ولد لعبد الله بن عمر حدَّثته أنَّ عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ابتاع جاريةً بطريق مكَّة فأعتقها وأمرها أن تحجَّ معه فابتغى لها نعلين فلم يجدهما فقطع لها خفَّين من الكعبين، قال ابن إسحاق فذكرت ذلك لابن شهاب فقال حدَّثنى سالم أنَّ عبد الله كان يصنع ذلك، ثمَّ حدَّثته صفيَّة بنت أبى عبيد أنَّ عائشة حدَّثتها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان يرخِّص للنِّساء في الخفَّين ثمًَّ تركه

(167)

عن نافع قال وجد ابن عمر القرَّ وهو محرم فقال ألق علىَّ ثوبًا، فألقيت عليه برنسًا فأخَّره، وقال تلقى علىَّ ثوبًا قد نهى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أن يلبسه المحرم

صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل (تخريجه)(م. وغيره)

(166)

عن محمد بن اسحاق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن ابى عدى عن محمد بن اسحاق -الحديث" (غريبه) (1) يعني امرأة نافع (2) يعني ابن عمر رضي الله عنهما (كان يصنع ذلك) أي كان يقطع الخف ويفتى بجوار لبسه للمحرم إ ذا لم يجد نعلا سواء أكان المحرم رجًلا أم امرأة ن فلما بلغه حديث عائشة أن رسول اله صلى الله عليه وسلم رخص فيه للنساء افتى بجواز لبسه للنساء بدونق طع ورجع عن رأيه الأول، وهذا معنى قوله "ثم تركه" أي ترك القطع والأفتاء به للنساء (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد

(167)

عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا جريج ابن حازم ثنا نافع قال وجد ابن عمر القر وهو محرم-الحديث" (غريبه)(3) بضم القاف أي البرد، يقال قر اليوم قرا بالفتح برد، والأسم القر بالضم فهو قر بالفتح تسمية بالمصدر، ونار على الأصل أي بارد، وليلة فرة وقارة (تخريجه)(خ. د. هق) وسنده جيد

ص: 196

-[قصة الرجل الذي أحرم في جبة متضمخا بطيب]-

(168)

عن عطاء أنَّ صفوان بن يعلى بن أميَّة أخبره أنَّ يعلى كان يقول لعمر بن الخطَّاب رضى الله عنه ليتنى أرى النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه قال فلمَّا كان بالجعرانة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظلَّ به، معه ناس من أصحابه، منهم عمر إذ جاءه رجل عليه جبة متضمِّخًا بطيب (وفى لفظ وهو متضمِّخ بخلوق وعليه مقطَّعات) قال فقال يا رسول الله كيف ترى في رجلٍ أحرم بعمرةٍ في جبَّةٍ بعد ما تضمَّخ بطيبٍ فنظر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ساعةً ثمَّ

(168) عن عطاء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى -الحديث" (غريبه) (1) هو ابن أمية التميمي وهو المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتانية وهي أمه. وقبل جدته. وهو والد صفوان الذي روى عنه، قال الحافظ وقد جاء هذا الحديث من وجه آخر عند الشيخين عن صفوان بن يعلى عن أبيه فذكر الحديث (2) يعني الوحى (وقوله فلما كان) أي النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه معتمرين سنة ثمان في ذي القعدة بعد فتح مكة بالعمرة المسماة بعمرة (الجعرانة) وهو اسم مكان بين الطائف ومكة وهو إلى مكة اقرب وفي ضبطه لغتان مشهورتان (قال النووى) إحداهما إسكان العين "يعني بعد الجيم المكسورة" وتخفيف الراء، والثانية كسر العين وتشديد الراء الأولى أفصح، وبهما قال الشافعي وأكثر أهل اللغة، قال هكذا اللغتان في تخفيف الحديبية وتشديدها، والأفصح التخفيف، وبه قال الشافعي وموافقوه اهـ (3) في الطريق الثانية جاء أعرابي وكذلك جاء بالروايتين عند البخاري، قال الحافظ لم أقف على اسمه (قلت) روى الطحاوي بسنده عن قتاده عهن عطاء بن أبي رباح أن رجًلا يقال له يعلى بن امية أحرم وعليه جبة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بنزعها، قال قتادة قلت لعطاء إنما كنا نرى أن نشقها، فقال عطاء إن الله لا يحب الفساد، فإن صح الحديث فيكون هو يعلى بن أمية صاحب القصة وأبهم اسمه كما يحصل كثيرًا من بعض الرواة لغرض ما والله أعلم (4) بالضاد والخاء المعجمتين أي متلوثا به مكثرا منه، وفي اللفظ الآخر "وهو متضمخ بخلوق" الخلوق بفتح الخاء هو نوع من الطيب يجعل فيه زعفران (وعليه مقطعات) بفتح الطاء المشددة وهي الثياب المخيطة وفسره في

ص: 197

-[الدليل على عدم جواز لبس المخيط والطيب للمحرم]-

سكت فجاءه الوحي، فأشار عمر إلى يعلى أن تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه (وفى لفظٍ قال فأدخلت رأسي معهم في السِّتر) فإذا النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغطُّ كذلك ساعةً ثمَّ سرِّى عنه، فقال أين الَّذى سألنى عن العمرة آنفًا؟ فالتمس الرَّجل فأتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمَّا الطِّيب الَّذى بك فاغسله ثلاث مرَّات وأمَّا الجبة فانزعها ثمَّ اصنع فى عمرتك كما تصنع فى حجَّتك (ومن طريقٍ ثانٍ) عن عطاءٍ عن يعلى بن أميَّة قال جاء أعرابى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وعليه جبَّة وعليه ردع

رواية مسلم بقوله " يعني جبة"(1) إنما سكت صلى الله عليه وسلم عن الجواب لانتظار الوحي (2) أشار عمر رضي الله عنه ليعلى بالمجاء ليبلغ أمنيته وهي رية النبي صلى الله عليه وسلم عند مجاء الوحي (3) أي تحت الثوب الذي يحول بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه رضي الله عنهم (4) بكسر الغين المعجمة، الغطيط هو كصوت النائم الذي يردده مع نفسه، وسبب ذلك شدة الوحي وهو له، قال تعالى {إنا سنلقى عليك قوًلا ثقيًلا} وقوله (سرى عنه) هو بضم السين المهملة وكسر الراء المشددة أي أزيل ما به وكشف عنه (5) قال النووي إنما أمر بالثلاث مبالغة في إزالة لونه وريحه والواجب الازالة فإن حصلت بمرة كفت ولم تجب الزيادة، ولعل الطيب الذي كان على هذا الرجل كثير، ويؤيده قوله متضمخ (قال القاضي) ويحتمل أنه قال له ثلاث مرات أغسله فكرر القول ثلاثًا، والصواب ما سبق والله أعلم اهـ (قلت) والظاهر أنه كان على بدنه منه شيء وإلا لاكتفى بأمره بنزع الجبة والله أعلم (وقوله وأما الجبة فانزعها) استدل به الجمهور على أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه شقه، وقال الشعبي والنخعي لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطيا رأسه بل يلزمه شقه (قال النووي) وهذا مذهب ضعيف وقال في قوله "ثمن اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك) معناه من اجتناب المحرمات، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم مع ذلك الطواف والسعي والحلق بصفاتها وهيئاتها وإظهار التلبية وغير ذلك مما يشترك فيه الحج والعمرة ولا يخص من عمومه مالا يدخل في العمرة من أفعال الحج كالوقوف والرمي والمبيت بمنى ومزدلفة وغير ذلك (6) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم ثنا منصور وعبد الملك عن عطاء عن يعلى بن أمية قال جاء أعرابي-الحديث"(7) أي لطخ لم يعمه كله

ص: 198

-[عدم جواز الطيب وتغطية الرأس للمحرم - وفضل من مات محرما بالحج]-

من زعفران، فقال يا رسول الله إنِّى أحرمت فيما تري والنَّاس يسخرون منِّى وأطرق هنيهةًَ، قال ثمَّ دعاه فقال اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزَّعفران واصنع في عمرتك كما تصنع فى حجَّتك

(169)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ رجلًا كان مع النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات؛ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم اغسلوه بماءٍ وسدر وكفِّنوه فى ثوبيه ولا تمسُّوه بطيب ولا تخمِّروا رأسه فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبِّيا

(170)

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله

(1) إنما سخروا منه لجهله بالأحكام لكونه لا بسًا مخيطًا ومتلطخًا بزعفران وكلاهما منهى عنه (تخريجه)(ق. لك. د. نس. وغيرهم)

(169)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنبأنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -الحديث" (غريبه)(2) قال الحافظ لم أقف في شيء من الطرق على تسمية المحرم المذكور (3) بفتح الواو بعدها قاف ثم صاد مهملة من باب وعد أي رمت به فدقت عنقه، وفي القاموس الوقص الكسر (4) فيه أنه يكفن المحرم في ثيابه التي مات فيهان وقيل أنما اقتصار على تكفينه في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة، ويحتمل أنه لم يجد غيرهما (وقوله ولا تمسوه بطيب) بضم التاء من قوله تمسوه وكسر الميم، من أمسّ، قاله الحافظ، أي لا تضعوا طيبًا على جسمه ولا في كفنه كما يفعل لغير المحرم (ولاتخمروا رأسه) أي لا تغطوه لأن المحرم ممنوع من ذلك، ففيه دلالة على بقاء حكم الأحرام، واصرح من ذلك التعليل بقوله فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، أي يقول لبيك اللهم لبيك كما يقول الحاج، وفي بعض الروايات فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا، أي على حالته التي مات عليها ومعه علامة لحجه، وهي دلالة الفضيلة كما يجاء الشهيد يوم القيامة وأوداجه دما (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(170)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخى عن سعيد بن جبير عن ابن عمر - الحديث"

ص: 199

-[جواز ادهان المحرم بالزيت غير المطيب عند الأحرام وزوائد الباب]-

وصحبه وسلَّم كان يدَّهن عند الإحرام بالزَّيت غير المقتَّت

(غريبه)(1) أي المطيب، قال ف يالقاموس زيت مقتت طبخ فيه الرياحين أو خلط بأدهان طيبة اهـ، ففيه دلالة على جواز الأدهان بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب ويستدل بمفهومه على أنه لو كان مطيبا لم يجز الأدهان به، لكن الحديث ضعيف، وقد ثبت الأدهان والترحيل من حديث ابن عباس عند البخاري قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادّهن -الحديث (تخريجه)(جه. هق. مذ) وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير، وقد تكلم يحيى ابن سعيد في فرقد السبخي وروى عنه الناس اهـ (قلت) قال الحافظ في التقريب فرقد ابن يعقوب السبخي بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة أبو يعقوب البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ اهـ (زوائد الباب)(عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من الوان الثياب مصفرًا أو خزا أو حليًا أو سراويل أو قميصًا أو خفًا (د. هق) قال أبو داود روى هذا عن ابن اسحاق عبدة ومحمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق إلى قوله " وما مس الورس والزعفران من الثياب لم يذكرا مابعده اهـ (قلت) وكذلك رواه الأمام أحمد بدون الزيادة وتقدم (وعن صفية بنت شيبة) قالت كنت عند عائشة إذ جاءتها امرأة من نساء بني عبد الدار يقال لها تملك فقالت لها يا أم المؤمنين إن ابني فلانة حلفت أن لا تلبس حليها في الموسم فقالت عائشة قولي لها أن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله (وعن ابن باباه المكي) أن امرأته سالت عائشة ما تلبس المرأة في إحرامها؟ قال فقالت عائشة تلبس من خزها وبزها واصباغها وحليها، رواهما البيهقى (وروى البيهقى أيضًا) قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ثنا أبو العباس الأصم أنبأنا الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ سعيد هو ابن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال رأيت ابن عمر سعى بالبيت وقد حزم على بطعنه بثوب، قال وأخبرنا سعيد عن اسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه نما غرز طرفه على إزاره " وبهذا الأسناد" أنبأنا الشافعي أنبأ سعيد عن مسلم بن جندب قال جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه فقال أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم اعقده وأنا محرم فقال عبد الله بن عمر لا تعقد "وبهذا الأسناد" أنبأ الشافعي أنبأ سعيد بن سالم عن ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجًلا محزمًا بحبل أبرق

ص: 200

-[زوائد الباب فيما يجتنبه المحرم وما يجوز له]-

.....

فقال انزع الحبل مرتين هذا منقطع (ورواه أيضًا) ابن أبي ذئب عن صالح بن حسان وهو أيضًا منقطع إلا أن أحدهما يتأكد بالآخر، ثم بما مضى من أثر ابن عمر، ثم بأنه إذا عقد صار في معنى المخيط اهـ ماذكره البيهقي (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس على المرأة حرم إلا في وجهها (طب. طس) وفيه أيوب بن محمد اليمامي وهو ضعيف (وعنه ايضًا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ولا البرقع، فإن أرادت أن تحرم وهي حائض فلتحرم ولتقف المواقف إلا الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة (قال الهيثمي) في الصحيح بعضه (طس) وفيه عمر بن صهبان وهو متروك (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يختضبن بالحناء وهن محرمات ويلبسن المعصفر وهن محرمات (طب) وفيه يعقوب بن عطاء وثقه ابن حبان وضعفه جماعة (وعن أسماء بنت أبي بكر) رضي الله عنها أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يلبسن الدروع المعصفرات وهن محرمات (طب) قال الهيثمي وفيه جماعة لم أعرفهم (وعن عروة بن الزبير عن أمه أسماء بنت أبي بكر) رضي الله عنهما أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة ليس فيها زعفران (لك. هق) وقوله المشبعات أي التي لا ينفض صبغها كما فسره ابن حبيب عن مالك، فإذا نفض كره للرجال والنساء لأن ماينفض منه يشبه الطيب (وعن القاسم بن محمد) قال كانت عائشة تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة (ص) بأسناد صحيح (وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أنه سمعه يقول لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس القياب المعصفرة لا ارى العصفر طيبًا (هق)(وعن نافع) أن نساء ابن عمر كن يلبسن المعصفرات وهن محرمات (هق)(وعن على ابن حوشب) قال سمعت مكحوًلا يقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب مشبع بعصفر، فقالت يارسول الله إني اريد الحج فأحرم في هذا؟ قال لك غيره؟ قال لا، قال فاحرمي فيه (هق)(وعن نافع) أنه سمع اسيلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبًا مصبوغًا وهو محرم؛ فقال عمر ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مدر (بميم ودال مهملة أي مغرة) فقال عمر إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم الناس، فلو أن رجًلا جاهًلا رأى هذا الثوب لقال أن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الأحرام، فلا تلبسوا ايها الرهط شيئًا من هذه الثياب المصبغة (لك. هق) الصبغ بالمغرة وهي الطين الأحمر لا شيء فيه، وإنما كرهه عمر رضي الله عنه لئلا يراه من لا يعرف ذلك فيفه أنه ورس أو زعفران وكلاهما محظور (وعن جبير بن نفير الحضرمى) قال أني لجالس مع عبد الله

ص: 201

-[مذاهب العلماء في لبس الخف والسراويل للمحرم إذا لم يجد إزاراً ولا نعلين]-

.....

ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ببيت المقدس أو في المسجد إذ طلع رجل عليه، معصفرة ثيابه، فقال عبد الله بن عمرو أحرمت في مثل هذا الثوب فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاني عن لبسه، ثم رجعت إلى البيت فصنعت به صنيعًا ولوددت أني صنعت غيرهن قال قلت ما الذي صنعت، قال أوقدت لم تنورًا ثم طرحته فيه، ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه ع جده فأخبر أنه لا بأس بذلك للنساء (هق)(وعن أبي الزبير) أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يسال عن الريحان يشمه المحرم والطيب والدهن فقال لا (وعن نافع) عن ابن عمر أنه كان يكره شم الريحان للمحرم (وعن عكرمة) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى باسًا للمحرم يشم الريحان، روى هذه الآثار الثلاثة للبيهقى (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة مسائل (منها) الأمور الستة التي يجتنبها المحرم وقد جاءت مبينة في حديث ابن عمر المذكور أول الباب وهي القميص والعمامة والبرنس والسراويل والخف والثوب الذي مسه الورس أو الزعفران، وهذا المنع مختص بالرجل فلا يلحق به المرأة (قال ابن المنذر) أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ذلك، وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس (وقال القاضي عياض) رحمه الله أجمع المسلمون على أن ماذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وقد نبه بالقميص على كل مخيط، والعمامة والبرنس على غيره، وبالخفاف على كل سائر اهـ (واختلفوا فيمن لم يجد ازارًا ولا نعلين)(فذهب الأمام أحمد) إلى انه يلبس الخف والسراويل على حالهما والفدية عليه عمًلا بحديثي جابر وابن عباس المذكورين في الباب بلفظ (إذا لم يجد المحرم ازارًا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين (وذهب الجمهور) إلى قطع الخف وفتق السراويل لمن لم يجد الأزار والنعلين، ويلزمه الفدية عندهم إذا لبس شيئًا منهما على حالخه لقوله في حديث ابن عمر المتقدم في أحاديث الباب (فليقطعهما) فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير (وقالت الحنفية) يلزم الفدية في لبس الخف لعدم وجود النعل ولو قطعه (قال ابن قدامة) الأولى قطع الخفين عمًلا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف 0 قال الحافظ) (والأصح عند الشافعية) والأكثر جواز لبس السراويل بغير فتق كقول أحمد، واشترط الفتق محمد بن الحسن وإمام الحرمين وطائفة وذهب الأمامان (أبو حنيفة ومالك) إلى منع السراويل للمحرم مطلقًا، والحديثان المذكوران يردان عليهما، ومن أجاز ليس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون على حالة لو فتقه لكان ازارًا، لأنه في تلك الحال يكون واحدًا للأزار كما قال الحافظ، وقد أجاب الحنابلة على الحديث الذي احتج به الجمهور على وجوب القطع بأجوبة (منها) دعوى النسخ لأن حديث ابن عمر كان بالمدينة قبل الإحرام، وحديث

ص: 202

-[كلام العلماء في الجمع بين حديثى ابن عمر وابن عباس في قطع الخف وعدمه الخ]-

.....

ابن عباس كان بعرفات كما حكى ذلك الدار قطنى عن أبي بكر النيسابوري (وأجاب) الأمام الشافعي في الأم عن هذا فقال كلاهما صادق حافظ، وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه. أو شك فيها، أو قالها فلم ينقلها عنه بعض روائه اهـ (وسلك بعضهم) طريقة الترجيح بين الحديثين. قال ابن الجوزى حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه؛ وردّ بأنه لم يختلف على ابن عمر ف رفع الأمر بالقطع إلا في رواية شاذة، وعورض بأنه اختلف في حديث ابن عباس فرواهابن أبي شيبة بأسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا (قال الحافظ) ولا يرتاب أحد من المحدثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن بعاس، لأن حديث ابن عمر جاء بأسناد وصف بكونه أصح الأسانيد، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ، ومنهم نفع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعًا إلا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصيل إنه شيخ مصري لا يعرف كذا قال، وهو شيخ معروف موصوف بالفقه عند الأئمة، (واستدل بعضهم) بقياس الخف على السراويل في ترك القطع، ورد بأنه مصادم للنص فهو فاسد الاعتبار (واحتج بعضهم) بقول عطاء إن القطع فساد والله لا يحب الفساد، وردّ بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه بل أوجبه (وقال ابن الجوزي) يحمل الأمر بالقطع على الإباحة لا عل الاشتراط عمًلا بالحديثين، ولا يخفى تكلفه، أفاد الحافظ (قال الشوكاني) والحق أنه لا تعارض بين مطل ومقيد لأمكان الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد والجمع ما أمكن هو الواجب فلا يصار إلى الترجيح، ولو جاز المصير إلى الترجيح لأمكن ترجيح المطلق بأنه ثابت من حديث ابن عباس وجابر كما في الباب ورواية اثنين أرجح من رواية واحد اهـ (واعلم أن جميع ما تقدم) في الطريق الأولى من حديث ابن عمر بخصوص الملابس نما هو في حق الرحال، أما المرأة فلها لبس المخيط وستر الرأس، ولفظ الحديث غير متناول لها، فإن لفظ المحرم موضوع للرجل وإنما يقال للمرأة محرمة، وهذا على ما تقرر في الأصول أن لفظ المذكور لا يتناول الأناث خلافًا للحنابلة، ولم يخالف الحنابلة في هذا الفرع لورود مايدل على اختصاص هذا الحكم بالرجال وهو قوله في الطريق الثانية منه "ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين" وهو في صحيح البخارى وغيره كما تقدم 0 قال ابن المنذر) أجمع أهل العلم على أن للمرأة المحرمة لبس القميص والدرع والسراويلات والخمر والخفاف اهـ فدل النهي عن الانتقاب على تحريم ستر الوجه بما يلاقيه ويمسه دون ما إذا كان متجافيًا عنه (وهذا قول الأمة الأربعة) وبه قال الجمهور، وقال ابن المنذر ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه يعني النقاب، ثم قال وكانت أسماء

ص: 203

-[مذاهب العلماء في لبس النقاب والقفازين للمرأة المحرمة]-

.....

بنت أبي بكر تغطى وجهها وهي محرمة، وروينا عن عائشة أنها قالت المحرمة تغطي وجهها إن شاءت (وقال ابن عبد البر) وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين إلا شيء روى عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، وعن عائشة أنها قالت تغطي المرأة وجهها إن شاءت (أي لحاجة) وروى عنهما أنها لا تفعل، وعليه الناس اهـ (وأما ليس المرأة القفازين) فمختلف فيه (ذهب الأمامان مالك وأحمد) إلى منعه وهو أصح القولين (عن الشافعي) وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعطاء ونافع وابراهيم النخعي، وقال ابن المنذر اتقاؤه أحب إلى للحديث الذي جاء فيه (وقال ابن عبد البر) الصواب عندي نهى المرأة عنه ووجوب الفدية عليها به لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم (وذهب آخرون) إلى جوازه، وحكاه ابن المنذر عن سعد ابن أبي وقاس وعائشة وعطاء والثوري ومحمد بن الحسن وحكاه النووي وغيره (عن أبي حنيفة) قال ابن البر يشيه أن يكون مذهب ابن عمر، لأنه كان يقول إحرام المرأة في وجهها اهـ. وهو رواية المزني عن الشافعي، وصححه الغزالي والبغوى (قال الرافعي) لكن أكثر النقلة على ترجيح الأول (وحكى الخطابي) عن أكثر أهل العلم أنه لا فدية عليها إذا لبست القفازين وهو قول عند المالكية (وأما ستر المرأة يديها) بغير مخيط كما لو اختضبت فألقت على يديها خرقة فوق الخضاب أو ألقتها بلا خضابن فالمشهور من مذهب الشافعي رحمه الله جوازه، وبعضهم أجرى فيه القولين في القفازين؛ وقال الشيخ أبو حامد إن لم تشد الخرقة جاز، وإلا فالقولان (فعلى المشهور) يكون عليه الصلاة والسلام نبه بالقفازين على مافي معناهما من المخيط أو المحيط (وعلى الثاني) يكون نبه بتا على مطلق الساتر والله أعلم (ومن مسائل الباب أيضًا) أن المراد باللبس المنهي عنه اللبس المعتاد فلو ارتدى القميص ونحوه لم يمنع منه فإنه لا يعد لابسًا له في العرف " فإن قلت كيف ذلك" وقد ثبت في أحاديث الباب عن نافع قال وجد ابن عمر القر وهو محرم فقال الق على ثوبًا فألقيت عليه برنسًا فأخره وقال تلقى على ثوبًا قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم رواه أيضًا البخاري وأبو داود والبيهقى (فالجواب) ماقاله ابن عبد البر، وهو أن هذا من ورعه وتوقيه كره أن يلقى عليه البرنس، وسائر أهل العلم إنما يكرهون الدخول فيه ولكنه رضي الله عنه استعمل العموم في اللباس لأن التغطية والامتهان قد يسمى لباسًا، الم تسمع إلى قول أنس فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس اهـ وهو يقتضي إن ابن عمر إنما فعل ذلك احتياطًا لا اعتقادًا للوجوب (قال العراقي) حمه الله في شرح الترمذي كان مفرجا كالقباء بحيث لو قام عدّ لابسًاً له، فإن بعض البرانس كذلك، وقد حكى

ص: 204

-[محرمات الإحرام سبعة وكلام العلماء في استدامة الطيب والمزعفر إذا غسل]-

.....

الرافعي عن إمام الحرمين فيما لو ألقى على نفسه قباء أو فرجية وهو مضطجع أنه إن اخذ من بدنه ما إذا قام عُد لابسه فعليه الفدية، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر فلا اهـ (وفي أحاديث الباب أيضًا) دلالة على أنه يجوز للمحرم رجًلا كان أو امرأة لبس الثوب الذي صبغ بزعفران أو ورس بعد غسله وانقطاع ريحه (قال ابن المنذر) اختلفوا في لبس الثوب الذي مسه زعفران أو ورس فغسل، وذهب ريحه ونفضه، فمن رخص فيه سعيد بن المسيب والحسن والمخعى، وروى عن عطاء وطاوس ومجاهد، وبه (قال الشافعي"قلت" والأمام أحمد) وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان مالك يكره ذلك إلا أن يكون غسل وذهب لونه اهـ (قلت) وهذا يقتضي أنه لا يجوز الأحرام في ثوب مسه الورس أو الزعفران قبل غسله (قال النووى) رحمه الله أجمعت الأمة على تحريم لباسهما "يعني ما مسه الورس أو الزعفران" لكونهما طيبًا، والحقوا بهما جميع أنواع مايقصد به الطيب، قال وأما الفواكه كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالشيح والقيصوم ونحوهما فليس بحرام لأنه لا يقصد به الطيب، قال وسبب تحريم الطيب أنه داعية إلى الجماع لأنه ينافي تذلل الحاج فإن الحاج أشعث أغبر وسواء في تحريم الطيب الرجل والمرأة، وكذا جميع محرمات الأحرام سوى اللباس كما سبق بيانه (قال ومحرمات الأحرام سبعة) اللباس بتفصيله السابق، والطيب، وإزالة الشعر. والظفر. والسابع اتلاف الصيد والله أعلم، وإذا تطيب أو لبس ما نهى عنه لزمته الفدية إن كان عامدا بالأجماع، وإنكان ناسيًا فلا فدية عند الثورى والشافعى وأحمد واسحاق وأوجبها (أبو حنيفة ومالك) اهـ ج وقد استدل بحديث يعلى ابن امية) المذكور في الباب على منع استدامة الطيب بعد الأحرام لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل اثره من الثوب والبدن وهو قول (الأمام مالك ومحمد بن الحسن) وأجاب الجمهور عنه بأن قصى يعلى كانت بالجعرانة وهي في سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها عند احرامهما، وكان ذلك في حجة الوداع وهي سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالأمر الآخر فالآخر، ولأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيهما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهى عن تزعفر الرجل مطلقًا محرمًا وغير محرم (وفيه) أن العمرة يجرم فيها من الطيب واللباس وغيرهما من المحرمات السبعة السابقة مايحرم في الحج (وفيه) أن من أصابه طيب ناسيًا أو جاهلًا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى أزالته (وفيه) دلالة للأئمة الأربعة والجمهور أن المحرم اذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه شقه، وقال الشعبي والنخعي لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطيًا

ص: 205

-[مذاهب العلماء في المعصفر والادهان بالزيت وشم الريحان]-

.....

رأسه بل يلزمه شقه (قال النووى) وهذا مذهب ضعيف، قال وفي هذا الحديث دليل للقاعدة المشهورة أن القاضي والمفتى إذا لم يعلم حكم المسألة أمسك عن جوابها حتى يعلمه أو يظنه بشرطه (وفيه) أن من الأحكام التي ليست في القرآن ماهو بوحى لا يتلى، وفد يستدل به من يقول من أهل الأصول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له الاجتهاد وإنما كان يحكم بوحي ولا دلالة فيه، لأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لم يظهر له بالاجتهاد حكم ذلك أو أن الوحي بدره قبا تمام الاجتهاد والله أعلم اهـ (قلت وفي حديث ابن عباس وأسماء وعائشة) وابن عمر وغيرهم دلالة على لبس الثوب المعصفر وهو المصبوغ بالعصفر أنه ليس من الطيب (قال ابن قدامة) ولا بأس باستع ماله وشمه ولبس ما صبغ به، وهذا قول جابر وابن عمر وعبد الله ابن جعفر وعقيل بن أبي طالب وهو مذهب (الشافعى يعني والأمام أحمد) قال وعن عائشة وأسماء أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن كن يحرمن في المعصفرات (وكرهه مالك) إذا كان ينتفض في بدنه ولم يوجب فيه فدية (ومنع منه الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن) وشبهوه بالمورس والزعفرنه طيب الرائحة فأشبهه ذلك، قال ونا ما روى أبو داود بأسناده عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفر من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف، ـ وروى الأمام أحمد في المناسك (اسم كتاب للأمام أحمد) بأسناده عن عائشة بنت سعد، قال كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تحرم في المعصفرات، ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفًا، ولأنه ليس يطيب فلم يكره ما صبغ به كالسواد والمصبوغ بالمغرة، وأما الورس والزعفران فإنه طيب بخلاف مسألتنا اهـ (وقال النووى) رحمه الله ولا يحرم المعصفر عند مالك والشافعى وحرمه الثوري وأبو حنيفة وجعلاه طيبًا وأوجبا في هـ الفدية، قال ويكره للمحرم لبس الثوب المصبوغ بغير طيب ولا يحرم والله أعلم اهـ (وفي حديث ابن عمر) المذكور آخر أحاديث الباب دلالة على جواز تلأدّهان بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب، وقد قال ابن المنذر إنه أجمع العلماء عل أنه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوى رأسه ولحيته، قال وأجمعوا على أن الطيب لايجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا (وقد جاء في شم الريحان) للمحرم آثار عن بعض الصحابة ذكرت في الزوائد (منها عدم الجواز) وهو مروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وبه قال الشافعية (ومنها الكراهة) وهو مروى عن ابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال المالكية والحنفية (ومنها الأباحة) وهو مروى عن ابن عباس وبه قال

ص: 206

-[كلام العلماء في الحكمة فيما يجتنبه المحرم]-

(2)

باب ما جاء فى الحجامة والاكتحال وغسل الرأس للمحرم

(171)

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم فى رأسه من صداع وجده

(172)

عن عبد الله بن بحينة رضى الله عنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحى جملٍ من طريق مكَّة على وسط رأسه وهو محرم

إسحاق (قال الحافظ) وتوقف الأمام أحمد، قال ومنشأ الخلاف أن كل مايتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا اهـ (وفي أحاديث الباب أيضًا) فوائد غير ماذكرنا تقدم بعضها في خلال الشرح، ولو استقصينا كل مافيها لطال بنا المقام، ونختم الكلام بما قاله العلماء في حكمه تحريم اللباس والطيب على المحرم (قال العلماء) الحكمة في تحريم اللباس المذكور على المحرم ولباسه الازار والرداء أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفة الخاشع الذليل وليتذكر أنه محرم في كل وقت فيكون اقرب إلى كثرة أذكاره وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارتكاب المحظورات وليتذكر به الموت ولباس الأكفان ويتذكر البعث يوم القيام والناس حفاة عراة مهطعين إلى الداعى، والحكمة في تحريم الطيب واللساء أن يبعد عن الترفه وزينة الدنيا وملاذها، ويجتمع همه لمقاصد الآخرة نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لذلك آمين.

(171)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس -الحديث" (تخريجه)(ق. والثلاثة. وغيرهم)

(172)

عن عبد الله بن بحينة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سلمة الخزاعى ثنا سليمان بن بلال عن علقمة بن أبي علقمة أنه سمع عبد الرحمن الأعرج أنه سمع عبد الله بن بحينة يقول احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم -الحديث" (غريبه)(1) بفتح اللام وحكى كسرها، وسكون المهملة وفتح الجيم، موضع بطريق مكة كما وقع مبينًا في الحديث وهو إلى المدينة أقرب، وذكر البكرى في معجمه أنه الموضع الذي بقال له بئر جمل، وقاتل غيره هو عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا، ووهم من ظن أن المراد به لحى الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم، وجزم الحازمى وغيره أن ذلك كان في حجة الوداع (2) بفتح المهملة أي متوسط، وهو ما فوق اليافوج فيما بين أعلى القرنين، قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأي (تخريجه)(ق. نس. جه)

ص: 207

-[الدليل على جواز الحجامة للمحرم]-

(173)

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وجعٍ كان به

(174)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من وثئ كان بوركه أو ظهره

(175)

عن نيه بن وهب قال أرسل عمر بن عبيد الله إلى أبان

(173) عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن أنس- الحديث" (غريبة) (1) ذكر في هذا الحديث أن الحجامة كانت على ظهر القدم، وفي حديثي ابن عباس وابن بحينة أنها كانت في الرأس من صداع وجده، وفي حديث جابر الآتي بعد هذا من وثاء كان بوركه أو ظهره، وهو رضّ العظم بلا كسر، فيحتمل أنه كان به الأمكر أن فاحتجم مرة لوجع الرأس ومرة للوثاء، وأن الحجامة تعددت منه صلى الله عليه وسلم في إحرام حجة الوداع، ويحتمل أنها كانت مررة في عمرة، ومرة في حجة الوداع والله تعالاة أعلم (تخريجه) (د. نس) ولفظ النسائي من وثاءكان به بدل قوله"من وجع كان به" وسنده جيد.

(174)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو قطن وروح قالا ثنا هشام، قال روح بن أبي عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله -الحديث" (وقوله قال روح بن أبي عبد الله) يعني أن روحا نسب في روايته هشامًا فقال هشام بن أبي عبد الله، وأما أبو قطن فقال ثنا هشام عن أبي الزبير ولم ينسب هشامًا (2) بفتح الواو وسكون المثلثة آخره همزة، وهو وهن في الرجال دون الخلع والكسر يصيب اللحم ولا يسبلغ العظم، أو وجع العظم من غير كسر، يقال وثئت رجله بالبناء للمجهول فهي موثوءة ووثأتها أنا وقد تترك الهمزة (تخريجه)(نس. جه) وسنده جيد، ولفظه عند ابن ماجه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم عن رهصة أخذته، ومعناه الوهن والشدة. ولفظ النسائي كحديث الباب.

(175)

عن نبيه بن وهب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن نبيه بن وهي-الحديث" (غريبه)(3) فيه وجهان الصرف وعدمه (قال النووى) والصحيح الأشهر الصرف فمن صرفه. قال وزنه

ص: 208

-[جواز اكتحال المحرم بالصبر ونحوه لحاجة غير زينة]-

ابن عثمان رضي الله عنه أيكحل عينيه وهو محرم أو بأيِّ شئٍ يكحلها وهو محرم؟ فأرسل إليه أن يضدمها بالصَّبر فإنِّى سمعت عثمان ابن عفَّان رضى الله عنه يحدِّث ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن أبان بن عثمان أنَّه حدَّث عن عثمان رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص أو قال في المحرم إذا اشتكى عينيه أن يضمدها بالصَّبر

(176)

عن عبد الله بن حنين قال كنت مع ابن عباس والمسور بالأبواء فتحدَّثنا حتَّى ذكرنا غسل المحرم رأسه فقال المسور لا

فعال، ومن منعه هو افعل (1) الضماد بالكسر أن يخلط الدواء بمائع ويلين ويوضع على العضو؛ واصل الضمد الشد من باب ضرب، يقال ضمد رأسه وجرحه إذا شده بالضمادة، وهي خرقة يشد بتا العضو الذي به الألم، ثم نقل لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يشد (والصبر) بكسر الباء ككتف ويجوز إسكانها، وقيل لا تسكن إلا لضرورة الشعر (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن عمرو ابن سعيد عن نبيه بن وهب رجل من الحجبة عن أبان بن عثمان -الحديث" (3) أو للشك من الراوي يعني أن أبان يشك هل قال عثمان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في المحرم. أو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المحرم (تخريجه) (م. هق والثلاثة) زاد أبو داود " وكان أبان أمير الموسم"

(176)

عن عبد الله بن حنين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر ثنا ابن جريج وثنا حجاج عن ابن جريج وروح ثنا ابن جريج أخبرني زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين مولى آل عياش وقال روح مولى عباس أنه أخبره عن ابيه عبد الله بن حنين قال كنت مع ابن عباس - الحديث" وقوله في السند "وثنا حجاج عن ابن جريج وروح ثنا ابن جريج" معناه أن الأمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث عن ابن جريج من ثلاث طرق (احداها) عن محمد بن بكر ثنا ابن جريج يعنى بالتحديث (والثانية) عن حجاج عن ابن جريج يعنى بالعنعنة (والثالثة) عن روح ثنا ابن جريج يعنى بالتحديث (غريبه)(4) بفتح الهمزة وسكون الباء والمد. جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد تنسب إليه (5) يعني لا غسل المحرم رأسه كما صرح بذلك في الطريق

ص: 209

-[الدليل على جواز غسل المحرم رأسه وبدنه لعذر]-

وقال ابن عبَّاس بلى، فأرسلنى ابن عبَّاس إلى أبى أيُّوب (الأنصارىِّ رضى الله عنه) يقرأ عليك ابن أخليك عبد الله بن عبَّاس السَّلام ويسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه محرمًا، قال فوجده يغتسل بين قرنى بئر قد ستر عليه بثوب فلمَّا استبنت له ضمَّ الثَّوب إلى صدره حتَّى بدا لى وجهه ورأيته وإنسان قائم يصبُّ على رأسه الماء، قال فأشار أبو أيوب بيديه على رأسه جميعا على جميع رأسه فأقبل بهما وأدبر

الثانية وفي رواية لمسلم (وقوله وقال ابن عباس بلا) يعني يغسل المحرم رأسه، وقد صرح بذلك أيضًا في الطريق الثانية وعند مسلم كذلك (1) أي وقال لي قل له يقرأ عليك ابن أخيك الخ كما يفهم من السياق (وقوله ابن أخيك) يعني أخوة الأسلام (2) بفتح القاف تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر وشبههما من البناء، وتمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل المستقى به وتعلق عليها البكرة (3) في رواية مسلم فوجدته يغتسل بني القرنين وهو يستتر بثوب، قال فسلمت عليه فقال من هذا؟ فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغل رأسه وهو محرم، فوضع أبو ايوب رضي الله عنه يده على الثب فطأطأه حتى بدل لي رأسه- الحديث (4) أي ظهرت له وعرفني، وفي رواية للأمام أحمد " فلما انتسبت له وسألته ضم الثوب الخ" والمعنى فلما لمت عليه قال من هذا؟ فانتسبتله فقلت أنا عبد الله بن حنين، وهذا المعنى يستفاد من رواية مسلم المتقدمة (5) قال الحافظ لم اقف على اسمه (وقال النووى) فيه جواز الاستعانة في الطهارة ولكن الأول تركها إلا لحاجة (6) هكذا بالأصل "فأشار أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا على جميع رأسه" ومثله في رواية عند مسلم إلا أنه قال " فأمرّ أيوب بيديه" بدل قوله هنا فأشار، والمعنى أن ابا أيوب أمرّ بيديه كلتيهما على جميع رأسه (وفي رواية أخرى للبخارى ومسلم)" ثم قال لأنسان يصب اصبب. فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، ثم قال هكذا رأسته صلى الله عليه وسلم يفعل"وإنما فعل ذلك أبو أيوب رضي الله تعالى عنه ليريه كيف يغسل المحرم رأسه، أنه المقصود بالسؤال، وكأن ابن عباس خص الرأس بالسؤال لأنها موضع الأشكال في هذه المسألة، لأنها محل الشعر الذي يخشى انتتافه بخلاف بقية البدن غالبًا

ص: 210

-[زوائد الباب في جواز الحجامة للمحرم والكحل لعذر]-

فقال المسور لابن عبَّاس لا أماريك أبدًا (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال اختلف المسور ابن مخرمة وابن عبَّاس في المحرم يغسل رأسه فقال ابن عبَّاس يغسل، وقال المسور لا يغسل، فأرسلوني إلى أبى أيُّوب فسألته فصبَّ على رأسه الماء ثمَّ أقبل بيديه وأدبر بهما، ثمَّ قال هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فعل

(1) زاد في الأصل بعد هذا، قال الحجاج وروح "يعني في روايتيهما" فلما انتسبت له وسألته ضم الثوب إلى صدره حتى بدالي رأسه ووجه وإنسان قائم، وزاد ابن عييينة بعد قوله في رواية الشيخين؛ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل "فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدًا، أي لا أجادلك، واصل المراء استخراج ما عند الأنسان، يقرأ أمّرًا فلان فلانًا إذا استخرج ما عندهن قال ابن الأنباري، وأطلق ذلك في المجادلة لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم ابن عبد الله بن حنين عن أبيه قال اختلف المسور بن مخرمة-الحديث"(3) أي كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه محرمًا كما في الطريق الأول (قال ابن دقيق العيد) هذا يشعر بأن ابن عباس كا عنده علم بأصل الغسل فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله وأن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز إذ لم يسأل عنه، وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس (تخريجه)(ق. لك. د. نس. جه. هق)(زوائد الباب)(عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم؛ أورده الهيثمي وقال رواه البزار واسناه حسن (وعن نافع أن ابن عمر) رضي الله عنهما قال لا يحتجم المحرم إلا أن يكون مضطرًا اليه مما لابد منه (لك)(وعن نافع) قال كان ابن عمر يقول لا يكتحل المحرم بشيء فيه طيب ولا يتداوى به (وعنه أيضًا عن ابن عمر) أنه كان إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه اقطارًا، وأنه قال يكتحل المحرم بأى كحل إذا رمد ما لم يكتحل بطيب ومن غير رمد-ابن عمر القائل (وعن شميسة) قالت اشتكت "وفي لفظ اشتكيت" عيني وأنا محرمة فسألت عائشة أم المؤمنين عن الكحل فقالت اكتحلى بأى كحل شئت غير الأثمد أو قالت غير كل كحل أسود، أما إنه ليس بحرام ولكنه زينة ونحن نكرهه، وقالت

ص: 211

-[كلام العلماء في الحجامة للمحرم والتداوى بأى نوع كان إذا كان مريضا]-

.....

إن شئت كحلتك بصبر فأبيت (وعن عكرمة عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال المحرم يشم الريحان. ويدخل الحمام. وينزع ضرسه. ويفقأ القرحة، وإذا انكسر ظفره أماط عنه الأذى (وقال الشافعى رحمه الله أنبأ ابن أبي يحيى أن الزبير بن العوام أمر بوسخ في ظهره فحك وهو محرم (وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) أنه قال في حك المحرم رأسه قال ببطن أنامله (وعن أبي مجاز) قال رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم ففطنت له فاذا هو يحك بأطراف أنامله (وعن علقمة بن أبي علقمة) عن أمه أنها سمعت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تُسأل عن المحرم أيحك جسده فقالت نعم فليحك وليشدد، وقالت عائشة رضي الله عنها لو ربطت يدي ولم أجد إلا أن أحك برجلى لحككت (لك) روى هذه الآثار جميعها البيهقى (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها الحجامة للمحرم) قال النووى أجمع العلماء على جوازها له في الرأس وغيره إذا كان له عذر في ذلك وإن قطع الشعر حينئذ، لكن عليه الفدية لقطع الشعر، فإن لم يقطع فلا فدية عليه، ودليل المسألة قوله تعالى {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية الآية} وحديث الحجامة محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عذر في الحجامة في وسط الرأس لأنه لا ينفك عن قطع شعر، أما إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فتضمنت قطع شعر فهي حرام لتحريم قطع الشعر، وإن لم تتضمن ذلك بأن كانت في موضع لا شعر فيه فهي جائزة عندنا وعند الجمهور ولا فدية فيها (وعن ابن عمر ومالك) كراهتها، وعن الحسن البصري فيها الفدية، دليلنا أن إخراج الدم ليس حرامًا في الأحرام (وفي هذا الحديث)"يعني حديث الحجامة" بيان قاعدة من مسائل الأحرام وهي أن الحلق واللباس وقتل الصيد ونحو ذلك من المحرمات يباح للحاجة وعليه الفدية، كمن احتاج إلى حلق أو لباس لمرض أو حر أو برد أو قتل صيد للحاجة وغير ذلك والله أعلم اهـ (وقال الداودي) إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق (واستدل بهذا الحديث)"أي حديث الحجامة" على جواز الفصد ورط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن فيذلك ارتكاب ما نهى المحرم عنه من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك اهـ (وفيه مشروعية التداوي) واستعمال الطب والتداوي بالحجامة وقد ورد إن أنفع ما تداويتم به الحجامة والقسط البحرى (قال في القاموس) القسط بالضم (يعني ضم القاف) عود هندي وعربي مدرّ للكبد جدًا والمغص والدود وحمى الرّبع شربا، وللزكام والنزلات والوباء بخورًا، وللبهق والكلف طلاء اهـ، وورد أن كان الشفاء في شيء ففي شرطة محجم، أو شربة عسل أو كي بنار؛ وأنهى أمتي عن الكي، رواهما الأمام أحمد وغيره وسيأتيان في كتاب الطب عن شاء الله (ومنها جواز الكحل للمحرم) بقصد التداوى لا لزينة (قال النووي)

ص: 212

-[مذاهب العلماء في الكحل للمحرم وغسله رأسه أو بدنه من الجنابة]-

.....

(اتفق العلماء (على جواز تضميد العين وغيرها بالصبر ونحوه مما ليس بطيب ولا فدية في ذلك، فإن احتاج إلى مافيه طيب جاز له فعله وعليه الفدية (واتفق العلماء) على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا اختاج إليه ولا فدية عليه فيخ، وأما الاكتحال للزينة فمكروه (عند الشافعى وآخرون، ومنعه جماعة منهم أحمد واسحاق، وفي مذهب مالك) قولان كالمذهبين، وفي إيجاب الفدية عندهم خلاف والله أعلم اهـ (ومنها جواز غسل المحرم رأسه) وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره، وهو مستفاد من حديث عبد الله بن حنين عن أبي أيوب، وهو الأخير من أحاديث الباب، وقد اتفق العلماء على غسل المحرم رأسه وجسده من الجنابة بل هو واجب عليه، وأما غسله تبردا فمذهب الجمهور جوازه بلا كراهة (واختلفوا في غسل المحرم رأسه) فذهب الأئمة أبو حنيفة والشافعي وأحمد واسحاق والثوري والأوزاعي إلى أنه لابأس بذلك، وردت الرخصة به عن عمر ابن الخطاب وابن عباس وجابر رضي الله عنهم وعليه الجمهور وحجتهم حديث الباب (وكان مالك) يكره ذلك للمحرم، وذكر أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه الا من الاحتلام، ويجوز غسل الرأس بالسدر والخطمى عند الشافعية ورواية للحنابلة مع الكراهة بحيث لا ينتف شعرا ولا فدية عليه (وذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك وأحمد) إلى التحريم ولزوم الفدية، قال صاحبا أبي حنيفة عليه صدقة، لأن الخطمى تستلذ رائحته وتزيل الشعث وتقتل الهوام فوجبت به الفدية كالورس (وفي حديث عبد الله بن حنين) عن أبي أيوب جملة فوائد (منها) مناظرة الصحابة في الأحكام ورجوعهم إلى النصوص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند وجود النص (ومنها قبول خبر الواحد) وأن قبوله كان مشهورًا عند الصحابة رضي الله عنهم (قال ابن عبد البر) لو كان معنى الاقتداء في قوله صلى الله عليه وسلم "أصحابي كالنجوم بأبهم اقتديتم اهتديتم" يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس رضي الله عنه إلى اقامة البينة على دعواه؛ بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت نجم فباينا اقتدى من بعدنا كفاه، ولكن معناه كما قال المزنى وغيره من أهل النظر أنه في النقل لأن جميعهم عدول (ومنها) الاعتراف للفاضل بفضله وانصاف الصحابة بعضهم من بعض (ومنها) أن الصحابة اذا اختلفوا في قضية لم تكن الحجة في قول أحد منهم الا بدليل يجب التسليم له من كتاب أو سنة كما أتى أبو أيوب بالسنة (ومنها) جواز السلام على المتطهر في وضوء وغسل بخلاف الجالس على الحدث ولابد من غض البصر (ومنها) جواز الاستعانة في الطهارة ولكن الأولى تركها إلا لحاجة (ومنها) ستر المغتسل بثوب ونحوه ع ند الغسل، وفيه غير ذلك والله أعلم

ص: 213

-[جواز تظلل المحرم بثوب ونحوه من الحر]-

(3)

باب تظلل المحرم من الحر او غيره

(وما جاء فى تغطية الرأس للرجل والوجه للمرأة - وفى ضرب المحرم خادمه)

(177)

عن أمِّ الحصين رضى الله عنها قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة الوداع فرأيت أسامة بن زيد وبلالًا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ حتَّى رمى جمرة العقبة

(178)

عن أبى أمامة رضى الله عنه عمَّن رأى النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم راح إلى منى يوم التَّروية وإلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلِّل به رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

(179)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما في الرَّجل الَّذي وقصته ناقته

(177) عن أم الحصين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبى أنيسة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته حدثته قالت حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث" (غريبه)(1) هي الأحمسية صحابية شهدت حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها يحيى بن الحصين والعيزار بن حريث (تخريجه)(م. وغيره)

(178)

عن أبى أمامة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا الوليد أبو مسلم بن عثمان بن أبى العاتكة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة -الحديث" (غريبه)(2) قول أبى أمامة عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفيد أن أبا أمامة روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة، وقد جاء هذا الحديث نفسه عند الطبراني في الكبير عن أبى أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة، فيحتمل أنه رواه مرتين مرة بواسطة ومرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة، ويحتمل أنه عنى نفسه بقوله عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وابهم نفسه لغرض والله أعلم (تخريجه)(طب) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد هكذا، وقال الطبراني في الكبير عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راح من مكة إلى منى يوم التروية تقدم موكبه وإلى جانبه بلال معه ثوب معصوب على عود يستره من الشمس (قال الهيثمة) وفي الاسنادين جميعًا على بن يزيد وفيه كلام وقد وثق

(179)

(عن ابن عباس رضي الله عنهما هذا طرف من حديث تقدم بطوله في

ص: 214

-[جواز ستر المرأة المحرمة وجهها لحاجة]-

وهو محرم فمات أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال ولا تخمِّروا رأسه فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبِّيًّا

(180)

عن عائشة رضى الله عنها قالت كان الرُّكبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه

(181)

عن أسماء بنت ابى بكر رضي الله عنهما قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّاجًا حتَّى إذا كنَّا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جنب أبى وكانت زمالة

الباب السابق صحيفة 199 رقم 169 وتقدم الكلام عليه، وإنما أتيت بهذا الطرف منه هنا للاستدلال به على عدم جواز تغطية رأس المحرم (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(180)

عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم قال أنا يزيد بن أبى زياد عن مجاهد عن عائشة _الحديث" (غريبه)(1) جاء في رواية عند مسلم والأمام أحمد ولا تخمروا وجهه ولا رأسه، والتخمير معناه التغطية (2) هم الجماعة من راكبى الأبل في السفر جون الدواب (3) هكذا بالأصل حاذوا بنا، ولفظ أبى داود وابن ماجه والبيهقى فإذا جاوزا بنا بالزاي مكان الذال، وفي التلخيص وغيره فاذا حاذونا، والمعنى أنهن كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الرجال بجلابيبهن جمع جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة، فاذا ابعدوا عنهن كشفن وجوههن (تخريجه)(د. جه. هق) وأخرجه أيضًا ابن خزيمة وقال في القلب من يزيد بن أبى زياد، ولكن ورد من وجه آخر، ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر عن اسماء بنت أبى بكر وهي جدتاها فحوه وصححه الحاكم.

(181)

عن أسماء بنت أبي بكر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن إدريس قال ثنا ابن اسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن أسماء بنت أبى بكر قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -الحديث" (غريبه)(4) بفتح العين المهملة وسكون الراء قرية جامعة بين مكة والمدينة (5) بكسر الزاي أي

ص: 215

-[قصة أبي بكر رضي الله عنه مع غلامه الذي أضل البعير]-

رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبى بكرٍ واحدة مع غلام أبى بكرٍ فجلس أبو بكر ينتظره أن يطلع عليه فطلع وليس معه بعير، فقال أين بعيرك؟ قال قد أضللته البارحة فقال أبو بكر بعير واحد تضلُّه؟ فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسَّم ويقول انظروا إلى هذا المحرم وما يصنع

مركوبهما وأداتهما وما كان معهما في السفر واحد، الزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع كأنها فاعلة من الزمل بسكون الميم أى الحمل (1) أى ضيعته أو وجدته ضالا أى ضائعًا، يقال أضللت الشيء إذا وجدته ضالَا كأحمدته وابخلته إذا وجدته محمودا أو بخيلًا (2) أى تضيعه (وقوله فطفق يضربه) أي أخذ يضربه، لأن فق بمعنى أخذ في الفعل وجعل يفعلن وهي من أفعال المقاربة (3) إنما تبسم صلى الله عليه وسلم لفعل أبي بكر ولم ينهه عنه لأن تأديب المحرم علامه غير محظور. لكن العفو أفضل، وقد علم صلى الله عليه وسلم أن ما حمل أبا بكر رضي الله عنه على ترك الأفضل إلا شدة الغيظ من الغلام لفقد بعيرهما فتبسم صلى الله عليه وسلم لذلك وذكره بقوله انظروا إلى هذا المحرم ومايصنع يريد أنه لا ينبغي للمحرم أن يفعل ذلك والله أعلم (4) زاد أبو داود من رواية ابن أبى رزمة فما ييد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول انظروا إلى هذا المحرم مايصنع وبتبسم (تخريجه)(د. هق) ورجاله ثقات إلا أن محمد بن اسحاق عن وهو مدلس (زوائد الباب)(عن عبد الله بن عياش ابن ربيعة) قال صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحج فما رأيته مضطربًا فسطاطا حتى رجع، قال الشافعى وأظنه قال في حديقه أو غيره كان ينزل تحت الشجرة ويستظل بنطع أو بكساء والشيء (وعن عبد الله بن عامكر بن ربيعة) قال رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان (وعن القاسم بن محمد) قال أخبرني الفرافصة بن عمير أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه مغطيًا وجهه وهو محرم (وعن عبد الرحمن بن القاسم) عن أبيه أن عثمان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم (وعن أبى زبير) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال يغتسل المحرم ويغسل ثيابه ويغطى أنفه من الغبار وهو نائم (قال البيهقى) وخالفهم ابن عمر، روى هذه الآثار جميعها البيهقى (الأحكام) أحاديث الباب تشتمل على جملة أحكام (منها) جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب أو نحوه سواء أكان راكبًا أو نازًلا واليه ذهب الأمامان (أبو حنيفة والشافعى والجمهور) محتجين بحديثي أم الحصين وأبي أمامة

ص: 216

-[مذاهب العلماء في تظلل المحرم من الحر - وتغطية رأسه ووجهه حياً كان أو ميتاً]-

.....

المذكورين في الباب (وذهب الأمامان مالك وأحمد) إلى عدم الجواز إلآ إذا كان نازًلا، فإن استظل سائرا فعليه الفدية (وعن الأمام أحمد) رواية أخرى أنه لا فدية؛ وأجمعوا على أنه لو قعد تحت خيمة أو سقف جاز (وقد احتج للأمامين مالك وأحمد) ع لى منع التظلل بما رواه البيهقى بأسناد صحيح عن ابن عمر أنه أبصر رجًلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال اضح لمن أحرمت له (وبما أخرجه البيهقى أيضًا) بأسناد ضعيف عن جابر مرفوعًا ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه" (وقوله اضح) بالضاد المعجمة وكذا يضحى، والمواد أبرز للشمس، وغاية مافيهما أنهما يدلان على الاستحباب (قال الشوكاني) ويجاب بأن قول ابن عمر لا حجة فيه، وبأن حديث جابر مع كونه ضعيفًا لا يدل على المطلوب وهو المنع من التظلل ووجوب الكشف لأن غاية مافيه أنه افضل على أنه يبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يفعل المفضول ويدع الأفضل في مقام التبليغ اهـ (ومنها) أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه المفضول ويدع الأفضل في مقام التبليغ اهـ (ومنها) أنه لا يجوز للمحرم تغطية رأسه عمًلا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الثالث من أحاديث الباب "ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" لأن التعليل بقوله فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا يدل على إن العلة الأحرام (قال النووى) أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فجمع على تحريمه (وأما وجهه) فقال (مالك وأبو حنيفة) هو كرأسه (وقال الشافعى) والجمهور لا إحرام في وجهه بل له تغطيته، وانما يجب كشف الوجه في حق المرأة هذا حكم المحرم الحي (وأما الميت فمذهب الشافعى) وموافقيه أنه يحرم تغطية رأسه كما سبق، ولا يحرم تغطية وجهه، بل يبقى كما كان في الحياة، ويتأول هذا الحديث على أن النهى عن تغطية وجهه ليس لكونه وجها، انما هو صيانة للرأس فانهم لو غطوا وجهه لم يمن أن يغطوا رأسه، ولابد من تأويله، لأن مالكا وابا حنيفة وموافقيهما يقولون لا يمنع من ستر رأس الميت ووجهه، والشافعى وموافقوه يقولون يباح ستر الوجه فتعين تأويل الحديث اهـ (وقال الشوكاني) في المحرم الميت لايجوز تغطية رأسه عند الشافعى وأحمد واسحاق وموافقيهم وكذلك لايجوز أن يلبس المخيط لظاهر قوله فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًان وخالف في ذلك مالك والأوزاعى وابو حنيفة فقالوا يجوز تغطيه رأسه والباسه المخيط، والحديث يرد عليهم "يعني رواية ولا تخمروا وجهه ولا رأسه" وأما تغطية وجه من مات محرما فيجوز عند من قال بتحريم تغطية رأسه، وتأولوا هذا الحديث على أن النهى عن تغطية وجهه ليس لكونه وجها انما ذلك صيانة للرأس فانهم لو غطوا وجهه لم يرمن أن يغطوا رأسه، وهذا تأويل لا يلجاء اليه ملجاء اهـ (ومن أحكام الباب) الرخصة للمرأة في ستر وجهها للحاجة كما فعلت عائشة ومن معها من النسوة وهن محرمات عند مرور الرجال عليهن (قال

ص: 217

-[جواز ستر وجه المرأة المحرمة لحاجة - وتأديب المحرم خادمه]-

.....

ابن قدامة) اذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فانها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها، روى ذلك عن عثمان وعائشة، وبه قال عطاء (ومالك والثوري والشافعى) واسحاق ومحمد بن الحسن (قلت والأمام أحمد) قال ولا نعلم فيه خلافًا، وذلك لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت كان الركبان يمرون بنا فذكر حديث الباب، قال ولان بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها فلم يحرم ستره على الأطلاق كالعورة، قال وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيًا عن وجهها بحيث لا يصيب البرة فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شيء عليها كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي ثم عاد بسرعة لا تبطلن فإن لمك ترفعه مع القدرة افتدت لانها استدامت الستر، ولم ار هذا الشرط عن أحد ولا هو في الخبر مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لايكاد يسلم من اصابة البشرة فلو كان هذا شرط البين، وانما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يعد لستر الوجه، فال أحمد انما لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل كأنه يقول إن النقاب من أسفل على وجهها (قال) ويجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس وتحريم تغطية الوجه، ولا يمكن تغطية جميع الرأس إلا بجزء من الوجه، ولاكشف جميع الوجه إلا بكشف جزء من الرأس، فعند ذلك ستر الرأس كله أولى، لأنه آكد، إذ هو عورة لا يختص بتحريمه حالة الأحرام، وكشف الوجه بخلافه، وقد ابحنا ستر جملته للحاجة العارضة فستر جزء منه لستر العورة أولى اهـ (ومن أحكام الباب أيضًا) جواز تأديب المحرم علامه بضرب أو نحوه إن كان في العفو أو تأخير العقوبة فوات مصلحة أو ضرر، وإلا فالأفضل العفو أو تأخير العقوبة حتى تنتهي مدة الأحرام، لأنه يستحب للمحرم قلة الكلام إلا فيما ينفع، نعم إن التأديب من الأمور النافعة إلا أنه في العادة يكون مصحوبا بغضب، فصيانة للمؤدب عن الوقوع في السب والجدال استحب تأخيره لقوله تعالى {ولا جدال في الحج} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، وفي لفظ أو ليسكت" رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم (وروى عن ابن عمر) رضي الله عنهما مرفوعًا من كثر كلامه كثر سقطه. ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه. ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به، رواه الطبراني في الأوسط، وهذا وارد في حق المحرم وغيره فيكون في حال الأحرام أشد وآكد لأنه حال عبادة واستشعار بطاعة فهو يشبه الاعتكاف (قال ابن قدامة المقدسى) رحمه الله في الشرح الكبير وقد احتج أحمد رحمه الله على ذلك بأن شريحًا رحمه الله كان إذا أحرم كأنه حبة صماء، فيستحب للمحرم أن يشتغل بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وأمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم جاهل أو يأمر بحاجته أو يسكت، فإن تكلم بما

ص: 218

-[جواز حلق رأس المحرم لعذر مع لزوم الفدية]-

(4)

باب حديث كعب بن عجرة رضى الله عنه

(وتعدد طرقه فى الرخصة فى حلق رأس المحرم لعذر وبيان فديته)

(182)

عن عبد الرَّحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة رضى الله عنه قال كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون وكانت لى وفرة فجعلت الهوَّام تسَّاقط على وجهى، فمرَّ بى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال أيؤذيك هوامُّ رأسك؟ قلت نعم، فأمره أن يحلق، قال ونزلت هذه الآية "فمن كان منكم مريضًا أو به أذيً من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"(وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه) فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيامٍ أو أطعم ستَّة مساكين مدَّين

لا إثم فيه أو أنشد شعرا لا يقبح فهو مباح ولا يكثر، فقد روى عن عمر رضي الله عنه أنهع كان على ناقة وهو محرم فدعل يقول

كأن راكبها غصن بمروحة

إذا تدلت به أو شارب ثمل

الله أكبر الله أكبر ووهذا يدل على الأباحة، والفضيلة ماذكرناه أولا؛ اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم

(183)

عن عبد الرحمن بن أبى ليلى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى -الحديث" (غريبه) «1) تقدم ضبطها والكلام عليها غير مرة، وكان ذلك سنة ست من الهجرة وكانوا محرمين بعمرة مع النبي صلى الله عليه وسلم فصدهم المشركون عن دخول مكة (والوفرة) شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن (وقوله فجعلت الهوام) بتمديد الميم جكع هامة، وهي مايدل من الأحناش ونحوها، وهي هنا مايلازم جسد الأنسان إذا طال عهده بالتنظيف. وقد فسر في بعض طرق الحديث بالقمل (وقوله تساقط على وجهي) أي لكثرتها (2) أو للتخيير، والمراد بالنسك هنا ذبح شاة أو غيرها مما يجزى في الأضحية. وتسمى نسيكة، ويقال نسك ينسك، وينسك بضم السين وكسرها في المضارع. والضم أشهر (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت علي عبد الرحمن عن مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزرى عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله

ص: 219

-[كفارة من حلق رأسه وهو محرم لعذر]-

مدَّين لكلِّ إنسانٍ أو انسك بشاةٍ أىَّ ذلك فعلت أجزأك (وعنه من طريقٍ ثالثٍ بنحوه وفيه) فأمرنى أن أحلق وهم بالحديبية ولم يتبيَّن لهم أنَّهم يحلقون بها وهم على طمعٍ أن يدخلوا مكَّة، فأنزل الله الفدية فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أطعم فرقًا بين ستَّة مساكين أو أصوم ثلاثة أيَّام أو أذبح شاةً (وعنه من طريقٍ رابعٍ بنحوه وفيه) قال فاحلقه واذبح شاةً أو صم ثلاثة أيَّام أو تصدَّق بثلاثة آصعٍ من تمرٍ بين ستَّة مساكين (ومن طريقٍ خامسٍ) عن عبد الله بن معقلٍ "المزنيِّ"

صلى الله عليه وسلم فأذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق -الحديث" 01) يعني أو غيرها مما يجزاء ضحية كما تقدم (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن ابى نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن كعب ابن عجرة قال رآنى رول الله صلى الله عليه وسلم وقملى يتساقط على وجهى، فقال أتوذيك هوامك هذهظ قال قلت نعم، قال فأمرني أن أحلق-الحديث"(3) يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالحلق بسبب الذى الذي كان برأسه لا بسبب صدهم عن دخول مكة، لأنه لم يكن تبين لهم بعد وكانوا حينئذ يطمعون في دخول مكة (4) هو بفتح الراء واسكانها لغتان، وقد فسر في بعض الروايات بثلاثة آصع وهكذا هو، وقد سبق تفسيره ومقداره واضحًا في كتاب الطهارة وسيأتي لذلك مزيد (5)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا خالد عن أبى قلابة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة قال أتى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا كثير الشعر، فقال كأن هو ام رأسك تؤذيك؟ فقلت اجل، قال فاحلقه واذبح شاة-الحديث (6) قال النووى معناه مقسومة على سنة مساكين، والآصع جمع صاع. وفي الصاع لغتان التذكير والتأنيث، وهو مكيال يسع خمسة أرطال وثلثا بالبغدادي، هذا مذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء، وقال أبو حنيفة يسع ثمانية ارطال، وأجمعوا على أن الصاع أربعة امداد، وهذا الذي قدمناه من أن الآصع جمع صاع صحيح، وقد بت استعمال الآصع في هذا الحديث الصحيح من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك هو مشهور في كلام الصحابة والعلماء بعدهم وفي كتب اللغة وكتب النحو والتصريف، ولا خلاف في جوازه وصحته اهـ باختصار (7)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني

ص: 220

-[سبب نزول قوله تعالى (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)]-

قال قعدت إلى كعب بن عجرة وهو في المسجد (وفى لفظٍ يعنى مسجد الكوفة) فسألته عن هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} قال فقال كعب نزلت فىَّ، كان بى أذًى من رأسى فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهى، فقال ما كنت أرى أنَّ الجهد بلغ منك ما أرى، أيجد شاةً؟ فقلت لا. فنزلت هذه الآية {ففدية من صيام أو صدقةٍ أو نسك} قال صوم ثلاثة أيَّام أو إطعام ستَّة مساكين نصف صياع نصف صياع طعام لكلِّ مسكين، قال فنزلت فىَّ خاصَّة وهى لكم عامَّةً (وعنه من طريقٍ سادسٍ بنحوه وفيه) قال أتقدر على نسك؟ قلت لا؛ قال فصم ثلاثة أيَّام أو أطعم

أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل قال قعدت إلى كعب بن عجرة-الحديث" (1) أى من طعام، والمراد بالطعام هنا التمر كما صرح بذلك في الطريق التالية، فقال نصف صاع من تمر (قال الحافظ) ولبشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة، ورواية الحكم عن ابن أبى ليلى تقتضى أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين (قال ابن حزم) لابد من ترجيح احدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد (قال الحافظ) قلت المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام، والاختلاف عليه في كونه تمراً أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم اره إلا في رواية الحكم وقد أخرجها أبو داود، وفي اسنادها ابن اسحاق وهو حجة في المغازى لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمرن فقد وقع بها عند مسلم من طريق أبى قلابة ولم يختلف فيه على أبى قلابة، وكذا أخرجه الطبرى من طريق الشعبة عن كعب، وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، ومن طريق اشعث وداود عن الشعبة عن كعب، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني، وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع اهـ (2) يريد أن هذه الآية نزلت بببه خاصة وأما حكمها فهو عام لجميع المسلمين (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد ثنا سليمان يعنى بن قرم عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل المزني قال سمعت كعب بن عجرة يقول في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فيّ نزلت هذه الآية خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلينا بعمرة فوقع في رأسي ولحيتي وحاجبي وشاربي، فبلغ ذلك

ص: 221

-[كفارة المحرم إذا حلق رأسه لعذر صيام أو صدقة أو ذبح شاة]-

ستَّة مساكين لكلِّ مسكين نصف صاع من تمر (ومن طريقٍ سابعٍ) عن أبى قلابة عن كعب بن عجرة قال قملت حتَّى ظننت أنَّ كلَّ شعرة من رأسي فيها القمل من أصلها على فرعها، فأمرنى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حين رأى ذلك قال احلق. ونزلت الآية، قال أطعم ستَّة مساكين ثلاثة آصعٍ من تمرٍ (ومن طريقٍ ثامنٍ) عن يحيى بن جعدة بن كعب بن عجرة أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أمر كعبًا أن يحلق رأسه من القمل، قال صم ثلاثة أيَّام أو أطعم ستَّة مساكين مدَّين مدّّين أو اذبح

النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل الىّ فدعاني فلما رآني قال لقد اصابك بلاء ونحن لا نشعر، ادع الحجام. فلما جاء أمره فحلقني، قال أتقدر على نسك- الحديث" وجاء عند الأمام أحمد من طريق الشعبى عن عبد الله بن معقل أيضًا عن كعب بن عجرة بنحو من ذلك إلا أنه قال أطعم المساكين ثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين، وله من طريق الشعبى أيضًا قال ثنا إسماعيل بن أبى عدى عن داود عن الشعبى عن كعب بن عجرة قال ابن عدى إن كعبًا أحرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكراه وقالا آصع من تمر بين ستة مساكين (والظاهر) أن التثنية قفي قوله فذكراه ترجع إلى روايتي عبد الله بن معقل والشعبى عن كعب بن عجرة يعني أنهما ذكراه بنحو ما تقدم؛ وقالا ثلاثة آصع من تمر الخ (قال الحافظ) في روايتي أبى قلابة والشعبى عن كعب عند الأمام أحمد، الصواب أن بينهما واسطة، وهو ابن أبى ليلى على الصحيح اهـ (قلت) رواية ابى قلابة هي السابعة من طرق حديث الباب وهي الآتية بعد هذا (1) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا خالد عن أبى قلابة عن كعب بن عجرة قال قلت -الحديث"(2) هو بفتح القاف وكسر الميم أي كثر قملى (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن ابى بكر أنا ابن جريج أخبرني عمرو دينار عن يحيى بن جعدة عن كعب بن عجرة -الحديث" (4) يعني شاة كما تقدم في بعض طرق الحديث (قال الحافظ) أصح الروايات أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة، وروى سعيد بن منصور في سننه وعبد بن حميد " عن أبى هريرة أن كعبا ذبح لأذى كان أصابه" وهذا أصوب والله أعلم (تخريجه)(ق. لك. والأربعة. وغيرهم) واتفق الشيخان على إخراجه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى

ص: 222

-[مذاهب العلماء في كفارة المحرم إذا حلق رأسه لعذر]-

.....

عن كعب بن عجرة، ومن طريق عبد الله بن معقل عن كعب أيضًا (قال الحافظ) ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه إلا ابن أبى ليلى وابن معقل قال وهي سنة أخذها، أهل المدينة من أهل الكوفة (قال الزهرى) سالت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين (قال الحافظ) قلت فيما أطلقه ابن صالح نظر، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب منهم عبد الله بن عمرو بن العاصب عند الطبرى والطبراني. وأبو هريرة عن سعيد بن منصور وابن عمر عند الطبرى، وفضالة الأنصارى عمن لا يتهم من قومه عند الطبرى أيضًا، ورواه عن كعب بن عجرة غير المذكورين أبو وائل عند النسائى، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجه، ويحيى بن جعدة عند أحمد، وعطاء عند الطبرى، وجاء عن أبى قلابة والشعبى أيضًا عن كعب وروايتهما عند أحمد، لكن الصواب أنبينهما واسطة وهو ابن أبى ليلى على الصحيح؛ وقد أورد البخارى حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية، وأورده أيضًا في المغازى والطب واكفارات الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن ابى ليلى وابن معقل، فيتقيد اطلاق أحمد بن صالح بالصحة، فان بقية الطرق التي ذكرتها (يعنى غير طريقي ابن ابى ليلى وابن معقل) لا تخلوا من مقال إلا طريق أبى وائل يعنى عند النسائى اهـ ماذكره الحافظ (الأحكام) حديث الباب يتضمن كثيرا من الفوائد والأحكام، وهو أصل عظيم في هذه السنة أعنى سنة الفدية، رواه الأئمة أصحاب الأصول المعتبرة في أصولهم من طرق كثيرة، ورواه البخارى في صحيحه في جملة مواضع تقدم ذكرها، وأورد له مسلم ثمان طرق بروايات مختلفة في بعض الألفاظ متفقة في المعنى كما رواه الأمام أحمد كذلك، وزاد طرقا أخرى ذكرتها في الشرح (قال النووى رحمه الله في الكلام على روايات مسلم هذه روايات الباب وكلها متفقة في المعنى ومقصودها أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الأحرام وعليه الفدية. قال الله تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، والنسك شاة، وهي شاة تجزاء في الأضحية، ثم أن الآية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة، وهكذا الحكم عند العلماء أنه مخير بين الثلاثة، وأما قوله في رواية "هل عندك نسك قال فما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام، فليس المراد به أن الصوم لا يجزاء إلا لعادم الهدى. بل هو محمول على أنه سأل عن النسك، فان وجده أخبره بأنه مخير بينه وبين الصيام، والأطعام، وإن عدمه

ص: 223

-[اختلاف العلماء في نوع الكفارة وقدرها - وهل هي على الترتيب أو التخيير]-

.....

فهو مخير بين الصيام والأطعام (واتفق العلماء) على القول بظاهر هذا الحديث إلا ما حكى (عن أبي حنيفة والثورى) أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة، فأم التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين، وهذا خلاف نصه صلى الله عليه وسلم ف يهذا الحديث ثلاثة آصع من تمر (وعن أحمد بن حنبل) رواية أنه لكل مسكين مد من حنظة أو نصف صاع من غيره (وعن الحسن البصرى) وبعض السلف أنه يجب إطعام عشرة مساكين أو صوم عشرة أيام، وهذا ضعيف منابذ للسنة مردود اهـ (وقال الحافظ) في قوله صلى الله عليه وسلم في الطريق السادسة "أتقدر على نسك؟ قلت لا، قال نعم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين" هذه الرواية تقتضى أن التخيير نما هو بين الأطعام والصيام لمن لم يجد النسك، قال ونحو هذه الرواية للطبراني من طريق عطاء عن كعب؛ ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا. قال فأطعم. قال ما أجد. قاتل صم، ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه فيه دليل على أن من وجد نسكالا يصوم يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا مارواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير قال" النسك شاة فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعامًا فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يومًا" أخرجه من طريق الأعمش عنه، قال فذكرته لابراهيم فقال سمعت علقمة مثله، فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه (منها ماقال ابن عبد البر) إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لأيجابه (ومنها ماقاله النووى) ليس المراد أن الصيام أو الأطعام لا يجزاء إلا لفاقد الهدى فذكر وقل النووى المتقدم، ومقتضاه التخيير بين الأنواع الثلاثة، ثم قال (ومنها ماقل غيرهما)"يعني غير النوى وابن عبد البر" يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحى غير ملتوّ، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والأطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والأطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه مايطعمه ويوضح ذلك رواية مسلم (قلت والأمام أحمد أيضًا في الطريق الخامسة) في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال أتجد شاة؟ قلت لا، فنزلت هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فقال صم ثلاثة أيام أو أطعم، وفي رواية عطاء الخراساني قال صم ثلاثة أيام أو أطعن ستة مساكين، قال وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به ونحوه، وفي رواية محمد بن كعب القرظى عن كعب وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره، بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والأطعام، وعرف من رواية

ص: 224

-[ما ذكره العلماء في حديث كعب من الفوائد غير ما تقدم]-

.....

أبي الزبير أن كعبًا افتدة بالصيام، ووقع في رواية ابن اسحاق مايشعر بأنه افتدى بالذبح لأن لفظه "صم أو أطعم أو انسك شاة، قال فحلقت رأسى ونسكت" وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء عن كعب في آخر هذا الحديث فقلت يا رسول الله خر لي، قال أطعم ستة مساكين (قال القاضي عياض) ومن تبعه تبعاً لأبى عمر كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرًا فإنما ذكروا شاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء اهـ، لكن يعكر على هذا ما نقله الحافظ من الخلاف، وبما روى أبو داود والطبراني وعبد بن حميد وسعيد بن منصور كلهم من طريق نافع أن كعبا افتدى ببقرة 0 قال الحافظ) فهذه الطرق كلها تدور على نافع وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب، وقد عارضها ماهو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة، قال وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبرى عن أبى هريرة أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه، وهذا اصوب من الذي قبله، واعتمد ابن بطال على رواية نافع عن سليمان بن يسار فقال أخذ كعب بارفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما امر به من ذبح الشاة بل وافق وزاد، ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب (قال الحافظ) هو فرع ثبوت الحديث. ولم يثبت لما قدمته والله أعلم اهـ (وقد استدل بهذا الحديث أيضًا) على أن الفدية لايتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين، وقال الحسن تتعين مكة، وقال مجاهد النسك بمكة ومنى، والأطعام بمكة، والصيام حيث شاء (وقريب منه قول الشافعى وابي حنيفة) الدم والأطعام لأهل الحرم، وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية الأطعام بالصيام (واستدل به أيضًا) على أن الحج على التراخى لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} كان بالحديبية وهي سنة ست. وفيه بحث والله أعلم (وفي حديث الباب من الفوائد) أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لأطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة وتحريم حلق الرأس على المحرم والرخصة له في حلقها إذا أذاه القمل أو غيره من الأوجاع (وفيه) تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم، وإذا رأى ببعض اتباعه ضرراً سال عنه وأرشده إلى المخرج منه (واستنبط من المالكية) ايجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن ايجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى (قال الحافظ) لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعى والجمهور لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبى بقوله في حديث كعب أو اذبح نسكا، قال فهذا يدل على أنه ليس بهدى، قال فعلى هذا يجوز أن يذ 1 بحها حيث شار (قال الحافظ) لا دلالة

ص: 225

-[الدليل على عدم زواج المحرم وتزويجه]-

(5)

باب ما جاء فى نكاح المحرم وانكاحه وخطبته

(183)

عن أبان بن عثمان (بن عفَّان) عن أبيه رضى الله عنه عن النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم قال المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب

(184)

ز عن نبيه بن وهب عن عمر بن عبيد الله بن معمر وكان يخطب بنت شيبة بن عثمان على ابنه فأرسل إلى أبان بن عثمان وهو على

فيه إذ لا يلزم من تسميتها نسكا أو نسيكة لا تسمى هديا أو لا تعطى حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديا عند البخاري حيث قال "أو تهدى شاة" وفي رواية مسلم ".

واهد هديا" وفي رواية الطبري "هل لك هدي؟ قلت لا أجد" فظهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في رواية مسلم "أو اذبح شاة" اهـ (وفيه من الفوائد أيضا) استحباب الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن، وفيه غير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.

(183)

عن أبان بن عثمان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ابن سعيد عن مالك حدثني نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) الأول بفتح الياء وكسر الكاف، أي لا يتزوج لنفسه، والثاني بضم الياء وكسر الكاف، أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة الأحرام (قال العسكري) ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف (وقوله لا يخطب) أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها، وقيل لا يكون خطيبًا في النكاح بين يدي العقد والظاهر الأول (تخريجه)(م. والأربعة. وغيرهم) وليس للترمذي فيه ولا يخطب.

(184)

"ز" عن نبيه بن وهب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني محمد ابن أبي بكر المقدمي ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع حدثني نبيه بن وهب- الحديث" (غريبه)(2) ذكر الزبير بن بكار أن هذه البنت تسمى أمة الحميد اهـ (وقوله على ابنه) أي على ابن عمر بن عبيد الله، واسمه طلحة كما صرح بذلك في رواية لمسلم من طريق مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان- الحديث، وقد وقع في هذه الرواية لمسلم من طريق ملاك (شبيه بن جبير) وله في رواية أخرى من طريق أيوب عن نافع حدثني

ص: 226

-[الدليل على عدم زواج المحرم وتزويجه]-

الموسم فقال ألا أراه أعرابيًّا؛ إنَّ المحرم لا ينكح ولا ينكح أخبرنى بذلك عثمان رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وحدَّثنى نبيه عن أبيه بنحوه

(185)

خط عن عكرمة بن خالدٍ قال سألت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن امرأة أراد أن يتزوَّجها وهو خارج من مكة فأراد أن يعتمر أو يحجَّ، فقال لا تتزوَّجها وأنت محرم، نهى رسول الله

نبيه بن وهب قال بعثني عمر بن عبيد الله بن معمر وكان يخطب بنت شيبة بن عثمان على ابنه فأرسلني إلى أبان بن عثمان- الحديث" فذكر في هذه الرواية أنها بنت شيبة بن عثمان كرواية الأمام أحمد (قال النووي) وكذا قال محمد بن راشد بن عثمان بن عمرو القرشي وزعم أبو داود في سننه أنه الصواب وأن مالكا وهم فيه، وقال الجمهور بل قول مالك هو الصواب، فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان الحجي، كذا حكاه الدارقطني عن رواية الأكثرين (قال القاضي عياض) ولعل من قال شيبة بن عثمان نسبه إلى جده فلا يكون خطأ بل الروايتان صحيحتان، إحداهما حقيقة والأخرى مجاز اهـ (1) يعني وهو أمير على موسم الحج (2) بضم الهمزة أي أظنه أعرابيا لجهله بالأحكام، ووقع عند مسلم "ألا أراك عراقيا جافيًا" قال النووي هكذا وقع في جميع نسخ بلادنا "يعني نسخ مسلم عراقيا" وذكر القاضي أنه وقع في بعض الروايات "عراقيا" وفي بعضها "أعرابيا" قال وهو الصواب أي جاهلا بالسنة، والأعرابي هو ساكن البادية، قال وعراقيا هنا خطأ، إلا أن يكون قد عرف من مذهب أهل الكوفة حينئذ جواز نكاح المحرم، فيصح عراقيا أي آخذًا بمذهبهم في هذا جهلا بالسنة، والله أعلم اهـ (3) هو وهب بن عثمان العبدري أخي بني عبد الدار ابن قصي أي واحد منهم، ونبيه من صغار التابعين ومات قبل نافع الراوي عنه، ونافع هو القائل وحدثني نبيه عن أبيه الخ (تخريجه)(لك. م. والأربعة. وغيرهم).

(185)

"خط" عن عكرمة بن خالد (سنده) حدّثنا عبد الله قال وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده ثنا أسود بن عامر ثنا أيوب بن عتبة ثنا عكرمة ابن خالد- الحديث" (غريبه) (4) الظاهر أن جملة "وهو خارج من مكة" في موضع الحال من عبد الله بن عمر، والمعنى سألت عبد الله بن عمر وهو خارج من مكة عن امرأة الخ (وقوله فأراد أن يعتمر أو يحج) يعني أراد أن يحرم بحج أو عمرة ثم يتزوج

ص: 227

-[حجة القائلين بجواز نكاح المحرم]-

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عنه

(186)

عن عكرمة عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّه كان لا يرى بأسًا أن يتزوَّج الرَّجل وهو محرم ويقول إنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة بنت الحارث بماءٍ يقال له سرف وهو محرم، فلمَّا قضي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم حجَّته أقبل حتَّى إذا كان بذلك الماء أعرس بها (وعنه من طريقٍ ثانٍ عن ابن عبَّاس أيضًا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم وبنى بها حلالًا بسرف وماتت بسرف (وعنه من طريقٍ ثالث) عن ابن عبَّاس أيضًا أنَّ النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان

(187)

عن يزيد بن الأصمِّ عن ميمونة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول

بعد الإحرام (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وهو من الأحاديث التي وجدها عبد الله في كتاب أبيه بخط يده ولذلك رمزت له (خط) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه أيوب بن عتبة وهو ضعيف وقد وثق.

(186)

عن عكرمة عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن بكر ومحمد بن جعفر قالا ثنا سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن عكرمة- الحديث" (غريبه) (1) بفتح السين وكسر الراء ممنوع من الصرف اسم مكان بين مكة والمدينة على ستة أميال من مكة (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل أنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث"(3)(سنه) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن عكرمة عن ابن عباس- الحديث" (تخريجه) أخرج الطريق الأول منه باختصار (ق. هق والأربعة) عن ابن عباس بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج مميمونة وهو محرم" وأخرج الطريق الثانية منه البخاري، وأخرج الطريق الثالثة منه النسائي.

(187)

عن يزيد بن الأصم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وهب ابن جرير قال ثنا أبي قال سمعت أبا فزارة يحدث عن يزيد بن الأصم عن ميمونة- الحديث" (غريبه)(4) هو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها كوفي

ص: 228

-[حجة القائلين بأن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا - وتاريخ زواجها ووفاتها]-

الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تزوَّجها حلالا وبنى بها حلالًا وماتت بسرف فدفنَّاها في الظلَّة التي بنى بها فيها، فنزلنا في قبرها أنا وابن عبَّاس

(188)

عن ابى رافعٍ رضى الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة حلالًا وبنى بها حلالًا وكنت الرَّسول بينهما

ثقة نزل الرقة (وميمونة) هي أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت لبابة أم الفضل بن عباس، وكان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبع لما اعتمره عمرة القضية، فيقال أرسل جعفر بن أبي طالب يخطبها فأذنت للعباس فزوجها منه، ويقال إن العباس وصفها له وقال قد تأيمت من أبي رهم ابن عبد العزي، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن سعد كانت آخر امرأة تزوجها يعني ممن دخل بها، وذكب بسند له أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها في شوال سنة سبع، فإن ثبت صح أنه تزوجها وهو حلال لأنه إنما أحرم في ذي القعدة منها. أفاد الحافظ في الإصابة (1) أي قبل الأحرام بعمرة القضية (وبنى بها حلالا) أي دخل بها بعد انتهاء العمرة (قال في النهاية) الابتناء والبناء الدخول بالزوجة، والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على أهله (2) بضم الظاء وتشديد اللام كل ما أظل من الشمس، وهي التي زفت إليه ميمونة فيها وهذا من غرائب الصدف، وكانت وفاتها سنة إحدى وخمسين على الصحيح كما قال الحافظ (تخريجه) أخرجه الترمذي بلفظ حديث الباب وسنده وقال هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد الأصم مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، ورواه مسلم وابن ماجه "ولفظهما تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس" ورواه أبو داود ولفظه "قالت تزوجني ونحن حلالان بسرف".

(188)

عن أبي رافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ويونس قالات ثنا حماد بن زيد قال ثنا مطر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع- الحديث" (غريبه)(3) يعني الواسطة في أمر الزواج بينه وبين العباس وكيلها في الزواج (تخريجه)(هق. مذ) وقال هذا حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة، وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، ورواه مالك مرسلا، ورواه

ص: 229

-[زوائد الباب في عدم جواز نكاح المحرم وإنكاحه]-

.....

أيضا سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا اهـ (زوائد الباب)(عن أبي الشعثاء) أن ابن عباس أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، زاد بن نمير فحدثت به الزهري، فقال أخبرني يزيد بن الأصم أنه نكحها حلال (م)(وعن ميمونة بن مهران) قال أتيت صفية بنت شيبة امرأة كبيرة فقلت لها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم؟ قالت لا، ولقد تزوجها وهما حلالان (طب. نس) ورجال الكبير رجال الصحيح (وعن ابن عمر رضي اله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه سولم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ولا يخطب عليه (قال الهيثمي) رواه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن القاسم، فإن كان أحمد ابن القاسم بن عطية فهو ثقة، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله لم يتكلم فيهم أحد (وعن عثمان بن عفان) رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال الهيثمي) هو في الصحيح وغيره خلا قوله ولا يخطب عليه، رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى باختصار موقوفا على أبان بن عثمان، إلا أنه قال ولا خطب على نفسه ولا من سواه، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم (وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم واحتجم وهو محرم (قال الهيثمي) رواه البزار، وروى لها الطبراني في الأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، ورجال البزار رجال الصحيح (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم (طس) وفيه عبد الله بن محمد بن المغيرة وهو ضعيف (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهما حرامان (قال الهيثمي) هو في الصحيح خلا إحرام ميمونة، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح (وعنه أيضا) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال (طب) وفيه عثمان بن مخلد الواسطي ذكره ابن أبي حاتم ولم يخرجه وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر، قاله الهيثمي (وعنه أيضا) في قوله تعالى {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} فهو لا حجر عليكم في الشراء والبيع قبل الأحرام وبعده، فأما الأحرام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزوج أو يزوج أو ينحر حتى يفرغ من إحرامه، قال الهيثمي رواه الطبراني، وعلى بن طلحة لم يسمع من ابن عباس. بينهما مجاهد. وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام (وعن داود بن الحصين) عن أبي غطفان بن طريف المرّي أنه أخبره أن أبا طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضى الله عنه نكاحه (لك. هق)(وعن الحسن) عن علي رضي الله عنهما قال من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته (وعن جعفر بن محمد) عن أبيه أن عليا رضي الله عنه قال لا ينكح المحرم فإن نكح ودَّ نكاحه (وعن شوذب) مولى لزيد بن ثابت رضي الله عنه أنه تزوج

ص: 230

-[اختلاف المذاهب فى صحة نكاح المحرم والجواب عن حديث ابن عباس]-

.....

وهو محرم ففرق بينهما زيد بن ثابت، روى هذه الآثار الأربعة البيهقي، ثم قال وروينا في ذلك عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (وعن قدامة بن موسى) قال تزوجت وأنا محرم فسألت سعيد بن المسيب فقال يفرق بينهما "هق"(وعن سعيد بن المسيب) أن رجلا تزوج وهو محرم فأجمع أهل المدينة على أن يفرق بينهما "هق"(وعن مالك بن أنس) رحمه الله أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلوا عن نكاح المرحم فقالوا لا ينكح المحرم ولا ينكح (لك)(الأحكام) أحاديث الباب مع الزوائد تدل على عدم جواز نكاح المحرم أو إنكاح غيره، وعلى عدم واز الخطبة أيضا إلا ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فإنه يعارض أحاديث الباب، لكن قال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم، رواه أبو داود وقد اختلف العلماء بسبب ذلك في نكاح المحرم (قال النووي رحمه الله فقال (مالك والشافعي وأحمد) وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يصح نكاح المحرم، واعتمدوا أحاديث الباب (وقال أبو حنيفة) والكوفيون يصح نكاحه لحديث قصة ميمونة وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة، أصحها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلالا، هكذا رواه أكثر الصحابة (قال القاضي) وغيره ولم يرو أنه تزوجها محرما إلا ابن عباس وحده، وروت ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حلالا، وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به، بخلاف ابن عباس لأنهم أضبط من ابن عباس وأكثر (الجواب الثاني) تأويل حديث ابن عباس على أنه تزوجها في الحرم وهو حلال، ويقال لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلالا، وهي لغة شائعة معروفة، ومنه البيت المشهور *قتلوا ابن عفان الخليفة محرما* أي في حرم المدينة (والثالث) أنه تعارض القول والفعل، والصحيح حينئذ عند الأصوليين ترجيح القول لأنه يتعدى إلى الغير، والفعل وق يكون مقصورا عليه (والرابع) جواب جماعة من أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الأحرام وهو مما خص به دون الأمة، وهو أصح الوجهين عند أصحابنا (والوجه الثاني) أنه حرام في حقه كغيره وليس من الخصائص، وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا ينكح- فمعناه لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة (قال العلماء) سببه أنه لما منع في مدة الأحرام من العقد لنفسه صار كالمرأة فلا يعقد لنفسه ولا لغيره؛ وظاهر هذا العموم أنه لا فرق بين أن يزوج بولاية خاصة كالأب والأخ والعم ونحوهم أو بولاية عامة وهو السلطان والقاضي ونائبه، وهذا هو الصحيح عندنا، وبه قال جمهور أصحابنا. وقال بعض أصحابنا يجوز أن يزوج المحرم بالولاية العامة لأنها يستفاد بها ما لا يستفاد بالخاصة ولهذا يجوز للمسلم تزويج الذمية بالولاية العامة دون الخاصة، واعلم أن النهي عن النكاح

ص: 231

-[كلام العلماء في حكم الزواج والخطبة والرجعة للمحرم والجمع بين حديث ابن عباس وأحاديث الباب]-

.....

والأنكاح في حال الأحرام نهي تحريم، فلو عقد لم ينعقد سواء كان المحرم هو الزوج والزوجة، أو العاقد لهما بولاية أو ووكالة فالنكاح باطل في كل ذلك، حتى لو كان الزوجان والولي مسلمين ووكل الولي أو الزوج محرما في العقد لم ينعقد "وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا يخطب" فهو نهي تنزيه لي بحرام وكذلك يكره للمحرم أن يكون شاهدا في نكاح عقده المحلون (وقال بعض أصحابنا) لا ينعقد بشهادته لأن الشاهد ركن في عقد النكاح كالولي، والصحيح الذي عليه الجمهور انعقاده اهـ (قال الحافظ) في الإصابة وقد انتشر الاختلاف في هذا الحكم بين الفقهاء، ومنهم من جمع في هذا الحكم بين الفقهاء، ومنهم من جمع بأنه عقد عليهما وهو محرم وبنى بها بعد أن أحل من عمرته بالتنعيم وهو حلال في الحل، وذلك بين من سياق القصة عند ابن إسحاق، وقيل عقد له عليها قبل أن يحرم وانتشر أمر تزويجها بعد أن أحرم فاشتبه الأمر اهـ (قلت) وهذا الجمع وجيه، وعليه فيقال إن ابن عباس لم يعلم بالعقد إلا بعد انتشاره، والنبي صلى الله عليه وسلم محرم بسرف ففهم أن العقد لم يحصل إلا في المكان الذي يقال له سرف، ولهذا قال في روايته أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث بماء يقال له سرف وهو محرم، وتقدم أن هذا الماء أقرب إلى مكة من المدينة وميقات أهل المدينة أقرب إلى المدينة من مكة، فثبت أنه كان محرما ما يسرف ولم يبلغ ابن عباس خير الزواج إلا بهذا المكان ففهم أنه حصل حينئذ، والظاهر أن ابن عباس رضي الله عنهما رجع عن ذلك، فقد روى الطبراني بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وتقدم في الزوائد، وفي الحديث بعده في الزوائد عن ابن عباس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزوج أو يزوج أو ينحر حتى يفرغ من إحرامه، رواه الطبراني أيضا والله أعلم (أما مراجعة المطلقة رجعيا) في العدة فغير محظورة على المحرم (قال الأمام مالك) رحمه الله في الموطأ في الرجل المحرم أنه يراجع امرأته إن شاء إن كانت في عدة منه، أي لأن الرجعة ليست بنكاح فلم تدخل في الحديث، فأما إن خرجت من عدتها فلا يعيدها لأنه نكاح فدخل فيه (قال أبو عمر) لا خلاف في ذلك بين أئمة الفتوى بالأمصار لأن المراجعة لا تحتاج إلى وليّ ولا صداق (قال الباحي) وعن أحمد منعه من الرجعة والله أعلم.

(تتمة في حكم من جامع أو قبَّل أو لمس بشهوة وهو محرم)

اعلم هداني الله وإياك لما يحب ويرضى أن غشيان النساء أو تقبيلهن أو لمسهن بشهوة أو التعريض لهن بذكر الجماع ونحوه كل ذلك حرام في حال الأحرام، والأصل في ذلك قول الله عز وجل "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" وقد فسر الرفث بالجماع كما قال تعالى {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} روى الحافظ

ص: 232

-[تتمة في حكم جامع أو قبَّل أو لمس بشهوة وهو محرم]-

.....

ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس وابن عمر الرفث غشيان النساء، قال وكذا قال سعيد ابن جبير. وعكرمة. ومجاهد. وإبراهيم (يعني النخعي) وأبو العالية. وعطاء. ومكحول وعطاء الخراساني. وعطاء بن يسار. وعطية. والربيع. والزهري. والسدي. ومالك بن أنس. ومقابل بن حيان. وعبد الكريم بن مالك. والحسن. وقتادة. والضحاك. وغيرهم (وقال علي بن أبي طلحة) عن ابن عباس الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز وأن تعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك (وفسر الفسوق) بأتيان معاصي الله في حرم الله، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس، وكذا قال عطاء. ومجاهد. وطاوس. وعكرمة. وسعيد ابن جبير. ومحمد بن كعب. والحسن. وقتادة. وإبراهيم النخعي. والزهري. والربيع ابن أنس. وعطاء بن ياسر. وعطاء الخراساني. ومقاتل بن حيان (وقال آخرون) الفسوق هاهنا السباب، قاله ابن عباس. وابن عمر. وابن الزبير. ومجاهد. والسدى. وإبراهيم النخعي. والحسن، وقد يتمسك لهؤلاء بما ثبت في الصحيح "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"(والجدال في الحج) المراء والمخاصمة، روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى "ولا جدال في الحج" قال أن تماري صاحبك حتى تغضبه (وعن التميمي) قال سألت ابن عباس عن الجدال، فقال المراء تماري صاحبك حتى تغضبه، وكذلك روى مقسم والضحاك عن ابن عباس، وكذا قال أبو العالية. وعطاء. ومجاهد. وسعيد بن جبير وعكرمة. وجابر بن زيد. وعطاء الخراساني. ومكحول. والسدى. ومقاتل بن حيان وعمرو بن دينار. والضحاك. والربيع بن أنس. وإبراهيم النخعي. وعطاء بن يسار والحسن. وقتادة. والزهري (وقال علي بن أبي طلحة) عن ابن عباس "ولا جدال في الحج" المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى اله عن ذلك (قلت) وهذا النهي للتحريم، وأشد هذه الأمور تحريما الجماع حال الأحرام لإجماع الأمة على تحريمه وأنه مفسد للحج (قال ابن المنذر) أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بأتيان شيء في حال الأحرام إلا الجماع اهـ (قلت) وقيل أن أذكر مذاهب الأئمة رحمهم الله في حكم من أفسد حجه بالجماع وماذا يفعل اذكر ما وقفت عليه في ذلك من الأخبار والآثار ليظهر للقارئ ما بنوا مذاهبهم عليه من الأدلة فأقول.

روى البيهقي بسنده عن يزيد بن نعيم الأسلمي التابعي أن رجلا من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما اقضيا نسككما واهديا هديا ثم ارجعا حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا ولا يرى واحد منكما صاحبه وعليكما حجة أخرى، فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فأحرما، وأتما نسككما واهديا (قال البيهقي) هذا منقطع (وفي الموطأ) قال مالك أنه بلغني أن عمر بن الخطاء وعليَّ بن أبي طالب

ص: 233

-[ما ورد من الأحاديث والآثار فيمن أفسد حجة بالجماع]-

.....

وأبا هريرة رضي الله عنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفدان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما الحج من قابل والهدى، وقال على فإذا أهلا بالحج من قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما، هذا الأثر ذكره الأمام مالك بلاغا عنهم وأسنده البيهقي من حديث عطاء أن عمر بن الخطاب قال في محرم أصاب امرأته يعني وهي محرمة فقال يقضيان حجهما وعليهما الحج من قابل، وهو أيضا منقطع فإن عطاء لم يدرك عمر، وإنما ولد عطاء في آخر خلافة عثمان، ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر وهو منقطع وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عنه وعن علي وهو منقطع أيضا بين الحكم وبينه (وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهي بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدئة، رواه الأمام مالك في الموطأ بإسناد صحيح (وعنه أيضا) في رجل وقع على امرأته وهو محرم فقال اقضيا نسككما وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قبل فأخرجا حاجين فإذا أحرمتما فتفرقا ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما واهديا هديا، رواه البيهقي بإٍناد صحيح (وفي رواية) ثم أهلا من حيث أهللتما أول مرة (وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه أن رجلا أتى عبد الله بن عمرو وأنا معه يسأله عن محرم وقع بامرأته فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال اذهب إلى ذلك فسله، قال شعيب فلم يعزم الرجل، فذهبت معه نسأل ابن عمر فقال بطل حجك، فقال الرجل فما أصنع قال اخرج مع الناس واصنع ما يصنعون، فإن أدركت قابل فحج واهد؛ فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه فأخبره، فقال اذهب إلى ابن عباس فسله (قال شعيب) فذهبت معه إلى ابن عباس فسأله فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو وأنا معه فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال ما تقول أنت؟ فقال قولي ما قالا، رواه البيهقي بإسناد صحيح، ثم قال البيهقي هذا إسناد صحيح، قال وفيه دليل على صحة سماع شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص من جده عبد الله بن عمرو (وعن عكرمة) أن رجلا قال لابن عباس أصبت أهلي فقال ابن عباس أما حجكما هذا فقد بطل، فحجا عاما قابلا ثم أهلا من حيث أهللتما، وحيث وقعت عليها ففارقها فلا تراك ولا تراها حتى ترميا الجمرة واهد ناقة ولتهد ناقة، رواه البيهقي (وعن ابن عباس) إذا جامع فعلى كل واحد منهما بدنة، رواه ابن خزيمة والبيهقي بإسناد صحيح (وعنه أيضا) يجزئ عنهما جزور رواه ابن خزيمة والبيهقي بإسناد صحيح (وعنه أيضا) قال إن كنت أعانتك فعلى كل واحد منهما بدنة حسناء جملاء وإن كانت لم تعنك فعليك ناقة حسناء جملاء، رواه ابن خزيمة والبيهقي بإسناد صحيح (قال ابن قدامة الحنبلي في المغني) قال ابن المنذر قول ابن عباس أعلى شيء روى فيمن وطئ في حجه، وروى ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه قال

ص: 234

-[مذاهب الأئمة فيما يفعل من أفسد حجة بالجماع - وفى الوطء فيما دون الفرج]-

.....

ابن المسيب. وعطاء. والنخمي. والثوري (والشافعي) وإسحاق. وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا فرق بين ما قبل الوقوف وبعده (وقال أبو حنيفة) إن جامع قبل اوقوف فسد حجه، وإن جامع بعده لم يفسد لقول النبي صلى الله عليه وسل (الحج عرفة) ولأنه معنى يأمن به الفوات فأمن به الفساد كالتحليل (قال ابن قدامة) ولنا قول الصحابة الذين روينا، فإن قولهم مطلف فيمن واقع محرما، ولأنه جماع صادف إجراما تاما فأفسده كما قبل الوقوف وقوله صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) يعني معظمه أو أنه ركن متأكد فيه ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد بدليل العمرة، إذا ثبت هذا فإنه يجب على المجامع بدنة، قال وإن كانت المرأة مكرهة على الجماع فلا هدي عليها ولا على الرجل أن يهدى عنها، نص عليه أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام، وهذا قول إسحاق وأبي ثور وابن المنذر (وعن أحمد) رواية أخرى أن عليه أن يهدى عنها وهو قول (عطاء ومالك) لأن إفساد الحج وجد منه في حقهما فكان عليه لإفساد حجها هدي قياسًا على حجه، وعنه ما يدل على أن الهدي عليه، لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها فكان الهدي عليها كما ول طاوعت، ويحتمل أنه أراد أن الهدى عليها يتحمله الزوج عنها فلا يكون رواية ثالثة، فأما حال المطاوعة فعلى كل واحد منهما بدنة، هذا قول ابن عباس. وسعيد بن المسيب. والنخعي. والضحاك (ومالك) والحكم. وحماد، لأن ابن عباس قال اهد ناقة ولتهد ناقة لأنها أحد المتجامعين من غير إكراه فلزمتها بدنة كالرجل (وعن أحمد) أنه قال أرجو أن يجزئهما هدي واحد، وروى ذلك عن عطاء (وهو مذهب الشافعي) لأنه جماع واحد فلم يوجب أكثر من بدنة كحالة الإكراه، والنائمة كالمركهة في هذا، وأما فساد الحج فلا فرق بين حال الإكراه والمطاوعة لا نعلم فيه خلافا. قال ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة (وبه قال الشافعي) وأبو ثور ويتخرج في وطئ البهيمة أن الحج لا يفسد به (وهو قول مالك وأبي حنيفة) لأنه لا يوجب الحد فأشبه الوطء دون الفرج، وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أن اللواط والوطء في الدبر لا يفسد الحج لأنه لا يثبت به الإحصان بالوطء دون الفرج اهـ (وقد اختلف العلماء) في الوطء فيما دون الفرج، فقال النووي لم يفسد حجه عندنا، وعليه شاة في أصح القولين وبدنة في الآخر سواء أنزل أم لا، وكذا قال جمهور العلماء لا يفسد اهـ. وقال الخرقي من أئمة الحنابلة في مختصره، وإن وطئ دون الفرج فلم ينزل فعليه دم، وإن أنزل فعليه بدنة وقد فسد حجة (قال ابن قدامة) في شرحه أما إذا لم ينزل فإن حجه لا يفسد بذلك لا نعلم أحدًا قال بفساد حجه لأنها مباشرة دون الفرج عريت عن الأنزال فلم يفسد بها الحج كاللمس

ص: 235

-[مذاهب الأئمة في حكم الوطء فيما دون الفرج - وما يفعل من قبَّل أو لمس بشهوة]-

.....

أو مباشرة لا توجب الاغتسال أشبهت اللمس وعليه شاة، وقال الحسن فيمن ضرب بيده على فرج جاريته عليه بدنة (وعن سعيد بن جبير) إذ نال منها ما دون الجماع ذبح بقرة (قال ابن قدامة) ولنا أنها ملامسة من غير إنزال فأشبهت لمس غير الفرج "فأما إن أنزل" فعليه بدنة، وبذلك قال الحسن. وسعيد بن جبير. والثوري. وأبو ثور (وقال الشافعي) وأصحاب الرأي وابن المنذر عليه شاة لأنها مباشرة دون الفرج فأشبه لو لم ينزل (قال ابن قدامة) ولنا أنه جماع أوجب الغسل فأوجب بدنة كالوطء في الفرج، وفي فساد حجه بذلك روايتان (إحداهما) يفسد اختارها الخرقي وأبو بكر وهو قول عطاء. والحسن. والقاسم ابن محمد (ومالك وإسحاق) لأنها عبادة يفسدها الوطء فأفسدها الأنزال عن مباشرة كالصيام (والثانية) لا يفسد الحج وهو قول (الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر) وهي الصحيحة إن شاء الله، لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلم يفسد الحج كما لو لم ينزل ولأنه لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معنى المنصوص عليه، لأن الوطء في الفرج يجب بنوعه الحد ويتعلق به إثنا عشر حكما ولا يفترق فيه الحال بين الأنزال وعدمه؛ والصيام يخالف الحج في المفسدات، ولذلك يفسد بتكرار النظر مع الأنزال والمذي وسائر محظوراته، والحج لا يفسد بشيء من محظوراته غير الجماع فافترقا؛ والمرأة كالرجل في هذا إذا كانت ذات شهوة، وإلا فلا شيء عليها كالرجل إذا لم يكن له شهوة اهـ "وأما إذا قبلها" بشهوة فهو كالوطء فيما دون الفرج من غير إنزال، فلا يفسد الحج وتجب شاة، وبه قال ابن المسيب وعطاء. وابن سيرين. والزهري. وقتادة. والأئمة (الشافعي ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو ثور) وقال ابن المنذر روينا ذلك عن ابن عباس وروينا عنه أنه يفسد حجه (وعن عطاء) رواية أنه يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه (وعن سعيد بن جبير) أربع روايات (إحداها) كقول ابن المسيب ومن وافقه (والثانية) عليه بقرة (والثالثة) يفسد حجه (والرابعة) لا شيء عليه بل يستغفر الله (ولو ردد النظر إلى زوجته حتى أمنى) لم يفسد حجه ولا فدية عليه عند الأئمة (أبي حنيفة والشافعي وأبي ثور)(وقال الحسن البصري ومالك) يفسد حجه وعليه الهدي، وقال عطاء عليه الحج من قابل وعن ابن عباس روايتان (إحداهما) عليه بدنة، والثانية دم، وقال سعيد بن جبير والإمام أحمد وإسحاق عليه دم (قال النووي) في شرح المهذب (وأما اللمس بغير شهوة) فليس بحرام بلا خلاف، وأما قول الغزالي في الوسيط والوجيز تحرم كل مباشرة تنقض الوضوء فغلطوه فيه، واتفقوا على أنه سهو وليس وجها، وسبب التغليظ أنه قال مباشرة تنقض الوضوء فتدخل فيه المباشرة بغير شهوة وليست محرمة بلا خلاف. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 236

-[حجة القائلين بمنع المحرم من أكل صيد البر مطلقا]-

(6)

باب تحريم صيد البر على المحرم واكله

(189)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ الصَّعب بن جثَّامة الأسدىَّ رضي الله عنه أهدى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم رجل حمار وحش وهو محرم فردَّه وقال إنَّا محرمون

(190)

وعنه أيضًا عن الصَّعب بن جثامة رضى الله عنه قال مرَّ بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالأبواء أو بودَّان فأهديت له من لحم حمار وحشٍ وهو محرم فردَّه علىَّ، فلمَّا رأى في وجهى الكراهة قال إنَّه ليس بنا ردٌّ عليك

(189) عن ابن عباس رضي الله عنهما (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنبأنا يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة- الحديث" (غريبه) (1) بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها موحدة؛ وأبوه جثامة بفتح الجيم وتنقيل المثلثة، وهو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة كنانة؛ وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، أمه زينب بنت حرب بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عوف ابن مالك (2) وقع في رواية للشيخين والأمام أحمد وستأتي من حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة أيضا أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا، ووقع في رواية لمسلم "رجل حمار وحشي" كما هنا، وسيأتي الكلام على اختلاف الروايات في القدر المهدي في الأحكام إن شاء الله تعالى (3) أي لم يقبل هديته لأنه لا يجوز للمحرم أكل لحم الصيد، وقد احتج به القائلون بمنع المحرم من أكل صيد البر مطلقا. وسيأتي ذكرهم في الأحكام (تخريجه)(م. نس. هق. وغيرهم) وهذا الحديث من مسند ابن عباس.

(190)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة- الحدث" (غريبه)(4) بفتح الهمزة وسكون الموحدة جبل من أعمال الفرع بضم الفاء وسكون والراء بعدها مهملة، قيل سمي بالأبواء لوبائه، وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله (وقوله أو بودَّان) شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون موضع بقرب الجحفة (5) أي ليس من خصالنا رد الهدية على مهدبها ولم يمنعنا من قبولها إلا

ص: 237

-[حجة القائلين بمنع المحرم من أكل صيد البر مطلقا]-

ولكنَّا حرم (وعن من طريقٍ ثانٍ) عن الصَّعب بن جثَّامة اللَّيثيَّ أنَّه أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالأبواء أو بودَّان حمارًا وحشيًّا فردَّه عليه رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الحديث (وعن من طريقٍ ثالثٍ بنحوه وفيه) فأهديت له حمار وحش فردَّه علىَّ الحديث. وفى آخره قلت لابن شهاب الحمار عقير؟ قال لا أدرى

(191)

عن طاوس قال قدم زيد بن أرقم رضي الله عنه فقال له ابن عبَّاس رضى الله عنهما يستذكره كيف أخبرتنى عن لحم أهدى للنَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وهو حرام قال نعم، أهدي رجل عضوًا

أننا (حرم) بضم الحاء والراء أي محرمون، وليس هذا آخر الحديث عند الأمام أحمد، وبقيته (قال) وسمعته يقول لا حمى إلا لله ولرسوله، وسئل عن أهل الدار من المشركين بيتون فيصاب من نسائهم وذراربهم، فقال هم منهم، ثم يقول الزهري ثم نهى عن ذلك بعد اهـ (قلت) سيأتي ذلك في باب جواز تبيت الكفار ورميهم بالمنجنيق من كتاب الجهاد إن شاء الله (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة- الحديث" (2) (سنه) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بكر قال أنا ابن جريج قال أخبرني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس عن صعب بن جثامة أنه قال مر بي وأنا بالأبواء أو بودان فأهديت له حمار وحش- الحديث"(3) القائل قلت لابن شهاب هو ابن جريج (وقوله عقير) فعيل بمعنى مفعول أي مقتول من رمية الصائد أو أصابه عقر ولم يمت بعد (تخريجه)(ق. لك. نس. مذ. جه. هق) باختلاف في بعض الألفاظ.

(191)

عن طاوس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني حسن بن مسلم عن طاوس قال قدم زيد بن أرقم- الحديث" (غريبه)(4) أي يتحقق ما سمعه منه سابقا (5) يعني وهو محرم

ص: 238

-[اختلاف عثمان وعلى رضي الله عنهما في المحرم إذا صيد له أيأكله أم لا؟]-

من لحم صيد فردَّه وقال إنَّا لا نأكله إنَّا حرم

(192)

عن عائشة رضى الله عنها قالت أهدى للنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبيٍ وهو محرم فردَّها (وفي لفظٍ فلم يأكله) قال سفيان الوشيقة ما طبخ وقدِّد

(193)

عن عليِّ بن زيد ثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمىُّ قال كان أبى الحارث على أمرٍ من أمر مكَّة في زمن عثمان فأقبل عثمان رضى الله عنه إلى مكَّة فقال عبد الله بن الحارث فاستقبلت عثمان بالنُّزل بقديدٍ فاصطاد أهل الماء حجلًا فطبخناه بماءٍ وملح فجعلناه عراقًا للثَّريد فقدَّمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا فقال عثمان صيد لم أصطده ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حلٌّ فأطعمونا فما بأس، فقال عثمان من يقول فى هذا؟ فقالوا علىٌّ، فبعث إلى علىٍّ رضى الله عنه فجاء، قال عبد الله

(تخريجه) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي.

(192)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عبد الكريم عن قيس بن مسلم الجدي عن الحسن بن محمد بن على عن عائشة- الحديث" (غريبه)(1) الوشيقة أن يؤخذ اللحم فيغلي قليلا ولا ينضج ويحمل في الأسفار وقيل هي القديد، وقد فسرنا سفيان في الحديث بذلك والظبي هو الغزال (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.

(193)

عن علي بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي هاشم ابن سليمان يعني ابن المغيرة عن علي بن زيد ثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل- الحديث" (غريبه)(2) النزل بضمتين الموضع الذي ينزل فيه، وقديد بضم أوله مصغرا موضع بين مكة والمدينة (3) الحجل طير معروف، الواحدة حجلة وزان قصب وقصبة (وقوله فجعلناه عراقا للثريد) أي بدل لحم الجزور ونحوه وإن كان هذا قليلا (4) أي لأنهم مجرمون وهذا لحم صيد لا يجوز للمحرم أكله (5) أي قوم حلال ليسوا محرمين يريد أننا لم نصطده ولم نأمر بصيده فلا مانع من أكله، فكأنه قيل له إن هذا ممنوع على

ص: 239

-[اختلاف عثمان وعلي رضي الله عنهما في المحرم إذا صيد له صيد أيأكله أم لا]-

ابن الحارث فكأني أنظر إلى عليٍّ حين جاء وهو يحثُّ الخبط عن كفَّيه فقال له عثمان صيد لم نصطده ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حلٌّ فأطعمونا فما بأس، قال فغضب على وقال أنشد الله رجلًا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى بقائمة حمار وحشٍ (وفي لفظ بعجز حمار وحش وهو محرم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَا قوم حرم فأطعموه أهل الحلِّ قال فشهد اثنا عشر رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال عليٌّ أشهد الله رجلًا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى ببيض النَّعام (وفى لفظٍ بخمس بيضات نعام) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّا قوم حرم، أطعموه أهل الحلِّ، قال فشهد دونهم من العدَّة من الاثنى عشر قال فثنى عثمان وركه عن الطَّعام فدخل رحله (وفى لفظٍ فسطاطه) وأكل ذلك الطَّعام أهل الماء

المجرم فقال (من يقول في هذا) يعني من يقول بعدم الجواز (1) الحت معناه الحك والأزلة، والخبط بالتحريك اسم ما يتساقط من ورق الشجر بعد خبطه أي ضربه بالعصى وهو من علف الإبل، وللعرب طريقة في جعله علفا وهو أن يؤخذ الورق ويجفف ويطحن يوخلط بدقيق أو غيره ويعجن بالماء فتوجره الأبل، والمعنى أن عليا رضى الله عنه كان مشتغلا بعلف بعيره حينما جاءه الرسول ويده ملوثة بالخبط فأسرع في المجيء قبل أن يزيل ما عليها اهتماما بهذا الأمر ثم بعد مجيئه صار يحت الخبط عن كفيه، ولذا قال عبد الله ابن الحارث فكأني أنظر إلى على حين جاء وهو يحت الخبط عن كفيه يعني أنه متحقق ما حصل في هذه القصة كأنها وقعت الآن (2) بضم الشين المعجمة أي أسأل بالله وأقسم به (وقوله شهد رسول الله) أي كان حاضرا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى بقائمة حمار وحش الخ (3) لابد من تقييد هذا الإطلاق بأن هذا الصيد صيد لأجل المحرم أو بأمره، أما إذا صاده الحلال لنفسه ثم أهدى منه شيئا للمحرم فلا بأس بقبوله وأكله كما يستفاد ذلك من حديث جابر الآتي بعد هذا؛ ويقال مثل ذلك في بيض النعام الآتي (4) يعني أنه شهد له على بيض النعام بعض الاثني عشر المتقدم ذكرهم (5) يريد أنه اقتنع بما سمعه من على رضى الله عنه وامتنع عن الطعام فأكله أهل الماء أي المقيمون بهذا المكان من أهل الحل (تخريجه)(عل. بز) بنحوه وفيه على بن زيد فيه كلام وقد وثق

ص: 240

-[حجة القائلين بجواز صيد البر للمحرم ما لم يصده أو يصد له]-

(فصل منه في جواز أكل صيد البر إذا لم يصده أو يصد له)

(194)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفى لفظٍ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) صيد البرِّ لكم حلال قال سعيد وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم

(195)

عن عبد الله بن أبى قتادة قال أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام

(194) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله- الحديث" (غريبه) (1) هذا اللفظ لقتيبة أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث (2) يعني زاد سعيد بن منصور أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد في روايته (وأنتم حرم) أما قتيبة فقال في روايته "سيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم" بدون قوله "وأنتم حرم" (3) هذا الحديث صريح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو يصيده غيره له. وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له. بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم، ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة كحديث الصعب بن جثامة وطلحة وأبي قتادة، ومخصص لعموم الآية المتقدمة والله تعالى أعلم (تخريجه) (الأربعة. وغيرهم) قال الحافظ في التلخيص رواه أصحاب السنن و (حب. ك. قط. هق) من حديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم" وفي رواية للحاكم "لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم" وعمرو مختلف فيه وإن كان من رجال الصحيحين ومولاه (قال الترمذي) لا يعرف له سماع عن جابر، وقال في موضع آخر قال محمد لا أعرف له سماعا من أحد من الصحابة إلا قوله حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول لا نعرف له سماعا من أحد من الصحابة، وقد رواه الشافعي عن الدراوردي عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر (قال الشافعي) إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي ومعه سليمان بن بلال يعني أنهما قالا فيه عن المطلب (قال الشافعي) وهذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب اهـ (قلت) وقول الترمذي قال محمد، يعني البخاري.

(195)

عن عبد الله بن أبي قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 241

-[قصة خروج أبى قتادة وصيده حمار الوحش وعدم احرامه]-

الحديبية ولم يحرم أبو قتادة قال وحدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عدوٌّا بغيقة فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما أنا مع أصحابى فضحك بعضهم إلى بعض فنظرت فإذا أنا بحمار وحشٍ فاستعنتهم فأبوا أن يعينونى فحملت عليه

إسماعيل عن هشام الدستوائي ثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة- الحديث" (غريبه)(1) هو الأنصاري الصحابي اسمه الحارث بن رعبي بكسر الراء وسكون الباء بعدها عين مهملة مكسورة، وإنما لم يحرم أبو قتادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل كما سيأتي في الطريق الثانية (2) أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء (قال السكوني) هو ماء لبنى غفار بين مكة والمدينة، وقال يعقوب هو قليب لبنى ثعلبة يصب فيه ماء رضوى (بإضافة ماء إلى رضوى) ورضوى جبل متصل بالمدينة ويصب هو في البحر اهـ (قال الحافظ) وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية، فبلغ الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلا أخبروه بأن عدوا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرتة، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم. فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا إلا هو فاستمر هو حلالا، لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الأشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم، قال كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم لا يدرون ما وجهه، قال حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه- الحديث، قال فأبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة (قال الحافظ) وهذه الرواية التي أشار إليها تقضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وليس كذلك لما بيناه، ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان فهذا سبب آخر. ويحتمل جمعهما، والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الأحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير اهـ (3) قال العلماء وإنما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد ولا قدرة لهم عليه لمنعهم منه والله أعلم (4) يريد أنه طلب منهم أن ينالوه سوطه ورمحه فأبوا كما سيأتي في بعض

ص: 242

-[حجة القائلين بجواز أكل المحرم من صيد البر اذا لم يصده أو يصد له]-

فأثبتُّه فأكلنا من لحمه وخشينا أن نقتطع فانطلقت أطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أرفِّع فرسى شاؤًا وأسير شاؤًا، ولقيت رجلًا من بنى غفارٍ فى جوف اللَّيل فقلت أين تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال تركته وهو بتعهن وهو ممّا يلى السُّقيا، فأدركته فقلت يا رسول الله إنَّ أصحابك يقرئونك السَّلام ورجمة الله وقد خشوا أن يقتطعوا دونك فانتظرهم، قال فانتظرهم، قبلت وقد أصبت حمار وحشٍ وعندى منه فاضلة فقال للقوم كلوا وهم

طرق الحديث (وقوله فأثبته) أي أحكمت الطعن فيه (1) أي خشوا أن يقتطعهم العدو وهم نفر قليلون قبل الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (2) بتشديد الفاء المكسورة أي أكلفه السير السريع (والشأو) بالشين المعجمة مهموز هو الطلق والغاية. ومعناه اركضه شديد وقتًا وأسوقه بسهولة وقتًا (3) قال النووي وتعهن المذكورة في هذا الحديث هي عين ماء هناك على ثلاثة أميال من السقيا، وهي بتاء مثناة فوق مكسورة ومفتوحة، ثم عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون (قال القاضي عياض) هي بكسر التاء وفتحها، قال وروايتنا عن الأكثرين بالكسر، قال وكذا قيدها البكري في معجمة، قال القاضي وبلغني عن أبي ذر الهروي أنه قال سمعت العرب نقولها بضم التاء وفتح العين وكسر الهاء وهذا ضعيف اهـ. قال النووي (السقيا) بضم السين المهملة وإسكان القاف وبعدها ياء مثناه من تحت. وهي مقصورة، وهي قرية جامعة بين مكة والمدينة من أعمال الفرع بضم الفاء وإسكان الراء وبالعين المهملة (4) قال النووي فيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب سواء كان أفضل من المرسل أم لا لأنه إذا أرسله إلى ما هو أفضل فمن دونه أولى (قال أصحابنا) ويجب على الرسول تبليغه ويجب على المرسل إليه رد الجواب حين يبلغه على الفور (5) أي بقى عندي منه شيء، وهذا الشيء هو العضد كما صرح بذلك في الطريق الثانية، ونحوه مسلم والبخاري ولفظه "فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتاه عن ذلك فقال هل معكم منه شيء؟ فقلت نعم. فناولته العضد فأكلها وهو محرم" وهذا يدل على جواز أكل المحرم الصيد إذا لم يأمر بصيده أو أعان عليه، ويستفاد ذلك من حديث جابر المتقدم ومن رواية لمسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لما سألوه عن هذه الواقعة هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟ قالوا لا يا رسول الله

ص: 243

-[حجة القائلين بجواز أكل المحرم لحم صيد البر ما لم يصده أو يصد له]-

محرمون (ومن طريقٍ ثانٍ) عن عبد بن كعب بن مالك عن أبى قتادة الحارث بن ربعىٍّ رضى الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سيف البحر فى بعض عمره إلى مكَّة ووعدنا أن نلقاه بقديد فخرجنا ومنَّا الحلال ومنَّا الحرام، قال فكنت حلالًا فذكر الحديث وقال فيه هذه العضد قد شويتها وأنضجتها وأطيبتها؛ قال فهاتها، قال فجئته بها قنهسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حارم حتَّى فرغ منها (ومن طريقٍ ثالثٍ) عن نافعٍ مولى أبى قتادة الأنصارىِّ عن أبى قتادة أنَّه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى إذا كان ببعض طرق مكَّة تخلَّف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه وسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه

قال فكلوا (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة- الحديث" (2) أي ساحله (وقوله في بعض عمره) هي عمرة الحديبية كما صرح بذلك في الطريق الأولى، وكانت سنة ست من الهجرة (وقديد) تقدم ضبطه وهو مكان بين مكة والمدينة (3) يعني وقال في الحديث لما سألهم النبي صلى الله عليه وسلم (هل معكم من لحمه شيء) كما سيأتي في الطريق الرابعة من هذا الحديث، وكما تقدم في رواية البخاري أيضا (قال هذه العضد قد شويتها) الخ (4) يقال نهشت اللحم أخذته بمقدم الأسنان، وهو بالسين المهملة. ويصح بالشين المعجمة، نقله ابن فارس عن الأصمعي، وقال الأزهري قال الليث النهش بالشين المعجمة تناول من بعيد كنهش الحية وهو دون النهس، والنهس بالمهملة القبض على اللحم ونثره، وعكس ثعلب فقال النهص بالمهملة يكون بأطراف الأسنان، والنهش بالمعجمة بالأسنان وبالأضراس، وقال ابن القوطية كما قال الليث نهشته الحية بالشين المعجمة ونهمه الكلب والذئب والسبع بالمهملة، قاله في المصباح (وقوله وهو حرام) يعني وهو محرم (5) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن نافع مولى أبي قتادة- الحديث"(6) أي لأجل اكتشاف العدو كما تقدم

ص: 244

-[كلام العلماء في الجمع بين ما تعارض من حديثى أبى قتادة]-

فأبوا فأخذه، ثمَّ شدَّ على الحمار فقتله فأكل بعض أصحاب النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم، فلمَّا أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك، فقال إنَّما هى طعمة أطعمكموها الله عز وجل (ومن طريقٍ رابعٍ) عن عطاء بن يسار عن أبى قتادة بنحوه (وفيه) أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال هل معكم من لحمه م شاءٍ

(196)

عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه رضى الله عنه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابى ولم أحرم فرأيت حمارًا فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أنِّى لم أكن أحرمت وإنَّما اصطدته لك، فأمر النَّبىُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أنِّي اصطدته له

(1) في رواية لمسلم "فسقط مني سوطي فقلت لأصحابي وكانوا محرمين ناولوني السوط فقالوا والله لا نعينك عليه بشيء" ويستفاد من إبائهم وعدم إعانتهم له أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الأعانة على قتل الصيد (2) بضم الطاء أي طعام (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل ذلك "أي مثل الطريق الثالثة) إلا أن في حديث زيد بن أسلم (يعني هذا الطريق) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل عندكم من لحمه شيء (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم).

(196)

عن عبد الله بن أبي قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه- الحديث" (4) تقدم الكلام على عدم إحرام أبي قتادة في شرح الحديث السابق (5) هذا ينافي ما تقدم في الحديث السابق من أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه، قال أبو بكر النيسابوري (قوله إني اصطدته لك وأنه لم يأكل منه) لا أعلم أحدا قاله في هذا الحديث غير معمر؛ وقال ابن خزيمة والدارقطني والجوزقي تفرد بهذه الزيادة معمر، قال ابن خزيمة إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة

ص: 245

-[جواز أكل المحرم لحم صيد البر إذا لم يصده أو يصد له]-

(197)

عن عمير بن سلمة الضَّمرىِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالعرج فإذا هو بحمار عقير فلم يلبث أن جاء رجل من بهزٍ فقال يا رسول الله هذه رميتى فشانكم بها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ رضى الله عنه فقسَّمه بين الرِّفاق ثمَّ سار حتَّى عقبة أثاية فإذا هو بظبيٍ فيه سهم وهو حاقف فى ظلِّ صخرةٍ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من

أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه امتنع اه (قال الحافظ) وفيه نظر لأنه لو كان حراما ما أقر النبى صلى الله عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز، فان الذى يحرم على المحرم إنما هو الذى يعلم أنه صيد من أجله وأما إذا أتى بلحم لا يدرى ألحم صيد أو لا، فحمله على أصل الأباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل، وعندى بعد ذلك فيه وقفة، فان الروايات المتقدمة ظاهرة فى أن الذى تأخر هو العضد، وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أى لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخارى فى الهبة حتى نفدها أى فرغها، فأى شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله، لكن رواية أبى محمد الآتية فى الصيد (يعنى عند البخاري)"أبقى معكم شئ منه؟ قلت نعم، قال كلوا فهو طعمة أطعمكموها الله" فأشعر بأنه بقى منها غير العضد والله تعالى أعلم اه (قلت) رواية أبقى معكم شئ الخ تقدمت قبل حديث (تخريجه)(جه، قط هق. خز) وسنده جيد

(197)

عن عمير بن سلمة الضمرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم قال أنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال أخبرنى عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمرى - الحديث" (غريبه)(1) بفتح العين وسكون الراء وجيم قرية جامعة من عمل الفرع على أميال من المدينة (2) أى حمار وحش (وقوله عقير) فعيل بمعنى مفعول أى معقور يعنى متقولا بسهم الصائد، زاد فى الموطأ فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوه فانه يوشك أن يأتى صاحبه (3) اسمه زيد بن كعب السلمى صحابى (4) بكسر الراء مصدر كالمرافقة، قاله فى المشارق (وقال الجوهري) جمع رفقة بضم الراء وكسرها القوم المترافقون فى السفر (5) بضم الهمزة وحكى كسرها ومثلثة موضع بطريق الجحفة إلى مكة (6) بمهملة فألف فقاف ففاء أى واقف منحن رأسه بين يديه إلى رجليه، وقيل الحاقف الذى لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل

ص: 246

-[حجة القائلين بتحريم أكل صيد البر على المحرم مطلقاً]-

أصحابه فقال قف هاهنا حتَّى يمرَّ الرِّفاق، لا يرميه أحد بشيءٍ

(198)

عن عبد الرَّحمن بن عثمان قال كنا مع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ونحن حرم فأهدي له طير وطلحة راقد، فمنّا من أكل ومنَّا من ورَّع فلم يأكل، فلمَّا استيقظ طلحه وفَّق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

(199)

ز عن علىَّ رضى الله عنه قال أتى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله

وقال أبو عبيد حاقف يعنى قد انحنى وتثنى فى نومه (1) هكذا فى الأصل (لا يرميه أحد بشئ) وفى رواية النسائى والأمام مالك فى الموطأ (لا يريبه) بفتح الياء التحتية وكسر الراء فتحتية فموحدة من الريبة، لا من الرمى كما فى رواية الأمام أحمد، والمعنى على كل لا يمسه أحد ولا يحركه ولا يهيجه، زاد فى رواية الموطأ والنسائى حتى يجاوزه (تخريجه)(لك نس. هق) وصححه ابن خزيمة وغيره، قال الحافظ

(198)

عن عبد الرحمن بن عثمان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر ثنا ابن جريج حدثنى محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان التيمى عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان قال كنا مع طلحة - الحديث" (غريبه)(2) هو ابن أخى طلحة بن عبيد الله (3) بفتح أوله وتشديد الفاء مفتوحة أى صوَّبه، ويحتمل أن يكون معناه دعا له بالتوفيق والله أعلم (تخريجه)(م. نس. هق)

(199)

"ز" عن على رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى عثمان بن أبى شيبة ثنا عمران بن محمد بن أبى ليلى عن أبيه عن عبد الكريم عن عبد الله ابن الحارث عن ابن عباس عن على - الحديث" (تخريجه)(جه) وفى إسناده عبد الكريم وهو أبو المخارق وهو ضعيف (زوائد الباب)(عن أبى هريرة) رضى الله عنه أنه أقبل من البحرين حتى إذا كان بالربذة وجد ركبا من أهل العراق محرمين فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله (قال أبو هريرة) ثم إنى شككت فيما أمرتهم به، فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فقال عمر ماذا أمرتهم به

ص: 247

-[زوائد الباب فيما يجوز للمحرم أكله من صيد البر]-

.....

فقال أمرتهم بأكله، فقال عمر بن الخطاب لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك يتواعده (لك هق) عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار أقبل من الشام فى ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد فأفتاهم كعب بأكله، قال فلما قدموا على عمر بن الخطاب بالمدينة ذكروا ذلك له. قال من أفتاكم بذلك؟ قالوا كعب، قال فأنى قد أمّرته عليكم حتى ترجعوا، ثم لما كان ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه، فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال ما حملك على أن تفتيهم بذلك؟ قال هو من صيد البحر، قال وما يدريك؟ قال يا أمير المؤمنين والذى نفسى بيده إن هى إلا نثرة حوت ينثره فى كل عام مرتين (لك. هق)(عن أبى اسحاق) قال سمعت أبا الشعثاء يقول سألت ابن عمر عن لحم الصيد يهديه الحلال للحرام "يعنى للمحرم" قال كان عمر رضى الله عنه يأكله، قلت إنما أسألك عن نفسك أتأكله؟ قال كان عمر رضى الله عنه يأكله، قلت إنما أسألك عن نفسك أتأكله؟ قال كان عمر رضى الله عنه خيرا منى (هق)(وعن زبير ابن العوام) رضى الله عنه قال كنا نأكل لحم الصيد ونتزوده ونأكله ونحن محرمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه ابراهيم بن طهمان عن أبى حنيفة بمعناه (هق)(وعن هشام بن عروة) عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت له يا ابن أختى إنما هى عشر ليال فان يختلج فى نفسك شيء فدعه، يعنى أكل لحم الصيد (هق)(وعنه أيضا) عن أبيه أن الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم (قال مالك) والصفيف القديد (لك) القديد كأمير ما صف من اللحم فى الشمس ليجف وعلى الجمر لينشوى (وعن عبد الله بن شماس) قال أتيت عائشة فسألتها عن لحم الصيد يهديه الحلال للحرام فقالت اختلف فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرهه بعضهم ولم ير بعضهم بأسا وليس به بأس (هق)(وعن مجاهد عن ابن عباس) قال إذا أحرم الرجل وعنده صيد فليتركه (وروينا) عن الحسن أنه قال يرسله فان ذبحه فعليه الجزاء (وأخبرنا) أبو سعيد ثنا أبو العباس ثنا الحسن ثنا أبو أسامة عن حماد بن زيد قال سئل عمرو بن دينار عن محرم ذبح صيدا، قال يأكله وعليه الجزاء. القاؤه فساد، قال حماد وكان أيوب يعجيه قول عمرو هذا (وروينا) عن الحسن البصرى أنه قال هو ميتة لا يأكله (وعن عطاء) لا يأكله الحلال، وعن عطاء إذا أصاب صيدا فعليه الفدية، وإذا أكله فعليه قيمة ما أكل (هق)(وعن البراء بن عازب) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نزل مرّ الظهران فأهدى له عضو صيد فرده على الرسول وقال اقرأ عليه السلام، وقل له لولا أنا أحرم ما رددناه عليك (طس طص) وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف (وعن أبى سعيد الخدري) رضي الله عنه

ص: 248

-[مذاهب العلماء فيما يحل للمحرم من الصيد - وأدلة القائلين بالمنع مطلقا]-

.....

قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الأنصارى على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمين حتى نزلوا عسفان فاذاهم بحمار وحش، وجاء أبو قتادة وهو حل ونكسوا رءوسهم كراهية أن يبدوا أبصارهم فيعلم، فرآه أبو قتادة فركب فرسه وأخذ الرمح فسقط منه الرمح، فقال ناولونيه، فقالوا نحن ما نعينك عليه فحمل عليه، فعقره فجعلوا يشوون منه، ثم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه فلم ير به بأسا، قال فأحسبه قال هل معكم منه شئ؟ شك عبيد الله، رواه البزار ورجاله ثقات (وعن على بن أبى طالب) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم رخص فى لحم الصيد للمحرم (بز) وفيه عبد الكريم بن أبى المخارق وهو ضعيف (وعن أبى موسى) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحم الصيد لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم وأنتم حرم (طب) وفيه يوسف بن خالد الممتى وهو ضعيف (الأحكام) أحاديث الباب تدل بظاهرها على أمور ثلاثة؛ منها ما يدل على تحريم أكل الصيد مطلقا سواء صاده المحرم بنفسه أو صيد له باذنه أو بغير إذنه أو صاده الحلال لنفسه وأهداه للمحرم، وبذلك قال فريق من الناس مستدلين بالآية وهى قوله عز وجل {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} وبحديث الصعب بن جثامة (ومنها) ما يدل على جواز أكل لحم الصيد مطلقا للمحرم ما لم يصده بنفسه، وبه قال الكوفيون وجماعة من السلف مستدلين بحديث طلحة ونحوه من أحاديث الباب المطلقة (ومنها) ما يدل على الجواز بشرط أن لا يصيده بنفسه ولا يأمر به ولا يعين عليه ولا يصاد لأجله وحجتهم حديث جابر وحديث أبى قتادة الذى يليه، لهذا اختلفت أنظار العلماء بعد إجماعهم على تحريم الاصطياد على المحرم، واختلفوا فيما عدا ذلك (فذهبت طائفة) إلى أنه لا يحل للمحرم لحم الصيد أصلا سواء صاده بنفسه أو صاده غيره له أو صاده لنفسه وأهداه إياه فيحرم مطلقاً؛ حكاه القاضى عياض عن على وابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم لقوله عز وجل {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} قالوا المراد بالصيد المصيد، ولظاهر حديث الصعب ابن جثامة رضى الله عنه المذكور أول الباب، فإن النبى صلى الله عليه وسلم رده وعلل رده بأنه محرم ولم يقل لأنك صدته لنا، وقد جاء هذا الحديث من عدة طرق بألفاظ مختلفة فى صفة القدر المهدى بفتح الدال (منها) أن الصعب بن جثامة أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحش فردَّه (ومنها) أهدى رجل حمار وحش (ومنها) عجز حمار وحش يقطر دما (ومنها) شق حمار وحش (ومنها) عضوا من لحم صيد (ومنها) حمار وحش وفى لفظ حمارا وحشيا وكل هذه الألفاظ فى الصحاح بعضها فى البخارى وبعضها عند الأمام أحمد وبعضها بل كلها عند مسلم، وقد اتفقت الروايات كلها على أن النبى صلى الله عليه وسلم رده عليه كما قال الحافظ، إلا ما رواه

ص: 249

-[اختلاف المذاهب فيما يجوز للمحرم أكله من صيد البر]-

.....

ابن وهب والبيهقي من طريقه بأسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبى صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم (قال البيهقي) إن كان هذا محفوظا حمل على أنه رد الحى وقبل اللحم (قال الحفاظ) وفى هذا الجمع نظر، فان الطرق كلها محفوظة، فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله، ورد اللحم تارة لذلك وقبله أخرى بحيث لم يصده لأجله، وقد قال الشافعى فى الأم إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حيا، وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون قد علم أنه صيد له اه (وقال القرطبي) يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحاً ثم قطع منه عضوا بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم فقدمه له، فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حياً، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبى صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا، ويحتمل أنه أهداه له حيا، فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل والجمع مهما أمكن أولى من توهين بعض الروايات اه (وذهبت الأئمة مالك والشافعى وأحمد وداود) الى جواز أكل لحم الصيد للمحرم بشرط أن لا يصيده أو يصاد له بأذنه أو بغير إذنه، فان صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى من لحمه للمحرم أو باعه لم يحرم عليه، وحجتهم حديث جابر المذكور فى الباب بلفظ "صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم" وبما فى بعض طرق حديث أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال للقوم "كلوا وهم محرمون" وبقوله صلى الله عليه وسلم "هل معكم من لحمه" وفى بعض طرقه أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أكل منه العضد؟؟؟؟ (وذهب جماعة) إلى أنه لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه، حكاه ابن المنذر عن عمر ابن الخطاب وأبى هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير، قال وروى ذلك عن الزبير بن العوام وبه قال أصحاب الرأى (وهو مذهب أبى حنيفة) وحجتهم حديث عمير بن سلمة الضمرى وحديث عبد الرحمن بن عثمان، وما جاء فى الزوائد من الأخبار والآثار المطلقة، وأجاب الشافعية وموافقوهم على الأحاديث المطلقة فى التحريم أو الجواز بأنه لابد من تقييدها بحديث جابر جمعاً بين الأحاديث؛ لأن حديث جابر صريح فى الفرق، وهو ظاهر فى الدلالة للشافعى وموافقيه، وردّ لما قاله أهل المذهبين الآخرين، ويحمل ما جاء مطلقا فى بعض طرق حديث أبى قتادة ونحوه على أنه لم يقصدهم باصطياده، ويحمل حديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده، وتحمل الآية الكريمة على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المذكورة المبينة للمراد من الآية (وأما قولهم) فى حديث الصعب أنه صلى الله عليه وسلم علل حين ردّه بأنه محرم ولم يقل لأنك صدته لنا، فالجواب عنه أنه ليس فى هذه العبارة

ص: 250

-[كلام العلماء في جزاء كسر بيض الصيد للمحرم - وفى فوائد حديث أبى قتادة]-

(7)

باب جزاء الصيد

(قول الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} - الآية)

(200)

عن معاوية بن قرَّة عن رجلٍ من الأنصار أنَّ رجلًا أوطأ بعيره

ما يمنع أنه صاده للنبى صلى الله عليه وسلم، لأنه إنما يحرم الصيد على الأنسان إذا صيد له بشرط أنه محرم فبين الشرط الذى يحرم به "ويستفاد من حديث على رضى الله عنه" أن كل طير حرم على المحرم صيده يحرم عليه بيضه، وإذا كسره لزمه قيمته، وإلى ذلك ذهب الأمامان (الشافعى وأحمد وآخرون) قال النووى وبه قال العلماء كافة إلا المزنى وداود فقالا هو حلال ولا جزاء فيه، وقال مالك يضمنه بعشر ثمن أصله، وسيأتى الكلام على جزاء من أتلفه واختلاف المذاهب فى ذلك فى باب أحكام جزاء الصيد الآنى بعد هذا إن شاء الله تعالى والله أعلم (قال الحافظ) وفى حديث أبى قتادة من الفوائد أن تمنى المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح فى إحرامه، وأن الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الأكل من صيده، وهذا يقوى من حمل الصيد فى قوله تعالى {وحرم عليكم صيد البر} على الاصطياد (وفيه) الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق، وقال عياض عندى أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب من أبى قتادة ذلك تطبيباً لقلب من أكل منه بيانا للجواز بالقول والفعل لأزالة الشبهة التى حصلت لهم (وفيه) امساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها (وفيه) تفريق الأمام أصحابه للمصلحة واستعمال الطليعة فى الغزو وتبليغ السلام عن قرب وعن بعد، وليس فيه دلالة على جواز ترك السلام ممن بلغه، لأنه يحتمل أن يكون وقع وليس فى الخبر ما ينفيه (وفيه) أن عقر الصيد ذكاته، وجواز الاجتهاد فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم (قال ابن العربي) هو اجتهاد بالقرب من النبى صلى الله عليه وسلم لا فى حضرته (وفيه) العمل بما أدى اليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك، وكأن الآكل تمسك بأصل الأباحة، والممتنع نظر الى الأمر الطارئ (وفيه) الرجوع الى النص عند تعارض الأدلة، وركض الفرس فى الاصطياد. وحمل الزاد فى السفر، والرفق بالأصحاب والرفقاء فى السير (وفيه) جواز سوق الفرس للحاجة والرفق مع ذلك لقوله "وأسير شأوا" ونزول المسافر وقت القائلة (وفيه) ذكر الحكم مع الحكمة لقوله "إنما هى طعمة أطعمكموها الله"(تكملة) لا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا إذا صال عليه فقتله دفعا، فيجوز ولا ضمان عليه عند الجمهور والله أعلم اه

(200)

عن معاوية بن قرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد عن مطر عن معاوية بن قرة عن رجل من الأنصار - الحديث"

ص: 251

-[دليل الجمهور في أن على المحرم الجزاء في كسر بيض النعام]-

أدحي نعامٍ وهو محرم فكسر بيضها، فانطلق إلى عليَّ رضى الله عنه فسأله عن ذلك، فقال له علىٌّ عليك بكلِّ بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قد قال علىٌّ بما سمعت ولكن هلمَّ إلى الرُّخصة، عليك بكلِّ بيضةٍ صوم أو إطعام مسكين

(غريبه)(1) الأدحى بضم الهمزة وسكون الدال المهملة بعدها حاء مهملة مكسورة ثم ياء مشددة، الموضع الذى تبيض فيه النعامة وتفرَّخ، جمعه أداحى وهو أفعول من دحوت لأنها تدحوه برجلها أى تبسطه ثم تبيض فيه (2) الظاهر أن أو للشك من الراوى لأن المراد بضراب الناقة هو الجنين الناشئ من نزو الجمل عليها (3) يعنى أن عليا أفتاك بأن بكل بيضة جنين ناقة ولكن هلم الى الرخصة، أى أقبل الى ما أفتيك به وهو أيسر لك وأسهل عليك (فان قيل) كيف يفتى علىّ مع وجود النبى صلى الله عليه وسلم (فالجواب) أن ذلك ربما حصل فى جهة لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم موجودا بها فأفتاه علىٌّ بذلك اجتهادا منه، وذلك جائز فان أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وقد فعل مثل ذلك كثير من الصحابة فى كثير من المسائل أقربها ما حصل لأصحاب أبى قتادة حيث امتنع بعضهم من أكل لحم الحمار الذى اصطاده وأكل بعضهم، وكلاهما مجتهد فى رأيه ولم يعب النبى صلى الله عليه وسلم على أحد منهم (4) هكذا فى المسند أصوم ولم يذكر مقدار هذا الصوم، وقد ثبت فى رواية ابن أبى شيبة والبيهقى صوم يوم، والظاهر أن لفظ يوم فى رواية الأمام أحمد سقط من الناسخ والله أعلم (تخريجه)(هق. ش) وسنده جيد. وقد رواه البيهقى من عدة طرق عن كثير من الصحابة منها حديث الباب بسنده ومتنه (ومنها) ما رواه البيهقى أيضا بسنده ثنا ابن جريج قال أحسن ما سمعت فى بيض النعامة حديث أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى كل بيض "هكذا فى نسخه البيهقي" صيام يوم أو إطعام مسكين (ومنها) بسنده عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم حكم فى بيض النعام كسره رجل محرم صيام يوم لكل بيضة، ثم قال رواه أبو قرة موسى بن طارق عن ابن جريج، ورواه أبو عاصم وهشام بن سليمان بن عبد العزيز بن أبى رواد عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن أبى الزناد عن رجل عن عائشة وهو الصحيح، قاله أبو داود السجستانى وغيره من الحفاظ (ومنها) بسنده

ص: 252

-[زوائد الباب في جزاء الصيد ومقداره]-

.....

عن أبي موسى الأشعرى رضى الله عنه أنه قال فى بيضة النعامة يصيبها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين، وبأسناده قال أنا الشافعى عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبى عبيدة عن عبد الله بن مسعود بمثله (ومنها) ما رواه بسنده أيضا عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب بن عجرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى فى بيض نعام أصابه محرم بقدر ثمنه، قال ورواه موسى ابن داود عن ابراهيم وقال بقيمته، قال وروى ذلك عن ابى المهزِّم عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم، وروى فى ذلك عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين اه (زوائد الباب)(عن جابر بن عبد الله) رضى الله عنهما قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الضبع يصيبه المحرم كبشا وجعله من الصيد (حب. ك. هق. والأربعة) قال البيهقى وهو حديث جيد تقوم به الحجة (قال أبو عيسى الترمذي) سألت عنه البخارى فقال هو حديث صحيح (وعن محمد بن سيرين) أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال إنى أجريت أنا وصاحب لى فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبياً ونحن محرمان، فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل بجنبه تعال حتى نحكم أنا وأنت، قال فحكما عليه بعنز، فولى الرجل وهو يقول هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم فى ظبى حتى دعا رجلا فحكم معه، فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة؟ فقال لا، فقال هل تعرف هذا الرجل الذى حكم معي؟ فقال لا فقال لو أخبرتنى أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضربا، ثم قال إن الله عز وجل يقول ف كتابه "يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة" وهذا عبد الرحمن بن عوف (لك)(وعن أبى الزبير) أن عمر قضى فى الضبع بكبش، وفى الغزالى بعنز؛ وفى الأرنب بعناق، وفى اليربوع بجفرة (لك) والشافعى بسند صحيح عن عمر (وعن الأجلح بن عبد الله) عن أبى الزبير عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الضبع إذا أصابه المحرم كبش، وفى الظبى شاة، وفى الأرنب عناق، وفى اليربوع جفرة، قال والجفرة والتى قد ارتعت، رواه الدارقطنى (قال ابن معين) الأجلح ثقة، وقال ابن عدى صدوق؛ وقال أبو حاتم لا يحتج بحديثه (العناق) بفتح العين وهى الأنثى من أولاد المعز خاصة ما لم تتم سنة (واليربوع) نوع من الفأر، والباء والواو زائدتان، كذا فى النهاية (والحفرة) هى التى بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها (وعن أبى حريز) قال أصبت ظبيا وأنا محرم فأتيت عمر فسألته فقال ائت رجلين من اخوانك فليحكما عليك، فأتيت عبد الرحمن بن عوف وسعيداً فحكما تيسا أعفر (وعن طارق) قال خرجنا حجاجا فأوطأ رجل يقال له أربد ضبا ففرز ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد، فقال عمر احكم يا أربد، فقال أنت خير منى يا أمير المؤمنين وأعلم، فقال عمر إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني، فقال أربد أرى

ص: 253

-[زوائد الباب في جزاء الصيد ومقداره وتاريخ ميلاد عطاء الخراسانى ووفاة ابن عباس]-

.....

فيه جديا قد جمع الماء والشجر، فقال عمر بذلك فيه، رواه الشافعى والبيهقى بأسناد صحيح (وعن على بن أبى طلحة) عن ابن عباس قال إن قتل نعامة فعليه بدنة من الأبل. رواه البيهقى وهو منقطع، لأن على بن أبى طلحة لم يدرك ابن عباس، سقط بينهما مجاهد أو غيره قاله النووى فى شرح المهذب (وعن ابن عباس رضى الله عنهما) فى بقرة الوحش بقرة وفى الأيّل بقرة، رواه الشافعى والبيهقى بأسناد صحيح (وعن عطاء الخراساني) أن عمر وعثمان وعليا وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية رضى الله عنهم، قالوا فى النعامة يقتلها المحرم بدنة من الأبل، رواه الشافعى والبيهقى (قال الشافعي) هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث، وهو قول الأكثرين ممن لقيت (قال البيهقي) وجه ضعفه أنه مرسل فان عطاء الخراسانى ولد سنة خمسين ولم يدرك عمر ولا عثمان ولا عليا ولا زيدا، وكان فى زمن معاوية صبيا، ولم يثبت له سماع من ابن عباس وإن كان يحتمل أنه سمع منه، فان ابن عباس توفى سنة ثمان وخمسين، إلا أن عطاء الخراسانى مع انقطاع حديثه عمن سمينا ممن تكلم فيه أهل العلم بالحديث (وروى الشافعى والبيهقي) بأسناد صحيح عن سريج قال لو كان معى حكم لحكمت فى الثعلب بجدى (وعن عثمان رضى الله عنه) أنه قضى فى أم حبين بحلان من الغنم رواه الشافعى والبيهقى بأسناد ضعيف فيه مطرف بن مازن، قال يحيى بن معين هو كذاب "أم حبين" بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة المخففة هى دويبة كالحرباء عظيمة البطن إذا مشت تطأطئ رأسها كثيرا وترفعه لعظم بطنها فهى تقع على رأسها وتقوم (والحلان) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام ثم نون، ويقال حلام بالميم أيضا. قال فى النهاية جاء تفسيره فى الحديث أنه الجدي، وقيل إنه يقع على الجدى والحمل حين تضعه أمه اه (قلت) الحمل بفتح الحاء والميم هو الخروف، وقال الأزهرى هو الجدى (وروى الشافعي) عن سعيد عن اسرائيل عن أبى اسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال فى بقرة الوحش بقرة، وفى الأَّيل بقرة، رواه البيهقي، ثم قال وهو فيما أجاز لى أبو عبد الله الحافظ روايته عنه عن أبى العباس عن الربيع عن الشافعى "الأيل" بضم الهمزة وكسرها والياء فيهما مشددة مفتوحة، ذكر الأوعال وهو التيس الجبلي. والجمع الأياييل (وعن قبيصة بن جابر) قال كنت محرما فرأيت ظبياً فرميته فأصبت خششاءه "يعنى أصل قرنه" فركب ردعه (1) فوقع فى نفسى من ذلك شئ فأتيت عمر بن الخطاب أسأله فوجدت الى جنبه رجلا أبيض رفيق الوجه، فاذا هو عبد الرحمن بن عوف، فقال ترى شاة تكفيه؟ قال نعم. فأمرنى أن أذبح شاة. فلما قمنا من عنده قال صاحب لى إن أمير المؤمنين لم يحسن يفتيك حتى سأل الرجل، فسمع عمر بعض كلامه فعلاه بالدرة ضربا، ثم أقبل علىَّ ليضربنى فقلت يا أمير المؤمنين

-----

(1)

الردع العنق، أى سقط على رأسه فاندقت عنقه؛ وقيل غير ذلك

ص: 254

-[بقية زوائد الباب - وتفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم الخ]-

.....

لم أقل شيئا إنما هو قاله، فتركنى وقال أردت أن تقتل الحرام وتتعدى الفتيا، ثم قال إن فى الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة وواحد سيء يفسدها ذلك السئ، ثم قال إياك وعثرة الشباب، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات اه (قلت) ورواه أيضا البيهقي؛ وصحح النووى إسناده (وعن مصعب المكي) قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يحدثون أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أمر الله شجرة ليلة الغار فنبتت فى وجه النبى صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر العنكبوت فنسجت فى وجه النبى صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار، فأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبى صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعا، فجعل بعضهم ينظر فى الغار فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه؛ فقالوا مالك؟ قال رأيت حماميتن بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فدعا لهن وسمّت عليهم وفرض جزاءهن وأقرّن فى الحرم، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير، ومصعب المكى والذى عنه وهو عوين بن عمرو القيسى لم أجد من ترجمهما، وبقية رجاله ثقات "وقوله وسمت عليهن" بفتح السين المهملة وتشديد الميم مفتوحة أى دعا لهن بحسن الهيئة والمنظر بعد أن دعا لهن دعاء عاما (وعن عطاء) أن غلاما من قريش قتل حمامة من حمام مكة، فأمر ابن عباس أن يفدى عنه بشاة؛ رواه الأمام الشافعي، وأخرجه أيضا ابن أبى شيبة والبيهقى من طرق، وفى الباب عن جماعة من الصحابة منهم على عند الشافعي. وابن عمر عند ابن أبى شيبة، وعن عمر وعثمان عند الشافعى وابن أبى شيبة فهؤلاء قضى كل واحد منهم بشاة فى الحمامة، وقد روى مثل ذلك عن جماعة من التابعين كعاصم بن عمر، رواه عنه الشافعى والبيهقى وسعيد بن المسيب، رواه عنه البيهقي، وعن نافع بن الحارث رواه عنه الشافعي، وروى عن مالك أنه قال فى حمام الحرم الجزاء، وفى حمام الحل القيمة والله أعلم (الأحكام) حديث الباب مع ما ذكرنا فى الزوائد من الأخبار والآثار تدل على أن من قتل صيدا وهو محرم فعليه جزاؤه، والآية الكريمة التى أشرنا إليها فى ترجمة الباب أصل فى ذلك تفرع عنها ما ذكرنا من الأخبار والآثار وهى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفَّارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره، عفا الله عمَّا سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام}

ص: 255

-[تفسير الآية ومذاهب الأئمة فيما يستفاد منها]-

.....

وسنتكلم أولا على ما قاله السلف فى تفسير الآية مع ذكر العلماء فى ذلك والله الموفق قال الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} أى محرمون بحج أو عمرة، وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد فى حال الأحرام ونهى عن تعاطيه فيه، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ولو ما تولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر فالجمهور على تحريم قتلها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت عند الأمام أحمد والشيخين وغيرهم. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم، وسيأتى ذلك فى بابه بعد باب واحد ان شاء الله تعالى * قوله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا} اختلفوا فى هذا العمد فقال قوم هو العمد لقتل الصيد مع نسيان الأحرام، أما إذا قتله عمدا وهو ذاكر لأحرامه فلا حكم عليه وأمره إلى الله، لأنه أعظم من أن يكون له كفارة، هذا قول مجاهد والحسن (وقال آخرون) هو أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكراً لأحرامه فعليه الكفارة، والذى عليه الجمهور أن العامد والناسى سواء فى وجوب الجزاء عليه (قال الزهري) دل الكتاب على العامد وجرت السنة على الناسي، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد على تأثيمه بقوله "ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه" وجاءت ألسنة من أحكام النبى صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء فى الخطأ كما دل الكتاب عليه فى العمد، وأيضا فان قتل الصيد اتلاف. والأتلاف مضمون فى العمد وفى النسيان. لكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم * قوله عز وجل {فجزاء مثل ما قتل من النعم} اختلفوا فى ذلك المثل. فذهب الأئمة (مالك والشافعى وأحمد) والجمهور إلى أن المراد مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الأنسى (وذهب الأمام أبو حنيفة) إلى أن المراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث القيمة ولذلك أوجب القيمة سواء أكان الصيد المقتول مثليا أو غير مثلىّ، قال وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه وإن شاء اشترى به هديا، والذى حكم به الصحابة فى المثل أولى بالاتباع، فانهم حكموا فى النعامة ببدنة. وفى بقرة الوحش ببقرة. وفى الغزالى بعنز، وهكذا مما تقدم فى الزوائد * قوله عز وجل {يحكم به ذوا عدل منكم} يعنى أنه يحكم بالجزاء فى المثل أو بالقيمة فى غير المثل رجلان عدلان، وينبغى أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به، واختلف العلماء فى القاتل هل يجوز أن يكون أحد الحكمين؟ على قولين (أحدهما) لا .. لأنه قد يتهم فى حكمه على نفسه، وهذا مذهب مالك (والثاني) نعم لعموم الآية. وهو مذهب الشافعى وأحمد (واختلفوا) هل تستأنف الحكومة فى كل ما يصيبه المحرم، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل وإن كان قد حكم فى مثله الصحابة؟

ص: 256

-[تفسير الآية ومذاهب الأئمة فيما يستفاد منها]-

.....

أو يكتفى بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين، فقال الأمامان (الشافعى وأحمد) يتبع فى ذلك ما حكمت به الصحابة وجعلاه شرعا مقرراً لا يعدل عنه، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين، وقال الأمامان (مالك وأبو حنيفة) يجب الحكم فى كل فرد فرد، سواء وجد للصحابة فى مثله حكم أم لا، لقوله تعالى {يحكم به ذوا عدل منكم} قوله عز وجل {هديا بالغ الكعبة} أى واصلا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أمر متفق عليه فى هذه الصورة. قوله عز وجل {أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما} أى إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم، أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال. أو قلنا بالتخيير فى هذا المقام بين الجزاء والأطعمة والصيام كما هو قول الأئمة (مالك وأبى حنيفة) وأبى يوسف ومحمد بن الحسن وأحد قولى الشافعى والمشهور عن أحمد رحمهم الله لظاهر "أو" بأنها للتخيير؛ والقول الآخر أنها على الترتيب، فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة فيقوِّم الصيد المقتول عند مالك وأبى حنيفة وأصحابه وحماد وابراهيم (وقال الشافعي) يقوِّم مثله من النعم لو كان موجوداً ثم يشترى به طعام فيتصدق به فيصرف لكل مسكين مدمنه عند الأمامين (الشافعى ومالك) وفقهاء الحجاز، واختاره ابن جرير (وقال الأمام أبو حنيفة) وأصحابه يطعم كل مسكين مدين وهو قول مجاهد (وقال الأمام أحمد) مدّ من حنطة أو مدان من غيره فان لم يجد أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوما (وقال ابن جرير) وآخرون يصوم مكان كل صاع يوما كما فى جزاء المترفه بالحلق ونحوه، فان الشارع أمر كعب بن عجرة أن يقسم فرقا بين ستة أو يصوم ثلاثة أيام، والفرق ثلاثة آصع "واختلفوا فى مكان هذا الأطعام" فقال الشافعى مكانه الحرم. وهو قول عطاء، وقال مالك يطعم فى المكان الذى أصابه فيه الصيد أو أقرب الأماكن اليه (وقال أبو حنيفة) إن شاء أطعم فى الحرم وان شاء أطعم فى غيره قوله عز وجل {ليذوق وبال أمره} أى أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذى ارتكب فيه المخالفة {عفا الله عما سلف} أى فى زمان الجاهلية لمن أحسن فى الأسلام واتبع شرع الله ولم يرتكب المعصية. قوله عز وجل {ومن عاد فينتقم الله منه} أى ومن فعل ذلك بعد تحريمه فى الأسلام وبلوغ الحكم الشرعى اليه "فينتقم الله منه" قال ابن جريج قلت لعطاء ما "عفا الله عما سلف" قال عما كان فى الجاهلية، قال قلت وما "ومن عاد فينتقم الله منه" قال ومن عاد فى الأسلام فينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة، قال قلت فهل فى العود من حد تعلمه؟ قال لا، قال قلت فترى حقا على الأمام أن يعاقبه؟ قال لا، هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله عز وجل ولكن يفتدى، ورواه ابن جرير، وقيل

ص: 257

-[مذاهب العلماء في مسائل من جزاء الصيد ذكرها النوووى في شرح المهذب]-

.....

معناه فينتقم الله منه بالكفارة، قاله سعيد بن جبير وعطاء ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء، ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة وإن تكرر ما تكرر سواء الخطأ فى ذلك والعمد، وقال على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم يحكم عليه فيه كلما قتله، عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة، فان عاد يقال له ينتقم الله منك كما قال الله عز وجل، وبه قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير. والحسن البصري. وابراهيم النخعي. ذكره ابن جرير، وقال فى قوله عز وجل {والله عزيز ذو انتقام} يقول عز ذكره والله منيع فى سلطانه لا يقهره قاهر ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع، لأن الخلق خلقه والأمر أمره له العزة والمنعة. وقوله {ذو انتقام} يعنى أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه، نسأل الله العصمة من الزيغ والزلل والتوفيق لصالح العمل آمين.

هذا وقد جمع الأمام النووى رحمه الله فى شرح المهذب أحكام الباب فى أربع عشرة مسألة وإن كان معظمها تقدم مثله فى تفسير الآية الكريمة. إلا أنه رحمه الله بين فيها مذاهب السلف أحسن بيان لم يسبق الى مثله فيما أعلم، لهذا آثرت نقلها هنا لسهولة تناولها وكثرة فوائدها. قال رحمه الله (فرع فى مذاهب العلماء فى مسائل من جزاء الصيد)(إحداهما) إذا قتل المحرم صيدا أو قتله الحلال فى الحرم، فان كان له مثل من النعم وجب فيه الجزاء بالأجماع، ومذهبنا أنه مخير بين ذبح المثل والأطعام بقيمته والصيام عن كل مد يوما (وبه قال مالك وأحمد) فى أصح الروايتين عنه وداود إلا أن مالكا قال يقوَّم الصيد ولا يقوَّم المثل (وقال أبو حنيفة) لا يلزمه المثل من النعم وإنما يلزمه قيمة الصيد وله صرف تلك القيمة فى المثل من النعم (وقال ابن المنذر) قال ابن عباس إن وجد المثل ذبحه وتصدق به، فان فقده قوَّمه دراهم والدراهم طعام وصام ولا يطعم، قال وإنما أريد بالطعام الصيام، ووافقه الحسن البصرى والنخعى وأبو عياض وزفر (وقال الثوري) يلزمه المثل. فان فقده فالأطعام. فان فقده صام، دليلنا قوله تعالى {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} إلى آخر الآية (واحتج المخالفون) بأن المتلف يجب مثله من جنسه أو قيمته وليست النعم واحدا منهما، فلم يضمن به كالصيد الذى لا مثل له من النعم؛ وكما لو أتلف الحلال صيدا مملوكا، وكضمان المحرم للصيد المملوك لمالكه (قال أصحابنا) هذا قياس منابذ لنص القرآن فلا يلتفت اليه، ثم ما ذكروه منتقض بالآدمى الحر فانه يضمن بالأبل ويضمن فى حق الله تعالى بما لا يضمن به فى حق الآدمي، فانه يضمن للآدمى بقصاص أو ابل، ويضمن لله تعالى بالكفارة وهى عتق والا فصيام، وبهذا يحصل

ص: 258

-[مذاهب العلماء في مسائل من جزاء الصيد ذكرها النووى في شرح المهذب]-

.....

الجواب عن قياسهم (قال أصحابنا) والفرق بينه وبين صيد لا مثل له أنه لا يمكن فيه المثل فتعذر فوجب اعتبار القيمة بخلاف المثل (الثانية) إذا عدل عن مثل الصيد إلى الصيام فمذهبنا أنه يصوم عن كل مد يوما، وبه قال عطاء ومالك، وحكى ابن المنذر عن ابن عباس والحسن البصري. والثورى (وأبى حنيفة. وأحمد) واسحاق. وأبى ثور أنه يصوم عن كل مدين يوما، قال ابن المنذر وبه أقول، قال وقال سعيد بن جبير الصوم فى جزاء الصيد ثلاثة أيام إلى عشرة، وعن أبى عياض ان أكثر الصوم أحد وعشرون يوما، قال ومال أبو ثور إلى أن الجزاء فى هذا ككفارة الحلق، دليلنا أن الله تعالى قال {أو عدل ذلك صياما} وقد قابل سبحانه وتعالى صيام كل يوم بأطعام مسكين فى كفارة الظهار، وقد ثبت بالأدلة المعروفة أن إطعام كل مسكين هناك مد، فكذا هنا يكون كل يوم مقابل مد، واحتجوا بحديث كعب بن عجرة، فان النبى صلى الله عليه وسلم جعله مخيرا بين صوم ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع، فدل على أن اليوم مقابل بأكثر من مد (والجواب) أن حديث كعب إنما ورد فى فدية الحلق ولا يلزم طرده فى كل فدية ولو طرد لكان ينبغى أن يقابل كل صاع بصوم يوم، وهذا لا يقول به المخالفون ولا نحن ولا أحد والله أعلم (الثالثة) قال أصحابنا مذهبنا أن ما حكمت به الصحابة رضى الله عنهم فيه بمثل فهو مثله ولا يدخله بعدهم اجتهاد ولا حكم، وبه قال عطاء وأحمد واسحاق وداود (وأما أبو حنيفة) فجرى على أصله السابق أن الواجب القيمة (وقال مالك) يجب الحكم فى كل صيد وإن حكمت فيه الصحابة دليلنا أن الله تعالى قال {يحكم به ذوا عدل منكم} وقد حكما، فلا يجب تكرار الحكم (الرابعة) الواجب فى الصغير من الصيد المثلى صغير مثله من النعم، وبه قال ابن عمر وعطاء والثورى وأحمد وأبو ثور (وقال مالك) يجب فيه كبير لقوله تعالى {هديا بالغ الكعبة} والصغير لا يكون هديا وإنما يجزئ من الهدى ما يجزئ فى الأضحية، وبالقياس على قتل الآدمى فانه يقتل الكبير بالصغير، دليلنا قوله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم} ومثل الصغير صغير؛ ودليل آخر وهو ما قدمناه عن الصحابة رضى الله عنهم أنهم حكموا فى الأرنب بعناق، وفى اليربوع بجفرة. وفى أم حبين بحلان، فدل على أن الصغير يجزئ وأن الواجب يختلف باختلاف الصغير والكبير وقياساً على سائر المضمونات فانها تختلف مقادير الواجب فيها (والجواب عن الآية) التى احتج بها أنها مطلقة وهنا مقيدة بالمثل، وعن قياسهم على قتل الآدمى أن تلك الكفارة لا تختلف باختلاف أنواع الآدميين من حر وعبد ومسلم وذمى ولم تختلف فى قدرها بخلاف ما نحن فيه والله أعلم "وأما الصيد المعيب" فمذهبنا أنه يفديه بمعيب، وعن مالك يفديه بصحيح ودليلنا ما سبق فى الصغير (الخامسة) إذا اشترك

ص: 259

-[مذاهب العلماء في مسائل من جزاء الصيد ذكرها النووى في شرح المهذب]-

.....

جماعة فى قتل صيد وهم محرمون لزمهم جزاء واحد عندنا، وبه قال عمر وعبد الرحمن بن عوف. وابن عمر. وعطاء. والزهري. وحماد (وأحمد. واسحاق) وأبو ثور وداود وقال الحسن. والشعبي. والنخعي. والثورى (ومالك وأبو حنيفة) يجب على كل واحد جزاء كامل ككفارة قتل الآدمي. دليلنا أن المقتول واحد فوجب ضمانه موزعاً كقتل الصيد واتلاف سائر الأموال (السادسة) إذا قتل القارن صيدا لزمه جزاء واحد وإذا تطيب أو لبس لزمه فدية واحدة. هذا مذهبنا (وبه قال مالك وأحمد) فى أظهر الروايتين عنه وابن المنذر وداود (وقال أبو حنيفة) يلزمه جزاءان وكفارتان، وسبقت المسألة مع دليلنا عليهم (السابعة) فى النعامة بدنة عندنا وعند العلماء كافة. منهم عمر. وعثمان وعلي. وزيد بن ثابت. وابن عباس. ومعاوية. وعطاء. ومجاهد. ومالك وآخرون. إلا النخعي، فحكى ابن المنذر عنه أن فى النعامة وشبهها ثمنها. دليلنا الآية (الثامنة) مذهبنا أن الثعلب صيد يؤكل ويحرم على المحرم قتله، فان قتله لزمه الجزاء وبه قال طاوس والحسن وقتادة ومالك وهو أحدى الروايتين عن عطاء (وقال عمرو بن دينار) والزهرى وابن المنذر لا يحل أكله ولا يحرم على المحرم ولا فدية فيه وهو عندهم من السباع (وقال أحمد) أمره مشتبه (التاسعة) مذهبنا أن فى الضب جديا نص عليه الشافعى والأصحاب، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه. وعن جابر وعطاء أن فيه شاة، وعن مجاهد حفنة من طعام (وعن مالك) قبضة من طعام فان شاء أطعم وإن شاء صام، وعن قتادة صاع من طعام (وعن أبى حنيفة) قيمته (العاشرة) مذهبنا أن فى الحمامة شاة سواء قتلها محرم أو قتلها حلال فى الحرم، وبه قال عثمان بن عفان. وابن عباس. وابن عمر. ونافع بن عبد الحارث وعطاء بن أبى رباح. وعروة بن الزبير. وقتادة. وأحمد. واسحاق. وأبو ثور (وقال مالك) فى حمامة الحرم شاة وحمامة الحل القيمة، وعن ابن عباس فى حمامة الحل ثمنها، وعن النخعى والزهرى وأبى حنيفة ثمنها، وعن قتادة درهم، دليلنا ما روى الشافعى والبيهقى بالأسناد الصحيح عن عثمان ونافع بن الحارث وابن عباس أنهم أوجبوا فى الحمامة شاة (الحادية عشرة) العصفور فيه قيمته عندنا، وبه قال أبو ثور وقال الأوزاعى مد طعام، وعن عطاء نصف درهم، وفى رواية عنه ثمنها عدلان (الثانية عشرة) ما دون الحمام من العصافير ونحوها من الطيور تجب فيه قيمته عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والجمهور وهو الصحيح فى مذهب داود. وقال بعض أصحاب داود لا شيء فيه لقوله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فدل على أنه لا شيء فيما لا مثل له. واحتج أصحابنا بأن عمرو ابن عباس وغيرهما أوجبوا الجزاء فى الجرادة فالعصفور أولى. وروى البيهقي بإسناده

ص: 260

-[مذاهب العلماء في حكم بيض الصيد وجزاؤه - وما جاء في حكم صيد الحرم وجراؤه]-

(8)

باب جواز أكل صيد البحر مطلقا للمحرم وغيره

وما جاء فى الجراد - وقول الله عز وجل {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة}

(201)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال كنَّا مع النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم في حجِّ

عن ابن عباس قال فى كل طير دون الحمام قيمته (الثالثة عشرة) كل صيد يحرم قتله تجب القيمة فى اتلاف بيضه سواء بيض الدواب والطيوب (وقال فى موضع) آخر وبه قال أحمد وآخرون، قال ثم هو مخير بين الطعام والصيام. وبه قال جماعة، وقال مالك يضمنه بعشر ثمن أصله. وقال المزنى وبعض أصحاب داود لا جزاء فى البيض (قال ابن المنذر) اختلفوا فى بيض الحمام فقال على وعطاء فى كل بيضتين درهم. وقال الزهرى والشافعى وأصحاب الرأى وأبو ثور فيه قيمته. وقال مالك يجب فيه عشر ما يجب فى أمه. قال واختلفوا فى بعض النعام فقال عمر بن الخطاب. وابن مسعود. وابن عباس. والشعبي. والنخعي. والزهرى والشافعي. وأبو ثور. وأصحاب الرأى يجب فيه القيمة. وقال أبو عبيدة وأبو موسى الأشعرى يجب فيه صيام يوم أو إطعام مسكين (قلت وهذا هو الذى حكم به النبى صلى الله عليه وسلم كما فى حديث الباب) قال وقال الحسن فيه جنين من الأبل (وقال مالك) فيه عشر ثمن البدنة كما فى جنين الحرة غرة عبد أو أمة قيمته عشر دية الأم (الرابعة عشرة) إذا قتل الصيد على وجه لا يفسق به فالأصح عندنا أنه يجوز أن يكون القاتل أحد الحكمين كما سبق وبه قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما سبق عنه فى قصة أربد (قلت ذكر حديثه فى الزوائد) وبه قال اسحاق بن راهويه وابن المنذر، وقال النخعى ومالك لا يجوز. دليلنا فعل عمر مع عموم قول الله تعالى {يحكم به ذوا عدل} ولم يفرق بين القاتل وغيره اه ما ذكره النووى رحمه الله (تنبيه) يحرم صيد الحرم على الحلال والمحرم لما روى ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تعالى حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها. فقال ابن عباس إلا الأذخر لصاغتنا. فقال إلا الأذخر" رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم وسيأتى الكلام عليه فى فضائل مكة ان شاء الله تعالى، هذا وحكم صيد الحرم فى الجزاء حكم صيد الأحرام لأنه مثله فى التحريم فكان مثله فى الجزاء. فان قتل محرم صيدا فى الحرم لزمه جزاء واحد. لأن المقتول واحد فكان الجزاء واحداً كما لو قتله فى الحل. قاله صاحب المهذب والله أعلم

(201)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل

ص: 261

-[حجة القائلين بأن الجراد من صيد البحر]-

أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربهنَّ بعصيِّنا وبسياطنا ونقتلهنَّ وأسقط فى أيدينا فقلنا ما نصنع ونحن محرمون، فسألنا رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقال لا بأس بصيد البحر

وعفان قالا ثنا حماد عن أبى المهزم وقال عفان أخبرنا أبو المهزم عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه) (1) هو بكسر الراء وسكون الجيم الجراد الكثير (2) أى ندمنا على ضربه وقتله ونحن محرمون، تقول العرب فى كل نادم على أمر "قد سقط فى يده" (3) لفظ الترمذى "فقال صلى الله عليه وسلم كلوه فانه من صيد البحر" ولفظ أبى داود "فذكر ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو من صيد البحر" قال على القارى قال العلماء إنما عده من صيد البحر لأنه يشبه صيد البحر من حيث أنه يحل ميتته، ولا يجوز للمحرم قتل الجراد ولزمه بقتله قيمته وفى الهداية أن الجراد من صيد البر، قال ابن همام عليه كثير من العلماء ويشكل عليه ما فى أبى داود والترمذى عن أبى هريرة قال (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجة أو غزوة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بسياطنا وقسينا فقال صلى الله عليه وسلم كلوه فانه من صيد البحر) وعلى هذا لا يكون فيه شيء أصلا، لكن تظاهر عن عمر الزام الجزاء فيه، وفى الموطأ أنبأنا يحيى بن سعيد أن رجلا سأل عمر عن جرادة قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب تعال حتى تحكم، فقال كعب درهم، فقال عمر إنك لتجد الدراهم، لتمرة خير من جرادة. ورواه ابن أبى شيبة عنه بقصته وتبع عمر أصحاب المذاهب اه كلام ابن الهمام، قال ملا على القارى لو صح حديث أبى داود كان ينبغى أن يجمع بين الأحاديث بأن الجراد على نوعين بحرى وبرى فيعمل فى كل منهما بحكمه اه (قلت) حديث أبى داود المشار إليه سيأتى فى التخريج (تخريجه) (د. مذ. هق) لفظ الترمذى كلفظ حديث الباب. وقال الترمذى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبى المهزم عن أبى هريرة وأبو المهزم اسمه يزيد ابن سفيان وقد تكلم فيه شعبة اه (قلت أبو المهزم بضم الميم وفتح الهاء وكسر الزاى مشددة) ورواية البيهقى كرواية أبى داود ولفظها عن أبى المهزم عن أبى هريرة قال أصبنا صرما "بكسر الصاد وسكون الراء قطعة من الجماعة الكبيرة" من جراد فكان رجل يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له إن هذا لا يصلح، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو من صيد البحر (قال البيهقي) رواه أبو داود عن مسدد، وبمعناه، رواه حماد بن سلمة عن أبى المهزم يزيد بن سفيان ضعيف (زوائد الباب)(عن أبى رافع) عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال الجراد من صيد البحر (د) وفى اسناده ميمون بن جابان

ص: 262

-[زوائد الباب فيما ورد في الجزاء وهل هو من صيد البر أو البحر؟]-

.....

قال البيهقي غير معروف (قلت) بل هو معروف (قال الحافظ) فى التقريب ميمون بن جابان بجيم وموحدة البصرى أبو الحكم مقبول من السادسة (وقال صاحب الجوهر النقي) ميمون ابن جابان معروف روى عنه الحمادان والمبارك بن فضالة ووثقه العجلى، وقال المزى فى كتابه ثقة، وقال صاحب الميزان ذكره ابن حبان فى ثقاته اه ولأبى داود رواية أخرى عن ميمون بن جابان عن أبى رافع عن كعب قال الجراد من صيد البحر (وعن يوسف بن ماهك) أن عبد الله بن أبى عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار فى أناس محرمين ببيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلى مرت به رجل من جراد فأخذ جرادتين فقتلهما ونسى إحرامه، ثم ذكر إحرامه فألقاهما، فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر رضى الله عنه ودخلت معهم فقص كعب قصة الجرادتين على عمر فقال عمر رضى الله عنه من بذلك لعلك يا كعب؟ قال نعم، قال إن حمير تحب الجراد، ما جعلت فى نفسك؟ قال درهمين. قال بخ درهمان خير من مائة جرادة. اجعل ما جعلت فى نفسك (هق) وقال النووى اسناده صحيح أو حسن (وعن القاسم بن محمد) قال كنت جالسا عند ابن عباس رضى الله عنه فسأله رجل عن جرادة قتلها؛ فقال ابن عباس فيها قبضة من طعام ولتأخذن بقبضة جرادات، ولكن ولو، قال الشافعى قوله ولنأخذن بقبضة جرادات، أى إنما فيها القيمة وقوله ولو - يقول تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك (وعن ابن جريج) قال سمعت عطاء يقول سئل ابن عباس عن صيد الجراد فى الحرم فقال لا ونهى عنه، قال إمَّا قلت له أو رجل من القوم. فان قومك يأخذونه وهم محتبون فى المسجد. فقال لا يعلمون، قال وأنبأ الشافعى أنبأ مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثله إلا أنه قال منحنون (قال الشافعي) ومسلم أصوبهما. وروى الحفاظ عن ابن جريج منحنون، رواهما البيهقى وصحح النووى إسنادهما (وروى ابن ماجه) من طريق هاشم بن القاسم حدثنا زياد بن عبد الله عن علام عن موسى بن محمد بن ابراهيم عن أبيه عن جابر وأنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء. فقال خالد يا رسول الله كيف تدعوا على جند من أجناد الله يقطع دابره؟ فقال ان الجراد نثرة الحوت فى البحر قال هاشم قال زياد فحدثنى من رأى الحوت ينثره، قال الحافظ ابن كثير تفرد به ابن ماجه (الأحكام) حديث الباب مع الزوائد تدل على جواز أكل صيد البحر للحلال والمحرم (قال ابن حزم فى المحلى) وصيد كل ما سكن الماء من البرك أو الأنهار أو البحر أو العيون والآبار حلال للمحرم صيده وأكله لقول الله تعالى {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر

ص: 263

-[إجماع العلماء على جواز صيد البحر للمحرم وغيره وبيان ما هو صيد البحر واختلافهم في الجراد]-

.....

ما دمتم حرما} وقال تعالى {وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا} فسمى تعالى كل ماء عذب أو ملح بحرا وحتى لو لم تأت هذه الآية لكان صيد البر والبحر والنهر وكل ما ذكرنا حلالا بلا خلاف بنص القرآن، ثم حرم بالأحرام وفى الحرم صيد البر ولم يحرم صيد البحر، فكأن ما عدا صيد البر حلالا كما كان اذ لم يأت ما يحرمه والله التوفيق اه (وقال ابن قدامة فى المغني) ويحل للمحرم صيد البحر لقوله تعالى {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} قال ابن عباس وابن عمر طعامه ما ألقاه، وعن ابن عباس طعامه ملحه. وعن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير طعامه الملح وصيده ما اصطدنا، وأجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه. وصيد البحر الحيوان الذى يعيش فى الماء ويبيض فيه ويفرخ فيه كالسمك والسلحفاة ونحو ذلك. وحكى عن عطاء فيما يعيش فى البر مثل السلحفاة والسرطان فأشبه طير الماء. قال ولنا أنه يبيض فى الماء ويفرخ فيه فأشبه السمك. فأما طير الماء كالبط ونحوه فهو من صيد البر فى قول عامة أهل العلم وفيه الجزاء وحكى عن عطاء أنه قال حيث يكون أكثر فهو صيده. وقول عامة أهل العلم أولى لأنه يبيض فى البر ويفرخ فيه فكان من صيد البر كسائر طيره. وانما اقامته فى البحر لطلب الرزق والمعيشة منه كالصياد فان كان جنس من الحيوان نوع منه فى البحر ونوع فى البر كالسلحفاة فلكل نوع حكم نفسه كالبقر منها الوحشى محرم والأهلى مباح اه (واختلف أهل العلم) فى الجراد هل هو من صيد البر أو من صيد البحر (فذهب قوم الى أنه من صيد) البحر عملا بحديث الباب وبحديثى أبى داود المذكورين فى الزوائد عن أبى هريرة وأبى رافع (وذهب آخرون) إلى أنه من صيد البر وفيه الجزاء مستدلين بما ذكرنا فى الزوائد من رواية البيهقى عن عمر وابن عباس أنهما حكما فيه بالجزاء ولم تصح عندهم أدلة المخالفين (قال النووي) رحمه الله فى شرح المهذب يجب الجزاء على المحرم بائتلاف الجراد عندنا. وبه قال عمر وعثمان وابن عباس وعطاء (وقال العبدري) وهو قول أهل العلم كافة الا أباس عيد الاصطخرى فقال لا جزاء فيه. وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار وعروة بن الزبير قالوا هو من صيد البحر فلا جزاء فيه واحتج لهم بحديث أبى المهزم عن أبى هريرة. فذكر حديث أبى هريرة المذكور فى الزوائد، ثم قال رواه أبو داود والترمذى وغيرهما واتفقوا على تضعيفه لضعف أبى المهزم. قال وفى رواية لأبى داود عن ميمون بن جابان عن أبى رافع عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال الجراد من صيد البحر. قال أبو داود وأبو المهزم ضعيف والروايتان جميعاً وهم (قال البيهقي) وغيره ميمون بن جابان غير معروف (قلت بل هو معروف

ص: 264

-[إقامة الدليل على أن الجراد من صيد البر وفيه الجزاء]-

(9)

باب ما يجوز للمحرم قتل من الدواب فى الحرم وغيره

(202)

عن عروة بن الزُّبير أنَّ عائشة زوج النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ورضى عنها قالت قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم خمس من

وتقدم الكلام عليه) قال واحتج الشافعى والأصحاب والبيهقى بما رواه الشافعى بأسناده الصحيح أو الحسن والبيهقى عن عبد الله بن أبى عمار أنه قال أقبلت مع معاذ بن جبل الحديث. ذكره النووى بطوله وتقدم فى الزوائد، وذكر أيضا حديث القاسم بن محمد وعطاء المذكورين فى الزوائد أيضا وصحيح اسنادهما، ثم قال والجواب عن حديث أبى هريرة فى الجراد أنه من صيد البحر انه حديث ضعيف كما سبق. ودعوى أنه بجرى لا تقبل بغير دليل، وقد دلت الأحاديث الصحيحة والأجماع أنه مأكول فوجب جزاؤه كغيره والله أعلم

(202)

عن عروة بن الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بشر ابن شعيب قال أخبرنى أبى عن الزهرى عما يقتل المحرم من الدواب قال الزهرى أخبرنى عروة بن الزبير أن عائشة - الحديث" (غريبه)(1) قال الحافظ التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره، فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها فى الحكم، فقد ورد فى بعض طرق عائشة بلفظ أربع، وفى بعض طرقها بلفظ ست، فأما طريق أربع فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فأسقط العقرب، وأما طريق ست فأخرجها أبو عوانة فى المستخرج من طريق المحاربى عن هشام عن أبيه عنها فأثبتها وزاد الحية، ويشهد لها طريق شيبان التى تقدمت عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد، وأغرب عياض فقال وفى غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا، وتعقب بأن الأفعى داخلة فى مسمى الحية، والحديث الذى ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة فى المستخرج من طريق ابن عون عن نافع فى آخر حديث الباب، قال قلت لنافع فالأفعى، قال ومن يشك فى الأفعى اه. وقد وقع فى حديث أبى سعيد عند أبى داود نحو رواية شيبان، وزاد السبع العادى فصارت سبعاً، وفى حديث أبى هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعاً، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلى أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوى للكلب العقور، ووقع ذكر الذئب فى حديث مرسل أخرجه ابن أبى شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب

ص: 265

-[ما يجوز للمحرم قتله من الدواب في الحل والحرم]-

الدَّواب كلُّهنَّ فاسقٌ يقتلن فى الحرم الكلب العقور

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم الحية والذئب ورجاله ثقات، وأخرج أحمد من طريق حجاج ابن رطأة عن وبرة عن ابن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم وحجاج ضعيف، وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبى شيبة، فهذا جميع ما وقفت عليه فى الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ولا يخلو شئ من ذلك عن مقال والله أعلم اه (قلت) جميع الطرق التى جمعها الحافظ من مختلف كتب السنة جاءت عند الأمام أحمد فى هذا الباب إلا النمر، وهذا مما يدل على أن الأمام أحمد جمع فى مسنده ما لم يجمع غيره من المحدثين رحمه الله وأجزل له المثوبة وحضرنا فى زمرة العاملين المخلصين آمين (1) بتشديد الباء الموحدة جمع دابة، وهى ما دب من الحيوان من غير فرق بين الطير وغيره، ومن أخرج الطير من الدواب فهذا الحديث من جملة ما يرد به عليه (وقوله كلهن فاسق يقتلن) قيل فاسق صفة لكل. وفى يقتلن ضمير راجع إلى معنى كل، ووقع فى رواية أخرى عند الأمام أحمد من طريق سعيد بن المسيب بلفظ "خمس فواسق" وفى رواية لمسلم من هذا الوجه كلها فواسق (قال النووي) تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فان أصل الفسق لغة - الخروج - ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، فوصفت بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان فى تحريم قتله أو حل أكله أو خروجها بالأيذاء والأفساد (2) جاءت هذه الرواية هكذا "يقتلن فى الحرم" ولم يذكر الحل، ومثلها عند الشيخين فى رواية الاقتصار على الحرم أيضا (قال النووى رحمه الله اختلفوا فى ضبط الحرم هنا؛ فضبطه جماعة من المحققين بفتح الحاء والراء أى الحرم المشهور وهو حرمة مكة، والثانى بضم الحاء والراء، ولم يذكر القاضى عياض فى المشارق غيره، قال وهو جمع حرام كما قال الله تعالى {وأنتم حرم} قال والمراد به المواضع المحرمة. والفتح أظهر والله أعلم اه (قلت) أما الحل فهو ما كان خارجا عن الحرم والمواضع المحرمة، فاذا جاز قتلها فى الحرم فجوازه فى الحل من باب أولى، على أنه قد صرح بلفظ الحل والحرم فى بعض طرق حديث عائشة عند الشيخين والأمام أحمد وستأتى، والمعنى أن هذه الخمس يقتلن المحرم فى الحل والحرم بدون جزاء عليه، وقد صرح بلفظ المحرم فى الطرق الآتية أيضا (3) اختلف فى المراد بالكلب العقور فروى سعيد بن منصور عن أبى هريرة بأسناد حسن كما قال الحافظ إنه الأسد، وعن زيد بن أسلم أنه قال وأى كلب أعقر من الحية، وقال زفر المراد به هنا الذئب خاصة، وقال فى الموطأ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم

ص: 266

-[ما يجوز للمحرم قتله من الدواب في الجل والحرم]-

والعقرب - والغراب - والحديَّا - والفأرة - ومن

مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو عقور، وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة المراد به هنا الكلب خاصة، ولا يلتحق به فى هذا الحكم سوى الذئب، احتج الجمهور بقوله تعالى "وما علمتهم من الجوارح مكلبين" فاشنقها من اسم الكلب، وبقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد" أخرجه الحاكم بأسناد حسن (قال الشوكاني) وغاية ما فى ذلك جواز الأطلاق، لأن اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز اطلاقه عليه وهو محل النزاع (فان قيل) اللام فى الكلب تفيد العموم (قلنا) بعد تسليم ذلك لا يتم إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة، وهو ممنوع وأنه لا يتبادر عند الأطلاق فى لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف، والتبادر علامة الحقيقة، وعدمه علامة المجاز، والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز، نعم الحاق ما عفر من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح، وأما انه داخل تحت لفظ الكلب فلا اه (واختلف العلماء) فى غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه، فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردى وغيرهما، ووقع فى الأم للشافعى الجواز، وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعى وتبعه فى الروضة وزاد أنها كراهة تيزيه (وذهب الجمهور) الى الحاق غير الخمس بها فى هذا الحكم إلا أنهم اختلفوا فى المعنى، فقيل لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ. هذا قضية مذهب مالك، وقيل لكونها مما لا يؤكل، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه، وهذا قضية مذهب الشافعى (وخالف الحنفية) فاقتصروا على الخمس إلا أنهم الحقوا بها الحية لثبوت الخبر، والذئب لمشاركته للكلب فى الكلبية، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من من غيرها (1) هذا اللفظ للذكر والأنثى، وقد يقال عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان. بل هى دويبة طويلة كثيرة القوائم (قال صاحب المحكم) ويقال إن عينها فى ظهرها وأنها لا تضر ميتاً ولا نائماً حتى يتحرك، ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين، (قال ابن المنذر) لا نعلمهم اختلفوا فى جواز قتل العقرب (وقال نافع) لمَّا قيل له فالحية قال لا يختلف فيها، وفى رواية ومن يشك فيها (2) هذا الأطلاق مقيد بما فى الطريق الثانية بلفظ "الأبقع" وهو الذى فى ظهره أو بطنه بياض (قال الشوكاني) ولا عذر لمن قال يحمل المطلق على المقيد من هذا، وقد اعتذر ابن بطال وابن عبد البر عن قبول هذه الزيادة (أى زيادة الأبقع) بأنها لم تصح لأنها من رواية قتادة وهو مدلس، وتعقب ذلك الحافظ بأن شعبة لا يروى عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم، وهذه الزيادة من رواية شعبة بل صرح النسائى بسماع قتادة، واعتذر ابن قدامة عن هذه الزيادة بأن الروايات المطلقة

ص: 267

-[كلام العلماء فى الغراب والحديا والفأرة وأنواعها]-

طريق ثان) عن سعيد بن المسيِّب عن عائشة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنَّه قال خمس فواسق يقتلن في

أصح وهو اعتذار فاسد، لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض بين مطلق ومقيد ولا بين مزيد وزيادة غير منافية اهـ (قال الحافظ) وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك، ويقال له غراب الزرع، وأفتوا بجواز أكله فبقى اعداه من الغربان ملحقا بالأبقع والله أعلم اهـ (قال ابن المنذر) أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الأحرام إلا عطاء (قال الخطابي) لم يتابع أحد عطاء على هذا (وقوله والحديا) بضم الحاء المهملة وتشديد الياء التحتية مقصور، ومثله لمسلم في رواية هشام بن عروة عن ابيه أيضا، ووقع في الطريق الثانية بلفظ "الحدأ" بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد، ووقع مثل ذلك في رواية للبخاري، وجاء في الطريق الثالثة بلفظ "الحدأة" بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هى كالهاء في التمرة، وجاء مثل ذلك للبخاري أيضاً، وحكى الأزهري فيها حدوة بواو بدل الهمزة، ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين (وقوله والفأرة) بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل، ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعى فأنه قال فيها جزاء إذا قتلها المحرم، أخرجه ابن المنذر، وقال هذه خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم، ونقل ابن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى، والفأر أنواع، منها الجزر بالجيم بوزن عمر، والخلد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأره الأبل. وفأرة المسك. وفأرة الغيط. وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء، أفاده الحافظ (قلت) وسيأتي اطلاق الفويسقة عليها من حديث أبي سعيد في هذا الباب وسبب تسميتها بذلك (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبه قال سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب عن عائشة - الحديث" (2) بتنوين خمس جزم بذلك النووى، وقال غيره روى بالأضافة والتنوين، وقوله فواسق جمع فاسق (قال ابن العربي) أمر بالقتل وعلل بالفسق فيتعدى الحكم إلى كل ما وجدت فيه العلة، ونبه بالخمسة على خمسة أنواع من الفسق، فنبه بالغراب على ما يجانسه من سباع الطير وكذا بالحدأة. ويزيد الغراب بحل سفرة المسافر ونقب جرابه، وبالحية على كل ما يلسع والعق ب كذلك؛ والحية تلسع وتفترس، والعقرب تلدغ ولا تفترس، وبالفأرة على ما يجانسها من هوام المنزل المؤذية، وبالكلب العقور على كل مفترس؛ قال ومعنى فسقهن

ص: 268

كلام العلماء في الكلب الكِلب ومعنى ذلك

الحلِّ والحرم، الحيَّة والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأ وعنه من طريق ثالث) عن عائشة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال خمس يقتلهنَّ المحرم الحيَّة والفأرة والغراب الأبقع والحدأة والكلب الكلب قال ابن جعفر يقتلن في الحلِّ والحرم (ومن طريق رابع) عن الحسن عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلَّ من قتل الدَّوابِّ والرَّجل محرم أن يقتل الحيَّة والعقرب والكلب العقور والغراب الأبقع والحديَّا والفأرة، ولدغ

_________

خروجهن عن حد الكف إلى الأذية اهـ (1) زاد في هذه الطريق لفظ الحل، والمراد بالحل والحرم أرضهما، وجاء في هذه الطريق الحية بدل العقرب في الطريق الأولى، ووصف الغراب بالأبقع، وتقدم معناه في شر الطريق الأولى (2) لفظ مسلم "والحديا" وقد جاءت هذه الرواية عند مسلم بسندها ولفظها كما هنا ولم يخالف إلا في هذا اللفظ، وهذا اللفظ تقدم عند الأمام أحمد في الطريق الأولى (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي وابن جعفر قالا ثنا شعبة ثنا قتادة قال ابن جعفر سمعت قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عائشة - الحديث" (4) صرح في هذه الطريق بقتل المحرم إياهن (5) وصف الكلب في هذه الطريق بالكلب بكسر اللام يقال كلب الكلب فهو كلب من بابا تعب، وهو داء يشبه الجنون يأخذه فيعقر الناس، ويقال لمن يعقره كلب أيضا، والجمع كلبي قال ابن فارس، والمراد به العقور كما في الروايات الأخرى، وإن لم يكن به هذا الداء والله أعلم (وقوله قال ابن جعفر) هو أحد الراويين اللذين روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث، يعنى أنه زاد في روايته جملة "يقتلن في الحل والحرم" (6)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا زيد يعنى ابن مرة أبو المعلى عن الحسن عن عائشة - الحديث (7) صرح في هذه الطريق بذكر الحية والعقرب فصار العدد ستة، وتقدم في الطريق الأولى عن عروة عن عائشة ذكر العقرب بدل الحية، وفي الطريق الثانية عن سعيد ابن المسيب عن عائشة ذكر الحية بدل العقرب، وجاء في هذه الطريق عن الحسن عن عائشة الجمع بين الاثنين (قال الحافظ) والذي يظهر لي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم نبه بأحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمها مما حيث جمع

ص: 269

-[ما جاء في لعن العقرب وسبب تسمية الفأرة بالقويسقة]-

رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عقرب فأمر بقتلها وهو محرم.

(203)

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال خمس كلهُّن فاسقة يقتلهنَّ المحرم ويقتلن في الحرم الفأرة. والعقرب. والحيَّة. والكلب العقور. والغراب.

(204)

عن عبد الرحمن بن أبى نعم عن أبى سعيد الخدرىِّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل المحرم الأفعي والعقرب والحداء والكلب العقور والفويسقة، قلت ما الفويسقة؟ قال الفأرة، قلت وما شأن الفأرة؟ قال إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم استيقظ

(1) في هذه الرواية التصريح بأنها الدغته صلى الله عليه وسلم وهو محرم. وقد جاء عند ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها "لدغت النبى صلى الله عليه وسلم عقرب وهو في الصلاة، فلما فرغ منها قال: لعن الله العقرب ما تدع مصليا ولا غيره، اقتلوها في الحل والحرم" وروى البيهقي في شعب الأيمان عن علي رضي الله عنه مرفوعا "لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غير إلا لدغتهم (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه الشيخان والنسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم. وأخرج الطريق الثانية والثالثة منه (م. نس. جه. هق) ولم أقف على من أخرج الطريق الرابعة بلفظ رواية الأمام أحمد

(203)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عثمان بن محمد ثنا جرير عن ليث عن طاوس عن ابن عباس - الحديث" (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلي وجعل بدل الحية الحدأة، والبراز والطبراني في الكبير والأوسط ببعضه. وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس

(204)

عن عبد الرحمن بن أبي نعم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا عثمان بن محمد وسمعته أنا من عثمان ثنا جرير عن يزيد بن أبى زياد عن عبد الرخحن ابن أبى نعم عن أبي سعيد الخدري - الحديث" (غريبة)(2) الأفعى ضرب من الحيات، والفويسقة تصغير فاسقة وهي الفأرة (قال الفراء) سميت بذلك لخروجها عن حجرها واغتيالها أموال الناس بالفساد (قلت) ذكر في الحديث سبب تسميتها بذلك

ص: 270

-[سبب تسمية الفأرة بالفويسقة - والغراب الذي يجوز قتله]-

وقد أخذت الفتيلة فصعدت بها إلى السَّقف لتحرق عليه.

(205)

وعنه أيضًا عن أبى سعيد الخدرىَّ رضي الله عنه أنَّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سئل ما يقتل المحرم؟ قال الحيَّة والعقرب والفويسقة، ويرمى الغراب ولا يقتله والكلب العقور

(1) زاد الطحاوي "لتحرق عليه البيت، فقام اليها وقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم" وروى أبو داود عن ابن عباس رضى الله عنهما قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فاحترق منها موضع درهم، زاد الحاكم فقال صلى الله عليه وسلم فأطفئوا سرجكم فان الشيطان يدل مثل هذه على هذه فتحرقكم قال الحاكم صحيح الأسناد، وليس في الحيوان أفسد من الفأر لأنه لا يبقى على حقير ولا جليل إلا أهلكه وأتلفه (تخريجه)(د. جه. طح. ك) وفي إسناده يزيد بن أبى زياد مختلف فيه، وروى له مسلم مقرونا بغيره والله أعلم

(205)

وعنه أيضا عن أبي سعيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا هشيم أنا يزيد بن أبي زياد حدثنا عبد الرحمن من أبى نعم البحلى عن أبى سعيد الخدري - الحديث" (غريبة) (2) الحية بالضم مبتدأ والغراب والفويسقة معطوفان عليه، والخبر محذوف تقديره يقتلها المحرم، ويقال مثل ذلك في قوله "والكلب العقور الخ" ويجوز أن يكون الحية بالقمح مفعولا لفعل محذوف تقديره يقتل المحرم الحية، والعقرب والفويسقة معطوفان عليه، ويقال مثل ذلك في قوله والكلب العقور الخ والله أعلم (3) ثبت من روايات عائشة المتقدمة جواز قتل الغراب ولكنه مقيد بالأبقع، ولعل المراد هنا غراب الزرع فانه غير الأبقع، وحكى الخافظ عن صاحب الهداية أنه قال المراد بالغاب في الحديث (يعنى الذي يجوز قتله للمحرم في الحل والحرم) الغداق والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا (قال الحافظ) وكذا استثناء ابن قدامة، وما أظن فيه خلافا وعليه يجمل ما جاء في حديث أبى سعيد عند أبى داود إن صح حيث قال فيه ويرمى الغراب ولا يقتله، رواه ابن المنذر وغيره علي ومجاهد اهـ (قال القاضي عياض) لا يصح عن علي وهو مخالف للأحاديث الصحيحة، لكن يوافقه ما لأبي داود والترمذي وقال حسن وابن ماجه (قلت والأمام أحمد) عن أبى سعيد مرفوعا يرمى الغراب ولا يقتله (قال الخطابي) يشبه أن المراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب وهو الذي استثناه مالك

ص: 271

-[ما جاء في قتل الذئب والسبع العادى]-

والحدأة، والسَّبع العادي.

(206)

عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ما يقتل المحرم، قال يقتل العقرب. والفويسقة. والحدأة والغراب. والكلب العقور.

(702)

عن وبرة سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذِّئب للمحرم يعنى والفأرة والغراب والحداء، فقيل له فالحيَّة

من جملة الغربان وقال عطاء فيه الفدية ولم يتابعه أحد اهـ (1) هذا يشمل كل حيوان مفترس كالذئب والنمر والفهد والأسد ونحوه (تخريجه)(د. جه. هق. مذ) وقال هذا حديث حسن والعمل على هذه عند أهل العلم يقتل السبع العادي، وهو قول سفيان الثوري والشافعي (وقال الشافعي) كل سبع عدا على الناس أو على دوابهم فللمحرم قتله اهـ

(206)

عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا يحيي بن سعيد وعبيد الله بن عمر، وابن عون عن نافع عن ابن عمر - الحديث" (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)

(307)

عن وبرة عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يزيد أنا حجاج بن أرطااة عن وبرة - الحديث" (غريبة) (2) جاءت هذه الرواية بلفظ الأمر، ومثلها عند مسلم من حديث ابن عمر أيضا، وعند أبى عوانة ليقتل المحرم - وظاهر الأمر الوجوب، ويحتمل الندب والأباحة، وقد روى البزار من حديث أبى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل العقرب والفأرة والحية والحدأة. وهذا الأمر ورد بعد نهى المحرم عن القتل، وفي الأمر الوارد بعد النهى خلاف معروف في الأصول هل يفيد الوجوب أم لا؟ وفي لفظ لمسلم أذن. وفي لفظ لأبى داود قتلهن حلال للمحرم (3) وقع ذكر الذئب والنمر زيادة على الخمس المشهورة عند ابن خزيمة من حديث أبي هريرة، وجاء ذكر الذئب أيضا في حديث مرسل أخرجه ابن أبى شيبه وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يقتل المحرم الحية والذئب" ورجاله ثقات، وقد ألحق الأمام أبو حنيفة الذئب بالكلب، قال لأنه برى فان قتل غيرهما فداه، غلا أن يصول عليه سبع غيرها فيقتله ولا فداء عليه

ص: 272

-[ردّ مذهب من قال بأن المحرم لا يقتل الحية ولا العقرب]-

والعقرب؛ فقال قد كان يقال ذاك

(208)

عن زيد يعنى ابن جبير قال سمعت ابن عمر وسأله رجل عمَّا يقتل المحرم من الدَّوابِّ، فقال حدَّثتني إحدى النِّسوة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقتل الحديَّا والغراب والكلب العقور والفأرة والعقرب.

وهذا قول الأوزاعى (1) ظاهر هذا أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا في قتل الحية والعقرب، وإنما سمعه من بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ثبت في حديثه المتقدم في رواية نافع عنه ذكر العقرب وهو أصح من هذا، ورواه مسلم ومالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أيضا وهو من مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، أما الحية فقد ثبت ذكرها في رواية لمسلم من طريق زيد بن جبير قال سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ فقال حدثنى احدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديا والغراب والحية؛ قال وفي الصلاة (قال ابن المنذر) لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع لما قيل له فالحية؟ قال لا يختلف فيها، وفي رواية ومن يشك فيها، وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبى شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا لا يقتل المحرم اللحية ولا العقرب، قال ومن حجتهما أنهما من هوام الارض فليزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام، وهذا اعتلال لا معنى له، نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى (تخريجه ((هق. ش) وفي اسناده حجاج بن أرطاة، قال أبو حاتم إذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب في حفظه وصدقه (قال ابن معين) صدوق مدلس وقال أيضا هو والنسائي ليس بالقوى، روى له مسلم مقرونا بغيره، مات سنة سبع وأربعين ومائه (وقال الحافظ) حجاج ضعيف وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبى شيبة اهـ

(208)

عن زيد يعنى ابن جبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج بن النعمان قال ثنا أبو عوانة عن زيد يعنى ابن جبير - الحديث" (غريبة)(2) لفظ مسلم أخبرتنى احدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى له وللبخاري أيضا عن ابن عمر قال قالت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن الحديث، فظهر بذلك أن إحدى النسوة المبهمة في حديث الباب هي إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حفصة بنت عمر زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم أن ابن عمر روى هذا الحديث أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير واسطة (تخريجه)(ق. وغيرهما)

ص: 273

-[زوائد الباب فيما يجوز للمحرم قتله من الدواب]-

.....

(زوائد الباب)(عن سالم يعنى ابن عمر) قال قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال حفصة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن، الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور (ق. هق)(وعن الأسود عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه قال بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى غذ نول عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإنى لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطبة بها إذ وثبت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوها، فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقيت شركم كما وقيتم شرها (خ. هق) رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له عن أبى كريب عن حفص بن غياث مختصرا ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى، وراه أيضا الأمام أحمد مطولا كرواية البخاري إلا أنه لم يذكر فيه الحرم ولا منى، ولهذا لم أذكره هنا وسيأتي في تفسير سورة المرسلات من كتاب التفسير ان شاء الله تعالى (وعن سفيان) قال أول ما رأيت الزهري انتهبت اليه وهو يحدث الناس سمعته يقول أخبرني سالم عن أبيه قال سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الحية يقتلها المحرم؟ قال هي عدوة فاقتلوها حيث وجدتموها (هق)(وعن سويد بن غفلة) قال أمرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن نقتل الحية والعقرب والفأرة والزنبور ونحن محرمون (هق)(وعن أبي هريرة) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس قتلهن حلال في الحرم، والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور (د. هق) وفي إسناده محمد بن عجلان (قال الحافظ) في التقريب محمد بن عجلان المدنى صدوق إلا أنه أختلطت عليه أحاديث أبى هريرة، من الخامسة، مات سنة أربع وعشرين وله ثمانون سنة اهـ (قلت) له في صحيح مسلم متابعة (وعن أبى رافع) رضي الله عنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته غذ ضب شيئا في صلاته فاذا هي عقرب ضربها فقتلها وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمرم (بز) وفيه يوسف بن نافع ذكره ابن أبى حاتم ولم يجرحه ولم يوثقه، وذكره ابن حيان في الثقات (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة (طب) وفيه عمرو بن قيس المكى وهو ضعيف (وعن عبد الله بن محمد بن هارون الفرباني) قال سمعت الشافعي محمد بن إدريس بمكة يقول سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقلت له اصلحك الله ما تقول في المحرم يقتل زنبورا؟ قال نعم بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" حدثنا سفيان بن مالك بن عبينه عن عبد الملك بن عمير عن ربعى عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. وحدثنا سفيان بن عبينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن

ص: 274

-[مذاهب العلماء فيما جوز قتله من الدواب]-

.....

طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر المحرم بقتل الزنبور (هق)(الأحكام) أحاديث اباب مع الزوائد تدل على جواز قتل المحرم ما ذكر فيها من الحيوان ولا جزاء عليه في ذلك، منها ست جاءت في الأحاديث الصحيحة المرفوعة وهي الحية والعقرب والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأة (قال النووى) رحمه الله فالمنصوص عليه الست، واتفق جماهير لعلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والأحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى فيهن وما يكون في معناهن (فقال الشافعي) المعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل، وكل ما لا يؤكل ولا ما هو متولد من مأكول وغيره فقتله جائز للمحرم ولا فدية عليه (وقال مالك) المعنى فيهن كونهن مؤذيات؛ فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله وما لافلا، وأما تسمية هذه المذكورات فواسق فصحيحة جارية على وفق اللغة، وأصل الفسق في كلام العرب الخروج، وسمى الرجل الفاسق لخروجه عن أمر الله تعالى وطاعته، فسميت هذه فواسق لخروجها بالأيذاء والأفياد عن طريق معظم الدواب، وقيل لخروجها عن حكم الحيوان في تحريم قتله الحرم والأحرام، وقيل فيها أقوال أخر ضعيفة لا نعتنيها (وأما الغراب الأبقع) فهو الذي في ظهره وبطنه بياض، وحكى الساجى عن النخعى أنه لا يجوز للمحرم قتل الفأرة، وحكى غيره على ومجاهد أنه لا يقتل الغراب ولكن يرمي وليس بصحيح عن علي (واتفق العلماء) على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم (واختلفوا) في المراد به فقيل هذا الكلب المعروف خاصة، حكاه القاضي (عن الأوزاعى وأبى حنيفة والحسن بن صالح) وألحقوا به الذئب، جمل زفر معنى الكلب على الذئب وحده (وقال جمهور العلماء) ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذه الكلب المعروف؛ بل المراد هو كل عاد مفترس غالبا كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها، وهذا قول زيد بن أسلم وسفيان الثورى وابن عبينة (والشافعى وأحمد) وغيرهم، وحكاه القاضي عياض عنهم وعن جمهور العلماء. ومعنى العقور والعافر الجارح اهـ (قلت) وإنما سموا كل عاد مفترس كلبا لاشتراكه في السبعية، قالوا ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه على عتبيه بن أبى لهب "اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد"

(تنبيه) وقع في سنن البيهقي وتفسير ابن كثير في تفسير قوله تعالى "أحل لكم الصيد البحر الخ الآية" لفظ عتبة بسكون التاء مكبرا بدل عتيبة بفتحها مصغرا وهو خطأ، والصواب عتيبة بالتصغير كما هنا، فقد حكى صاحب الجوهر النقى عن ابن الصلاح أنه قال في قوله عتبة وأما عتبة فانه بقى حتى أسلم يوم الفتح وهو مذكور في كتب الصحابة رضي الله عنهم اهـ (وفي الزوائد) ما يدل على جواز قتل المحرم الوزغ والزنبور ولو في جوف الكعبة، وقد

ص: 275

-[كلام العلماء فيمن وجب عليه قصاص وهل يقتص منه في الحرم؟]-

.....

وردت أخبار صحيحة مرفوعة تدل على قتل الوزغ مطلقا ستأتى في بابها من كتاب القتل ان شاء الله تعالى (قال الأمام مالك رحمه الله لا ارى قتل الوزغ، والأخبار بقتلها متواترة لكن مطلقا لا في الحرم، ولذلك توقف فيها الأمام مالك رحمه الله في الحرم (وقالت طائفة) لا يقتل من جنس الغراب غلا الأبقع، وتقدم الكلام عليه في الشرح بما لا يحتاج لزيادة (واختلفوا في الزنبور) فبعضهم شبهة بالعقرب. وبعضهم رأى أنه أضعف نكاية من العقرب، وبالجملة بكل واحد منها ما يشبهه إن كان له شله، ومن لم ير ذلك قصر النهى على المنطوق به والله أعلم (قال النووى) رحمه الله. وفي قتل هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقية في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا أو قتل في المحاربة أو غير ذلك، وأنه يجوز إقامة كل الحدود فيه سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارجه ثم لجأ صاحبه إلى الحرم (وهذا مذهب مالك والشافعى) وآخرين (وقال أبو حنيفة) وطائفة ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه، وما فعله خارجه ثم لجأ اليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه خارجه، وما كان دون النفس يقام فيه (قال القاضي) وروى عن ابن عباس وعطاء والشعبي والحكم نحوه. لكنهم لم يفرقوا بين النفس ودونها. وحجتهم ظاهر قول الله تعالى "ومن دخله كان آمنا" وحجتنا عليهم هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق. بل فسقه أفحش لكونه مكلفاً، ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمانا، فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية (قال القاضي) ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين أنه إخبار عما كان قبل الأسلام وعطفه على ما قبله من الآيات، وقيل آمن من النار (وقالت طائفة) يخرج ويقام عليه الحد وهو قول ابن الزبير والحسن ومجاهد وحماد والله أعلم - وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

_________

(تم الجزء الحادي عشر)

-----

(من كتاب الفتح الرباني "مع شرحه" بلوغ الأمانى)

"وما يليه الجزء الثانى عشر واوله"

باب دخول مكة وما يتعلق به

نسأل الله الأعانة على التمام

وحسن الختام آمين

ص: 276