المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب فضائل القرآن وتفسيره وأسباب نزوله) - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ١٨

[أحمد البنا الساعاتي]

الفصل: ‌(كتاب فضائل القرآن وتفسيره وأسباب نزوله)

بسم الله الرحمن الرحيم

‌القسم الثالث من الكتاب فيما يختص بالقرآن الكريم

(55)

(كتاب فضائل القرآن وتفسيره وأسباب نزوله)

(باب ما جاء في فضل القرآن والاعتصام به)(عن علي رضي الله عنه (1) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد ان أمتك مختلفة بعدك قال فقلت له فأين المخرج (2)

(باب)(1)(سنده) حدثنا يعقوب ثنا ابي عن ابن اسحق قال وذكر محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن عبد الله الأعور قال قلت لآتين أمير المؤمنين (يعني عليا رضي الله عنه فلأسألنه عما سمعت العشية قال فجئته بعد العشاء فدخلت عليه فذكر الحديث قال ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل الحديث (غريبه)(2) أي اين طريق الخروج والخلاص من الاختلاف والفتنة أو السبب

_________

بيان رموز واصطلاحات تختص بالشرح

(خ) للبخاري (م) لمسلم (حم) للامام احمد (لك) للامام مالك في الموطأ (فع) للامام الشافعي (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (الثلاثة) لهم إلا ابن ماجه (د) لأبي داود (نس) للنسائي (مذ) للترمذي (جه) لابن ماجه (حب) لابن حبان في صحيحه (مي) للدارمي في سننه (خز) لابن خزيمه في صحيحه (بز) للبزار في مسنده (طب) للطبراني في الكبير (طس) له في الأوسط (طص) له في الصغير (ص) لسعيد بن منصور في سننه (ش) لابن ابي شيبة في مصنفه (عب) لعبد الرزاق في الجامع (عل) لأبي يعلي في مسنده (قط) للدارقطني في سننه (حل) لأبي نعيم في الحلية (هق) للبيهقي في السنن الكبرى (هب) له في شعب الايمان (طح) للطحاوي في معاني الآثار (ك) للحاكم في المستدرك (طل) لأبي داود الطيالسي في مسنده رحمهم الله تعالى.

وأما الشراح وأصحاب كتب الرجال والغريب ونحوهم فإليك ما يختص بهم (نه) للحافظ ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث (خلاصة) للحافظ الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال (قر) للحافظ ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب ثم اذا قلت قال الحافظ واطلقت فالمراد به الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري (واذا قلت) قال النووي فالمراد به في شرح مسلم (وإذا قلت) قال المنذري فالمراد به الحافظ زكي الدين بن عبد العظيم المنذري صاحب كتاب الترغيب والترهيب ومختصر أبي داود (وإذا قلت) قال الهيثمي فالمراد به الحافظ علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد (وإذا قلت) قال الشوكاني فالمراد به في كتابه نيل الأوطار (وإذا قلت) بدائع المنن فالمراد به كتابي بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن (وإذا قلت) انظر القول الحسن فالمراد به شرحي على بدائع المنن والله تعالى ولي التوفيق.

ص: 2

يا جبريل؟ قال فقال كتاب الله (1) تعالى به يقصم (2) الله كل جبار من اعتصم به نجا (3) ومن تركه هلك مرتين (4) قول فصل وليس بالهزل (5) لا تختلقه الألسن (6) ولا تفنى أعاجيبه (7) فيه نبأ ما كان قبلكم (8) وفصل ما بينكم (9) وخبر ما هو كائن بعدكم (10)(عن عبد الله بن عمرو ابن العاص)(11) قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوما كالمودع فقال أنا محمد النبي الأمي قاله ثلاث مرات ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم (12)

الذي يتوصل به الى الخروج عن الفتنة (1) أي التمسك بكتاب الله عز وجل (2) أي يكسر شوكته ويهينه ويذله وأصل القصم الكسر والإبانة (3) أي من تمسك به وعمل بما فيه (4) أي كرر هذه الجملة مرتين (وقوله) قول فصل خبر لمبتدأ محذوف اي هو قول فصل أي يفصل بين الحق والباطل (5) أي جد كله وحق جميعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (6) أي لا يمكن لمخلوق أن يأتي بمثله من عند نفسه افتراء وقد عجز عن ذلك فصحاء العرب (7) أي أسراره ومعجزاته لأنه أشار إلى أمور كثيرة لم تكن موجودة في الزمن الماضي ولا يعرفها الناس أظهرها تقدم العلم والاكتشاف وكلما تقدم العلم وتقادم الزمن كلما ظهرت أسراره وعجائبه ومعجزاته (8) اي من أحوال الأمم الماضية (9) أي تفصيل الأحكام فيما يقع بينكم من حلال وحرام وكفر وإيمان وطاعة وعصيان وسائر شرائع الإسلام (10) أي من الأمور الآتية من أشراط الساعة وأحوال القيامة وغير ذلك (تخريجه)(مذ مي) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات واسناده مجهول وفي حديث الحارث مقال اهـ (قلت) انما قال ذلك الترمذي لأنه رواه من طريق حمزة بن حبيب الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث ففيه حمزة بن حبيب الزيات ضعفه بعضهم في الحديث وإن كان إماما مشهورا في القراآت وفيه ابن اخي الحارث مجهول وهذان ليسا في مسند الامام احمد لكن جاء فيه الحارث بن عبد الله الأعور وقد تكلموا فيه بل كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده لا أنه تعمد الكذب في الحديث وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي اسناده عمرو بن واقد متروك وله شاهد عند الحاكم في المستدرك من طريق ابراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد وتعقبه الذهبي فقال ابراهيم بن مسلم ضعيف (11)(سنده) حدثنا يحيى بن اسحاق ثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هيبرة عن عبد الله بن مريح الخولاني قال سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول سمعت عبد الله بن عمرو يقول من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة فليقل عبد من ذلك أو ليكثر وسمعت عبد الله بن عمرو يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(12) جاء في رواية مفاتيح الكلم وفي أخرى مفاتح الكلم قال في النهاية هما جمع مفتاح ومفتح وهما في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلفات التي يتعذر الوصول اليها فأخبر أنه أوتي مفاتيح الكلم وهو ما يسر الله له من البلاغة والفصاحة والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات والألفاظ التي اغلقت على غيره وتعذرت ومن كان في يده مفاتيح شيء مخزون سهل عليه الوصول اليه اهـ (قلت) ويحتمل أن يراد بفواتح الكلم نفس القرآن لأنه أفصح الكتب السماوية وأبلغها

ص: 3

وخواتمه (1) وجوامعه وعلمت كم خزنة النار (2) وحملة العرش وتجوز بي وعوفيت وعوفيت أمتي (3) فاسمعوا وأطيعوا مادمت فيكم فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله أحلو حلاله وحرموا حرامه (عن أبي هريرة)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطى من الآيات (5) ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله عز وجل إلى وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة (عن عبد الله بن عمرو)(6) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصيام والقرآن يشفعان

وأجمعها وهو المنهل العذب الذي يستقى الفصحاء والبلغاء والفقهاء والمحدثون منه وهو قاموس من لا قاموس له لذلك كان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس منطقا وأعلمهم بأحكام الله أيضا فإن في القرآن مفاتيح الغيب لأنه أخبر بأمور لا يعلمها الا الله ووقعت كما أخبر فهو مفتاح كل خير (1) خواتم الكلم هو القرآن أيضا لأنه ختمت به الكتب السماوية وهو حجة على سائرها ومصدق لها (وجوامع الكلم) هي الكلمة البليغة الوجيزة الجامعة للمعاني الكثيرة وهذه صفة القرآن أيضا (قال القرطبي) وقد جاء هذا اللفظ ويراد به القرآن اهـ (قلت) وقد اكتسب صلى الله عليه وسلم كل هذه المعاني من القرآن فكان صلى الله عليه وسلم فصيحا بليغا ينطق بالكلمة الوجيزة الجامعة للمعاني الكثيرة صلى الله عليه وسلم (2) خزنة النار تسعة عشر من الملائكة الغلاظ الشداد قال تعالى (عليها تسعة عشر) وأما حملة العرش فقد قال الله عز وجل (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) أي من الملائكة ايضا (3) أي تجاوز الله عني وعن أمتي في كثير من التكاليف الشاقة التي كانت في الامم السابقة كعدم قبول التوبة إلا إذا قتل نفسه وعدم طهارة الثوب المتنجس إلا بقطع ما تنجس منه وعدم صحة الصلاة إلا في المعابد وعدم الطهارة بالتيمم والمؤاخذة بالخطأ والنسيان وغير ذلك كثير فتجاوز الله للأمة المحمدية عن ذلك كله وعفا عنها وجعل دينها سهلا سمحا ويجوز أن يكون معنى قوله (وتجوز بي) أي تجاوز الله بسببي عن أمتي وعفاها من التكاليف الشاقة وعافاني أيضا والله أعلم قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)(تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد بهذا اللفظ وأورده الهيثمي والمنذري وقالا رواه احمد باسناد حسن (4)(سنده) حدثنا يونس وحجاج قالا ثنا ليث قال حجاج في حديثه حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يونس عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(5) يعني المعجزات وخوارق العادات ما إذا شوهد لاضطر إلى التصديق به الشاهد وكان دليلا على تصديقه فيما جاءهم به نبيهم واتبعه من اتبعه من البشر ثم لما مات لم تبق معجزة بعده إلا ما يحكيه أتباعه عما شاهدوه في زمانه وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن معجزته القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرق العادة في اسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات وعجز الجن والإنس أن يأتوا بسورة من مثله مجتمعين أو متفرقين في جميع الأعصار مع اعتنائهم بمعارضته فلم يقدروا وهم أفصح القرون مع غير ذلك من وجوه إعجاز المعرفة وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم وإنما كان الذي اوتيت وحيا أوحاه الله عز وجل إلي يعني القرآن (وفي قوله صلى الله عليه وسلم فأرجو أن اكون أكثرهم تابعا) علم من أعلام النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا في زمن قلة المسلمين ثم من الله تعالى وفتح على المسلمين البلاد وبارك فيهم حتى انتهى الأمر واتسع الاسلام في المسلمين وذلك لعموم رسالته ودوامها الى قيام الساعة واستمرار معجزته صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق نس وغيرهم)(6)(سنده)

ص: 4

للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان (عن عقبة بن عامر)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن القرآن جعل في إهاب (2) ثم القي في النار ما احترق (3)(عن عمر بن الخطاب)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين (عن شداد بن أوس)(5) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من رجل يأوى إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله عز وجل إلا بعث الله عز وجل اليه ملكا يحفظه من كل شيء يؤذيه حتى يهب (6) متى هب (باب الحث على تعلم القرآن وتعليمه وحفظه وفضل ذلك)(عن عثمان)(7)(يعني ابن عفان) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلكم (وفي لفظ ان خيركم) من تعلم القرآن وعلمه (ز)(وعن علي)(8) عن

حدثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن حيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو الحديث (تخريجه)(طب ك هق) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي وأورده الهيثمي وقال اسناده حسن (1)(سنده) حدثنا ابو سعيد ثنا ابن لهيعة ثنا مسرح قال سمعت عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(2) الإهاب بكسر الهمزة الجلد قبل أن يدبغ وبعضهم يقول الإهاب الجلد مطلقا (3) وفي رواية ما أكلته النار (وفي أخرى) ما مسته النار قال الطيبى هو تمثيل وارد على المبالغة والفرض كما في قوله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي) أي ينبغي ويحق أن القرآن لو كان في مثل هذا الشيء الحقير (يعني الإهاب) الذي لا يؤبه به ويلقى في النار ما مسته فكيف بالمؤمن الذي هو أكرم خلق الله وقد وعاه في صدره وتفكر في معانيه وعمل بما فيه كيف تمسه فضلا عن أن تحرقه اهـ اللام في النار للجنس والأولى جعلها للعهد والمراد بها نار جهنم أو النار التي تطلع على الأفئدة أو النار التي وقودها الناس والحجارة ذكره القاضي عياض (تخريجه)(مي طب) وأخرجه أيضا ابن عدي والبيهقي في الشعب عن عصمة بن مالك وابن عدي أيضا عن سهل بن سعد قال العراقي وسنده ضعيف اهـ وقال الصدر المناوي فيه عند احمد ابن لهيعة عن مشرح ابن ماهان ولا يحتج بحديثهما عن عقبة اهـ قال المناوي في شرح الجامع الصغير لكنه يتقوى بتعدد طرقه فقد رواه أيضا ابن حبان عن سهل بن سعد ورواه البغوي في شرح السنة وغيره (4)(عن عمر الخ) هذا طرف من حديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الأول من كتاب العلم ص 146 في الجزء الأول رقم 4 (5)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون ثنا ابو مسعود الجريري عن أبي العلاء بن الشخير عن الحنظلي عن شداد بن أوس الحديث (غريبه)(6) قال في المصباح هب من نومه هبا من باب قتل استيقظ اهـ ومعناه حتى يستيقظ متى استيقظ (تخريجه)(مذ نس) وفي اسناده رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات (باب)(7)(سنده) حدثنا وكيع ثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان الحديث (تخريجه)(ق والأربعة)(8)(ز)(سنده) حدثنا ابو كامل فضيل بن الحسين وثنا محمد بن عبيد بن حساب قالا ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبد الرحمن بن اسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خياركم من تعلم القرآن وعلمه (تخريجه) لم أقف عليه لغير عبد الله بن الامام احمد وفي اسناده النعمان بن سعد ضعفه الامام احمد لكن يؤيده ما قبله

ص: 5

النبي صلى الله عليه وسلم مثله (ز)(وعنه أيضا)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم (وفي لفظ من قرأ القرآن) فاستظهره (2) وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه (3) في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار (عن ابن عباس)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب (5)(عن عائشة رضي الله عنها (6) قالت ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم تروه يتعلم القرآن (7)(عن أبي هريرة)(8) أو عن أبي سعيد شك الأعمش قال يقال لصاحب القرآن اقره (9) وارقه فإن منزلتك عند آخر آية

(1)(ز)(سنده) حدثنا حفص بن سليمان يعني أبا عمر القارئ عن كثير بن زاذان عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(2) أي حفظه تقول قرآت القرآن عن ظهر قلبي أي قرأته من حفظي قاله الجزري (وقوله وحفظه) أي وعاه وتعاهده خوفا من نسيانه ويحتمل أن يراد بالحفظ العمل بمقتضاه ويؤيده رواية (من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة الخ) رواه الترمذي (3) بالتشديد أي قبلت شفاعته (وقوله كلهم) أي كل العشرة قد وجبت لهم النار (قال الطيبي) فيه رد على من زعم أن الشفاعة انما تكون في رفع المنزلة دون حفظ الوزر بناء على ما افتروه أن مرتكب الكبيرة يجب خلوده في النار ولا يمكن العفو عنه والوجوب هنا على سبيل المواعدة والله أعلم (تخريجه)(مي جه مذ) وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس له اسناد صحيح وحفص بن سليمان أبو عمرو البزار كوفي يضعف في الحديث اهـ (قلت) قال في التقريب وهو حفص بن أبي داود القاري صاحب عاصم ويقال له حفيص متروك الحديث مع إمامته في القراءة مات سنة ثمانين ومائة (4)(سنده) حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس الحديث (غريبه)(5) بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء أي الخراب لأن عمارة القلوب بالايمان وقراءة القرآن كما ان عمارة البيوت بالأثاث والتجمل فالقلب الذي ليس فيه قرآن كالبيت الذي ليس فيه أثاث والله أعلم (تخريجه)(مذ مي ك) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح اهـ (قلت) وقال الحاكم صحيح الاسناد وتعقبه الذهبي فقال قابوس لين الحديث (6)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة قال حدثني أبو الاسود انه سمع عروة يحدث عن عائشة قالت ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(7) يستفاد منه أن تعلم القرآن دلالة على صلاح المتعلم في الغالب (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وفي اسناده ابن لهيعة فيه كلام إذا عنعن ولكنه صرح بالتحديث هنا فحديثه حسن (8)(سنده) حدثنا وكيع قال ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الحديث (غريبه)(9) هكذا في الأصل بهاء السكت بدل الهمزة وكذلك وارقه وجاءا بالهمزة في الحديث التالي والأول أمر من القراءة أي رتل والثاني أمر من رقأ يرقأ رقئا أي اصعد قال في القاموس رقأ في الدرجة صعد وهي المرقأة وتكسر اهـ أي يقال لصاحب القرآن اقرأ القرآن واصعد على درجات الجنة وسيأتي توضيحه في شرح الحديث التالي (تخريجه)(خز) والترمذي وحسنه الحاكم وصححه وأقره الذهبي ولفظه عندهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال اقرأ وارقأ ويزاد

ص: 6

تقرؤها (وعن عبد الله بن عمرو)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وفيه اقرأ وارقأ بالهمزة (2)(عن أبي سعيد الخدري)(3) قال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه (عن عائشة رضي الله عنها (4) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أخذ السبع الأول (5) من القرآن فهو خير (6)(عن أنس بن مالك)(7) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله أهلين من الناس فقيل من أهل الله منهم؟ قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته (8)(عن عقبة بن عامر)(9) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا كتاب الله (10) وتعاهدوه وتغنوا به (11) فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا (12) من المخاض في

بكل آية حسنة اهـ (قلت) وهو عند الامام احمد موقوف على أبي هريرة ولكن له حكم الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي لاسيما وقد رواه الحاكم والترمذي مرفوعا وروى من طرق أخرى عن غير أبي هريرة من الصحابة مرفوعا (1)(سنده) حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله بن عمرو (يعني ابن العاص) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقال لصاحب القرآن اقرأ وارقأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها (غريبه)(2) قال الخطابي جاء في الأثر ان عدد آي القرآن على قدر درج الجنة فيقال للقارئ ارق في الدرجة على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على اقصى درج الجنة في الآخرة ومن قرأ جزءا منه كان رقية في الدرج على قدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة (تخريجه)(د مذ جه حب) في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح (3)(سنده) حدثنا معاوية بن هشام ثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري الحديث (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وفي اسناده عطية العوفي ضعفه الثوري وهشيم وابن عدي وحسن له الترمذي أحاديث (خلاصة) وفي التهذيب قال أبو حاتم وابن سعد ومع ضعفه يكسب حديثه (4)(سنده) حدثنا أبو سعيد قال ثنا سليمان بن بلال قال ثنا عمرو بن أبي عمرو عن حبيب بن هند عن عروة عن عائشة الحديث (غريب)(5) جا في رواية السبع الطوال بدل الأول وأولها سورة البقرة وآخرها سورة براءة بجعل الانفال وبراءة واحدة والمراد بأخذها حفظها والعمل بما فيها (6) بكسر الحاء المهملة وفتحها مع سكون الموحدة أي عالم صالح (تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي (7)(سنده) حدثنا عبد الصمد ثنا عبد الرحمن بن بديل العقيلي عن أبيه عن أنس الحديث (غريبه)(8) هذه الجملة وهي قوله هم أهل الله وخاصته مؤكدة للجملة قبلها وهي قوله أهل القرآن ومعنى خاصته أي الذين يختصون بخدمته قال العسكري هذا على سبيل المجاز والتوسع فإنه لما قربهم واختصهم كانوا كأهله ومنه قيل لأهل مكة أهل الله لما كانوا سكان بيته وما حوله كانوا كأهله (تخريجه)(جه نس ك) قال الحاكم روى من ثلاثة أوجه هذا أجودها وأقره الذهبي ولم يتعقبه (قلت) وفي اسناده عبد الرحمن بن بديل العقيلي قال في التقريب لا بأس به (9)(سنده) حدثنا علي بن اسحاق ثنا ابن المبارك عبد الله قال ثنا موسى بن علي قال سمعت ابي يقول سمعت عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(10) أي احفظوه وتفهموه (وقوله وتعاهدوه) أي الزموه (11) أي اقرءوه بتحزين وترقيق وليس المراد قراءته بالألحان والنغمات (12) أي ذهابا (من المخاض) أي النوق الحوامل

ص: 7

العقل (وعنه أيضا)(1) قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في الصفة (2) فقال أيكم يحب أن يغدو (3) إلى بطحان أو العقيق فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين (4) زهراوين في غير اثم (5) ولا قطع رحم؟ قال قلنا كلنا يا رسول الله يحب ذلك قال فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له (6) من ناقتين وثلاث خير من ثلاث (7) وأربع خير من أربع ومن أعدادهن (8) من الابل (وعن أبي هريرة)(9) عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري)(10) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موصى إلى اليمن يأمرهما أن يعلما الناس القرآن (باب ما جاء في قراءة القرآن بأجر أو تعليمه بأجر)(عن سهل بن سعد)(11)

(في العقل) بضمتين جمع عقال وعقلت البعير حبسته وخص ضرب المثل بها لأنها إذا انفلتت لا تكاد تلحق (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الهيثمي وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (1)(سنده) حدثنا أبو عبد الرحمن ثنا موسى بن علي قال سمعت أبي يقول سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(2) الصفة بضم الصاد المهملة مشددة وفتح الفاء المشددة موضع مظلل من المسجد الشريف كان فقراء المهاجرين يأوون إليه وهم المسمون بأصحاب الصفة وكانوا أضياف الاسلام (3) أي يذهب في الغدوة (بفتح المعجمة) وهي من أول النهار إلى الظهر (وقوله بطحان) بضم الباء وفتحها والضم أصح وادي المدينة (والعقيق) واد بالمدينة أيضا (وأو) للشك من الراوي قال ابن الملك خصهما بالذكر لكون كل منهما أقرب المواضع التي يقام فيها سوق الابل (4) الكوماء من الابل العظيمة السنام قلبت الهمزة في تثنيتها واواكما هي القاعدة في الهمزة الزائدة (وقوله زهراوين) أي حسنتين ذات جمال وبهجة (5) في للسببيه والمعنى لا يكون حصولها بسبب فعل فيه إثم كغصب وسرقة سمي موجب الإثم إثما مجازا (وقوله ولا قطع رحم) أي في غير ما يوجبه قال ملا على وهو تخصيص بعد تعميم (6) بالضم خبر لمبتدأ محذوف أي هما (يعني الاثنتين) خير له الخ (7) اي وثلاث آيات يتعلمها خير له من ثلاث نوق وكذلك يفسر قوله وأربع خير من أربع (8) الجار والمجرور متعلق بمحذوف يعني وأكثر من اربع آيات يتعلمها خير له من أعداد النوق على التفصيل المذكور (وقوله من الإبل) بدل من اعدادهن أو بيان لها وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك وفق ما يغتنمه ويبتغيه المخاطب وإلا فالآية الواحدة خير من الدنيا وما فيها والله أعلم (تخريجه)(م د وغيرهما)(9)(سنده) حدثنا حسن حدثنا عبد الله بن لهيعة حدثنا ابو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيفرح أحدكم أن ينقلب إلى أهله بخلفتين؟ قالوا نعم وآيتان من كتاب الله فيخرج بهما إلى أهله خير له من خلفتين (تخريجه) أخرجه مسلم والامام احمد عن أبي هريرة عن طريق ثان ليس فيه ابن لهيعة وتقدم في باب قراءة سورتين أو أكثر في ركعة رقم 556 صفحة 214 في الجزء الثالث إلا أن فيه ثلاث آيات يقرأ بهن في الصلاة خير له من ثلاث خلفات (والخلفة) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحامل من النوق ويجمع على خلفات وخلائف والله أعلم (10)(سنده) حدثنا عبد الله بن نمير عن طلحة بن يحيى قال اخبرني أبو بردة عن أبي موسى الحديث (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وسنده حسن (باب)(11)(سنده) حدثنا حسن حدثنا

ص: 8

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيكم كتاب الله يتعلمه الأسود والأحمر والأبيض تعلموه قبل أن يأتي زمان يتعلمه ناس ولا يجاوز تراقيهم (1) ويقومونه كما يقوم السهم (2) فيتعجلون أجره (3) ولا يتأجلونه (عن عبادة بن الصامت)(4) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشغل (5) فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا وكان معي في البيت أعشية عشاء أهل البيت فكنت أقرئه القرآن فانصرف انصرافة إلى أهله فرأى أن عليه حقا فأهدى إلي قوسا لم أر أجود منه عودا ولا احسن منه عطفا (6) فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما ترى يا رسول الله فيها؟ قال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها (عن أبي عبد الرحمن)(7) قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (8) أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه (9) من العلم والعمل قالوا فعلمنا العلم والعمل

ابن لهيعة ثنا بكر بن سوادة عن وفاء الحضرمي عن سهل بن سعد الحديث (غريبه)(1) التراقي جمع ترقوة بفتح التاء وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها فكأنها لم تتجاوز حلوقهم وقيل المعنى أنهم لا يعملون بالقرآن ولا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم غير القراءة (نه)(2) يعني الذي يرمي به وهو آلة من آلات الحرب والمراد أنهم يبالغون في تحسينه بتكلف وتعسف لترغيب الناس فيهم وان خرجوا بذلك عن حد التجويد قال ابن الجزري في باب التجويد (مكملا من غير ما تكلف باللفظ في النطق بلا تعسف)(3) أي يطلبون بقراءة العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيها (وقوله ولا يتأجلونه) أي لا يريدون به الآجلة وهو جزاء الآخرة فمن أراد به الدنيا فهو متعجل وان ترسل في قراءته ومن أراد به الآخرة فهو متأجل وان اسرع في قراءته بعد اعطاء الحروف حقها وهذه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وصار القراء لا يتعلمون القرآن إلا لأجل غرض الدنيا والتعيش به فلا حول ولا قوة إلا بالله (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد من حديث سهل بن سعد وفي اسناده ابن لهيعة تكلم فيه بعضهم وحسن حديثه الحافظ الهيثمي إذا صرح بالتحديث وقد صرح به في هذا الحديث وله شاهد من حديث جابر عند أبي داود والامام احمد وسيأتي في الباب التالي (4)(سنده) حدثنا ابو المغيرة حدثنا بشر بن عبد الله يعني ابن يسار السلمي قال حدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت الخ (غريبه)(5) أي يشغل في مصالح المسلمين (6) أي ميلا والتواءا (تخريجه)(د جه ك) وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي وفيه عدم جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وللعلماء خلاف في ذلك انظر صحيفة 125 في الجزء الخامس عشر (7)(سنده) حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن الحديث (غريبه)(8) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما صرح بذلك في رواية الحاكم (9) يشير إلى العشر الأولى (وقوله من العلم والعمل) أي من العلم بأحكامها ومعناها والعمل بمقتضاها (تخريجه)(ك) وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي

ص: 9

(أبواب تلاوة القرآن وآدابها)

(باب فضل قراءة القرآن والتعبد به والعمل بما فيه)(عن ابن عمر)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد (2) إلا في اثنتين رجل (3) آتاه الله القرآن فهو يقوم به (4) آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفعه في الحق (5) آناء الليل والنهار (خط)(عن يزيد بن الأخنس)(6) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنافس (7) بينكم إلا في اثنتين رجل أعطاه الله عز وجل القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه فيقول رجل لو أن الله تعالى أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به ورجل أعطاه الله مالا فهو ينفق ويتصدق فيقول رجل لو أن الله اعطاني مثل ما أعطى فلانا فأتصدق به فقال رجل يا رسول الله أرأيتك النجدة تكون في الرجل وسقط باقي الحديث (8)(عن سهل عن أبيه)(9) عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال من قال سبحان الله العظيم نبت له غرس (10) في الجنة ومن قرأ القرآن

(باب)(1)(سنده) حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه (عبد الله بن عمر) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(2) معنى الحسد هنا الغبطة وهي تمني أن يكون للمرء مثل ما للغير من غير أن يزول عنه والحرص على هذا يسمى منافسة ويؤيده ما جاء في الحديث التالي بلفظ (لا تنافس بينكم الا في اثنتين) فإذا كان في غير طاعة فهو لا شك مذموم وان كان فيها فمحمود (3) في التركيب حذف أي احدى الاثنتين خصلة رجل فلما حذف المضاف أخذ المضاف اليه حكمه ووجه الحصر في هاتين الخصلتين الاشارة إلى اصول الطاعات وهي إما بالبدن أو المال (4) المراد بالقيام به العمل به مطلقا أعم من تلاوته والتزامه ما أوتي به من الاحكام وتعليمه والقضاء به والفتوى بمقتضاه لا مجرد التلاوة بغير عمل فصاحبها اذا كان مجردا عن العمل فهو محجوج بها يوم تبلى السرائر (وقوله آناء الليل والنهار) أي ساعاته (5) لما كان الانفاق يحتفل الاسراف والتبذير قيده بقوله في الحق أي في وجوه الخير مع ابقاء شيء لنفسه يسد حاجته (تخريجه)(ق وغيرهما)(6)(خط)(سنده) قال عبد الله بن الامام احمد وجدت في كتاب ابي يخط يده قال كتب الى ابو توبة الربيع بن نافع وكان في كتابه حدثنا الهثيم بن حميد عن زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير بن مرة عن يزيد بن الأخنس الحديث (غريبه)(7) التنافس معناه الرغبة في الشيء قال في المختار نافس في الشيء منافسة ونفاسا بالكسر إذا رغب فيه على وجه المباراه في الكرم وتنافسوا فيه أي رغبوا (8) جاءت هذه الجملة وهي قوله (أرأيتك النجدة تكون في الرجل وسقط باقي الحديث) جاءت في آخر هذا الحديث بهذا اللفظ فالله أعلم بماذا كان يقصد الرجل وبما أجابه النبي صلى الله عليه وسلم (تخريجه) هذا الحديث وجده عبد الله بن الامام احمد في مسند أبيه بخطه وهو مروي بالوجادة لا بالسماع ولا بالقراءة ولذلك رمزت له بلفظ (خط) كما ذكرت في المقدمة وسنده حسن ولم أقف عليه في غير المسند ويعضده الحديث الذي قبله (9)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا زبان عن سهل عن أبيه الخ (قلت) أبوه معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي الله عنه (غريبه)(10) أي شجر ولم يبين جنسه في هذه الرواية وقد جاء مبينا في حديث رواه (مذ حب ك) عن جابر

ص: 10

فأكمله (1) عمل بما فيه ألبس والداه (2) يوم القيامة تاجا هو أحسن من ضوء الشمس (3) في بيوت من بيوت الدنيا لو كانت فيه (4) فما ظنكم بالذي عمل به (عن تميم الداري)(5) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ بمائة آية (6) في ليلة كتب له قنوت ليلة (7)(عن السائب بن يزيد)(8) أن شريحا الحضرمي رضي الله عنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذاك رجل لا يتوسد (9) القرآن (عن أبي هريرة)(10) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويندارسونه (11) بينهم إلا نزلت

ابن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعا من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة وحسنه ابن السني وصححه الحاكم وخص النخل لكثرة منافعه وطيب ثمره وهذه النخلة لمن قالها مرة واحدة فإن قالها أكثر فله بكل مرة نخلة والحكمة في هذا الغرس والله أعلم انه يرى ثمرة عمله فيسر به ويفرح ويتمتع بهذا المنظر الجميل (1) يحتمل أن يكون معناه من حفظه كله أو المراد من قرأه كله ولو لم يحفظه وفي الحالتين عمل بما فيه من الأحكام والأوامر والنواهي البس والداه تاجا الخ (2) جاء في الأصل (ألبس والديه) بدون ذكر الفاعل فهو اما ان يكون سقط من الناسخ أو تحريف منه وجاء في الأصول الأخرى بالبناء للمفعول وهو الظاهر ولذا أثبته هنا والله اعلم (3) يعني ضوءه أحسن من ضوء الشمس كما صرح بذلك في رواية أبي داود (4) أي لو كانت الشمس فيه وإنما جوزى والداه بهذا الجزاء الحسن لأنها السبب في وجوده وإذا كان هذا جزاء المتسبب فقط فما ظنكم بالذي عمل به أي بالقرآن لابد أن يكون جزاؤه أفضل والله أعلم (تخريجه) أخرج الشق الأول منه الخاص بالذكر (مذ نس ك) وابن السني في اليوم والليلة وحسنه وصححه الحاكم وأخرج الشق الثاني منه الخاص بالقراءة (د ك) وقال الحاكم صحيح الاسناد (5)(سنده) قال عبد الله بن الامام احمد حدثني أبي أملاءا علينا من النوادر قال كتب إلي أبو توبة الربيع بن نافع قال ثنا الهيثم بن حميد عن زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير بن موسى عن كثير بن مرة عن تميم الداري الحديث (غريبه)(6) معناه من قرأ مائة آية قال الأندلسي في شرح المفصل قرأت السورة وقرأت بالسورة من باب حذف الجار وايصال الفعل ومثله وسميته محمدا وبمحمد وقيل الباء زائدة والفعل من قسم المتعدي (7) أي عبادتها والله أعلم (تخريجه)(نس) قال الحافظ العراقي اسناده صحيح (8)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا ابن مبارك عن يونس عن الزهري عن السائب بن يزيد الحديث (غريبه)(9) قال صاحب النهاية يحتمل أن يكون مدحا وذما فالمدح معناه أنه لا ينام الليل عن القرآن ولم يتهجد به فيكون القرآن متوسدا معه بل هو يداوم قراءته ويحافظ عليها والذم معناه لا يحفظ من القرآن شيئا ولايديم قراءته فإذا نام لم يتوسد معه القرآن وأراد بالتوسد النوم (ومن الأول) الحديث لا توسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته (والحديث الآخر) من قرأ ثلاث آيات في ليلة لم يكن متوسدا للقرآن (ومن الثاني) حديث أبي الدرداء قال له رجل اني أريد أن أطلب العلم وأخشى أن اضيعه فقال لأن تتوسد العلم خير لك من أن تتوسد الجهل اهـ (تخريجه)(نس طب) والبغوي وابن منده وغيرهم وصححه الحافظ في الاصابة (10) هذا طرف من حديث سيأتي بتمامه وسنده في الترغيب في اعانة المسلم وتفريج كربه من كتاب الترغيب (غريبه)(11) أي يشتركون

ص: 11

عليهم السكينة (1) وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله عز وجل فيمن عنده (2) ومن أبطأ به عمله لم يسرع (3) به نسبه (عن أنس بن مالك)(4) أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة (5) طعمها طيب وريحها طيب (6) ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب (7) ولا ريح لها ومثل الفاجر (8) الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة (9) مر طعمها وريحها طيب ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة (10) مر طعمها ولا ريح لها (11)(عن عبد الله بن بريدة عن أبيه)(12) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجيء بالقرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب (13) فيقول لصاحبه أنا الذي اسهرت ليلك (14) واظمأت هو أجرك (15)

في قراءة بعضهم على بعض وكثرة درسه ويتعهدونه خوف النسيان وأصل الدراسة التعهد وتدارس وتفاعل للمشاركة (1) فعيلة من السكون للمبالغة والمراد هنا الوقار أو الرحمة والطمأنينة (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)(2) أي من كرم الملائكة والعندية عندية شرف ومكانة لا عندية مكان لاستحالتها (3) معناه من أخره عمله السيء وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف نسبه (تخريجه)(م د وغيرهما) وفيه فضل الاجتماع على تلاوة القرآن حتى في المسجد مالم يشوش على المصلين (4)(سنده) حدثنا روح ثنا سعيد عن قتادة قال ثنا أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري الخ (غريبه)(5) بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم مفتوحة وقد تخفف (6) خص الإيمان بالطعم والقرآن بالريح لأن الإيمان الزم للمؤمن من القرآن لأمكان حصول الايمان بدون القراءة والطعم الزم للجوهر من الريح فقد يذهب ريحه ويبقى طعمه وخص الأترجة بالمثل لأن يداوى بقشرها ويستخرج من جلدها دهن ومنافع أما لحمها فلذيذ ومذاقها طيب النكهة تدبغ المعدة وتقوي الهضم وهي أفضل ثمار العرب (7) أي من حيث أنه مؤمن ذو ايمان (ولا ريح لها) أي من حيث أنه مؤمن غير تال في الحديث الذي لا يكون فيه تاليا وان كان ممن حفظ القرآن ذكره ابن العربي (8) أي المنافق كما صرح بذلك في رواية فذكر المنافق بدل الفاجر في الموضعين (9) يعني ريحها طيب لأن القرآن طيب وليس إلا أنفاس التالي والقارئ في وقت قراءته وطعمها مر لأن النفاق كفر الباطن والحلاوة هي للايمان فشبهه بالريح لكونه لم ينتفع ببركة القرآن ولم يفز بحلاوة أجر فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق ولا اتصل بالقلب (10) الحنظلة معروفة وتسمى في بعض البلاد بطيخ أبي جهل (11) أي لأنه لا إيمان عنده ولا قراءة فهو كالحنظلة مر طعمها ولا ريح لها (تخريجه)(ق طل والأربعة)(12)(سنده) حدثنا وكيع ثنا بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (يعني بريدة الأسلمي) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(13) قال الحافظ السيوطي هو المتغير اللون والجسم لعارض من العوارض كمرض او سفر أو نحوهما وكأنه يجيء على هذه الهيئة ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا الذي أتعب نفسه بالسهر في الليل يقرأ القرآن ويقوم به ويصوم في النهار أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة (14) أي بطول القيام (15) رواية الحاكم وابن ماجه (وأظمأت نهارك) أي من كثرة القراءة والصيام بالنهار

ص: 12

(عن عائشة رضي الله عنها (1) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به (2) مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه وهو عليه شاق (3) فله أجران (وعنها أيضا)(4) قالت سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ (5) آية فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت نسيتها (عن أنس بن مالك)(6) قال بينما نحن نقرأ فينا العربي والعجمي والأسود والأبيض إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنتم في خير تقرءون كتاب الله وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي على الناس زمان يثقفونه (7) كما يثقفون القدح يتعجلون (8) أجورهم ولا يتأجلونها (عن جابر ابن عبد الله)(9) قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا فيه قوم يقرءون القرآن قال اقرءوا القرآن (وفي رواية قال فاستمع فقال اقرءوا فكل حسن) وابتغوا به الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه (10) إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه (عن سهل بن معاذ عن أبيه)(11) عن

خصوصا في وقت الهاجرة وهي اشتداد الحر نصف النهار (تخريجه)(جه ك) قال البوصيري في زوائد ابن ماجه اسناده صحيح ورجاله ثقات وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) واقره الذهبي (1)(سنده) حدثنا اسماعيل قال انا هشام عن قتادة عن زرارة بن أبي أوقى عن سعد ابن هشام عن عائشة الحديث (غريبه)(2) الماهر بالقرآن هو الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه واتقانه (وقوله مع السفرة) جمع سافر ككاتب وكتبة زنة ومعنى فهم الملائكة الموصوفون بقوله الكرام البررة كما في الآية الكريمة قال ابن الملك أراد بهم الملائكة الذين يكتبون أعمال العباد ويحفظونها لأجلهم ومعنى كونه معهم أن يكون في منازلهم ورفيقا في الآخرة لاتصافه بصفتهم من جهة أنه حامل الكتاب وأمين عليه (والبررة) جمع البار بمعنى المحسن (3) أي شديد يصيبه مشقة جملة حالية (فله أجران) أي أجر لقراءته وأجر لتحمل مشقته وهذا تحريض على تحصيل القراءة (تخريجه)(ق والأربعة)(4)(سنده) حدثنا وكيع قال ثنا هشام عن أبيه عن عائشة الحديث (غريبه)(5) وفي رواية أبي داود يقرأ فرفع صوته بالقرآن (تخريجه)(د) ورجاله من رجال الصحيحين (6)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا بكر بن سوادة عن وفاء الخولاني عن أنس ابن مالك الحديث (غريبه)(7) أي يبالغون في تحسينه كما يبالغون في تحسين القدح واعتداله (والقدح) بكسر القاف وسكون المهملة هو السهم الذي يرمى به عن القوس بعد تقويمه واعتداله (8) أي يطلبون بقراءته أجرة من عرض الدنيا الزائل ولا يقرءونه لله ليوفيهم أجورهم (في الآخرة) ويزيدهم من فضله كما نطق بذلك الكتاب العزيز (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد وفي سنده ابن لهيعة فيه كلام وحسن حديثه الحافظ الهيثمي لأنه صرح بالتحديث (9)(سنده) حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء أنبأنا أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الحدي (غريبه)(10) يقيمونه الخ هو بمعنى يثقفونه المذكور في الحديث السابق وتقدم شرحه (تخريجه)(د) وسنده حسن وله شاهد من حديث أنس وهو الحديث السابق ومن حديث سهل بن سعد وتقدم في الباب السابق فارجع الى شرحه (11)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة قال ثنا يحيى بن غيلان قال حدثني رشدين بن سعد عن زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه الخ (قلت) أبوه معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي الله تبارك وتعالى عنه (غريبه)

ص: 13

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ ألف آية في سبيل الله (1) تبارك وتعالى كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين (2) والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله تعالى (باب ما جاء في الجهر بقراءة القرآن والتغني به وحسن الصوت)(عن أبي هريرة)(3) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أذن الله لشيء (4) ما أذن لنبي (5) أن يتغنى بالقرآن (6)(زاد في رواية) فيما يجهر به (عن سعد بن أبي وقاص)(7) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا (8) من لم يتغن بالقرآن (9) قال وكيع (أحد الرواة) يعني يستغني به (عن عقبة بن عامر)(10) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) معناه ابتغاء مرضاة الله تعالى لا يقصد إلا ذلك فخرج من يقرأ القرآن بأجرة أو بقصد أو بقصد الشهرة أو نحو ذلك (2) هم أفاضل اصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق (وحسن أولئك رفيقا) أي رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وان كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه زبان بن فائد وهو ضعيف (باب)(3)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة الخ (غريبه)(4) ما الأولى نافية والثانية مصدرية أي ما استمع لشيء كاستماعه لنبي وفي شراح البخاري أذن يأذن كعلم يعلم مشترك بين الاطلاق والاستماع فإن أردت الاطلاق فالمصدر اذن بكسر وسكون فإن أردت الاستماع فالمصدر اذن بفتحتين والمراد بالاستماع هنا اجزال مثوبة القارئ لتنزهه تعالى عن السمع بالحاسة (5) أي لصوت نبي من الأنبياء (قال المناوي) يعني ما رضى الله من المسموعات شيئا هو أرضى عنده ولا أحب إليه من قول نبي يتغنى بالقرآن أي يجهر به ويحسن صوته بالقراءة بخشوع وترقيق وتحزن وأراد بالقرآن ما يقره من الكتب المنزلة من كلامه (6) قال النووي معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون يحسن صوته به وعند سفيان ابن عتيبة يستغنى به قيل يستغنى به عن الناس وقيل عن غيره من الأحاديث والكتب قال القاضي عياض القولان منقولان عن ابن عيينة قال يقال تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت (وقال الشافعي) وموافقوه معناه تحزين القراءة وترقيقها واستدلوا بالحديث الآخر (زينوا القرآن بأصواتكم)(قلت) سيأتي من حديث البراء آخر الباب قال الهروي معنى يتغنى به يجهر به وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال يستغني به وخطأه من حديث اللغة والمعنى والخلاف جار في الحديث الآخر (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)(قلت سيأتي بعد هذا) قال والصحيح أنه في تحسين الصوت ويؤيده الرواية الأخرى فيتغنى بالقرآن يجهر به (قلت وهي الرواية الثانية من حديث الباب) والله أعلم (تخريجه)(ق د نس)(7)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا سعيد بن حسان المخزومي عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص الخ (غريبه)(8) أي ليس على طريقتنا (9) أي يجهر به ويحسن صوته بالقراءة بخشوع وترقيق كما مر في الحديث السابق وهذا هو القول الراجح وفسره وكيع بقوله يستغنى به وهو كقول سفيان بن عيينة وقد علمت ما فيه من شرح الحديث السابق والله أعلم (تخريجه)(د جه حب ك) وسنده صحيح (10)(سنده) حدثنا حماد بن خالد ثنا معاوية بن صالح عن مجير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عقبة بن عامر الخ (قلت) وفي آخر الحديث قال أبو عبد الرحمن

ص: 14

الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة (1)(وعنه أيضا)(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو البجادين إنه أواه (3) وذلك أنه كان رجلا كثير الذكر لله عز وجل في القرآن (4) ويرفع صوته في الدعاء (عن فضالة بن عبيد)(5) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لله (6) أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن (7) من صاحب القينة (8) إلى قينته (عن أبي هريرة)(9) قال دخل رسول الله المسجد فسمع قراءة رجل فقال من هذا؟ قيل عبد الله بن قيس (10) فقال لقد أوتي هذا من مزامير آل داود (11)(عن عبد الله بن بريدة عن أبيه)(12) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان عبد الله بن قيس الأشعري اعطى مزمارا من مزامير آل داود (عن البراء)(13) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم زينوا القرآن بأصواتكم (14)

(يعني عبد الله بن الامام احمد) قال أبي كان حماد بن خالد حافظا وكان يحدثنا وكان يحفظ كتبت عنه أنا ويحيى بن معين اهـ (غريبه)(1) شبه القرآن جهرا وسرا بالصدقة جهرا وسرا ووجه الشبه أن الاسرار أبعد من الرياء فهو أفضل لخائفه فإنه لم يخفه فالجهر لمن لم يؤذ غيره كمصل أو نائم أفضل (تخريجه)(د نس مذ ك) وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي (2)(سنده) حدثنا موسى ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر ان النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(3) الآواه المتأوه المتضرع وقيل هو الكثير البكاء وقيل الكثير الدعاء (4) معناه أنه كان يكثر من تلاوة القرآن بخضوع وخشوع (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وفي اسناده ابن لهيعة فيه مقال لكونه عنعن وبقية رجاله ثقات (5)(سنده) حدثنا اسحاق بن ابراهيم الطالقاني ثنا الوليد بن مسلم عن الأزواعي عن اسماعيل بن عبيد الله عن فضالة بن عبيد الخ (غريبه)(6) بفتح اللام مبتدأ خبره أشد (وأذنا) بفتحتين بمعنى استماعا ولما كان الاستماع على الله عز وجل محالا لأن شأن من يتخلف سماعه بكثرة التوجه وقلته وسماعه تعالى لا يتخلف قالوا هو كناية عن تقريب القارئ واجزال ثوابه (7) زاد في رواية ابن ماجه (يجهر به) وجملة يجهر به حال مما يفهم كأنه قيل يقرأ يجهر به ويحتمل أنها نعت بناء على أن الرجل في معنى النكرة إذا لم تقصد به إلى أحد بعينه (8) القينة بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحت بعدها نون هي الجارية المغنية (تخريجه)(جه) قال البوصيري في زوائد ابن ماجه اسناده حسن (9)(سنده) حدثنا يزيد (يعني ابن هارون) حدثنا محمد (يعني ابن عمرو) عن أبي سلمة عن أبي هريرة الخ (غريبه)(10) هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه (11) مزامير جمع مزمار بكسر الميم وهو آلة اللهو ويطلق على الصوت الحسن وهو المراد هنا وأصل الزمر الغناء وآل داود هنا هو داود نفسه وآل فلان قد يطلق على نفسه والمعنى أن عبد الله بن قيس أعطى صوتا حسنا في قراءة القرآن من أنواع الأصوات والنغمات الحسنة التي كانت لداود عليه السلام في قراءة الزبور وكان اليه المنتهى في حسن الصوت بالقراءة (تخريجه)(جه) في الصلاة وسنده صحيح ورجاله ثقات (12)(سنده) حدثنا مالك (يعني ابن مغول) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (يعني أبا بريدة الأسلمي) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(ق وغيرهما)(13)(سنده) حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن الأعمش عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء (يعني ابن عازب) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(14) معناه على

ص: 15

(باب ما جاء في ترتيل القراءة وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم (عن مسلم بن مخراق عن عائشة)(1) قال ذكر لها أن ناسا يقرؤن القرآن في الليلة مرة أو مرتين فقالت أولئك قرؤا ولم يقرؤا (2) كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام (3)(وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليلة التمام) فكان يقرء سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ ولا يمر

هذا التركيب (زينوا القرآن بأصواتكم) أي بتحسين أصواتكم عند القراءة فإن الكلام الحسن يزيد حسنا وزينة بالصوت الحسن وهذا مشاهد وقد روى الدارمي عن البراء بن عازب أيضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) ولما رأى بعضهم أن القرآن أعظم وأجل من أن يحسن بالصوت بل الصوت أحق أن يحسن بالقرآن قال معناه زينوا أصواتكم بالقرآن (قال الخطابي) هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا عرضت الناقة على الحوض أي عرضت الحوض على الناقة وكقولهم إذا طلعت الشعري واستولى العود على الحرباء أي استوى الحرباء على العود ثم روى باسناده عن شعبة قال نهاني أيوب أن أحدث (زينوا القرآن بأصواتكم) قال ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الأصوات على القرآن وهو الصحيح أخبرناه محمد بن هاشم حدثنا الدبري عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن عن عوسجة عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زينوا أصواتكم بالقرآن والمعنى اشغلوا أصواتكم بالقرآن والهجوا به واتخذوه شعارة وزينة اهـ (تخريجه)(د نس جه) وسكت عنه أبو داود والمنذري فهو صالح للاحتجاج به (قال النووي) قال القاضي اجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها قال أبو عبيد والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التخزين والتشويق قال واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وإقبال النفوس على استماعه (قلت) قال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وإدغام مالا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم اهـ (قلت) والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث وقد أخرج ذلك عنه أبو داود باسناد صحيح ومن جملة تحسينه أن تراعي فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك وان خرج عنها أثر ذلك في حسنه وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها مالم يخرج عن شرط الاداء المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام لأن الغالب من راعي الأنغام أن لا يراعي الأداء فإن وجد من يراعيهما معا فلا شك في أنه أرجح من غيره لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا قتيبة بن سعيد قال ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن زياد بن نعيم عن مسلم بن مخراق عن عائشة الخ (غريبه)(2) معناه أنهم قرءوا القرآن بلسانهم ولم تفقهه قلوبهم ولم تتأثر بما فيه (3) قال في النهاية هي ليلة أربع عشرة من الشهر لأن

ص: 16

بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل ورغب إليه (1)(عن ابن أبي مليكة)(2) أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعلمها إلا حفصة رضي الله عنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنكم لا تطيقونها قالت الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم تعني الترتيل (عن قتادة)(3) قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان يمد بها صوته مدا وفي لفظ كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا يمد بها مدا (حدثنا وكيع ثنا شعبة)(4) عن معاوية بن قرة قال سمعت عبد الله بن مغفل يقول قرأ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيرة سورة الفتح على راحلته وقال مرة نزلت سورة الفتح وهو في مسير له فجعل يقرأ وهو على راحلته قال فرجع فيها (5) قال فقال معاوية (يعني ابن قرة) لولا أن أكره أن يجتمع الناس علي لحكيث لكم قراءته (6)(حدثنا شبابة)(7) وأبو طالب بن جابان القارئ قال ثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن عبد الله ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث (8) قال ابن جابان في حديثه آء آء (9)(حدثنا ابن ادريس)(10) قال سمعت شعبة يذكر عن أبي إياس معاوية بن قرة المزني عن عبد الله بن مغفل قال سمعته يقرأ يعني النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فلولا أن يجتمع الناس علي لحكيث لكم قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

القمر يتم فيها نوره وتفتح تاؤه وتكسر وقيل ليل التمام بالكسر أطول ليلة في السنة (1) أي بكثرة الدعاء طمعا فيما عند الله عز وجل من الثواب العظيم (تخريجه)(هق) وفي اسناده ابن لهيعة فيه كلام إذا عنعن وله شاهد يعضده عند (م حم نس) من حديث حذيفه وسيأتي بعد ثلاث أبواب وفيه أن كثرة الثواب لا بكثرة القراءة بل بتدبر المعنى والخشوع في القراءة وان لم يكثر منها والله أعلم (2)(عن ابن مليكة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب جامع صفة القراءة من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 237 رقم 598 (3)(عن قتادة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب المشار إليه آنفا في الجزء الثالث صحيفة 236 رقم 596 وهو حديث صحيح أخرجه (خ هق والأربعة)(4)(حدثنا وكيع الخ)(غريبه)(5) بتشديد الجيم أي ردد الصوت في الحلق والجهر بالقول مكررا بعد اخفائه (6) قال ابن بطال في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذة للقلوب بحسن الصوت وقول معاوية لولا أن اكره أن يجتمع الناس (أي كما في رواية البخاري) يشير إلى أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الاصغاء وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المهيمة (7) جاء هذا الحديث في المسند متصلا بالحديث السابق فهو جزء منه (8) يعني مثل الحديث السابق (9) جاء عند البخاري في التوحيد (قال آء آء آء ثلاث مرات) بهمزة مفتوحة بعدها الف فهمزة أخرى (قال ابن بطال) وفي قوله آء بمد الهمزة والسكون دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعي في قراءته المد والوقف اهـ (قلت) وفيه أيضا دلالة على جواز قراءة القرآن راكبا في السفر قال الحافظ ابن كثير في تفسيره وهذا أيضا له تعلق بالقرآن وتلاوته سفرا وحضرا ولا يكره ذلك عند أكثر العلماء إذا لم يتله القارى في الطريق وقد نقله ابن أبي داود عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ في الطريق وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن في ذلك والله أعلم (تخريجه)(ق والثلاثة)(10)(حدثنا ابن إدريس الخ)(قلت) ابن ادريس اسمه عبد الله قال في التقريب عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي بسكون الواو أبو محمد الكوفي ثقة فقيه

ص: 17

قرأ سورة الفتح (1) قال (يعني معاوية بن قرة) لولا أن يجتمع الناس علي لحكيت لكم ما قال عبد الله يعني ابن مغفل كيف قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بهز وغندر قال فرجع فيها (2)(عن أبي سعيد الخدري)(3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردد آية حتى أصبح (4)(باب الاقتصاد في القراءة خوف الملل وفي كم يقرأ القرآن)(عن عبد الله عمرو)(5) قال جمعت القرآن (6) فقرأت به في كل ليلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أخشى أن يطول عليك زمان أن تمل (7) اقرأه في كل شهر قلت يا رسول الله دعني استمتع من قوتي وشبابي قال اقرأه في كل عشرين قلت يا رسول الله دعني استمتع من قوتي وشبابي قال اقرأه في عشر قلت يا رسول الله دعني استمتع من قوتي وشبابي قال اقرأه في كل سبع قلت يا رسول الله دعني استمتع من قوتي وشبابي فأبى (8)

عابد من الثامنة مات سنة اثنتين وتسعين له بضع وسبعون سنة (غريبه)(1) زاد مسلم من طريق شعبة أيضا (قال فقرأ ابن مغفل ورجع فقال معاوية لولا الناس لأخذت لكم بذلك الذي ذكره ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم وظاهره أن معاوية لم يحك قراءة ابن مغفل لكن جاء عند البخاري في التوحيد (قال ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل وقال لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل) قال الحافظ وظاهره أنه لم يرجع وهو المعتمد ويحمل قوله ثم قرأ معاوية الخ على أنه حكى القراءة دون الترجيع اهـ (2) يحتمل أن يكون المراد بقوله (فرجع فيها) يعني عبد الله بن مغفل ويحتمل أن يكون المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أما ترجيع ابن مغفل فثابت في رواية مسلم وأما ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم فثابت عند الشيخين والامام احمد كما في الحديث السابق والله أعلم (تخريجه)(ق طل والثلاثة) مختصرا ومطولا اهـ (3)(سنده) حدثنا زيد بن الحباب أخبرني اسماعيل بن مسلم التاجي عن ابي نضرة عن ابي سعيد الخ (غريبه)(4) لم يصرح بالآية في هذا الحديث وجاء التصريح بها عند الحاكم والامام احمد وسيأتي في تفسير آخر سورة المائدة من حديث أبي ذر وهي قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)(تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام من حديث أبي سعيد وأخرجه الحاكم والامام احمد أيضا من حديث أبي ذر وصححه الحاكم وأقره الذهبي (باب)(5)(سنده) حدثنا يحيى عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن يحيى بن حكيم بن صفوان عن عبد الله بن عمرو بن العاص الخ (غريبه)(6) أي حفظه كله عن ظهر قلب (7) أي عند الكبر وضعف القوة (8) معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصرح له بقراءة القرآن في أقل من سبع ويؤيده ذلك قوله في الرواية الأخرى (فاقرأه في كل سبع ولا تزيدن)(قال الحافظ) أي لا يغير الحال المذكور إلى حالة أخرى فاطلق الزيادة والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلي أي لا يقرؤه في أقل من سبع (قلت) لكن جاء في مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله في كم أختم القرآ،؟ قال اختمه في شهر فذكر الحديث الى أن قال اختمه في خمس قلت اني اطيق قال لا ويستفاد منه التصريح بختمه في الخمس وقد جمع الحافظ بين روايتي السبع والخمس فقال لا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك تأكيدا ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب وعرف ذلك من قرائن الحال التي ارشد اليها السياق وهو النظر إلى عجزه

ص: 18

(زاد في رواية) فاقرأه في كل سبع لا تزيدن (وعنه من طريق ثان)(1) قال قلت يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال اقرأه في كل شهر قال قلت اني أقوى أكثر من ذلك قال اقرأه في خمس وعشرين قلت اني اقوى على أكثر من ذلك قال اقرأه في عشرين قال قلت اني اقوى على أكثر من ذلك قال اقرأه في خمس عشرة قال قلت اني اقوى على أكثر من ذلك قال اقرأه في سبع قال قلت اني اقوى على اكثر من ذلك قال لا يفقهه من يقرؤه في أقل ثلاث (2)(وعنه أيضا)(3) أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن له فقال يا رسول الله ان ابني هذا المصحف بالنهار (4) ويبيت بالليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تنقم أن ابنك يظل ذاكرا ويبيت سالما (عن جندب) بن سفيان البجلي رضي الله عنه (5) قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اقرؤا القرآن (6) ما ائتلفت عليه قلوبكم فإن اختلفتم (7) فقوموا

عن سوى ذلك في الحال أو في المآل (1)(سنده) حدثنا يزيد أنا همام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله ابن الشخير عن عبد الله بن عمرو قال قلت يارسول الله الخ (2) ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث) جواز قراءته في ثلاث وهو كذلك فقد وقع في رواية هشيم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو (اقرأه في كل ثلاث) وله شاهد عند سعيد بن منصور في سننه قال الحافظ باسناد صحيح من وجه آخر عن (عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث) قال الحافظ (وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد واسحق بن راهوية وغيرهم وثبت عن كثير من السلف أنهم قرءوا القرآن في دون ذلك وأغرب بعض الظاهرية فقال يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث اهـ ويستفاد من ذلك ان النهي ليس للتحريم كما أن الأمر في جميع مامر في الحديث ليس للوجوب كما قال الحافظ (قال النووي) والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر واستخراج المعاني وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة والله أعلم (تخريجه)(ق طل والثلاثة وغيرهم)(3)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رجلا الخ (غريبه)(4) ظاهره أنه كان يختم القرآن في يوم وينام بالليل فأنكر عليه والده فعله وشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أما تنقم الخ) ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم ينبه الرجل بعدم الانكار على ابنه لأنه لم يفعل إلا ما يوجب الثناء عليه وفيه جواز ختم القرآن في يوم لمن لم يخل بالقراءة والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وسنده حسن لأن ابن لهيعة صرح بالتحديث (5)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سلام بن أبي مطيع عن أبي عمران الجوني عن جندب الخ (قلت) قال الحافظ في التقريب جندب ابن عبد الله بن سفيان البجلي ثم العلقي بفتحتين ثم قاف أبو عبد الله وربما نسب إلى جده له صحبة ومات بعد الستين (غريبه)(6) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي دامت قلوبكم تألفت القراءة بنشاط وتدبر (7) أي مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم يذهب التدبر والخشوع

ص: 19

(باب نزول السكينة (1) والملائكة عند قراءة القرآن)

(عن البراء بن عازب)(2) قال قرأ رجل الكهف (3) وفي الدار دابة (4) فجعلت تنفر (5) فنظر فإذا ضبابة أو سحابة (6) قد غشيته قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ فلان فإنها السكينة (7) تنزلت عند القرآن أو تنزلت للقرآن (عن أبي سعيد الخدري)(8) أن أسيد بن حضير رضي الله عنه بينما هو ليلة يقرأ في مربده (9) إذ جالت فرسه فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ثم جالت أيضا فقال أسيد فخشيت أن تطأ يحيى يعني ابنه (10) فقمت إليه فإذا مثله الظلة (11) فوق رأسي فيها أمثال أمثال السرج (12) عرجت في الجو حتى ما أراها (13) فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنه بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير (14) قال فقرأت ثم جالت أيضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير

(فقوموا) أي اتركوا القراءة إلى وقت تقرءون فيه بنشاط وتدبر جاء في الأصل بعد قوله فقوموا (قال) عبد الرحمن (يعني ابن مهدي شيخ الامام احمد) لم يرفعه حماد بن زيد (يعني في رواية أخرى) أما هذه فهي مرفوعة صحيحة (تخريجه)(ق ن) ورواه (م) والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ (باب)(1) قال النووي قيل في معنى السكينة هنا أشياء المختار منها انها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة والله أعلم اهـ وقال الراغب الاصفهاني قيل هو ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه كما روى أن عليا قال ان السكينة تنطق على لسان عمران اهـ وقيل هي ما يحصل به السكون وصفاء القلب (2)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي اسحاق قال سمعت البراء يقول قرأ رجل الكهف الخ (غريبه)(3) قال الحافظ في قوله (قرأ رجل الكهف) قيل هو أسيد بن حضير (يعني المذكور في الحديث التالي) لكن فيه أنه كان يقرأ سورة البقرة وفي هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره التعدد (4) لم يصرح بنوع تلك الدابة وجاء عند البخاري بلفظ (وإلى جانبه حصان) بكسر أوله (5) بكسر الفاء من باب ضرب أي تثب وتركض (6) أو للشك من الراوي والمعنى واحد (وقوله قد غشيته) أي أحاطت به (7) قال القارى أي السكون والطمأنينة التي يطمئن اليها القلب ويسكن بها عن الرعب (تخريجه)(ق مذ طل)(8)(سنده) حدثنا يعقوب قال سمعت أبي عن زيد بن الهاد أن عبد الله بن خباب حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أن أسيد بن حضير الخ (غريبه)(9) المربد بوزن منبر هو الموضع الذي ييبس فيه التمر كالبيدر للحنطة ونحوها (وقوله جالت فرسه) جاء عند البخاري (وفرسه مربوط) والفرس يطلق على الذكر والأنثى يعني جالت أي وثبت واضطربت (10) أي وكان قريبا من الفرس كما يوضحه لفظ البخاري (وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه) أي خفت أن تدرس الفرس ولدي يحيى وكان به يكنى (11) هي ما يقي من الشمس كسحاب أو سقف بيت (12) بضمتين جمع سراج ولفظ البخاري (أمثال المصابيح) أي أجسام لطيفة نورانية (13) أي صعدت في الجو حتى غابت عن ناظري (14) هذا ليس أمرا بالقراءة حال التحديث بل المعنى كان ينبغي لك أن تستمر على قراءتك وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة (وقوله فقرأت) يحكي

ص: 20

فقرأت ثم جالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ بن حضير قال فانصرفت وكان يحيى قريبا منها فخشيت أن تطأه فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الملائكة كانت تسمع لك (1) ولو قرأت لأصبحت يراها الناس لاتستتر منهم (2)(باب فضل القراءة على قراءة عبد الله بن مسعود وذكر من حفظ القرآن كله من الصحابة)(عن عبد الله)(3) أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بشراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سره أن يقرأ القرآن غضا (4) كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد (5)(عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (6) عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (7) قال غضا أو رطبا (8)(عن أبي هريرة)(9) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يقرأ القرآن غريضا (10) كذا قال كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد

ما حصل وكذا يقال في كل مرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير وقوله في المرة الثالثة (قال فانصرفت) يعني عن القراءة لأنه خشى على ابنه أن تطأ الفرس (1) جاء عند البخاري بلفظ (تلك الملائكة دنت لصوتك) وكان أسيد حسن الصوت وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الاسماعيلي (اقرأ أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود) ففيه اشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته (2) يشير بذلك إلى أن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم حتى يراهم الناس لو استمريت في قرائتك (تخريجه)(ق نس) قال النووي وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة (قلت يعني الصالحين منهم) وفيه فضيلة القراءة وانها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة يعني اذا كانت بتدبر وخشوع وفيه فضيلة استماع القرآن اهـ (قلت) وفيه منقبة عظيمة لأسيد بن حضير رضي الله عنه (باب)(3)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر يعني ابن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله (يعني ابن مسعود) ان ابا بكر وعمر الخ (غريبه)(4) الغض الطرى الذي لم يتغير أراد طريقه في القراءة وهيأته فيها وقيل بالآيات التي سمعها منه من أول سورة النساء إلى قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)(نه)(5) ابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود الصحابي كان من السابقين في الاسلام رضي الله عنه (تخريجه)(بز طب عل حب ك) وصححه الحاكم واقره الذهبي وهو من مسند أبي بكر رضي الله عنه (6)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر ويزيد بن عبد العزيز عن الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب الخ (غريبه)(7) هكذا في الأصل وليس من اختصاري (8) أو للشك من الراوي ومعنى رطبا أو لينا لاشدة في صوت قارئه (نه)(تخريجه)(مذ نس خز) وسنده صحيح وهو من مسند عمر ولكنه جاء في الأصل في مسند أبي بكر استطرادا لأنه في معنى الذي قبله (9)(سنده) حدثنا وكيع عن جرير بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة الخ (غريبه)(10) اي طريا وانما قال الراوي (كذا قال) لأن لفظ غريضا يخالف المشهور وهو غضا (قال في النهاية) وفي حديث الغيبة فقاءت لحما غريضا أي طريا ومنه حديث عمر فيؤتي بالخبز لينا وباللحم غريضا اهـ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد من حديث أبي هريرة وفي اسناده جرير بن أيوب ضعيف وفيه كلام كثير وحديثه

ص: 21

(عن مسروق)(1) قال كنت جالسا عند عبد الله بن عمرو (بن العاص) فذكر عبد الله بن مسعود فقال إن ذاك لرجل لا أزال أحبه أبدا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خذوا القرآن عن أربعة (2) عن ابن أم عبد فبدأ به وعن معاذ وعن سالم مولى أبي حذيفة قال يعلي (أحد الرواة) ونسيت الرابع (3)(عن عبد الله بن عمرو)(4) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب (5)(عن أنس)(6) قال جمع القرآن (7) على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة نفر كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد (8)(باب ما يستحب أن يقوله القارئ عند ذكر آية عذاب أو رحمة وعند ختم بعض السور)(عن حذيفة بن اليمان)(9) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا

لا يحتج به ويغنى عنه ما تقدمه من أحاديث الباب والله أعلم بالصواب (1)(سنده) حدثنا يعلي ثنا الأعمش عن أبي وائل عن مسروق الخ (غريبه)(2) أي تعلموه منهم واقتدوا بهم في قرائته (عن ابن أم عبد) يعني عبد الله بن مسعود (فبدأ به) يشير بذلك إلى أنه أفضلهم في ذلك (وعن معاذ) يعني ابن جبل (3) هو أبي بن كعب كما صرح بذلك في الحديث التالي (تخريجه)(ق مذ وغيرهم)(4)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل يحدث عن مسروق عن عبد الله بن عمرو (يعني ابن العاص) عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(5) ليس هذا آخر الحديث وبقيته قال وقال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان من أحبكم إلي أحسنكم خلقا (تخريجه)(ق وغيرهما)(6)(سنده) حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن أنس (يعني ابن مالك) الخ (غريبه)(7) أي حفظه كله وفي رواية للبخاري بلفظ مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة فذكره (8) زاد في رواية للبخاري قيل لأنس من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي وله في أخرى يعني انسا (ونحن ورثناه) بكسر الراء مخففة يعني أن أنسا وأقاربه ورثوا أبا زيد لأنه مات ولم يترك عقبا وه أحد عمومة أنس كما في المناقب (قال المازري) لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الاحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقى كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البعد عن العادة اهـ وقال بعض العلماء معنى قول أنس (لم يجمع القرآن غير أربعة) أي لم يجمعه على جميع وجوهه وقراءته أو لم يجمعه كله تلقيا من في النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة أو لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ أو مع احكامه والتفقه فيه أو كتابته وحفظه والله أعلم (تخريجه)(خ مذ)(باب)(9)(سنده) حدثنا ابو معاوية ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن مستورد بن أحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة قال فافتتح البقرة فقرأ حتى بلغ رأس المائة فقلت يركع ثم مضى حتى بلغ المائتين فقلت يركع ثم مضى حتى ختمها قال فقلت يركع قال ثم افتتح سورة آل عمران حتى ختمها فقلت يركع قال ثم افتتح سورة النساء فقرأها قال ثم ركع قال فقال

ص: 22

مر بآية رحمة سأل (1) واذا مر بآية فيها عذاب تعوذ (2) واذا مر بآية فيها تنزيه لله عز وجل سبح (3)(حدثنا سفيان)(4) عن اسماعيل بن أمية سمعه من شيخ فقال مرة سمعته من رجل من أهل البادية اعرابي سمعت ابا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ المرسلات عرفا فليقل (5) فبأي حديث بعده يؤمنون (6) ومن قرأ التين والزيتون فليقل وانا على ذلك من الشاهدين (7) ومن قرأ أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى فليقل بلى قال اسماعيل (8) فذهبت انظر هل حفظ وكان اعرابيا فقال يا ابن اخي أظننت أني لم أحفظه؟ لقد حججت ستين حجة مامنها سنة إلا أعرف البعير الذي حجيت عليه (9)(باب ما جاء في فضل استماع القرآن والبكاء عند ذلك)(عن أبي حيان الأشجعي)(10) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال لي اقرأ علي من القرآن قال فقلت له اليس منك تعلمته وأنت تقرئنا؟ فقال اني اتيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال اقرأ علي القرآن قال فقلت يارسول الله اليس عليك أنزل ومنك تعلمناه قال بلى ولكني أحب

في ركوعه سبحان ربي العظيم قال وكان ركوعه بمنزلة قيامه ثم سجد فكان سجوده مثل ركوعه وقال في سجوده سبحان ربي الأعلى قال وكان إذا مر بآية رحمة الخ (غريبه)(1) أي سأل الله الرحمة والجنة (2) أي تعوذ بالله من النار وعذابها وإن كان كان قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن ليقتدى به غيره (3) أي قال سبحان ربي الأعلى كما في بعض الروايات قال الحليمي فينبغي للمؤمنين سواه أن يكونوا كذلك بل هم أولى به منه اذا كان الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهم من أمرهم على خطر (تخريجه)(م والأربعة) وتقدم في باب ما جاء في ترتيل القراءة والمد الخ قبل ثلاثة أبواب من حديث عائشة رضي الله عنها قالت فكان (تعني النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخوف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل ورغب اليه (4)(حدثنا سفيان الخ)(غريبه)(5) هكذا بالأصل (فليقل) وهو خطأ من الناسخ وصوابه (فبلغ) فبأي حديث بعده يؤمنون (6) لم يذكر الجواب في الأصل والظاهر أنه سقط من الناسخ وهو (فليقل آمنا بالله) فقد جاء هذا الحديث نفسه عند أبي داود وفيه (ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا بالله)(7) أي وأنا من الذي يشهدون من أنبيائك وأوليائك بأنك أحكم الحاكمين أي انتظم في سلك من له مشافهة في الشهادة بذلك (قال الحافظ) هذا أبلغ من أنا شاهد ومن ثم قالوا في (وكانت من القانتين) وفي (انه في الآخرة لمن الصالحين) أبلغ من وكانت قانتة ومن أنه في الآخرة صالح لأن من دخل في عداد الكامل وساهم معهم الفضائل ليس كمن انفرد منهم اهـ (8) يعني ابن أمية أحد رجال السند فذهبت انظر هل حفظ يعني هل هذا الأعرابي جيد الحفظ يريد اختباره (9)(تخريجه) أخرجه أبو داود مطولا كرواية الامام احمد واخرجه الترمذي مقتصرا على ما يختص بسورة التين وقال هذا حديث انما يروى بهذا الاسناد عن هذا الاعرابي عن ابي هريرة ولا يسمى اهـ يعني انه حديث ضعيف لجهالة الأعرابي وهو إن صح يدل على أن من قرأ هذه الآيات يستحب له أن يقول هذه الكلمات تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم (باب)(10)(سنده) حدثنا هشيم أنبأنا حصين عن هلال بن يساف عن أبي حيان الأشجعي الخ

ص: 23

أسمعه من غيري (عن عبد الله)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ علي القرآن قلت يا رسول الله كيف أقرأ عليك وانما أنزل عليك؟ قال اني اشتهي ان اسمعه من غيري (2) قال فاستفتحت سورة النساء فقرأت عليه فلما بلغت (فكيف (3) إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال (4) نظرت اليه وعيناه تذرفان (5)(عن ابي هريرة)(6) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى (7) كتب له حسنة مضاعفة (8) ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة (9)(باب الحث على تعاهد القرآن واستذكاره والنهي عن أن يقول نسيت آية كذا وكذا)(عن عبد الله)(10) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بئس مالأحدكم (11) أو بئسا لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت (12) بل هو نسى (13) استذكروا القرآن فوالذي نفسي بيده

(تخريجه)(ق والثلاثة)(1)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن ابراهيم عن عبيدة عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) قال ابن بطال يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة أو ليتدبره ويتفهمه وذلك أن المستمع أقوى من التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته صلى الله عليه وسلم على أبي ابن كعب فإنه أراد أن يعلمه كيف أداء القراءة ومخارج الحروف (3) أي فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم (إذا جئنا من كل أمة بشهيد) يشهد عليهم مما فعلوه وهو نبيهم (وجئنا بك) يا محمد (على هؤلاء) أي أمتك (شهيدا) حال أي شاهد على من آمن بالايمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق (4) يعني عبد الله بن مسعود نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعند البخاري (فالتفت اليه) فإذا عيناه تذرفان (5) بسكون الذال المعجمة وكسر الراء أي سال دمعها لفرط رأفته ومزيد شفقته (تخريجه)(ق وغيرهما) قال النووي وفي حديث ابن مسعود فوائد (منها) استحباب استماع القراءة والاصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه (وفيه) تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم والله أعلم (6)(سنده) حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عباد بن ميسرة عن الحسن البصري عن أبي هريرة الخ (غريبه)(7) أي اصغى الى قراءة آية من كتاب الله وافرغ سمعه إلى ذلك بتدبر وخشوع عند السماع (8) من المعلوم ان الحسنة بعشر أمثالها فقوله مضاعفة يشير إلى الزيادة على ذلك حسب نية السامع وخشوعه عند السماع وتدبر المعاني (9) فيه اشارة إلى أن الجهر بالقراءة أفضل لأن النفع المتعدي افضل من اللازم ومحله ان لم يخف نحو رياء كما يستفاد من احاديث اخرى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد قال الحافظ العراقي وفيه ضعف وانقطاع وقال تلميذه الحافظ الهيثمي فيه عباد بن ميسرة ضعفه احمد وغيره ووثقه أي معين مرة وضعفه أخرى (باب)(10)(سنده) حدثنا سليمان بن داود حدثنا شعبة عن منصور قال سمعت ابا وائل يحدث عن عبد الله (يعني ابن مسعود) عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(11) بئس كلمة ذم وما نكرة موصوفه (لأحدكم أو بئس ما لأحدهم) أو للشك من الراوي (أن يقول الخ) هو المخصوص بالذم (12) أي كذا وكذا وهي كلمة يعبر بها عن الحديث الطويل ومثلها ذيت وذيت قال ثعلب كيت للأفعال وذيت للأسماء (13) بضم النون وتشديد السين المهملة مكسورة

ص: 24

لهو أشد تفصيا (1) من صدور الرجال من النعم (2) من عقلها (وعنه من طريق ثان)(3) قال تعاهدوا هذه المصاحف وربما قال القرآن (4) فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقله قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم اني نسيت آية كيت وكيت بل هو نسيى (عن أبي موسى الأشعري)(5) عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (عن ابن عمر)(6) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل صاحب القرآن (7) مثل صاحب الإبل المعقلة (8) إن عقلها صاحبها حبسها وان اطلقها ذهبت (وعنه من طريق ثان)(9) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه (10) فقرأه بالليل والنهار كمثل رجل له إبل فإن عقلها حفظها وان اطلق عقلها ذهبت فكذلك صاحب القرآن

في جميع الروايات في البخاري وأكثر الروايات في غيره وفي بعض روايات مسلم مخففا ومعنى المشدد ان النسيان ليس من فعل الناس بل من فعل الله عز وجل يحدثه عند إهمال تكريره ومراعاته عقوبة له وأما المخفف فمعناه أن الرجل تركه غير ملتفت اليه فهو كقوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) اي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة (والسين في قوله استذكروا) للمبالغة أي اطلبوا من أنفسكم مذاكرته والمحافظة على قراءته (1) بفتح الفاء وكسر الصاد المشددة وتخفيف التحتية منصوب على التمييز قال أهل اللغة التفصي الانفصال وفي حديث عقبة بن عامر (أشد تفلتا) وتقدم في باب الحث على تعلم القرآن وتسليمه (2) بفتح النون أصلها الإبل والبقر والغنم والمراد هنا الابل خاصة لأنها التي تعقل (بضم التاء)(وقوله من عقلها) جمع عقال ككتاب وكتب يقال عقلت البعير اعقله عقلا وهو أن تثني وظيفه مع ذراعه فتشدهما جميعا في وسط الذراع وذلك الحبل هو العقال وخص ضرب المثل بالابل لأنها اذا انفلتت لا تكاد تلحق (3)(سنده) حدثنا أبو معاوية ثنا الاعمش عن شقيق عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال تعاهدوا الخ (4) ظاهره ان هذه الجملة موقوفة على ابن مسعود ولكن رواه البخاري ومسلم من طريق جرير عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود بنحوه مرفوعا كله (تخريجه)(ق مذ نس طل)(5)(سنده) حدثنا أبو احمد ثنا بريد بن عبد الله ثنا أبو ردة عن أبي موسى قال تعاهدوا هذا القرآن والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من أحدكم من الابل من عقله قال أبو احمد قلت لبريد هذه الأحاديث التي حدثتني عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال هي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا أقول لك (تخريجه)(م نس) مرفوعا عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (6)(سنده) حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر الخ (غريبه)(7) قال القاضي عياض معنى صاحب القرآن اي الذي ألفه والمصاحبة المؤالفة ومنه فلان صاحب فلان وأصحاب الجنة وأصحاب النار وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وأصحاب الصنعة وأصحاب إبل وغنم وصاحب كنز وصاحب عبادة اهـ (8) بضم الميم وفتح العين وشد القاف أي المشدودة بعقال أي بحبل (9)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (10) اي احتفظ به ولازم تلاوته (تخريجه)(ق نس وغيرهم)(هذا) ويستفاد من أحاديث الباب الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده لئلا يعرضه حافظه للنسيان فإن ذلك خطأ كبير وذنب عظيم كما يستفاد من أحاديث الباب التالي نسأل الله العافية قال اسحاق بن راهوية وغيره يكره للرجل أن يمر عليه

ص: 25

(باب ما جاء في الوعيد الشديد لمن نسى القرآن أو بعضه بعد حفظه أو تراآى بقراءته أو تأكل به أو لم يعمل بما فيه)(عن عيسى بن فائد)(1) عن رجل عن سعد بن عبادة قال سمعته غير مرة ولا مرتين يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أمير عشرة إلا يؤتي به يوم القيامة مغلولا (2) لا يفكه من ذلك الغل (3) إلا العدل وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلأا لفى الله يوم يلقاه وهو أجذم (4)(ز)(وعن عبادة بن الصادمت)(5) رضي الله عنه عن النبي مثله (عن ابن عباس)(6)

أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن كما أنه يكره له أن يقرأه في أقل من ثلاثة أيام والله الموفق (باب)(1)(سنده) حدثنا خلف بن الوليد ثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة الخ (غريبه)(2) أي مقيدا بالحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه (3) بضم المعجمة القيد التي جعل في يده وعنقه (4) قال أبو عبيد الأجذم المقطوع اليد وقال ابن قتيبة الأجذم هاهنا المجذوم وقال ابن الاعرابي معناه انه يلقى الله خالي اليدين عن الخير كنى باليد عما تحويه اليد وقال آخر معناه لقى الله لا حجة له (قال الخطابي) وقد رويناه عن سويد بن غفلة (تخريجه)(د) قال المنذري في اسناده يزيد بن ابي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي في كنيته أبو عبد الله ولا يحتج بحديثه وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عيسى بن فائد روى عمن سمع سعد بن عبادة فهو على هذا منقطع أيضا (5)(ز)(سنده) حدثنا علي بن شعيب البزار ثنا يعقوب بن اسحاق الحضرمي اخبرني أبو عوانة عن يزيد ابن ابي زياد عن عيسى (يعني ابن فائد) قال وكان أميرا على الرقة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أمير عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يطلقه الحق أو يوبقه ومن تعلم القرآن ثم نسيه لقى الله وهو أجذم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه عبد الله بن أحمد ورجاله ثقات وفي بعضهم خلاف اهـ (قلت) في اسناده يزيد بن أبي زياد فيه اختلاف وعيسى بن فائد قال الحافظ في التقريب مجهول وروايته عن الصحابة مرسلة وأورده الحافظ بن كثير في فضائل القرآن وذكر له شواهد تعضده وقال يزيد بن أبي زياد فيه اختلاف لكن هذا في باب الترهيب مقبول والله أعلم لا سيما ان كان له شاهد من وجه آخر كما قال أبو عبيد ثنا حجاج عن ابن جريج قال حدثت عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت على أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله كانت مع أحدهم فنسيها وقد روى أبو داود والترمذي وابو يعلي والبزار وغيرهم من حديث ابي داود عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها قال الترمذي غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه وذاكرت به البخاري فاستغربه (قال الحافظ ابن كثير) وقد ادخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) وهذا الذي قاله هذا وان لم يكن هو المراد جميعه فهو بعضه فإن الاعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كبير وتفريط شديد نعوذ بالله منه (6)(سنده) حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة

ص: 26

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرأن القرآن أقوام من أمتي يمرقون (1) من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية (2)(عن بشير بن أبي عمرو)(3) الخولاني ان الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يكون خلف (4) من بعد ستين سنة (5) أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (6) ثم خلف يقرؤن القرآن لا يعدوا تراقيهم (7) ويقرأ القرآن ثلاثة مؤمن ومنافق وفاجر قال بشير فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال المنافق كافر به والفاجر يتأكل به (8) والمؤمن يؤمن به (عن أبي سعيد الخدري)(9) أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك خطب الناس وهو مسند ظهره إلى نخلة فقال ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ ان من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت وان من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله ولا يدعو (10) إلى شيء منه (عن عمران بن حصين)(11) قال مر برجل وهو يقرأ على قوم فلما فرغ سأل فقال عمران إنا لله وإنا اليه راجعون اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ القرآن

قال عبد الله (يعني ابن الامام احمد) وسمعته أنا من عبد الله بن محمد حدثنا ابو الاحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرأن القرآن الخ (غريبه)(1) أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه (2) بفتح الراء وكر الميم وتشديد التحتية مفتوحة والمراد الصدي كالحمار الوحشي والغزالة ونحو ذلك والمعنى يخرجون من الدين بفتنة كخروج السهم من الرمية وهؤلاء هم الخوارج الذين خرجوا على علي فقاتلهم حتى قتل أكثرهم (تخريجه)(جه) وأورده الهيثمي وعزاه لأبي يعلي فقط وقال رجاله رجال الصحيح وكأنه غفل عن عزوه للامام احمد والله اعلم (3)(سنده) حدثنا أبو عبد الرحمن حيوة أخبر بشير بن ابي عمرو والخولاني الخ (غريبه)(4) بفتح المعجمة وسكون اللام والخلف بفتح اللام الصالح وبسكونها الطالع قال مجاهد وقتادة هم قوم في هذه الامة (5) أي في أول خلافة يزيد بن معاوية فإن معاوية توفى في أول رجب سنة ستين وفي اليوم نفسه استخلف يزيد ومن ذلك الوقت كثر الفساد وسفك الدماء وتفرق الكلمة وهذا من معجزات النبوة (6) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فسوف يلقون غيا) أي خسرانا وقال قتادة شرا وقال سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن اسحاق عن ابي اسحاق البيهقي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود (فسوف يلقون غيا) قال واد في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم (7) أي لا يجاوز تراقيهم كما في بعض الروايات والتراقي جمع ترقوة وهي عظام بين ثغرة النحر والعاتق والمعنى لا يخلص عن ألسنتهم وآذانهم إلى قلوبهم اي لا تعيه قلوبهم (8) اي يجعله مهنة يتعيش بها (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه احمد ورجاله ثقات ورواه الطبراني في الأوسط كذلك (9)(سنده) حدثنا هاشم بن القاسم ثنا ليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن أبي الخطاب عن أبي سعيد الخدري الخ (غريبه)(10) هكذا بالأصل (لا يدعو) وجاء عند الحاكم والنسائي بلفظ (لا يرعوى) بوزن لا ينبغي وهو الظاهر ومعنى لا يرعوى أي لا ينكف ولا ينزجر من ارعوى اذا كف وقد ارعوى عن القبيح وقيل الارعواء الندم على الشيء وتركه والله أعلم (تخريجه)(نس ك) وصححه الحاكم وأقره الذهبي (11) هذا الحديث والذي بعده تقدما في باب الإجارة

ص: 27

فليسأل الله تبارك وتعالى به فانه سيجيء قوم يقرؤن القرآن يسألون الناس به (عن عبد الرحمن ابن شبل) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه (عن عقبة بن عامر)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منافقي أمتي قراؤها (2)(عن عبد الله بن عمرو)(3) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مثله (أبواب ما جاء في تحزيب القرآن وأورده وتأليفه وجمعه وكتابته في المصاحف)(باب تحزيب القرآن وأورده)(عن عثمان بن عبد الله بن أوس)(4) الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال كنت في الوافد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم اسلموا من ثقيف من بني مالك أنزلنا في قبة له فكان يختلف الينا بين بيوته وبين المسجد فإذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلينا ولا نبرح

على القرب من كتاب الاجارة في الجزء الخامس عشر صحيفة 125 بسندهما وشرحهما وتخريجها (1)(سنده) حدثنا ابو سعيد حدثنا ابن لهيعة ثنا مشرح عن عقبة بن عامر الخ (غريبه)(2) قال في النهاية معناه الذين يتأولون القرآن على غير وجه ويضعونه في غير مواضعه أو يحفظون القرآن تقية للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون خلافه فكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة اهـ وبسطه بعضهم فقال أراد نفاق العمل لا الاعتقاد ولأن المنافق أظهر الايمان بالله لله وأضمر عصمة دمه وماله والمرائي أظهر بعمله الآخرة وأضمر ثناء الناس وعرض الدنيا والقارئ أظهر أنه يريد الله وحده وأضمر حظ نفسه وهو الثواب ويرى نفسه أهلا له وينظر إلى عمله بعين الاجلال فأشبه المنافق واستويا في مخالفة الباطن والظاهر والله أعلم (تخريجه)(طب) والبيهقي في شعب الايمان (قال الحافظ العراقي) في اسناده ابن لهيعة (قلت) نعم ولكنه قال حدثنا فحديثه حسن لا سيما وله شواهد أخرى تعضده منها حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعده والله أعلم (3)(سنده) حدثنا علي بن اسحق حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك اخبرنا عبد الرحمن ابن شريح المعافري حدثنا شراحيل بن يزيد عن محمد بن هدية عن عبد الله بن عمرو (يعني ابن العاص) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منافقي أمتي قراؤها (وله طريق ثان) قال حدثنا زيد بن الحباب من كتابه حدثنا عبد الرحمن بن شريح سمعت شرحبيل بن يزيد المعافري أنه سمع محمد بن هدية الصدفي قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان اكثر منافقي أمتي قراؤها (قلت) هكذا جاء في الأصل في سند هذا الطريق (شرحبيل بن يزيد) وجاء في الطريق الأولى (شراحيل بن يزيد) قال الحافظ في التقريب شرحبيل بن يزيد المعافري قيل هو ابن شريك وانما تصحف وقيل هو شراحيل بن يزيد (يعني المعافري)(قلت) الصواب انه شراحيل بن يزيد المعافري كما في الطريق الأولى لأنه روى الحديث في هذين الطريقين عن محمد بن هدية والظاهر ان لفظ (شرحبيل) وقع في هذا الطريق خطأ والله أعلم (وله طريق ثالث) عند الامام احمد أيضا قال حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان أكثر منافقي أمتي قراؤها (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب) ورجاله ثقات وكذلك رجال احد اسنادي احمد ثقات (باب)(4)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا

ص: 28

حتى يحدثنا ويشتكي قريشا ويشتكي أهل مكة ثم يقول لا سواء (1) كنا بمكة مستذلين مستضعفين فلما أخرجنا إلى المدينة كانت سجال (2) الحرب علينا ولنا فمكث عنا ليلة لم يأتنا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء قال قلنا ما أمكثك عنا يارسول الله؟ قال طرأ علي حزبي (3) من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا قال قلنا كيف تحزبون القرآن؟ قالوا نحزبه ثلاث سور (4) وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاثة عشرة سورة وحزب المفصل (5) من قاف حتى يختم (باب من فاته شيء من ورده متى يقضيه)(عن عبد الرحمن بن عبد)(6) عن عمرو بن الخطاب رضي الله عنه قال عبد الله (يعني ابن الامام احمد) وقد بلغ به أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (7) قال من فاته شيء من ورده أو قال من جزئه (8) فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى الظهر فكأنما قرأه من ليلته (باب كتابة القرآن في الأكتاف واللخاف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن خارجة بن زيد)(9) قال قال ريد بن ثابت اني قاعد الى جنب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما إذ أوحى إليه قال وغشيته

عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عثمان بن عبد الله بن أوس الخ (غريبه)(1) أي لا مساواة بين أن كنا بمكة قبل الهجرة وبين أن كنا بالمدينة بعد الهجرة (2) سجال بكسر السين المهملة (علينا ولنا) أي مرة لنا ومرة علينا وأصله ان المستقين بالسجل وهي الدلو الملآى ماءا يكون لك واحد منهم سجل (3) الحزب ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالورد يريد أنه كان أغفله عن وقته ثم ذكره فقرأه وأصله من قولك طرأ على الرجل اذا خرج عليك فجأة طروءا فهو طارئ (4) أي من أول سورة البقرة إلى آخر سورة النساء (وخمس سور) أي من أول سورة المائدة إلى آخر سورة التوبة (وسبع سور) أي من أول سورة يونس إلى آخر سورة النحل (وتسع سور) أي من أول سورة الاسراء إلى سورة الفرقان (واحدى عشرة سورة) أي من أول سورة الشعراء إلى آخر سورة يس (وثلاث عشرة سورة) اي من أول سورة الصافات إلى آخر سورة الحجرات (5) بضم الميم وفتح الفاء بعدها صاد مهملة مشددة مفتوحة عبارة عن السبع الأخير من القرآن وسمي مفصلا لأن سوره قصار كل سورة كفصل من الكلام وهو على ثلاثة أقسام طوال وأوساط وقصار وللفقهاء كلام في ذلك تقدم في الجزء الثالث في الشرح صحيفة 211 في باب قراءة سورتين أو اكثر من ركعة الخ من كتاب الصلاة فارجع اليه (تخريجه)(د جه طل) وسكت عنه أبو داود والمنذري وحسن اسناده الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن والله اعلم (باب)(6)(سنده) حدثنا عتاب بن زياد حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك أخبرنا يونس عن الزهري عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الرحمن ابن عبد الخ (قلت) عبد الرحمن بن عبد بتنوين الدال من عبد هو القارئ بتشديد الياء التحتية نسبة إلى القارة بفتح الراء المخففة وهي قبيلة مشهورة بجودة الرمي (7) أي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم (8) هكذا بالاصل بلفظ (جزئه) وفي الأصول الأخرى (حزبه) بالحاء المهملة بدل الجيم والموحدة بدل الهمزة وهو الظاهر والله أعلم (تخريجه)(م والأربعة)(باب)(9)(سنده) حدثنا سليمان

ص: 29

السكينة (1) ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة قال زيد فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سرى (2) عنه فقال اكتب يا زيد فأخذت كتفا (3) فقال اكتب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون) الآية كلها إلى قوله (أجرا عظيما) فكتبت ذلك في كتف فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى فقام حين سمع فضيلة المجاهدين قال يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى وأشباه ذلك؟ قال زيد فوالله ما مضى كلامه أو ما هو إلا أن قضى كلامه غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى ثم سرى عنه فقال اقرأ فقرأت عليه (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (غير أولى الضرر)(4) قال زيد فألحقتها فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع (5) كان في الكتف (عن زيد بن أبي حبيب)(6) ان عبد الرحمن بن شماسة أخبره أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع (7) إذ قال طوبى للشام (8) قيل ولم ذلك يا رسول الله؟ قال ان ملائكة الرحمة باسطة أجنحتها عليه

ابن داود أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن خارجة بن زيد الخ (غريبه)(1) يريد ما كان يعرض له من السكون والغيبة عند نزول الوحي (2) بضم المهملة وتشديد الراء مكسورة أي كشف وزال عند ما يجد من أثر الوحي (3) الكتف بفتح الكاف وكسر التاء الفوقية عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم (4) أي غير أولى الزمانة والضعف في البدن والبصر فإنهم يساوون المجاهدين لأن العذر أقعدهم (5) اي شق كان بالكتف (تخريجه)(د ص عب) قال المنذري في اسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد تكلم فيه غير واحد ووثقه الامام مالك واستشهد به البخاري وقد أشار مسلم الى حديث زيد بن ثابت هذا في المتابعة وأخرجه (ق مذ نس) من حديث أبي اسحاق السبيعي عن البراء بن عازب اهـ (قلت) حديث البراء المشار إليه أخرجه أيضا الامام احمد وسيأتي في تفسير قوله تعالى (لا يستوي القاعدون الخ) من سورة النساء (6) حدثنا يحيى بن اسحاق أنا يحيى بن أيوب ثنا يزيد بن أبي حبيب الخ (غريبه)(7) الرقاع بكسر الراء مشددة جمع رقعة بضمها وهي الخرقة من الثياب والمعنى أنهم كانوا يجمعون ما كتب من القرآن في هذه الرقاع لقلة القراطيس عندهم (8) قال في النهاية طربى اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا قال (وفيه) طوبى للشام لأن الملائكة باسطة أجنحتها عليها المراد بها وهنا فعلى من الطيب لا الجنة ولا الشجرة اهـ (قلت) وانما خصت الشام بذلك لأن فيها بيت المقدس الذي هو ثالث المساجد التي تشد اليها الرحال ولأنها مهاجر ابراهيم عليه السلام والله اعلم (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب انما نعرفه من حديث يحيى بن أيوب اهـ (قلت) قال في الخلاصة في ترجمة يحيى بن أيوب وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان قال احمد سيء الحفظ وقال ابو حاتم محله الصدق ولا يحتج به قال صاحب الخلاصة (قلت) قد احتج به الستة توفى سنة ثمان وستين ومائة اهـ (قلت) وفي التهذيب وثقة ابن حبان وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك من طريق يحيى بن أيوب أيضا وقال هذاحديث صحيح على شرط

ص: 30

(عن أنس)(1)(يعني ابن مالك) أن رجلا كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وقد كان قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا يعني عظم (2) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يملي عليه غفورا رحيما فيكتب عليما حكيما فيقول النبي صلى الله عليه وسلم اكتب كذا وكذا اكتب كيف شئت (3) ويملي عليه عليما حكيما فيقول اكتب سميعا بصيرا؟ فيقول اكتب كيف شئت فارتد الرجل عن الاسلام فلحق بالمشركين وقال أنا أعلمكم بمحمد ان كنت لأكتب ما شئت فمات ذلك الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الأرض لم تقبله وقال انس فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذا فقال أبو طلحة ما شأن هذا الرجل؟ قالوا قد دفناه مرارا فلم تقبله الارض (وعنه من طريق ثان)(4) قال كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب قال فرفهوه وقالوا هذا كان يكتب لمحمد واعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه مبنوذا (باب ما جاء في تأليف القرآن وجمعه في خلاف ابي بكر رضي الله عنه (عن ابن السياق)(5) قال اخبرني زيد بن ثابت ان ابا بكر رضي الله عنه ارسل اليه مقتل أهل اليمامة (6) فإذا عمر رضي الله عنه عنده فقال أبو بكر أن عمر أتاني فقال ان القتل قد استحر (7) بأهل اليمامة من قراءة القرآن من المسلمين واني اخشى أن يستحر (8) القتل بالقراء في المواطن (9) فيذهب قرآن كثير لا يوعى

الشيخين (قلت) وأقره الذهبي قال الحاكم وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق والجمع الثالث هو في ترتيب السور كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين (1)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون أنا حميد عن أنس الخ (غريبه)(2) أي عظم قدره وصار ذا جد والجد الحظ والسعادة والغنى (3) انما قال له النبي صلى الله عليه وسلم اكتب كيف شئت ولم يزجره عن فعله لكونه علم إما بطريقة الوحي أو بطريق الإلهام أن هذا الرجل خبيث النية وان الله عز وجل سيعاقبه عقابا صارما وينكل به وقد كان ذلك فلما هلك لم تقبله الأرض أن يدفن فيها فنبذته مرارا حتى ترك منبوذا على وجه الأرض ليعتبر به غيره (4)(سنده) حدثنا هاشم حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك قال كان منا رجل الخ (تخريجه)(طل) وسنده صحيح ورجاله ثقات (باب)(5)(سنده) حدثنا عثمان بن عمر قال اخبرنا يونس عن الزهري قال اخبرني ابن السياق قال اخبرني زيد بن ثابت ان ابا بكر الخ (غريبه)(6) أي عقب مقتل أهل اليمامة أي من قتل بها من الصحابة في وقعة مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوءة وقوى أمره بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بارتداد كثير من العرب فخذله الله وقتله بالجيش الذي جهزه أبو بكر رضي الله عنه وقتل بسبب ذلك من الصحابة سبعمائة وأكثر (7) بوزن استمر أي اشتد وكثر (8) بلفظ المضارع وكسر الحاء المهملة وتشديد الراء (9) أي في الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار

ص: 31

وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر وكيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال هو والله خير فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله بذلك صدري ورأيت فيه الذي رآى عمر (1) قال زيد وعمر عنده جالس لا يتكلم فقال أبو بكر انك (2) شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعه قال زيد فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به (3) من جمع القرآن فقلت كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)(ز)(عن أبي بن كعب)(5) أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكان رجال يكتبون ويملى عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأني بعدها آيتين (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم إلي وهو رب العرش العظيم) ثم قال هذا آخر

(1) كل ما تقدم من قوله (فقال أبو بكر ان عمر أتاني) إلى هنا من حكاية أبي بكر لزيد بن ثابت عما تم له مع عمر (2) يخاطب زيد بن ثابت (3) فإن قلت كيف عبر أولا بقوله (لو كلفوني) وأفرد في قوله (مما أمرني به) أجيب بأنه جمع باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر بذلك وحده وانما قال زيد ذلك خشية من التقصير في ذلك لكن الله عز وجل يسر له هذا الأمر تصديقا لقوله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر)(4) هذا آخر الحديث عند الامام احمد (وزاد البخاري) قال (يعني ابا بكر) هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب (بضم العين والسين المهملتين بعدهما موحدة أي جريد النخل العريض العاري عن الخوص) واللخاف (بكسر اللام وفتح المعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقاق) وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري لم أجدها مع أحد غيره (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصه بنت عمر رضي الله عنهما (تخريجه)(خ مذ نس)(قوله لم أجدها مع غيره) يعني آخر سورة التوبة لم يجدها مكتوبة عند غيره ممن كانوا يكتبون الوحي لا أنه لم يكن يحفظها غيره بل كان يحفظها الكثيرون ويتلونها في الصلاة وغيرها وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لابي بكر وعمر رضي الله عنهما أما عمر فلكونه نبه أبا بكر لهذا العمل الجليل وأما أبو بكر فلكونه نفذ الفكرة بدون توان وهذا من أعظم ما فعله الصديق رضي الله عنه فإنه أقامه الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد من بعده قاتل الأعداء من مانعي الزكاة والمرتدين والفرس والروم ونفذ الجيوش وبعث البعوث والسرايا ورد الأمر الى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله وكان هذا من سر قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإناله لحافظون) وقد روى عن علي باسناد صحيح انه قال أعظم الناس اجرا في المصاحف ابو بكر ان ابا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين رضي الله عنه وأرضاه (5)(ز)(سنده) حدثنا روح بن عبد المؤمن ثنا عمر بن شقيق ثنا ابو جعفر الرازي ثنا الربيع بن أنس عن أبي بن كعب الخ

ص: 32

ما أنزل من القرآن قال فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قول الله تبارك وعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه (1) أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (باب كتابة عثمان رضي الله عنه للمصاحف في خلافته وتوزيعها في الافطار وحمل الناس على عدم الخروج عنها وحرق ما يخالفها من الصحف والمصاحف القديمة)(حدثنا عبد الرزاق)(2) أنا معمر عن الزهري عن خارجة بن زيد أو غيره (3) أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال لما كتبت المصاحف (4) فقدت آية كنت اسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدتها عند خزيمة الانصار (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى تبديلا)(5) قال فكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته رجلين (6) قال الزهري وقتل يوم صفين مع علي رضي الله عنهما (ومن طريق ثان)(7) عن خارجة أنه سمع زيد بن ثابت يقول فقدت آية من سورة الأحزاب حين

(غريبه)(1) قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (نوحي اليه) بالنون وكسر الحاء على التعظيم وقرأ الآخرون بالياء وفتح الحاء على الفعل المجهول كما في هذه الرواية (تخريجه) لم أقف عليه لغير عبد الله بن الامام احمد وسنده حسن وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وقال هذا غريب اهـ (قلت) وأخرجه الحاكم مختصرا من طريق آخر عن يونس بن عبيد وعلي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال آخر ما نزل من القرآن (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) وقال حديث شعبة عن يونس بن عبيد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي وللامام احمد مثله من طريق شعبة أيضا وسيأتي في آخر تفسير سورة التوبة هذا وقد اختلف علماء السلف في آخر ما نزل من القرآن اختلافا كثير وسيأتي بيان ذلك في باب آخر ما نزل من سور القرآن وآياته والله الموفق (باب)(2)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(غريبه)(3) أو للشك من الراوي وقد جاء في الطريق الثانية عن خارجة بن زيد بدون شك وكذلك عند البخاري (4) أي في زمن عثمان لا في زمن أبي بكر لأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر سورة براءة كما تقدم في الباب السابق (5) يعني الى قوله تعالى (ومابدلوا تبديلا) ونص الآية كاملا هكذا (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى تحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)(6) سبب جعل شهادة بشهادة رجلين تقدم في باب البيع بغير اشهاد من كتاب البيوع والكسب في الجزء الخامس عشر صحيفة 54 رقم 178 فارجع اليه (7)(سنده) حدثنا أبو كامل ثنا ابراهيم ثنا ابن شهاب أخبرني خارجة بن زيد أنه سمع زيد بن ثابت الخ (تخريجه) أخرجه البخاري مطولا قال حدثنا موسى حدثنا ابراهيم حدثنا ابن شهاب ان انس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح ارمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن ارسلى الينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها اليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى

ص: 33

نسخنا المصاحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)

إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق قال ابن شهاب وأخبرني خارجة بن زيد ابن ثابت سمع زيد بن ثابت قال فقدت آية الخ الحديث بنحو ما هنا (قال الحافظ ابن كثير) عقب ذكر هذا الحديث المطول عند البخاري وهذا أيضا من مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فإن الشيخين (يعني ابا بكر وعمر) سبقاه إلى حفظ القرآن أن يذهب منه شيء وهو جمع الناس على قراءة واحدة لئلا يختلفوا في القرآن ووافقه على ذلك جميع الصحابة وانما روى عن عبد الله بن مسعود شيء من التغضب بسبب أنه لم يكن ممن كتب المصاحف وأمر اصحابه بغل مصاحفهم لما أمر عثمان بحرق ما عدا المصحف الامام ثم رجع ابن مسعود إلى الوفاق حتى قال علي بن أبي طالب لو لم يفعل ذلك عثمان لفعلته أنا فاتفق الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى علي أن ذلك من مصالح الدين وهم الخلفاء الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وكان السبب في هذا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فإنه لما كان غازيا في فتح ارمينية واذربيجان وكان قد اجتمع هناك أهل الشام والعراق وجعل حذيفة يسمع منهم قراآت على حروف شتى ورأى منهم اختلافا وافتراقا فلما رجع إلى عثمان أعلمه وقال لعثمان أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى الخ فلما قال حذيفة لعثمان ذلك أفزعه وأرسل إلى حفصة أم المؤمنين أن ترسل إليه بالصحف التي عندها مما جمعه الشيخان ليكتب ذلك في مصحف واحد وينفذه إلى الآفاق ويجمع الناس على القراءة به وترك ما سواه ففعلت حفصة وأمر عثمان هؤلاء الأربعة وهم زيد بن ثابت الانصاري أحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي احد فقهاء الصحابة ونجبائهم علما وعملا وأصلا وفضلا وسعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي وكان كريما جوادا وكان أشبه الناس لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا واذا اختلفوا في موضع الكتابة على اي لغة رجعوا إلى عثمان كما اختلفوا في التابوت ايكتبونه بالتاء أو الهاء؟ فقال زيد بن ثابت إنما هو التابوه وقال الثلاثة القرشيون إنما هو التابوت فتراجعوا إلى عثمان فقال اكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بلغتهم ثم ان عثمان رد الصحف إلى حفصة رضي الله عنها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان بن ابن الحكم يطلبها فلم تعطه حتى ماتت فأخذها مروان بن الحكم حين كان أميرا على المدينة من عبد الله بن عمر فحرقها لئلا يدعى أحد بعد ذلك أن فيها ما يخالف هذه المصاحف الأئمة التي نفذها عثمان إلى الآفاق مصحفا إلى مكة ومصحفا إلى البصرة وآخر إلى الكوفة وآخر إلى الشام وآخر إلى اليمن وترك عند أهل المدينة مصحفا رواه أبو بكر بن داود عن أبي حاتم السجستاني سمعه يقوله وصحح القرطبي انه انما نفذ إلى الآفاق أربعة مصاحف وهذا غريب وأمر بما عدا ذلك من مصاحف الناس أن يحرق لئلا تختلف قراآت الناس في الآفاق وقد وافق الصحابة في عصره على ذلك ولم ينكره أحد منهم وانما نقم عليه ذلك الرهط اللذين تمالئوا عليه وقتلوه قاتلهم الله وذلك من حملة ما أنكروا مما لا أصل له وأما سادات المسلمين من الصحابة ومن نشأ في عصرهم ذلك من التابعين فكلهم وافقوه رضي الله عنه انتهى ملخصا

ص: 34

فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت فألحقتها في سورتها في المصحف (باب رأي ابن مسعود رضي الله عنه في مصاحف عثمان)(عن خمير بن مالك)(1) قال أمر بالمصاحف أن تغير (2) قال قال ابن مسعود من استطاع منكم أن يغل مصحفة فليغله (3) فإن من غل شيئا جاء به يوم القيامة قال ثم قال قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (وفي رواية) قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم سبعين سورة (4) وان زيد بن ثابت له ذؤابة في الكتاب (5)

مما قاله الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن (وقال في شرح السنة) في هذا الحديث البيان الواضح أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن المنزل من غير أن يكونوا زادوا أو نقصوا منه شيئا باتفاق منهم من غير أن يقدموا شيئا ويؤخروه بل كتبوه في المصاحف على الترتيب المكتوب في اللوح المحفوظ بتوقيف جبريل عليه السلام على ذلك واعلامه عند نزول كل آية بموضعها وأين تكتب وقال ابو عبد الرحمن المسلمي كان قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والانصار واحدة وهي التي قرأها صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه وكان زيد يشهد العرضة الأخيرة وكان يقرئ الناس بها حتى مات ولذلك اعتمده الصديق في جمعه وولاه عثمان كتبة المصاحف قال السفاقسي فكان جمع أبي بكر خوف ذهاب شيء من القرآن بذهاب حملته إذ أنه لم يكن مجموعا في موضع واحد وجمع عثمان لما كثر الاختلاف في وجوه قراءته حين قرءوا بلغاتهم حتى أدى ذلك إلى تخطئة بعضهم بعضا فننسخ تلك الصحف في مصحف واحد مقتصرا من اللغات على لغة قريش اذ هي أرجحها والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا اسود بن عامر أنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن خمير بن مالك الخ (غريبه)(2) أي لما أمر عثمان رضي الله عنه بنسخ المصاحف على لغة قريش وحرق ما عداها من المصاحف ساء ذلك عبد الله بن مسعود لأن القرآن نزل بلغة قريش وغيرها من اللغات الأخرى فلماذا يحرق ما عدا لغة قريش؟ هذا كان رأيه أولا وقيل أنه رجع عنه بعد ذلك والله أعلم (3) أصل الغلول السرقة من الغنائم واخفائها وانكارها فكان عقاب الغال عند الله تعالى أن يأتي بما غل يوم القيامة ليظهر للناس ما أنكره وأخفاه ويفضحه الله على رءوس الأشهاد ومراد ابن مسعود بقوله (من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله) يعني ينكره ويخفيه فإن كان اخفاؤه غلولا فسيأتي به يوم القيامة يشهد له انه من عند الله (4) معناه أنه حفظ هذا العدد من السور في مكة وفي أوائل الهجرة قبل أن يرشد زيد ويكتب القرآن ولا فهو قد كان يحفظ القرآن كله وكتبه (5) الذؤابة الشعر المضفور من شعر الرأس وكان من عادة العرب أن يجعلوا من شعر رأس الصبي ضفيرة أو ضفيرتين يريد أنه كان يحفظ الكثير من القرآن وزيد صبي في الكتاب وانما خص زيدا بذلك لأن ولاة الأمور أمروه أن يقرأ على قراءة زيد بن ثابت فقد روى أبو بكر بن داود في كتاب المصاحف قال حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد بن النضر ثنا سعيد بن النضر ثنا سعيد بن سليمان ثنا ابن شهاب عن الأعمش عن أبي وائل قال خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال من يغلل يأت بما غل يوم القيامة غلوا مصاحفكم وكيف تأمروني أن اقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وان زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان

ص: 35

(عن عبد الرحمن بن عابس)(1) قال حدثنا رجل من همدان من أصحاب عبد الله (يعني ابن مسعود رضي الله عنه وما سماه لنا قال لما أراد عبد الله أن يأتي المدينة جمع أصحابه فقال والله اني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في اجناد المسلمين (2) من الدين والفقه والعلم بالقرآن إن هذا القرآن أنزل على حروف (3) والله ان كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شيء قط فإذا قال القارئ هذا أقرأني قال احسنت وإذا قال الآخر قال كلاكما محسن (4) فأقرأ أن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار واعتبروا ذاك بقول أحدكم لصاحبه كذب وفجر وبقوله اذا صدقه صدقت وبررت (5) ان هذا القرآن لا يختلف ولا يستشن (6) ولا يتفه لكثرة الرد فمن قرأه على حرف فلا يدعه رغبة عنه ومن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يدعه رغبة عنه فإن من يجحد بآية يجحد به كله فإنما هو كقول أحدكم لصاحبه أعجل (7) وحيي هلا والله لو أعلم رجلا أعلم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم مني لطلبته حتى أزداد علمه إلى علمي (8) إنه سيكون قوم يميتون الصلاة فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا (9) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعارض بالقرآن في كل رمضان (10) واني عرضت في العام الذي قبض فيه مرتين

له ذؤابتان والله ما أنزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل وما أحد أعلم بكتاب الله مني وما أنا بخيركم ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل فيه من هو أعلم بكتاب الله مني لأتيته قال أبو وائل فلما نزل عن المنبر جلست في الخلق فما أحد ينكر ما قال وقول أبي وائل (فما أحد ينكر ما قال) يعني من فضله وحفظه وعلمه وأما أمره بغل المصاحف وكتمانها فقد أنكره عليه غير واحد قال الاعمش عن ابراهيم عن علقمة قال قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال كنا نعد عبد الله جبانا فما باله يواثب الامراء (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وسنده صحيح ورجاله ثقات (1)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن عابس الخ (غريبه)(2) أي امرائهم (3) أي لغات متعددة رحمة بالناس (4) معناه أن الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يختلفون في القراءة فبعضهم يقرأ خلاف ما يقرأ الآخر فيرفعون أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول كلاكما محسن لأنه كل واحد منهما قرأ على لغة أنزلها الله عز وجل (5) بفتح الراء الأولى وسكون الثانية اي صدقت في دعواك وصرت بارا دعاء له بذلك (6) من الشن والشنة بفتح الشين المعجمة فيهما وهي القربة الخلقة (ولا يتفه) بوزن يفرح قال في النهاية هو من الشيء التافه الحقير يقال تفه يتفه فهو تافه (7) أي أعجل بذكر القرآن وابدأ به (وحي هلا) قال في النهاية وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة وفيها لغات وهلا حث واستعجال (8) اي حتى أضم علمه الى علمي (9) تقدم الكلام على ذلك في باب وعيد من تهاون بالصلاة أو أخرها عن وقتها في الجزء الثاني صحيفة 228 (10) يعني كان جبريل عليه السلام يعارضه القرآن في كل رمضان مرة أي يدارسه جميع ما نزل من القرآن من المعارضة المقابلة والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان يقرأ والآخر يسمع والظاهر أن جبريل كان يسمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ويقرئه إياه ليزداد حفظا واتقانا فلما كان العام الذي قبض فيه

ص: 36

فأنبأني أني محسن وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة (عن فلفلة الجعفي)(1) قال فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف فدخلنا عليه فقال رجل من القوم إنا لم نأتك زائرين ولكن جئناك حين راعنا هذا الخبر (2) فقال ان القرآن نزل على نبيكم صلى الله عليه وسلم من سبعة أبواب (3) على سبعة أحرف أو قال حروف (4) وان الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد (5)(أبواب القراءات وجواز اختلافها والنهي عن المراء فيها)(باب ما جاء من ذلك عاما واختلاف الصحابة فيه)(ز)(عن زر بن حبيش)(6) قال قال عبد الله بن مسعود تمارينا (7) في سورة من القرآن فقلنا خمس وثلاثون آية ست وثلاثون آية

عرض عليه مرتين والظاهر أن عبد الله بن مسعود كان يفعل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما سيأتي في باب معارضة جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم القرآن عن مجاهد عن ابن عباس قال قال أي القراءتين كانت أخيرا أقراءة عبد الله (يعني ابن مسعود) أو قراءة زيد؟ قال قلنا قراءة زيد قال لا ألا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القراءة على جبريل كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين وكانت آخر القراءة قراءة عبد الله (زاد في رواية) فشهد عبد الله فعلم ما نسخ منه وما بدل (تخريجه) أورده الهيثمي مختصرا وقال رواه الامام أحمد في حديث طويل والطبراني وفيه من لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح (1)(سنده) حدثنا أبو كامل حدثنا زهير حدثنا أبو همام عن عثمان بن حسان عن فلفلة الجعفي الخ (2) يعني خبر نسخ المصاحف على لغة قريش وحرق ما عداها (3) جاء عند ابن جرير من وجه آخر عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله أمرني أن اقرأ القرآن على حرف واحد فقلت خفف على أمتي فقال اقرأه على حرفين فقلت رب خفف عن أمتي فأمرني أن اقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف (قال ابن جرير) والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي استوجب به الجنة (4) الحكمة في كونه نزل على سبعة أحرف ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة في جميع أقاليم الأرض واللغات تختلف باختلاف الأقاليم فلو نزل على حرف واحد لتعذرت عليهم قراءته وفهمه فجعل على سبعة أحرف تيسيرا لهم (5) معناه أن كتب الأنبياء المنزلة قبل النبي صلى الله عليه وسلم كانت على حرف وذلك لأن غيره من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام كان يبعث إلى قومه خاصة فينزل كتابه على حرف واحد بلغة قومه (تخريجه) أورده الهيثمي وقال له في الصحيح غير هذا رواه احمد وفيه عثمان ابن حسان العامري وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه ولم يوثقه (باب)(6)(ز)(سنده) حدثنا أبو محمد سعيد بن محمد الجرمي قدم علينا من الكوفة حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن الأعمش عن عاصم عن زر بن حبيش قال قال عبد الله وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد حدثنا ابي حدثنا الأعمش عن عاصم عن زر بن حبيش قال قال عبد الله بن مسعود الخ (غريبه)(7) يعني عبد الله بن مسعود وبعض الصحابة أي تجادلنا والمراء اجدال والتماري والمماراة المجادلة على مذهب الشك والريبة ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع (نه)

ص: 37

قال فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا عليا رضي الله عنه يناجيه فقلنا إنا اختلفنا في القراءة فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فقال علي رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا كما علمتم (2)(عن أبي بن كعب)(3) قال كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فقمنا جميعا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم اقرآ فقرآ قال أصبتما فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال كبر على ولا إذ كنت في الجاهلية (4) فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري فقضت عرقا (5) وكأنما أنظر إلى الله تبارك وتعالى فرقا فقال يا أبي ان ربي تبارك وتعالى أرسل إلي (6) أن اقرأ القرآن على حرف (7) فرددت إليه أن هون على أمتي (8) فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة (9) مسألة تسألنيها قال قلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة (10) ليوم يرغب إلي فيه الخلق (11) حتى ابراهيم عليه الصلاة والسلام (عن أبي قيس)(12) مولى عمرو بن العاص قال سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ آية من القرآن فقال من أقرأكها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أي لأنه صلى الله عليه وسلم يكره الاختلاف والمراء (2) بضم أوله وتشديد اللام مكسورة أي كما علمكم النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصحابة (تخريجه) لم أقف عليه لغير عبد الله بن الامام احمد وسنداه صحيحان ورجاله ثقات (3)(سنده) حدثنا يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن ابي خالد حدثني عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي كعب الخ (غريبه)(4) جاء عند مسلم (فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذا كنت في الجاهلية) قال القاضي عياض معنى قوله سقط في نفسي أنه اعترته حيرة ودهشة قال (وقوله ولا إذ كنت في الجاهلية) معناه أن الشيطان نزغ في نفسه تكذيبا لم يعتقده قال وهذه الخواطر إذ لم يستمر عليها لا يؤاخذ بها (قال القاضي عياض) قال المازري معنى هذا انه وقع في نفس أبي بن كعب نزغة من الشيطان غير مستقرة ثم زالت في الحال حين ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدره ففاض عرقا قال القاضي ضربه على صدره تثبتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم قال ويقال فضت عرقا وفصت بالضاد المعجمة والصاد المهملة قال وروايتنا هنا بالمعجمة اهـ (5) معنى قوله ففضت عرقا اي امتلأ عرقي استحياء منه صلى الله عليه وسلم حتى فاض أي سال من جميع جسدي (وقوله فرقا) بالتحريك أي خوفا وانتصابه على المفعول له وانتصاب عرقا على التمييز (6) أي أرسل الله تعالى إلى جبريل عليه السلام (7) أي قراءة واحدة (8) أي سهل على أمتي كما في المرقاة (9) بفتح الراء وتشديد المهملة مفتوحة أي لك بمقابلة كل دفعة رجعت إلي ورددتكها بمعنى ارجعتك اليها بحيث ما هونت على أمتك من أول الأمر (وقوله مسألة) يعني دعوة مستجابة تسألنيها أي ينبغي أن تسألنيها فأجيبك اليها (10) هي الشفاعة الكبرى يوم القيامة (11) اي يحتاجون ويبتهلون (وقوله حتى إبراهيم) بالرفع معطوف على الخلق وفيه دلالة على رفعة إبراهيم على سائر الأنبياء وتفضيل نبينا على الكل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (تخريجه)(م وغيره)(12)(سنده) حدثنا أبو سلمة الخزاعي

ص: 38

على غير هذا فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله آية كذا وكذا ثم قرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا انزلت فقال الآخر يا رسول الله فقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أليس هكذا يا رسول الله؟ قال هكذا أنزلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف (1) فأي ذلك قرأتم فقد أحسنتم ولا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر (2) أو آية الكفر (عن أبي جهيم)(3) ان رجلين اختلفا في آية من القرآن فذكر نحوه (4)(عن أبي هريرة)(5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل القرآن على سبعة أحرف المراء في القرآن كفر ثلاث مرات (6) فما عرفتم منه فاعملوا وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه (7)(وعنه من طريق ثان)(8) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما (9) (عن عمرو بن شعيب عن

قال انا عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة قال أخبرني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن يسر بن سعيد عن ابي قيس مولى عمرو الخ (غريبه)(1) تقدم تفسيره وسيأتي لذلك مزيد بحث في باب نزول القرآن على سبعة أحرف قريبا بعد ثلاثة أبواب (2) قال أبو عبيد ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ولكنه على الاختلاف في اللفظ وهو أن يقول الرجل على حرف فيقول الآخر ليس هو هكذا ولكنه على خلافه وكلاهما منزل مقروء به فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن ان يكون ذلك يخرجه إلى الكفر لأنه نفى حرفا أنزله الله على نبيه (قلت) وجاء في بعض الروايات (فان مراءا فيه كفر) قال والتنكير في المراء ايذانا بأن شيئا منه كفر فضلا عما زاد عليه وقيل انما جاء هذا الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني على مذهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنته من الأحكام وأبواب الحلال والحرام فإن ذلك قد جرى بين الصحابة فمن بعدهم من العلماء وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجز والله أعلم (وقوله أو آية الكفر) أو للشك من الراوي وجاء في الحديث التالي بلفظ (فان مراءا في القرآن كفر) بغير شك (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أنه مرسل اهـ (قلت) يؤيده ما بعده (3)(سنده) حدثنا سلمة الخزاعي ثنا سليمان بن بلال حدثني يزيد بن خصيفة اخبرني بسر بن سعيد قال حدثني أبو جهيم ان رجلين الخ (قلت) أبو جهيم بالتصغير ابن الحارث بن الصمة بكسر المهملة وتشديد الميم ابن عمرو الانصاري قيل اسمه عبد الله وقد ينسب لجده كذا في التقريب (4) ولفظه ان رجلين اختلفا في آية من القرآن فقال هذا تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال القرآن يقرأ على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن مراءا في القرآن كفر (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (5)(سنده) حدثنا أنس بن عياض حدثني أبو حازم عن أبي سلمة لا اعلمه إلا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) تقدم الكلام على المراء قبل حديث في شرح حديث عمرو بن العاص (7) أي فتعلموه ممن هو أعلم منكم (8)(سنده) حدثنا محمد بن بشر ثنا محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (9) معناه أنه يجوز أن يقرأ غفورا بدل رحيما وعليما بدل حكيما وهذا وجه من أوجه القراءات فإن وافق رسم المصحف الامام وصح سنده جاز وإلا فلا

ص: 39

أبيه عن جده) (1) قال لقد جلست أنا وأخي (2) مجلسا ما أحب أن لي به حمر (3) النعم أقبلت أنا وأخي واذا مشيخة (4) من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه فكرهنا أن تفرق بينهم فجلسنا حجرة (5) إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها (6) حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول مهلا يا قوم بهذا هلكت الامم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه (باب ما جاء من القراءة مفصلا واختلاف الصحابة فيه)(ما جاء في سورة المائدة)(عن أنس بن مالك)(7) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) نصب النفس ورفع العين (8)(ما جاء في سورة هود)(عن أسماء بنت يزيد)(9) قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرء (إنه عمل (10) غير صالح) وسمعته يقرأ (يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي إن هو الغفور الرحيم)(11)

(تخريجه) روى الطريق الأولى منه النسائي وأورده الهيثمي بطريقيه وقال رواه كله أحمد باسنادين ورجال احدهما رجال الصحيح ورواه البزار بنحوه اهـ (1)(سنده) حدثنا أنس بن عياض حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الخ (غريبه)(2) الظاهر أن أخا عبد الله بن عمرو هو محمد بن عمرو ابن العاص لأني لم أقف على أخ لعبد الله بن عمرو وغيره وهو من صغار الصحابة وله ترجمة في الاستيعاب والاصابة (3) بضم المهملة وسكون الميم جمع أحمر (والنعيم) بفتح النون والعين المهملة المراد بها هنا الإبل وانما خص الابل الحمر بالذكر لكونها أفضل الابل واصبرها على الهواجر والعرب تقول خير الابل حمرها وصهبها (4) أي جماعة من كبار الصحابة (5) بفتح المهملة وسكون الجيم أي ناحية منفردين (6) تقدم معنى المراء وهو الجدال (تخريجه) أخرج المرفوع منه البخاري ومسلم نحو معناه مختصرا (باب)(7)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن أبي علي ابن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك الخ (غريبه)(8) أي بالرفع عطف على مجزان النفس قال البيضاوي في تفسيره رفعها الكسائي على انها جمل معطوفة على أن وما في حيزها باعتبار المعنى اهـ وقال البغوي في المعالم وقرأ الكسائي والعين وما بعدها بالرفع وقرأ ابن كثير وابن عامر وابو جعفر وعمرو والجروح بالرفع فقط وقرأها الآخرون كلها بالنصب كالنفس اهـ (تخريجه)(د مذ ك) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب قال محمد (يعني البخاري) تفرد ابن المبارك بهذا الحديث عن يونس ابن يزيد وهكذا قرأ أبو عبيد والعين بالعين اتباعا لهذا الحديث اهـ (قلت) وسكت عنه أبو داود والمنذري فهو صالح للاحتجاج به وصححه الحاكم واقره الذهبي (9)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون انا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الخ (غريبه)(10) بكسر الميم وفتح اللام بصيغة الماضي وفتح راء غير قال البغوي في تفسيره قرأ الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم وفتح اللام غير بتصب اللام على الفعل أي عم الشكر والتكذيب وقرأ الآخرون بفتح الميم ورفع اللام وتنوينه غير يرفع الراء معناه ان سؤالك إياي أن انجيه عمل غير صالح (11) سيأتي الكلام على هذه الآية فيما جاء في

ص: 40

(ما جاء في سورة مريم)(عن ابن عباس)(1) قال حفظت السنة الأولى كلها (2) غير اني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟ (3) ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف (وقد بلغت من الكبر عتيا أو عسيا)(4)(ما جاء في سورة الفرقان)(عن عمر رضي الله عنه (5) قال مررت بهشام بن حكيم بن حزام يقرء سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت قراءته فإذا هو يقرء على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أن أساوره (6) في الصلاة فنظرت (7) حتى سلم فلما سلم لببته (8) بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي تقرؤها؟ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت له كذبت فوالله ان النبي صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي تقرؤها قال فانطلقت أقوده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله اني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وانت اقرأتني سورة الفرقان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرسله (9) يا عمر اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعت فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هكذا أنزلت (10)

سورة الزمر (تخريجه) روى الشطر الأول منه (د مذ) وسكت عنه أبو داود قال المنذري وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد ووثقه الامام احمد ويحيى بن معين (1)(سنده) حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) أي معظمها وكان يقال لابن عباس حبر الأمة والبحر لكثرة علمه ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة وحنكة بريقه حين ولد وله مناقب كثيرة ستأتي في باب مناقبه من كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى (3) الكلام على القراءة في الظهر والعصر تقدم في بابه في الجزء الثالث صحيفة 220 رقم 566 (4) معناه ان ابن عباس شك أيضا في القراءة في قوله تعالى حكاية عن زكريا (وقد بلغت من الكبر عتيا) هل قرأها النبي صلى الله عليه وسلم بالتاء الفوقية أو بالسين المهملة لأن معناهما واحد يقال عتا الشيخ يعتو عتيا وعسيا إذا انتهى سنه وكبر وشيخ عات وعاس اذا صار الى حاله اليبس والجفاف ولم يبق فيه لقاح ولا جماع والعرب تقول للعود اذا يبس عتا يعتو عتيا وعتوا وعسى يعسو عسوا وعسيا واللغتان معروفتان بالتاء والسين والقراء الأربعة عشر قرءوا عتا بالتاء لا غير قال البغوي في تفسيره قرأ حمزة والكسائي عتيا وبكيا وصليا وجثيا بكسر أوائلهن (قلت وكذلك الأعمش وحفص الابكيا فبالضم) والباقون يرفعها وهما لغتان اهـ وأما قراءتها عسيا بالسين المهملة فقال أبو حيان في البحر عن عبد الله (يعني ابن مسعود) ومجاهد عسيا بضم العين وكسر السين وحكاها الداني عن ابن عباس وحكاها الزمخشري عن أبي ومجاهد (تخريجه) الحديث سنده صحيح وروى شطره الأول أبو داود وروى شطره الثاني الحاكم وصححه وأقره الذهبي (5)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارى أنهما سمعا عمر يقول مررت بهشام الخ (غريبه)(6) بهمزة مضمومة وسين مهملة أي آخذ برأسه (7) اي انتظرت يقال نظرته وانتظرته بمعنى واحد (8) بفتح اللام وتشديد الموحدة الأولى كذا عند البخاري وقال القاضي عياض التخفيف أعرف (بردائه) أي جمعته عليه عند لبته لئلا ينفلت مني وهذا من عمر على عادته في الشدة بالأمر بالمعروف (9) بهمزة قطع أي أطلقه (10) لم يقف الحافظ ابن حجر على تعيين الأحرف التي

ص: 41

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرءوا منه ما تيسر (1)(وعن أبي طلحة الأنصاري)(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا عمر إن القرآن كله صواب مالم يجعل عذاب مغفرة أو مغفرة عذابا (ما جاء في سورة الروم)(عن عطية العوفي)(3) قال قرأت على ابن عمر (الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعف)(4) فقال (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا)(5) ثم قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي فأخذ

اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لقلب عمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين (إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف) جمع حرف مثل فلس وأفلس أي لغات أو قراآت فعلى الأول يكون المعنى على أوجه من اللغات لأن حد الحرف في اللغة الوجه قال تعالى (ومن الناس من يعبد الله على حرف) وعلى الثاني يكون من اطلاق الحرف على الكلمة مجازا لكونه بعضا (1) أي من الأحرف المنزل بها فالمراد بالتيسير في الآية غير المراد به في الحديث لأن الذي في الآية المراد به القلة والكثرة والذي في الحديث ما يستحضره القارئ من القراآت والله أعلم (تخريجه)(ق والثلاثة)(2)(سنده) حدثنا عبد الصمد حدثنا حرب بن ثابت كان يسكن بني سليم قال ثنا اسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل عند عمر فغير عليه (أي أراد تحويله عن هذه القراءة إلى قراءة أخرى) قال في القاموس (وغيره جعله غير ما كان وحوله وبدله والاسم الغير) فقال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغير على قال فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقرأ الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قد احسنت قال فكان عمر وجد من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عمر إن القرآن الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد ثم قال وهذا اسناد حسن وحرب بن ثابت هذا يكنى بأبي ثابت لا نعرف أحدا جرحه اهـ وأورده أيضا الهيثمي وعزاه للامام احمد فقط وقال رجاله ثقات (3)(سنده) حدثنا وكيع عن فضيل ويزيد قال اخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي الخ (غريبه)(4) بفتح الضاد المعجمة في الجميع (5) معناه ان ابن عمر قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا بفتح الضاد فأخذ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ بضمها وفي تفسير البغوي الضم لغة قريش والفتح لغة تميم ومعنى من ضعف أي من نطفه يريد من ذي ضعف أي من ماء ذي ضعف كما قال تعالى (الم نخلقكم من ماء مهين)(ثم جعل من بعد ضعيف قوة) أي من بعد ضعف الطفولية شبابا وهو وقت القوة (ثم جعل من بعد قوة ضعفا) هرما وقال ابن الجزري في النشر في القراآت العشر في هذا الحرف (واختلف عن حفص) فروى عنه عبيد وعمرو انه اختار فيها الضم خلافا لعاصم للحديث الذي رواه عن الفضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن ابن عمر مرفوعا وروينا عنه من طريق أنه قال ما خالفت عاصما في شيء من القرآن إلا في هذا الحرف ثم روى ابن الجزري هذا الحديث باسناده إلى الامام احمد (تخريجه)(د مذ) وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد أن عزاه للامام احمد وقال رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث فضيل به ورواه ابو داود من حديث عبد الله بن جابر عن عطية عن أبي سعيد بنحوه اهـ (قلت) في اسناده عطية العوفي ضعفه الجمهور واخرجه ايضا الحاكم وقال تفرد به

ص: 42

علي كما أخذت عليك (ما جاء في سورة الزمر)(عن أسماء بنت يزيد)(1) قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي انه هو الغفور الرحيم)(ما جاء في سورة الأحقاف)(عن عبد الله)(2) قال سمعت رجلا (3) يقرأ حم الثلاثين يعني الأحقاف فقرأ خرفا وقرأ رجل آخر حرفا لم يقرأه صاحبه وقرأت أحرفا لم يقرأها صاحبي فانطلقنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه (وفي رواية أخرى فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاكما محسن) فقال لا تختلفوا فإنما هلك من كان قبلكم باختلاف (4) ثم قال انظروا اقرأكم رجلا فخذوا بقراءته (ما جاء في سورة محمد صلى الله عليه وسلم (عن شقيق بن سلمة)(5) قال جاء رجل إلى عبد الله (يعني ابن مسعود رضي الله عنه من بني بجبلة يقال له نهيك بن سنان فقال يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذه الآية أياء تجدها أو ألفا (من ماء غير آسن)(6) فقال له عبد الله وكل القرآن أحصيت غير هذه (7) قال اني لأقرأ المفصل في ركعتين فقال عبد الله هذا كهذا الشعر (8) إن من أحسن الصلاة الركوع والسجود وليقرأن القرآن أقوام لا يجاوز تراقبهم ولكنه إذا قرأه فرسخ في القلب

عطية العوفي ولم يحتجا به وأقره الذهبي على ذلك (1) هذا طرف من حديث تقدم بتمامه وسنده وتخريجه فيما جاء في سورة هود وروى هذا الطرف منه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث غريب قال ولم اذكر في كتابي هذا عن شهر غير هذا الحديث الواحد اهـ (قلت) وأقر الذهبي قول الحاكم ولم يتعقبه بشيء (2)(سنده) حدثنا عبد الرحمن عن همام عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله (يعني ابن مسعود) الخ (غريبه)(3) قال الحافظ يحتمل أن يكون هو أبي بن كعب فقد أخرج الطبري من حديث أبي بن كعب أنه سمع ابن مسعود يقرأ آية قرأ خلافها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلاكما محسن الحديث (4) في هذا الحديث الحض على الجماعة والألفة والتحذير من الفرقة والاختلاف والنهي عن المراء في القرآن بغير حق ومن شر ذلك أن تظهر دلالة الآية على شيء يخالف الرأي فيتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأي ويقع اللجاج في ذلك والمناضلة عليه قاله الحافظ (تخريجه)(خ)(5)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق بن سلمة الخ (غريبه)(6) زاد مسلم (أو من ماء غير ياسن) أي غير متغير الرائحة والآسن من الماء مثل الآجن وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته وكذلك أجن الماء يأجن ويأجن أجنا وأجونا ويقال بالكسر فيهما أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنا قاله اليزيدي وقرأه العامة آسن بالمد وقرأه ابن كثير وحميد أسن بالقصر وهما لغتان مثل حاذر وحذر وقال الأخفش أسن للحال وآسن مثل فاعل يراد به الاستقبال اهـ ولم اقف على قراءة في هذا الحرف بالياء ولا في الشواذ (7) هذا محمول على ان ابن مسعود فهم من السائل انه غير مسترشد في سؤاله اذ لو كان مسترشدا لوجب جوابه وهذا ليس بجواب (8) معناه ان الرجل اخبر بكثرة حفظه واتقانه فقال ابن مسعود تهذه هذا بتشديد الذال وهو شدة الافراط والاسراع في العجلة ففيه النهي عن الهذ والحث على الترتيل والتدبر وبه قال جمهور

ص: 43

نفع (1) إني لأعرف النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورتين في ركعة قال ثم قام فدخل فجاء علقمة فدخل عليه قال فقلنا له سله عن النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورتين في ركعة قال فدخل فسأله ثم خرج إلينا فقال عشرون سورة من أول المفصل في تأليف عبد الله (يعني ابن مسعود)(ومن طريق ثان)(2) عن زر أن رجلا (3) قال لابن مسعود كيف تعرف هذا الحرف ماء غير ياسن أم آسن؟ فقال كل القرآن قد قرأت؟ قال اني لأقرأ المفصل أجمع في ركعة واحدة (4) فقال (يعني ابن مسعود) أهذا الشعر لا أبالك (5) قد علمت قرائن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل وكان أول مفصل ابن مسعود الرحمن (6)(ما جاء في سورة الذاريات)(عن عبد الله بن مسعود)(7) قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (اني انا الرزاق ذو القوة المتين)(8)(ما جاء في سورة القمر)(وعنه أيضا)(9) قال اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)(10) فقال رجل يا أبا عبد الرحمن مدكر أو مذكر قال اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم مدكر (ما جاء في سورة الطلاق)(عن ابن عمر)(11) قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم

العلماء (كهذة الشعر) معناه في تحفظه وروايته لا في اسناده وترنمه لأنه يرتل في الانشاد والترنم في العادة (1) معناه أن قوما ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب (وقوله اني لأعرف النظائر) إلى آخر الحديث تقدم تفسيره والكلام عليه في باب قراءة سورتين أو أكثر في ركعة من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 212 رقم 554 فارجع اليه (2)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد ثنا عاصم عن زر (يعني ابن حبيش) ان رجلا الخ (3) هو نهيك (بوزن عظيم) ابن سنان المذكور في الطريق الأولى (4) جاء في الطريق الأولى أنه كان يقرأ المفصل في ركعتين فيحتمل انه كان يقرؤه في بعض الأحيان في ركعة وفي بعضها في ركعتين وفي رواية مسلم في ركعة والله أعلم (5) هذه الكلمة ظاهرها الدعاء عليه بفقد أبيه ولكنها كلمة جارية على السنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به كما يقولون قاتله الله بل قد يراد بها المدح والله أعلم (6) في ذلك خلاف عند العلماء ذكرته في شرح الحديث الأول من باب قراءة سورتين أو أكثر في ركعة الخ من كتاب الصلاة في الجزء الثالث 211 فارجع اليه (تخريجه)(م مذ طل) و (خ د) مختصرا (7)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن عبد الرحمن ابن يزيد عن عبد الله بن مسعود الخ (غريبه)(8) هذه قراءة ابن مسعود وهي قراءة شاذه والقراءة المتواترة (ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين)(تخريجه)(د نس مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح (9)(سنده) حدثنا حجاج حدثنا اسرائيل عن ابي اسحق عن الأسود عن ابن مسعود قال اقرأني الخ (غريبه)(10) بالدال المهملة كما هو قراءة حفص وسبب ذلك ان بعض السلف قرأها بالمعجمة وهو منقول أيضا عن قتادة وأصل مدكر بمثناه بعد ذال معجمة فأبدلت التاء دالا مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم ادغمت وفي رواية للبخاري عن عبد الله قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (فهل من مذكر) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (فهل من مدكر) وفي رواية أخرى له قال وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها (فهل من مدكر) دالا (تخريجه)(ق والثلاثة)(11)(سنده) حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع فقال ابن عمر قرأ

ص: 44

النساء فطلقوهن في قبل عدتهن (1)(باب ما جاء في سورة الليل)(عن علقمة)(2) أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق فصلى فيه ركعتين وقال اللهم ارزقني جليسا صالحا قال فجاء فجلس إلى أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء ممن أنت؟ قال من أهل الكوفة قال كيف سمعت ابن ام عبد (3) يقرأ (والليل اذا يغشي والنهار اذا تجلى) قال علقمة (والذكر (4) والأنثى) فقال أبو الدرداء لقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال هؤلاء حتى شككوني (وفي رواية وهؤلاء يريدون أن اقرأ)(وما خلق)(5) فلا أتابعهم (6) ثم قال ألم يكن فيكم صاحب السواد (7) وصاحب

النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(1) قال في النهاية (وفي رواية في طهرهن) أي في اقباله وأوله حيث يمكنها الدخول في العدة والشروع فيها فتكون لها محسوبة وذلك في حالة الطهر يقال كان ذلك في قبل الشتاء أي اقباله اهـ (قال النووي) هذه قراءة ابن عباس وابن عمر وهي شاذة لا تثبت قرآنا بالاجماع ولا يكون لها حكم خبر الواحد عندنا وعند محققي الأصوليين اهـ وقال ابو حيان في تفسير البحر ما روى عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من أنهم قرءوا (فطلقوهن في قبل عدتهن) وعن عبد الله (لقبل طهرهن) هو على سبيل التفسير لاعلى أنه قرآن لخلافه سواد المصحف الذي اجمع عليه المسلمون شرقا وغربا والله أعلم (تخريجه)(م فع)(2)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون أنا سعبة عن مغيرة عن ابراهيم عن علقمة انه قدم الشام الخ (غريبه)(3) يعني عبد الله بن مسعود (4) بكسر الراء معطوف على النهار وعلى هذا فالمعنى أنه عز وجل أقسم بالليل والنهار والذكر والأنثى من جميع خلقه وهذه قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء وعلقمة وفي رواية للبخاري من طريق سفيان عن الاعمش ان علقمة قال (فقرأت والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى والذكر والأنثى) قال انت سمعت من في صاحبك؟ قلت نعم (قال الحافظ) هذا صريح في ان ابن مسعود كان يقرؤها كذلك قال وهذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر هنا (يعني ابن مسعود وأبا الدرداء وعلقمة) قال ومن عداهم قرءوا (وما خلق الذكر والأنثى) وعليها استقر الأمر مع قوة اسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ ابا الدرداء ومن ذكر معه والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وابن مسعود واليهما تنتهي القراءة بالكوفة ثم لم يقرأ بها أحد منهم وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرء أحد منهم بهذا فهذا مما يقوى أن التلاوة بها نسخت (قلت) وقراءة الجمهور (وما خلق الذكر والأنثى) هي المتواترة قال الحسن معناه والذي خلق الذكر والانثى فيكون قد أقسم بنفسه عز وجل (وقال أبو عبيدة)(وما خلق) أي ومن خلق وكذا قوله (والسماء وما بناها ونفس وما سواها)(ما) في هذه المواضع بمعنى من اهـ (5) أي (وما خلق الذكر والأنثى)(6) أي لا أتابعهم على هذه القراءة قال ذلك لما تبينه من سماع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعله لم يعلم بنسخه ولم يبلغه مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ على أنه جاء في تفسير القرطبي ان حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين (7) بكسر السين المهملة بعدها واو وقد جاء في الأصل (الوساد) بتقديم الواو على السين وهو خطأ من الناسخ والسواد بالكسر السرار وصاحب السواد هو عبد الله بن مسعود كما فسر في الحديث وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذنك على أن ترفع الحجاب

ص: 45

السر الذي لا يعلمه أحد غيره (1) والذي أجير من الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم (2) صاحب السواد ابن مسعود وصاحب السر حذيفة والذي أجير من الشيطان عمار رضي الله عنهم (وفي لفظ) أن أبا الدرداء قال لعلقمة هل تقرأ على قراءة ابن مسعود؟ قال قلت نعم قال فاقرأ والليل اذا يغشى قلت (والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى والذكر والانثى) قال هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها قال احسب قال فضحك (3)

(أبواب كيفية نزول القرآن)

(باب وقت نزول القرآن وغيره من الكتب السماوية وخوف الصحابة من نزول القرآن فيهم)(عن وائلة بن الأسقع)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انزلت صحف ابراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان والانجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان (عن ابن عمر)(5) قال كنا نتقي كثيرا من الكلام والانبساط الى نسائنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن ينزل فينا القرآن فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمنا (باب أول ما نزل من القرآن)(عن عائشة رضي الله عنها (6)

وتستمع سوادي حتى أنهاك يقال ساودت الرجل مساودة اذا ساورته قيل هو من ادناء سوادك من سواده أي شخصك من شخصه (1) صاحب السر هو حذيفة بن اليمان كما فسر في الحديث أيضا والظاهر أنه وصف بذلك لأنه أكثر الصحابة سؤالا عن الغيبيات وعلامات الساعة وأحوال الآخرة فقد روى الامام احمد بسند جيد عن حذيفة أنه قال أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة فما من شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة وسيأتي في باب ما رواه حذيفة في الفتن من كتاب الفتن وعلامات الساعة (2) الذي أجير من الشيطان هو عمار بن ياسر كما ذكر في الحديث فقد جاء عن أبي حيثمة بن عبد الرحمن قال جلست الى أبي هريرة وقلت حدثني فقال أبو هريرة ممن أنت؟ قلت من أهل الكوفة قال تسألني وفيكم علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجار من الشيطان عمار بن ياسر رواه ابن عساكر والظاهر ان ابا الدرداء خص هؤلاء الثلاثة بالذكر لأنهم كانوا يقرءون كقراءته والله سبحانه وتعالى أعلم (3) جاء عند مسلم فضحك ثم قال هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق مذ)(باب)(4)(سنده) حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا عمران أبو العوام عن قتادة عن أبي المليح عن وائلة بن الأسقع الخ (تخريجه) أخرجه البيهقي في شعب الايمان وسنده حسن وأورده الحافظ في الفتح ثم قال وهذا كله مطابق لقوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ولقوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) فيحتمل أن يكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة الى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول اقرأ باسم ربك (5)(سنده) حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر الخ (تخريجه)(خ جه)(باب)(6)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري فذكر حديثا ثم قال قال الزهري

ص: 46

قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي (1) الرؤيا الصادقة (2) في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل (3) فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء (4) فكان يأتي غار حراء (5) فيتحنث فيه وهو التعبد (6) الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها (7) حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه (8) الملك فيه فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بقارئ (9) قال فأخذني فغطني (10) حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني (11) فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ مالم يعلم (يعني علم الإنسان

فأخبرني عروة عن عائشة انها قالت أول ما بدئ به الخ (غريبه)(1) يحتمل أن يكون (من) تبعيضية أي من أقسام الوحي ويحتمل أن تكون بيانية ورجحة القزاز (2) هي التي ليس للشيطان فيها نصيب وبدئ بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة ثم مهد له في اليقظة ايضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر (3) بنصب مثل على الحال أي مشبهة ضياء الصبح او على أنه صفة لمحذوف أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح والمراد بفلق الصبح ضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه وانما ابتدئ بالرؤيا لئلا يفاجئ الملك ويأتيه بصريح النبوة فلا تحتمله القوى البشرية (4) أي الهمه الله تعالى حب الخلاء والخلاء بالمد الخلوة والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له (5) بكسر الحاء المهملة والمد اسم جبل معروف بمكة والغار نقب فيه وخص حراء بالتعبد فيه لأنه يرى الكعبة منه وهو عبادة (وقوله فيتحنث) هي بمعنى يتحنف أي يتبعي الحنيفية وهي دين ابراهيم ووقع في رواية ابن هشام في السيرة يتحنف بالفاء والتحنث القاء الحنث وهو الاثم كما قيل يتأثم ويتحرج (6) وهو التعبد الخ هذه الجملة مدرجة في الحديث وهي من تفسير الزهري كما جزم به الطيبي وفي رواية للبخاري من طريق يونس عن الزهري في التفسير ما يدل على الادراج (قال الحافظ) وقوله الليالي ذوات العدد يتعلق بقوله يتحنث وابهم لاختلافه كذا قيل وهو بالنسبة الى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهل والا فاصل الخلوة عرفت مدتها وهي شهر وذلك الشهر كان رمضان رواه ابن اسحاق (والليالي) منصوبة على الظرف وذوات منصوبة أيضا وعلامة النصب فيه كسر التاء (7) أي الليالي والتزود استصحاب الزاد ويتزود معطوف على يتحنث وخديجة هي أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي (وقوله فجئه) بكسر الجيم أي جاءه الأمر الحق بغتة (8) قال الحافظ هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى تعقب به بل هو نفسه ولا يلزم من هذا التقرير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه بل التفسير عين المفسر به من جهة الاجمال وغيره من جهة التفصيل (9) ما نافية والياء زائدة لتأكيد النفي أي ما أحسن القراءة (10) بغين معجمة وطاء مهملة مشددة والغط حبس النفس ومنه غطه في الماء أو أراد غمنى ومنه الخنق ولأبي داود الطيالسي في مسنده بسند حسن فأخذ بحلقى (وقوله حتى بلغ من الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال المهملة أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعى فهو مفعول حذف فاعله ويروى الجهد بضم الجيم والدال أي بلغ الجهد مني مبلغه وكذا يقال فيما بعده وهذا الغط ليفرغه عن النظر إلى أمور الدنيا ويقبل بكليته إلى ما يلقى اليه وكرره للمبالغة وقيل الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا والثانية ليتفرغ لما يوحى اليه والثالثة للمؤانسة (11) اي اطلقني بعد أن قلت ما أنا بقارئ ثلاث مرات

ص: 47

ما لم يعلم (1) الحديث ذكر بتهامه في باب بدء الوحي من كتاب السيرة النبوية في قسم التاريخ (عن أبي سلمة)(2) قال سألت جابرا أي القرآن أنزل قبل؟ فقال يا أيها المدثر (3) فقلت أو اقرأ؟ فقال جابر أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء (4) شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي (5) فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء (6) فأخذتني رجفة (7)

وعقب كل مرة يغطني ويقول اقرأ وفي الثالثة قال لي (اقرأ باسم ربك) اي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن بحول ربك واعانته فهو يعلمك كما خلقك (1) معناه انه قال (اقرأ باسم ربك الذي خلق) يعني الخلائق كلها (خلق الانسان) يعني ابن آدم (من علق) العلق جمع علقة وهي المنى ينتقل بعد طوره فيصير دما غليظا متجمدا ثم ينتقل طورا آخر فيصير لحما وهي المضعة سميت بذلك لأنها مقدار ما يمضغ (اقرأ) كرره تأكيدا ثم استأنف فقال (وربك الأكرم) أي الحليم عن جهل العباد لا يعجل عليهم بالعقوبة (الذي علم بالقلم) يعني الخط والكتابة (علم الإنسان مالم يعلم) من أنواع الهدى والبيان وقيل علم آدم الأسماء كلها وقيل الانسان هنا محمد لقوله تعالى (وعلمك مالم تكن تعلم) الحديث له بقية وسيأتي بتمامه في باب بدء الوحي من كتاب السيرة النبوية في قسم التاريخ ان شاء الله تعالى وانما ذكرت هذا الطرف منه هنا للاستدلال به على ان اول ما نزل من القرآن (اقرأ باسم ربك الذي خلق - الآيات)(تخريجه)(ق وغيرهما) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات وهن أول رحمة رحم الله بها العباد وأول نعمة أنعم الله بها عليهم وفيها التنبيه على ابتداء خلق الانسان من علقة وانه من كرمه تعالى أن علم الانسان مالم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به ابو البرية آدم على الملائكة والعلم تارة يكون في الأذهان وتارة يكون في اللسان وتارة يكون في الكتابة بالبنان ذهني ولفظي ورسمي والرسمي يستلزمهما من غير عكس فلهذا قال (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم) جل شأن الله (2)(سنده) حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي انه سمع يحيى ووكيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير المعنى قال سألت أبا سلمة (يعني ابن عبد الرحمن) أي القرآن أنزل قبل؟ فقال يا أيها المدثر قال يحيى فقلت لأبي سلمة أو اقرأ؟ فقال سألت جابرا الخ (غريبه)(3) اصله التدثر أدغمت التاء في الدال أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه (وقوله أو اقرأ) اي اقرأ باسم ربك الذي خلق (4) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد وحكى الأصيلي فتحها والقصر وعزاها في القاموس للقاضي عياض قال وهي لغة وهو مصروف أن اريد المكان وممنوع ان اريد البقعة فهي أربعة التذكير والتأنيث والمد والقصر وكذا حكم قباء وقد نظم بعضهم أحكامهما في بيت فقال (حرا وقبا وانثهما معا * ومد أو قصر واصرفن وامنع الصرفا) وحراء جبل بينه وبين مكه نحو ثلاثة اميال على يسار الذاهب الى منى (5) معناه انه نزل من الجبل حتى صار في بطن الوادي (6) جاء في الطريق الثانية فرفعت بصري قبل السماء فاذا الملك الذي جاءني بحراء الآن قاعد على كرسي بين السماء والأرض وهي مفسرة لهذه الرواية والأحاديث يفسر بعضها بعضا والملك هو جبريل عليه السلام (7) أي رعشة واضطراب يقال رجفت يده ارتعشت من مرض أو كبر

ص: 48

شديدة فأتيت خديجة فقلت دثروني (1) فدثروني وصبوا علي ماءا فأنزل الله عز وجل (يا أيها المدثر قم فأنذر (2) وربك فكبر وثيابك فطهر) (وعنه من طريق ثان)(3) قال اخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم فتر الوحي عني فترة (4) فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك (5) الذي جاءني بحراء الآن قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجششت (6) منه فرقا حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني زملوني فزملوني فأنزل الله عز وجل (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) قال أبو سلمة الرجز الأوثان ثم حمى الوحي (7) بعد وتتابع

ورجفته الحمى أرعدته (1) أي لفوني بالثيات (2) أي حذر من العذاب من لم يؤمن بك (وربك فكبر) أي عظمه عما يقوله عبدة الأوثان (وثيابك فطهر) قال قتادة ومجاهد نفسك فطهر من الذنب فكنى عن النفس بالثوب وهو قول ابراهيم والضحاك والشعبي والزهري وقال عكرمة سئل ابن عباس عن قوله (وثيابك فطهر) فقال لا تلبسها على معصية ولا على غدر ثم قال أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي (واني بحمد الله لا ثوب فاجر * لبست ولا من غدرة أتقنع) والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء انه طاهر الثياب وتقول لمن غدر إنه لدنس الثياب (3)(سنده) حدثنا حجاج ثنا ليث ثنا عقيل عن ابن شهاب قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول أخبرني جابر الخ (4) أي انحبس مدة وقد اختلف في مدة فترة الوحي فقيل ثلاث سنين كما في تاريخ الامام احمد وجزم به ابن اسحاق وفي بعض الاحاديث انه قدر سنتين ونصف (قال الحافظ) وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس ان مدة الفترة المذكورة كانت أياما والله اعلم (5) يعني جبريل عليه السلام وقد استدل بقوله (ثم فتر الوحي عني)(وقوله فإذا الملك الذي جاءني بحراء) على هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها اقرأ باسم ربك (6) بضم الجيم وكسر المثلثة الأولى وسكون الثانية أي فزعت وخفت وقيل معناه قلعت من مكاني من قوله تعالى اجتثت من فوق الأرض (7) أي جاء كثيرا (وتتابع) تأكيد معنوي ويحتمل أن يراد بحمى قوي (وتتابع) تكاثر (تخريجه)(ق وغيرهما) وقد اختلف العلماء في أول ما نزل من القرآن على أقوال (أحدها) وهو الصحيح اقرأ باسم ربك وإليه ذهب الجمهور مستدلين بحديث عائشة المذكور أول الباب وبما رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وصححاه عن عائشة قالت أول سورة نزلت من القرآن اقرأ باسم ربك وبأحاديث أخرى كثيرة وذهب جماعة إلى أن اول ما نزل من القرآن سورة يا أيها المدثر قم فأنذر واستدلوا على ذلك بحديث جابر المذكور في الباب وأجاب الأولون عن هذا الحديث أجوبة أحسنها ان السؤال كان عن نزول سورة كاملة فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة اقرأ فإنها أول ما نزل منها صدرها ويؤيد هذا ما في الطريق الثانية من حديث جابر حيث قال (ثم فتر الوحي عني فترة) وفيه ايضا (فإذا الملك الذي جاءني بحراء الخ) فقوله الملك الذي جاءني بحراء يدل على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها اقرأ باسم ربك (واجابوا أيضا) بأن جابرا استخرج ذلك باجتهاده وليس هو من روايته فيتقدم عليه ما روته عائشة قاله الكرماني وهناك أجوبه غير ذلك لا نطيل الكلام بذكرها وقيل أول ما نزل من القرآن الفاتحة

ص: 49

(باب نزول القرآن على سبعة أحرف)(عن أبي بكرة)(1) أن جبريل عليه السلام قال يا محمد اقرأ القرآن على حرف (وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل وميكائيل عليهما السلام فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف) قال ميكائيل عليه السلام استزده فاستزاده قال اقرأه على حرفين قال ميكائيل استزده فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف (2) قال كل شاف (3) كاف ما لم تختم (4) آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب نحو قولك تعالى (5) وأقبل وهلم واذهب واسرع وأعجل (عن عمرو بن العاص)(6) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال نزل القرآن على سبعة أحرف على اي حرف قرأتم فقد أصبتم فلا تماروا فيه فإن المراء فيه كفر (7)

وقيل بسم الله الرحمن الرحيم ذكر هذه الأقوال جميعها وغيرها الحافظ السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن (باب)(1)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة الخ (غريبه)(2) قال الخطابي اختلف الناس في تفسير قوله (سبعة أحرف) فقال بعضهم يعني الحروف اللغات يريد أنه نزل على سبعة لغات من لغات العرب من أفصح اللغات واعلاها في كلامهم قالوا وهذه اللغات متفرقة في القرآن غير مجتمعة في الكلمة الواحدة والى نحو من هذا أشار ابو عبيد (وقال القتي) لا نعرف في القرآن حرفا يقرأ على سبعة أوجه (وقال ابن الإنباري) هذا غلط وقد وجد في القرآن حروف تصح أن تقرأ على سبعة أحرف منها قوله تعالى (وعبد الطاغوت) وقوله تعالى (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) وذكر وجوهها كأنه يذهب في تأويل الحديث إلى ان بعض القرآن أنزل على سبعة أحرف لا كله (وقد ذكر بعضهم) فيه وجها آخر قال وهو من القرآن أنزل مرخصا للقارئ وموسعا عليه أن يقرأه على سبعة أحرف أي يقرؤه بأي حرف شاء منها على البدل من صاحبه ولو أراد ان يقرأ على معنى ما قاله ابن الانباري لقيل أنزل القرآن بسبعة أحرف فإنما قيل على سبعة أحرف ليعلم انه به هذا المعنى أي كأنه أنزل على هذا من الشرط أو على هذا من الرخصة والتوسعة وذلك لتسهل قراءته على الناس ولو أخذوا بأن يقرءوه على حرف واحد لشق عليهم ولكان ذلك داعية للزهادة فيه وسببا للنفور عنه (وقيل فيه وجه آخر) وهو أن المراد به التوسعة ليس حصر العدد اهـ (قلت) وسيأتي لذلك مزيد بحث في آخر الباب (3) أي شاف لأمراض القلوب والنفوس (كاف) لكل طالب من أحكام وأخلاق وتبشير وتحذير وغير ذلك (4) جاء في بعض الروايات مالم تخلط بدل تختم أي بحيث تغير المعنى فهو ممنوع (5) نحو قولك تعالى وأقبل الخ هذه الأمثلة ترجع إلى قوله (كل شاف كاف) أي يجوز أن تقول هلم بدل اقبل وهكذا اذ كلها بمعنى واحد لكن بشرط ان يصح سنده وان يوافق ما في المصحف الامام الذي أمر عثمان بنسخه وجمع الناس عليه (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه احمد والطبراني بنحوه إلا أنه قال واذهب وادبر وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو سيء الحفظ وقد توبع وبقية رجال احمد رجال الصحيح (6)(سنده) حدثنا سعيد مولى بني هاشم قال ثنا عبد الله بن جعفر يعني المخرمي قال ثنا يزيد بن عبد الله بن اسامة بن الهاد عن بسر بن سعيد عن ابي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص الخ (7)(غريبه) تقدم الكلام على المراء في القرآن وانه كفر في الحديث الثالث في الباب الأول من أبواب القراءات وجواز اختلافها صحيفة 38 رقم 93 (تخريجه) لم أقف

ص: 50

(عن أبي بن كعب)(1) قال قرأت آية وقرأ ابن مسعود خلافها (جاء في رواية وقرأ رجل خلافها) فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال بلى فقال ابن مسعود ألم تقرئنيها كذا وكذا؟ فقال بلى كلاكما محسن مجمل قال فقلت له (2) فضرب في صدري فقال يا أبي بن كعب اني اقرئت القرآن فقيل لي على حرف (3) أو على حرفين؟ فقال الملك الذي معى على حرفين فقلت على حرفين فقال على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي على ثلاثة فقلت على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف (4) ليس منها إلا شاف كاف إن قلت غفورا رحيما أو سميعا عليما أو قلت عليما سميعا فالله كذلك مالم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب (زاد في رواية بعد قوله فضرب في صدري) قال اللهم اذهب عن أبي الشك ففضت عرقا (5) وامتلأ جوفي فرقا (6) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبي ان ملكين أتياني (7) فقال أحدهما اقرأ على حرف فقال الآخر زده فقلت زدني قال اقرأ على حرفين فقال الآخر زده فقلت زدني فقال اقرأ على ثلاثة فقال الآخر زده فقلت زدني فقال اقرأ على أربعة قال الآخر زده قلت زدني قال اقرأ على خمسة أحرف قال الآخر زده قلت زدني قال اقرأ على ستة قال الآخر زده (8) قال اقرأ على سبعة أحرف (عن حذيفة)(9) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقيت جبريل عند أحجار المراء (10) فقلت يا جبريل اني ارسلت إلى أمة أمية (11)

عليه لغير الامام احمد وسنده جيد وأورده الهيثمي وسكت عنه وجود الحافظ ابن كثير اسناده وحسنه الحافظ في الفتح (1)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب الخ (غريبه)(2) القائل فقلت له هو أبي بن كعب وجاء في رواية أخرى (فقلت بيدي قد أحسنت مرتين) ومعناه انه اشار بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال كيف تقول لي قد أحسنت وتقول له قد أحسنت وجاء في رواية عند الطبري فقلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدري ثم قال اللهم اذهب عن ابي الشك إلى آخر ما جاء في الرواية الثانية (3) القائل على حرف هو جبريل عليه السلام كما يستفاد من الحديث السابق (وقوله فقال الملك الذي معي) هو ميكائيل عليه السلام كما تقدم في الحديث السابق أيضا (4) حتى بلغ سبعة أحرف الخ قال في فتح الودود هذا يفيد أنه كما رخص في اللغات السبع كذلك رخص لهم في رءوس الآيات بما يناسب المقام من أسماء الله تعالى من غير تقييد ببعض والله أعلم اهـ (قلت) بشرط ان يصح سنده ويكون موافقا للمصحف الإمام (5) أي سال عرقي من جميع جسمي استحياءا منه صلى الله عليه وسلم (6) بفتح الراء أي خوفا ورعبا (7) هما جبريل وميكائيل عليهما السلام (8) لم يذكر في الأصل في هذا الموضع (قلت زدني) فاما ان تكون سقطت من الناسخ أو حذفت من الحديث للعلم بها كما تقدم والله أعلم (تخريجه)(م د) بسياق غير هذا والمعنى واحد وللنسائي في اليوم والليلة نحوه ورواه أيضا ابن جرير في تفسيره وسنده جيد (9)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد يعني ابن سلمة عن عاصم عن زر (يعني ابن حبيش) عن حذيفة (يعني ابن اليمان) الخ (غريبه)(10) قال في النهاية هي بكسر الميم قباء فأما المراء بضم الميم فهو داء يصيب النخل (11) قال تعالى (هو الذي بعث الأميين رسولا منهم) والأمي لا يكتب ولا يقرأ كتابا

ص: 51

الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لا يقرأ كتابا قط (1) قال في القرآن نزل على سبعة أحرف (2)(وعنه من طريق ثان)(3) قال لقى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل وهو عند أحجار المراء فقال ان امتك يقرءون القرآن على سبعة أحرف فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم ولا يرجع عنه قال أبي (4) وقال ابن مهدي ان من امتك الضعيف فمن قرأ منهم على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه (عن أبي بن كعب)(5) قال لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء (6) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل اني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام قال فمرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف (عن سمرة بن جندب)(7) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل القرآن على سبعة أحرف (عن أم أيوب)(8) قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أجزاك (عن عبادة)(9) أن أبي بن كعب قال قال رسول

وقال صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى (1) المعنى أني بعثت إلى أمة أميين منهم هؤلاء المذكورون فلو أقرأتهم على قراءة واحدة لا يقدرون عليها (2) أي رحمة بهم وتيسيرا لهم ليقرأ كل واحد منهم بما تيسر له (3)(سنده) حدثنا وكيع عن سفيان عن ابراهيم بن مهاجر عن ربعي بن حراش قال حدثني من لم يكذبني يعني حذيفة قال لقى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل الخ (4) القائل قال أبي هو عبد الله بن الامام احمد وابن مهدي هو عبد الرحمن بن مهدي قال في رواية أخرى أن من أمتك الخ يحكي قول جبريل عليه السلام (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن وقال هذا اسناد صحيح ولم يخرجوه (5)(سنده) حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عاصم عن زر (يعني ابن حبيش) عن ابي الخ (غريبه)(6) بكسر الميم آخره همزة تقدم الكلام عليه في الحديث السابق (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح (7)(سنده) حدثنا بهز ثنا حماد بن سلمة أنا قتادة عن الحسن عن سمرة الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد واورده الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن وعزاه للامام احمد وقال اسناد صحيح ولم يخرجوه (8)(سنده) حدثنا سفيان (بن عيينة) ثنا عبيد الله (بن أبي يزيد) عن أبيه عن ام أيوب (يعني امرأة أبي أيوب الأنصارية كما جاء في بعض الروايات) قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أجزاك (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن وقال هذا اسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وعزاه للامام أحمد فقط (قلت) واورده الحافظ الهيثمي وعزاه للطبراني في الكبير قال ورجاله ثقات وغفل عن عزوه للامام احمد (9)(سنده) حدثنا عفان قال ثنا حماد قال أخبرنا حميد عن أنس عن عبادة (يعني ابن الصامت) ان ابي بن كعب الخ (تخريجه) الحديث سنده صحيح وأورده الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن مطولا ثم قال وقد رواه النسائي من حديث يزيد وهو ابن هارون ويحيى بن سعيد القطان كلاهما عن حميد الطويل عن أنس عن أبي بن كعب وكذا رواه ابن أبي عدي ومحمود بن ميمون الزعفراني ويحيى ابن ايوب كلهم عن حميد به ثم قال وقال ابن جرير ثنا محمد بن مرزوق ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن سلمة

ص: 52

الله صلى الله عليه وسلم انزل القرآن على سبعة أحرف (عن ابن عباس)(1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقرأني جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني فانتهى إلى سبعة أحرف (2) قال الزهري وانما هذه الأحرف في الأمر الواحد وليس يختلف في حلال ولا حرام (عن أبي هريرة)(3) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما (وفي رواية) عليم حكيم غفور رحيم

عن حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف فأدخل بينهما عبادة بن الصامت (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) معناه لم أزل أطلب من جبريل أن يطلب من الله الزيادة في الحرف للتوسعة والتخفيف ويسأل جبريل ربه عز وجل فيزيده حتى انتهى إلى السبعة (تخريجه)(ق وغيرهما)(3) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الأول من أبواب القراءات وجواز اختلافها صحيفة 39 رقم 95

(تتمة في أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة)(قال العلماء) سبب انزال القرآن على سبعة أحرف التخفيف والتسهيل ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هون على أمتي كما صرح بذلك في بعض الروايات (واختلف العلماء) في المراد بسبعة أحرف (قال القاضي عياض) قيل هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر قال وقال الأكثرون هو حصر للعدد في سبعة ثم قيل هي سبعة في المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي ثم اختلف هؤلاء في تبيين السبعة (وقال آخرون) هي في أداء التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من ادغام واظهار وتفخيم وترقيق وامالة لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل انسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه (وقال آخرون) هي الألفاظ والحروف ثم اختلف هؤلاء فقيل سبع قراءات وأوجه (وقال أبو عبيد) سبع لغات العرب يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها وقيل بل السبعة لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة وقيل بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى وعبد الطاغوت ونرتع ونلعب وباعد بين أسفارنا وبعذاب بئيس وغير ذلك (وقال القاضي أبو بكر الباقلاني) الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأمة وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها وانما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا وان هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضاربة ولا متنافية (وذكر الطحاوي) ان القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة للضرورة لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة كانت قراءة واحدة قال المازري وأما قول من قال المراد سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وابدال حرف بحرف وقد تقرر اجماع المسلمين أنه يحرم ابدال آية أمثال بآية أحكام قال وقول من قال خواتيم الأي فجعل مكان غفور رحيم سميع بصير فاسد أيضا للاجماع على منع تغيير

ص: 53

(باب آخر مانزل من سورة القرآن وآياته)(عن البراء)(1) قال آخر سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كاملة براءة وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء يستفتونك الخ السورة (2)(عن جبير بن نفير)(3) قال دخلت على عائشة فقالت هل تقرأ سورة المائدة؟ قال قلت نعم قالت فإنها آخر سورة نزلت (4) فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت القرآن (عن سعيد بن المسيب)(5) قال قال عمر رضي الله عنه أن آخر ما نزل من القرآن آية الربا (6) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها فدعوا الربا

القرآن للناس هذا مختصر ما نقله القاضي عياض في المسألة والله أعلم (فصل) قال القرطبي قال كثير من علمائنا كالمداووني وابن أبي صفرة وغيرهما هذه القراءات السبع (يعني التي يقرأ الناس اليوم بها) ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها وانما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف ذكره ابن النحاس وغيره (قلت) وزاد بعضهم ان عثمان رضي الله عنه رتب لهم المصاحف الأثمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان كان من عمره صلى الله عليه وسلم وعزم عليهم ألا يقرءوا بغيرها وأن لا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة لأنها أدنى إلى الفرقة والاختلاف وتكفير بعضهم بعضا كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حين تتابعوا فيها وأكثروا منها قال فلو انا أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (قال القرطبي) وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر واجازها وانما اختار القراءة المنسوبة اليه لأنه رآها أحسن وأولى عنده قال وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الاجماع على الصواب وحصل ما وعد الله من حفظه الكتاب والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا حجين ثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء (يعني ابن عازب) الخ (غريبه)(2) يريد قوله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وان كانوا أخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم ان تضلوا والله بكل شيء عليم (تخريجه)(ق د نس)(3)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا معاوية عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير الخ (غريبه)(4) هذا ينافي ما تقدم في حديث البراء أن آخر سورة نزلت (براءة) ولا منافاة لأن في حديث البراء أن آخر سورة نزلت كاملة براءة فلا ينافي أن المائدة نزلت غير كاملة (تخريجه)(مذ ك) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي (5)(سنده) حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب الخ (غريبه)(6) هذا يعارض ما تقدم في حديث البراء أن آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء (يستفتونك) ولا معارضة لأنه يحتمل أن يقال انها آخر آية نزلت باعتبار نزول أحكام الميراث وآية الربا آخر آية نزلت باعتبار أحكام الربا والله أعلم (تخريجه)(جه) وسنده ضعيف لانقطاعه لأن سعيد ابن المسيب لم يدرك عمر لكن يعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس قال آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا (وفي الباب) عن أبي بن كعب قال آخر آية نزلت (لقد جاءكم رسول من أنفسكم

ص: 54

والريبة (باب معارضة جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم للقرآن)(عن ابن عباس)(1) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض (2) الكتاب على جبريل عليه السلام في كل رمضان (3) فإذا أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي يعرض فيها ما يعرض أصبح وهو أجود من الريح المسلة (4) لا يسئل عن شيء إلا اعطاه فلما كان في الشهر الذي هلك (5) بعده عرض عليه عرضتين (6) عن مجاهد

الآية) رواه (حم ك) وصححه وسيأتي في آخر تفسير سورة التوبة (وأخرج مسلم) عن ابن عباس قال آخر سورة نزلت (اذا جاء نصر الله والفتح) قال البيهقي يجمع بين هذه الاختلافات ان صحت ان كل واحد أجاب بما عنده (وقال القاضي) أبو بكر في الانتصار هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما قاله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن ويحتمل أيضا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول صلى الله عليه وسلم مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب والله أعلم (تنبيه) قال الحافظ السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن بعد ذكر آثار كثيرة في آخر ما نزل من القرآن ما نصه من المشكل على ما تقدم قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال لم ينزل بعدها حلال ولا حرام مع أنه ورد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم باقرارهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون لا يخالطهم المشركون ثم أيده بما أخرجه من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال كان المشركون والمسلمون فلما نزلت براءة نفى المشركون عن البيت وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من تمام النعمة (وأتممت عليكم نعمتي) والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا يعلي حدثنا محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) بكسر الراء من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء أي يقرأ والمراد يستعرضه ما أقرأه اياه والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرؤ والآخر يستمع (والكتاب) هو القرآن (3) يعني مرة كما يستفاد من الحديث التالي خص بذلك رمضان من بين الشهور لأن ابتداء الايحاء كان فيه ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه ومن ثم كثر اجتهاد الأئمة في تلاوة القرآن (4) أي المطلقة فهو من الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضار ومنها المبشر بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثاني قال تعالى (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) فالريح المرسلة تستمر مدة ارسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الاسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود منه صلى الله عليه وسلم حقيقة ومن الريح مجاز فبمجموع ماذكر من رمضان ومدارسة القرآن وملاقات جبريل يتضاعف جوده لأن الوقت موسم الخيرات ونعم الله على عباده تربو فيه غيره وانما دارسه بالقرآن في كل سنة مرة لكي يتقرر عنده ويرسخ أتم رسوخ فلا ينساه وكان هذا انجاز وعده تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال له (سنقرئك فلا تنسى)(5) اي توفي بعده يعني آخر رمضان من حياته صلى الله عليه وسلم (6) انما عرضه في هذا العام عرضتين ليبقى ما بقى ويذهب ما نسخ توكيدا واستثباتا وحفظا ولهذا اسر النبي صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة كما في رواية للبخاري

ص: 55

(عن ابن عباس)(1) قال قال (2) أي القراءتين كانت أخيرا؟ أقراءة عبد الله (يعني ابن مسعود) أو قراءة زيد؟ (3) قال قلنا قراءة زيد قال لا ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل كل عام مرة فلما كان في العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين وكان آخر القراءة قراءة عبد الله (4)(ومن طريق ثان)(5) عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال أي القراءتين تعدون أول؟ قالوا قراءة عبد الله قال لا بل هي الآخرة كان يعرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين فشهد عبد الله فعم ما نسخ منه وما بدل (عن أبي هريرة)(6) قال كان يعرض (يعني جبريل) على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم القرآن في كل سنة مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين (7)

أن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة (يعني مرة) وانه عارضني العام مرتين ولا أراده (بضم الهمزة أي أظنه) إلا حضر أجلي (تخريجه)(مذ) في الشمائل وأخرجه الشيخان بسياق غير هذا والمعنى واحد (1)(سنده) حدثنا محمد بن سابق حدثنا اسرائيل عن ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) يعني ابن عباس (3) يعني ابن ثابت (4) يعني ابن مسعود رضي الله عنه وفيه منقبة لعبد الله بن مسعود وان قراءته من أثبت القراءات لأنه حضر العرضة الأخيرة فعلم ما ثبت منه وما نسخ كما في الطريق الثانية والله أعلم (5)(سنده) حدثنا يعلى ومحمد المعنى قالا حدثنا الأعمش عن ابي ظبيان الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم بز) ورجال احمد رجال الصحيح وذكر ان في الصحيح بعضه يشير إلى الحديث السابق (6)(سنده) حدثنا يحيى بن اسحاق أخبرني أبو بكر يعني ابن عياش قال ثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة الخ (غريبه)(7) تقدم ذكر الحكمة في تكرار العرض في السنة الأخيرة (وقال الحافظ) ويحتمل أن يكون السر في ذلك أن رمضان من السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي ثم تتابع فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة مرتين ليستوى عدد السنين والعرض اهـ (تخريجه)(خ د نس جه)(وفي أحاديث الباب) تعظيم شهر رمضان غير ما تقدم في كتاب الصيام لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات ما لا يحصى ويستفاد منها أيضا أن فضل الزمان انما يحصل بزيادة العبادة (وفيها) أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير (وفيها) استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وان كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ (وفيها) ان ليل رمضان أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ويحتمل أنه كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان اجزاءا فيقرء كل ليلة جزءا في جزء من الليلة والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولوا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي أفاده الحافظ

ص: 56

(باب جواز نسخ بعض القرآن والدليل على ذلك)(عن ابن عباس)(1) قال قال عمر على أقضانا (2) وأبي أقرؤنا (3) وإنا لندع كثيرا من لحن أبي (4) وأبي يقول سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي رواية أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ادعه لشيء (5) والله تبارك وتعالى يقول (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها (6) أو مثلها) (وعنه من طريق ثان)(7) قال خطبنا عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي أقضانا وأبي أقرؤنا وإنا لندع من قول أبي شيئا وان أبيا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء وأبي يقول لا أدع ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نزل بعد أبي كتاب (8)(ز)(عن أبي بن كعب)(9) قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الفجر

(باب)(1)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) أي أعلمنا بالقضاء يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3) أي لكتاب الله تعالى وأبي هو ابن كعب رضي الله عنه (4) معناه انا نترك شيئا كثيرا من قول أبي أي من قراءته مما نسخ من كتاب الله عز وجل (5) اي كان لا يقول بنسخ تلاوة شيء من القرآن لكونه لم يبلغه النسخ فرد عليه عمر بقوله والله تبارك وتعالى يقول (ما ننسخ من آية أو ننسها) بضم النون وكسر المهملة فإنه يدل على ثبوت النسخ في البعض (والنسخ لغة) الإزالة أو النقل من غير إزالة ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد بتلاوتها أو الحكم المستفاد منهما أو بهما جميعا فمثال نسخ قراءتها وابقاء حكمها نحو (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) والحكم فقط نحو (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) والحكم والتلاوة نحو (عشر رضعات يحرمن) فقد روى مسلم والشافعي في مسنده عن عائشة (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخت بخمس)(ويكون بلا بدل) كالصدقة امام نجواه صلى الله عليه وسلم (وبيدل) مماثل كالقبلة (وأخف) كعدة الوفاة (وأثقل) كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفية قال تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية) والله أعلم وقوله تعالى (أو ننسها) قرأ أبو عمرو وابن كثير (أو ننسأها) بفتح النون والسين والهمزة أي نؤخر نزولها أو نسخها وقيل نذهبها عنكم حتى لا تقرء ولا تذكر وقرأ الباقون (ننسها) بضم النون من النسيان الذي بمعنى الترك (قال أهل اللغة والنظر) ان معنى أو ننسها نبح لك تركها من نسى إذا ترك ثم تعدية قال أبو علي وغيره ذلك متجه لأنه بمعنى تجعلك تتركها وقيل من النسيان على بابه الذي هو عدم الذكر على معنى أو ننسكها يا محمد فلا تذكرها (6) أي بما هو أنفع لكم وأسهل عليكم وأكثر لأجركم لا أن ىية خير من آية لان كلام الله واحد وكله خير (وقوله تعالى أو مثلها) أي في المنفعة والثواب فكل ما نسخ إلى الأيسر فهو أسهل في العمل وما نسخ إلى الأشق فهو في الثواب أكثر (7)(سنده) حدثنا سويد بن سعيد في سنة ست وعشرين ومائتين ثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خطبنا عمر الخ (8) يعني قرآنا لم يبلغه (تخريجه)(خ) قال القسطلاني هذا الحديث موقوف وأخرجه الترمذي عن أنس مرفوعا وجاء عند البغوي مرفعا أيضا (أقضى أمتي علي بن أبي طالب)(9)(ز)(سنده) حدثنا يحيى بن داوود الواسطي ثنا اسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن زر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب الخ

ص: 57

وترك آية فجاء أبي وقد فاته بعض صلاة فلما انصرف (1) قال يا رسول الله نسخت هذه الآية أو أنيستها؟ (2) قال لا بل أنسيتها (3)(باب ذكر آيات كانت في القرآن ونسخت)(ز)(عن زر بن حبيش)(4) عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال كم تقرءون (5) سورة الأحزاب؟ قال بضعا وسبعين آية قال لقد قرأتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وان فيها آية الرجم (وعنه من طريق ثان)(6)(ز) عن أبي أيضا قال قال لي ابي بن كعب كأين (7) تقرأ سورة الأحزاب أو كأين (8) تعدها؟ قال قلت له ثلاثا وسبعين آية (9) فقال قط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنها فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم (10)(عن كثير بن الصلت)(11) قال كان ابن العاص (12) وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البته (13) فقال عمر لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت اكتبنيها قال شعبة (14) فكأنه

(غريبه)(1) أي فلما انصرف أبي من صلاته قال يا رسول الله الخ (2) يعني انساك الله إياها (3) من النسيان الذي بمعنى الترك أي أباح الله له تركها وقيل من النسيان الذي هو عدم الذكر والله أعلم (تخريجه) الحديث من زوائد عبد الله بن الامام احمد على مسند أبيه ولم أقف عليه لغيره ورجاله كلهم ثقات (باب)(4)(سنده)(ز) حدثني وهب بن بقية أنا خالد بن عبد الله الصحابي عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن جحيش الخ (غريبه)(5) أي كم آية تقرءون الخ (6)(سنده)(ز) حدثنا خلف بن هشام ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر قال قال لي ابي بن كعب الخ (7) هو بمعنى كم كما تقدم في الطريق الأولى وكقوله تعالى (وكأين من دابة لا تحمل رزفها)(8) أو للشك من الراوي ومعناه كم تعدها (9) جاء في الطريق الأولى بضعا وسبعين آية والبضع في العدد بالكسر وقد يفتح ما بين الثلاث إلى التسع وقيل ما بين الواحد إلى العشر لأنه قطعة من العدد وبينت هذه الرواية أن المراد به الثلاث (وقوله فقال قط) قال في المصباح وقط بالسكون بمعنى حسب وهو الاكتفاء بالشيء اهـ وفي النهاية قال وسئل زر بن حبيش عن عدد سورة الأحزاب فقال إما ثلاثا وسبعين أو أربعا وسبعين فقال اقط بألف الاستفهام أي احسب (10) هذه الآية نسخت تلاوتها وبقي حكمها (اقرأ باب دليل رجم الزاني المحصن متنا وشرحا في الجزء السادس عشر صحيفة 81 من كتاب الحدود)(تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي وأورده الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب وعزاه للامام احمد قال ورواه النسائي من وجه آخر عن عاصم وهو ابن أبي النجود وهو أبو بهدلة به وهذا اسناد حسن وهو يقتضي أنه قد كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضا والله أعلم اهـ (قلت) يعني بالقرآن الذي نسخ لفظه وحكمه غير آية الرجم أما آية الرجم فقد نسخ لفظها وبقي حكمها كما تقدم (11)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت الخ (غريبه)(12) هو سعيد بن العاص (13) ليس الحكم قاصرا على الشيخ والشيخة وهما من بلغا سن الشيخوخة بل العبرة بالاحصان سواء كانا شيخان أو شابان وانما خص الشيخ والشيخة بالذكر باعتبار الغالب لأنهما غالبا يكونا قد أحصنا أي سبق لهما زواج (14) شعبة أحد رجال السند يحكي قول عمر لأن القائل (فكأنه كره ذلك) هو عمر رضي الله عنه فقد جاء

ص: 58

كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ اذا لم يحصن (1) جلد وان الشاب اذا زنا وقد أحصن (2)(عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (3) قالت لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرا (4) فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي (5) فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة (6) لنا فأكلتها (ز)(عن زر)(7) عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك (8) قال فقرأ علي لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب (9) والمشركين منفكين (10) حتى تأتيهم البينة (11) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة (12) وما تفرق الذين أوتو الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة إن الدين عند الله الحنيفية (13)

عند الحاكم بلفظ (فقال عمر لما نزلت) أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت اكتبها فكأنه كره ذلك (1) أي لم يسبق له زواج (2) أي إن سبق له زواج رجم (قال الحافظ) فيستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها اهـ قال الحافظ السيوطي (قلت) وخطر لي في ذلك نكتة حسنة وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وان كان حكمها باقيا لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود وفيه الاشارة إلى ندب الستر اهـ (تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي (3)(سنده) حدثنا يعقوب قال ثنا أبي عن ابن اسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(4) فيه دلالة على أن حكم الرضاع في الكبير كان بعشر مرات ولا يلزم منه أن يكون الحكم في الصغير ذلك (5) تعني هذه الآيات القرآنية بعد أن نسخت تلاوتها كانت مكتوبة في صحيفة تحت سريرها ولم ترد أنه كان مقروءا بعد إذا القول به يوجب وقوع التغيير في القرآن وهو خلاف النص أعني قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)(6) تصغير دابة وجاء عند ابن ماجه (دخل داجن فأكلها) والداجن هي الشاة يعلفها الناس في منازلهم وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها (تخريجه)(جه) وسنده صحيح ورجاله ثقات (7)(سنده)(ز) حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا مسلم بن قتيبة ثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر (يعني ابن حبيش) عن أبي بن كعب الخ (غريبه)(8) انما خص ابي بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم عليه للتنويه به في أنه أقرؤ الصحابة فإذا قرأ عليه صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته كان غيره أولى بطريق التبع له (9) قال الحافظ ابن كثير وانما قرأ عليه صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبيتا له وزيادة لإيمانه لأنه كان أنكر على ابن مسعود قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما صلى الله عليه وسلم وقال لكل منها أصبت قال ابي فأخذني الشك وضرب صلى الله عليه وسلم في صدره قال ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا وأخبره صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف رواه (حم نس د م)(وتقدم في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) فلما نزلت هذه السورة قرأها النبي صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإنذار لا قراءة تعلم واستذكار اهـ (10) أي منفصلين عن كفرهم وشركهم يقال فككت الشيء فانفك أي انفصل (11) أي الحجة الواضحة وهو القرآن (12) أي في الصحف آيات وأحكام (قيمة) أي عادلة مستقيمة غير ذات عوج (13) الحنيف

ص: 59

غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره (1) قال شعبة (2) ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ لو أن لابن آدم واديين من مال لسأل واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب قال ثم ختمها بما بقي منها (3)(وعنه من طريق ثان)(4) عن أبي بن كعب أيضا قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال فقرأ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال فقرأ فيها ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وان ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره (عن أبي واقد الليثي)(5) رضي الله عنه قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا انزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم ان الله عز وجل قال إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وايتاء الزكاة (6) ولو كان لابن آدم واد (7) لأحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون اليهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم (8) إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب

عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام والحنف الميل أي المائل إلى الاسلام الثابت عليه (1) أي فلن يعدم ثوابه بل يجازي عليه (2) شعبة أحد رجال السند يقول ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ لو أن لابن آدم الخ كل هذا نسخ تلاوة وحكما (3) يعني قوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) الخ السورة لم يدخلها نسخ لا قراءة ولا حكما اما قوله ان الدين عند الله الحنيفية إلى قوله ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب فهذا منسوخ تلاوة وحكما والله أعلم (4)(سنده) حدثنا محمد ابن جعفر وحجاج قالا ثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) الطريق الأولى من زوائد عبد الله بن الامام احمد على مسند أبيه ولذا رمزت لها بحرف (ز) والطريق الثانية رواية الامام احمد وأخرجه أيضا الحاكم وصححه وأقره الذهبي وروى الامام احمد والشيخان والترمذي والنسائي من طريق شعبة ايضا سمعت قتادة يحدث عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بن كعب ان الله أمرني أن اقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) قال وسماني لك؟ قال نعم فبكى وسيأتي هذا الحديث وغيره في تفسير سورة لم يكن وانما بكى أبي من شدة الفرح بهذه البشرى العظيمة وفيه منقبة عظيمة لأبي بن كعب رضي الله عنه (5)(سنده) حدثنا أبو عامر ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي الخ (غريبه)(6) معناه انما أنزل المال ليستعان به على إقامة حقوق الله عز وجل لا للتلذذ والتمتع كما تأكل الأنعام فإذا خرج المال عن هذا المقصود فات الغرض والحكمة التي أنزل لأجلها وكان التراب أولى به فرجع هو والجوف الذي امتلأ بمحبته وجمعه إلى التراب الذي هو أصله فلم ينتفع به صاحبه ولا انتفع به الجوف الذي امتلأ به (7) أي من مال وجاء في الحديث التالي (لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة)(8) أي بطنه كما جاء في الحديث التالي وفي رواية (ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب) وليس المراد عضوا بعينه والغرض من العبادات كلها واحد وهو من التفنن في العبارة والمراد بابن آدم

ص: 60

(عن زيد بن أرقم)(1) قال لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لا ابتغى إليهما آخر ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب (عن يزيد بن الاصم عن ابن عباس)(2) قال جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس شيئا ثم قال له عمر كم مالك؟ قال أربعون من الابل قال ابن عباس فقلت صدق الله ورسوله لو كان لابن آدم واديان من ذهب لا ابتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب فقال عمر ما هذا؟ فقلت هكذا اقرأنيها أبي (بن كعب) قال فمر بنا إليه قال فجاء إلى أبي فقال ما يقول هذا؟ قال أبي هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفأثبتها أفأثبتها (3)(عن أنس بن مالك)(4) قال ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية ما وجد عليهم كانوا يسمون القراء قال سفيان نزل فيهم (بلغوا قومنا عنا أنا قد رضينا ورضى عنا) قيل لسفيان فيمن نزلت؟ قال في أهل بئر معونة (ومن طريق ثان عن أنس أيضا) قال إنا قرأنا بهم قرآنا (بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا) ثم رفع ذلك بعد قال ابن جعفر ثم نسخ (5)

الجنس باعتبار طبعه والا فكثير منهم يقنع بما أعطى ولا يطلب زيادة لكن ذلك عارض له من الهداية إلى التوبة كما يشير إليه قوله (ثم يتوب الله على من تاب) والمعنى ان ابن آدم لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قربه (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح (1)(سنده) حدثنا محمد بن عبيد وأبو المنذر قالا ثنا يوسف بن صهيب قال ثنا المنذر في حديثه قال حدثني حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب بز) ورجالهم ثقات (2)(سنده) حدثنا أبو معاوية عن أبي اسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) انما أثبتها عمر رضي الله عنه لأجل الخبر فقط أما تلاوتها فقد نسخت (تخريجه) أخرج الشيخان المرفوع منه ورجاله عند الامام أحمد كلهم ثقات (4) هذا الحديث تقدم بطريقيه وسنده وشرحه وتخريجه في الباب الأول من أبواب القنوت من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 296 (وقوله ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية ما وجد عليهم) أي ما حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتل سرية مثل ما حزن على شهداء بئر معونة لأنهم كانوا من خواص الصحابة وقرائهم رضي الله عنهم (5) قال في الروض الأنف (فان قيل) هو خبر والخبر لا ينسخ (قلنا) لم ينسخ منه الخبر وانما نسخ الحكم فإن حكم القرآن أن يتلى في الصلاة ولا يمسه إلا طاهر ويكتب بين اللوحين وتعلمه فرض كفاية فما نسخ رفعت عنه هذه الأحكام وان بقى محفوظا فهو منسوخ فان تضمن حكما جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولا به وان تضمن خبرا بقى ذلك الخبر مصدقا به وأحكام التلاوة منسوخه عنه كما نزل (لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) ويروى ولا يملأ عيني ابن آدم وفم ابن آدم وكلها في الصحاح وكذا روى من مال فهذا خبر حق والخبر لا ينسخ وانما نسخت أحكام تلاوته قال وكانت هذه الآية في سورة يونس بعد قوله تعالى

ص: 61

(باب ما جاء في وعيد من جادل بالقرآن أو تأوله أو قال فيه برأيه من غير علم)(عن ابن عباس)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في القرآن بغير علم (2) فليتبوأ مقعده من النار (عن عائشة)(3) قالت قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات)(4) هن أم الكتاب (5) وأخر متشابهات (6) فأما الذين في قلوبهم زيغ (7) فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة (8) وابتغاء تأويله (9) وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون (10) في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر (11) إلا أولو الألباب (12) فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل (13) فاحذروهم (عن عقبة بن عامر)(14) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أخاف على أمتي الكتاب واللبن قال قيل يا رسول الله ما بال الكتاب؟ قال يتعلمه المنافقون ثم يجادلون به الذين آمنوا فقيل وما بال اللبن؟ قال أناس يحبون اللبن فيخرجون من الجماعات ويتركون

(كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) كما قاله ابن سلام اهـ (باب)(1)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الأعلى الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق للشرعي قاله القارى وقال المناوي أي قولا يعلم أن الحق غيره وقال في مشكلة بما لا يعرف (فليتبوأ مقعده من النار) أي ليهيء مكانه من النار قيل الأمر للتهديد والوعيد وقيل الأمر بمعنى الخبر (قال الحافظ) وأحق الناس بما فيه من الوعيد قوم من أهل البدع سلبوا لفظ القرآن مادل عليه وأريد به أو حملوه على مالم يدل عليه ولم يرد به في كلا الأمرين مما قصدوا نفيه أو اثباته من المعنى فهم مخطئون في الدليل والمدلول اهـ باختصار (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح قال في تحفة الأحوذي وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير اهـ (قلت) وفي اسناده عبد الأعلى بن عامر الثعلبي قال في الخلاصة قال أحمد ضعيف وفي التهذيب قال النسائي ليس بقوي ويكتب حديثه وقال ابن عدي قد حدث عنه الثقات (3)(سنده) حدثنا اسماعيل قال أنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة الخ (غريبه)(4) أي واضحات الدلالة (5) أي أصله العتمد عليه في الأحكام (6) أي لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكما في قوله (أحكمت آياته) بمعنى انه ليس فيه عيب ومتشابها في قوله (كتابا متشابها) بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق (7) أي ميل عن الحق (8) أي طلب الفتنة لجهالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس (9) أي تفسيره (10) أي الثابتون المتمكنون في العلم مبتدأ خبره (يقولون آمنا به) أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه (11) بتشديد الذال المعجمة مفتوحة وأصله يتذكر أدغمت التاء في الذال تخفيفا أي يتعظ (12) أي أصحاب العقول (13) أي بقوله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ) الخ فاحذروهم أي لا تجالسوهم ولا تكالموهم أيها المسلمون والمقصود التحذير من الاصغاء إلى الذين يتتبعون المتشابه من القرآن وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره ابن اسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وان عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة ثم أو ل ما ظهر في الاسلام من الخوارج حتى جاء ابن عباس أنه فسر بهم الآية وقصة عمر في انكاره على ضبيع لما بلغه أن يتبع المتشابه وضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها البخاري وغيره والله أعلم (تخريجه)(ق د مذ جه)(14)(سنده) حدثنا حسن بن موسى قال ثنا ابن لهيعة

ص: 62

الجمعات (1)(وعنه أيضا)(2) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هلاك أمتي في الكتاب واللبن قالوا يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون (3)(وعنه أيضا)(4) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني أخاف على أمتي اثنتين القرآن واللبن أما اللبن فيبتغون الريف ويتبعون الشهوات ويتركون الصلوات وأما القرآن فيتعلمه المنافقون فيجادلون به المؤمنين (عن أبي سعيد الخدري)(5) قال كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علينا من بعض بيوت نسائه قال فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي رضي الله عنه يخصفها (6) فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه فقال إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت (وفي رواية كما قاتل) على تنزيله فاستشرفنا (7) وفينا أبو بكر وعمر رضي الله تبارك وتعالى عنهما فقال لا ولكنه خاصف النعل فجئنا نبشره قال وكأنه قد سمعه (8)

(باب ما جاء في الاستعاذة قبل القراءة وقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن (9) فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)

قال ثنا أبو قبيل قال سمعت عقبة بن عامر الخ (غريبه)(1) أي يتركون الأمصار ويسكنون البوادي لتوفر اللبن فيها فيحرمون من الجماعات والجمعات (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه احمد وفيه ابن لهيعة وفيه كلام اهـ (قلت) فيه كلام اذا عنعن وقد صرح بالتحديث في هذا الحديث فحديثه حسن (2)(سنده) حدثنا أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن يزيد المقري) ثنا ابن لهيعة عن ابي قبيل قال لم أسمع من عقبة بن عامر الا هذا الحديث قال ابن لهيعة وحدثنيه يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخيرعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(3) أي يخرجون إلى البدو (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم عل) وفيه ابن لهيعة وقال أبو قبيل لم أسمع من عقبة إلا هذا الحديث (4)(سنده) حدثنا زيد بن الحياب حدثني أبو السمح حدثني أبو قبيل أنه سمع عقبة بن عامر يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام أحمد وسنده حسن (5)(سنده) حدثنا حسين بن محمد ثنا فطر عن اسماعيل بن رجاء الزبيدي عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول كنا جلوسا الخ (غريبه)(6) أي يخرزها من الخصف الضم والجمع (نه)(7) أي قطعنا وتوقعنا أنه يريد أبا بكر أو عمر (فقال لا ولكنه خاصف النعل) يعني عليا رضي الله عنه فإنه قاتل الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم عند تكذيبهم بالقرآن واعتقادهم أنه من عند غير الله وقولهم أساطير الأولين اكتتبها وقالوا غير ذلك وقاتل الخوارج على تأويل القرآن بغير ما أراده الله عز وجل وهذا من دلائل النبوة وفيه منقبة عظيمة لعلي رضي الله عنه (8) جاء في رواية أخرى فأتيته لأبشره قال فلم يرفع به رأسا كأنه قد سمعه أي لم يظهر الفرح بذلك كأنه قد سمعه قبل أن نبشره فلم تحصل مفاجأة بالبشرى والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (باب)(9) أي فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ الخ كقوله (اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الخ) وقوله (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) أي المرجوم قال تعالى (ولقد زينا

ص: 63

(عن أبي أمامة الباهلي)(1) قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث مرات ثم قال لا إله إلا الله ثلاث مرات وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزة ونفخة ونفثة (وعن أبي سعيد الخدري)(2) بأطول من هذا وفيه ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزة ونفخة ونفثة (عن سليمان ابن صرد)(3) قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين وهما يتقاولان (4) وأحدهما قد غضب واشتد غضبه وهو يقول (5) فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه الشيطان (6) قال فأتاه رجل فقال قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (7) قال هل تر بأسا؟ (8) قال ما زاده على ذلك (9)(باب ما جاء في البسملة قبل القراءة وفضلها)(عن أبي تميمة الهجيمي)(10) عن ردف النبي صلى الله عليه وسلم أو من حدثه عن ردف النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ردفه (خلفه على ظهر الدابة) فعثرت به دابته فقال

السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) وهذا أمر ندب ليس بواجب حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير الطبري وغيره من الأئمة والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارئ قراءته ويختلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ولهذا ذهب الجمهور الى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة وحكى عن حمزة وأبي حاتم السجستاني انها تكون بعد التلاوة واحتجا بهذه الآية ونقل النووي في شرح المهذب مثل ذلك عن ابي هريرة أيضا ومحمد بن سيرين وابراهيم النخعي والصحيح الأول اهـ (قلت) وأحاديث الباب تؤيد ما ذهب اليه الأولون (1)(هذا الحديث) تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب دعاء الافتتاح والتعوذ قبل القراءة من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 178 رقم 505 (2)(هذا الحديث) تقدم أيضا بسنده وشرحه وتخريجه في الباب المشار اليه آنفا في الجزء الثالث أيضا صحيفة 177 رقم 504 فارجع اليه أما لفظ الاستعاذة فهو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما في حديث أبي أمامة أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم كما في حديث أبي سعيد (أما قوله من همزه نفخه ونفثه) فقد فسر العلماء همزه بالموتة بضم الميم والموتة الجنون (ونفخه) الكبر (ونفثه) الشعر والاستعاذة بالله هي الاعتصام به (3)(سنده) حدثنا حفص بن غياث قال ثنا الأعمش عن عدي بن ثابت الأنصاري عن سليمان بن صرد الخ (غريبه)(4) أي يستبان كما في رواية البخاري أي يسب بعضهما بعضا (5) أي يسب ويشتم صاحبه والظاهر أنه زاد في السب والشتم عن صاحبه لشدة غضبه (6) لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة التي أشار اليها في هذه الرواية وذكرها البخاري في روايته فقال (لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد) أي لأن الغضب من نزغات الشيطان قال تعالى (واما ينزعنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله)(7) في سنن ابي داود ان الذي قال له ذلك معاذ ابن جبل (8) أي هل تر بي جنونا كما جاء في رواية البخاري (9) الظاهر انه لم يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ظنا منه أنه لا يستعيذ من الشيطان إلا من به جنون ولم يعلم أن الغضب نوع من مس الشيطان قال النووي هذا كلام من لم يفقه في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المطهرة ولعله كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب والله أعلم (تخريجه)(ق د) والنسائي في اليوم والليلة (باب)(10)(سنده) حدثنا يزيد أنا سفيان عن عاصم الأحول عن أبي تميمة الهجيمي الخ

ص: 64

تعس الشيطان (1) فقال لا تفعل فإنه يتعاظم اذا قلت ذلك حتى يصير مثل الجبل ويقول بقوتي صرعته واذا قلت باسم الله تصاغر حتى يكون مثل الذباب (عن أم سلمة رضي الله عنها (2) أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان يقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين (أبواب التفسير وأسباب النزول وفضائل السور والآيات مرتبا على ذلك على نظام السور)(باب سورة الفاتحة وما ورد في فضلها)(عن أبي هريرة)(3) قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال يا أبي فالتفت فلم يجبه ثم صلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك أي (4) رسول الله قال وعليك قال ما منعك أي أبي إذ دعوتك ان تجيبني؟ قال أي رسول الله كنت في الصلاة قال أفلست تجد فيما أوحى الله إلى أن استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم؟ (5) قال قال بلى أي رسول الله لا أعود قال أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل في التوراة ولا في الزبور ولا في الانجيل ولا في الفرقان مثلها؟ قال قلت نعم أي رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لأرجو أن لا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثني وأنا اتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث فلما أن دنونا من الباب قلت أي رسول الله ما السورة التي وعدتني؟ قال فكيف

(غريبه)(1) تعس بفتح أوله وكسر ثانيه من باب فرح اذا عثر وانكب لوجهه وقد تفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك (تخريجه) أخرجه النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفسيره من حديث خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي المليح بن أسامة بن عمير عن أبيه قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وأورده النووي في كتابه الأذكار وصححه وفيه فضل البسملة وأن الشيطان يتصاغر عند ذكرها وذلك من تأثير بركتها ولهذا تستحب في كل عمل مشروع كما ورد في الحديث (كل امر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) أي ناقص وقليل البركة فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في العمل تبركا وتيمنا واستعانة على الاتمام ولهذا روى ابن جرير وبان أبي حاتم من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال يا محمد قل أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال قل بسم الله الرحمن الرحيم قال قال له جبريل بسم الله يا محمد يقول اقرأ بذكر الله ربك وقم واقعد بذكر الله تعالى هذا لفظ ابن جرير ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره (2)(عن ام سلمة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه وكلام العلماء في حكم البسملة في باب ما جاء في البسملة عند قراءة الفاتحة من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 188 رقم 519 فارجع اليه تجد ما يسرك (باب)(3)(سنده) حدثنا عفان قال ثنا عبد الرحمن بن ابراهيم ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة الخ (غريبه)(4) أي حرف نداء بمعنى يا رسول الله (5) أي الى ما يحييكم من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية قال الطيبي وغيره من الشافعية دل الحديث على أن اجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تبطل الصلاة كما أن خطابه بقول السلام عليك أيها النبي لا تقطعها

ص: 65

تقرأ في الصلاة؟ قال فقرأت عليه أم القرآن (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها للسبع من (2) المثاني (زاد في رواية) بلفظ (إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت (3)(وعنه أيضا)(4) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أم القرآن هي أم القرآن وهي السبع الثاني وهي القرآن العظيم (5)(وعنه من طريق ثان)(6) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب (7) والسبع

(1) يعني الفاتحة وسميت بذلك لاحتوائها واشتمالها على مافي القرآن اجمالا أو المراد بالأم الأصل فهي أصل قواعد القرآن ويدور عليها أحكام الايمان (2) يحتمل أن تكون من بيانية أو تبعيضية وفي هذا تصريح بأن المراد بقوله تعالى (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) هي الفاتحة وقد روى النسائي باسناد صحيح عن ابن عباس ان السبع المثاني هي السبع الطوال أي السور من أول البقرة آخر الاعراف ثم براءة وقيل يونس وعلى الأول فالمراد بالسبع الآي لا، الفاتحة سبع آيات وهو قول سعيد بن جبير واختلف في تسميتها مثاني فقيل لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد وقيل لأنها يثنى بها على الله تعالى وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها والله أعلم (3) قيل هو من اطلاق الكل على الجزء للمبالغة (قال الخطابي) فيه دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم وان الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين وانما هي التي تجيء بمعنى التفصيل كقوله تعالى (فاكهة ونخل ورمان) وقوله (وملائكته ورسوله وجبريل وميكال) اهـ قال الحافظ وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله والقرآن العظيم محذوف الخبر والتقدير ما بعد الفاتحة مثلا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني ثم عطف قوله (والقرآن العظيم) أي ما زاد على الفاتحة وذكر ذلك رعاية لنظم الآية ويكون التقدير والقرآن العظيم هو الذي ونيته زيادة على الفاتحة (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح اهـ وقال المنذري - الترغيب رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم باختصار عن أبي هريرة عن أبي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم (قلت) وأقره الذهبي (4)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون وهاشم بن القاسم عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في أم القرآن الخ (غريبه)(5) تقدم الكلام على معنى هذا الحديث في شرح الحديث السابق (6)(سنده) حدثنا اسماعيل بن عمر قال ثنا ين أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (7) جاء في البخاري وسميت أم الكتاب أنه يبدء بكتابتها في المصاحف ويبدء بقراءتها في الصلاة قال القسطلاني هذا كلام أبو عبيد في المجاز وكره أنس والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك قال الأولان انما ذلك اللوح المحفوظ (وأجيب) بأن في حديث أبي هريرة (يعني حديث الباب) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب صححه الترمذي لكن قال السفاقسي هذا التعليل مناسب لتسميتها بفاتحة الكتاب لا بأم الكتاب وقد ذكر بعض المحققين أن السبب في تسميتها أم الكتاب اشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى وهو ظاهر ومن التعبد بالأمر والنهي وهو في إياك نعبد لأن معنى العبادة قيام العبد بما تعبد به وكلفه من امتثال الأوامر والنواهي وفي الصراط المستقيم أيضا ومن الوعد والوعيد وهو في الذين أنعمت عليهم وفي المغضوب عليهم وفي يوم الدين أي الجزاء أيضا واما كانت الثلاثة أصول مقاصد

ص: 66

المثاني (عن أبي سعيد المعلى)(1) قال كنت أصلي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيته فقال ما منعك أن تأتيني؟ فقلت اني كنت أصلي قال ألم يقل الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ثم قال ألا أعلمكم أعظم سورة في القرآن (2) قبل أن أخرج من المسجد قال فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجه فذكرته فقال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته (عن عبد الله بن جابر)(3) قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا اخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟ قلت بلى يا رسول الله قال اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها (ز)(عن أبي هريرة)(4) عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله في التوراة ولا في الانجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني (5) وهي مقسومة بيني وبين عبدي (6) ولعبدي ما سأل

القرآن لأن الغرض الأصلي الارشاد إلى المعارف الإلاهية وما به نظام المعاش وتجاه المعاد والاعتراض بأن كثيرا من السور كذلك يندفع بعدم المساواة لأنها فاتحة الكتاب وسابقة السور وقد اقتصر مضمونها على كليات المعاني الثلاثة بالترتيب على وجه اجمالي لأن أولها ثناء وأوسطها تعبد وآخرها وعد ووعيد ثم يصير ذلك مفصلا في سائر السور فكانت منها بمنزلة مكة من سائر القوى على ما ورد من أنها مهدت ارضها ثم دحيث الأرض من تحتها فتستأهل أن تسمى أم القرآن كما سميت مكة أم القرى اهـ (تخريجه)(خ د مذ)(1)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى الخ (غريبه)(2) أي لعظم قدرها بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها من السور لاشتمالها على فوائد ومعان كثيرة مع وجازة ألفاظها واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وهو محكي عن أكثر العلماء منهم ابن راهويه وابن العربي ومنع من ذلك الأشعري والباقلاني وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله تعالى وصفاته وكلامه لا نقص فيها (وأجيب) بأن التفضيل انما هو بمعنى أن ثواب بعضه أعظم من بعض فالتفضيل انما هو من حيث المعنى لا من حيث الصفة (تخريجه)(خ د نس جه) وقد وقع لابي بن كعب مثل هذه القصة وهو الحديث الأول من أحاديث الباب قال الحافظ جمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى قال ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما (3)(عن عبد الله بن جابر) هذا طرف من حديث طويل تقدم بطوله وسنده وشرحه وتخريجه في باب ما يفعل المصلي والمتخلي إذا سلم أحد عليهما من كتاب السلام والاستئذان في الجزء السابع عشر صحيفة 335 رقم 16 وانما ذكرت هذا الجزء منه هنا لمناسبة الترجمة (4)(سنده)(ز) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة الخ (5) زاد في رواية أخرى من رواية عبد الله بن الامام احمد أيضا (والقرآن العظيم الذي أوتيت بعد) قال عبد الله (يعني ابن الامام احمد) سألت أبي عن العلاء بن عبد الرحمن وسهيل بن أبي صالح فقدم العلاء على سهيل وقال لم أسمع أحدا ذكر العلاء بسوء وقال أبو عبد الرحمن (يعني بعد الله بن الامام احمد) وابن أبي صالح أحب إلي من العلاء اهـ (6) جاء معنى هذه القسمة في حديث أبي هريرة وتقدم في باب

ص: 67

(باب المغضوب عليهم والضالين)(حدثنا عبد الرزاق)(1) ثنا معمر عن بديل العقيلي أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى (2) وهو على فرسه وسأل رجل من بني القين (3) فقال يا رسول الله من هؤلاء (4) قال المغضوب عليهم وأشار إلى اليهود فقال فمن هؤلاء؟ قال هؤلاء الضالون يعني النصارى قال وجاء رجل فقال استشهد مولاك أو قال غلامك فلان (5) قال بل هو يجر إلى النار في عباءة غلها (6)(عن عدي بن حاتم الظائي)(7) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن المغضوب عليهم اليهود) وإن (الضالين) النصارى

تفسير سورة الفاتحة من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 190 رقم 520 وفيه قال أبو هريرة اقرءوا يقول فيقول العبد الحمد لله رب العالمين فيقول الله حمدني عبدي ويقول العبد الرحمن الرحيم فيقول الله أثنى على عبدي فيقول العبد مالك يوم الدين فيقول الله مجدني عبدي ويقول هذه بيني وبين عبدي يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين قال أجدها لعبدي ولعبدي ما سأل قال يقول عبدي اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين يقول الله عز وجل هذا لعبدي ولعيدي ما سأل (تخريجه)(مذ نس) وقال الترمذي حديث حسن غريب (باب)(1)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(غريبه)(2) قال يا قوت في معجمه هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى والنسبة إليه وادي وإليه نسب عمر الوادي وفتحها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع عنوة ثم صولحوا على الجزية (3) قال في القاموس والقين قرية باليمن من قرى عثر (بفتح العين وتشديد المثلثة مفتوحة) ونبات قين ماء وبلقين أصله بنو القين والنسبة قيني (4) يشير إلى سكان وادي القرى (5) أي مات مقتولا في سبيل الله (6) أي سرقها من الغنيمة قبل القسمة وهذا يفيد أنه ليس بشهيد بل يعذب بسبب سرقته (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه كله احمد ورجال الجميع رجال الصحيح اهـ (قلت) وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ثم قال وقد رواه الجريري وعروة وخالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق فأرسلوه ولم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ووقع في رواية عروة تسمية عبد الله ابن عمرو فالله أعلم قال وقد روى ابن مردويه من حديث إبراهيم بن طهمان عن بذيل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم؟ قال اليهود قلت الضالين؟ قال النصارى وقال السدى عن ابي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (غير المغضوب عليهم) هم اليهود (ولا الضالين) هم النصارى وقال الضحاك وابن جرير عن ابن عباس (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) النصارى وكذلك قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد وقال ابن أبي حاتم ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافا وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون الحديث المتقدم ثم ذكر ما ورد في لعنهم وغضب الله عليهم من كتاب الله عز وجل هذا وتقدم تفسير سورة الفاتحة في الجزء الثالث في باب تفسير سورة الفاتحة من كتاب الصلاة صحيفة 191 و 192 (7) هذا طرف من حديث طويل سيأتي بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه في ترجمة عدي بن حاتم الطائي في حرف العين من كتاب فضائل الصحابة ان شاء الله تعالى وهو حديث حسن وأورده الحافظ ابن كثير

ص: 68

(باب سورة البقرة وما جاء في فضلها)(عن أبي أمامة)(1) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرءوا (وفي رواية تعلموا) القرآن فإنه شافع لأصحابه يوم القيامة اقرءوا الزهراوين (2) البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان (3) أو كأنهما غيابتان (4) أو كأنهما فرقان (5) من طير صواف يحاجان عن أهلهما (6) ثم قال اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة (7)(عن النواس بن سمعان الكلابي)(8) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتي بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به وتقدمهم سورة البقرة وآل عمران وضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال كأنهما غمامتان أو ظلمتان سوداوان (9) بينها شرق أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما (10)(عن عبد الله بن بريدة عن أبيه)(11) قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة قال ثم مكث ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنها غمامتان أو غيابيان أو فرقان من طير صواف وان القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب (12) فيقول له هل تعرفني؟ فيقول ما أعرفك فيقول له هل تعرفني؟ فيقول ما أعرفك فيقول أنا صاحبك القرآن الذي اظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وان كل تاجر من وراء تجارته (13)

في تفسيره وقال قد روى حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها اهـ (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الملك بن عمرو ثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن سلام عن أبي أمامة الخ (غريبه)(2) تثنية الزهراء تأنيث الأزهر وهو المضيء الشديد الضوء سميتا زهراوين لكثرة أنوار الأحكام الشرعية والأسماء الحسنى العلية (3) أي سحابتان تظلان صاحبهما عن حر الموقف (4) هو كل شيء أظل الانسان فوق رأسه كالسحابة وغيرها (5) بكسر الفاء وسكون الراء أي جماعتان من طير صواف جمع صافة وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء قال تعالى (صافات ويقبضن)(6) أي تدافعان الجحيم والزبانية وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة (7) بالتحريك أي السحرة عبر عن السحرة بالبطلة لأن أفعالهم باطلة أي لا يستطيعون حفظها وقيل لا يستطيعون النفوذ في قارئها والله أعلم (تخريجه)(م) في الصلاة وزاد قال معاوية (يعني ابن سلام) بلغني ان البطلة السحرة (8)(سنده) حدثنا يزيد ابن عبد ربه ثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(9) أي لكثافتهما وارتكام البعض منهما على بعض وذلك من المطلوب في الظلال (وقوله بينهما شرق) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء بعدها قاف أي ضوء (10) تقدم تفسير هذه الجملة في الحديث السابق (تخريجه)(م مذ)(11)(سنده) حدثنا أبو نعيم ثنا بشير بن المهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول الخ (غريبه)(12) الشاحب المتغير اللون والجسم لعارض من مرض أو سفر ونحوهما وقد شحب يشحب شحوبا (13) أي يبتغي الربح من وراء تجارته

ص: 69

وأنك اليوم من وراء كل تجارة (1) فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويرضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا (2) فيقولان بم كسبنا هذه؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال له اقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذا (3) كان أو ترتيلا (عن معقل بن يسار)(4) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البقرة سنام (5) القرآن وذروته ونزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واسخرجت (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) من تحت العرش فوصلت بها أو (6) فوصلت بسورة البقرة ويس قلب القرآن (7) لا يقرؤها رجل يريد الله تبارك وتعالى والدار الآخرة إلا غفر له واقرءوها على موتاكم (عن أبي هريرة)(8) قال لا تجعلوا بيوتكم مقابر (9) فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرء فيه سورة البقرة (التفسير وأسباب النزول)(باب أتجعل فيها من يفسد فيها وقصة هاروت وماروت)(عن عبد الله بن عمر)(10) انه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول إن آدم عليه السلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي رب (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (11) قال إني أعلم مالا تعلمون) قالوا وإنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله تعالى

(1) معناه وأن ربحك اليوم أعظم من ربح كل تجارة (2) أي لا يمكن أهل الدنيا تحديد قيمتها (3) أي سواء كانت القراءة هذا بتشديد المعجمة اي بسرعة أو ترتيل (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد وقال وروى ابن ماجة من حديث بشير بن المهاجر بعضه وهذا اسناد حسن على شرط مسلم فإن بشيرا هذا خرج له مسلم ووثقه ابن معين وقال النسائي ما به بأس إلا أن الامام احمد قال فيه هو منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تأتي بالعجب وقال البخاري يخالف في بعض حديثه وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدي روى مالا يتابع عليه وقال الدارقطني ليس بالقوى قال الحافظ ابن كثير ولكن لبعضه شواهد فمن ذلك حديث أبي أمامة (يعني الحديث الأول من أحاديث الباب) فذكره وقال رواه مسلم والترمذي وذكر أحاديث أخرى تؤيده (4)(سنده) حدثنا عارم ثنا معتمر عن أبيه عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسارالخ (غريبه)(5) السنام بفتح السين المهملة هو من كل شيء أعلاه وفي شعر حسان (وان سنام المجد من آل هاشم * بنو نبت مخزوم ووالدك) أي اعلى المجد ومنه سنام البعير لأنه أعلاه (وذروته) بكسر الذال العجمة هي أعلى سنام البعير (6) أو للشك من الراوي (7) قلب كل شيء لبه وخالصه (تخريجه) أورده المنذري وقال رواه احمد عن رجل عن معقل وروى ابو داود والنسائي وابن ماجه منه ذكر يس اهـ (قلت) في اسناده عند الامام احمد مجهولان الرجل المبهم وأبوه (8)(سنده) حدثنا ابراهيم بن خالد حدثنا ربح عن معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة الخ (غريبه)(9) فيه الحث على قراءة القرآن في البيوت خصوصا سورة البقرة فإن الشيطان يفر الخ (تخريجه) أورده المنذري وقال رواه (م نس مذ)(التفسير وأسباب النزول الخ)(باب)(10)(سنده) حدثنا يحيى بن بكير حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن عبد الله بن عمر الخ (غريبه)(11) هذا جواب من الملائكة لقوله تعلى (اني جاعل في الأرض خليفة) أي يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم (قالوا أتجعل فيها)

ص: 70

للملائكة هلموا ملكين (1) حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان قالوا ربنا هاروت وماروت فأهبطنا إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر (2) فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا لا والله لا نشرك بالله شيئا أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا لا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح خمر تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله

من يفسد فيها) بالمعاصي (ويسفك الدماء) يريقها بالقتل كما فعل بنو الجان وكانو فيها فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال ذكره ابن جرير عن ابن عباس (ونحن نسبح) أي متلبسين (بحمدك) أي نقول سبحان الله وبحمده (ونقدس لك) ننزهك عما لا يليق بك فاللام زائدة والجملة حال أي فنحن أحق بالاستخلاف (قال) تعلى (اني أعلم ما لا تعلمون) من المصلحة في استخلاف آدم وان ذرتيه فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم (1) اي اختاروا ملكين من أفضلكم فاختاروا هاروت وماروت (2) هذا يفيد ان الله عز وجل مثل لهما كوكب الزهرة في صورة امرأة من أحسن النساء ويؤيده رواية ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس انهما قالا وانزلت الزهرة اليهما في صورة امرأة من أهل فارس يسمونها بيذخت لكن جاء في بعض الروايات عن ابن عباس ما يفيد انها امرأة حقيقية حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب فالله اعلم (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد ثم قال وهكذا رواه ابو حاتم وابن حبان في صحيحه عن الحسن عن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن بكير به وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا وهو الانصاري السلمي مولاهم المديني الحذاء وروى له أبو داود وابن ماجه وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا فهو مستور الحال وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى له تابع من وجه آخر عن نافع كما قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن احمد حدثنا هشام بن علي بن هشام حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة حدثنا موسى بن سرجس عن نافع عن ابن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره بطوله (قلت) ثم ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى له طرقا أخرى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال (وأقرب ما يكون في هذا) أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار لاعن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الاحبار قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لهم اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما اني ارسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكم رسولا انزلا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي اهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه رواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به ورواه ابن أبي حاتم عن احمد بن عصام عن مؤمل عن سفيان الثوري به ورواه ابن جرير ايضا حدثني المثنى أخبرنا المعلى وهو ابن أسد اخبرنا عبد العزيز بن الختار عن موسى بن عقبة حدثني سالم انه سمع عبد الله يحدث يحدث عن كعب الاحبار فذكره فهذا اصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الاسنادين المتقدمين وسالم

ص: 71

حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المرأة والله ما تركتما شيئا أبيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا

اثبت في أبيه من مولاه نافع فدار الحديث ورجع الى نقل كعب الاحبار عن كتب بني اسرائيل والله أعلم (ثم ذكر الحافظ ابن كثير) رحمه الله جملة آثار وردت في ذلك عن الصحابة ثم قال (وأقرب ما ورد في ذلك) ما قال ابن أبي حاتم أخبرنا عصام بن رواد أخبرنا آدم أخبرنا أبو جعفر حدثنا الربيع بن أنس عن قيس بن عباد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما وقع الناس من بعد آدم عليه السلام فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء يا رب هذا العالم الذي انما خلقتهم لعبادتك وطاعتك وقد وقعوا فيما وقعوا فيه وركبوا الكفر وقتل النفس وأكل المال الحرام والزنا والسرقة وشرب الخمر فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم فقيل انهم في غيب فلم يعذروهم فقيل لهم اختاروا من أفضلكم ملكين آمرهما وانهاهما فاختارا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض وجعل لهما شهوات بني آدم وأمرهما الله أن يعبداه ولا يشركا به شيئا ونهيا عن قتل النفس الحرام وأكل المال الحرام وعن الزنا والسرقة وشرب الخمر فلبثا في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمن ادريس عليه السلام وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وانهما أتيا عليها فخضعا لها في القول وأراداها عن نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها وعلى دينها فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنما فقالت هذا أعبده فقالا لا حاجة لنا في عبادة هذا فذهبا فعبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها ففعلت مثل ذلك فذهبا ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما اختارا أحد الحلال الثلاث اما أن تعبدا هذا الصنم واما أن تقتلا هذه النفس واما ان تشربا هذه الخمر فقالا كل هذا لا ينبغي وأهون هذا شرب الخمر فأخذت فيهما فواقعا المرأة فخشيا ان يخبر الانسان عنهما فقتلاه فلما ذهب عنهما السكر وعلما ما وقعا به من الخطيئة أرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا وحيل بينهما وبين ذلك وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه فعجبوا كل العجب وعرفوا انه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض فقيل لهما اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة؟ فقالا أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان (قال الحافظ ابن كثير) وقد رواه الحاكم في مستدركه مطولا عن ابي زكريا العنبري عن محمد بن عبد السلام عن اسحاق بن راهوية عن حكام بن مسلم الرازي وكان ثقة عن أبي جعفر الرازي به ثم قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه فهذا أقرب ما روى في شأن الزهرة والله أعلم قال وقد روى في قصة هاروت وماروت جماعة من التابعين كمجاهد والسدى والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن انس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني اسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا اطناب فيها فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال اهـ (قال العلامة) السيد محمد رشيد رضا في تعليقه على هذه القصة قال هذا هو الحق وجميع تلك الروايات

ص: 72

(باب ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة)(عن أبي هريرة)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل (ادخلوا الباب سجدا)(2) قال ادخلوا زحفا (3)(وقولوا حطة)(4) قال بدلوا (5) فقالوا حنطة في شعرة (باب من كان عدوا لجبريل الخ)(عن ابن عباس)(6) قال أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم انا نسألك عن خمسة أشياء فان أنبأتنا بهن عرفنا انك نبي واتبعناك فأخذ عليهم ما أخذ اسرائيل (7) على بنيه إذ قال الله على ما نقول وكيل (8) قال هاتوا قالوا خبرنا عن علامة النبي؟ قال تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا خبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر (9) قال يلتقي الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت واذا علا ماء المرأة ماء الرجل آنثت قالوا أخبرنا ما حرم اسرائيل على نفسه؟ قال كان يشتكي عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا البان كذا وكذا قال أبي (10) قال بعضهم يعني الإبل فحرم لحومها قالوا صدقت قالوا أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيده أو في يده مخراق (11) من نار يزجر به

من خرافات اليهود التي كانوا يغشون بها المسلمين واذا كان بعض الصحابة قد صدق بعضها فلا عجب اذا اكثر التابعون القول فيها وشوه المفسرون كتبهم بها قال ومن المحقق ان هذه القصة لم تذكر في كتب اليهود المقدسة فإن لم تكن وضعت في زمن روايتها فهي من الكتب الخرافية ورحم الله ابن كثير الذي بين لنا ان الحكاية خرافة اسرائيلية وان الحديث المرفوع لا يثبت اهـ والله اعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا ابن مبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة الخ (غريبه)(2) قال البغوي أي ركعا خضعا منحنين وقال وهب فاذا دخلتموه فاسجدوا شكر لله تعالى اهـ وذلك انهم لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام وفتح الله تعالى عليهم بيت المقدس عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس قليلا حتى أمكن الفتح قيل لهم ادخلوا الباب سجدا (3) هكذا بالأصل (قال ادخلوا زحفا) والظاهر انه وقع فيه تحريف من الناسخ وصوابه (قال فدخلوا زحفا) ويؤيد ذلك رواية البخاري قال (فدخلوا يزحفون على أستاهم) بفتح الهمزة وسكون المهملة أي أوراكهم (4) قال قتادة أي حطمنا خطايانا أمروا بالاستغفار وقال ابن عباس لا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب ورفعها على تقدير مسألتنا حطة (5) أي غيروا السجود بالزحف وقالوا (حنطة) بكسر الحاء وسكون النون (في شعرة) بفتحات بدل أن يقولوا حطة قالوا ذلك استهزاءا وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولذلك قال تعالى (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون) والمراد بالرجز الطاعون قيل انه مات به في ساعة أربعة وعشرون ألفا (تخريجه)(ق د نس عب)(باب)(6)(سنده) حدثنا أبو احمد ثنا عبد الله بن الوليد العجلي وكانت له هيئة رأيناه عند حسن عن بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(7) يعني نبي الله يعقوب (على بنيه) يعني اخوة يوسف (8) يريد قوله تعالى (فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل)(9) معناه أخبرنا عن السبب في كون المرأة تأتي بالأنثى أحيانا وأحيانا تأتي بالذكر (10) القائل قال أبي هو عبد الله بن الامام احمد وجاء في الطريق الثانية (وكان احب الطعام اليه لحمان الإبل) ولحمان بضم اللام وسكون الحاء جمع لحم ويجمع أيضا على لحوم (11) قال

ص: 73

السحاب يسوقه حيث أمر الله قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع؟ قال صوته قالوا صدقت انما بقيت واحدة وهي التي نبايعك ان اخبرتنا بها فإنه ليس من نبي إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال جبريل قالوا جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا (1) لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان فأنزل الله عز وجل (من كان عدوا لجبريل الخ الآية)(2)(وعنه أيضا من طريق ثان)(3) قال حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما فقالوا يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي قال سلوني عما شئتم ولكن اجعلوا ذمة الله وما أخذ يعقوب عليه السلام على بنيه لئن حدثتكم شيئا فعرفتموه لتتابعني على الاسلام؟ قالوا فذلك لك قال فسلوني ما شئتم قالوا اخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن أخبرنا أي الطعام حرم اسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل كيف يكون الذكر منه وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ قال فعليكم عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم لتتابعني؟ قال فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق قال فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى صلى الله عليه وسلم هل تعلمون ان اسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن أحب الشراب اليه واحب الطعام اليه؟ وكان أحب الطعام اليه لحمان الإبل واحب الشراب اليه البانها؟ (4) قالوا اللهم نعم قال اللهم اشهد عليهم فانشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي انزل التوراة على موسى هل تعلمون ان ماء الرجل أبيض غليظ وان ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله إن علا ماء الرجل على ماء المرأة كان ذكرا باذن الله وان علا ماء المرأة على ماء الرجل كان أنثى بإذن الله؟ قالوا اللهم أشهد عليهم فأنشدكم بالذي انزل التوراة على موسى هل تعلمون

في النهاية أراد انه آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه قال ويفسره حديث ابن عباس (البرق سوط من نور تزجر به الملائكة السحاب)(1) جاء عند ابن جرير من حديث عمر (فقالوا ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمدا على سرنا واذا جاء جاء بالحرب والسنة) السنة بفتح السين مشددة يعني الجدب (2) بقية الآية (فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) والمعنى ان من عادى جبريل فليعلم انه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك بإذن الله عز وجل فهو رسول من رسل الله ملكى ومن عادى رسولا فقد عادى جميع الرسل ومن عادى جبريل فقد عادى ميكائيل لأنه أيضا ينزل على أنبياء الله في بعض الأحيان كما قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ولكن جبريل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر فذاك بالهدى وهذا بالرزق (مصدقا لما بين يديه) أي من الكتب المتقدمة (وهدى وبشرى للمؤمنين) أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة ثم أنذرهم عز وجل بقوله (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين)(3)(سنده) حدثنا هاشم بن القاسم ثنا عبد الحميد ثنا شهر قال ابن عباس حضرت عصابة من اليهود الخ (4) قال الحسن حرم اسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبدا لله تعالى فسأل ربه أن يجيز له ذلك فحرمها

ص: 74

أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا اللهم نعم قال اللهم اشهد قالوا اللهم نعم قال اللهم اشهد قالوا وانت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك قال فإن ولي جبريل عليه السلام ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لتابعناك وصدقناك قال فما يمنعكم من أن تصدقوه؟ قالوا انه عدونا قال فعند ذلك قال الله عز وجل (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله (1) إلى قوله عز وجل كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) (2) فعند ذلك باءوا بغضب على غضب الآية (3)(باب فأينما تولوا فثم وجه الله)(عن ابن عمر)(4) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته مقبلا من مكة إلى المدينة حيث توجهت به (5) وفيه نزلت هذه الآية (فأينما تولوا فثم وجه الله)(6)

الله على ولده اهـ (قلت) ولذلك مناسبة في شرعنا في قوله تعالى (ان تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) فهذا هو المشروع عندنا وهو الانفاق في طاعة الله مما يحبه العبد ويشتهيه كما قال تعالى (وآتى المال على حبه) وقال تعالى (ويطعمون الطعام على حبه) الآية (1) تقدم تفسير هذه الآية في شرح الطريق الأولى (ولما جاءهم رسول من عند الله) يعني محمد صلى الله عليه وسلم (مصدقا لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم) يعني التوراة وقيل القرآن (كأنهم لا يعملون) قال قتادة ان القوم كانوا يعلمون ولكنهم نبذوا عليهم وكتموه وجحدوا به (3) يريد قوله تعالى (بئسما اشتروا به أنفسهم) أي بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق وقيل الاشتراء هاهنا بمعنى البيع والمعنى بئش ما باعوا به حظ أنفسهم أي اختاروا الكفر وبذلوا انفسهم للنار (أن يكفروا بما أنزل الله) يعنى القرآن (بغيا) أي حسدا (أن ينزل الله من فضله) اي النبوءة والكتاب (على من يشاء من عباده) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (فباءوا بغضب على غضب) أي رجعوا بغضب على غضب قال ابن عباس ومجاهد الغضب الأول بتضييعهم التوراة وتبديلهم (والثاني) بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة الأول بكفرهم بعيسى والانجيل والثاني بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن (وللكافرين) الجاحدين بنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كهلم (عذاب مهين) أي مخز يهانون فيه والله أعلم (تخريجه) أورده الطريق الأولى منه الحافظ ابن كثير في تفسيره وقال رواه (مذ نس) من حديث عبد الله بن الوليد العجلي به نحوه وقال الترمذي حديث حسن غريب اهـ (قلت) وأخرج الطريق الثانية ابن جرير وعبد الرحمن بن حميد في تفسيريهما والطبراني في الكبير والطيالسي (باب)(4)(سنده) حدثنا يحيى عن عبد الملك ثنا سعيد بن جبير ان ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(5) يعني صلاة التطوع (6) قال العلماء سبب نزول هذه الآية طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت فأنزل الله عز وجل (ولله المشرق والمغرب) أي الأرض كلها لأنها ناحيتاها (فأينما تولوا) وجوهكم في الصلاة بأمره (فثم) بفتح المثلثة وتشديد الميم أي هناك (وجه الله) أي قبلته التي رضيها (تخريجه) أورد نحوه الحافظ ابن كثير في تفسيره بسند حديث الباب عن ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويتأول هذه الرواية (فأينما تولوا فثم وجه الله) ورواه (م مذ نس) وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن عبد الملك ابن أبي سليمان وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر وعامر بن ربيعة من غير ذكر الآية وذكر

ص: 75

(باب واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى)(عن أنس)(1) قال قال عمر رضي الله عنه وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى (2) فنزلت (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب (3) واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة (4) فقلت لهن عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن قال فنزلت كذلك (5)(باب وكذلك جعلناكم أمة وسطا)(عن أبي سعيد الخدري)(6) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)(7) قال عدلا (وعنه أيضا)(8) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم؟ فيقولون

الحافظ ابن كثير ان فريقا من العلماء قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذنا من الله أن يصلي التصوع حيث توجه من شرق أو غرب في مسيره في سفره وفي حال المسابقة وشدة الخوف (باب)(1)(سنده) حدثنا هشيم أنبأنا حميد عن ا، س قال قال عمر الخ (غريبه)(2) قال ابراهيم النخعى الحرم كله مقام إبراهيم وقيل المسجد كله حرم إبراهيم وقيل أراد بمقام إبراهيم جميع مشاهد الحج مثل عرفة ومزدلفة وسائر المشاهد قال الامام البغوي والصحيح ان مقام ابراهيم هو الحجر الذي في المسجد يصلي اليه الأئمة وذلك الحجر الذي قام عليه ابراهيم عند بناء البيت وقيل كان أصابع رجليه بينا فيه فاندرس من كثرة المسح بالأيدي قال قتادة ومقاتل والسدى أمروا بالصلاة عند مقام ابراهيم ولم يؤمروا بمسحه وتقبيله (3) هي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم الآية)(4) أي تألين عليه وأتين بأمور يكرهها بسبب الغيرة (5) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره قال ابن حاتم حدثنا أبي حدثنا الانصاري ثنا حميد عن أنس قال قال عمر بن الخطاب بلغني شيء كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي صلى الله عليه وسلم فاستقريتهن أقول لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه أزواجا خيرا منكن حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين فقالت يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن؟ فأمسكت فأنزل الله عز وجل (عسى ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) وهذه المرأة التي ردته عما كان فيه من وعظ النساء هي أم سلمة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري اهـ (قلت)(سائحات) أي صائمات قاله أبو هريرة وعائشة وابن عباس وجمع كثير من التابعين وفيه حديث مرفوع (سياحة هذه الأمة الصيام) والله أعلم (تخريجه)(ق مذ نس جه) وغيرهم (باب)(6)(سنده) حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(7) قال الامام البغوي نزلت في رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا وان قبلتنا قبلة الأنبياء ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس فقال إنا على حق وعدل فأنزل الله (وكذلك) أي وهكذا وقيل الكاف للتشبيه وهي مردودة على قوله (ولقد اصطفيناه في الدنيا) أي كما اخترنا ابراهيم وذريته واصطفيناهم كذلك (جعلناكم أمة وسطا) أي عدلا خيارا (قال أوسطهم) أي خيرهم وأعدلهم وخير الأشياء أوسطها وقال الكلبي يعني أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنهما مذمومان في الدين (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (8)(سنده) حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد

ص: 76

ما أتانا من نذير أو ما أتانا من أحد قال فيقال لنوح من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته قال فذلك قوله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) قال الوسط العدل قال فيدعون فيشهدون له بالبلاغ قال ثم اشهد عليكم (باب وما كان الله ليضيع ايمانكم)(عن ابن عباس)(1) قال لما حولت القبلة قال أناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس (2) فأنزل الله (وما كان الله ليضيع إيمانكم)(باب قد نرى تقلب وجهك في السماء الخ)(عن أنس)(3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام)(4) قمر رجل من بني

الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(خ مذ نس جه) من طرق عن الأعمش (باب)(1)(سنده) حدثنا شاذان أخبرنا اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لما حرمت الخمر قال أناس يا رسول الله أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربوها فأنزلت (ليس على آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) قال ولما حولت القبلة الخ (غريبه)(2) قال الامام البغوي في تفسيره سبب نزول هذه الآية ان حيي بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ان كانت هدى فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة فقد دنتم الله بها ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة فقال المسلمون انما الهدى ما أمر الله به والضلالة ما نهى الله عنه قالوا انما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وكان قد مات قبل أن تحول الى الكعبة من المسلمين أسعد بن زرارة من بني النجار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانوا من النقباء ورجال آخرون فانطلق عشائرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يارسول الله صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع ايمانكم) يعني صلاتكم إلى بيت المقدس اهـ وقال الحافظ ابن كثير (وما كان الله ليضيع ايمانكم) أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي ليعطيكم أجرهما جميعا (ان الله بالناس لرءوف رحيم) الرأفة أشد الرحمة والله أعلم (تخريجه)(مذ طل) وصححه الترمذي وله شاهد عند البخاري من حديث أبي اسحاق السبيعي عن البراء قال مات قوم كانوا يصلون نحو المقدس فقال الناس ما حالهم في ذلك فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع ايمانكم)(باب)(3)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد عن ثابت عن أنس (يعني ابن مالك) الخ (غريبه)(4) قال الامام البغوي في تفسيره هذه الآية وان كانت متأخرة في التلاوة فهي متقدمة في المعنى فإنها رأس القصة وأمر القبلة أول ما نسخ من أمور الشرع وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة فلما هاجر إلى المدينة أمره عز وجل أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود اياه اذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة فصلى بعد الهجرة ستة عشرا أو سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس وكان يحب ان يوجه إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه ابراهيم عليه السلام وهذه رواية ابن عباس فكان صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء ويدعو الله تعالى راجيا أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة فنزلت هذه الآية (قد نرى تقلب وجهك في السماء) اي دوام نظرك إلى السماء

ص: 77

سلمة (1) وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى الا ان القبلة قد حولت الا ان القبلة قد حولت إلى الكعبة قال فمالوا كما هم نحو القبلة (2)(عن البراء بن عازب)(3) قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا (4) ثم وجه إلى الكعبة وكان يحب ذلك فأنزل الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام الآية) قال فمر رجل صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر على قوم (5) من الأنصار وهم ركوع في صلاة العصر (6) نحو بيت المقدس فقال هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد وجه إلى الكعبة قال فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر (باب ان الصفا والمروة من شعائر الله)(عن عروة عن عائشة)(7) قال قلت أرأيت قول الله عز وجل (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) قال فقلت فوالله ما على أحد جناح ان لا يطوف بهما فقالت عائشة بئسما قلت يا ابن اختي انها لو كانت على ما أولتها كانت فلا جناح

ودعائك (فلنولينك قبلة) أي فلنحولنك إلى قبلة (ترضاها) أي تحبها وتهواها (فول) أي حول وجهك (شطر المسجد الحرام) أي نحوه وأراد به الكعبة والحرام المحرم (وحيثما كنتم) من بر أو بحر شرق أو غرب (فولوا وجوهكم شطره) عند الصلاة (1) اسمه عباد بن بشر كما جاء في بعض الروايات (2) يعني الكعبة من غير أن تتوالى خطاهم (قال الخطابي) فيه من العلم ان ما مضى من صلاتهم كان جائزا ولولا جوازه لم يجز البناء عليه وفيه دليل على ان كل شيء له أصل صحيح في التعبد ثم طرأ عليه الفساد قبل أن يعلم صاحبه به فان الماضي منه صحيح وذلك مثل أن يجد المصلى بثوبه نجاسة لم يكن علمها حتى صلى ركعة فإنه اذا رأى النجاسة ألقاها عن نفسه (يعني ان كانت تلقى) وبنى على ما مضى من صلاته وكذلك هذا في المعاملات فلو وكل رجلا فباع الوكيل واشترى ثم عزله بعد أيام فان عقوده التي عقدها قبل بلوغ الخبر اليه صحيحة وفيه دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد والله أعلم اهـ (تخريجه)(م د نس)(3)(سنده) حدثنا وكيع ثنا اسرائيل عن ابي اسحاق عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(4) جا من طريق ثان عن البراء عند الامام احمد ايضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة على أجداده أو أخواله من الأنصار وانه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه ان تكون قبلته قبل البيت وانه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون الخ (5) على قوم الجار والمجرور متعلق بمر أي مر رجل صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر على قوم الخ (6) جاء في الطريق الاولى (مر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر) ولا معارضة لاحتمال ان يكون هذا غير ذاك فهذا اخبر جماعة في صلاة العصر وذاك أخبر جماعة أخرى وهم في صلاة الفجر والله أعلم (تخريجه)(ق نس) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره روى ابن مردويه عن ابن عمر أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر وانها الصلاة الوسطى والمشهور ان اول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ولهذا تأخبر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر والله أعلم (باب)(7) هذا الحديث تقدم مخرجا ومشروحا من طريق ثان في أول باب وجوب الطواف

ص: 78

عليه أن لا يطوف بهما ولكنها انما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل وكان من أهل لها تحرج أن يطوف بالصفا والمروة فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله انا كنا نتحرج أن نطوف في الصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله عز وجل (ان الصفا والمروة من شعائر الله إلى قوله: فلا جناح عليه أن يطوف بهما) قالت عائشة ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما فليس ينبغي لأحد أن يدع الطواف بهما (وعنه أيضا)(1) عن عائشة رضي الله عنها في قول الله عز وجل ان الصفا والمروة من شعائر الله قالت كان رجال من الانصار ممن يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة (2) قالوا يا نبي الله انا كنا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فأنزل الله عز وجل (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف

بالصفا والمروة من كتاب الحج في الجزء الثاني عشر صحيفة 74 رقم 276 وهو حديث صحيح رواه (ق لك نس) وغيرهم وقد ذكر فيه سبب واحد لتحرجهم من الطواف بين الصفا والمروة وهناك أسباب أخرى ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسيره عقب ذكر هذا الحديث فقال وفي رواية عن الزهري انه قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال ان هذا العلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون ان الناس (إلا من ذكرت عائشة) كانوا يقولون ان طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الانصار انما امرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى (ان الصفا والمروة من شعائر الله) قال أبو بكر بن عبد الرحمن فلعلها نزلت في هؤلاء وهؤلاء ورواه البخاري من حديث مالك عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة (يعني ما تقدم) ثم قال البخاري حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عاصم بن سليمان قال سالت أنسا عن الصفا والمروة قال كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية فلما جاء الاسلام امسكنا عنهما فأنزل الله عز وجل (ان الصفا والمروة من شعائر الله)(وقال الشعبي) كان إساف على الصفا وكانت نائلة على المروة وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الاسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية وذكر محمد بن اسحاق في كتاب السيرة ان اسافا ونائلة كانا بشرين فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس فلما طال عهدهما عبدا ثم حولا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك فكان من طاف بالصفا والمروة يتسلمهما ويقول أبو طالب في قصيدته المشهورة (وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم * لمفضى السيول من اساف ونائل) اهـ هذا وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث وشرحه وتفسير الآية وأحكام الطواف بين الصفا والمروة ومذاهب العلماء في ذلك في الباب المشار اليه آنفا من كتاب الحج فارجع اليه تجد ما يسرك (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة الخ (غريبه)(2) جاء عند البخاري (وكانت مناة حذو فديد) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وآخره واو أي مقابل قديد بضم القاف وفتح الدال المهملة موضع من منازل طريق مكة إلى المدينة وجاء في الحديث السابق (كانوا قبل ان يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل) بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد اللام الأولى

ص: 79

بهما (باب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)(عن معاذ بن جبل)(1) قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء ثم ان الله عز وجل فرض عليه الصيام فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) إلى هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه قال ثم ان الله عز وجل انزل الآية الأخرى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) إلى قوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام (فهذان حالان) قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء مالم يناموا فإذا ناموا امتنعوا قال ثم ان رجلا من الانصار يقال له صرمة ظل يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما قال فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا قال يا رسول الله اني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت وأصبحت حين أصبحت صائما قال وكان عمر قد أصاب من النساء من جارية أو من حرة بعد ما قام (2) وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك فأنزل الله (احل لكم ليلة الصيام الرفث في نسائكم) إلى قوله (ثم اتموا الصيام إلى الليل)(باب أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)(عن البراء)(3) قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اذا كان الرجل صائما فحضر الافطار فنام قبل ان يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وان فلانا (4) الانصاري كان صائما فلما حضره الافطار اتى امرأته فقال هل عندك من طعام؟ قالت لا ولكن انطلق فاطلب لك فغلبته عينه وجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبة لك فأصبح فلما انتصف النهار غشي عليه فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية

مفتوحة اسم موضع قريب من قديد من جهة البحر ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من جهة البحر وقال البكري هي ثنية مشرفة على قديد وقال السفاقسي هي عند الجحفة والله أعلم (تخريجه)(خ وغيره)(باب)(1) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه وبيان احكامه في باب الأحوال التي عرضت للصيام من كتاب الصيام في الجزء التاسع صحيفة 239 رقم 31 فارجع اليه تجد ما يسرك والله الموفق (2) ستأتي قصة عمر في حديث مستقل بعد ثلاثة أحاديث (باب)(3)(سنده) حدثنا أسود بن عامر وأبو أحمد قالا ثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء (يعني ابن عازب الخ)(غريبه)(4) جاء في آخر الحديث قال ابو احمد (يعني احد الراويين اللذين روى عنهما الامام احمد هذا الحديث) قال في روايته (وان قيس بن صرمة الانصاري جاء فنام فذكره (قلت) قد اختلف في اسم هذا الرجلففي الحديث السابق ان اسمه صرمة وفي الحديث في رواية أبي احمد قيس بن صرمة وفي الطريق الثانية أبو قيس بن عمرو وجاء في اسمه روايات متعددة ذكرها الحافظ في الاصابة ثم قال فإن حمل هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد فإنه قيل فيه صرمة بن قيس وصرمة بن مالك وصرمة بن أنس وقيل فيه

ص: 80

(أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)(1) إلى قوله تعالى (حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)(وعنه من طريق ثان)(2) ان احدهم كان إذا نام فذكر نحوا من حديث اسرائيل إلا أنه قال نزلت في ابي قيس بن عمرو (باب وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)(عن عدي بن حاتم)(3) قال لما نزلت هذه الآية (وكلوا

قيس بن صرمة وأبو قيس بن صرمة وابو قيس بن عمرو فيمكن أن يقال أن كان اسمه صرمة بن قيس فمن قال فيه قيس بن صرمة قلبه وانما اسمه صرمة وكنيته أبو قيس أو العكس وأما أبوه فاسمه قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب وكنيته أبو أنس ومن قال فيه أنس حذف أداة الكنية ومن قال فيه ابن مالك نسبه إلى جد له والعلم عند الله اهـ (1) الرفث كناية عن الجماع قال ابن عباس ان الله حي كريم يكنى كل ما ذكر في القرآن من المباشرة والملامسة الافضاء والدخول والرفث فانما عنى به الجماع وقال الزجاج الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجال من النساء قال أهل التفسير كان في ابتداء الأمر اذا أفطر حل له الطعام والشراب والجماع الى ان يصلي العشاء الآخرة فان رقد قبلها حرم عليه الطعام والنساء الى الليلة القابلة ثم ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه واقع أهله بعد ما صلى العشاء فلما اغتسل اخذ يبكي ويلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اني اعتذر إلى الله واليك من نفسي هذه الخاطئة اني رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت أهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال واعترفوا بمثله فنزل في عمر وأصحابه (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) بمعنى الافضاء إلى نسائكم بالجماع نزل نسخا لما كان في صدر الاسلام من تحريمه وتحريم الأكل والشرب بعد العشاء وسيأتي حديث عمر بعد حديثين (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) كناية عن تعانقهما أو احتياج كل منهما إلى صاحبه وقيل سمي كل واحد من الزوجين لباسا للآخر لتجردهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد حتى يصير كل منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) أي تخونونها وتظلمونها بالمجامعة بعد العشاء (فتاب عليكم) أي قبل توبتكم (وعفا عنكم) محا ذنوبكم (فالآن باشروهن) جامعوهن حلالا سميت المجامعة مباشرة لملاصقة بشرة كل واحد منهم صاحبه (وابتغوا) أي طلبوا (ما كتب الله لكم) أي ما أباحه من الجماع أو قدره من الولد (وكلوا واشربوا) الليل كله (حتى يتبين) يظهر (لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) أي الصادق بيان للخيط الأبيض وبيان الأسود محذوف أي من الليل شبه ما يبدو من البياض وما يمتد معه من الغبش بخيطين ابيض وأسود في الامتداد (ثم اتموا الصيام) من الفجر (إلى الليل) أي إلى دخوله بغروب الشمس (ولا تباشروهن) أي نسائكم (وأنتم عاكفون) مقيمون بنية الاعتكاف (في المساجد) متعلق بعاكفون نهى لمن كان يخرج وهو متعكف فيجامع امرأته ويعود (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله) حدها لعباده ليقفوا عندها (فلا تقربوها) ابلغ من لا تعتدوها المعبر به في آية أخرى (كذلك) كما بين لكم ما ذكر (يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) محارمه (2)(سنده) حدثنا احمد بن عبد الملك قال ثنا زهير ثنا أبو اسحاق عن البراء بن عازب أن أحدهم كان الخ (تخريجه)(خ د نس مذ)(باب)(3)(سنده) حدثنا هشيم اخبرنا حصين عن الشعبي

ص: 81

واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) (1) قال عمدت إلى عقالين (2) أحدهما اسود والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتي (3) قال ثم جعلت أنظر اليهما فلا تبين لي الأسود من الأبيض ولا الأبيض من الأسود فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال ان وسادك اذا لعريض (4) انما ذلك بياض النهار من سواد الليل (وعنه أيضا)(5) قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام قال صل كذا وكذا (6) وصم فاذا غابت الشمس فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود (7) وصم ثلاثين يوما إلا أن تر الهلال قبل ذلك (8) فأخذت خيطين من شعر أسود وأبيض فكنت أنظرفيهما فلا يتبين لي

أنا عدي بن حاتم (يعني الطائي) قال لما نزلت الخ (غريبه)(1) قال أبو عبيد الخيط الأبيض الفجر الصادق والخيط الأسود الليل وفي قوله صلى الله عليه وسلم الا اتى انما هو بياض النهار وسواد الليل دليل على ان ما بعد الفجر هو من النهار لا من الليل ولا فاصل بينهما (قال النووي) وهذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء وحكى فيه شيء عن الأعمش وغيره لعله لا يصح عنهم اهـ (2) بكسر العين المهملة أي حبلين وفي رواية خيطين من شعر (3) جاء في بعض الروايات فجعلتهما وسادتي والوسادة المخدة وهي ما يجعل تحت الرأس عند النوم (والوساد) أعم فإنه يطلق على كل ما يتوسد به ولو كان من تراب كما جاء في النهاية والاساس (واما معنى الحديث) فالعلماء فيه شروح أحسنها كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى قال انما أخذ العقالين وجعلهما تحت رأسه وتأول الآية لكونه سبق إلى فهمه ان المراد بها هذا وكذا وقع لغيره ممن فعل فعله حتى نزول قوله تعالى (من الفجر) فعلموا ان المراد به بياض النهار وسواد الليل وليس المراد ان هذا كان حكم الشرع أولا ثم نسخ بقوله تعالى (من الفجر) كما أشار اليه الطحاوي والداودي (قال القاضي) وانما المراد ان ذلك فعله وتأوله من لم يكن مخالطا للنبي صلى الله عليه وسلم بل هو من الاعراب لافقه عنده أو لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولهذا انكر النبي صلى الله عليه وسلم على عدي بقوله ان وسادك لعريض انما هو بياض النهار وسواد الليل قال وفيه ان الالفاظ المشتركة لا يصار الى العمل بأظهر وجوهها وأكثر استعمالها إلا اذا عدم البيان وكان البيان حاصلا بوجود النبي صلى الله عليه وسلم (4) جاء في بعض الروايات ان وسادك لعريض وجاء في رواية البخاري (انك لعريض القفا) قال القاضي عياض (ان وسادك لعريض) معناه ان جعلت تحت وسادك الخيطين اللذبن ارادهما الله تعالى وهما الليل والنهار فوسادك يعلوهما ويغطيهما وحينذاك يكون عريضا وهو معنى الرواية الأخرى في صحيح البخاري انك لعريض القفا لأن من يكون هذا وساده يكون عظم قفاه من نسبته بقدره وهو معنى الرواية الاخرى انك لضخم وانكر القاضي قول من قال انه كناية عن الغباوة أو عن السمن لكثرة أكله إلى بيانا الخيطين وقال بعضهم ان المراد بالوساد النوم أي ان نومك كثير وقيل اراد به الليل أي من لم يكن النهار عنده إلا اذا بان له المقالان طال ليله وكثر نومه والصواب ما اختاره القاضي والله أعلم (تخريجه)(ق د مذ نس)(5)(سنده) حدثنا يحيى عن مجالد أخبرني عامر حدثني عدي بن حاتم قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) يعني الصلوات الخمس وما يلزم لها (7) يعني فأمسك عن الطعام والشراب (8) معناه أن تر هلال شوال قبل تمام الثلاثين فأفطر فإن الشهر قد يكون تسعا

ص: 82

فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك (1) وقال يا ابن حاتم انما ذاك بياض النهار من سواد الليل (باب علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الخ)(عن عبد الله بن كعب بن مالك)(2) عن أبيه قال كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سهر عنده فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت اني قد نمت قال ما نمت ثم وقع بها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون (3) أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) (باب فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه الخ)(عن كعب بن عجرة)(4) قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا

وعشرين (1) إنما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم منه لكونه سبق إلى فهمه أن المراد بالآية حقيقة الخيط الأبيض والخيط الأسوط فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد من الآية بياض النهار من سواد الليل (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الامام احمد وتقدم معناه في الحديث السابق وسنده صحيح (باب)(2)(سنده) حدثنا عتاب بن زياد قال أنا عبد الله قال انا ابن لهيعة قال حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال كان الناس الخ (غريبه)(3) أي تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب (فتاب عليكم) حين تبتم بما ارتكبتم من المحظور (وعفا عنكم) يحتمل أنه يريد عن المعصية بعينها فيكون تأكيدا وتأنيسا زيادة على التوبة ويحتمل أن يريد عفا عما كان الزمكم من اجتناب النساء بمعنى تركه لكم كما تقول شيء معفو عنه أي متروك والله اعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمدوفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وقد ضعف اهـ (قلت) حديثه حسن اذا صرح بالتحديث وقد ضعف إذا عنعن وقد صرح بالتحديث في هذا الحديث فهو حسن وله شاهد من حديث البراءعند البخاري من طريق أبي اسحاق قال سمعت البراء قال (لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربونن النساء رمضان كله) زاد في الصيام عن البراء أيضا من طريق اسرائيل أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون اذا ناموا ومفهوم ذلك ان الأكل والشرب كان مأذونا فيه ليلا ما لم يحصل النوم فيحمل قوله كانوا لا يقربون النساء على الغالب جمعا بين الأحاديث (وكان رجال يخونون أنفسهم) أي يجامعون ويأكلون ويشربون منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك وقيس بن صرمة الانصاري (فأنزل الله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره وقال علي بن طلحة عن ابن عباس قال كان المسلمون في شهر رمضان اذا صلوا العشاء حرم عليهم العشاء والطعام إلى مثلها من القابلة ثم ان اناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن) الآية (باب)(4) هذا الحديث تقدم بطريقيه في أبواب ما يجوز للمحرم فعله من كتاب الحج في الجزء الحادي عشر صحيفة 219 رقن 182 وترجعت له (بباب حديث كعب بن عجرة وتعدد طرقه) وذكرت له ثمان طرق رواها كلها الامام احمد في مسنده بأسانيدها وقد بسطت الكلام على شرحه وأحكامه وهو حديث صحيح رواه (ق لك طل والأربعة وغيرهم) فارجع اليه ترى ما يسرك أما

ص: 83

المشركون وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت نعم فأمرني أن أحلق قال ونزلت (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)(ومن طريق ثان)(1) عن عبد الله بن معقل قال قعدت إلى كعب بن عجرة رضي الله عنه وهو في المسجد (2) فسألته عن هذه الآية (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) قال فقال كعب نزلت فيي فقد كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى أتجد شاة؟ فقلت لا فنزلت هذه الآية (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) قال صوم ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعام لكل مسكين قال فنزلت في خاصة وهي لكم عامة (3)(باب ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم)(عن أبي أمامة التيمي)(4) قال قلت لابن عمر رضي الله عنهما انا نكرى (5) فهل لنا من حج؟ قال أليس تطوفون بالبيت وتأتون المعروف؟ (6) وترمون الجمار وتحلقون رءوسكم؟ قال قلنا بلى فقال ابن عمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية (7) (ليس عليكم جناح أن

تفسير الآية فقد قال الامام البغوي في قوله تعالى (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) معناه لا تحلقوا رءوسكم في حال الاحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع (ففدية) فيه اضمار أي فحلق فعليه فدية (من صيام) أي ثلاثة أيام (أو صدقة) أي ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع (أو نسك) واحدتها نسيكة أي ذبيحة أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة أيتها شاء ذبح فهذه الفدية على التخيير والتقدير ويتخير بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدق وكل هدى أو طعام يلزم المحرم يكون بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم إلا هديا يلزم المحصر فإنه يذبحه حيث أحصر وأما الصوم فله أن يصوم حيث شاء (1)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الاصبهاني عن عبد الله بن معقل الخ (2) زاد في رواية يعني مسجد الكوفة (3) يريد أن هذه الآية نزلت بسببه خاصة وأما حكمها فهو عام لجميع المسلمين (تخريجه)(ق لك طل والأربعة) من طرق متعددة (باب)(4)(سنده) حدثنا اسباط حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي أمامة التيمي الخ (غريبه)(5) بضم النون وكسر الراء بينها كاف ساكنة مضارع الرباعي يقال اكرى دابته فهو مكر وكرى من الكراء وهو أجسر المستأجر والمعنى اننا نكرى دوابنا للحجاج ونكون معهم في جميع المشاهد (6) بفتح الراء المشددة قال في النهاية الوقوف بعرفة وهو التعريف أيضا اهـ (وفي اللسان) وعرف القوم وقفوا بعرفة وهو المعرف للموقف بعرفات (7) هذا سبب من أسباب نزول هذه الآية ولها سببب آخر جاء عند البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) في مواسم الحج ورواه أيضا البغوي في تفسيره وزاد بعد قوله في مواسم الحج (قرأ ابن عباس كذا) يعني ان لفظ في مواسم الحج من القرآن عند ابن عباس والتحقيق انها تفسير لا قرآن ومعنى قوله تعالى (ليس عليكم جناح) أي حرج (أن تبتغوا فضلا) أي رزقا (من ربكم) يعني بالتجارة في مواسم الحج

ص: 84

تبتغوا فضلا من ربكم) فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتم حجاج (1)(باب يسألونك عن الخمر والميسر الخ)(عن أبي هريرة)(2) قال حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم (يسألونك عن الخمر (3) والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما الخ الآية) فقال الناس ما حرم علينا إنما قال فيهما إثم كبير وكانوا يشربون الخمر (4) حتى اذا كان يوم من الايام صلى رجل من المهاجرين أم أصحابه في المغرب خلط في قراءته (5) فأنزل الله فيها آية أغلظ منها (يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) وكان الناس يشربون حتى يأنى أحدهم الصلاة وهو مفيق ثم انزلت آية أغلظ من ذلك (6)(يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والأنصاب (7) والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فقالوا انتهينا ربنا فقال الناس يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فراشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا ومن عمل الشيطان فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا وآمنوا) الخ الآية (8) فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم (9)

أو اكراء دوابكم للحجاج (1) يعني كتب لكم ثواب الحج والله أعلم (تخريجه)(د طل عب) والطبري وعبد بن حميد في تفسيريهما وابن أبي حاتم وسنده جيد (باب)(2)(سنده) حدثنا سريج يعني ابن النعمان حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة عن أبي هريرة الخ (غريبه)(3) هو كل مسكر خامر العقل (والميسر) يعني القمار (قل فيهما) أي في تعاطيهما (إثم كبير) أي عظيم لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وفحش القول (ومنافع للناس) باللذة والفرح في الخمر واصابة المال بلا كد في الميسر (وإثمهما) أي ما ينشأ عنهما من المفاسد (أكبر) أي أعظم (من نفعهما)(4) جاء في رواية عند البغوي فتركها قوم لقوله (إثم كبير) وشربها قوم لقوله (ومنافع للناس)(5) جاء عند البغوي فقرأ (قل يا ايها الكافرون أعبد ما تعبدون) هكذا إلى آخر السورة بحذف لا (6) لم يذكر سبب تحريمها في هذه المرة الثالثة التي هي أغلظ الجميع وفيها حرمت الخمر بتاتا وسيأتي سبب ذلك عند قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر الآية) من سورة المائدة ان شاء الله تعالى (7) يعني الأوثان سميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها واحدها نصب بفتح النون وسكون الصاد ونصب بضم النون مخففا ومثقلا (والأزلام) يعني القداح التي كانوا يستقسمون بها واحدها زلم بالتحريك قال في النهاية كانت في الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهي افعل ولا تفعل كان الرجل منهم يضعها في وعاء له فإذا أراد سفرا أو زواجا أو أمرا مهما أدخل يده فأخرج منها زلما فإن خرج الأمر مضى لشأنه وان خرج النهي كف عنه ولم يفعله (رجس) أي خبيث مستقذر (من عمل الشيطان) أي تزيينه (فاجتنبوه) الضمير عائد على الرجس أي اتركوه (لعلكم تفلحون)(8) سأتي تفسيرها في سورة المائدة (9) معناه لو حرمت عليهم قبل موتهم لتركوها وحينئذ فلا إثم على من مات وهو يشربها قبل التحريم والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي

ص: 85

(عن أبي ميسرة)(1) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما نزل تحريم الخمر قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في سورة النساء (يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال فقال عمر انتهينا انتهينا (باب وان تخالطوهم فاخوانكم)(عن ابن عباس)(2) قال لما نزلت (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (وإن تخالطوهم فإخوانكم (3) والله

وقال رواه أحمد وأبو وهب مولى أبي هريرة لم يجرحه أحد ولم يوثقه وأبو نجيح ضعيف لسوء حفظه وقد وثقه غير واحد وسريج ثقة اهـ (قلت) وله شواهد كثيرة تعضده (1)(سنده) حدثنا خلف ابن الوليد حدثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن ابي ميسرة عن عمر بن الخطاب الخ (تخريجه)(ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه اهـ (قلت) وأقره الذهبي وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ثم قال وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن اسرائيل عن أبي اسحاق وكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردوية من طريق الثوري عن أبي اسحاق عن أبي ميسرة واسمه عمرو ابن شرحبيل الهمذاني الكوفي عن عمر وليس له عنه سواه لكن قد قال أبو زرعه لم يسمع منه والله أعلم وقال علي بن المديني هذا اسناد صالح صحيح وصححه الترمذي وزاد ابن ابي حاتم بعد قوله انتهينا انها تذهب المال وتذهب العقل اهـ (باب)(2)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) هذه إباحة المخالطة أي وان تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم فتصيبوا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم أو تكافئوهم على ما تصيبون من اموالهم (فاخوانكم) أي فهم اخوانكم والاخوان يعين بعضهم بعضا ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الاصلاح والرضا (والله يعلم المفسد) لأموالهم (من المصلح) لها يعني الذي يقصد بالمخالطة الخيانة وإفساد مال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الاصلاح (تخريجه) الحديث سنده صحيح وأخرجه الحاكم من طريق اسرائيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره ثم قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي وذكر نحوه الحافظ ابن كثير في تفسيره فقال قال ابن جرير حدثنا سفيان عن وكيع حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) و (ان الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله (ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فاخوانكم) فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم وهكذا رواه أبو داود والنسائي

ص: 86

يعلم المفسد من المصلح) قال فخالطوهم (باب ويسألونك عن المحيض قل هو أذى الخ)(عن أنس بن مالك)(1) أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة عندهم لم يآكلوهن ولم يجامعوهن (2) في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض (3) قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) حتى فرغ من الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما فقالا يا رسول الله ان اليهود قالت كذا وكذا أفلا نجامعوهن؟ (4) فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه وجد عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا انه لم يجد عليهما (قال عبد الله بن الامام احمد رحمهما الله) سمعت أبي يقول كان حماد بن سلمة لا يمدح أو يثني على شيء من حديثه إلا هذا الحديث من جودته (باب نساؤكم حرث لكم)(عن عبد الرحمن بن سابط)(5) قال دخلت على حفصة ابنه عبد الرحمن فقلت اني سائك عن أمر وأنا استحي أن اسألك عنه فقالت لا تستحي يا ابن أخي قال عن إتيان النساء في أدبارهن قالت حدثتني أم سلمة أن الانصار كانوا لا يجبون (6) النساء وكانت اليهود تقول إنه من جبى امرأته كان ولده أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الانصار فجبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها فقالت لزوجها لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على أم سلمة فذكرت ذلك لها فقالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

وابن أبي حاتم وابن مردوية والحاكم في مستدركه من طرق عن عطاء بن السائب به اهـ (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس الخ (غريبه)(2) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد فالمراد بالمجامعة هنا الاجتماع بهن لا الوقاع وهو المعنى الحقيقي واستعماله بالمعنى الآخر كناية (3) أي عن الحيض وهو مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا كالسير والمسير وأصل الحيض الانفجار والسيلان (قل هو أذى) أي قذر والأذى ما يكره من كل شي (فاعتزلوا النساء في المحيض) أراد بالاعتزال ترك الوطء (ولا تقربوهن) أي لا تجامعوهن أما الملامسة والمضاجعة معها فجائزة لقوله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شيء الا النكاح)(حتى يطهرن) قرأ عاصم برواية أبي بكر وحمزة والكسائي بتشديد الطاء والهاء أي حتى يغتسلن وقرآ الآخرون بسكون الطاء وضم الهاء مخففا ومعناه حتى يطهرن من الحيض وينقطع دمهن (4) مرادهما بالجماع هنا الوطء لما جاء في رواية أخرى (أفلا ننكحهن في المحيض) اي لكي تحصل المخالفة التامة مع اليهود ولكن تحصيل المخالفة بارتكاب المعصية لا يجوز لأن الوطء في زمن الحيظ محظور ولذلك تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(م طل والأربعة)(باب)(5)(سنده) حدثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابظ الخ (غريبه)(6) المراد بالتجبية هنا الانكباب على الوجه تشبيها بهيئة السجود وأخرج الاسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري يلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها ويؤيد ذلك قوله

ص: 87

استحت الأنصارية أن تسأله فخرجت فحدثت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادعي الانصارية فدعيت فتلا عليها هذه الآية (نساؤكم حرث لكم (1) فأتوا حرثكم أنى شئتم) صماما واحدا (عن أم سلمة رضي الله عنها (2) قالت لما قدم المهاجرون المدينة على الانصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الانصار لا تجبي فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انى شئتم) وقال لا (3) إلا في صمام واحد (عن ابن عباس)(4) قال أنزلت هذه الآية (نساؤكم حرث لكم) في أناس من الانصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائتها على كل حال اذا كان في الفرج (وعنه أيضا)(5) قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك؟ قال حولت رحلي البارحة (6) قال فلم يرد عليه شيئا قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)

(من جبى امرأته كان ولده أحول) فإن الولد لا يكون إلا من الوطء في القبل (1) يعني موضع زرعكم الولد (فأتوا حرثكم) أي محله وهو القبل (أنى شئتم) أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات وأنى حرف استفهام يكون سؤالا عن الحال والمحل معناه كيف شئتم وحيث شئتم بعد أن يكون في صمام واحد وقال عكرمة (أنى شئتم) انما هو الفرج ومثله عن الحسن وقيل (حرث لكم) أي مزرع لكم ومنبت الولد بمنزلة الأرض التي تزرع وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر لأن محل الحرث والزرع هو القبل والله أعلم (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح ثم قال وابن خثيم هو عبد الله بن عثمان بن خثيم وابن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي المكي وحفصة هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ويروى في سمام واحد اهـ بكسر السين أي في ثقب واحد وهو من سمام الإبرة أي ثقبها والله أعلم (2)(سنده) حدثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة الخ (غريبه)(3) أي لا تفعلوا ذلك إلا في صمام واحد وهو الفرج (تخريجه) هو كالذي قبله في المعنى وقد رواه الترمذي وصححه ولأبي داود هذا المعنى من رواية ابن عباس وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه (4)(سنده) حدثنا يحيى بن غيلان ثنا رشدين ثنا حسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المعافري حدثني حنش (فسألوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس قال أنزلت هذه الآية الخ (قلت) هذه الجملة التي جاءت بين قوسين في السند ليس لها معنى وهي خطأل من الناسخ أو جامع الحروف للطبع فربما اختلف نظره إلى حديث آخر فيه هذه الجملة فأثبتها هنا بدون قصد والصواب (حدثني جنش عن ابن عباس الخ)(تخريجه) أورده الهيثمي وعزاه للطبراني وغفل عن عزوه للامام احمد قال وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف (5)(سنده) حدثنا حسن ثنا يعقوب يعني القسمى عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء عمر بن الخطاب الخ (غريبه)(6) كنى برحله عن زوجته أراد به غشيانها في قبلها من جهة ظهرها لأن المجامع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة ظهرها كنى عنه بتحويل رحله إما نقلا من الرحل بمعنى المنزل

ص: 88

أقبل (1) وأدبر واتق الدبر والحيضة (2)(باب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)(عن زيد بن ثابت)(3) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة (4) ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منها قال فنزلت (حافظوا على الصلوات (5) والصلاة الوسطى) وقال ان قبلها صلاتين وبعدها صلاتين (6)(عن الزبرقان)(7) ان رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال هي العصر فقام اليه رجلان منهم فسألاه فقال هي الظهر (8) ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه فقال هي الظهر (9) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالهجير ولا يكون وراءه إلا الصف والصفان والناس في قائلتهم وفي تجارتهم فأنزل الله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) قال فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لينتهين رجال (10) أو لأحرقن بيوتهم

أو من الرحل بمعنى الكور وهو للبعير كالسرج للفرس كذا في مجمع البحار (1) أي جامع من جانب القبل (وأدبر) أي أولج في القبل من جانب الدبر (واتق الدبر) أي إيلاجه فيه وقد تقدم تحريم الايلاج في الدبر في باب النهي عن اتيان المرأة في دبرها في الجزء السادس عشر صحيفة 224 (قال الطيبي) رحمه الله في تفسير قوله تعالى (فأتوا حرثكم أنى شئتم) قال الحرث يدل على اتقاء الدبر (وأنى شئتم) على اباحة الاقبال والإدبار والخطاب في التفسير خطاب عام وان كل من يتأتى منه الإقبال والإدبار فهو مأمور بهما (2) الحيضة بكسر الحاء اسم الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود كذا في النهاية والمعنى اتق المجامعة في زمانها (تخريجه)(د مذ جه) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب (باب)(3)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة حدثني عمر بن الحكم قال سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت الخ (غريبه)(4) أي في وقت اشتداد الحر في نصف النهار ولم يكن يصلى صلاة أشد وأسعب على أصحابه من صلاة الظهر وذلك لكونه يصلى وقت شدة الحر ثم أبرد بعد ذلك وأمر بالابراد أيضا (5) أي الخمس لا تتهاونوا في أدائها في وقتها (والصلاة الوسطى) خصه بالذكر لعظم فضلها (6) الظاهر أن القائل قبلها صلاتين وبعد صلاتين هو زيد بن ثابت لما في رواية الطحاوي عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهجير وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين وظاهر الحديث يدل على أن الصلاة الوسطى هي الظهر وهو قول زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد لأنها وسط النهار وهي أوسط صلاة النهار في الطول والله أعلم (تخريجه)(د طح هق) والبخاري في التاريخ (7)(سنده) حدثنا يزيد بن ابي ذئب عن الزبرقان الخ (غريبه)(8) تقدم انه قال للغلامين هي العصر وهنا قال هي الظهر فيحتمل أنه نسى فقال للغلامين هي العصر ويحتمل أن الغلامين أخطأ في التبليغ والله أعلم (9) قال على القارى الظاهر أن هذا اجتهاد من الصحابي نشأ من ظنه أن الآية نزلت في الظهر فلا يعارض نصه من أنها العصر اهـ (قلت) يعني قوله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق (حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا) وسيأتي الكلام على ذلك (10) يعني عن التخلف عن

ص: 89

(عن شقيق بن عقبة)(1) عن البراء بن عازب قال نزلت (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن نقرأها لم ينسخها الله (2) فأنزل (حافظوا على الصلوات وصلاة (3) الوسطى) فقال له رجل كان مع شقيق يقال له أزهر وهي صلاة العصر؟ قال قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى والله أعلم (4)(عن أبي يونس)(5) مولى عائشة رضي الله عنها قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا قال اذا بلغت إلى هذه الآية (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فآذنى (6) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر (7) وقوموا لله قانتين) (8) قالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (9)

الجماعة (تخريجه)(طل) وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ثم قال والزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري لم يدرك أحدا من الصحابة والصحيح ما تقدم من روايته عن زهرة بن معبد وعروة بن الزبير (قلت) يعني الحديث المتقدم (1)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا فضيل يعني ابن مرزوق عن شقيق بن عقبة الخ (غريبه)(2) هكذا بالأصل (لم ينسخها الله فأنزل) وجاء عند مسلم بلفظ (ثم نسخها الله فأنزل) الخ وهو الصواب كما يدل عليه السياق (3) هكذا بالأصل (وصلاة الوسطى) بدون لام التعريف وجاء عند مسلم والصلاة الوسطى بلام التعريف وهو الصواب لأنه الثابت في القراءات والظاهر ان ما في المسند تحريف من الناسخ (4) إنما قال زيد ذلك لأن القرآن لم يصرح بأنها صلاة العصر وفوض علمها لله عز وجل بقوله والله أعلم (تخريجه)(م)(5)(سنده) حدثنا اسحاق قال اخبرني مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة الخ (غريبه)(6) فآذنى بالمد أي أعلمني والظاهر أنها امرته ان يعلمها لأنها أرادت أن تملي عليه زيادة لم تكن ثابتة فيما كان ينسخ منه (7) قال ابن عبد البر فقوله (وصلاة العصر) بالواو الفاصلة التي لم يختلف في ثبوتها في حديث عائشة قال وثبوتها يدل على أنها ليست الوسطى قال الباجى لأن الشيء لا يعطف على نفسه قال وهذا يقتضي أن يكون بعد جمع القرآن في مصحف وقبل أن تجمع المصاحف على المصاحف التي كتبها عثمان وأنقذها إلى الأمصار لأن لم يكتب بعد ذلك في المصاحف إلا ما أجمع عليه وثبت بالتواتر أنه قرآن (8) أي مطيعين وقيل ساكتين وكلا التفسيرين جاء في الحديثين بعد هذا (9) قال الباجي يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء (يعني الحديث السابق) فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت انها مما نسخ حكمه وبقي رسمه والله أعلم (تخريجه)(م لك فع د مذ) كلهم رووه عن مالك وروى الامام مالك أيضا عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع أنه قال كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قال الحافظ وحديث عائشة وحفصه من حجج من قال إنها غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة فتكون العصر غير الوسطى (وأجيب) باحتمال زيادة الواو ويؤيده ما رواه أبو عبيد باسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) بغير الواو وباحتمال أنها عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات بدليل رواية ابن جرير عن عروة كان في مصحف عائشة والصلاة

ص: 90

_________

الوسطى وهي صلاة العصر (وقال الشوكاني) استدل بالحديث من قال إن الصلاة غير صلاة الوسطى لأن العطف يقتضي المغايرة وهو راجع إلى الخلاف الثابت في الأصول في القراءة الشاذة هل تنزل منزلة أخبار الآحاد فتكون حجة كما ذهبت إليه الحنفية وغيرهم أم لا تكون حجة لأن ناقلها لم ينقلها غلا على انها قرآن والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر كما ذهبت إلى ذلك الشافعية والراجح الأول وقد غلط من استدل من الشافعية بحديث عائشة وحفصة على أن هذه الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر لما عرفت من أن مذهبهم في الأصول يأبى هذا الاستدلال (وأجيب) عن الاستدلال بهذا الحديث من طرف القائلين بأنها العصر بوجهين (الأول) أن تكون الواو زائدة في ذلك على حد زيادتها في قوله تعالى (وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين) وقوله (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) وقوله (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وقوله (ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله) حكى عن الخليل أنه قال يصدون والواو مقحمة زائدة ومثله في القرآن كثير واستشهد على ذلك أيضا بشيء من أشعار العرب (والثاني) أن لا تكون زائدة وتكون من باب عطف إحدى الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد نحو قوله (إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم) قال وهذا التأويل لا بد منه لوقوع هذه القراءة المحتملة في مقابلة تلك النصوص الصحيحة الصريحة وقد روى عن السائب بن يزيد أنه تلا هذه الآية (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) وهذا التأويل المذكور يجري في حديث عائشة وحفصة ويختص حديث حفصة بما روى يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عمرو بن رافع قال كان مكتوبا في مصحف حفصة بنت عمر حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ذكر ابن سيد الناس هذه الرواية والرواية السابقة عن السائب بن يزيد في شرح الترمذي اهـ (قال النووي رحمه الله اختلف العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن (فقال جماعة هي العصر) وممن نقل هذا عنه على ابن أبي طالب وابن مسعود وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبيدة السلماني والحسن البصري وابراهيم النخعي وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم رضي الله عنهم (قال الترمذي) وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم رضي الله عنهم وقال الماوردي من أصحابنا هذا مذهب الشافعي رحمه الله لصحة الأحاديث فيه قال وانما نص على أنها الصبح لأنه لم يبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث (قلت) جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بأنها صلاة العصر منها ما رواه مسلم والامام احمد وغيرهما وتقدم في باب فضل صلاة العصر وبيان أنها الوسطى من كتاب الصلاة في الجزء الثاني صحيفة 261 رقم 124 عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا) قال (وقالت طائفة هي الصبح) ممن نقل هذا عنه عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن عباس وابن عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس والشافعي وجمهور أصحابه وغيرهم رضي الله عنهم (قلت) قالوا لأنها بين صلاتي جمع وهي لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها (وذهب قوم غلى أنها صلاة الظهر) وهو قول زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة ابن زيد لأنها في وسط النهار وهي أوسط صلاة النهار في الطول واحتجوا بحديث زيد بن ثابت المتقدم

ص: 91

(عن زيد بن أرقم)(1) قال كان الرجل يكلم صاحبه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية (وقوموا لله قانتين) فأمونا بالسكوت (عن أبي سعيد)(2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة (3)(باب ما جاء في فضل آية الكرسي)(عن أسماء بنت يزيد)(4) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين (الله لا إله إلا هو الحي القيوم، والم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ان فيهما اسم الله الأعظم (حدثنا محمد بن جعفر)(5) ثنا عثمان بن غياث قال سمعت أبا السليل قال كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (6) يحدث الناس حتى يكثروا عليه فيصعد على ظهر بيت فيحدث الناس قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أي آية في القرآن أعظم؟ قال فقال رجل (7)(الله لا إله إلا هو الحي القيوم) قال فوضع يده بين كتفي قال يهنك (8) يا أبا المنذر العلم العلم

وتقدم الكلام عليه (وقال قبيصة بن ذؤيب هي صلاة المغرب) لأنها وسط ليس بأقلها ولا أكثرها (وقال بعضهم إنها صلاة العشاء) ولم ينقل عن السلف فيها شيء وانما ذكرها بعض المتأخرين لأنها بين صلاتين لا تقصران (وقال بعضهم هي إحدى الصلواب الخمس) لا بعينها أبهمها الله تعالى تحريضا للعباد على المحافظة على أداء جميعها كما أخفى ليلة القدر في شهر رمضان وساعة اجابة الدعوى في يوم الجمعة وأخفى الاسم الأعظم في الاسماء ليحافظوا على جميعها والله أعلم (وأصح هذه الأقوال جميعها) وأقواها دليلا قول من قال ان الصلاة الوسطى صلاة العصر (قال الشوكاني) وهو المذهب الحق الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته من أنصف نفسه واطرح التقليد والعصبية وجود النظر إلى الأدلة والله الموفق (1) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب النهي عن الكلام في الصلاة من كتاب الصلاة في الجزء الرابع صحيفة 72 رقم 798 وهو حديث صحيح رواه البخاري والامام احمد وغيرهما (2)(سنده) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة ثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد (يعني الخدري) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(3) انما صرفه إلى الطاعة لأنها اكشف الأشياء واشهرها عند الناس فالعامة انما تعرف الطاعة والمعصية فكل ما أمر الله به فهو طاعة وما نهى عنه فهو معصية (تخريجه)(عل) وفي اسناده ابن لهيعة حديثه حسن اذا قال حدثنا وقد صرح في هذا الحديث بالتحديث وفيه أيضا دراج بتشديد الراء السهمي قاضي مصر عن أبي الهيثم وثقه ابن منير وضعفه الدارقطني قال أبو داود حديثه مستقيم إلا عن أبي الهيثم وعلى هذا فالحديث ضعيف (باب)(4)(سنده) حدثنا محمد بن بكر أنا عبيد الله بن أبي زياد قال ثنا شهر بن حوشب عن اسماء بنت يزيد الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد وقال وكذا رواه أبو داود عن مسدد والترمذي عن علي بن حشرم وابن ماجه عن أبي بكر بن ابي شيبة ثلاثتهم عن عيسى بن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد به وقال الترمذي حسن صحيح اهـ (قلت) ويستفاد منه أن اسم الله الاعظم هو (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) والله أعلم (5)(حدثنا محمد بن جعفر الخ)(غريبه)(6) هو ابي بن كعب رضي الله عنه كما يدل عليه آخر الحديث والحديث التالي (7) هو أبي بن كعب أيضا وأبهم نفسه تواضعا (8) جاء في الحديث

ص: 92

(عن عبد الله بن رباح)(1) عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم ساله أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال الله ورسوله أعلم فرددها مرارا ثم قال أبي آية الكرسي قال ليهنك العلم أبا المنذر والذي نفسير بيده إن لها لسانا وشفتين تقدس (2) الملك عند ساق العرش (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى)(3) عن أبي أيوب (الأنصاري رضي الله عنه أنه كان في سهوة (4) له فكانت الغول (5) تجيء فتأخذ

التالي بلفظ (ليهنك العلم) بصيغة الأمر للغائب أي ليكن العلم هنيئا لك قال ابن الملك هذا دعاء له بتيسير العلم له ورسوخه فيه (وقوله يا أبا المنذر) كنية أبي بن كعب وبهذا يعلم أن راوي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أبي بن كعب رضي الله عنه وكرر لفظ العلم مرتين للتأكيد (تخريجه) لم اقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام احمد واورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) ويؤيده ايضا الحديث التالي (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن سعيد الجريري عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح عن أبي (ز) وحدثنا عبد الله حدثني عبيد الله القواريري ثنا جعفر بن سليمان ثنا الجريري عن بعض اصحابه عن عبد الله بن رباح عن أبي (يعني ابن كعب) أن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) أي تنزه ملك الملوك وهو الله عز وجل عن كل عيب ونقص والحديث محمول على ظاهره فإن الله عز وجل قادر على ايجاد النطق واللسان والشفتين بكل شيء كيف وهو القائل (ولقد الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) ولذلك نظائر كثيرة منها حديث ابن عباس مرفوعا (يأتي الحجر (يعني الحجر الأسود) يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق) وهو حديث صحيح وتقدم في الجزء الثاني عشر في كتاب الحج صحيفة 25 رقم 231 فارجع اليه (تخريجه)(م) من طريق الجريري أيضا بسند الامام أحمد وليس عنده زيادة (والذي نفسي بيده) الخ وقد جاء هذا الحديث في المسند بسندين السند الأول للامام احمد والسند الثاني لعبد الله بن الامام احمد في زوائده على مسند أبيه وفي سند عبد الله رجل مبهم وأظنه ابا السليل والله أعلم والحديث صحيح وأورده الهيثمي وقال هو في الصحيح باختصار رواه احمد ورجاله رجال الصحيح اهـ (قال ابن الملك) وفي هذا الحديث (يعني والذي قبله) حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض وهو المختار فيكون جميع الآيات فاضلة وبعضها أفضل بمعنى أن يكون الثواب بها أكثر لمعنى فيها كما كان يقال في جميعها بليغ وبعضها ابلغ اهـ والله أعلم (3)(سنده) حدثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن ابن ابي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الخ (قلت) سفيان هو الثورى (عن أبن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى الأنصاري الكوفي (عن أخيه) هو عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الانصاري الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الانصاري المدني ثم الكوفي ثقة من كبار التابعين والد محمد وعيسى المذكورين (فائدة) ابن ابي ليلى إذا اطلق في كتب الفقه فالمراد به محمد بن عبد الرحمن بن يسار الكوفي واذا اطلق في كتب الحديث فالمراد به أبوه كذا في جامع الاصول لابن الأثير (غريبه)(4) قال في النهاية السهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع (بضم الميم وسكون المعجمة) والخزانة وقيل هو كالصفة تكون بين يدي البيت وقيل شبيه بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء اهـ (5) قال المنذري بضم الغين المعجمة

ص: 93

فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اذا رأيتها فقل بسم الله أجيبي رسول الله قال فجاءت فقال لها فأخذها فقالت له انى لا أعود فأرسلها فجاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك؟ قال أخذتها فقالت لي اني لا أعود فأرسلتها فقال انها عائدة فأخذتها مرتين أو ثلاثا كل ذلك تقول لا أعود ويجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له ما فعل اسيرك؟ فيقول أخذتها فتقول لا اعود فيقول انها عائدة فأخذها فقالت أرسلني وأعملك شيئا تقول فلا يقربك شيء (1) آية الكرسي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال صدقت وهي كذوب (2)(باب واذ قال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى)(عن أبي ابراهيم)(3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام (4) إذ قال (رب ارني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن؟ (5) قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد (6) ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت

هو شيطان يأكل الناس وقيل هو من يتلون من الجن اهـ وقال في النهاية الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولا أي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله يعني بقوله (لا غول ولا صفر) قيل قوله لا غول ليس نفيا لعين الغول ووجوده وانما فيه ابطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون المعنى بقوله لا غول أنها لا تستطيع أن تضل أحدا ثم ذكر حديث (اذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان) أي ادفعوا شرها بذكر الله وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها (1) جاء عند الترمذي (فلا يقربك شيطان ولا غيره) أي مما يضرك (2) هو من التتميم البليغ لأنه لما أوهم مدحها بوصفه الصدق في قوله صدقت استدرك نفي الصدق عنها بصيغة مبالغة والمعنى صدقت في هذا القول مع أنها عادتها الكذب المستمر وهو كقولهم قد يصدق الكذوب وقد وقع أيضا لابي هريرة عند البخاري وأبي بن كعب عند النسائي وأبي أسيد الانصاري عند الطبراني وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك وهو محمول على التعدد والله أعلم (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب وأورده المنذري في الترغيب وذكر تحسين الترمذي وأقره (باب)(3)(سنده) حدثنا وهب ابن جرير ثنا أبي قال سمعت يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة الخ (غريبه)(4) معناه لو كان الشك في القدرة متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به وقد علمتم أني لم اشك فإبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يشك وقيل لما نزلت هذه الآية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا فقال صلى الله عليه وسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لابراهيم على نفسه ومعلوم أنه لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك في إحياء الموتى لأنه كفر والأنبياء متفقون على الايمان بالبعث فقول ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (رب ارني كيف تحيي الموتى) يريد أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وايصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين (5) عطف على مقدر أي لم تعلم ولم تؤمن بأني قادر على الاحياء كيف أشاء (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي آمنت ولكن سألت ذلك ليزداد قلبي سكونا بانضمام العلوم بالبيان إلى المعلوم بالبرهان (6) يشير إلى الآية (لو أن لي بكم قوة أو آوى ركن شديد) يعني الاله القوي المتين فإنه لا ركن أقوى

ص: 94

الداعي (1)(باب لله ما في السموات وما في الأرض وان تبدو مافي أنفسكم أو تخفوه الخ)(عن أبي هريرة)(2) قال لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (لله ما في السموات وما في الأرض (3) وان تبدوا ما في أنفسكم (4) أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء (5) والله على كل شيء قدير) فاشتد ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب فقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق من الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم (7) سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فلما أقر بها القوم وذلت لها السنتهم أنزل الله عز وجل في اثرها (آمن الرسول (8) بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق (9) بين أحد من رسله) قال عفان (10) قرأها سلام أبو المنذر يفرق (11)(وقالوا سمعنا (12)

منه يركن اليه ويعتمد عليه جل شأنه (1) أي لأسرعت الاجابة في الخروج من السجن عند ما قال الملك (ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ولما قدمت طلب البراءة فرصفه بشدة الصبر والأناة حيث لم يبادر بالخروج وانما قال صلى الله عليه وسلم تواضعا والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة واجلالا وقيل هو من جنس قوله لا تفضلوني على يونس وقد قيل انه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع والله أعلم (تخريجه)(ق جه)(باب)(2)(سنده) حدثنا عفان قال ثنا عبد الرحمن بن ابراهيم قال ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة الخ (التفسير)(3) أي ملكا وأهلها له عبيد وهو مالكهم (4) يعني ما في قلوبكم مما عزمتم عليه (5) قال الامام البغوي في تفسيره ومعنى هذه الآية (وان تبدوا ما في أنفسكم) فتعملوا به (أو تخفوه) مما اضمرتم ونويتم (يحاسبكم به الله) ويخبركم به ويعرفكم اياه ثم يغفر للمؤمن اظهارا لفضله ويعذب الكافرين اظاهرا لعدله وهذا معنى قول الضحاك ويروى عن ابن عباس ما يدل عليه انه قال يحاسبكم به الله ولم يقل يؤاخذكم به والمحاسبة غير المؤاخذة (والله على كل شيء قدير) ومنه محاسبتكم وجزاؤكم (6) انما اشتد ذلك عليهم وهمهم هذا الأمر جدا لكونهم فهموا أن الله عز وجل يحاسبهم ويؤاخذهم بكل شيء حتى ما حدثت به نفوسهم وما خطر بقلوبهم (7) يعني اليهود والنصارى (8) أي صدق محمد (بما أنزل اليه من ربه) أي من القرآن (والمؤمنون) عطف عليه (كل) تنوينه عوض من المضاف اليه يعني كل واحد منهم ولذلك وحد (9) فيه اضمار أي يقولون لا نفرق (بين أحد من رسله) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى (10) يعني أحد رجال السند (11) أي بالياء التحتية بدل النون وهي قراءة يعقوب فيكون خبرا عن الرسول أو معناه لا يفرق الكل وانما قال بين أحد ولم يقل بين آحاد لأن الأحد يكون للواحد والجمع قال تعالى (فما منكم من أحد عنه حاجزين)(12) أي سمعنا ما أمرنا به سماع قبول (وأطعنا) أمرك روى عن حكيم عن جابر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية ان الله عز وجل قد أثنى عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل بتلقين الله تعالى فقال (غفرانك ربنا) بالنصب على المصدر أي اغفر غفرانك أو على المفعول به أي نسألك غفرانك (واليك المصير) أي

ص: 95

وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فلما فعلوا ذلك نسخها (1) الله تبارك وتعالى بقوله (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (2) لها ما كسبت وعليها وما اكتسبت) فصار له ما كسبت من خير وعليه ما اكتسبت من شر فسر العلاء هذا (3)(ربنا لا تؤاخذنا (4) ان نسينا أو أخطأنا) قال نعم (ربنا ولا تحمل علينا اصرا (5) كما حملته على الذين من قبلنا (6) قال نعم (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به (7) قال نعم (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (8)

المرجع بالبعث (1) قال المازري رحمة الله في تسمية هذا نسخا نظر لأنه انما يكون نسخا اذا تعذر البناء ولم يكن رد احدى الآيتين إلى الأخرى وقوله تعالى (وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) عموم يصح أن يشتمل على ما يملك من الخواطر دون ما لا يملك فتكون الآية الآخرى مخصصة إلا أن يكون قد فهمت الصحابة بقرينة الحال أنه تقرر تعبدهم بما لا يملك من الخواطر فيكون حينئذ نسخا لأنه رفع ثابت مستقر هذا كلام المازري (قال القاضي عياض) لا وجه لإبعاد النسخ في هذه القضية فإن راويها قد روى فيها النسخ ونص عليه لفظا ومعنى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالايمان والسمع والطاعة لما أعلمهم الله تعالى من مؤاخذته إياهم فلما فعلوا ذلك والقى الله تعالى الايمان في قلوبهم وذلت بالاستسلام لذلك السنتهم كما نص عليه في هذا الحديث رفع الحرج عنهم ونسخ هذا التكليف وطريق علم النسخ انما هو بالخبر عنه أو بالتاريخ وهما مجتمعان في هذه الآية (قال القاضي) وقوله المازري انما يكون نسخا اذا تعذر البناء كلام صحيح فيما لم يرد فيه النص بالنسخ فإن ورد وقفنا عنده (2) الوسع اسم لما يسع الانسان ولا يضيق عليه واختلفوا في تأويله فذهب ابن عباس وعطاء وأكثر المفسرين إلى أنه أراد به حديث النفس الذي ذكر في قوله (وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه) وروى عن ابن عباس أنه قال هم المؤمنون خاصة وسع عليهم أمر دينهم ولم يكلفهم فيه إلا ما يستطيعون كما قال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وسئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) قال الا يسرها ولم يكلفها فوق طاقتها وهذا قول حسن لأن الوسع ما دون الطاقة (3) يعني أن قوله فصار له ما كسبت الخ من تفسير العلاء أحد رجال السند ومعنى فصار له ما كسبت أي صار للعبد ما كسبت نفسه من الخير الأجر والثواب وعليه ما اكتسبت من الشر الوزر والعقاب (4) أي لا تعاقبنا (ان نسينا أو أخطأنا) جعله الأكثرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو لأن ما كان عمدا من الذنب فغير معفو عنه بل هو في مشيئة الله والخطأ معفو عنه قال صلى الله عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)(5) أي أمرا يثقل علينا حمله (6) قيل معناه لا تشددوا ولا تغلظ الأمر علينا كما شددت على من قبلنا من اليهود وذلك أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ومن أصاب ذنبا أصبح وذنبه مكتوب على بابه ونحوها من الاثقال والأغلال (7) أي لا تكلفنا من الاعمال ما لا نطيقه من التكاليف والبلاء (واعف عنا) أي تجاوز وامح عنا ذنوبنا (واغفر لنا) أي استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا (وارحمنا) فاننا لا ننال العمل إلا بطاعتك ولا نترك معصيتك إلا برحمتك (أنت مولانا) سيدنا ومتولى أمورنا وحافظنا وناصرنا (فانصرنا على القوم الكافرين) باقامة الحجة والغلبة في قتالهم فان من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء (8) زاد مسلم قال نعم (تخريجه)(م) والبغوي في تفسيره

ص: 96

(عن ابن عباس)(1) قال لما نزلت هذه الآية (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) قال دخل قلوبهم منها شيء (2) لم يدخل قلوبهم من شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله الايمان في قلوبهم فأنزل الله عز وجل (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون)(فذكر في الحديث الآيات إلى آخر السورة)(3) قال أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن الامام احمد) آدم هذا (4) هو أبو يحيى بن آدم (عن مجاهد)(5) قال دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما فقلت يا أبا عباس كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فقرأ هذه الآية فبكى قال أية آية؟ قلت (ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) قال ابن عباس ان هذه الآية حين أنزلت غمت اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا وغاظتهم غيظا شديدا يعني وقالوا يا رسول الله هلكنا ان كنا نؤاخذ مما تكلمنا وبما نفعل فأما قلوبنا فليست بأيدينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا واطعنا قال فنسختها (6) هذه الآية (آمن رسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون الى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فتجوز لهم عن حديث النفس (7) وأخذوا بالأعمال (عن علي بن زيد)(8) عن أمية أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية (إن تبدوا

(1)(سنده) حدثنا وكيع ثنا سفيان عن آدم بن سلمان مولى خالد بن خالد قال سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) أي من الغم والغيظ كما سيأتي في الحديث التالي (وقوله لم يدخل قلوبهم من شيء) أي من شيء آخر مثله (3) زاد مسلم في روايته عند قوله (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا) قال قد فعلت وكذلك عند قوله (ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا) قال قد فعلت وكذلك عند قوله (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) قال قد فعلت وكذلك عند قوله (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قال قد فعلت (تخريجه)(م) وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد ومسلم (4) يعني المذكور في السند (5)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد الخ (غريبه)(6) تقدم الكلام على النسخ في شرح الحديث السابق (7) لما كان حديث النفس مما لا يملكه أحد ولا يقدر عليه ولا يقدر عليه أحد عفا الله عنه والى ذلك ذهب جماهير العلماء وأهل السنة وهو الذي يفهم من هذه الآية ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا ويعملوا رواه مسلم وغيره (وعن ابن عباس) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى قال ان الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وان هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات الى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة (يعني ان تركها خوفا من الله عز وجل كما صرح بذلك في رواية لمسلم بلفظ (فاكتبوها له حسنة انما تركها من جزاي (بفتح الجيم وتشديد الراء والمد والقصر أي من أجلي) فان عملها كتبت له سيئة واحدة رواه مسلم (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد وعزاه الحافظ السيوطي في الدر المنثور لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وقد مضى معناه في الحديث السابق وهذا الحديث سنده صحيح والله أعلم (8)(سنده) حدثنا بهز ثنا حماد

ص: 97

ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) وعن هذه الآية (من يعمل سوءا (1) يجزيه) فقالت ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال يا عائشة هذه (2) معاتبة الله عز وجل العبد بما يصيبه من الحمى (3) والنكبة والشوكة حتى البضاعة (4) يضعها في كمه فيفقدها (5) فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى أن المؤمن (6) ليخرج من ذنوبه (7) كما يخرج التبر الأحمر من الكير (باب ما جاء في فضل خواتم البقرة)(عن النعمان بن بشير)(8) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله كتب كتابا (9) قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام (10) فأنزل منه آيتين فختم

عن علي بن زيد الخ (غريبه)(1) السوء القبيح من القول سواء كان ظاهرا أو باطنا صغيرا أو كبيرا (يجزيه) إما في الآخرة أو في الدنيا بالبلاء والمحن إلا ما شاء ممن شاء (2) اشارة إلى مفهوم الآيتين المسئول عنهما أي محاسبة العباد ومجازاتهم بما يبدون وما يخفون من الأعمال (معاتبة الله عز وجل العبد الخ) أي مؤاخذته العبد بما اقترف من الذنب (بما يصيبه) أي في الدنيا وهو صلة معاتبة ويصح كون الباء سببية (3) يعني وغيرها مؤاخذة المعاتب وانما خصت الحمى بالذكر لأنها من أشد الأمراض وأخطرها قال في المفاتيح العتاب أن يظهر أحد الخليلين في نفسه الغضب على خليله لسوء أدب ظهر منه مع أن في قلبه محبته يعني ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة بل معناها أن يلحقهم بالجوع والعطش والمرض وغير ذلك من المكاره حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب (قال الطيبي) كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب في الدنيا عناية ورحمة اهـ (وقوله والنكبة) بفتح النون أي المحنة وما يصيب الانسان من حوادث الدهر (4) البضاعة بالجر عطف على ما قبلها وبالرفع على الابتداء وهي بالكسر طائفة من مال الرجل (يضعها في كمه) جاء عند الترمذي بلفظ (يضعها في يد قميصه) اي كمه سمي باسم ما يحمل فيه ووقع في بعض نسخ الترمذي (في كم قميصه)(5) أي يتفقدها ويطلبها فلم يجدها فيتوهم أنها سقطت أو أخذها سارق (فيفزع لها فيجدها في ضبنه) الضين بكسر الضاد المعجمة وسكون الموحدة الجنب والناحية والناحية والحضن وما بين الكشح والإبط (قال الطيبي) يعني اذا وضع بضاعة في كمه ووهم أنها غابت فطلبها وفزع كفرت عنه ذنوبه وفيه من المبالغة مالا يخفى (حتى) أي لا يزال يكرر عليه تلك الأحوال (6) وفي رواية حتى أن العبد قال القارى بكسر الهمزة واظهر العبد موضع ضميره اظهارا لكمال العبودية المقتضى الصبر والرضا بأحكام الربوبية (7) أي بسبب الابتلاء بالبلاء (كما يخرج التبر الأحمر) أي الذهب يخرج من الكير صافيا نقيا (والكير) بالكسر الزق الذي ينفخ به النار (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة اهـ وأخرجه أيضا ابن جرير وابن أبي حاتم والبغوي وفي اسناده علي بن زيد ابن جدعان قال الامام احمد وأبو زرعة ليس بالقوي وقال ابن خزيمة سيء الحفظ وقال يعقوب بن شيبه ثقة وقال الترمذي صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره وقال شعبة حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط قرنه مسلم بآخر (باب)(8)(سنده) حدثنا روح وعفان قالا ثنا حماد بن سلمة عن الأشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن النعمان بن بشير الخ (غريبه)(9) أي في اللوح المحفوظ فيه ما كان وما يكون ومن جملته القرآن (10) فائدة التوقيت تعريفه إيانا فضل

ص: 98

بهما سورة البقرة ولا يقرآن (1) في دار ثلاث ليال فيقربها (2) الشيطان (عن أبي مسعود)(3) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (4)(عن عقبة بن عامر)(5) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر اقرءوا هاتين الآيتين اللتين من آخر سورة البقرة (6) فإن ربي عز وجل أعطاهن أو أعطانيهن من تحت العرش (وعنه من طريق ثان)(7) قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من تحت العرش (عن أبي ذر)(8) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش (9) لم يعطهن نبي قبلي (باب ما جاء في تفسير سورة آل عمران وبيان اسم الله الأعظم)

الآيتين إذ سبق الشيء بالذكر على غيره يدل على اختصاصه بفضيلته قاله القاضي عياض (فأنزل منه) أي من جملة الكتاب المذكور (الآيتين) اللتين (ختم بهما سورة البقرة) أي جعلهما خاتمتها وأولهما (آمن الرسول) إلى آخرها وقيل (لله ما في السموات وما في الأرض)(1) جاء في رواية عفان أحد الراويين اللذين روى عنهما الامام احمد هذا الحديث (فلا تقرءان في دار) اي في مكان دار أو خلوة أو مسجد أو مدرسة أو غيرها (ثلاث ليال) أي في كل ليلة منها وكذا في ثلاثة أيام فيما يظهر وانما خص الليل لأنه محل سكون الآدميين وانتشار الشياطين (2) عبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى (تخريجه)(مذ نس مي حب) وقال الترمذي هذا حديث غريبه ولكن قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب اهـ (قلت) وصححه الحاكم وأقره الذهبي (3)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن عاصم عن المسيب بن رافع عن علقمة عن أبي مسعود (يعني البدري الانصاري) الخ (غريبه)(4) قال النووي قيل معناه كفتاه من قيام الليل وقيل من الشيطان وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع (تخريجه)(ق والأربعة وغيرهم)(5)(سنده) حدثنا يحيى بن اسحاق انا ابن لهيعة عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الخ (غريبه)(6) المراد بالآيتين في هذا الحديث وما قبله من أحاديث الباب هما (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه) إلى آخر السورة كما جاء ذلك صريحا عند الطبراني من حديث عقبة بن عامر أيضا موقوفا عليه قال ترددوا في الآيتين من آخر سورة البقرة (آمن الرسول) إلى خاتمتها فإن الله اصطفى بها محمدا صلى الله عليه وسلم أورده الهيثمي وقال فيه عمر بن الحارث سويد الحاسب المهري ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح (7)(سنده) حدثنا اسحاق بن ابراهيم الرازي ثنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن اسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر الجهني قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم عل طب) وفيه سلمة بن الفضل وثقه ابن حبان وقال يخطئ (قلت) ووثقه ايضا ابن معين وقال مرة (ليس به بأس يتشيع) قال الهيثمي وضعفه جماعة وقد تابعه ابن لهيعة فالحديث حسن اهـ (قلت) سلمة بن الفضل جاء في سند الطريق الثانية وتابعه ابن لهيعة في الطريق الأولى وأورده الحافظ ابن كثير الطريق الثانية في تفسيره وقال هذا اسناد حسن ولم يخرجوه في كتبهم (8)(سنده) حدثنا حسين حدثنا شيبان عن منصور عن ربعي عن خرشة بن الحر عن المغرور بن سويد عن أبي ذر الخ (غريبه)(9) جاء في رواية أخرى عنه أيضا بلفظ (من كنز من بيت تحت العرش) الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه كله أحمد بأسانيد ورجال احدها رجال الصحيح اهـ (قلت) وهو

ص: 99

(عن أسماء بنت يزيد)(1)(قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين (الله لا إله إلا هو الحي القيوم، والم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ان فيها اسم الله الأعظم (باب قوله عز وجل هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات الخ)(عن عائشة رضي الله عنها (2) ان النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات (3) هن أم الكتاب (4) وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ (5) فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله) (6) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فألئك

الذي أثبته هنا وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد بهذا السند قال وقد رواه بن مردوية من حديث الأشجعي عن الثوري عن منصور عن ربعي عن زيد بن ظبيان عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش اهـ (1)(عن أسماء الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب ما جاء في فضل آية الكرسي صحيفة 92 رقم 196 (باب)(2)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا يزيد بن ابراهيم عن ابن ابي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة الخ (غريبه)(3) قال الحافظ قيل المحكم في القرآن ما وضع معناه والمتشابه نقيضه وسمى المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه واتقان تركيبه بخلاف المتشابه وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخرى غير هذه نحو العشرة ليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب وذكر الاسناد أبو منصور البغدادي أن الأخير هو الصحيح عندنا وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال والمختار على طريقة أهل السنة وعلى القول الأول جرى المتأخرون اهـ (4) أي عن أصل الكتاب الذي يعول عليه في الأحكام ويعمل به في الحلال والحرام (فإن قيل) كيف قال عن أم الكتاب ولم يقل هن أمهات الكتاب (فالجواب) أن الآيات في اجتماعها وتكاملها كالآية الواحدة وكلام الله كله شيء واحد وقيل إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) يعني ان كل واحد منهما آية (فإن قيل) قد جعل الله الكتاب هنا محكما ومتشابها وجعله في موضع آخر كله محكما فقال في أول هود (الر كتاب أحكمت آياته) وجعله في موضع آخر كله متشابها فقال تعالى في الزمر (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) فكيف الجمع بين هذه الآيات (فالجواب) يقال حيث جعله كله محكما أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل وحيث جعله كله متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحسن والحق والصدق (5) أي ميل عن الحق وقيل الزيغ الشك (فيبتغون ما تشابه منه) أي انما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لا يصرفونه أما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال تعالى (ابتغاء الفتنة) أي الاحتلال لاتباعهم لأنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم (6) بقية الآية (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألوا الألباب) وقد اختلف القراء في الوقف هاهنا فقيل الوقف على الجلالة من قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله) وهو قول ابن عباس ويروى هذا القول عن عائشة وعروة وغيرهم واختاره ابن جرير ومنهم من يقف على قوله

ص: 100

الذي سمى الله (1) أو فهم فاحذروهم (عن أبي غالب)(2) قال سمعت أبا أمامة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه) قال هم الخوارج (3) وفي قوله

(والراسخون في العلم) وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول وقالوا الخطاب مما لا يفهم بعيد (ومن العلماء من فصل في هذا المقام) فقال التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان (أحدهما) التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه ومنه قوله تعالى (وقال يا ابت هذا تأويل رؤياي من قبل) فأن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمها على الجلية إلا الله عز وجل ويكون قوله والراسخون في العلم مبتدأ ويقولون آمنا به خبره واما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله (نبئنا بتأويله) أي بتفسيره فإن أريد به هذا المعنى فالوقف على الراسخون في العلم لأنهم يعملون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وعلى هذا فيكون في قوله (يقولون آمنا به) حال منهم وساغ هذا وأن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه كقوله تعالى (وجاء ربك والملك صفا صفا) أي وجاء الملائكة صفوفا صفوفا وقوله أخبارا عنهم أنهم يقولون آمنا به أي المتشابه (وقوله كل من عند ربنا) أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق وكل واحد منهما بصدق الآخرون ويشهد له لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد (1) أي سماهم الله بقوله (فأما الذين في قلوبهم زيغ الخ) وقولهم (أوفهم) أو للشك من الراوي شك هل قال فأولئك الذين سمى الله أوفهم الذين سمى الله (فاحذروهم) أي لا تجالسوهم ولا تكالموهم أيها المؤمنون والمقصود التحذير من الاصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره ابن اسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وان عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة ثم أول ما ظهر في الاسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس انه فسر بهم الآية وقصة عمر في انكاره على ضبيع لما بلغه انه يتبع المتشابه فضربه على رأسه حتى أدماه أخرجها الدارمي وغيره (تخريجه)(ق د جه وغيرهم)(2)(سنده) حدثنا أبو كامل ثنا حماد عن أبي غالب الخ (غريبه)(3) الخوارج قوم خرجوا على الدين وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين فكأنهم رأوا بعقولهم الفاسدة انه صلى الله عليه وسلم لم يعدل فقد روى مسلم وغيره من حديث جابر بن عبد الله قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال يا محمد اعدل قال ويلك ومن يعدل اذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت ان لم أكن أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ان هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية زاد في رواية من وجه آخر لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وله في أخرى من حديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة قال الحافظ ابن كثير في تفسيره كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلهم بالنهروان ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة ثم انبعثت القدرية ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال من كان علي ما أنا عليه وأصحابي) أخرجه الحاكم

ص: 101

(يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال هم الخوارج (باب شهد الله انه لا إله إلا هو الخ)(عن الزبير بن العوام)(1) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية (شهد الله أنه لا إله إلا هو (2) والملائكة وأولو العلم (3) قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب (باب إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)(عن أبي هريرة)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان (5) فيستهل صارخا (6) من نسخة الشيطان إلا ابن مريم وأمه (7) قال أبو هريرة اقرءوا ان شئتم (8)(اني أعيذها بك (9) وذريتها من الشيطان الرجيم) (باب ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا)(عن عبد الله)(10) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين هو فيها فاجر (11) ليقتطع مال امرئ مسلم لقى الله عز وجل وهو عليه

في مستدركه بهذه الزيادة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد قال وقد رواه ابن مردوية من غير وجه عن أبي غالب عن أبي أمامة فذكره وهذا الحديث أقل اقسامه أن يكون موقوفا من كلام الصحابي ومعناه صحيح (باب)(1)(سنده) حدثنا يزيد حدثنا بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمرو عن أبي سعد الانصاري عن يحيى مولى آل الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام الخ (غريبه)(2) أي بين لخلقه بالدلائل والآيات (أنه لا إله) أي لا معبود في الوجود بحق إلا هو (3) أي وشهد بذلك الملائكة بالاقرار وألوا العلم من الانبياء والمؤمنين بالاعتقاد واللفظ (وقوله قائما) نصب على الحال والعامل معنى الجملة أي تفرد (بالقسط) أي العدل (لا اله إلا هو) كرره تأكيدا (العزيز) في ملكه (الحكيم) في صنعه قال النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه احمد والطبراني الا انه قال وسمعت رسول الله يقول حين تلا هذه الآية (شهد الله أنه لا إله إلا هو) إلى قوله العزيز الحكيم قال وأنا اشهد أن لا إله إلا هو العزيز الحكيم وفي اسانيدهما مجاهيل اهـ (قلت) فالحديث ضعيف (باب)(4)(سنده) حدثنا عبدالأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة الخ (غريبه)(5) أي طعنه الشيطان ابتداءا للتسليط عليه وفي رواية للبخاري بلفظ (كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه)(6) نصب على المصدر كقوله قم قائما لأن الاستهلال هو الصراخ (7) يعني عيسى بن مريم وأمه مريم عليهما السلام حفظهما الله تعالى ببركة دعوة أمها حيث قالت اني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى عليه السلام زاد البخاري في رواية في باب صفة ابليس (ذهب يطعن فطعن في الحجاب) والمراد به الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة (قال النووي) وظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وأمه واختار القاضي عياض أن جميع الانبياء يتشاركون فيها (قال القرطبي) وهو قول مجاهد (8) هذه الجملة وهي قوله اقرءوا ان شئتم الخ من قول ابي هريرة يستشهد بها للحديث (9) أي امنعها وأجيرها (بك وذريتها) أي أولادها (من الشيطان الرجيم) أي الطريد اللعين والرجيم المرمي بالشهب (تخريجه)(ق عب) وابن جرير وغيرهم (باب)(10)(سنده) حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(11) أي كاذب متعمد الكذب (ليقتطع) أي يأخذه لنفسه متملكا وهو يفتعل من القطع (مال امرئ) أي انسان سواء كان ذكرا أو أنثى (مسلم) أو ذمي أو معاهد

ص: 102

غضبان (1) فقال الأشعث بن قيس فيى (2) كان والله ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله بينة؟ قلت لا فقال لليهودي احلف فقلت يا رسول الله إذا يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا (3) إلى آخر الآية) (عن شقيق بن سلمة)(4) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقى الله عز وجل وهو عليه غضبان قال فجاء الأشعث بن قيس فقال ما يحدثكم ابو عبد الرحمن؟ (5) قال فحدثناه قال فيى كان هذا الحديث (6) خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر كانت لي في يده فجحدني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينتك أنها بئرك وإلا فيمينه قال قلت يا رسول الله مالي بيمينه (7) وان تجعلها بيمينه تذهب بئري ان خصمي امرؤ فاجر (8) قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان قال وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا الآية)(9)(وعنه من طريق ثان)(10) عن عبد الله ابن مسعود قال من حلف على يمين صبر (11) يستحق بها مالا وهو فيها فاجر (12) لقى الله وهو عليه غضبان وإن تصديقها لقى القرآن (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الخ الآية فخرج الأشعث وهو يقرؤها قال فيى أنزلت هذه الآية إن رجلا ادعى ركيا (13) لي فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال شاهداك أو يمينه فقلت أما انه ان حلف حلف فاجرا (14) فقال النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر يستحق بها مالا (15) لقى الله وهو عليه غضبان (باب كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم)

أو حقا من حقوقهم (1) اسم فاعل من الغضب والمراد لازمه كالعذاب والانتقام (2) بكسر الفاء وتشديد التحتية (وقوله كان والله ذلك) أي كان سبب هذا الحديث قصتي مع اليهودي (3) أي يستبدلون ويعتاضون عما عاهدوا الله عليه من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وذكر صفته للناس وبيان أمره وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة بالأثمان القليلة الزهيدة وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية (وبقية الآية)(أولئك لاخلاق لهم في الآخرة) أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منها (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة) أي برحمة منه لهم يعني لا يكلمهم كلام لطف بهم ولا ينظر اليهم بعين الرحمن (ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من الذنوب والأدناس بل يأمر بهم إلى النار (ولهم عذاب أليم) أي شديد مؤلم (تخريجه)(ق وغيرهما)(4)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق بن سلمة الخ (غريبه)(5) كنية عبد الله بن مسعود (6) يعني أن هذا الحديث قيل بسببي فذكر القصة (7) أي مالي بيمينه من حاجة ولا مصلحة (8) يعني لا يتحاشى اليمين الكاذبة (9) تقدم تفسير الآية والحديث في شرح الحديث السابق (10)(سنده) حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي ثنا منصور عن شقيق عن عبد الله بن مسعود الخ (11) باضافه يمين إلى إلى صبر لما بينهما من االملابسة أي الزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم وقيل لها مصبورة وان كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه انما صبر من أجلها أي حبس فوصفت بالصبر واضيفت اليه مجازا (نه)(12) أي غير جاهل ولا مكره ولا ناس (13) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء التحتية هي البئر وجمعها ركايا (14) أي كاذبا (15) أي ليس له

ص: 103

(عن ابن عباس)(1) أن رجلا (2) من الأنصار ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فأنزل الله تعالى (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم (3) إلى آخر الآية) فبعث بها قومه (4) فرجع تائبا فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وخلى عنه (باب إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا)(عن أنس بن مالك (5) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا اكنت مفتديا به؟ فيقول نعم يا رب قال فيقال لقد سئلت أيسر من ذلك (6) فذلك قوله عز وجل (إن الذين كفروا وماتوا كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض (7) ذهبا ولو افتدى به) (باب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)(وعنه رضي الله عنه (8) قال لما نزلت (لن تنالوا البر (9) حتى تنفقوا مما تحبون ومن ذا الذي يقرض الله (10)

ولا يستحقه (تخريجه)(ق والأربعة وغيرهم)(1)(سنده) حدثنا علي بن عاصم عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) هو الحارث بن سويد كما جاء عند عبد الرزاق في جامعه (3) كيف لفظة استفهام ومعناه جحد أي لا يهدي وقيل معناه كيف يهديهم الله في الآخرة إلى الجنة والثواب وبقية الآية (وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات) اي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك فكيف يتمنى هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية ولهذا قال تعالى (والله لا يهدي القوم الظالمين) ثم قال تعالى (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) أي يلعنهم الله ويلعنهم خلقه (خالدين فيها) أي في اللعنة أو النار المدلول بها عليها (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) أي لا يخفف عنهم ساعة واحدة ولا هم يمهلون (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أنه من تاب اليه تاب عليه (4) أي بهذه الآية جاء عند عبد الرزاق قال فحملها اليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث أنك والله ما علمت لصدوق وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وان الله لأصدق الثلاثة قال فرجع الحارث فأسلم فحسن اسلامه (تخريجه) الحديث سنده صحيح ورواه الطبري من طريق يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند كما نقله الحافظ ابن كثير في تفسيره ثم قال وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به قال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه (باب)(5)(سنده) حدثنا روح ثنا سعيد عن قتادة ثنا أنس ابن مالك الخ (غريبه)(6) زاد في رواية أخرى قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت الا أن تشرك وهذا معنى قوله في الحديث لقد سئلت أيس من ذلك يعني فأبيت (7) أي قدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها (ذهبا) نصب على التمييز كقولهم عشرون درهما (ولو افتدى به) قيل معناه لو افتدى به والواو زائدة مقحمة (أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) أي ومالهم من أحد ينقذهم من عذاب الله أو ولا يجيرهم من أليم عقابة (تخريجه)(ق وغيرهم)(باب)(8)(سنده) حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال لما نزلت الخ (9) يعني الجنة قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وقال مقاتل بن حيان التقوى وقيل الطاعة وقيل الخير (حتى تنفقوا مما تحبون) أي من أحب أموالكم (10) القرض اسم لكل ما يعطيه الانسان ليجازي عليه فسمى الله تعالى عمل المؤمنين له على رجاء ما أعد لهم

ص: 104

قرضا حسنا) (1) قال أبو طلحة يا رسول الله وحائطي (2) الذي بمكان كذا وكذا (3) والله لو استطعت أن أسرها لم أعلنها (4) قال اجعله في فقراء أهلك (5)(باب كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل) قال الله عز وجل (كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل إلا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل تنزل التوراة)(6)(عن ابن عباس)(7) قال حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا ابا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمهن إلا نبي فكان فيما سألوه أي الطعام حرم اسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة؟ قال فانشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن اسرائيل يعقوب عليه السلام مرض مرضا شديدا فطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن من أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه فكان أحب الطعام إليه لحم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها فقالوا اللهم نعم (باب ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)(عن علي رضي الله عنه (8) قال لما نزلت هذه الآية (ولله على الناس حج البيت من

من الثواب قرضا لأنهم يعملونه لطلب ثوابه وفي الآية اختصار مجازه من ذا الذي يقرض عباد الله والمحتاجين من خلقه (1) قال الحسين بن علي الواقدي محتسبا طيبة به نفسه وقال ابن المبارك من مال مال حلال قال ولا يمن به ولا يؤذي وجواب الشرط (فيضاعفه له أضعافا كثيرة) قال السدي هذا التضعيف لا يعلمه إلا الله عز وجل وقيل سبعمائة ضعف (2) الحافظ هنا البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار (3) جاء في رواية أخرى للامام أحمد والشيخين (وان أحب أموالي إلي بئير حاء) بفتح الموحدة وسكون الياء التحتية وفتح الراء اسم مكان فيه البستان في قبلي المسجد النبوي (4) يريد أنه لا يقصد إلا وجه الله تعالى لا يقصد رياءا ولا سمعة ولو كان يمكنه ان يخفي ذلك حتى لا يعلم لفعل (5) جاء في رواية للبخاري فجعلها أبو طلحة في ذوي رحمة وكان منهم حسان وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين (تخريجه)(ق لك) والامام احمد بأطول من هذا وتقدم في باب مشروعية الوقف وفضله في الجزء الخامس عشر صحيفة 196 رقم 64 (باب)(6) سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انك تزعم أنك على ملة ابراهيم وكان ابراهيم لا يأكل لحوم الابل والبانها وانت تأكلها فلست على ملته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك حلالا لابراهيم عليه السلام فقالوا كل ما نحرمه اليوم كان ذلك حراما على نوح وابراهيم حتى انتهى الينا فأنزل الله تعالى هذه الآية (كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل) يريد سوى الميتة والدم فإنه لم يكن حلالا قط (إلا ما حرم اسرائيل على نفسه) وهو يعقوب عليه السلام (من قبل أن تنزل التوراة) يعني ليس الأمر على ما قالوا من حرمة لحوم الإبل والبانها على ابراهيم بل كان الكل حلالا له ولبني اسرائيل وانما حرمها اسرائيل على نفسه قبل نزول التوراة يعني ليست في التوراة حرمتها وقد ذكر سبب تحريم اسرائيل الطعام على نفسه في حديث ابن عباس الآتي (7) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وطوله وتخريجه في باب قوله عز وجل من كان عدوا لجبريل من سورة البقرة ص 73 رقم 165 (باب)(8) الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب وجوب الحج من كتاب الحج في الجزء التاسع صحيفة 14 رقم 14 (أما تفسير الآية) فقوله عز وجل (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) هذه آية وجوب الحج عند الجمهور وقيل بل هي قوله (وأتموا الحج

ص: 105

استطاع اليه سبيلا قالوا يا رسول الله أفي كل عام؟ فسكت فقالوا أفي كل عام؟ فقال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم الخ الآية)(1)(باب كنتم خير أمة الخ)(عن ابن عباس)(2) في قوله عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس)(3) قال هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة (4)(وعنه من طريق ثان)(5) بنحوه وفيه قال أصحاب محمد الذين هاجروا معه إلى المدينة (باب ليسوا سواءا)(عن ابن مسعود)(6) قال آخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة قال أما

والعمرة لله) والأول أظهر وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد اركان الاسلام ودعائمه وقوائمه وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا وانما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والاجماع (أما الاستطاعة) فقد روى الحاكم في حديث قتادة عن حماد بن سلمة عن قتادة (عن أنس) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله عز وجل (من استطاع إليه سبيلا) فقيل ما السبيل؟ قال (الزاد والراحلة) ثم قال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (وعن ابن عمر) قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال الزاد والراحلة رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن والظاهر أن الترمذي حسنه لكثرة شواهده والا ففي سنده ابراهيم بن يزيد الخوزى وهو متروك الحديث كما صرح به الحافظ في التقريب وقد روى هذا الحديث من طرق أخرى عن أنس وابن عباس وابن مسعود وعائشة كلها مرفوعة ولكن في أسانيدها مقال (والاستطاعة نوعان) أحدهما أن يكون قادرا مستطيعا بنفسه والآخر أن يكون مستطيعا بغيره وقد بينت جميع أنواع الاستطاعة وما يتعلق بها من أدلة وأحكام في باب اعتبار الزاد والراحلة من الاستطاعة في كتاب الحج في الجزء التاسع صحيفة 32 فاقرأ جميع الباب مع شرحه وزوائده وأحكامه ترى ما يسرك والله الموفق (1) سيأتي تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم) وسبب نزولها في تفسير سورة المائدة ان شاء الله تعالى (باب)(2)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا اسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) قال عكرمة ومقاتل نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذ اليهوديين قالا لهم نحن أفضل منكم وديننا خير مما تدعوننا اليه فأنزل الله تعالى هذه الآية (كنتم خير أمة اخرجت للناس) يعني خير الناس للناس والمعنى أنهم خير الامم وانفع الناس للناس ولهذا قال (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) قاله ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس (4) قال جويبر عن الضحاك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الرواة والدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم وقال الحافظ ابن كثير الصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما قال في الآية الأخرى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي خيارا (لتكونوا شهداء على الناس الآية)(5)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا اسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال أصحاب محمد الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب) ورجال احمد رجال الصحيح (باب)(6)(سنده) حدثنا أبو النضر وحسن بن موسى قالا حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن

ص: 106

أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم قال وأنزل هؤلاء الآيات (ليسوا سواءا من أهل الكتاب) حتى بلغ (وما تفعلوا من خير فلن تكفروه والله عليم بالمتقين)(1)(باب ليس لك من الأمر شيء الخ)(عن سالم عن أبيه)(2) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية قال فنزلت هذه الآية (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)(3)

ابن مسعود (التفسير)(1) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره قال ابن أبي نجيح زعم الحسن بن أبي يزيد العجلي عن ابن مسعود في قوله تعالى (ليسوا سواءا من أهل الكتاب أمة قائمة) قال لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا قال السدى ويؤيده هذا القوم الحديث الذي رواه الامام أحمد ابن حنبل في مسنده (فذكر حديث الباب) قال والمشهور عند كثير من المفسرين كما ذكره محمد بن اسحاق وغيره ورواه العوفي ابن عباس أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأسد بن عبيد وثعلبة بن شعبة وغيرهم أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين اسلموا (قلت) يعني من تقدم ذكرهم بالذم في قوله تعالى (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) قال ولهذا قال تعالى (ليسوا سواءا) أي ليسوا كلهم على حد سواء بل منهم المؤمن ومنهم المجرم ولهذا قال تعالى (من أهل الكتاب أمة قائمة) أي قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه متبعة لنبي الله فهي قائمة يعني مستقيمة (يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) أي يقيمون الليل ويكثرون التهجد ويتلون القرآن في صلواتهم (يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم خاشعين لله الآية ولهذا قال تعالى (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) أي لا يضيع عند الله بل يجزيهم به أوفر الجزاء (والله عليم بالمتقين) أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم عل بز طب) وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وسنده صحيح (باب)(2)(سنده) حدثنا أبو النضر حدثنا أبو عقيل (قال عبد الله بن الامام أحمد) قال أبي وهو عبد الله بن عقيل صالح الحديث ثقة حدثنا عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه (يعني عبد الله بن عمر) الخ (غريبه)(3) قال الامام البغوي في تفسيره اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قوم نزلت في أهل بئر معونة وهم سبعون رجلا من القراء بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن والعلم أميرهم المنذر بن عمرو فقتلهم عامر بن الطفيل فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجدا شديدا وقنت شهرا في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين فنزلت (ليس لك من الأمر شيء)(وقال قوم) نزلت يوم أحد واستدلوا بأحاديث منها حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام فنزلت (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم) فأسلموا وحسن اسلامهم (ومنها حديث أنس) الآتي بعد هذا

ص: 107

قال فتيب عليهم كلهم (عن أنس بن مالك)(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته (2) يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فنزلت هذه الآية (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)(باب وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون)(عن البراء بن عازب)(3) قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير يوم أحد وقال ان رأيتم العدو ورأيتم الطير تخطفنا فلا تبرحوا (4) فلما رأوا الغنائم قالوا عليكم الغنائم فقال عبد الله ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبرحوا قال غيره فنزلت (وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون) يقول عصيتم الرسول من بعد ما أراكم

(قلت) تقدم الكلام على ذلك والجمع بين القولين في باب القنوت في الصبح من كتاب الصلاة في الجزء الثالث في الشرح صحيفة 299 (أما تفسير الآية) فمعنى قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء) أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم ثم ذكر بقية الأقسام فقال (أو يتوب عليهم) أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة (أو يعذبهم) أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم ولهذا قال (فإنهم ظالمون) أي يستحقون ذلك قال فتيب عليهم أي اسلموا وحسن اسلامهم (تخريجه)(خ نس مذ) وابن جرير والبيهقي في الدلائل (1) حدثنا هشيم أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك الخ (غريبه)(2) الرباعية بوزن الثمانية السن التي بين الثنية والناب والجمع رباعيات بالتخفيف أيضا قال الحافظ المراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب انها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها (وشج) على البناء للمفعول والشج ضرب الرأس خاصة وجرحه وشقه ثم استعمل في غيره (وهو يدعوهم إلى الله) جملة حالية فنزلت هذه الآية وتقدم تفسيرها (تخريجه)(ق مذ نس)(باب)(3)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(4) أي فلا تفارقوا هذا المكان ثم أقيل المشركون فأخذوا في القتال فجعل الرماة يرشقون خيل المشركين بالنيل والمسلمون يضربونهم بالسيوف حتى ولوا هاربين فقال بعض الرماة انهزم القوم فما مقامنا واقبلوا على الغنيمة وقال بعضهم لا تجاوزوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة فلما رأى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه (وكان ذلك قبل اسلامهما) وأقبلوا على المسلمين ضربا وقتالا وانفضت صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضا ما يشعرون من الدهش ونادى إبليس أن محمدا قد قتل فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين فنزل قوله تعالى (وعصيتم) يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وخالفتم أمره من بعد (ماأراكم) الله عز وجل (ما تحبون) يا معشر المسلمين من النصر والظهر والغنيمة وبقية الآية (منكم من يريد الدنيا) يعني الذين تركوا المراكز وأقبلوا على النهب (ومنكم من يريد الآخرة) يعني الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا قال عبد الله بن مسعود ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الآية (ثم صرفكم عنهم) أي ردكم عنهم بالهزيمة (ليبتليكم) ليمتحنكم وقيل لينزل البلاء عليكم (ولقد عفا عنكم) فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة منكم لأمر نبيكم (والله ذو فضل على المؤمنين) إذ عفا عنكم بعد أن وليتم مدبرين (تخريجه)(خ)

ص: 108

الغنائم وهزيمة العدو (باب قوله عز وجل أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا) الآية (1)(وقوله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) الآيات (عن ابن عباس)(2) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب أخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر تود أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا ياليت اخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا (3) عن الحرب فقال الله عز وجل أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء)(4)

(باب)(1) سبب نزول هذه الآية أنه لما كان يوم بدر قتل من المشركين سبعون وأسر منهم سبعون؟ فطلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم قبول فداء أسراهم فاستشار أصحابه في أمرهم هل يقبل الفداء أو يقتل الأسرى؟ فكان من رأي أبي بكر قبول الفداء ومن رأي عمر قتل الأسرى فمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر وأخذ الفداء فقد جاء في حديث عمر عند الامام احمد مطولا وسيأتي بسنده وطوله وتخريجه في باب ما جاء في سياق غزوة بدر من حوادث السنة الثانية من كتاب السيرة النبوية قال لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه وأنزل الله عز وجل (أو لما أصابتكم مصيبة) وهي ما أصيب منهم يوم أحد من قتل السبعين منهم (قد أصبتم مثليها) يعني يوم بدر فإنهم قتلوا من المشركين سبعين قتيلا وأسروا سبعين أسيرا (قلتم أنى هذا) أي من أين جرى علينا هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا (قل هو من عند أنفسكم) أي بأخذكم الفداء يوم بدر وعصيانكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم يوم أحد فعصيتم يعني بذلك الرماة (ان الله على كل شيء قدير) أي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه (2)(سنده) حدثنا يعقوب حدثني أبي عن ابن اسحاق حدثني اسماعيل بن أمية ابن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي عن ابن عباس الخ (وله سند آخر) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن ادريس عن محمد بن اسحاق عن اسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (غريبه)(3) بضم الكاف أي ولا يمتنعوا عن الحرب وقد (نكل) من باب نصر وفرح (عن الأمر) ينكل إذا امتنع ومنه النكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإقدام عليها (4) زاد في هذا الحديث عند البغوي - إلى قوله (لا يضيع أجر المؤمنين) فقوله في حديث الباب فأنزل الله هؤلاء الآيات يعني الآيات الثلاث إلى قوله (لا يضيع أجر المؤمنين)(التفسير)(ولا تحسبن) أي ولا تظنن (الذين قتلوا) قرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد والآخرون بالتخفيف (في سبيل الله) أي لأجل دينه واعلاء كلمته (أمواتا) كأموات من لم يقتل في سبيل الله (بل أحياء عند ربهم) أرواحهم في أجواف طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما ورد في بعض روايات الحديث (يرزقون) يأكلون من ثمار الجنة وتحفها (فرحين بما آتاهم الله من فضله) رزقه وثوابه (ويستبشرون) ويفرحون (بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) من اخوانهم الذين تركوهم أحياءا في الدنيا على مناهج الايمان والجهاد لعلمهم أنهم اذا استشهدوا لحقوا بهم ونالوا من الكرامة ما نالوا فهم لذلك مستبشرون

ص: 109

(باب وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) الآية (عن ابن أبي مليكة)(1) أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أخبره أن مروان (2) قال اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي (3) وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذبن (4) أجمعون فقال ابن عباس وما لكم وهذه إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) هذه الآية (5) وتلا ابن عباس (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا (6) ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا)

(ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يعني الذين لم يلحقوا بهم (يستبشرون بنعمة) ثواب (من الله وفضل) زيادة عليه (وان الله لا يضيع أجر المؤمنين) بل يأجرهم (تخريجه)(د ك) وابن جرير والبغوي وصححه الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي (باب)(1)(سنده) حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة ان حميد بن عبد الرحمن بن عوف الخ (غريبه)(2) يعني ابن الحكم وكان يومئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية (3) بضم الهمزة وكسر الفوقية أي أعطى (4) بفتح الذال المعجمة المشددة (وقوله أجمعون) بالواو أي لأن كلنا يفرح بما أوتى ويحب أن يحمد بما لم يفعل (فقال ابن عباس) منكرا عليهم السؤال عن ذلك (ومالكم وهذه) أي وللسؤال عن هذه المسألة ثم تلا ابن عباس الآية يستشهد بها على قوله (5)(التفسير)(وإذا أخذ الله) أي واذكر يا محمد وقت إذ أخذ الله (ميثاق الذين أوتوا الكتاب) يعني اليهود والنصارى والمراد منهم العلماء خاصة وقيل المراد بالذين أوتوا الكتاب العلماء والأحبار من اليهود خاصة وأخذ الميثاق هو التوكيد الالزام لبيان ما أوتوه من الكتاب وهو قوله تعالى (لتبيننه للناس) باتاء على حكاية مخاطبتهم كقوله وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض وبالياء مكى وأبو عمرو وأبو بكر لأنهم غيب والضمير للكتاب يعني لبينن ما في الكتاب وليطهرنه للناس حتى يعلموه وذلك أن الله أوجب على علماء التوراة والانجيل أن يشرحوا للناس ما في هذين الكتابين من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبقية الآية (ولا تكتمونه) بالتاء والياء أيضا يعني ولا يخفون ذلك على الناس (فنبذوه) يعني الميثاق وقيل الكتاب (وراء ظهورهم) أي طرحوه وضيعوه (واشتروا به ثمنا قليلا) يعني المآكل والرشا التي كانوا يأخذونها من عوامهم وسفلتهم (فبئس ما يشترون) ذمهم الله تعالى على فعلهم ذلك واعلم أن ظاهر هذه الآية وان كان مخصوصا بعلماء أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى فلا يبعد أن يدخل فيه علماء هذه الأمة الاسلامية لأنهم أهل كتاب وهو القرآن وهو أشرف الكتب قال قتادة هذا ميثاق أخذه الله تعالى على أهل العلم فمن علم شيئا فليعلمه واياكم وكتمان العلم فإنه هلكة اهـ (قلت) والأحاديث في ذم كتمان العلم كثيرة انظر باب وعيد من تعلم علما فكتمه من كتاب العلم في الجزء الأول صحيفة 161 (6) أي بما فعلوا وهي قراءة أبي وجاء وأتى يستعملان بمعنى فعل قال تعالى انه كان وعده ماتيا لقد جئت شيئا فريا وقرأ النخعي بما آتوا أي أعطوا والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وقرئ بالتاء على الخطاب أي لا تحسبن يا محمد الفارحين الذين يفرحون وقرئ بالياء على الغيبة يعني ولا يحسبن الفارحون والمعنى لا يحسبن الذين يفرحون فرحهم منجيا لهم من العذاب وفسر ذلك ابن عباس بقوله سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه قيل سألهم عن صفته بايضاح فكتموه اياه واخبروه بغيره أي بصفته صلى الله عليه وسلم في الجملة

ص: 110

وقال ابن عباس سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه اياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه (1) ان قد أخبرنا بما سألهم عنه واستحمدوا (2) بذلك اليه وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه (ما جاء في سورة النساء)(باب آية الميراث)(عن جابر بن عبد الله)(3) قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتيها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما سعد في أحد شهيدا وان عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال قال فقال يفضى الله في ذلك قال فنزلت آية الميراث (4) فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك (باب واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم)(ز)(عن عبادة بن الصامت)(5) قال نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (واللاتي يأتين الفاحشة) الخ الآية (6)

(1) بفتح الهمزة والراء أي أظهروا له أنهم اخبروه بما سألهم عنه (2) بفتح الفوقية مبنيا للفاعل (بذلك اليه) أي طلبوا أن يحمدهم ولذلك قال تعالى (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) أي ويحبون أن يحمدهم الناس على شيء لم يفعلوه قال ابن عباس واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب إلى قوله ولهم عذاب اليم يعني فنحاص وأسيبع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أي بقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم وقيل فرحوا بما أتوا من تبديلهم التوراة وأحبوا أن يحمدهم الناس على ذلك وقيل غير ذلك وبقية الآية (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) أي فلا تظننهم بمنجاة من العذاب الذي أعده الله لهم في الدنيا من القتل والأسر وضرب الجزية والصغار (ولهم عذاب اليم) يعني في الآخرة وهذه الآية وان كانت نزلت في اليهود أو المنافقين خاصة فإن حكمها عامة في كل من أحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والصلاح أو ينسب إلى العلم وليس هو كذلك نسأل الله السلامة والعافية (تخريجه)(ق مذ نس ك) وغيرهم (باب)(3) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب البدء بذوي الفرائض من كتاب الفرائض في الجزء الخامس عشر صحيفة 195 رقم 16 ولنتكلم على مالم يذكر هناك فنقول (4) يعني قوله عز وجل (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين - إلى قوله تعالى وصية من الله والله عليم حكيم) اعلم وفقني الله وإياك أن الوراثة كانت في الجاهلية بالذكورة والقوة فكانوا يورثون الرجال دون النساء والصبيان فأبطل الله ذلك بقوله (للرجل نصيب مما ترك الوالدان والأقربون الآية) وكانت أيضا في الجاهلية وابتداء الاسلام بالمخالفة قال الله تعالى (والذين عقدت أيمانكم فأتوهم نصيبهم) ثم صارت الوراثة بالهجرة قال تعالى (والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) فنسخ ذلك كله وصارت الوراثة بأحد الأمور الثلاثة بالنسب أو النكاح أو الولاء والمعنى بالنسب أن القرابة يرث بعضهم من بعض لقوله تعالى (وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) والمعنى بالنكاح أن أحد الزوجين يرث صاحبه وبالولاء أن المعتق بكسر التاء الفوقية وعصباته يرثون المعتق بالفتح وقد جاء ذلك مبينا في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم كثير من أحكام الميراث في كتاب الفرائض في الجزء الخامس عشر فارجع اليه والله الموفق (5)(ز)(سنده) حدثنا شيبان بن أبي شيبة ثنا جرير بن حازم ثنا الحسن قال قال عبادة بن الصامت نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (6)(التفسير)(الفاحشة) يعني الزنا وبقية الآية (من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) يعني من المسلمين وهذا

ص: 111

قال ففعل ذلك بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله وكان إذا نزل عليه الوحي أعرض عنا وأعرضنا عنه وتربد (2) وجهه وكرب لذلك فلما رفع عنه الوحي قال خذوا عني (3) قلنا نعم يا رسول الله؟ قال قد جعل الله لهن سبيلا (4) البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم قال الحسن (5) فلا أدري أمن الحديث هو أم لا قال فإن شهدوا انهما وجدا في لحاف لا يشهدون على جماع خالطهما به جلد مائة وجزت رؤسهما (باب قوله عز وجل والمحصنات من النساء) وقوله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) وقوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد الخ)(عن أبي سعيد الخدري)(6) قال أصبنا نساءا من سبى أو طاس ولهن أزواج (7) فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج) فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (والمحصنات من النساء)(8)

خطاب للحكام أي فاطلبوا عليهن أربعة من الشهود وفيه بيان أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة من الشهود إذا لم يعترف الزاني (فان شهدوا فأمسكوهن) فاحبسوهن (في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) وهذا كان في أول الإسلام قبل نزول الحدود وكانت المرأة إذا زنت حبست في البيوت حتى تموت ثم نسخ ذلك في حق البكر بالجلد والتغريب وفي حق الثيب بالجلد والرجم (1) أي أجرى عليهن هذا الحكم مدة من الزمن (2) بوزن تغير أي علته غبرة والربد تغير البياض إلى السواد وانما حصل ذلك له صلى الله عليه وسلم لعظم موقع الوحي (وكرب) بضم الكاف وكسر الراء أي أصابته مشقة وكرب فهو مكروب (3) أي خذوا الحكم في حد الزنا عنى (4) أي جعل للنساء الزاني (سبيلا) اي خلاصا عن امساكهن في البيوت المذكور في قوله عز وجل (واللاتي يأتين الفاحشة ومن نسائكم الخ الآية) فالسبيل هو قوله عز وجل في سورة النور (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وآية الرجم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) وبين ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله (البكر بالبكر جلد مائة) اي حد زنا البكر بالبكر مائة جلدة لكل واحد منهما (ونفى سنة) أي اخراجه عن البلد سنة (والثيب بالثيب) أي حد زنا الثيب بالثيب (جلد مائة ثم الرجم) قال النووي ليس هو على سبيل الاشتراط بل حد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أم بكر وحد البكر الجلد والتغريب سواء زنى بكر أم ثيب فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج على الغالب اهـ انظر هذه الأحكام في القول الحسن شرح بدائع المنن صحيفة 285 و 286 في الجزء الثاني تجد ما يسرك (5) هو البصري من كبار التابعين يشك الحسن هل قوله (فإن شهدوا أنهما وجدا في لحاف الخ) من الحديث المرفوع أم لا (قلت) الظاهر أنه ليس من الحديث المرفوع لأني لم أقف على هذه الزيادة لغير عبد الله بن الامام احمد والله أعلم (تخريجه)(م طل والأربعة) كلهم بدون الزيادة (باب)(6)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا سفيان عن عثمان التى عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري الخ (غريبه)(7) زاد في رواية من أهل الشرك (8)(والمحصنات من النساء) أي وحرم عليكم من الاجنبيات المحصنات وهن المزوجات (إلا ما ملكت أيمانكم) يعني ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن اذا استبرأتموهن فإن الآية نزلت في ذلك وقال عطاء أراد بقوله إلا ما ملكت أن يكون أمته في نكاح عبده فيجوز ان ينزعها منه وقال ابن مسعود أراد بيع الجارية المزوجة فتقع الفرقة بينها وبين زوجها فيكون بيعها طلاقا فيحل للمشتري وطؤها وقيل

ص: 112

إلا ما ملكت أيمانكم) قال فاستحللنا بها فروجهن (عن مجاهد)(1) قال قالت أم سلمة يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا ولنا نصف الميراث (2) فأنزل الله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)(3)(عن ابن مسعود)(4) قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سورة النساء فلما بلغت هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)(5) قال ففاضت (6) عيناه

أراد بالمحصنات الحرائر ومعناه ان ما فوق الأربع حرام منهن إلا ما ملكت ايمانكم فإن لا عدد عليكم في الجواري (كتاب الله عليكم) نصب على المصدر أي كتب الله عليكم وقيل نصب على الإغراء أي الزموا ما كتب الله عليكم اي فرض (وأحل لكم ما وراء ذلكم) قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وحفص أحل بضم الهمزة وكسر الحاء لقوله حرمت عليكم وقرأ الآخرون بالنصب أي أحل الله لكم ما وراء ذلكم أي ما سوى ذلكم الذي ذكرت من المحرمات (أن تبتغوا) تطلبوا (بأموالكم) أن تنكحوا بصداق أو تشتروا بثمن (محصنتين) أي متزوجتين أو متعففين (غير مسافحين) أي غير زانيين مأخوذة من سفح الماء وصبه وهو المني (فما استمتعتم به منهن) اختلفوا في معناه فقال الحسن ومجاهد أراد ما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح (فآتوهن أجورهن) أي مهورهن وقال آخرون هو نكاح المتعة وهو أن تنكح المرأة إلى مدة فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بلا طلاق وتستبرئ رحمها وليس بينهما ميراث وكان ذلك في ابتداء الاسلام ثم نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وللعلماء خلاف في احكام نكاح المتعة انظر القول الحسن صحيفة 342 و 343 في الجزء الثاني روى عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن المتعة فقال أما تقرء في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) قلت لا اقرؤها هكذا قال ابن عباس هكذا أنزل الله ثلاث مرات (قلت) الظاهر أن هذه القراءة على سبيل التفسير والله أعلم (وقيل) ان ابن عباس رجع عن ذلك (فآتوهن أجورهن) أي مهورهن (فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فمن حمل ما قبله على نكاح المتعة قال أراد انهما اذا عقدا إلى أجل بمال فإذا تم الأجل فإن شاءت المرأة زادت في الأجل وزاد الرجل في المال وان لم يتراضيا فارقها ومن حمل الآية على الاستمتاع بالنكاح الصحيح قال المراد بقوله (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به) من الايراء عن المهر والافتداء (إن الله كان عليما حكيما)(تخريجه)(م نس مذ جه عب)(1)(سنده) حدثنا سفيان ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد الخ (غريبه)(2) جاء عند البغوي في تفسيره قال مجاهد قالت أم سلمة يا رسول الله ان الرجال يغزون ولا تغزوا ولهم ضعف مالنا من الميراث فلو كنا رجالا غزونا كما غزوا واخذنا من الميراث مثل ما أخذوا فنزلت هذه الآية (3)(التفسير)(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض (للرجال نصيب) ثواب (مما اكتسبوا) بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره (وللنساء نصيب مما اكتسبن) من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث مرسل أي منقطع (4)(سنده) حدثنا هشيم أنبأنا مغيرة عن أبي رزين عن ابن مسعود الخ (5)(التفسير)(فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد) اي فكيف الحال وكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم (إذا جئنا من كل أمة بشهيد) يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم (وجئنا بك) يا محمد (على هؤلاء) أي أمتك (شهيدا) حال اي شاهدا على من كفر بالكفر وعلى من نفق بالنفاق (6) اي كثرت دموع عينيه من فاض الماء والدمع إذا

ص: 113

(باب يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(عن ابن عباس)(1) أنه قال نزلت (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(2) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في السرية (3)(باب فلا وربك لا يؤمنون الخ الآية)(عن عروة بن الزبير)(4) ان الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار وقد شهد بدرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة كانا يستقيان بها كلاهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير أسق ثم أرسل إلى جارك فغضب الأنصاري وقال يارسول الله كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قيل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللانصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم قال عروة فقال الزبير رضي الله عنه والله ما أحسب هذه الآية انزلت إلا في ذلك (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت

كثر أي بكى وبكاؤه صلى الله عليه وسلم على المفرطين أو لعظم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر والله أعلم (تخريجه)(ق د نس مذ)(باب)(1)(سنده) حدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني يعلي بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (2)(التفسير) اختلف العلماء في أولى الأمر الذين أوجب الله طاعتهم بقوله (وأولى الأمر منكم) قال ابن عباس وجابر هم الفقهاء والعلماء الذين يعلمون الناس معالم دينهم وهو قول الحسن ومجاهد والضحاك دليله قوله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وقال أبو هريرة هم الأمراء والولاة وهي رواية عن ابن عباس أيضا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حق على الامام ان يحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا روى الشيخان والامام احمد وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة (3) جاء عند البخاري إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية وانتهى الحديث إلى هنا عند البخاري والامام احمد قال الحافظ كذا ذكره (يعني البخاري) مختصرا والمعنى نزلت في قصة عبد الله بن حذافة أي المقصود منها في قصته قوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله الآية) وقد غفل الداودي عن هذا المراد فقال هذا وهم علي ابن عباس فإن عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب فأوقدوا نارا وقال اقتحموها فامتنع بعضهم وهم بعض أن يفعل قال فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره؟ وان كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم انما الطاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه؟ اهـ وبالحمل الذي قدمته يظهر المراد وينتفى الاشكال الذي أبداه لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به وسببه أن الذين هموا ان يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار فناسب ان ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله أي ان تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة والله أعلم (تخريجه)(ق والثلاثة)(باب)(4) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب

ص: 114

ويسلموا تسليما) (باب فما لكم في المنافقين فئتين)(عن عبد الرحمن بن عوف)(1) أن قوما من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة حماها فأركسوا (2) فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم مالكم رجعتم؟ فقالوا أصابنا وباء المدينة فاجتوينا (3) المدينة فقالوا أما لكم في رسول الله أسوة؟ فقال بعضهم (4) نافقوا وقال بعضهم لم ينافقوا هم مسلمون فأنزل الله عز وجل (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا الآية)(5)(عن زيد بن ثابت)(6) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع أناس خرجوا معه (7) فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة تقول بقتلهم (8) وفرقة تقول لا (9) فأنزل الله عز وجل (فما لكم في المنافقين فئتين) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انها طيبة (10) وأنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة (11)(باب ومن يقتل مؤمنا متعمدا الخ)(عن ابن عباس)(12)

المسلمون شركاء في ثلاث من كتاب أحياء الموات في الجزء الخامس عشر صحيفة 134 رقم 429 ما عدا تفسير الآية واليك (التفسير)(فلا) اي ليس الأمر كما يزعمون انهم يؤمنون ثم لا يرضون يحكمك ثم استأنف القسم (وربك لا يؤمنون) ويجوز أن يكون لا في قوله (فلا) صلة كما في قوله فلا أقسم (حتى يحكموك) أي يجعلوك حكما (فيما شجر بينهم) اي اختلف واختلط من أمورهم والتبس عليهم حكمه ومنه الشجر لالتفاف أغصانه بعضها ببعض (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا) قال مجاهد شكا وقال غيره ضيقا (مما قضيت) قال الضحاك اثما أو يأثمون بانكارهم ما قضيت (ويسلموا تسليما) أي ينقادوا إلى الأمر انقيادا (باب)(1)(سنده) حدثنا اسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن يزيد ين عبد الله بن قسيط عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف الخ (غريبه)(2) أي رجعوا وعادوا إلى الشرك (3) أي اصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف اذا تطاول وذلك اذا لم يوافقهم هراؤها واستوخموها ويقال اجتويت البلد اذا كرهت المقام فيه وان كنت في نعمة (نه)(4) يعني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (5)(التفسير)(فما لكم) يا معشر المؤمنين (في المنافقين فئتين) أي صرتم فيهم فئتين أي فرقتين (والله اركسهم) أي نكسهم وردهم إلى الكفر (بما كسبوا) بأعمالهم غير الطيبة (اتريدون ان تهدوا) أي ترشدوا (من أضل الله) وقيل معناه اتقولون ان هؤلاء مهتدون وقد أضلهم الله (ومن يضلل الله) يعني عن الهدى (فلن تجد له سبيلا) أي طريقا إلى الحق (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه احمد وفيه ابن اسحاق وهو مدلس (يعني اذا عنعن وقد عنعن) وأبو سلمة لم يسمع من أبيه (6)(سنده) حدثنا بهز ثنا شعبة قال عدي بن ثابت اخبرني عبد الله بن زيد عن زيد بن ثابت الخ (غريبه)(7) هم عبد الله بن أبي بن سلول المنافق واتباعه وكانوا ثلاثمائة وبقى النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة (8) أي لأنهم منافقون (9) أي لأنهم تكلموا بكلمة الاسلام (10) بوزن حمزة يعني المدينة وكان اسمها يثرب والثرب الفساد فنهى أن تسمى به وسماها طيبة وطابة وهما تأنيث طيب وطاب بمعنى الطيب وقيل هو في الطيب بمعنى الطاهر لخلوصها من الشرك وتطهيرها منه (نه)(11) كذا في البخاري أيضا وله في رواية أخرى خبث الحديد بدل الفضة (تخريجه)(ق وغيرهما)(12)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت يحيى بن المجبر التميمي يحدث عن سالم بن أبي الجعد

ص: 115

أن رجلا أتاه فقال أرأيت رجلا قتل رجلا متعمدا (1) قال (جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)(2) قال لقد أنزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال وأنى له بالتوبة (4) وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثكلته أمه رجلا قتل رجلا متعمدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره وآخذا رأسه بيمينه أو شماله تشخب (5) أوداجه دما قبل العرش يقول يا رب سل عبدك فيم قتلني (باب ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا)(عن ابن عباس)(6) قال مر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

عن ابن عباس الخ (1) أي بغير ذنب يستوجب ذلك القتل (2)(التفسير) أول الآية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الخ الآية) جاء عند أبي داود عن أبي مجلز (بوزن منبر) وهو لاحق بن حميد في قوله (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) قال هي جزاؤه فإن شاء الله ان يتجاوز عنه فعل (وقوله خالدا فيها) قيل ان الخلود لا يقتضي التأييد بل معناه دوام الحالة التي هو عليها ويدل عليه قول العرب للأيام خوالد وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها واذا ذكر الخلود في حق الكفار قرنه بذكر التأييد كقوله خالدين فيها ابدا فإذا قرن الخلود بهذه اللفظة علم ان المراد منه الدوام الذي لا ينقطع اذا ثبت هذا كان معنى الخلود المذكور في الآية ان الله تعالى يعذب قاتل المؤمن عمدا في النار الى حيث يشاء الله ثم يخرجه بفضل رحمته وكرمه (وغضب الله عليه ولعنه) أي انتقم منه وطرده من رحمته (وأعد له عذابا عظيما) لارتكابه أمرا عظيما وخطبا جسيما وهو قتل المؤمن (3) اختلف العلماء في حكم هذه الآية هل هي منسوخة أم لا؟ وهل لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة ام لا؟ فروى عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس المن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال لا فتلوت عليه الآية التي في الفرقان (والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى آخر الآية) قال هذه آية مكية نسخها آية مدنية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم)(وفي رواية) قال اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن فرحلت إلى ابن عباس فقال نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شيء وذهب الأكثرون من علماء السلف والخلف إلى أن هذه الآية (يعني آية النساء) منسوخة واختلفوا في ناسخها فقال بعضهم نسختها التي في الفرقان وليس هذا القول بالقوى لأن آية الفرقان نزلت قبل آية النساء والمتقدم لا ينسخ المتأخر وذهب جمهور من قال بالنسخ الى ان ناسخها الآية التي في النساء أيضا وهي قوله تعالى (ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)(4) هذا رأي ابن عباس قال المنذري وقال جماعة من العلماء ان له توبة منهم عبد الله بن عمر وهو أيضا مروى عن عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وهو الذي عليه جماعة من السلف وجميع ما روى عن بعض السلف مما ظاهره خلاف هذا فهو على التغليظ والتشديد والآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ وقد قيل ان ابن عباس انما افتى بأنه لا توبة للقاتل انه ظن أن السائل سأل ليقتل فاراد زجره عن مقدار التغليظ عليه ليمتنع وقيل أمره إلى الله تاب أو لم يتب وعليه الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ايضا يقول في كثير في من هذا إلا أن يعفوا الله عنه أو معنى هذا وقيل معناه (ومن يقتل مؤمنا متعمدا مستحلا لقتله) والله أعلم (5) أي تسيل واصل الشخب ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة لضرع الشاة (تخريجه)(نس جه) وسنده حسن (باب)(6)(سنده) حدثنا

ص: 116

على رجل (1) من بني سليم معه غنم له فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم إلا تعوذا (2) منكم فعمدوا إليه فقتلوه (3) وأخذوا غنمه فأتوا بها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا إلى آخر الآية)(4)(عن عبد الله بن أبي حدود)(5) قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم (6) فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم (7) بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر الأشجعي (8) على قعود له معه متيع (9) ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله بشيء (10) كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن (11) (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم

يحيى بن آدم حدثنا اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(1) اسمه عامر ابن الأضبط كما سيأتي في الحديث التالي (2) أي لاجئا إلى السلام معتصما به ليدفع عن نفسه القتل وليس بمخلص في ذلك (3) الذي قتله محلم بن جثامة كما سيأتي في الحديث التالي (4)(التفسير) أول الآية (يا أيها الذين آمنوا اذا ضرتم في سبيل الله) أي سرتم في طريق الغزو (فتبينوا) اي تثبتوا وهي قراءة حمزة وعلى من التثبيت وهو خلاف العجلة والمعنى فقفوا وتثبتوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام) يعني التحية انما قالها تعوذا فتقدموا عليه بالسيف فتقتلوه وتأخذوا ماله ولكن كفوا عنه وأقبلوا منه ما أظهره وقوله (لسبت مؤمنا) في موضع النصب بالقول يعني لست من أهل الإيمان (تبتغون عرض الحياة الدنيا) تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع الفناء فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه والغرض المال سمي به لسرعة فنائه وتبتغون حال من ضمير الفاعل في تقولوا (فعند الله مغانم كثيرة) يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله (كذلك كنتم من قبل) أول ما دخلتم في الاسلام سمعت من افواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم (فمن الله عليكم)(بالاستقامة والاشتهار) بالإيمان فافعلوا بالداخلين في الاسلام كما فعل بكم (فتبينوا) كرر الامر بالتبين ليؤكد عليهم (ان الله كان بما تعملون خبيرا) فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك (تخريجه)(ق د نس مذ)(5)(سنده) حدثنا يعقوب حدثنا ابي عن اسحاق حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدود عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد الخ (6) بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة اسم جبل وقيل موضع (7) بوزن معلم بتشديد اللام مكسورة بن جثامة بوزن علامة بفتح اللام مشددة (8) في بعض الروايات عامر بن الأضبط الأشجعي (9) تصغير متاع أي متاع قليل والمتاع كل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها (ووطب من لبن) الوطب بفتح الواو وسكون الطاء المهملة الزق الذي يكون فيه السمن واللبن وهو جلد الجذع فما فوقه وجمعه أوطاب ووطاب (10) أي بسبب شيء آخر كان بينه وبينه ويستفاد منه أنه لم يقتله لمجرد كونه شك في اسلامه بل لذلك ولشيء آخر في نفسه والله أعلم (11) جاء في حديث آخر عند الامام احمد أيضا وتقدم في باب جامع دية النفس وأعضائها من كتاب القتل والجنايات

ص: 117

كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيرا) (1)(باب لا يستوي القاعدون الخ)(عن خارجة بن زيد)(2) قال قال زيد بن ثابت اني قاعد إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوما إذ أوحى اليه قال وغشيته السكينة ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة قال زيد فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سرى عنه فقال اكتب يا زيد فأخذت كتفا فقال اكتب (لا يستوي القاعدون (3) من المؤمنين والمجاهدون الآية كلها إلى قوله أجرا عظيما) فكتب ذلك في كتف فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى فقام حين سمع فضيلة المجاهدين قال يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى وأشباه ذلك؟ قال زيد فوالله ما مضى كلامه أو ما هو إلا أن قضى كلامه غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى ثم سرى عنه فقال اقرأ فقرأت عليه (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدين) فقال النبي صلى الله عليه وسلم (غير أولي الضرر) قال زيد فألحقتها فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف (عن ابي اسحاق)(4) أنه سمع البراء (بن عازب رضي الله عنه يقول في هذه الآية (لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله) قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

في الجزء السادس عشر صحيفة 49 رقم 128 أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى القتيل وغضب على محلم بن جثامة غضبا شديدا وقال اللهم لا تغفر لمحلم ثلاث مرات انظر الحديث المشار إليه في الباب المذكور (1) تقدم تفسير هذه الآية في الحديث السابق (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات (باب)(2) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب كتابة القرآن في الأكتاف واللخاف من هذا الجزء صحيفة 29 رقم 82 ولنقتصر هنا على تفسير الآية فنقول (3)(التفسير)(لا يستوي القاعدون) عن الجهاد (من المؤمنين غير أولى الضرر) بنصب غير مدني وشامي وعلى لأنه استثناء من القاعدين أو حال منهم وبالجر عن حمزة صفة للمؤمنين وبالرفع غيرهم صفة للقاعدين والضرر المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها (والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) عطف على القاعدون ونفى التساوي بين المجاهد والقاعد بغير عذر وان كان معلوما توبيخا للقاعد عن الجهاد وتحريكا له عليه ونحوه (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) فهو تحريك للعلم وتوبيخ على الرضا بالجهل (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة) يعني لهم فضيلة في الآخرة قال ابن عباس أراد بالقاعدين هنا أولى الضرر وفضل الله المجاهدين على أولى الضرر درجة لأن المجاهد باشر الجهاد بنفسه وماله مع النية وأولو الضرر كانت لهم نية ولم يباشروا الجهاد فنزلوا عن المجاهدين درجة (وكلا) يعني كلا من المجاهدين والقاعدين (وعد الله الحسنى) يعني الجنة بإيمانهم (وفضل الله المجاهدين) يعني في سبيل اله (على القاعدين) يعني الذين لا عذر لهم ولا ضرر (أجرا عظيما) يعني ثوابا جزيلا (تخريجه)(د عب) قال المنذري في اسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد وتكلم فيه غير واحد اهـ (قلت) قال ابن معين ما حدث بالمدينة فهو صحيح وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق فيه ضعف (خلاصة) انظر الكلام على تخريجه في باب كتابة القرآن في الأكتاف واللخاف (4)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر

ص: 118

زيدًا فجاء بكتف (1) فكتبها فشكى اليه ابن أم مكتوم (2) ضرارته فنزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر)(3)(وعنه من طريق ثان)(4) قال سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه يقول لما نزلت هذه الآية (5)(وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) أتاه ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله ما تأمرني؟ اني ضرير البصر قال فنزلت (غير أولى الضرر)(6)(وفي رواية قبل أن يبرح) قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة (7)(باب ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)(عن يعلي بن أمية)(8) قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) وقد أمن الله الله الناس فقال لي عمر رضي الله عنه عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك

ثنا شعبة عن أبي اسحاق الخ (غريبه)(1) الكتف بفتح الكاف وكسر الفوقية عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم (2) اسمه عبد الله أو عمرو واسم أبيه زائدة (وقوله ضرارته) بفتح الضاد المعجمة أي عماه كما قال الراغب الضرر اسم عام لكل ما يضر الانسان في بدنه ونفسه وعلى سبيل الكناية عبر عن الأعمى بالضرير (3) تقدم تفسير الآية في الحديث السابق (4)(سنده) حدثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي اسحاق قال سمعت البراء بن عازب الخ (5) يعني الآية التي أولها لا يستوي القاعدون كما في الطريق الأولى (6) هنا في الطريق الثانية قال فنزلت (غير الى الضرر) يعني أنها نزلت مستقلة بعد نزول الآية بدونها وهناك في الطريق الأولى قال فنزلت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير الى الضر) فلم يقتصر الراوي على ذكر الكلمة الزائدة وهي قوله (غير الي الضرر) كما اقتصر عليها هنا كما في الطريق الثانية فيحتمل أن يكون الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فحكى الراوي صورة الحال أو نزل بقوله (غير الي الضرر) فقط وأعاد الراوي الآية من أولها حتى يتصل المستثنى بالمستثنى منه قال ابن التين وأيد الأخير الحافظ برواية خارجة ابن زيد عن أبيه (يعني الحديث السابق) والله أعلم (7) يعني فكتبها زيد كما صرح بذلك في الحديث السابق قال زيد فألحقتها فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف (تخريجه)(ق مذ)(باب)(8) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب افتراض صلاة السفر وحكمها من كتاب الصلاة في الجزء الخامس صحيفة 94 رقم 208 وتقدم الكلام على قصر الصلاة في السفر ومذاهب الأئمة في ذلك في أحكام الباب المذكور فأرجع اليه ولنقتصر هنا على تفسير الآية فنقول أول الآية (واذا ضربتم في الأرض) أي سافرتم فيها فالضرب في الأرض هو السفر (فليس عليكم جناح) أي حرج أو إثم (ان تقصروا من الصلاة) يعني بين أربع ركعات إلى ركعتين وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء وقيل معنى قصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض ركعاتها أو بعض أركانها ترخيصا ولهذا السبب ذكروا في تفسير قصر الصلاة المذكورة في الآية قولين (أحدهما) أنه في عدد الركعات وهو رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين (والثاني) المراد بالقصر ادخال التخفيف في أدائها وهو أن يكتفي بالإيمان والاشارة عن الركوع والسجود والقول الأول أصح ويدل عليه لفظ من في قوله (أن تقصروا من الصلاة) ولفظ من هنا للتبعيض وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصلاة فثبت بهذا ان تفسير القصر باسقاط بعض ركعات الصلاة أولى (ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) أي ان خفتم ان يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو أخذ والخوف

ص: 119

فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (باب واذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة)(عن مجاهد عن أبي عياش الرزقي)(1) قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان باستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم ونفسهم قال فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات بين الظهر والعصر (واذا كنتم فيهم فأقمت لهم الصلاة)(2) قال فحضرت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح قال فصففنا خلفه صفين قال ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعنا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم باصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء قال ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلس جلس الآخرون فسجدوا فسلم عليهم ثم انصرف قال فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين بعسفان ومرة بأرض بني سليم (باب إن يدعون من دونه إلا اناثا)(ز)(عن أبي بن كعب)(3) أن يدعون من دونه إلا اناثا قال مع كل صنم جنية

شرط جواز القصر عند الخوارج والظاهرية بظاهر النص وعند الجمهور ليس بشرط واستدلوا بهذا الحديث اي حديث عمر لقوله للسائل (صدقة) أي قصر الصلاة في السفر صدقة (تصدق الله) أي تفضل (بها عليكم) أي توسعة ورحمة (فاقبلوا صدقته) أي سواء حصل الخوف أم لا قال النووي في هذا الحديث جواز القصر في غير الخوف وفيه أن المفضول اذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه دليله يسأل عنه اهـ (تخريجه)(م والأربعة)(باب)(1) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه واحكامه في الباب الأول من أبواب صلاة الخوف في الجزء السابع صحيفة 3 رقم 731 واليك تفسير الآيات المشار اليها في الحديث (2)(التفسير)(واذا كنت فيهم) هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني اذا كنت يا محمد في أصحابك وشهدت معهم القتال وأنتم تخافون العدو (فاقمت لهم الصلاة) وهذا جرى على عادة القرآن في الخطاب فلا مفهوم له (فلتقم طائفة منهم معك) أي فاجعلهم طائفتين فلتقم إحداهما معك فصل بهم وتقوم طائفة تجاه العدو (وليأخذوا أسلحتهم) اختلف في الذين يأخذون أسلحتهم فقيل هم الذين تجاه العدو وقيل المراد به هم المصلون يأخذون من السلاح مالا يشغلهم عن الصلاة كالسيف والخنجر ونحوهما (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) يعني اذا صلى الذين معك ركعة وفرغوا من صلاتها فليكونوا من ورائكم يعني فلينصرفوا الى المكان الذي هو في وجه العدو للحراسة (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا) يعني ولتأت الطائفة التي كانت في وجه العدو (فليصلوا معك) الركعة الثانية التي بقيت عليك ويتموا بقية صلاتهم (وليأخذوا حذرهم) أي ما يتحرزون به من العدو كالدرع ونحوه (واسلحتهم) جمع سلاح وهو ما يقاتل به (ود الذين كفروا) أي تمنى الكفار (لو تغفلون) يعني لو وجدوكم غافلين عن (اسلحتكم وامتعتكم) يعني حوائجكم التي بها بلاغكم في أسفاركم (فيميلون عليكم ميلة واحدة) أي يحملون عليكم حملة واحدة فيصيبون منكم غرة فيقتلونكم والله أعلم (باب)(3)(سنده) حدثنا

ص: 120

(باب ليس بأمانيكم)(عن أبي بكر رضي الله عنه (1) أنه قال يا رسول الله كيف الصلاح (2) بعد هذه الآية (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به)(3) فكل سوء عملناه جزينا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب (4) ألست تحزن الست تصيبك اللأواء (5) قال بلى قال فهو ما تجزون به (6)(وفي لفظ) قال فإن ذلك بذاك (7)(عن أبي هريرة)(8) قال لما نزلت (من يعمل سوءا يجز به)(9) شقت على

هدية بن عبد الوهاب ومحمود بن غيلان قال ثنا الفضل بن موسى انا حسين بن وافد عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب الخ يعني في قوله تعالى (ان يدعون من دون الا اناثا)(التفسير)(ان يدعون من دونه) أي ما يعبدون من دون الله (الا اناثا) جمع أنثى وهي اللات والعزى ومناة ونزلت في أهل مكة ولم يكن حيى من العرب الا ولهم صنم يعبدونه يسمونه انثى بني فلان في كل واحدة منهن جنية تتراءى للسدنة والكهنة وتكلمهم وهذا معنى قوله في الحديث مع كل صنم جنية وقيل كانوا يقولون في أصنامهم هن بنات الله يريدون الملائكة وهذا اعتقاد فريق منهم قال تعالى (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الله إناثا) هذا وبقية الآية (وان يدعون) أي يعبدون (الا شيطانا مريدا) أي متمردا خارجا عن الطاعة عاريا عن الخير (تخريجه) الحديث من زوائد عبد الله بن الامام احمد على مسند أبيه وأورده الهيثمي وقال رواه عبد الله بن احمد ورجاله رجال الصحيح (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الله بن نمير قال أخبرنا اسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير قال اخبرت ان ابا بكر قال يا رسول الله كيف الصلاح الخ (غريبه)(2) أي كيف يتصف الانسان بالصلاح بعد نزول هذه الآية (3)(التفسير)(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) أي ليس الأمر على شهواتكم وأمانيكم وفي المخاطب بهذه الآية قولان (احدهما) انه خطاب للمسلمين وأهل الكتاب واليهود والنصارى وذلك انهم افتخروا فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم وقال المسلمين نبينا خاتم الأنبياء وكتابنا يقضي على الكتب وقد آمنا بكتابكم ولم تؤمنوا بكتابنا فنحن أولى بالله منك (والقول الثاني) انه خطاب لمشركي مكة في قولهم لا نبعث ولا نحاسب وخطاب لأهل الكتاب في قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة والمعنى ليس بالأماني انما الأمر بالعمل الصالح (من يعمل سوءا يجزيه) أي سواء كان مسلما أو كافرا قال ابن عباس هي عامة في حق كل من عمل سوءا يجز به الا ان يتوب قبل أن يموت فيتوب الله عليه وقال الحسن وآخرون هي في حق الكفار خاصة بدليل قوله تعالى (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) وهذا هو الكافر وأما المؤمن فله ولي ونصير والله أعلم (4) النصب بفتح الصاد المهملة التعب (5) اللأواء الشدة وضيق المعيشة (6) معناه ان المسلم يجازي بأعماله السيئة في الدنيا بالمصائب والمحن حتى يخرج من الدنيا طاهرا من الذنوب (7) يعني أن الابتلاء في الدنيا يكفر ذنوب المسلم والله أعلم (تخريجه)(حب ك هب) والطبري وابن المنذر وابن السني وصححه الحاكم واقره الذهبي (قلت) في اسناده انقطاع وله شواهد صحيحة تؤيده وله ايضا طرق كثيرة وربما كان هذا سبب تصحيح من صححه (8)(سنده) حدثنا سفيان حدثنا ابن محيصن شيخ من قريش سهمى سمعه عن محمد بن قيس بن مخرمة عن أبي هريرة الخ (غريبه)(9) بقية الآية (ولا يجد له من

ص: 121

المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله أن تبلغ (1) فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قاربوا (2) وسددوا فكل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة (3) ينكبها (عن عائشة)(4) زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا تلا هذه الآية (من يعمل سوءا يجز به) قال إنا لنجزي (5) بكل عملنا هلكنا إذا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم يجزي به المؤمنون في الدنيا في مصيبة في جسده فيما يؤذيه (6)(باب واتخذ الله ابراهيم خليلا)(حدثنا عبد الرزاق)(7) حدثنا معمر في قوله (واتخذ الله ابراهيم خليلا)(8) قال اخبرني عبد الملك بن عمير عن خالد بن ربعي عن ابن مسعود أنه قال ان الله اتخذ صاحبكم خليلا (9) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم (عن ابن مسعود)(10) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن صاحبكم خليل الله عز وجل

دون الله وليا ولا نصيرا) (1) أي لما فيها من الوعيد الشديد (2) أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا (وسددوا) أي اقصدوا السداد وهو الصواب (3) جاء عند الترمذي (حتى الشوكة يشاكها) الشوكة بالجر على ان حتى جاره ويجوز الرفع على انها ابتدائية والنصيب بتقدير حتى تجد (يشاكها) بصيغة المجهول أي يشاك المؤمن تلك الشوكة (والنكبة) هي ما يصيب الانسان من الحوادث سواء كان ذلك في بدنه أو ماله أو عياله (ينكبها) بصيغة المجهول أيضا (تخريجه)(م نس مذ) قال الترمذي وابن محيصن اسمه عمرو بن عبد الرحمن بن محيصن (4)(سنده) حدثنا هارون بن معروف قال ثنا ابن وهب قال اخبرني عمرو ان بكر بن سوادة حدثه ان يزيد بن أبي يزيد حدثه عن عبيد بن عمير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(5) معناه ان كنا لنجزى بكل عملنا الخ (6) يشمل كل شيء يتأذى به المسلم في الدنيا وهذا من فضل الله تعالى بالمؤمن حيث كفر ذنوبه بتعجيل العقوبة له في الدنيا لأن العقوبة في الدنيا لا تذكر بالنسبة لعقوبة الآخرة نسأل الله السلامة والعافية (تخريجه)(ص) وأورده الهيثمي وقال رواه (حم عل) ورجالهما رجال الصحيح (باب)(7)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(8)(التفسير)(واتخذ الله ابراهيم خليلا) هذا من باب الترغيب في اتباعه لأنه امام يقتدى به حيث وصل إلى غاية ما يتقرب به العباد له فإن انتهى إلى درجة الخلة التي هي أرفع مقامات المحبة وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه كما وصفه به في قوله (وابراهيم الذي وفى) قال كثير من علماء السلف أي قام بجميع ما أمر به وفي كل مقام من مقامات العبادة فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير ولا كبير عن صغير (9) قال الزجاج معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل والخلة الصداقة فسمي خليلا لأن الله عز وجل أحبه واصطفاه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وهو موقوف على ابن مسعود ولكنه في حكم المرفوع فقد جاء مرفوعا في الحديث التالي ويؤيده ما جاء عند مسلم والامام احمد وغيرهما من حديث ابن مسعود أيضا وسيأتي في مناقب ابي بكر في كتاب الخلافة والامارة عن النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا (وفي الصحيحين) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا) فقد ثبت بهذين الحديثين الخلة للنبي صلى الله عليه وسلم وزاد على ابراهيم عليه السلام بالمحبة فمحمد صلى الله عليه وسلم خليل الله وحبيبه فقد جاء في حديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا وأنا حبيب الله ولا فخر) أخرجه الترمذي بأطول منه (10)(سنده) حدثنا عفان ثنا

ص: 122

(باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة)(عن جابر بن عبد الله)(1) قال مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر ماشيين وقد أغمي علي فلم أكلمه فتوضأ فصبه علي (2) فأفقت فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي ولي أخوات؟ (3) قال فنزلت آية الميراث (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة)(4) كان ليس له ولد وله أخوات (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت)(وعنه من طريق ثان)(5) قال دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وجع لا أعقل قال فتوضأ ثم صب علي أو قال صبوا عليه فعقلت فقلت انه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث؟ قال فنزلت آية الفرض

أبو عوانة حدثنا عبد الملك بن عمير عن خالد بن ربعي الأسدي أنه سمع ابن مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وسنده صحيح (باب)(1)(سنده) حدثنا سفيان عن ابن المنكدر أنه سمع جابرا يقول مرضت الخ (غريبه)(2) قال الحافظ يحتمل أن يكون المراد صب علي بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقى منه والأول المراد فللمصنف يعني البخاري في الاعتصام ثم صب وضوءه علي ولأبي داود فتوضأ وصب علي اهـ (قلت) رواية أبي داود كرواية الامام احمد (وقوله فأفقت) أي من اغمائي (3) جاء في رواية عند الترمذي (وكان لي تسع أخوات)(4)(التفسير)(يستفتونك) أي يستخبرونك في الكلالة والاستفتاء طلب الفتوى (قل الله يفتيكم في الكلالة) معنى الكلالة أن يموت الرجل ولا يدع والدا ولا ولدا يرثانه وأصله من تكلله النسب إذا أحاط به وقيل الكلالة الوارثون الذين ليسوا فيهم ولد ولا والد فهو واقع على الميت وعلى الوارث بهذا الشرط وقيل الأب والابن طرفان للرجل فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه فسمى ذهاب الطرفين كلالة وقيل كل ما احتف بالشيء من جوانبه فهو اكليل وبه سميث لأن الوراث يحيطون به من جوانبه (نه)(ان امرؤ هلك) يعني مات سمى الموت هلاكا لأنه اعدام في الحقيقة (ليس له ولد) يعني ولا والد فاكتفى بذكر احدهما عن الآخر ويدل على المحذوف أن السؤال في الفتيا انما كان في الكلالة وقد تقدم أن الكلالة من ليس له ولد ولا والد (وله أخت) أي لأب وأم أو لأب (فلها نصف ما ترك) وهو فرضها اذا انفردت وباقي المال لبيت المال اذا لم يكن للميت عصبة وهذا مذهب زيد بن ثابت وبه قال الشافعي وعند أبي حنيفة وأهل العراق يرد الباقي عليها فإن كان للميت بنت أخذت النصف بالفرض وتأخذ الأخت النصف الباقي بالتعصب لا بالفرض لأن الأخوات مع البنات عصبة (وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) معناه ان الأخت إذا ماتت وتركت أخا من الأب والأم أو من الأب فإنه يستغرق جميع مالها اذا انفرد ولم يكن لها ولد وهذا أصل في جميع العصبات واستغراقهم جميع المال فأما الأخ من الأم فإنه صاحب فرض لا يستغرق جميع المال (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) أراد أختين فصاعدا وهو أن من مات وترك أختين أو أخوات فلهن الثلثان مما ترك الميت (وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) يعني وان كان المتروكون من اخوة رجالا ونساءا فللذكر منهم نصيب اثنتين في اخواته الإناث (يبين الله لكم أن تضلوا) أي كراهة أن تضلوا وقيل لئلا تضلوا (والله بكل شيء عليم) أي علمه محيط بكل شيء (5)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج أنا شعبة قال سمعت محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخ (تخريجه)(ق والأربعة)

ص: 123

(عن أبي الزبير عن جابر)(1) قال اشتكيت وعندي سبع أخوات لي فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح في وجهي فأفقت فقلت يا رسول الله أوصي لاخواتي بالثلثين؟ (2) قال أحسن قلت بالشطر؟ قال أحسن قال ثم خرج وتركني ثم رجع فقال يا جابر اني لا أراك ميتا من وجعك هذا فإن الله عز وجل قد أنزل فبين الذي لاخوتك فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول نزلت هذه الآية (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة)(عن البراء بن عازب)(3) قال جاء رجل (4) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الكلالة فقال تكفيك آية الصيف (5)(سورة المائدة)(باب ما جاء في فضلها)(عن عبد الله بن عمرو)(6) قال أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)(سنده) حدثنا أزهر بن القاسم وكثير بن هشام قالا ثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر الخ (غريبه)(2) هكذا بالأصل (أوصي لأخوتي بالثلثين؟ قال أحسن قلت بالشطر؟ قال أحسن) وكذا في معظم الأصول وفيه أشكال وقد فسره بعض العلماء بأن اللام في قوله (لأخواتي) بمعنى على كما في قوله تعالى (ان احسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها) أي فعليها يعني أوثر المساكين على اخواتي وأوصي للمساكين بالثلثين؟ قال صلى الله عليه وسلم (أحسن) أي الى أخوتك وفي نسخة لأبي داود (أوصى لاخواتي بالثلث) بدل الثلثين وعلى هذا فلا اشكال لأن قوله صلى الله عليه وسلم (أحسن) أي زد عن الثلث (قلت بالشطر) أي النصف قال (أحسن) أي زد عن النصف والله أعلم (تخريجه)(د نس) وسكت عنه أبو داود والمنذري هذا ولم يتكلم الخطابي رحمه الله في شرح هذا الحديث إلا على مسألة الكلالة فقط ولم يتعرض لهذا الأشكال الذي فيه (قال رحمه الله روى ان عبد الله بن حرام أبا جابر قتل يوم أحد ونزلت آية الكلالة في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم ويقال إنه آخر ما نزل من القرآن فكان جابر يوم نزول الآية لا ولد له ولا والد فصار شأنه بيانا لمراد الآية فهذا قول بعض العلماء في بيان معنى الكلالة قال وفيه وجه آخر وهو أشبه بمعنى الحديث وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل عن الكلالة تجزيك آية الصيف (يعني الحديث الآتي بعد هذا) فوقعت الإحالة منه على الآية في بيان معنى الكلالة فوجب أن يكون ذلك مستنبطا من نفس الآية دون غيرها (يعني قوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد) الخ اهـ باختصار (3)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(4) قال الخطابي قد روى أن هذا الرجل هو عمر بن الخطاب ويشبه أن يكون انما لم يفته عن مسألته ووكل الأمر في ذلك الى بيان الآية اعتمادا على علمه وفهمه اهـ ملخصا (5) يعني التي في آخر سورة النساء وهي قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الآية قال الخطابي أنزل الله في الكلالة آيتين احداهما في الشتاء وهي الآية التي في أول سورة النساء يعني قوله تعالى (إن كان رجل يورث كلالة الخ) وفيها اجمال وإبهام لايكاد يتبين هذا المعنى من ظاهرها ثم أنزل الآية الأخرى في الصيف وهي التي في آخر سورة النساء فيها من زيادة البيان ما ليس في آية الشتاء فأحال السائل عليها ليتبين المراد بالكلالة المذكورة فيها اهـ (تخريجه)(د مذ) وجود الحافظ ابن كثيراسناده وسكت عنه أبو داود والمنذري (باب)(6)(سنده) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله ان ابا عبد الرحمن الحبلي حدثه قال سمعت

ص: 124

سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله (1) فنزل عنها (عن أسماء بنت يزيد)(2) قالت اني لآخذ بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أنزلت عليه المائدة كلها فكادت من ثقلها تدق بعضد الناقة (عن جبير بن نفير)(3) قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت هل تقرأ سورة المائدة؟ قال قلت نعم قالت فإنها آخر سورة نزلت (4) فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه (5) وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت القرآن (6)(باب اليوم أكملت لكم دينكم الخ)(عن طارق بن شهاب)(7) قال جاء رجل من اليهود (8) إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين انكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا (9) قال وأي آية هي؟ قال عز وجل (اليوم أكملت لكم

عبد الله بن عمرو يقول أنزلت الخ (غريبه)(1) أي لثقله عليها من ضغط الملك ليعى ما يقال له ويحفظه (فنزل عنها) أي رحمة بها (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد من حديث عبد الله بن عمرو وأورده الهيثمي وقال رواه احمد وفيه ابن لهيعة والأكثر على ضعفه وقد يحسن حديثه وبقية رجاله ثقات اهـ (قلت) حديثه هنا حسن لأنه صرح بالتحديث (2)(سنده) حدثنا ابو النضر ثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني بنحوه وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وثق (3)(سنده) حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي قال ثنا معاوية عن أبي الزهراء عن جبير بن نفير الخ (غريبه)(4) اختلفت الروايات في آخر سورة نزلت من القرآن وتقدم الكلام على ذلك والجمع بين الروايات المختلفة في باب آخر ما نزل من سورة القرآن وآياته في هذا الجزء صحيفة 55 في الشرح (5)(ان قيل) لم خصت هذه السورة من بين سور القرآن بتحليل حلالها وتحريم حرامها وكل سور القرآن يجب أن يحل حلالها ويحرم حرامها (فالجواب) ان هذه السورة خصت بذلك لأن فيها ثمانية عشر حكما لم تنزل في غيرها من سور القرآن (قال الا البغوي) روى عن ميسرة قال ان الله تعالى أنزل في هذه السورة ثمانية عشر حكما لم ينزل في غيرها وهي قوله تعالى (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام وما علمتم من الجوارج مكلبين وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) وتمام بيان الطهر في قوله اذا قمتم إلى الصلاة والسارق والسارقة ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ما جعل الله من بجيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام وقوله شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت (6) أي خلقه القرآن يعني التأديب بآدابه والعمل بما فيه (تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي وهو موقوف على عائشة ولكن له حكم المرفوع لا سيما وقد روى بعض المسرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع يا أيها الناس ان سورة المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها (قلت) وفي قوله ان سورة المائدة من آخر القرآن نزولا الخ اشارة إلى أنها كلها محكمة ليس فيها منسوخ والى ذلك ذهب الجمهور والله أعلم (باب)(7)(سنده) حدثنا جعفر بن عون أنبأنا أبو عميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب الخ (غريبه)(8) هو كعب الأحبار قبل أن يسلم وكان معه جماعة من اليهود وكان اسلامه في خلافة عمر على المشهور (9) أي لعظمناه

ص: 125

دينكم وأتممت عليكم نعمتي) (1) قال فقال عمر اني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم الجمعة (2)(باب آية التيمم)(حدثنا ابن نمير)(3) ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء (4) قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها فوجدوها (5) فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل التيمم (6) فقال أسيد بن حضير لعائشة جزاك الله خيرا فوالله ما نزلت بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرا (7)(ومن طريق ثان)(8)(قر) عن عبد الرحمن عن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها انها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفارنا (9) حتى إذا كنا بالبيداء (10) أو بذات الجيش انقطع عقد لي (11) فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه على فخذي (12) فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله ان يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فقام (13) رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح الناس على غير ماء فأنزل الله عز وجل

وجعلناه عيدا لنا في كل سنة لعظم ما حصل فيه من اكمال الدين (1)(التفسير)(اليوم اكملت لكم دينكم) يعني بالفرائض والسنن والحدود والاحكام والحلال والحرام ولم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض هذا معنى قول ابن عباس (وأتممت عليكم نعمتي) يعني باكمال الشريعة لأنه لا نعمة أتم من الاسلام وقال ابن عباس حكم لهم بدخول الجنة وقيل معناه أنه تعالى أنجز لهم ما وعدهم في قوله ولأتم نعمتي عليكم فكان من تمام النعمة ان دخلوا مكة آمنين وحجوا مطمئنين لم يخالطهم أحد من المشركين (ورضيت لكم الاسلام دينا) أي اخترته لكم من بين الأديان لما فيه من التسامح وآذنتكم بأنه الدين المرضي (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه)(2) يشير بذلك عمر رضي الله عنه الى أن ذلك اليوم يوم عيد لنا (وفي رواية) عن ابن عباس عند الترمذي وحسنه أنه قال فإنها نزلت في يوم عيدين في يوم الجمعة وفي يوم عرفة (تخريجه)(ق نس مذ)(باب)(3)(حدثنا ابن نمير الخ)(غريبه)(4) يعني بنت أبي بكر أختها (وقوله فهلكت) أي انقطعت فسقطت منها بدون أن تشعر بها (5) أي بعد قرب خروج الوقت ولذلك صلوا بغير وضوء وكان السبب في ذلك بحثهم عن القلادة ولولا ذلك لأدركوا الماء (6) يعني آية التيمم وسيأتي تفسيرها في الطريق الثانية (7) يعني الرخصة بالتيمم لفاقد الماء (8)(قر)(سنده) قال الامام احمد قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة الخ (9) أي إلى غزوة بني المصطلق وكانت سنة ست أو خمس (10) بفتح الموحدة والمد (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وبعد الياء الساكنة شين معجمة موضعين بين مكة والمدينة والشك من عائشة (11) بكسر العين وسكون القاف أي قلادة كما تقدم في الطريق الأولى واضافه لها باعتبار استيلائها لمنفعته والا فهو لأسماء استعارته منها كما صرحت بذلك في الطريق الأولى (12) زاد عند البخاري (قد نام)(13) جاء عند البخاري فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء وله في رواية أخرى حتى أصبح على غير ماء

ص: 126

آية التيمم) (1) فتيمموا فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته (باب انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الخ)

(1) أول الآية قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذا أقمتم الى الصلاة إلى قوله لعلكم تشكرون)(التفسير)(يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم إلى الصلاة) أي اذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله أي اذا أردت القراءة وظاهر الآية يقتضي وجوب الوضوء وعند كل صلاة لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ان المراد من الآية اذا قمتم الى الصلاة وأنتم على غير طهر قال صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة أحدكم اذا أحدث حتى يتوضأ) وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بين أربع صلوات بوضوء واحد (فاغسلوا وجوهكم) حد الوجه من منابت شعر الرأس إلى منتهى الذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا لأنه مأخوذ من المواجهة فيجب غسل جميع الوجه في الوضوء (وأيديكم إلى المرافق) المرافق جمع مرفق كمنبر وهو من الإنسان أعلى الذراع وأسفل العضد وذهب جمهور العلماء إلى وجوب إدخال المرفقين في الغسل (وامسحوا برءوسكم) هذه الباء للالصاق على الأظهر والمراد الصاق المسح بالرأس فأخذ مالك وأحمد بالاحتياط فأوجبا مسح الرأس كله والشافعي باليقين فأوجب أقل ما يقع عليه اسم المسح وأبو حنيفة بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته وقدرت الناصية بربع الرأس فأوجب المسح عليها على هذا المقدار (وأرجلكم إلى الكعبين) بالنصب شامي ونافع وعلى وحفص والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برءوسكم على التقديم والتأخير وقرأ غيرهم بالجر بالعطف على الرءوس لأن الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للاسراف المنهي عنه فعطف على المسموح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها وقيل إلى الكعبين فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة وقال في جامع العلوم انها مجرورة للجوار اهـ والكعبان هما العظمان الناتئان من جانبي القدمين وهما بجمع مفصل الساق والقدم فيجب غسلهما مع القدمين كما تقدم في المرفقين وقال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم والأئمة الأربعة وأصحابهم إن فرض الرجلين هو الغسل (وان كنتم جنبا فاطهروا) أي اغتسلوا فقد أمر الله بالاغتسال من الجنابة وذلك يجب على الرجل والمرأة بأحد شيئين اما بخروج المنى على اي صفة كان من احتلام أو غيره أو بالتقاء الختانين وان لم يكن معه انزال فاذا حصل وجب الغسل (وان كنتم مرضى) جمع مريض وأراد به مرضا يضره استعمال الماء مثل الجدري ونحوه أو كان على موضع الطهارة جراحة يخاف من استعمال الماء فيها التلف أو زيادة الوجع فإنه يصلي بالتيمم وان كان الماء موجودا (أو على سفر) سواء كان السفر طويلا أو قصيرا وعدم الماء فإنه يصلي بالتيمم ولا اعادة عليه (أو جاء أحد منكم من الغائط) أراد به اذا أحدث والغائط اسم للمطمئن من الأرض وكانت عادة العرب اتيان الغائط للحدث فكنى عن الحدث بالغائط (أو لامستم النساء) قرأ حمزة والكسائي هاهنا وفي سورة النساء أو لمستم وقرأ الباقون (أو لامستم) واختلفوا في معنى اللمس والملامسة فقال قوم هو المجامعة وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وكنى باللمس عن الجماع لأنه لا يحصل إلا باللمس وقال قوم هما التقاء البشرتين سواء كان بجماع أو بغير جماع وهو قول ابن مسعود وابن عمر والشعبي والنخعي واختلف الفقهاء في حكم

ص: 127

(عن قتادة عن أنس)(1) أن نفرا من عكل وعرينة تكلموا بالاسلام فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم أهل ضرع (2) ولم يكونوا أهل ريف (3) وشكوا حمى المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود (4) وأمرهم أن يخرجوا من المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها فانطلقوا فكانوا في ناحية الحرة (5) فكفروا بعد اسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا الذود فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم فأتى بهم فسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم وتركوا بناحية الحرة يقضمون (6) حجارتها حتى ماتوا قال قتادة فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم (إنما جزاء (7) الذين

اللمس وتقدم الكلام عليه في الأحكام في باب الوضوء من لمس المرأة من أبواب نواقض الوضوء في الجزء الثاني صحيفة 91 فارجع اليه (فتيمموا) أي اقصدوا (صعيدا طيبا) أي ترابا طيبا نظيفا طاهرا (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) في قوله تعالى منه دليل على أنه يجب مسح الوجه واليدين بالصعيد وهو التراب وتقدم الكلام على التيمم وصفته وأحكامه وكل ما يتعلق به من كتاب التيمم في الجزء الثاني (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) يعني من ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم عند عدم الماء (ولكن يريد ليطهركم) يعني الأحداث والذنوب والخطايا لأن الوضوء تكفير للذنوب (وليتم نعمته عليكم) يعني بيان الشرائع والأحكام وما تحتاجون اليه من أمر دينكم (لعلكم تشكرون) نعمة الله عليكم بأن طهركم من الأحداث والذنوب وما جعل عليكم في الدين من حرج (تخريجه)(ق وغيرهما)(1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن أنس (يعني ابن مالك رضي الله عنه الخ (غريبه)(2) أي أهل ماشية من ذوات الضرع كالابل والغنم يرعونها ويتعيشون بلبنها ولحمها (3) الريف كل أرض فيها زرع ونخل وقيل هو ما قارب الماء من أرض العرب والمعنى أنهم من أهل البادية لامن أهل المدن (4) الذود من الابل ما بين الثنتين إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشر واللفظ مؤنثة ولا واحد لها من لفظها كالنعم (5) بفتح المهملة وتشديد الراء مفتوحة أرض ذات حجارة سود بضواحي المدينة (6) بفتح الضاد المعجمة أي يعضونها وهذا الحديث تقدم مثله مشروحا شرحا تاما في باب ما جاء في المحاربين وقطاع الطريق من كتاب الحدود في الجزء السادس عشر صحيفة 124 (7)(التفسير)(انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) المحاربة لله غير ممكنة وفي معناها للعلماء قولان (احدهما) أن المحاربين لله هم المخالفون أمره الخارجون عن طاعته لأن كل من خالف أمر انسان فهو حرب له فيكون المعنى يخالفون الله ورسول ويعصون أمرهما (والقول الثاني) معناه يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله فهو من باب حذف المضاف (ويسعون في الأرض فسادا) يعني بحمل السلاح والخروج على الناس وقتل النفس وأخذ الأموال وقطع الطريق (ان يقتلوا) من غير صلب أن أفردوا القتل (أو يصلبوا) مع القتل إن جمعوا بين القتل وأخذ المال (أو تقطع أيديهم وأرجلهم) أن أخذوا المال (من خلاف) حال من الأيدي والأرجل (أو ينفوا من الأرض) أي ينفى من بلده إلى غيره ويحبس في السجن في البلد الذي نفى إليه حتى تظهر توبته (ذلك) الذي ذكر من الحد (لهم خزي) ذل وهوان وفضيحة (في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) هذا الوعيد في حق الكفار الذين نزلت الآية فيهم فأما من أجرى حكم الآية على المحاربين من المسلمين فينفى العذاب العظيم عنهم في الآخرة لأن المسلم اذا عوقب بجناية في الدنيا كانت عقوبته

ص: 128

يحاربون الله ورسوله) (باب يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)(عن البراء بن عازب)(1) قال مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم (2) مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقالوا نعم قال فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ (3) فقال لا والله لولا أنك أنشدتني بهذا (4) لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر على أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه واذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا (5) تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا (6) على التحميم والجلد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه (7) قال فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل (يا أيها الرسول لا يحزنك (8) الذي يسارعون في الكفر - إلى قوله - يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه) يقولون ائتوا محمدا فإن افتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وان افتاكم بالرجم فاحذروا (9) إلى قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال في اليهود (10) إلى قوله (ومن لم

كفارة له وان لم يعاقب في الدنيا فهو في خطر المشيئة إن شاء عذبه بجنايته ثم يدخله الجنة وان شاء عفا عنه هذا مذهب أهل السنة والله أعلم (تخريجه)(ق وغيرها)(باب)(1)(سنده) حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(2) أي مسود وجهه بالحمم بضم الحاء وفتح الميم وهو الفحم (3) قال العلماء هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم فإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم ولاظهار ما كتموه من حكم التوراة وأرادوا تعطيل نصها ففضحهم بذلك ولعله صلى الله عليه وسلم قد أوحى اليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم ولهذا لم يخفف ذلك عليه حين كتموه (4) أي لولا أنك سألتني مقسما علي بمنزل التوراة (5) يعني فيما بيننا (6) أي فأجمعنا أمرنا على التحميم والجلد (7) أي في وقت أماتت اليهود أمرك واسقطوه عن العمل (8)(التفسير)(يا ايها الرسول لا يحزنك) صنع (الذين يسارعون في الكفر) يقعون فيه بسرعة أي يظهرونه اذا وجدوا فرصة (من) للبيان (الذين قالوا آمنا بأفواههم) بألسنتهم متعلق بقالوا (ولم تؤمن قلوبهم) وهم المنافقون (ومن الذين هادوا) قوم (سماعون للكذب) الذي افترته احبارهم سماع قبول (سماعون) منك (لقوم) أي لاجل قوم (آخرين) من اليهود (لم يأتوك) وهم أهل خيبر زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما (يحرفون الكلم) الذي في التوراة كآية الرجم (من بعد مواضعه) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه (يقولون) لمن أرسلوهم (ان أوتيتم هذا) الحكم المحرف أي الجلد أي أن افتاكم به محمد (فخذوه) أي اقبلوه (وان لم تؤتوه) بل أفتاكم بخلافه (فاحذروا) أن تقبلوه (9) جاء عند مسلم بعد قوله فاحذروا فأنزل الله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (10)) يعني أن اليهود لما أنكروا حكم الله تعالى المنصوص عليه في التوراة وقالوا انه غير واجب عليهم فهم كافرون على الاطلاق بموسى والتوراة وبمحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والقرآن (واختلف العلماء) فيمن نزلت هذه الآيات الثلاث وهي قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنز الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون فقال جماعة من المفسرين إن الآيات الثلاث

ص: 129

يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال هي في الكفار كلها (عن ابن عباس)(1) في قوله تعالى (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم (2) وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين) قال كان بنو النضير اذا قتلوا قتيلا من بني قريظة أدوا اليهم نصف الدية واذا قتل بنو قريظة من بني النضير قتيلا أدوا اليهم الدية كاملا فسوى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بينهم الدية (3)(وعنه أيضا)(4) أن الله عز وجل أنزل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الفاسقون) قال قال ابن عباس أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت احداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله العزيزة (5) من الذليلة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتله الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويومئذ لم يظهر (6) ولم يوطئهما

نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود لأن المسلم وان ارتكب كبيرة لا يقال انه كافر وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك ويدل على صحة هذا القول هذا الحديث الصحيح وفي آخره قال هي في الكفار كلها (وعن ابن عباس) قال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون إلى قوله الفاسقون هذه الآيات الثلاث في اليهود خاصة قريظة والنضير أخرجه أبو داود وقال ابن عباس وعكرمة ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق (قلت) وهذا هو الظاهر والله أعلم (تخريجه)(م د جه)(1)(سنده) حدثنا محمد بن سلمة عن ابن اسحاق عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس الخ (2)(التفسير) اختلف علماء التفسير في حكم هذه الآية على قولين (أحدهما) أنها منسوخة وذلك أن أهل الكتاب كانوا اذا ترافعوا الى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا فإن شاء حكم بينهم وان شاء أعرض عنهم ثم نسخ ذلك بقوله (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فلزمه الحكم بينهم وزال التخيير وهذا القول مروي عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة (القول الثاني) انها محكمة وحكام المسلمين بالخيار إذا ترافعوا اليهم فإن شاءوا حكموا بينهم وان شاءوا اعرضوا عنهم وهذا القول مروي عن الحسن والشعبي والنخعي والزهري وبه قال أحمد لأن لا منافاة بين الآيتين أما قوله فاحكم بينهم أو اعرض عنهم ففيه التخيير بين الحكم والاعراض وأما قوله (وان احكم بينهم بما أنزل الله) ففيه كيفية الحكم إذا حكم بينهم ويؤيده هذا القول ما روى ان رسورة المائدة كلها محكمة ليس فيها منسوخ (وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط) يعني بالعدل والاحتياط (إن الله يحب المقسطين) يعني العادلين فيما ولوه وحكموا فيه وهذا معنى قوله في الحديث فسوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم الدية (3) يعني كاملة كما في نسخة أخرى (تخريجه)(د نس) وابن جرير وسنده صحيح (4)(سنده) حدثنا ابراهيم بن أبي العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن الله عز وجل الخ (غريبه)(5) العزيزة هم بنو النضير والذليلة هم بنو قريظة (6) أي لم يظهر من إحدى الطائفتين تعد على الأخرى (ولم يوطئهما) أي لم يوافقهما النبي صلى الله عليه وسلم على ما اصطلحا

ص: 130

عليه وهو في الصلح فقتلت الذليلة (1) من العزيزة قتيلا فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا الينا بمائة وسق فقالت الذليلة وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ونبيهما واحد وبلدهما واحد؟ دية بعضها نصف دية بعض إنا انما أعطيناكم هذا ضيما (2) منكم لنا وفرقا منكم فأما إذ قدم محمد فلا نعطينكم ذلك فكادت الحرب تهيج بينهم ثم ارتضوا أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم (3) ثم ذكرت العزيزة فقالت والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم (4) ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم فدسوا الى محمد من يخبر لكم رأيه أن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وان لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه (5) فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا فأنزل الله عز وجل (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون إلى الكفر من الذين قالوا آمنا - إلى قوله - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)(6) ثم قال فيها والله نزلت واياهما عنى الله عز وجل (7)(باب وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الخ)(عن أنس ابن مالك)(8) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها (وكتبنا عليهم فيها (9) أن النفس بالنفس والعين بالعين

عليه من أمر الدية (1) أي بنو قريظة من العزيزة يعني بني النضير (2) أي ظلما منكم لنا (وفرقا) بفتحات أي خوفا منكم (3) يعني حكما (4) معنا أن محمدا لا يقر ما أنتم عليه بل يسوي بينكما في الدية (5) هذا معنى قوله تعالى (ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا (6) تقدم تفسير الآية في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (7) تقدم في الحديث الأول من أحاديث الباب وهو حديث البراء بن عازب أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وفي هذا الحديث والذي قبله انها انزلت في الدية في بني قريظة وبني النضير قال الحافظ ابن كثير في تفسيره وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلك (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين) إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزل قضية القصاص والله أعلم (قلت) وهو وجيه ولا مانع من ذلك لأن أحاديث القصتين صحيحه فيحتمل أن بعض الصحابة علم قصة الزنا ولم يعلم قصة الدية وبعضهم علم قصة الدية ولم يعلم قصة الزنا فحكى كل واحد ما علمه أو علم القصتين فحكى احداهما وترك الأخرى والله أعلم (تخريجه)(د نس) وسكت عنه أبو داود والمنذري وعزاه الحافظ السيوطي في الدر المنثور لأبي داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبي الشيخ وابن مردوية وسنده صحيح (باب)(8)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد أخي يونس ابن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك الخ (9)(التفسير)(وكتبنا عليهم فيها) أي وفرضنا على اليهود في التوراة (أن النفس) مقتولة بالنفس اذا قتلتها بغير حق قرأ على بنصف النفس ورفع العين وما بعدها للعطف على محل أن النفس لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إجراءا لكتبنا مجرى قلنا ونصب نافع وعاصم وحمزة المعطوفات كلها للعطف على ما عملت في أن ونصب الباقون الكل ورفعوا الجروح (والعين) مفقوءة (بالعين)(والأنف) مجدوع (بالأنف والأذن) مقطوعة (بالأذن والسن) مقلوعة

ص: 131

نصب النفس ورفع العين (باب يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر الخ)(عن سعد بن أبي وقاص)(1) قال صنع رجل من الانصار طعاما فأكلوا وشربوا وانتشوا (2) من الخمر وذاك قبل أن تحرم فاجتمعنا عنده فتفاخروا وقالت الانصار الأنصار خير وقالت المهاجرين المهاجرين خير فأهوى له رجل بلحنى (3) جزور ففزر أنفه (4) فكان أنف سعد مفزورا فنزلت (يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر (5) إلى قوله - فهل أنتم منتهون) (عن ابن عباس)(6) قال لما نزل تحريم الخمر قالوا يا رسول الله كيف باخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت (وفي رواية) فقال بعضهم قد قتل سهيل بن بيضا وهي في بطنه قال فأنزل الله عز وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح (7) فيما طعموا) الخ الآية

(بالسن والجروح قصاص) أي ذات قصاص أي مقاصة وهذا تعميم للحكم بعد ذكر بعض التفاصيل والمراد منه كل ما يمكن المساواة فيه من أي طريق كالذكر والانثيين والقدمين واليدين ومن الجراحات المضبوطة كالموضحة مثلا وهي التي توضح العظم وتبدي وضحه وهو الضوء والبياض وكذا منافع الاعضاء والاطراف كالسمع والبصر فأما الذي لا يمكن القصاص فيه كرض في لحم أو كسرفي عظم أو خدش وادماء في جلد ففي ذلك أرش وحكومة وتفاصيلها تقدمت في القول الحسن شرح بدائع المنن صحيفة 272 - 273 في الجزء الثاني فارجع اليه تجد ما يسرك (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره بسنده ولفظه وعزاه للامام احمد وقال وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن المبارك وقال الترمذي حسن غريب وقال البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث اهـ (باب)(1) هذا طرف من حديث طويل سيأتي بطوله وسنده وشرحه وتخريجه في مناقب سعد بن أبي وقاص من كتاب مناقب الصحابة وهو حديث صحيح رواه مسلم والبيهقي (غريبه)(2) أي سكروا (3) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة هو عظم الحنك وهو الذي عليه الاسنان (جزور) أي بعير (4) فزر بفتحات وتقديم الزاي على الراء أي شقه (5)(التفسير) بقية الآية (والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) تقدم تفسير هذه الآية في باب يسألونك عن الخمر والميسر من سورة البقرة ثم قال عز من قائل (انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) أما العداوة في الخمر أن الشاربين اذا سكروا عربدو وتشاجروا كما فعل الانصاري الذي شج سعد بن أبي وقاص بلحى الجمل وأما العداوة في الميسر وهو القمار فقد قال قتادة كان الرجل يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل والمال مغتاظا على حرفائه (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) وذلك ان من اشتغل بشرب الخمر والقمار الهاه ذلك عن ذكر الله وشوه عليه صلاته كما فعل بأضياف عبد الرحمن بن عوف تقدم رجل ليصلي بهم بعد ما شربوا فقرأ (قل يا ايها الكافرون أعبد ما تعبدون) بحذف لا (فهل أنتم منتهون) أي انتهوا لفظه استفهام ومعناه أمر كقوله تعالى (فهل أنتم شاكرون)(تخريجه)(م هق) والبغوي (6)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس الخ (7)(التفسير)(ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) أي حرج (فما طعموا) أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم (اذا ما اتقوا) الشرك والمحرمات

ص: 132

(باب يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء الخ)(عن علي رضي الله عنه (1) قال لما نزلت هذه الآية (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا) قالوا يا رسول الله أفي كل عام؟ فسكت فقالوا أفي كل عام؟ فقال لا ولو قلت نعم لوجبت (2) فأنزل الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) الخ الآية (3)(عن أنس بن مالك)(4) قال قال رجل (5) يا رسول الله من أبي؟ قال أبوك فلان فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) إلى تمام الآية

(وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا) ثبتوا على التقوى والايمان (ثم اتقوا وأحسنوا) العمل (والله يحب المحسنين) أي يثيبهم (تخريجه)(مذ ك) وقال الترمذي حديث حسن صحيح (قلت) وصححه الحاكم أيضا (باب)(1)(سنده) حدثنا منصور بن وردان الأسدي حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عن علي الخ (2) تقدم الكلام على ذلك في باب وجوب الحج في الجزء الحادي عشر صحيفة 14 (3)(التفسير)(يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) أي ان تظهر لكم تسؤكم أي ان امرتم بالعمل بها فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل عام فيسوءه ومن سأل عن نسبه كما سيأتي في حديث أنس لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح وقال مجاهد نزلت حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائية والوصيلة والحام الا تراه ذكرها بعد ذلك؟ (قلت) روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثنى بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ان وصلت احداهما بأخرى ليس بينهما ذكر والحام فحل الابل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل عليه فلا يحمل عليه شيء وسموه الحامي (وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم) معناه ان صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهي أو حكم وليس في ظاهره شرح ما بكم اليه حاجة ومست حاجتكم اليه فإذا سألتم عنها حينئذ (تبد لكم) المعنى اذا سألتم عن أشياء في زمنه صلى الله عليه وسلم ينزل القرآن بابدائها ومتى ابداها ساءتكم فلا تسألوا عنها (عفا الله عنها) عن مسألتكم فلا تعوذوا (والله غفور حليم قد سألها) أي الأشياء (قوم من قبلكم) كما سألت ثمود صالحا الناقة وسأل قوم عيسى المائدة (ثم اصبحوا بها كافرين) أي لم يؤمنوا بها فأهلكهم الله عز وجل (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد ثم قال وكذا رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث منصور بن وردان به ثم قال الترمذي حسن غريب وفيما قال نظر لأن البخاري قال لم يسمع أبو البختري من علي اهـ (قلت) وفي اسناده عبد الأعلى ابن عامر الثعلبي قال الامام احمد ضعيف وقال النسائي ليس بقوي ويكتب حديثه وقال ابن عدي قد حدث عنه الثقات كذا في التهذيب (4)(سنده) حدثنا روح ثنا شعبة قال أخبرني موسى بن أنس قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رجل الخ (غريبه)(5) هو عبد الله بن حذافة كما صرح بهذا في رواية من حديث أنس عند الامام أحمد أيضا وتقدم في باب ما جاء في ذم كثرة السؤال في العلم لغير حاجة من كتاب العلم في الجزء الأول صحيفة 159 رقم 24 وفيه فقال عبد الله بن حذافة يا رسول الله

ص: 133

(باب يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)(عن علي بن مدرك)(1) عن أبي عامر الأشعري رضي الله عنه قال كان رجل قتل منهم بأوطاس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا عامر ألا غيرت؟ (2) فتلا هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)(3) فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) وقال أين ذهبتم انما هي يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل من الكفار اذا اهتديتم (عن قيس)(5) قال قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس انكم تقرؤن هذه الآية (6)(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) وانا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيروه (7) أوشك الله أن يعمهم بعقابه (8) قال وسمعت أبا بكر رضي الله عنه يقول إياكم والكذب فإن الكذب مجانب (9) للإيمان

من أبي قال أبوك حذافة فقالت امه ما أردت إلى هذا؟ قال أردت أن استريح قال وكان يقال فيه قال حميد واحسب هذا عن أنس قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله زاد عند الشيخين قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة ما سمعت يا ابن أخي منك؟ أمنت أن تكون أمك قارفت بعض ما تقارب من أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ فقال عبد الله بن حذافة لو ألحقني بعبد أسود لحقته (تخريجه)(ق وغيرهما)(باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا مالك بن مغول ثنا علي بن مدرك الخ (غريبه)(2) أي الا غيرت هذا المنكر (3)(التفسير)(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) قال العلماء هذا أمر من الله تعالى ومعناه احفظوا أنفسكم من ملابسة الذنوب والاصرار على المعاصي لأنك إذا قلت عليك زيدا معناه الزم زيدا وقيل معناه عليكم أنفسكم فأصلحوها واعملوا في خلاصها من عذاب الله عز وجل وانظروا لها ما يقربها من الله عز وجل (لا يضركم من ضل اذا اهتديتم) يعني لا يضركم كفر من كفر اذا كنتم مهتدين وأطعتم الله عز وجل فيما أمركم به ونهاكم عنه قال سعيد بن جبير ومجاهد نزلت هذه الآية في أهل الكتاب اليهود والنصارى يعني عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم (4) انما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكون أبي عامر فهم من الآية عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأفهمه أن المراد بها الكفار وقد فسرها بذلك سعيد ابن جبير ومجاهد (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب) ورجالهما ثقات إلا أني لم أجد لعلي بن مدرك سماعا من أحد من الصحابة (5)(سنده) حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا زهير يعني ابن معاوية قال ثنا اسماعيل بن أبي خالد قال حدثنا قيس الخ (قلت) قيس هو ابن أبي حازم (غريبه)(6) زاد أبو داود في روايته (وتضعونها على غير مواضعها) يعني تجرونها على عمومها وتمتنعون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقا وليس كذلك (7) أي أن أمكنهم ذلك (8) أي عذابه (9) أي لا يتفق مع الايمان بمعنى أن الكاذب لا يكون مؤمنا (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد ثم قال وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة عن اسماعيل بن أبي خالد متصلا مرفوعا ومنهم من رواه عنه موقوفاً

ص: 134

(باب إن تعذبهم فإنهم عبادك الآية)(حدثني جسرة بنت دجانة)(1) انها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة (2) فسمعت أب ذر يقول قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى فجئت فقمت خلفه فأومأ إلى بيمينه فقمت عن يمينه ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه فأومأ اليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده لا اسأله عن شيء حتى يحدث إلي فقلت بأبي أنت وأمي (3) قمت بآية من القرآن ومعك القرآن لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه (4) قال دعوت لأمي قال فماذا أجبت أو ماذا رد عليك؟ قال أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة قال أفلا أبشر الناس قال بلى فانطلقت معنقا (6) قريبا من قذفة بحجر فقال عمر يا رسول الله انك ان تبعث إلى الناس بهذا نكأوا (7) عن العبادة فنادى ان ارجع فرجع وتلك الآية (أن تعذبهم فإنهم عبادك (8) وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)

على الصديق وقد رجع رفعه الدارقطني وغيره اهـ (قلت) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى الترمذي أيضا باسناد حسن عن أبي أمية الشعباني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع في هذه الآية؟ قال أية آية؟ قلت قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤمرة واعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة عتبة قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال لا بل أجر خمسين رجلا منكم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب (قلت) وأخرجه (د جه) وابن جرير وابن أبي حاتم (باب)(1)(سنده) حدثنا يحيى (يعني ابن سعيد) حدثنا قدامة بن عبد الرحمن حدثني جسرة بنت دجانة الخ (غريبه)(2) الربذة بالتحريك هي منزل من منازل حاج العراق على ثلاث مراحل من المدينة قريبة من ذات عرق وبها قبر ابي ذر الغفاري رضي الله عنه لأنه توطنها في آخر حياته ومات بها (3) أي أفديك بأبي وأمي والقائل ذلك هو أبو ذر (4) أي غضبنا عليه (5) معنى هذا أنه عز وجل استجاب دعاءه بالمغفرة لأمته (6) أي مسرعا (7) بفتح الكاف أي امتنعوا (8)(التفسير)(ان تعذبهم فإنهم عبادك) تتصرف في شأنهم كيف شئت بعد لك (وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز) في الملك الغالب على أمره (الحكيم) في القضاء لا ينقص من عزك شيء ولا يخرج من حكمك تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول عيسى بن مريم عليه السلام (ان تعذبهم فإنهم عبادك الآية) حينما سأل ربه الشفاعة لأمته فأعطاه إياها كما جاء في حديث آخر لأبي ذر عند الامام احمد أيضا وفيه قلت يا رسول الله ما زلت تقرؤ هذه الآية حتى اصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال اني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة ان شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا (وروى ابن أبي حاتم) بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى

ص: 135

(سورة الأنعام)(باب وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه الآية)(عن عبيد الله بن زياد)(1) عن ابني يسر السلميين قال دخلت عليهما فقلت يرحمكما الله الرجل منا يركب دابته فيضربها بالسوط ويكفحها (2) باللجام هل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا؟ (3) قالا لا ما سمعنا منه في ذلك شيئا فإذا امرأة قد نادت من جوف البيت أيها السائل ان الله عز وجل يقول (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه (4) إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء) فقالا هذه أختنا وهي أكبر منا وقد أدركت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

(إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه فقال اللهم أمتي وبكى فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيه فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل انا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك (تخريجه)(نس جه) مختصرا وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه اسناده صحيح ورجاله ثقات ثم قال رواه النسائي في الكبرى واحمد في المسند وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح (سورة الأنعام)(باب)(1)(سنده) حدثنا علي بن بحر قال حدثنا عيسى بن يونس قال ثنا عبد الرحمن بن يزيد يعني ابن جابر عن عبيد الله بن زياد الخ (غريبه)(2) أي يجذبها باللجام لتقف ويقال فيه أيضا (يكبحها) بالياء الموحدة المفتوحة بدل الفاء قال في النهاية في حديث الافاضة من عرفات (وهو يكبح راحلته) كبحت الدابة اذا جذبت راسها اليك وانت راكب ومنعتها من الجماع وسرعة السير (3) يريد أن الانسان يؤاخذ بذلك أم لا؟ (4)(التفسير)(وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه) الدابة اسم لما يدب على الأرض وتقع على المذكر والمؤنث وقيد الطائر بالجناحين لنفي المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار اذا اسرع قال العلماء جميع ما خلق الله عز وجل لا تخرج عن هاتين الحالتين اما ان يدب على الأرض أو يطير في الهواء حتى الحقوا حيوان الماء بالطير لأن الحيتان تسبح في الماء كما ان الطير يسبح في الهواء وانما خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء وان كان ما في السماء مخلوقا له لأن الاحتجاج بالمشاهد أظهر وأولى مما لا يشاهد (إلا أمم أمثالكم) قال مجاهد اي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يريد أن كل جنس من الحيوان أمة فالطير أمة والدواب أمة والسباع أمة تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم كما يقال الانس والناس ويدل على أن كل جنس من الدواب أمة ما روى عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا ان الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم رواه الامام احمد والأربعة وصححه الترمذي وتقدم في باب الرخصة في عدم قتل الكلاب من كتاب القتل والجنايات في الجزء السادس عشر صحيفة 22 رقم 70 وقد اختلف العلماء في وجه هذه المماثلة فقيل ان هذه الحيوانات تعرف الله وتوحده وتسبحه وتصلي له كما أنكم تعرفونه وتوحدونه وتسبحونه وتصلون له قال تعالى (وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) وقيل انها يفهم بعضها عن بعض ويألف بعضها بعضا كما أن جنس الانسان يألف بعضها بعضا ويفهم بعضهم عن بعض وقيل أمثالكم في طلب الرزق وتوقي المهالك ومعرفة الذكر والأنثى وقيل أمثالكم في الخلق والاحتياج إلى مدير يدبر أمرها وفي الموت والبعث بعد الموت للحساب حتى يقتص للجماء من للقرناء

ص: 136

(باب وأنذر به الذين يخالفون أن يحشروا إلى ربهم - إلى قوله - والله أعلم بالظالمين)(عن ابن مسعود)(1) قال مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب (2) وصهيب وبلال وعمار فقالوا يا محمد ارضيت بهؤلاء (3) فنزل فيهم القرآن (وأنذر به (4) الذين يخافون أن يحشروا إلى

كما ورد في الحديث (ما فرطنا في الكتاب من شيء) يعني في اللوح المحفوظ لأنه يشمل جميع أحوال المخلوقات وقيل أن المراد بالكتاب القرآن يعني أن القرآن مشتمل على جميع الأحوال (ثم إلى ربهم يحشرون) يعني الدواب والطير قال ابن عباس حشرها موتها وقال ابو هريرة يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني ترابا وعن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء (م حم وغيرهما)(تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وسنده جيد (باب)(1)(سنده) حدثنا أسباط حدثنا أشعث عن كردوس عن ابن مسعود الخ (غريبه)(2) هو خباب بفتح أوله وتشديد الموحدة ابن الأرت بفتح الهمزة والراء بعدها تاء مثناة مشددة وهو عربي يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الياس بن مضر لحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة وكان خباب من السابقين إلى الاسلام وممن عذبوا في الله وكان سادس ستة في الاسلام (قال مجاهد) أول من أظهر اسلامه من الصحابة أبو بكر وخباب وصهيب وبلال وعمار وسمية أم عمار وشهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها في خلافة علي رضي الله عنه سنة سبع وثلاثين (وصهيب) هو ابن سنان أبو يحيى الرومي أصله من النمر يقال كان اسمه عبد الملك وصهيب لقب صحابي شهير من السابقين إلى الاسلام وممن عذبوا في الله مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في خلافة علي وقيل قبل ذلك والله أعلم (وبلال) هو ابن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن حمامة وهي أمه أبو عبد الله مولى أبي بكر من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد مات بالشام سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وقيل سنة عشرين وله بضع وستون سنة (وعمار) هو ابن ياسر أبو اليقظان مولى بني مخزوم صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين ممن عذبوا في الله وممن شهدوا بدرا قتل مع علي رضي الله عنه بصفين سنة سبع وثلاثين (3) يعني العبيد الفقراء أرضيت أن يجلسوا معك ونحن أشراف قريش نجلس معهم وقد زاد ابن جرير في هذا الحديث نفسه (أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟ اطردهم فلعلك ان طردتهم ان نتبعك) فنزلت (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه) الآية (4)(التفسير)(وأنذر به) أي بما يوحى اليك من القرآن (الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم) هم المسلمون المقرون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحى إليه أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث (ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع) وفي موضع الحال من يحشروا أي يخافون أن يحشروا غير منصورين ولا مشفوعا لهم (لعلهم يتقون) يدخلون في زمرة أهل التقوى ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بانذار غير المتقين ليتقوا أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم بقوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى) واثني عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها قيل يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس (يريدون وجهه) قال ابن عباس يطلبون ثواب الله نزلت في الفقراء بلال وصهيب وعمار واضرابهم حين قال رؤساء المشركين لو طردت هؤلاء السقاط لجالسناك فقال صلى الله عليه وسلم ما أنا بطارد المؤمنين فقالوا اجعل لنا يوما ولهم يوما وطلبوا بذلك

ص: 137

ربهم - إلى قوله - فتكون من الظالمين) (باب قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم الآية)(عن سعد بن أبي وقاص)(1) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية (هو القادر (2) على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) أما إنها كائنة ولم يأت على تأويلها بعد (عن عمرو)(4) سمع جابر بن عبد الله لما

كتابا فدعا عليا رضي الله عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك طمعا في اسلاما لا احتقارا للفقراء فنزلت (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآية فرمى النبي صلى الله عليه وسلم بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم (ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء) ذلك ان كفار قريش طعنوا في دين الفقراء واخلاصهم والمعنى حسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم اليك كما أن حسابك عليك لا يتعداك اليهم (فتطردهم) جواب النفي وهو ما عليك من حسابهم (فتكون من الظالمين) جواب النهي وهو لا تطرد ويجوز أن يكون عطفا على فتطردهم على وجه التسبيب لأن كونه ظالما مسبب عن طردهم والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني الا انه قال فقالوا يا محمد هؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ لو طردت هؤلاء لاتبعناك فأنزل الله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي - إلى قوله - اليس الله بأعلم بالمشاكرين) ورجال احمد رجال الصحيح غير كردوس وهو ثقة اهـ ورواه الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد وابن جرير وذكره الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لابن أبي حاتم وابي الشيخ وابن مردوية وأبي نعيم في الحلية (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو اليمان حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن راشد ابن سعد عن سعد بن أبي وقاص الخ (2)(التفسير)(هو القادر) أي هو الذي عرفتموه قادرا وهو الكامل القدرة فاللام يحتمل العهد والجنس (على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة (أو من تحت أرجلكم) كما غرق فرعون وحسف بقارون وقوم شعيب أو حبس المطر والنبات هذا ما قاله المفسرون السابقون (ونزيد على قولهم هذا) في تفسير قوله تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) كالطائرات التي حدثت في زماننا هذا ترمي بالقنابل المهلكة من الجو على المساكين فتهدمها على من فيها (أو من تحت أرجلكم) كالغواصات الحديثة التي تغوص البحار وتستقر في قاعها وتقذف بالمدمرات وهي في قاع البحر فتهلك من على ظهره في السفن وكآلات النسف التي توضع في أسفل المنازل والعمارات والمؤسسات ثم تنفجر فتجعل عاليها سافلها فيهلك من فيها وهذا من معجزات القرآن حيث قد أظهر العلم الحديث بعض أسراره قال تعالى (ويخلق مالا تعلمون)(أو يلبسكم شيعا) يعني أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة منكم مشايعة لامام ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال (ويذيق بعضكم بأس بعض) أي يقتل بعضكم بعضا والبأس آلة الحرب وقد حصل كل ذلك (3) اما بالتخفيف حرف تنبيه (انها) أي الخصلة المذكورة من بعث العذاب من الفوق أو من التحت (كائنة) أي واقعة فيما بعد (ولم يأت تأويلها) أي عاقبة ما فيها من الوعيد (وقوله بعد) بالبناء على الضم أي إلى الآن (قلت) قد وقع كل ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو من معجزات النبوة (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب (4)(سنده) حدثنا

ص: 138

نزلت (هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك فلما نزلت (أو من تحت أرجلكم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك فلما نزلت (أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) قال هذه (1) أهون وأيسر (عن ابي بن كعب)(2) في قوله تعالى (هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) الآية قال هن أربع وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض (3)

سفيان عن عمرو (يعني ابن جابر الحضرمي) سمع جابر بن عبد الله الخ (غريبه)(1) جاء عند الترمذي هاتان بدل هذه يعني خصلة الالباس وخصلة اذاقة بعضهم بأس بعض (أهون وأيسر) أي من بعث العذاب من الفوق أو التحت (تخريجه)(خ مذ نس حب) وابن جرير وابن مردويه وهو يفيد ان العذاب من الفوق أو من التحت لا يقعان لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ منهما ويؤيد ذلك حديث ابن عباس عند ابن مردويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وان لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الخسف والرجم وأبى أن يرفع عنهم الأخريين (فان قيل) جاء في حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم أن الرجم والخسف كائنان في هذه الأمة فما وجه التوفيق (الجواب) ان الاعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم ويحتم في طريق الجمع أن يكون المراد ان ذلك لا يقع لجميعهم وان وقع لأفراد منهم غير مقيدة بزمان كما في خصلة العدو الكافر والسنة العامة فإنه ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رفعه في حديث (ان الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها) الحديث وفيه (واني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة وان لا يسلط عليهم عدوا من غير أنفسهم وان لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض فقال يا محمد اني اذا قضيت قضاءا فإنه لا يرد واني أعطيتك لأمتك ان لا اهلكهم بسنة عامة وان لا أسلط عليهم عدوا من غيرهم يستبيح بيضتهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضا) وأخرج الطبري (قلت والامام احمد ايضا) من حديث شداد نحوه باسناد صحيح فلما كان تسليط العدو الكافر قد يقع على بعض المؤمنين لكنه لا يقع عموما فكذلك الخسف والقذف أفاده الحافظ (2)(سنده) حدثنا روح بن عبد المؤمن ثنا عمر بن شقيق ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب الخ (غريبه)(3) يشير بذلك إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فهو أول الفتن وتفرق المسلمين وقتال بعضهم بعضا وكان ذلك سنة خمس وثلاثين من الهجرة وكانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة فقد روى الشيخان والامام احمد وغيرهم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث ثلاث عشرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين يعني مدة مكثه بالمدينة ثم مات وهو ابن ثلاث وستين وهذه أصح الروايات فعلم من هذا ابتداء الفتن قتل عثمان رضي الله عنه (روى ابن عساكر) بسنده عن حذيفة بن اليمان قال أول الفتن قتل عثمان وآخر الفتن خروج الدجال والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان الا تبع الدجال ان ادركه وان لم يدركه آمن به في قبره وقال زيد بن صوحان يوم

ص: 139

وثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم (1)(وفي رواية الخسف) والقذف (باب الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم)(عن عبد الله)(2) قال لما نزلت هذه الآية (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم)(3) شق ذلك على الناس وقالوا يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه؟ قال انه ليس الذي تعنون (4) الم تسمعوا ما قال العبد الصالح (5)(يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم) انما هو الشرك (وفي لفظ) الم تسمعوا ما قال لقمان لابنه (لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم)(باب ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن)(عن ابن عباس)(6) قال لما نزلت (ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن) عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعمل المفسد من المصلح) قال فخالطوهم

قتل عثمان نفرت القلوب منافرها والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة وقالت أم سليم لما سمعت بقتل عثمان رحمه الله أما انه لم يحلبوا بعده إلا دما تريد كثرة القتل وسفك الدماء ذكر هذه الآثار الحافظ ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية (1) تقدم الكلام على ذلك في شرح الحديث السابق وقد ثبت في الأحاديث المرفوعة (ليكونن في هذه الأمة قذف وخسف ومسخ وسيأتي مع نظائره في كتاب علامات الساعة واشراطها وظهور الآيات قبل يوم القيامة (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام احمد ابن أبي حاتم وابي جعفر الرازي (باب)(2)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال الخ (3)(التفسير)(الذين آمنوا أو لم يلبسوا) أي لم يخلطوا (ايمانهم بظلم) أي بشرك كالمنافقين اي يقول الذين اخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئا (أولئك لهم الأمن) أي هم الآمنون يوم القيامة (وهم مهتدون) أي المهتدون في الدنيا والآخرة (4) أي ليس معناه الظلم كما تفهمون ان يفعل بعض ما نهى الله عنه أو يترك بعض ما أمر الله به إنما هو الشرك بالله (5) يعني لقمان كما نطق به القرآن وصرح به في اللفظ الآخر (تخريجه)(ق مذ) وابن جرير وغيرهم (باب)(6) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في اباب (وان تخالطوهم فاخوانكم) في تفسير سورة البقرة وهو يتضمن جزءا من الوصايا العشر التي جاء بها القرآن في سورة الانعام أولها قوله تعالى (قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم) الآيات (روى الترمذي) بسنده عن عبد الله بن مسعود قال من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هؤلاء الآيات (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم - إلى قوله لعلكم تتقون) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب (وقال ابن عباس) هذه الآيات محكمات في جميع الكتب لم ينسخهن شيء وهن محرمات على بني آدم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار ذكره البغوي في تفسيره وروى الحاكم المستدرك بسنده عن ابن عباس أيضا قال ان في الانعام آيات محكمات هن أم الكتاب ثم قرأ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الآيات وصححه الحاكم واقره الذهبي (وروى الحاكم أيضا) بسنده عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يبايعني على هؤلاء الآيات ثم قرأ (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) حتى ختم الآيات الثلاث فمن وفى فأجره على الله ومن انتقص شيئا أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته ومن أخر إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وان

ص: 140

(باب وأن هذا صراطي مستقيما الخ)(عن عبد الله بن مسعود)(1) قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه ثم قرأ (وان هذا صراطي مستقيما (2) فاتبعوه ولا تتبعوا

شاء غفر له صححه الحاكم وأقره الذهبي لهذا رأيت أن أتي بهذه الآيات وتفسيرها للانتفاع بما فيها لأنها جامعة شاملة فأقول وبالله التوفيق لما بين الله تعالى في الآيات السابقة فساد قول هؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وزعموا أن الله أمرهم بتحريم ما حرموه على أنفسهم وقتلوا أولادهم وكل ذلك فعلوه بآرائهم وتسويل الشياطين قال الله عز وجل (قل) لهم يا محمد (تعالوا) أي هلموا وأقبلوا (أتل ما حرم ربكم عليكم) أي أقرأ ما حرم ربكم عليكم حقا يقينا لا شك فيه ولا ظنا ولا كذبا كما تزعمون أنتم بل هو وحي أوحاه الله الي (أن لا تشركوا به شيئا) أن مفسرة لفعل التلاوة ولا للنهي ومعنى هذا الاشراك الذي حرمه الله ونهى عنه هو أن يجعل لله شريكا في خلقه أو يريد بعبادته رياءا وسمعة ومنه قوله تعالى (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)(وبالوالدين إحسانا) أي وفرض عليكم ووصاكم بالوالدين إحسانا لأنهما السبب في وجود الانسان ولما لهما عليه من حق التربية والشفقة والحفظ من المهالك في حال صغره (ولا تقتلوا أولادكم) بالوأد (من املاق) من أجل فقر تخافونه وذلك أنهم كانوا يقتلون البنات خشية العار وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار (نحن نرزقكم وإياهم) أي لأن رزق العبيد على مولاهم (ولا تقربوا الفواحش) أي الكبائر كالزنا ونحوه وكذلك الصغائر وانما خص الكبائر بالذكر وعبر عنها بالفواحش لعظم ذنبها (ما ظهر منها) بدل من الفواحش أي ما بينك وبين الخلق (وما بطن) ما بينك وبين الله (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) انما أفرده بالذكر تعظيما لأمر القتل وانه من أعظم الفواحش والكبائر (إلا بالحق) كالقصاص والقتل على الردة والرجم على الزاني المحصن روى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم شهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الزاني (يعني المحصن) والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه (ق حم وغيرهم)(ذلكم وصاكم به) أي امركم به وأوجبه عليكم (لعلكم تتقون) أي لكي تفهموا وتتدبروا ما في هذه التكاليف من الفوائد والمنافع (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) أي إلا بما فيه صلاحه وحفظه وتثميره (حتى يبلغ أشده) المراد بالأشد في هذه الآية هو ابتداء بلوغ الحلم مع ايناس الرشد وهذا هو المختار في تفسيرها (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) أي بالعدل وترك البخس (لا نكلف نفسا إلا وسعها) أي طاقتها وما يسعها في ايفاء الكيل والميزان واتمامه والمعنى من اجتهد في اداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه (واذا قلتم فاعدلوا) أي في الحكم والشهادة (ولو كان ذا قربى) أي ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل كقوله (ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)(وبعهد الله) يعني الميثاق وفي الأمر والنهي والوعد والوعيد والنذر واليمين (أوفوا) أي يجب الوفاء به (ذلكم) يعني الذي ذكر في هذه الآيات (وصاكم به) يعني بالعمل به (لعلكم تذكرون) أي تتعظون فتأخذون ما أمرتم به (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يزيد أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم بن ابي النجود عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود الخ (2)(التفسير)(وان هذا صراطي) يعني طريقي وديني الذي أرتضيه

ص: 141

السبل فتفرق بكم عن سبيله) (باب هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك) الآية (عن أبي ذر)(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تغيب الشمس تحت العرش (2) فيؤذن لها فترجع فإذا كانت تلك الليلة التي تطلع صبيحتها من المغرب لم يؤذن لها (3) فإذا أصبحت قيل لها اطلعي من مكانك (4) ثم قرأ (هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة (5) أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك) (عن أبي سعيد الخدري)(6) عن النبي صلى الله عليه وسلم (يوم يأتي بعض آيات ربك (7) لا ينفع نفسا إيمانها)

لعبادي (مستقيما) يعني قويما لا اعوجاج فيه (فاتبعوه) يعني فاعملوا به وقيل ان الله تعالى لما بين في الآيتين المتقدمتين ما وصى به مفصلا أجمله في هذه الآية إجمالا يقتضي دخول جميع ما تقدم ذكره فيه ويدخل فيه أيضا جميع أحكام الشريعة وكل ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من دين الاسلام وهو المنهج القويم والصراط المستقيم (ولا تتبعوا السبل) الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات (فتفرق بكم عن سبيله) يعني فتميل بكم هذه الطرق المختلفة المضلة عن دينه وطريقه الذي ارتضاه لك (ذلكم وصاكم به) يعني باتباع دينة وصراطه الذي لا اعوجاج فيه (لعلكم تتقون) أي تجتنبون الطرق المختلفة والسبل الضلة والله أعلم (تخريجه)(ك نس) وابن جرير وابن مردوية وصححه الحاكم (باب)(1)(سنده) حدثنا مؤمل ثنا حماد يعني ابن سلمة ثنا يونس عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر الخ (غريبه)(2) جاء عند الشيخين والامام احمد من وجه آخر لأبي ذر قال فتخر ساجدة فال تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع طالعة من مطلعها (يعني المشرق) قال النووي سجود الشمس بتمييز وادراك يخلق الله تعالى فيها (3) أي لم يؤذن لها في الرجوع إلى المشرق بل تبقى في مغربها إلى الصباح (4) يعني المغرب (5)(التفسير)(هل ينظرون) أي ينتظرون بعد تكذيبهم الرسل وانكارهم القرآن وصدهم عن آيات الله وهو استفهام معناه النفي وتقدير الآية انهم لا يؤمنون بك إلا إذا جاءتهم إحدى هذه الأمور الثلاث فإذا جاءتهم احداها آمنوا وذلك يعني لا ينفعهم إيمانهم (إلا أن تأتيهم الملائكة) يعني لقبض أرواحهم وقيل أن تأتيهم بالعذاب (أو يأتي ربك) بلا كيف ولا تشبيه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة (أو يأتي بعض آيات ربك) قال جمهور المفسرين هو طلوع الشمس من مغربها ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله فتح بابا قبل المغرب عرضه سبعون عاما للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وقال رواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه من حديث طويل (تخريجه)(ق مذ) بمعناه (6)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري الخ (7)(التفسير)(يوم يأتي بعض آيات ربك) قيل طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض قال جمهور العلماء أصح الأقوال في ذلك ما تظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طلوع الشمس من مغربها انظر باب طلوع الشمس من مغربها وغلق باب التوبة من كتاب الفتن وعلامات الساعة في آخر جزء من كتابنا هذا تجد ما يسرك (لا ينفع نفسا إيمانها) أي لأنه ليس بإيمان اختياري بل هو إيمان دفع العذاب والبأس عن أنفسهم هذا وباقي الآية لم يذكر في الحديث وهو (لم تكن آمنت من قبل) يعني لا ينفع مشركا إيمانه ولا تقبل توبة فاسق عند ظهور هذه الآية العظيمة التي تضطرهم إلى الايمان والتوبة (أو كسبت إيمانهم) يعني

ص: 142

قال طلوع الشمس من مغربها (سورة الأعراف)(باب ونزعنا ما في صدورهم من غل)(حدثنا عفان)(1) حدثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الآية (ونزعنا ما في صدورهم من غل)(2) قال حدثنا قتادة أن أبا المتوكل الباجي حدثهم أن أبا سعيد الخدري حدثهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يخلص المؤمنون من النار (3) فيحسبون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا (4) حتى إذا هذبوا ونقوا (5) أذن لهم في دخول الجنة قال فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه لمنزله كان في الدنيا (6) قال قتادة وقال بعضهم ما يشبه لهم إلا أهل جمعة حين انصرفوا من

أو عملت قبل ظهور هذه الآية خيرا من عمل صالح وتصديق قال الضحاك من أدركه بعض الآيات وهو على عمل صالح مع ايمان قبل الله منه العمل الصالح بعد نزول الآية كما قبل منه قبل ذلك فأما من آمن من شرك أو تاب من معصية بعد ظهور هذه الآية فلا يقبل منه لأنها حالة اضطرار كما لو أرسل الله عذابا على أمة فآمنوا وصدقوا فإنهم لا ينفعهم ايمانهم ذلك لمعاينتهم الأهوال والشدائد التي تضطرهم الى الايمان والتوبة قال تعالى (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأو بأسنا)(قل انتظروا) يعني ما وعدتم به من مجيء الآية ففيه وعيد وتهديد (انا منتظرون) يعني ما وعدكم ربكم من العذاب يوم القيامة وقبله في الدنيا (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث غريب ورواه بعضهم ولم يرفعه اهـ (قلت) جاء مجمع الزوائد نحوه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يوم يأتي بعض آيات ربك) قال طلوع الشمس من مغربها قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات قال وله طرق في امارات الساعة والله أعلم (باب)(1) حدثنا عفان الخ (2)(التفسير) لما ذكر الله تعالى وعيد الكفار وما أعد لهم في الآخرة في آية سابقة بقوله تعالى - ان الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين - اتبعه بذكر وعد المؤمنين وما أعد لهم في الآخرة فقال (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) يعني والذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمرهم به وتجنبوا ما نهاهم عنه (لا نكلف نفسا إلا وسعها) يعني لا نكلف نفسا إلا ما يسعها من الأعمال وما يسهل عليها ويدخل في طوقها وقدرتها ومالا حرج فيه عليه ولا ضيق (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل) أي وقلعنا وأخرجنا ما في صدور المؤمنين من غش وحسد وحقد وعداوة كانت بينهم في الدنيا فجعلناهم (اخوانا على سرر متقابلين) لا تحسد بعضهم بعضا على شيء خص الله به بعضهم دون بعض روى عن علي رضي الله عنه قال فينا والله أهل بدر نزلت - ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين - (3) يعني اذا نجوا من السقوط فيها حال جوزهم على الصراط المضروب على متنها والمراد بالمؤمنين بعضهم وهم الذين علم الله تعالى أن القصاص لا يستنفد صفاتهم أو تفضل عليهم بعضوه وخرج من هذا صنفان من الموحدين من دخل الجنة بغير حساب ومن أوبقه سوء عمله (4) استظهر الحافظ ان القتطرة طرف الصراط مما يلي الجنة ولغيره غير ذلك والقصاص مأخوذ من القص أي القطع أو من اقتصاص الأثر أي تتبعه لأن المقتص يتتبع جناية الجاني ليقابلها بالمثل والمراد هنا تتبع ما بينهم من التبعات واسقاط بعضهم ببعض (5) التنقية والتهذيب بمعنى التمييز والتخليص من ارجاس المظالم (6) معناه أن يكون أكثر

ص: 143

جمعتهم (1)(باب فلما تجلى ربه للجبل الخ)(حدثنا أبو المثنى)(2) معاذ بن معاذ العنبري قال ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (فلما تجلى ربه للجبل)(3) قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر (4) قال أبي أرانا معاذ (5) قال فقال له حميد الطويل ما تريد إلى هذا يا أبا محمد (6) قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه؟ (ومن طريق ثان) قال الامام احمد حدثنا روح ثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل (فلما تجلى ربه للجبل) قال فأومأ بخنصره (7) قال فساخ

معرفة بمنزله في الجنة من منزله في الدنيا وذلك لعرضه عليه بعد موته بالغداة والعشى كما في بعض الروايات وفيه أشارة إلى قوله تعالى (ويدخلهم الجنة عرفها لهم)(1) يريد أنهم يعرفون منازلهم من الجنة كما يعرف أهل القرية منازلهم بعد انصرافهم من صلاة الجمعة (تخريجه)(خ وغيره)(باب)(2)(حدثنا أبو المثنى الخ)(3)(التفسير)(فلما تجلى ربه للجبل) اي ظهر نور ربه للجبل وعن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل قال ما تجلى منه إلا قد الخنصر وقال الحافظ السيوطي في تفسير الجلالين أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم وقال النسفي في تفسير قوله تعالى - فلما تجلى ربه للجبل - أي ظهر وبان ظهوره بال كيف (جعله دكا) قال ابن عباس جعله ترابا وقال سفيان ساخ الجبل حتى وقع في البحر فهو يذهب فيه ويروى عن سهل بن سعد الساعدي ان الله تعالى أظهر من سبعين الف حجاب نورا قدر الدرهم فجعل الجبل دكا يعني مستويا بالأرض (4) جاء في المستدرك للحاكم عن أنس أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا - قال حماد هكذا ووضع الابهام على الخنصر الايمن يعني على المفصل الأعلى من الخنصر كما جاء في رواية ابن جرير (5) القائل قال أبي هو عبد الله بن الامام احمد يريد أن معاذ بن معاذ شيخ الامام أحمد أراه بالتسلسل عن مشايخه كيفية اخراج طرف الخنصر وقد وضحته رواية الحاكم وابن جرير كما تقدم (6) كنية ثابت البناني الراوي عن أنس أي ما تقصد بذكر هذا الحديث وجاء في المستدرك للحاكم فقال حميد لثابت تحدث بمثل هذه؟ قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث به وأنا لا أحدث به؟ وعن ابن جرير فضرب صدر حميد وقال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقوله أنس وأنا اكتمه (7) أي أشار بخنصره قال الامام البغوي في تفسيره وقال السدي ما تجلى إلا قدر الخنصر يدل عليه ما روى ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (يعني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) وقال هكذا ووضع الابهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل وقال الامام البغوي أيضا قرأ حمزة والكسائي دكاء ممدودا غير منون هاهنا وفي سورة الكهف وافق عاصم في الكهف (وقرأ الآخرون) دكا مقصورا منونا فمن قصر فمعناه جعله مدقوقا والدك والدق واحد وقيل معناه دكه الله دكا أي فتقه كما قال إذا دكت الأرض دكا ومن قرأ بالمد أي بدل مستويا أرضا دكاء (وقيل) معناه جعله مثل دكاء وهي الناقة التي لا سنام لها والله أعلم (تخريجه)(مذ ك وغيرهما) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد اهـ (قلت) وصححه الحاكم واقره الذهبي والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 144

(باب وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم)(عن مسلم بن يسار الجهني)(1) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية (2)(واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) الآية (3) فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها (4) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره (5) بيمينه واستخرج منه ذرية (6) فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون (7) ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل (8) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل اذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة (9) حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة واذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار (10)

(باب)(1)(سنده) حدثنا روح حدثنا مالك (ح) وحدثنا إسحاق أخبرني مالك قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد وحدثنا مصعب بن الزبير حدثني مالك عن يزيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني الخ (غريبه)(2) أي عن كيفية أخذ الله ذرية بني آدم من ظهورهم المذكور في الآية (3)(التفسير)(وإذ) أي اذكر يا محمد حين (أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم) بدل اشتمال مما قبله باعادة الجار والتقدير واذ أخذ ربك من ظهور بني آدم (ذرياتهم) قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر ذرياتهم بالجمع وكسر التاء وقرأ الآخرون ذريتهم على التوحيد ونصب التاء (فإن قيل) ما معنى قوله (واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم) وانما أخرجهم من ظهر آدم كما دل على ذلك الحديث (قيل) إن الله أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء في الترتيب فاستغنى عن ذكر ظهر آدم لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره بنعمان بفتح النون وفسر في حديث ابن عباس بعرفة وستأتي الإشارة اليه ونصب لهم دلالئل على ربوبيته وركب فيهم عقلا (واشهدهم على أنفسهم) قال (ألست بربكم؟ قالوا بلى) أنت ربنا (شهدنا) بذلك (أن تقولوا) أي لئلا تقولوا (يوم القيامة إنا كنا عن هذا) أي التوحيد (غافلين) لا نعرفه (4) اي عن هذه الآية المتقدمة (5) أي ظهر آدم (بيمينه) فسره المتأخرون بحملة تأويلات لا حاجة إليها وقد تقدم غير مرة أن مثل هذه الألفاظ بالنسبة لله عز وجل نؤمن بها ونحملها على ظواهرها من غير تكييف ولا تمثيل وندع علمها لله عز وجل كما هو مذهب السلف رضي الله عنهم (6) قيل فبل دخول آدم الجنة بين مكة والطائف وقيل ببطن نعمان بفتح النون وأنه بقرب عرفة وقيل في الجنة وقيل بعد النزول منها في أرض الهند وقد جاء في حديث ابن عباس وتقدم بسنده وتخريجه في أول كتاب التوحيد من الجزء الأول صحيفة 32 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فثرهمبين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبلنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وهو حديث صحيح (7) أي من الطاعات (يعملون) إما في جميع عمرهم أو في خاتمة أمرهم (8) أي إذا كان كما ذكرت يا رسول الله من سبق القدر ففي أي شيء يفيد العمل أو فلأي شيء أمرنا بالعمل (9) اي جعله عاملا بعمل أهل الجنة ووفقه للعمل به (10) فيه إشارة إلى أن المدار على عمل مقارن بالموت (تخريجه) (لك د

ص: 145

(ز)(عن أبي بن كعب)(1) في قوله الله عز وجل (وإذ إخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم - الآية)(2) قال جمعهم فجعلهم أرواسا ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم؟ قالوا بلى قال فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السلام أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئا اني سأرسل اليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك فاقروا بذلك ورفع عليهم آدم ينظر اليهم فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال رب لولا سويت بين عبادك (3) قال اني أحببت أن أشكر (4) ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور (5) خصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة وهو قوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم)(6) إلى قوله (عيسى بن مريم) كان في تلك الأرواح (7) فأرسله إلى مريم فحدث (8) عن أبي أنه دخل من فيها (9)

نس مذ هب ك) وابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهم وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال الترمذي هذا حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر وقد ذكر بعضهم في هذا الاسناد بين مسلم بن يسار وبين عمر رجلا زاد ابن أبي حاتم وبينهما نعيم بن ربيعة وجاء عند أبي داود عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة ومسلم بن يسار هذا وثقه ابن حبان وقال العجلي تابعي ثقة ونعيم بن ربيعة وثقه أيضا ابن حبان وقال الحافظ في التقريب مقبول (ز)(1)(سنده) حدثنا محمد بن يعقوب الزبالي ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن الربيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أبي بن كعب الخ (2) تقدم تفسيرها في شرح الحديث السابق (3) أي لولا جعلتهم على صورة واحدة في الغنى وحسن الصورة (4) بضم الهمزة وفتح الكاف أي يشكرني حسن الصورة حينما يرى من هو أقل منه في حسن المنظر ويشكرني الغنى حينما يرى الفقير وهكذا (5) أي ميزهم الله عز وجل عن سائرالناس بهذا النور وفضلهم عليهم بأن خصهم بميثاق آخر في الرسالة والنبوة (6)(التفسير)(واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) قيل أن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذر من صلب آدم عليه السلام كما يستفاد من هذا الحديث (ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم) يقول تعالى مخبرا عن أولى العزم الخمسة وبقية الأنبياء أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في اقامة دين الله تعالى وابلاغ رسالته والتعاون والتناصر والاتفاق ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة وهم أولوا العزم وهو من باب عطف الخاص على العام وبدأ في هذه الآية بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه خاتم الأنبياء لشرفه صلى الله عليه وسلم ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا (7) أي كان روح عيس في تلك الأرواح (وقوله فأرسله) يعني روح عيسى (8) أي فحدث الربيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أبي بن كعب أن روح عيسى دخل في مريم من فمها والله أعلم (9) زاد الحاكم في المستدرك بعد ذكر هذه الآية (قال) وهو قوله تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله وذلك قوله (هذا نذير من النذر الأولى وقوله وما وجدنا لأكثرهم من عهد وان وجدنا أكثرهم لفاسقين وهو قوله - ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كان في علمه بما أقروا به

ص: 146

(سورة الأنفال)

(باب يسألونك عن الانفال الخ)(عن عبادة بن الصامت)(1) قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون فأكبت طائفة على العسكر يحوونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى اذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن الذين حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة واشتغلنا به فنزلت (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم) فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فواق (يعني على السواء) بين المسلمين قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أغار في أرض العدو نفل الربع واذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوى المؤمنين

من يكذب به ومن يصدق به فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم فأرسل ذلك الروح الى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا - إلى قوله مقضيا فحملته قال حملت الذي خاطبها وهو روح عيسى عليه السلام قال أبو جعفر فحدثني الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال دخل من فيها (أي دخل الروح في مريم من طرف الفم)(تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وقال رواه عبد الله بن الامام احمد في مسند أبيه قال ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردوية في تفاسيرهم من رواية أبي جعفر الرازي به وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد من علماء السلف سياقان توافق هذه الأحاديث اكتفينا بايرادها عن التطوير في تلك الآثار كلها وبالله المستعان قال فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة وأهل النار ثم ذكر كلاما كثيرا ذكرته بنصه في شرح الحديث الأول من كتاب التوحيد في الجزء الأول صحيفة 32 فارجع اليه والله الموفق (سورة الأنفال)(باب)(1) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب سبب نزول قول الله عز وجل يسألونك عن الأنفال من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 73 رقم 232 (أما تفسير الآية) فمعنى قوله عز وجل (يسألونك عن الأنفال) أي يسألك أصحابك يا محمد عن حكم الأنفال وعلمها وهو سؤال استفتاء لا سؤال طلب وقال الضحاك وعكرمة هو سؤال طلب وقوله عن الأنفال أي من الأنفال وعن بمعنى من وقيل عن صلة أي يسألونك الأنفال والأنفال هي الغنائم في قوله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأصله الزيادة سميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة من الله عز وجل لهذه الأمة على الخصوص وأكثر المفسرين على أنها نزلت في غنائم بدر ويؤيد ذلك حديث الباب وقال عطاء هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو امرأة أو متاع فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما يشاء (قل الأنفال لله والرسول) معنى الجمع بين ذكر الله والرسول ان حكمها مختص بالله ورسوله بأمر الله

ص: 147

على ضعيفهم (ومن طريق ثان)(1) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سألت عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن الأنفال (يعني سورة الأنفال) فقال فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء يقول عن السراء (عن سعد بن أبي وقاص)(2) قال لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيفة (3) فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم قال اذهب فاطرحه في القبض (4) قال فرجعت وبي مالا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبى قال فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اذهب فخذ سيفك (وعنه من طريق ثان)(5) قال يا رسول الله

بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها وليس الأمر في قسمتها مفوضا إلى رأي أحد (واختلف العلماء في حكم هذه الآية) فقال مجاهد وعكرمة السدي هذه الآية منسوخة فنسخها الله عز وجل بالخمس في قوله (واعلموا انما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) الآية وقيل كانت الغنائم لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها كيف شاء ولمن يشاء ثم نسخها الله بالخمس (وقال بعضهم) هذه الآية ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه وذلك أن الغنائم كانت حراما على الامم الذين من قبلنا في شرائع أنبيائهم فأباحها الله لهذه الأمة بهذه الآية وجعلها ناسخة لشرع من قبلنا ثم نسخت آية الخمس وقال عبد الرحمن ابن زيد أنها محكمة وهي احدى الروايات عن ابن عباس ومعنى الآية على هذا القول قل الأنفال لله والرسول يضعها حيث أمره الله وقد بين الله مصارفها في قوله (واعلموا انما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) الآية وصح من حديث ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فغنمنا ابلا فأصاب كل واحد منا اثني عشر بعيرا رواه (ق حم وغيرهم) فعلى هذا تكون الآية محكمة وللامام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس (فاتقوا الله) يعني اتقوا الله بطاعته واتقوا مخالفته واتركوا المنازعة والمخاصمة في الغنائم (وأصلحوا ذات بينكم) أي أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق وقال الزجاج معنى ذات بينكم حقيقة وصلكم والبين الوصل أي فاتقوا الله وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله به (وأطيعوا الله ورسوله) فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه من الغنائم وغيرها (ان كنتم مؤمنين) أي مصدقين بوعد الله ووعيده (1) تقدم هذا الطريق بسنده وشرحه في الباب المشار إليه سابقا من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 32 رقم 331 (تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي وأورده الهيثمي بطريقيه وقال رجال الطريقين ثقات (2)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو اسحاق الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي عن سعد بن أبي وقاص الخ (غريبه)(3) بفتح الكاف والكتيف السيف الصفيح أي العريض (4) القبض بالتحريك بمعنى المقبوض وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم (نه)(5)(سنده) حدثنا أسود بن عامر أنبأنا أبو بكر عن عاصم بن أبي النجود عن مصعب بن سعد عن سعد بن مالك قال يا رسول الله الخ (قلت) مالك والد سعد كنيته أبو وقاص فنسب في الطريق الأولى الى كنية أبيه وفي الطريق الثانية الى اسمه وسعد هذا هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبه كثيرة ومات بالعقيق سنة خمس وخمسين

ص: 148

قد شفاني (1) الله من المشركين فهب لي هذا السيف قال ان هذا السيف ليس لك ولا لي (2) ضعه قال فوضعته ثم رجعت قلت عسى أن يعطى (3) هذا السيف اليوم من لم يبل بلائي (4) قال فإذا رجل يدعوني من ورائي (5) قال قلت قد أنزل في شيء؟ قال كنت سألتني السيف وليس هو لي (6) وانه قد وهب لي (7) فهو لك قال وأنزلت هذه الآية (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول)(باب قوله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) الآية (عن عمر ابن الخطاب)(8) رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف (9) ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبل ثم مد يديه (10) عليه رداؤه وإزاره ثم قال اللهم أين ما وعدتني اللهم أنجز (11) ما وعدتني اللهم انك ان تهلك (12) هذه العصابة من أهل الاسلام فلا تعبد في الأرض أبدا قال فما زال يستغيث ربه عز وجل ويدعوه حتى سقط رداؤه فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال يا نبي الله كفاك (13) مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك وأنزل الله عز وجل (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب

على المشهور وهو آخر العشرة وفاة (1) اي شفا نفسي من المشركين ونصرني عليهم وهو من الشفاء البرء من المرض يقال شفاء الله يشفيه فنقله من شفاء القلوب والنفوس (2) أي لأنه من أموال الغنيمة التي لم تقسم (3) بصيغة المجهول (وقوله هذا السيف) نائب الفاعل ليعطي (4) مفعول ثان ليعطي أي من لم يعمل مثل عملي في الحرب كأنه يريد أن الحرب تظهر حال الرجل ان كان شجاعا أو جبانا وقد اختبرت أنا فظهر مني ما ظهر فأنا أحق لهذا السيف من الذي لم يختبر مثل اختباري (5) هذا الرجل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) جملة حالية أي سألتني السيف والحال أنه لم يكن لي (7) أي الآن (تخريجه) أورد الطريق الأولى منه الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه (حم ش) وابن جرير وابن مردوية وفيه انقطاع لأن محمد بن عبيد الله الثقفي لم يدرك سعدا وهو ثقة وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره بطريقيه وسكت عن الطريق الأولى وعزى الطريق الثانية لأبي داود والترمذي والنسائي من طرق عن أبي بكر ابن عياش به وقال الترمذي حسن صحيح (باب)(8)(سنده) حدثنا أبو نوح فراد أنبأنا عكرمة بن عمار حدثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب الخ (غريبه)(9) بفتح النون وتشديد التحتية مكسورة قال في النهاية ناف الشيء ينوف اذا طال وارتفع ونيف على السبعين في العمر اذا زاد وكل ما زاد على عقد فهو نيف بالتشديد وقد يخفف حتى يبلغ العقد الثاني (10) فيه استحباب استقبال القبلة في الدعاء ورفع اليدين وانه لا بأس برفع الصوت في الدعاء (11) من الانجاز أي احضر لي ما وعدتني من النصر يقال أنجز وعده اذا أحضره (12) قال النووي ضبطوا تهلك بفتح التاء وضمها فعلى الأول ترفع العصابة على أنها فاعل وعلى الثاني تنصب وتكون مفعولة والعصابة الجماعة اهـ قال الحافظ انما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبين فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعون إلى الايمان ولا استمر المشركون يعبدون غير الله فالمعنى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة (13) جاء في بعض الروايات كذاك بالذال وفي رواية البخاري حسبك وكله بمعنى كما صرح به الجزري والنووي (وقوله مناشدتك ربك) المناشدة السؤال مأخوذة من النشيد وهو رفع الصوت وضبطوا

ص: 149

لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (1) فلما كان يومئذ والتقوا فهزم الله عز وجل المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا الحديث (2)(باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)(عن مطرف)(3) قال قلنا الزبير رضي الله عنه يا ابا عبد الله ما جاء بكم ضيعتم الخليفة حتى قتل (4) ثم جئتم تطلبون بدمه (5) قال الزبير رضي الله عنه إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)(6)

مناشدتك بالرفع والنصب وهو الأشهر قال القاضي عياض من رفعه جعله فاعلا لكفاك ومن نصبه فعلى المفعول لما في حسبك وكفاك وكذاك من معنى الفعل من الكف قال العلماء هذه المناشدة انما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ليراه أصحابه بتلك الحال فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين إما العير وإما الجيش وكانت العير قد ذهبت وفاتت فكان على ثقة من حصول الأخرى ولكن سأل تعجيل ذلك من غير أذى يلحق المسلمين (1)(التفسير)(إذ تستغيثون ربكم) أي واذكر يا محمد إذ تستجيرون بربكم من عدوكم وتطلبون منه الغوث والنصر وفي المستغيثين قولان (أحدهما) أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه قال الزهري (والقول الثاني) أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وانما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم (فاستجاب لكم اني ممدكم) أي مرسل اليكم مددا وردءا لكم (بألف من الملائكة مردفين) قال البغوي قرأ أهل المدينة ويعقوب مردفين بفتح الدال أي أردف الله المسلمين وجاء بهم مددا وقرأ الآخرون بكسر الدال اي متتابعين بعضهم في إثر بعض يقال أردفته وردفته بمعنى تبعته يروى أنه نزل جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسة في صورة الرجال على خيل بلق عليهم ثياب بيض وعلى رءوسهم عمائم بيض قد أرخوا أطرفها بين أكتافهم وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناشد ربه عز وجل وقال أبو بكر أن الله سينجز لك ما وعدك خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع (اي الغبار) وروى البخاري والبغوي أيضا بسنده عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب وقال عبد الله بن عباس كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض ويوم حنين عمائم خضر ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا وروى عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا أنه قال بعد ما ذهب بصره لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة (2) الحديث له بقية وسيأتي بطوله وشرحه في باب سياق قصة غزوة بدر في حوادث السنة الثانية من كتاب السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية (باب)(3)(سنده) حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا شداد يعني ابن سعيد حدثنا غيلان بن جرير عن مطرف الخ (غريبه)(4) يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه (5) يعني يوم وقعة الجمل (6)(التفسير)(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) أي احذروا فتنة ان نزلت بكم لم تقتصر على الظالم خاصة بل تتعدى اليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح وأراد بالفتنة الابتلاء والاختبار قال الحسن نزلت هذه الآية في علي وعمار وطلحة والزبير وقال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما ترى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها يعني ما كان

ص: 150

لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت (ومن طريق ثان)(1) عن الحسن قال قال الزبير بن العوام نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) فجعلنا نقول ما هذه الفتنة وما نشعر انها تقع حيث وقعت (باب وإذ يمكر بك الذين كفروا الخ)(عن ابن عباس)(2) في قوله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك)(3) قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك (4) فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغاروبات

منهم في يوم الجمل وقال السدي ومجاهد والضحاك وقتادة هذا في قوم مخصوصين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أصابتهم الفتنة يوم الجمل وقال ابن عباس أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكريين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب فيصيب الظالم وغير الظالم وتفسير ابن عباس هذا يشير إلى أن الفتنة ليست خاصة ببعض الصحابة بل هي عامة لجميع الأمة في كل زمان وهو تفسير حسن تؤيده الأحاديث الصحيحة الواردة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الحافظ ابن كثير والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم وان كان الخطاب معهم هو الصحيح (1)(سنده) حدثنا اسود بن عامر حدثنا جرير قال سمعت الحسن قال قال الزبير بن العوام الخ (تخريجه) رواه الهيثمي وقال رواه أحمد باسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح يعني الطريق الأولى واورده أيضا الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للامام أحمد ثم قال قد رواه البزار من حديث مطرف عن الزبير وقال لا نعرف مطرفا روى عن الزبير غير هذا الحديث (قلت) وروى النسائي وابن جرير الطريق الثانية منه من طريق الحسن أيضا (باب)(2)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال وأخبرني عثمان الجزري أن مقسما مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله تعالى وإذ يمكر بك الخ (3)(التفسير) لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره يوم بدر على كفار مكة ذكره مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في نجاته من مكرهم واستيلائه عليهم فقال عز من قائل (و) اذكر يا محمد (إذ يمكر بك الذين كفروا) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة (ليثبتوك) أي يوثقوك بالحيال ويحبسوك وقد اشار بذلك أبو البختري بن هشام (أو يقتلوك) كلهم قتلة رجل واحد أشار بذلك أبو جهل (أو يخرجوك) من مكة وقد أشار بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي (ويمكرون) بك (ويمكر الله) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى الله إليك ما دبروه وأمرك بالخروج (والله خير الماكرين) أي أعلمهم به (4) أي بواسطة جبريل عليه السلام فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه واذن الله عز وجل له بالخروج إلى المدينة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يبيت في مضجعه وقال له اتشح ببردتي فإنه لن يخلص اليك منهم أمر تكرهه ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ قبضة من تراب وأخذ الله عز وجل أبصارهم عنه فخرج وجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرء (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا - إلى قوله فهم لا يبصرون) ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر وخلفه علي بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكانت الودائع تودع عنده لصدقه وأمانته وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في أبواب

ص: 151

المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا اليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا؟ قال لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا في الجمل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال (باب وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)(عن عقبة بن عامر)(1) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)(2) ألا إن القوة الرمى ألا أن القوة الرمى (باب ما كان لنبي أن يكون له أسرى الخ)(عن أنس بن مالك)(3) قال استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال ان الله عز وجل قد أمكنكم منهم قال فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ايها الناس ان الله قد أمكنكم منهم وإنما هم

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة من كتاب السيرة الذاتية (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب) وفيه عثمان بن عمرو الجزري وثقة ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردوية وأبي نعيم في الدلائل والخطيب والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا هارون بن معروف وسريج قال حدثنا ابن وهب قال سريج عن عمرو وقال هارون أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي تمامة بن شفى أنه سمع عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (2)(التفسير)(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) الاعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة اليه وللعلماء في المراد بالقوة أقوال (أحدها) أنها جميع أنواع الأسلحة والآلات التي تكون قوة في الحرب على قتال العدو (الثاني) أنها الحصون والمعاقل (الثالث) الرمى وقد جاءت مفسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب بقوله صلى الله عليه وسلم ألا أن القوة الرمى مرتين وفي رواية لمسلم ثلاثا وقد جاء في الرمى وفضله والحث عليه أحاديث كثيرة تقدمت في باب الرمى بالسهام وفضله من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 128 (الرابع) أن المراد بالقوة جميع ما يتقوى به في الحرب على العدو فكل ما هو آلة يستعان بها في الجهاد فهو من جملة القوة المأمور باستعدادها (وقوله صلى الله عليه وسلم ألا أن القوة الرمى) لا ينافي كون غير الرمى من القوة فهو كقوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة وقوله الندم توبة فهذا لا ينفي اعتبار غيره بل يدل على أن هذا المذكور من أفضل المقصود وأجله في زمنه صلى الله عليه وسلم أما في زماننا فيحمل معنى الآية على الاستعداد للقتال في الحرب وجهاد العدو بالآلات الحديثه كالبنادق والمدافع والطائرات والغواصات ونحو ذلك انظر كلامنا في ذلك في شرح آخر حديث من باب الرمى بالسهام الخ من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 130 تجد ما يسرك (ومن رباط الخيل) يعني اقتناءها وربطها للغزو في سبيل الله والربط شد الفرس وغيره بالمكان للحفظ وسمى المكان الذي يخص بإقامة حفظه فيه رباطا والمرابطة إقامة المسلمين بالثغور للحراسة فيها وربط الخيل للجهاد من أعظم ما يستعان به وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة انظر أبواب ما جاء في صفات الخيل وفضل اقتنائها الخ من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 131 (وترهبون به) أي تخوفون بتك القوة وبذلك الرباط (عدو الله وعدوكم) يعني الكفار (تخريجه)(م د مذ جه)(باب)(3)(سنده)

ص: 152

-[قوله عز وجل {لولا كتاب من الله سبق} الآية]-

إخوانكم بالأمس، قال فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء، قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، قال فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، قال وأنزل الله عز وجل {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم} إلى آخر الآية (1)(وعن عمر بن الخطاب)(2) رضي الله عنه بأطول من هذا وفيه أنزل الله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض- إلى قوله- لولا كتاب من الله سبق) الآية (قلت) بقيتها {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}

حدثنا علي بن عاصم عن حميد عن أنس قال استثار رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(1) سيأتي تفسير هذه الآية في الحديث التالي (تخريجه) لم أقف عليه من حديث أنس لغير الإمام أحمد وسنده صحيح وأورده الحافظ بن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد فقط (2) حديث عمر هذا تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب فداء أسرى بدر وما نزل من القرآن بسببه: من كتاب الجهاد في الجزء الرابع عشر صحيفة 102 رقم 292 (أما تفسير الآية) فقوله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} قرأ عاصم وأهل البصرة تكون بالتاء والباقون بالياء. وقرأ أبو جعفر أساري والآخرون أسرى والأسرى جمع أسير وأساري جمع الجمع، والمعنى ما كان ينبغي ولا يجب لنبي، وقال أبو عبيدة معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد، أي ما كان لنبي أن يحبس كافرًا قدر عليه وصار في يده أميرا للفداء والمن (حتى يثخن في الأرض) أي تخاف كثرة القتل والمبالغة فيه، والإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته يقال أثخنه المرض إذا اشتدت قوته عليه، والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر، فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأساري بعد ذلك (تريدون عرض الدنيا) الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا دوام فكأنها تعرض ثم تزول، بخلاف منافع الآخرة فإنها دائمة لا انقطاع لها (والله يريد الآخرة) يعني أنه عز وجل يريد بكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم الدين لأنها دائمة لا زوال لها ولا انقطاع (والله عزيز) لا يقهر ولا يغلب (حكيم) في تدبير مصالح عباده (لولا كتاب من الله سبق) قال ابن عباس كانت الغنائم حراما على الأنبياء والأمم وكانوا إذا أصابوا شيئا من الغنائم جعلوه للقربان فكانت تنزل نار من السماء فتأكله، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمن في الغنائم وأخذوا الفداء فأنزل الله عز وجل {لولا كتاب من الله سبق} يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم، وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق أن يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم (وقال ابن جرير) لولا كتاب من الله سبق أن لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون الآية وأنه لا يأخذ قوما فعلوا الأشياء بجهالة (وقال بعض السلف) لولا حكم من الله سبق أن لا يعذب أحد على العمل بالاجتهاد وكان هذا اجتهادا منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد وخفى عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم، وهذا القول وجيه ينطبق على وجهة نظرهم رضي الله عنهم (لمسكم) أي

ص: 153

-[فداء أسرى بدر ومشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في شأنهم]-

(سورة التوبة)(باب سبب عدم وجود البسملة في أولها)

(عن ابن عباس)(1) قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني (2)

لنالكم وأصابكم (فيما أخذتم) من الفداء قبل أن تؤمروا به (عذاب عظيم) قال ابن إسحاق لمن يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلا أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسرى، وسعد بن معاذ قال يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منهم غير سعد بن معاذ (وفي الباب) عند الإمام أحمد أيضا قال حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ قال فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واسنأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم، قال وقال عمر يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم، قال وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارا، قال فقال العباس قطعت رحمك، قال فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا، قال فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس يأخذ بقول عمر، وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون الين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال (من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال (رب اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال (رب اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق، قال عبد الله فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام، قال فسكت، قال فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء في ذلك اليوم حتى قال إلا سهيل بن بيضاء، قال فانزل الله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الحياة الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب اعظيم} (تخريجه) رواه أيضا الحاكم في المستدرك وصححه وأقره المذهبي ورواه الترمذي مختصرا وقال هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وأورده الحافظ ابن كثير في التفسير ولم يذكر له علة (قلت) له شواهد كثيرة تعضده (ملاحظة) جاء في هذا الحديث (قال عبد الله فقلت يا رسول الله الاسهيل بن بيضاء) وكذلك عند الحاكم والترمذي وغيرهم لكن نقل الحافظ في الإصابة عن ابن إسحاق ما يفيد إن سهل بن بيضاء أخو سهيل وفي الإصابة أيضا قال أبو عمر أسلم سهل بمكة فكتم إسلامه فأخرجته قريش من بدر فأسر يومئذ فشهد له بن مسعود أنه رآه يصلي بمكة، وعلى هذا فصاحب القصة في هذا الحديث هو سهل لا سهيل والله أعلم.

(باب)(1)(سنده) حدثنا بن سعيد حدثنا سعيد حدثنا عوف حدثنا يزيد يعني الفارسي، قال أبي أحمد بن حنبل وحدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن يزيد قال قال لنا ابن عباس قلت لعثمان ابن عفان الخ (غريبه)(2) قال في النهاية المثاني السورة التي تقصر عن المئين وتزيد على المفصل كأن المئين

ص: 154

-[سبب عدم وجود البسملة في أول سورة التوبة]-

وإلى براءة وهي من المئين (1) فقرنتم بينهما ولم يكتبوا، قال ابن جعفر (2) بينهما سطرا بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان (3) ينزل عليه من السور ذوات العدد، وكان إذا أنزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده (4) بقول ضعوا هذه السورة التي يذكر فيها كذا وكذا: وينزل عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا (5) وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن (6) فكانت قصتها شبيهة بقصتها (7) فقبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولم يبين لنا أنها منها (8) وظنت أنها منها (9) فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطرا بسم الله الرحمن الرحيم (10) قال ابن جعفر ووضعتها في السبع الطوال (11)

جعلت مبادي والتي تليها مثاني (وقوله وإلى براءة) هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة قاله الحافظ (1) أي ذوات مائة آية، قال في مجمع بحار الأنوار أول القرآن السبع الطول ثم ذوات المثين أي ذوات مائة آية ثم المثاني ثم المفصل اهـ والمئين جمع مائة، ولو قلت مئات جاز (2) هو أحد رجال السند الثاني لهذا الحديث يعني أنه قال ولم تكتبوا بينهما سطرا بسم الله الرحمن الرحيم الخ (3) أي الزمان الطويل لم ينزل عليه شيء، وربما يأتي عليه الزمان (ينزل عليه) بصيغة المجهول (4) أي يكتب الوحي كزيد بن ثابت ومعاوية وغيرهما (5) يستفاد من هذا أن ترتيب الآيات توقيف وعليه الإجماع والنصوص المترادفة، وأما ترتيب السور فمختلف فيه (6) تقدم الكلام على ذلك في باب آخر ما نزل من سور القرآن وآياته في هذا الجزء ص 54 (7) يعني قصة براءة شبيهة بقصة الأنفال ويجوز العكس، ووجه كون قصتها شبيهة بقصتها أن في الأنفال ذكر المهود وفي براءة تبذها فضمت إليها (8) أي لم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن التوبة من الأنفال أو ليست منها (9) معناه ظن أن التوبة من الأنفال وكأن هذا مستند من قال إنهما سورة واحدة فعند أبي يعلى عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سفيان وابن لهيعة كانوا يقولون إن براءة من الأنفال، ولهذا لم تكتب البسملة بينهما مع اشتباه طرقهما، وعن ابن عباس لم تكتب البسملة في براءة لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف: وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت معه البسملة، فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها، وقيل إنها ثابتة أولها في مصحف ابن مسعود ولا يعول على ذلك كذا في المرقاة (10) أي لعدم العلم بأنها سورة مستقلة لأن البسملة كانت تنزل عليه صلى الله عليه وسلم للفصل ولم تنزل ولم أكتب (11) يعني أن ابن جعفر زاد في روايته أن عثمان قال ووضعتها في السبع الطوال (قال الطيبي) دل هذا الكلام على أنهما نزلتا منزلة سورة واحدة وكمل السبع الطوال بها، ثم قيل السبع الطوال هي البقرة وبراءة وما بينهما وهو المشهور (تخريجه)(د نس مذ حب ك) وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وفي إسناده يزيد الفارسي ذكره البخاري في كتاب الضعفاء الصغير لاشتباهه في اسمه هل هو ابن هرمز أو غيره، وقال الترمذي بعد قوله هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس: قال ويزيد الفارسي هو من التابعين من أهل البصرة اهـ (قلت) وحيث أنه انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به في ترتيب القرآن الذي يطلب فيه التواتر، لا سيما وقد قال الخطيب في كتاب الكفاية لا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم

ص: 155

-[بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بسورة براءة لأهل مكة وتفسير الآية الأولى منها]-

(عن زيد بن يثيع)(1) عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة (2) لأهل مكة لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة فأجله إلى مدته (3) والله بريء من المشركين ورسوله (4) قال فسار بها ثلاثا ثم قال لعلي ألحقه، فرد علي أبا بكر وبلغها أنت، قال ففعل (5) قال فلما قدم علي النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر بكى. قال يا رسول الله حدث في شيء؟

القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنة وكل دليل مقطوع به اهـ وكثيرا ما يضعف أئمة الحديث راويا لانفراده برواية حديث يخالف المشهور من الروايات والله أعلم (1)(سنده) حدثنا وكيع قال قال إسرائيل قال أبو إسحاق عن يزيد بن يثيع عن أبي بكر الخ (قلت) يثيع بضم الياء التحتية وفتح الثاء المثلثة بعدها تحتية ساكنية ثم عين مهملة تابعي ثقة (غريبه)(2) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره أول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا وأن ينادي في الناس (براءة من الله ورسوله) فلما قفل اتبعه بعلي بن أبي طال ليكون مبلغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له، وقال الإمام البغوي قال المفسرون لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك كان المنافقون يرجفون الأراجيف وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره الله عز وجل بنقض عهودهم وذلك قوله عز وجل {وإما تخافن من قوم خيانة} الآية قال الزجاج (براءة) أي قد برئ الله ورسوله من إعطائهم العود والوفاء لهم بها إذا نكثوا {إلى الذين عاهدتهم من المشركين} الخطاب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عاهدهم وعاهدهم لأنه عاهدهم وأصحابه راضون بذلك فكأنهم عاقدوا وعاهدوا (فسيحوا في الأرض) رجع من الخبر إلى الخطاب أي قل لهم سيحوا في الأرض أي سيروا فيها مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين أحدًا من المسلمين {أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله} أي غير فائتين ولا سابقين {وأن الله مخزي الكافرين} أي مذلهم بالقتل والعذاب في الآخرة (3) زاد الترمذي (من لم يكن له عهدا فأجله أربعة أشهر) قال الحافظ استدل بهذا على أن قوله تعالى {فسيروا في الأرض أربعة أشهر) يختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهد أصلا، أما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته، فروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال هم صنفان: صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر، وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر اهـ وكانت ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر أي يوم النحر على الأصح، وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر ثم هو بعد ذلك حرب لله ولرسوله يقتل حيث أدرك ويؤسر إلا أن يتوب ويرجع إلى الإيمان، وقيل إن المقصود من هذا التأجيل أن يتفكروا ويحتاطوا لأنفسهم ويعلموا أن ليس لهم بعد هذه المدة إلا الإسلام أو القتل فيصير هذا داعيا لهم إلى الدخول في الإسلام، ولئلا ينسب المسلمون إلى الغدر ونكث العهد (4) أي بعد انقضاء المدة إن لم يرجعوا إلى الإسلام (5) سيأتي في الحديث التالي عن علي قال نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فبعثه بها ليقرأ على أهل مكة ثم دعاني النبي

ص: 156

-[بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى أهل مكة ليقرأ عليهم سورة براءة بدل أبي بكر وسبب ذلك]-

قال ما حدث فيك إلا خير، أمرت (1) أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني (ز)(عن علي رضي الله عنه (2) قال لما نزلت عشر آيات (3) من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة (4) ثم دعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر رضي الله عنه (5) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله نزل في شيء؟ قال لا ولكن جبريل

صلى الله عليه وسلم فقال أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم فلحقته بالجحفة (بضم الجيم وسكون المهملة قرية على نحو سبع مراحل من المدينة ونحو ثلاث مراحل من مكة وهي ميقات أهل الشام ومصر) فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (قال الحافظ ابن كثير) ليس المراد أن أبا بكر رجعل من فوره بل المراد رجع من حجته (قال الحافظ) ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة، وأما قوله عشر آيات فالمراد أولها إنما المشركون نجس اهـ (1) أي أمره الله عز وجل بطريق الوحي كما في الحديث التالي. ولا يعد هذا طعنا في الصديق، وسيأتي الكلام على ذلك في الحديث التالي (تخريجه) الحديث سنده صحيح ولم أقف عليه من حديث أبي بكر لغير الإمام أحمد، وله شواهد كثيرة تعضده (منها) عند البخاري والإمام أحمد أيضا من حديث أبي هريرة وسيأتي في حوادث السنة التاسعة في باب حج أبي بكر وبعث علي إلى أهل مكة براءة من كتاب السيرة النبوية (ومنها) حديث أنس عند الترمذي والإمام أحمد أيضا وسيأتي في الباب المشار إليه (ومنها) حديث ابن عباس عند الترمذي أيضا (ومنها) أحاديث الباب الآتية والله أعلم (ز)(2)(سنده) حدثنا محمد بن سليمان لوين حدثنا محمد بن جابر عن سماك عن حنش عن علي قال لما نزلت عشر آيات الخ (غريبه)(3) قال الحافظ أولها (إنما المشركون نجس) كما تقدم (4) جاء عند ابن جرير الطبري من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب وغيره قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع وبعث عليا بثلاثين أو أربعين آية من براءة، وروى أيضا من طريق أبي الصهباء قال سألت عليا عن يوم الحج الأكبر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر يقيم الناس الحج وبعثني بعده بأربعين آية من براءة حتى أتى عرفة فخطب ثم التفت إلي فقال يا علي قم فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فقرأت أربعين آية من أول براءة ثم صدرنا حتى رميت الجمرة فطفقت اتتبع بها الفساطيط اقرؤها عليهم لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة (5) قال الإمام البغوي في تفسيره فإن قال قائل كيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ثم عزله وبعث عليا رضي الله عنه (قلنا) ذكر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزل أبا بكر رضي الله عنه وكان أميرا، وإنما بعث عليا رضي الله عنه لينادي بهذه الآيات، وكان السبب فيه أن العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العهود ونقضها أن لا يتولى ذلك إلا سيدهم أو رجل من رهطه. فبعث عليا رضي الله عنه إزاحة للعلة لئلا يقولوا هذا فلان ما نعرفه فينا في نقض العهد: واستدل على أن أبا بكر كان هو الأمير بحديث أبي هريرة عند البخاري والإمام أحمد وسيأتي في باب حج أبي بكر وبعث على إلى أهل مكة ببراءة في حوادث السنة التاسعة من

ص: 157

-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وقوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة- الحديث]-

جاءني فقال لي أن يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك (1)(ز)(وعنه م طريق ثان)(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه ببراءة قال يا نبي الله إني لست باللسن (3) ولا بالخطيب، قال ما بد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت: قال فإن كان ولابد فسأذهب أنا، قال فانطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك، قال ثم وضع يده على فمه (عن زيد بن أثيع)(4) رجل من همدان سألنا عليا رضي الله عنه بأي شيء بعثت؟ يعني يوم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه في الحجة؟ قال بعثت بأربع، لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة (5) ولا يطرف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم

كتاب السيرة النبوية قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (قال حميد) ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة فأذن معنا على في أهل من يوم النحر (ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)(1) زاد في رواية عند ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار وأنك معي على الحوض؟ قال بلى يا رسول الله، فسار أبو بكر أميرا على الحج وعلي بن أبي طالب يؤذن ببراءة الحديث (2)(سنده) حدثني أبو بكر حدثنا عمرو بن حماد عن أسباط بن نصر عن سماك عن حنش عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه ببراءة الخ (3) بكسر السين المهملة ذو البيان والفصاحة (تخريجه) أورد الطريق الأولى منه الحافظ الهيثمي وقال رواه عبد الله بن أحمد وفيه محمد بن جابر السحيمي وهو ضعيف وقد وثق، وأورده الحافظ ابن كثير في التفسير وقال هذا إسناد فيه ضعيف قال وليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره بل بعد قضائه للمناسك التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورده أيضا الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لأبي الشيخ وابن مردويه، وأورده ابن جرير في تفسير عن علي أيضا وذكر له شواهد من حديث أبي سعيد وابن عمر، وروى نحوه الترمذي عن ابن عباس وأنس وحسنه، وأورده الطريق الثانية منه الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد فقط ولم أقف على من أخرجها غيره وسندها حسن والله أعلم (4) (سنده) حدثنا سفيان عن ابن إسحاق عن زيد بن اثيع الخ (قلت) اثيع بهمزة مضمومة ثم مثلثة مفتوحة بعدها ياء ساكنة ويقال فيه يثيع بالياء التحتية بدل الهمزة وتقدم الكلام عليه في شرح الحديث الثاني من أحاديث الباب قال في تهذيب التهذيب قال الأثرم عن أحمد المحفوظ بالياء وصوبه ابن معين (غريبه) (5) أن قيل ما فائدة قوله (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) أجيب بأن الإعلام بأن المشرك بعدها لا يقبل منه بعد هذا غير الإيمان لقوله تعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وليس المراد بالأشهر الحرم الأشهر المعلومة التي آخرها المحرم: بل المراد مضى المدة التي أبيح فيها للناكثين أن يسيحوا، قال مجاهد ومحمد ابن إسحاق هي شهور العهد سميت حر ما لحرمة نقص العهد فيها، وتقدم الكلام على ذلك مفصلا في شرح حديث أبي بكر قبل حديث (أما قوله ولا يطوف بالبيت عريان) فقد ذكر ابن إسحاق سبب هذا الحديث فقال أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد لمن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها، فجاء الإسلام فهدم ذلك كله (قال في المرقاة) وفي الحديث رد لما كان يفعله أهل الجاهلية من الطواف بالبيت مع العري زعما منهم

ص: 158

-[سبب نزول قوله تعالى {أجعلتم سقاية الحاج} الآية وتفسيرها]-

عهد فعهده إلى مدته (1) ولا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا (2)(باب أجعلتم سقاية الحاج الخ)(خط)(عن النعمان بن بشير)(3) قال كنت إلى جانب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج، وقال آخر ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم (4) فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه: فأنزل الله عز وجل {أجعلتم سقاية الحاج (5) وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الآخر) إلى آخر الآية كلها

أنهم لا يعبدون ربهم في ثياب أذنبوا فيها وللإيماء إلى كمال التجريد عن الذنوب أو تفاؤلا بالتعري عن العيوب (1) تقدم الكلام على ذلك في شرح الحديث الثاني من أحاديث الباب (2) قال الحافظ هو منتزع من قوله تعالى {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام ولو لم يقصدوا الحج، ولكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه فيكون ما وراءه أولى بالمنع، والمراد بالمسجد الحرام هذا الحرم كله، وأما ما وقع في حديث جابر فيما أخرجه الطبري وابن إسحاق في مسنده والنسائي والدرامي كلاهما عنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج حدثني عبد الله بن عثمان بن خيئم عن أبي الزبير عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرافة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فسمع رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا علي عليها فقال له أمير أو رسول؟ فقال بل أرسلني رسول الله صلى الله عليه سولم ببراءة اقرؤها على الناس فقدمنا مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس بمناسكهم حتى إذا فرغ قام علي قرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر كذلك ثم يوم النفر كذلك: فيجمع بأن عليا قرأها كلها في المواطن الثلاثة، وأما في سائر الأوقات فكان يؤذن بالأمور المذكورة أن لا يحج بعد العام مشرك الخ وكان يستعين بأبي هريرة وغيره في الأذان بذلك (تخريجه)(مذ نس ص) وابن جرير، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (باب)(خط)(3)(سنده) قال عبد الله بن الإمام أحمد وجنث في كتاب أبي بخط يده كتب إلى الربيع بن نافع أبو توبة يعني الحلبي فكان في كتابه حدثنا معاوين بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال حدثني النعمان بن بشير قال كنت إلى جانب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(4) لم يذكر في الحديث أسماء القائلين ذلك، وقد روى ابن جرير بسنده عن أبي صخر قال سمعت محمد بن كعب القرظي يقول افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه، وقال العباس أنا صاحب السقاية وللقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد، فقال علي رضي الله عنه ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله عز وجل أجعلتم سقاية الحاج الآية كلها اهـ. (قلت) وكذلك قال الحسن والشعبي فالظاهر أن هؤلاء الثلاثة هم الذين أبهمت أسماؤهم في الحديث والله أعلم (5)(التفسير)(أجعلتم سقاية الحاج) السقاية مصدر كالرعاية والحماية وهي سقيي الحاج وكان العباس ابن عبد المطلب بيده سقاية الحاج، وكان يليها في الجاهلية، فلما جاء الإسلام وأسلم العباس أقره النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 159

-[سبب نزول قوله تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات} وذم الخوارج]-

(باب ومنهم من يلمزك في الصدقات الخ)(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن)(1) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة (2) التيمي فقال اعدل يا رسول الله، فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دعه فإن له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه (3) فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نضيته (4) فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في رصانه (5) فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء (6) قد سبق الفرث والدم، منهم رجل أسود

على ذلك (وعمارة المسجد الحرام) يعني بناءه وتشييده ومرمته (كمن آمن بالله واليوم الآخر) فيه حذف تقديره كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر (وجاهد في سبيل الله) أي وكجهاد من جاهد في سبيل الله، وقيل السقاية والعمارة بمعنى الساقي والعامر تقديره أجعلتم ساقي الحاج وعامر المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله (لا يستوون عند الله) يعني لا يستوي حال هؤلاء الذين آمنوا بالله وجاهدوا في سبيل الله بحال من سقى الحاج وعمر المسجد الحرام وهو مقيم على شركه وكفره لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل عملا إلا مع الإيمان به (والله لا يهدي القوم الظالمين) الكافرين، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي ونفك العاني (يعني الأسير) قال الله عز وجل {أجعلتم سقاية الحاج- إلى قوله والله لا يهدي القوم الظالمين} يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك، وقال الضحاك بن مزاحم أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك فقال العباس أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب بالبيت ونسقي الحاج فأنزل الله أجعلتم سقاية الحاج الآية (تخريجه) ورده الحافظ ابن كثير في تفسير بسند حديث الباب وقال رواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه اهـ (قلت) وقد غفل الحافظ ابن كثير عن غزره للإمام أحمد مع حرصه الشديد على روايته والكمال لله وحده (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الخ (غريبه)(2) هكذا في الأصل (ابن ذي الخويصرة) وجاء عند الشيخين وغيرهما ذو الخويصرة بغير لعظ ابن وهو رجل من زعماء الخوارج اسمه حرقوص بن زهير السعدي من بني تميم (3) القذذ بضم القاف ريش السهم واحدتها قذة (نه)(4) جاء عند مسلم (نضيه) قال في القاموس النضي كغنى السهم بلا نصل ولا ريش وفسر في الحديث عن مسلم بالفدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة قال في النهاية القدح بالكسر السهم الذي كانوا يستقسمون به أو الذي يرمي به عن القوس (قلت)(وهو المراد هنا) قال يقال السهم أول ما يقطع قطع ثم ينحت ويبرى فيسمى بريا ثم يقوم فيسمى قد حائم يراش ويركب نصله فيسمى سهما (5) قال النووي أما الرصاف فبكسر الراء وبالصاد المهملة وهو مدخل النصل من السهم (والنصل) هو حديدة السهم، والقدح عوده، والقذذ بضم القاف وبذالين معجمتين وهو ريش السهم (6) راجع لجميع ما تقدم

ص: 160

-[ما جاء في المؤلفة قلوبهم وقسم الصدقات]-

في إحدى يديه (1) أو قال إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة (2) تدردر، يخرجون على حين فترة (3) من الناس فنزلت فيهم (4){ومنهم من يلمزك في الصدقات} الآية (5) قال أبو سعيد رضي الله عنه أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن عليا حين قتله وأنا معه جيء بالرجل على النعت (6) الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب المؤلفة قلوبهم)(عن أبي سعيد أيضا)(7) قال كان المؤلفة قلوبهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، علقمة بن علاثة الجعفري والأقرع بن حايس الحنظلي وزيد الخيل (8) الطائي وعيينة بن بدر الفزاري (9) قال فقدم علي بذهبة (10) من

والمعنى فينظر في قذذه ونضيته ورصافه ونصله فلا يوجد فيه شيء أي من دم الصيد أو فرثه (وقوله قد سبق الفرث والدم) أي أن السهم قد جاوزهما ولم يعلق فيه منهما شيء، والفرث اسم ما في الكرش: وهذا تمثيل لخروجه من الدين بحيث لم يعلق به من الدين شيء كما لم يعلق السهم شيء من دم الرمية نعوذ بالله من ذلك (1) جاء عند مسلم (إحدى عضديه)(2) البضعة بفتح الباء الموحدة القطعة من اللحم وقوله (تدردر) معناه تضطرب وتذهب وتجيء (3) جاء عند مسلم وغيره على حين فرقة من الناس بضم الفاء أي في زمان افتراق الناس وهو الافتراق الواقع بين المسلمين بعد وقعة صفين (وجاء في رواية) على خير فرقة بكسر الفاء وخير الفرقة هم فرقة على رضى الله عنه فإنهم خرجوا عليه وهو قتلهم كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم تقتلهم أولى الطائفتين بالحق رواه (م حم) وغيرهما (4) هذا سبب من أسباب نزول الآية (وقال قتادة) ذكر لنا أن رجلا من أهل البادية حديث عهد بأعرابية أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم ذهبا وفضة فقال يا محمد والله لئن كان الله أمرك أن تعدل فما عدلت، فقال صلى الله عليه وسلم ويلك فمن ذا يعدل يعدي، وقال ابن زيد قال المنافقون والله ما يعطيها محمد إلا من أحب، ولا يؤثر بها إلا من يهراه فأنزل الله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات (5)(التفسير)(ومنهم) ومن المنافقين وغيرهم ممن تقدم ذكرهم (من يلمزك في الصدقات) قرأ يعقوب بضم الميم من يلمزك، وقرأ الباقون بكسرها، وهما لغتان أي يعيبك في قسم الصدقات وفي تفريقها ويطغى عليك في أمرها، يقال همزه ولمزه بمعنى واحد أي عابه (فإن أعطوك منها) يعني من الصدقات (رضوا) يعني (رضوا) يعني رضوا عنك في قسمتها (وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) يعني وإن لم تعطهم منها عابوا عليك وسخطوا (6) أي على الصفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بها (تخريجه)(ق. وغيرهما)(باب)(7)(سنده) حدثنا وكيع ثنا أبي عن سعيد بن مسروق عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخ (غريبه)(8) جاء في رواية لمسلم "وزيد الخير" بالراء بدل اللام، وله في رواية أخرى "وزيد الخيل" باللام كما هنا قال النووي كذا في جميع النسخ الخير والراء وفي الرواية التي بعدها زيد الخيل باللام وكلاهما صحيح يقال بالوجهين، كما يقلل له في الجاهلية زيد الخيل فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام زيد الخير (9) هؤلاء الأربعة أسلموا وكانت نيتهم ضعيفة وكانوا من أشراف العرب، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم لتقوى رغبتهم في الإسلام (10) أي بقطعة ذهب ولفظ البخاري (بذهيبة) على صيغة التصغير أي بقطعة صغيرة (وقوله بترتبها) صفة لذهبة يعني أنها غير مسبوكة لم تخلص من ترابها (تخريجه)(ق لك. وغيرهم) هذا واعلم أني عقدت هذا الباب لمناسبة ذكر المؤلفة قلوبهم في الحديث، وقد ذكرهم الله عز وجل في قوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله

ص: 161

-[قوله تعالى {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} - وقوله {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}]-

اليمن بتربتها فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهم (باب قوله عز وجل استغفر لهم أو لا تستغفر لهم الخ- قوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) الآية (عن عمر بن الخطاب)(1) رضي الله عنه قال لما توفي عبد الله بن أبي (2) دعيى رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه (3) فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا وكذا يعدد أيامه (4) قال ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال أخر عني يا عمر (5) إني خيرت فاخترت وقد قيل (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم)(6) لو أعلم أني إن زدت على الستين غفر له لزدت، قال ثم صلى عليه (7) ومشى معه فقام

وابن السبيل فريضة من الله، والله عليم حكيم} فهؤلاء ثمانية أصناف، وقد عقدت لكل صنف منهم بابا فيه ما يختص بكل واحد منهم من تفسير وأحكام ترجمت لها بأبواب تقسيم الصدقة من كتاب الزكاة في الجزء التاسع صحيفة 48 فارجع إليه تجد ما يسرك، (أما سبب نزول الآية) فهو اعتراض المنافقين الجهلة والخوارج على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات كما تقدم في الباب السابق، لما كان ذلك بين الله عز وجل أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجرأها لهؤلاء المذكورين كما رواه الإمام أبو داود في سننه بسنده عن زياد بن الحارث الصدائي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة، فقال له إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا يعقوب حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب يقول ما توفي عبد الله بن أبي الخ (غريبه)(2) هو عبد الله بن أبي ابن سلول، قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات وسلول أم عبد الله، فلهذا قال العلماء الصواب في ذلك أن يقال عبد الله بن أبي ابن سلول بالرفع بتنوين أبي وكتابة ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله لأنه صفة له لا لأبي، وكان عبد الله بن أبي رأس المنافقين ونزل في ذمه آيات كثيرة مشهورة، وهو والد عبد الله الرجل الصالح الصحابي الجليل، فسبحان من فرن بينهما فجعل هذا سعيدا وذاك شقيا وله في ذلك حكم (3) الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه هو ابنه عبد الله الرجل الصالح الصحابي (4) أي يعدد مساويه (فمنها) نزول معظم سورة المنافقين فيه وفي أصحاب وهو رأسهم (ومنها) قوله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل (ومنها) أنه أول من خاض في مسألة الإفك وقذف عائشة وأول من أشاعه وغير ذلك كثير (5) أي تأخر عني، وقيل أخر عني رأيك (وقوله إني خيرت) أي بين الاستغفار وعدمه (6)(التفسير)(استغفر لهم) يا محمد (أو لا تستغفر لهم) تخير له في الاستغفار وتركه (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) قيل المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار، وقيل المراد العدد المخصوص لقوله صلى الله عليه وسلم لو أعلم أني زدت على السبعين غفر له لزدت، فبين له حسم المغفرة بقوله تعالى في آية أخرى {سواء عليهم استغفرت لهم أم لا تستغفر لهم} كما في رواية البخاري (7) إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه إجراءا له على ظاهر حكم الاستغفار واستئلافا لقومه لاسيما ولم يقع نهي صريح عن الصلاة على المنافقين فاستعمل أحسن

ص: 162

-[صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي وما نزل في ذلك]-

على قبره (1) حتى فرغ منه قال فعجب لي وجراءتي (2) على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم، قال فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا (3) ولا تقم على قبره، أنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل (عن ابن عمر)(4) قال لما مات عبد الله ابن أبي (5) جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه (6) وقال آذني به (7) فلما ذهب ليصلي عليه قال يعني عمر رضي الله عنه قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين (8) فقال أنا بين خيرتين (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) فصلى عليه فأنزل الله عز وجل (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) قال فتركت الصلاة عليهم (9)(باب ولا على الذين إذا ماتوا أتوك لتحملهم) الآية (عن عبد الله بن مغفل)(10) وكان أحد الرهط (11) الذين نزلت فيهم هذه الآية (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم-

الأمرين في السياسة حتى كشف الله تعالى على الغطاء ونهى فانتهى (1) أي عند دفنه (3) بفتحات وجاء عند الترمذي بلفظ (فعجب لي وجرأتي) بضم الجيم وسكون الراء أي إقدامي عليه، وجاء عند البخاري (فعجبت بعد من جرأتي)(بضم الجيم وسكون الراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)(التفسير)(ولا تصل على أحد منهم) أي من المنافقين صلاة الجنازة (مات أبدا) وهذا النهي عام في كل من عرف نفاقه وإن كان سبب النزول خاصا بعبد الله بن أبي رأس المنافقين (ولا تقم على قبره) أي لدفن أو زيارة أي لا تقف عليه ولا تتول دفنه، من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وناب عنه فيه {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} وهذا تعليل لسبب المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره (تخريجه)(خ نس جه)(4)(سنده) حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر الخ (غريبه)(5) كان موته في ذي القعدة سنة تسع بعد منصرفهم من تبوك وكان قد تخلف عنها، كذا نقله الحافظ عن الواقدي وإكليل الحاكم (6) الإعطاء إنما وقع لابنه العبد الصالح، وروى البغوي عن أبي هريرة قال كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان، فقال له ابن عبد الله يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك، قال البغوي وروى عن جابر قال لما كان يوم بدر أتى بالأسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فودوا قميص عبد الله يقدر عليه (وفي رواية فلم يوجد على تفصيله إلا ثوب عبد الله ابن أبي لأنه كان ضخما طويلا) فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه عبد الله، قال ابن عيينة كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم يدفأ فأحب أن يكافئه: وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله شيئا والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه، وروى أنه أسلم به ألف من قومه لما رأوه يتبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم (7) أعلمني الذي تريد أن أًلي عليه فيه (8) قيل لعله قال ذلك بطريق الإلهام لأنه كان من الملهمين وإلا فلم يتقدم نهى عن الصلاة على المنافقين كما يرشد إليه قوله في آخر هذا الحديث فأنزل الله عز وجل (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا)(9) تقدم الكلام على ذلك في شرح الحديث السابق (تخريجه)(ق وغيرهما)(باب)(10)(سنده) حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أو عن غيره عن عبد الله بن مغفل الخ (غريبه)(11) الرهط من الرجال ما دون العشرة والرهط عشيرة الرجل وأهله (قال البغوي) في تفسيره

ص: 163

-[تفسير قوله تعالى (وجاء المعذرون من الأعراب- إلى قوله {أن لا يجدوا ما ينفقون}]-

إلى آخر الآية) (1) قال إني لآخذ بغصن من أغصان الشجرة أظلل به على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبايعونه فقالوا أنبايعك على الموت قال لا ولكن لا تفروا (باب ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) إلى آخر الآيتين (حدثنا وكيع)(2) عن سفيان (ح)(3) وحدثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن أبي إسحق (4) عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان (5) فقلت تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال أليس قد استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك؟ قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} (6) إلى آخرين الآيتين قال عبد الرحمن فأنزل الله (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن

هم سبعة نفر سموا البكائين معقل بن يسار. وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب الأنصاري وعليه بن زيد الأنصاري وسالم بن عمير. وثعلبة بن غنم وعبد الله بن مغفل المزني أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن الله قد ندبنا للخروج معك فاحملنا (1)(التفسير) أول هذه القصة قوله تعالى (وجاء المعذرون) بإدغام التام في الذال في الذال أي المعتذرون بمعنى المعذورين وقرئ به (من الأعراب) إلى النبي صلى الله عليه وسلم (ليؤذن لهم) في القعود لعذرهم فأذن لهم (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار فأوعدهم الله بقوله {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم} ثم ذكر أهل العذر فقال جل ذكره (ليس على الضعفاء) قال ابن عياض يعني الزمني والمشايخ والعجزة، وقيل هم الصبيان وقيل النسوان، ولا مانع من إرادة الجميع (ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون) يعني الفقراء (حرج) مأثم وقيل ضيق في القعود عن الغزو (إذا نصحوا لله ورسوله) في مغيبهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وبايعوا الرسول (ما على المحسنين من سبيل) أي من طريق بالعقوبة (والله غفور رحيم) ثم قال تعالى {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} معناه أنه لا سبيل على الأولين أي لا إثم ولا حرج على الأولين ولا على الذين أتوك لتحملهم وهم سبعة نفر تقدم ذكرهم (وقد اختلف العلماء) في قوله {لتحملهم} قال ابن عباس سألوه أن يحملهم على الدواب، وقيل سألوه أن يحملهم على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة ليغزوا معه فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر عنه في قوله تعالى {قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا} وهم يبكون فذلك قوله تعالى {تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون} ومثل هؤلاء لا يحرمون من ثواب الجهاد. فقد روى الشيخان والإمام أحمد من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ولا سرتم سيرا إلا وهم معكم، قالوا وهم بالمدينة؟ قال نعم حبسهم العذر (تخريجه) أخرجه ابن جرير في تفسيره وابن إسحاق في سيرته وسنده لا بأس به (باب)(2)(حدثنا وكيع الخ)(غريبه)(3) رمز له بحرف حاء إشارة إلى تحويل السند ومعناه أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذا الحديث من طريقين مرة عن وكيع عن سفيان ومرة أخرى عن عبد الرحمن يعني ابن مهدي عن سفيان بالسند المذكور، ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان به (4) هو السبيعي: وأبو الخليل اسمه عبد الله، قال في التقريب عبد الله بن الخليل بن أبي الخليل الحضرمي أبو الخليل الكوفي مقبول (5) جملة حائلية (6) التفسير (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) أي لا يصح ولا يجوز لهم أن يستغفروا للمشركين: وتمام الآيتين مع تفسيرهما

ص: 164

قصة موت أبي طالب وما نزل في ذلك

موعدة وعدها إياها) (عن سعيد بن المسيب عن أبيه)(1) قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل (2) وعبد الله بن أبي أمية (3) فقال أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها لك عند الله عز وجل، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب (4) عن ملة عبد المطلب؟ قال فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب (5) فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تستغفرن لك ما لم أنه عنك (6) فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} (7) قال فنزلت فيه {إنك لا تهدي من أحببت} (8) (باب لقد تاب الله على النبي المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) الخ الآيات (عن عبد الرحمن بن عبد الله) (9) بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه (10) حين عمى قال سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: فقال كعب بن مالك لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غيرها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير

_________

هكذا (ولو كانوا) أي المشركون (أولي قربى) أي ذوى قرابة (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) أي النار بأن ماتوا على الكفر (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) أي بقوله "سأستغفر لك ربي" رجاء أن يسلم (فلما تبين له أنه عدو لله) بموته على الكفر (تبرأ منه) وترك الاستغفار له (إن إبراهيم لأواه) كثير التضرع والدعاء (حليم) صبور على الأذى (تخريجه)(م نس مذ) وقال الترمذي حديث حسن، ورواه أيضا ابن جرير في تفسيره (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه الخ (قلت) أبوه هو المسيب بن حزن صحابي كان ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة (2) اسمه عمرو بن هشام مات كافرا، وكان من ألد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم (3) هو المخزومي أسلم عام الفتح (وقوله أي عم) معناه يا عمي وحذفت ياء الإضافة للتخفيف (4) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أتعرض عن ملة عبد المطلب (5) زاد مسلم وأبي أن يقول لا إله إلا الله (6) جاء عند مسلم أماراته لأستغفرن لك الخ (قال النووي) وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وكأن الحلف هنا لتوكيد العزم على الاستغفار وتطييبا لنفس أبي طالب، وكان وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل قال ابن فارس مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة ثمانية أشهر واحد عشر يومًا، وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام (7) تقدم تفسيرها في الحديث السابق (8) قال النووي أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج وغيره، وهي عامة فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى، قال الفراء وغيره قوله تعالى (من أحببت) يكون على وجهين (أحدهما) معناه من أحببته لقرابته (والثاني) من أحببت أن يهتدي، قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم (وهو أعلم بالمهتدين) أي بمن قدر له الهدى والله أعلم (تخريجه) (ق. وغيرهما) (باب) (9) (سنده) حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن أخي الزهري محمد بن عبد الله عن عمه محمد بن مسلم الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله الخ (غريبه) (10) كن بنوه أربعة: عبد الله. وعبد الرحمن

ص: 165

-[حديث كعب بن مالك في تخلفه عن غزوة تبوك]-

ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين توافقنا (1) على الإسلام ما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر (2) في الناس منها وأشهر، وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك إني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزاة يغزوها إلا ورى (3) بغيرها حتى كانت تلك الغزاة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا 4) واستقبل عدوا كثيرا فجلا (5) للمسلمين أمره ليتأهبوا أهبة عدوهم (6) فأخبرهم بوجهه (7) الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ (8) يريد الديوان، فقال كعب فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له (9) ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة حين طابت الثمار والظل وأنا إليها أصعر (10) فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه وطفقت أغدوا لكي أتجهز معه فأرجع ولم أقض شيئا (11) فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إن أردت، فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط (12) الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم وليت إني فعلت (13) ثم لم يقدر ذلك لي فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم يحزنني أن لا أرى إلا رجلا

ومحمد. وعبيد الله (1) أي تبايعنا عليه وتعاهدنا، وليلة العقبة هي الليلة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار فيها على الإسلام وأن يؤزوه وينصروه، وهي العقبة التي طرف مني التي يضاف إليها جمرة العقبة، وكانت بيعة العقبة مرتين في سنتين: في السنة الأولى كانوا اثنى عشر، وفي الثانية سبعين كلهم من الأنصار رضي الله عنهم (2) اذكر بوزن أفضل أي أشهر عند الناس بالفضيلة (3) أي أو هم غيرها، وأصله من وراء كأنه جعل البيان وراء ظهره، والحكمة في ذلك خشية أن يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير إلا إذا كانت سفرة بعيدة فيستحب أن يعرفهم البعد ليتأهبوا، وهذا من أعظم سياسة الحرب (4) أي برية طويلة قليلة الماء يخاف فيها الهلاك (5) هو بتخفيف اللام أي كشفه وبينه وأوضحه وعرفهم ذلك على وجهه من غير تورية، يقال جلوث الشيء كشفته (6) الأهبة بضم الهمزة وإسكان الهاء أي ليستعدوا بما يحتاجون إليه في سفرهم ذلك (7) أي بمقصده (8) عند البخاري بالتنوين فيهما، وعند مسلم بالإضافة أي بإضافة كتاب إلى حافظ (وقوله يريد الديوان) قال الحافظ من كلام الزهري وأراد بذلك الاحتراز عما وقع في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اكتبوا إلى من تلفظ بالإسلام، وقد ثبت أن من دون الديوان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولابن مردويه ولا يجمعهم ديوان حافظ يعني كعب بذلك الديوان، يقول لا يجمعهم ديوان مكتوب، وهو يقوي رواية التنوين، وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفا، هذا ما نقله الحافظ (قال القسطلاني) وتعقبه شيخنا فقال بل المروي عن أبي زرعة أنهم كانوا سبعين ألفا: نعم الحصر بالأربعين في حجة الوداع فكأنه سبق قلم أو انتقال نظر اهـ (9) قال الأبي يريد بسبب كثرة الناس اهـ (10) بعين مهملة مفتوحة أي أميل (11) أي من جهازي (12) بالفاء والراء والطاء المهملتين أي فلت وسبق (13) عند البخاري (ليتني فعلت

ص: 166

-[اختيار كعب بن مالك قول الصدق واعترافه بالتقصير]-

مغموصا (1) عليه في النفاق (2) أو رجلا ممن عذره الله: ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك: فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك؟ قال رجل من بني سلمة حبسه يا رسول الله براده (3) والنظر إلى عطفيه، فقال له معاذ بن جبل بئسما قلت: والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب بن مالك فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا (4) من تبوك حضرني نبي (5) فطفقت أتفكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا أستعين على ذلك كل ذي رأى من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما (6) زاح عني الباطل وعرفت أني لن أنجو منه بشيء (7) أبدا فأجمعت صدقة وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا قدم من سفر بدًا بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية ويستغفر لهم ويكل سرائرهم إلى الله تبارك وتعالى حتى جئت فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب (8) ثم قال لي تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال ما خلفك (9) ألم تكن قد استمر ظهرك (10) قال فقلت يا رسول الله إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطته بعذر لقد أعطيت جدلا (11) ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى عني به ليوشكن (12) الله تعالى يسخطك على ولئن حدثتك اليوم بصدق تجد (13) على فيه، إني لأرجو قرة عيني عفوا من الله تبارك وتعالى، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أفرغ ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله تبارك وتعالى فيك فقمت وقام إلي رجال من بني سلمة فأتبعوني فقالوا لي والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون، لقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك: قال فوالله ما زالوا يأنوبنني (14) حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، قال ثم قلت لهم هل لقى هذا معي أحد (15) قالوا نعم لقيه معك رجلان قالا ما قلت

وفيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوف بها لئلا يحرمها (1) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو فصاد مهملة (2) أي يظن به النفاق ويتهم (3) تثنية برد (والنظر إلى عطفيه) بكسر العين المهملة أي جانبيه كناية عن كونه معجبا بنفسه ذا زهو وتكبر (4) أي راجعا إلى المدينة (5) هو أشد الحزن، فطفقت أي أتفكر الكذب، وعند ابن أبي شيبة وطفقت أعد العذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء وأهيء الكلام (6) أي دنا قدومه (زاح) بالزاي المعجمة وبالحاء المهملة أي زال (7) أي من أنواع الكذب (فأجمعت صدقه) أي عزمت عليه يقال أجمع أمره وعلى أمره وعزم عليه بمعنى (8) بفتح الضاد المعجمة أي الغضبان (9) بوزن ما ودعك (10) معناه ألم يكن عندك ما تحمل عليه جهازك من الدواب وتركب (11) أي فصاحة وقوة في الكلام وبراعة بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلي إذا أردت (12) هو بكسر الشين أي ليسرعن (13) بكسر الجيم وتخفيف المهملة أي تغضب (14) هو بهمز بعد الياء التحتية ثم نون ثم موحدة أي يلومونني أشد اللوم (15) معناه هل تخلف أحد

ص: 167

-[أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بهجر كعب بن مالك وصاحبيه حتى يقضي الله فيهما]-

فقيل لهما مثل ما قيل لك، قال فقلت لهم من هما؟ قالوا مرارة (1) بن الربيع العامري وهلال بن أمية الواقفي (2) قال فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا: لي فيهما أسوة، قال فمضيت حين ذكروهما لي، قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة (3) من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس، قال وتغيروا لنا حتى تنكرت لي من نفسي الأرض فما هي بالأرض التي كنت أعرف (4) فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكنا (5) وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم (6) فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه فأقول في نفسي حرك شفتيه يرد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت علي صلاتي نظر إلي فإذا التفت نحوه أعرض، حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت (7) حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلى فسلمت عليه فوالله مارة على السلام (8) فقلت له يا أبا قتادة أنشدك (9) الله هل تعلم أني أحب ورسوله؟ قال فسكت، قال فعدت فنشدته فسكت، فعدت فنشدته فقال الله ورسوله أعلم (10) فقاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا بنبطي (11) من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلني عن كعب بن مالك؟ قال فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء فدفع إلى كتابا من ملك غسان وكنت كاتبا فإذا فيه (أما بعد) فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة (12)

مثل ما تخلفت (1) بضم الميم وتخفيف الراء المكررة (ابن الربيع) جاء في نسخ مسلم ابن ربيعة وكذا نقله القاضي عن نسخ مسلم، ووقع في البخاري ابن الربيع كما هنا، قال ابن عبد البر يقال بالوجهين (وقوله العامري) هكذا هو في جميع نسخ مسلم أيضا وأنكره العلماء وقالوا هو غلط، إنما صوابه العمري بفتح العين المهملة وإسكان الميم من بني عمرو بن عوف وكذا ذكره البخاري، وكذا نسبه محمد بن إسحاق وابن عبد البر وغيرهما من الأئمة (قال القاضي) هو الصواب وإن كان القابسي قد قال لا أعرفه إلا العامري فالذي قاله الجمهور أصح (2) بقاف ثم فاء منسوب إلى واقف بطن من الأنصار (3) قال القاضي عياض هو بالرفع وموضعه النصب على الاختصاص، وفي هذا هجران أهل البدع والمعاصي (4) معناه تغير على كل شيء حتى الأرض فإنها توحشت علي وصارت كأنها أرض لم أعرفها لتوحشها على (5) أي خضعا (6) أي أصغرهم سنا وأقواهم (7) معنى تسورته علوته وصعدت سوره وهو أعلاه ويستفاد منه جواز دخول الإنسان بستان صديقه وقريبه الذي يعرف أنه لا يكره ذلك بغير أذنه بشرط أن يعلم أنه ليس له هناك زوجة مكشوفة ونحو ذلك (8) أي لعموم النهي عن كلامهم، وفيه أنه لا يسلم على المبتدعة ونحوهم وفيه أن السلام كلام، وأن من حلف لا يكلم إنسانا فسلم عليه أو رد عليه السلام حنث قاله النووي (9) هو بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألك الله وأصله من النشيد وهو الصوت (10) قال القاضي لعل أبا قتادة لم يقصد بهذا تكليمه لأنه منهي عن كلامه، وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده الله فقال أبو قتادة مظهرا الاعتقاد لا يسمعه (11) بفتح النون والباء الموحدة وكسر الطاء المهملة يقال النبط والأنماط والنبيط وهم فلاحون العجم (12) المضيعة فيها لغتان إحداهما كسر الضاد وإسكان الياء التحتية والثانية بإسكان الضاد

ص: 168

-[أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه باعتزال نسائهم- وأول البشرى]-

فالحق بنا نواسيك (1) قال فقلت حين قرآنها وهذا أيضا من البلاء قال فتيممت بها (2) التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال بل اعتزلها فلا تقربها، قال وأرسل إلى صاحبي، بمثل ذلك قال فقلت لامرأتي ألحق بأهلك (3) فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إن هلالا شيخ ضائع ليس له خادم هل تكره أن أخدمه، قال لا ولكن لا يقربنك، قالت فإنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما يزال يبكي من لدن أن كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، قال فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بي امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه قال فقلت والله لا استأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته وأنا رجل شاب (4) قال فلبثنا بعد ذلك عشر ليال كمال خمسين ليلة حين نهى عن كلامنا، قال ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تبارك وتعالى منا (5) قد ضاقت علي نفسي (6) وضاقت علي الأرض بما رحبت (7) سمعت صارخا، أوفى (8) على جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر (9) قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج وآذن (10) رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله تبارك وتعالى علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا (11) وذهب قبل صاحبي مبشرون وركض إلي (12) رجل فرسا

وفتح الباب أي في موضع وحال يضاع فيه حقك (1) جاء عند مسلم نواسك بحذف الباء مجزوم في جواب الأمر (قال النووي) وفي بعض النسخ نواسيك بزيادة ياء وهو صحيح، أي ونحن نواسيك وقطعه عن جواب الأمر، ومعناه نشاركك فيما عندنا (2) أي قصدت ومعنى سجرته أي أوقدته بها وأنث الضمير لأنه أراد معنى الكتاب وهو الصحيفة (3) فيه دلالة على أن هذا اللفظ ليس صريحا في الطلاق وإنما هو كناية ولم ينو به الطلاق فلم يقع (4) يعني إني قادر على خدمة نفسي وأخاف أيضا على نفسي من حدة الشباب أن أصبت امرأتي وقد نهيت عنه (5) يعني قوله تعالى (وضاقت عليهم الأرض بما رحبت (6) أي قلبي لا يسعه أنس ولا سرور من فرط الوحشة والغم (7) أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمره كأنه لم يجد فيها مكانا يقر فيه قلقا وجزعا، وإذا كان هؤلاء لم يأكلوا مالا حراما ولا سفكوا دما جراما ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما أصابهم فكيف بمن واقع الفواحش والكبائر وجواب بينا (سمعت صارخا)(8) أي أشرف على (جبل سلع) أي صعده وارتفع عليه، وسلع بفتح السين المهملة وإسكان اللام وهو جبل بالمدينة معروف (9) بهمزة قطع وعند الواقدي وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح قد تاب الله على كعب، وفيه دليل لاستحباب التبشير والتهنئة لمن تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه كربة شديدة ونحو ذلك سواء كانت من أمور الدين أو الدنيا (وقوله فخررت ساجدا) فيه دليل للشافعي ومن وافقه في استحباب سجود الشكر بكل نعمة ظاهرة حصلت أو نقمة ظاهرة اندفعت (10) أي أعلم الناس بذلك (11) أي يبشرون كعبا وصاحبيه مرارة وهلال (12) جاء عند مسلم وركض رجل إلي فرسا

ص: 169

-[فرح النبي صلى الله عليه وسلم بنزول توبة كعب وصاحبيه وتبشيرهم بذلك]-

وسعى ساع من أسلم وأوفى الجبل (1) فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته (2) يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته (3) والله ما أملك غيرهما يومئذ فاستعرت ثوبين (4) فلبستهما فانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) يلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول (6) حتى صافحني وهنأني (7) والله ما قام رجل من المهاجرين غيره؛ قال فكان كعب لا ينساها الطلحة (8) قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك (9) قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال لا بل من عند الله، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر حتى يعرف ذلك منه، قال فلما جلست بين يديه قال قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله تعالى وإلى رسوله (10) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك بعض مالك فهو خير لك (11) قال قلت أني أمسك سهمي الذي بخيبر قال فقلت يا رسول الله إنما الله تعالى نجاني بالصدق وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت، قال فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني (12) الله تبارك وتعالى والله ما تعمدت كذبة (13) مذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن

بتشديد الياء أي استحث رجل فرسا للعدو، وعند الواقدي أنه للزبير بن العوام (1) هو حمزة بن عمرو الأسلمي رواه الواقدي، وعند ابن عائدذ أن الذين سعيا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لكنه صدره بقوله زعموا (1) هو حمزة الأسلمي (3) فيه استحباب إجازة البشير بخلعة وإلا فبغيرها، والخلعة أحسن وهي المعتادة (4) أي من أبي قتادة كما عند الواقدي وفيه جواز العارية وجواز إعارة الثوب للبس (5) جاء عند مسلم فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا الخ ومعنى أتأمم أي أقصد والفوج الجماعة (6) أي يسير بين المشي والعدو (7) فيه استحباب مصافحة القادم والقيام له إكراما والهرولة إلى لقائه بشاشة وفرحا (8) أي هذه الخصلة وهي بشارته إياه بالتوبة أي لا يزال يذكر إحسانه إليه بذلك (9) معناه سوى يوم إسلامك إنما لم يستثنه لأنه معلوم لابد منه (10) معنى انخلع منه أخرج منه وأتصدق به، وفيه استحباب الصدقة شكرا للنعم المتجددة لاسيما ما عظم منها (11) قال النووي إنما أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على الصدقة ببعضه خوفا من تضرره بالفقر وخوفا أن لا يصبر على الإضافة، ولا يخالف هذا صدقة أبي بكر رضي الله عنه بجميع ماله فإنه كان صابرا راضيا (فإن قيل) كيف قال انخلع من مالي فأثبت له مالا مع قوله أولا نزعت ثوبي والله ما أملك غيرهما (فالجواب) أن المراد بقوله أن انخلع من مالي الأرض والعقار، ولهذا قال فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، وأما قوله ما أملك غيرهما فالمراد به من الثياب ونحوها مما يخلع ويليق بالبشير، وفيه دليل على تخصيص اليمين بالنية وهو مذهبنا (يعني الشافعية) فإذا حلف لا مال له ونوى نوعا لم يحنث بنوع آخر من المال أو لا يأكل ونوى ثمرا لم يحنث بالخبز (12) أي أنعم عليه والبلاء والإبلاء يكون في الخير والشر، لكن إذا أطلق كان الشر غالبا فإذا أريد الخير قيد كما قيده هنا فقال أحسن مما أبلاني (13) بفتح الكاف وإسكان الذال وكسرها

ص: 170

-[نص آيات التوبة وتفسيرها ووصف ما لاقاه الصحابة في غزوة تبوك من المشقة]-

يحفظني فيما بقى، قال وأنزل الله تبارك وتعالى {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين (1) والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم أنه بهم رءوف رحيم، وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله لا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا أن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال كعب فوالله ما أنعم الله تبارك وتعالى علي من نعمة

(1)(التفسير) قال مجاهد وغير واحد نزلت هذه الآية في غزوة تبوك وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدية وحر شديد وعسر من الزاد والماء (قال قتادة) خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبات الحر على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهما يمص هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم واقفلهم من غزوتهم، روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة، فقال عمر خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع وحتى أن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع وحتى أن الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه يوجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا، فقال تحب ذلك؟ قال نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم وقد أزال الله عنهم الشدة وأنزل قوله تعالى {لقد تاب الله على النبي} تاب الله أي تجاوز وصفح ومعنى توبته على النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه للمنافقين بالتخلف عنه في غزوة تبوك، وقال بعض العلماء الأحسن أن يكون من قبيل ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وقيل هو بعث على التوبة على سبيل التعريض لأنه صلى الله عليه وسلم ممن يستغنى عن التوبة فوصف بها ليكون بعثا للمؤمنين على التوبة على سبيل التعريض وإبانة لفضلها (والمهاجرين والأنصار) أي وتاب عليهم حقيقة لأنه لا ينفك غير المعصوم عن الزلات، أو كانوا يتوبون عن وساوس تقع في قلوبهم (الذين اتبعوه) حقيقة بأن خرج أولا وتبعوه، أو مجازا عن اتباعهم أمره ونهيه (في ساعة العسرة) أي في وقت الشدة الحاصلة لهم في غزوة تبوك، أي من عسر الزاد والماء والظهر والقيظ وبعد الشقة (من بعد ما كان يزيغ) قرأ حمزة وحفص يزيغ بالياء لقوله كاد، وقرأ الآخرون بالتاء والزيغ الميل أي من بعد ما كادت تميل (قلوب فريق منهم) أي قلوب بعضهم ولم يرد الميل عن الدين بل أراد الميل إلى التخلف والانصراف للشدة التي عليهم، قال الكلبي هم ناس بالتخلف ثم لحقوه (ثم تاب عليهم) فإن قيل كيف أعاد ذكر التوبة وقد قال في أول الآية {لقد تاب الله على النبي} قيل ذكر التوبة في أول الآية قبل ذكر الذنب وهو محض الفضل من الله عز وجل، فلما ذكر الذنب أعاد ذكر التوبة والمراد منه قبولها (إنه بهم رءوف رحيم) قال ابن عباس من تاب الله عليه لم يعذبه أبدا (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) هذا معطوف على ما قبله تقديرها لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار وعلى الثلاثة الذين خلفوا، أي من غزوة تبوك، وقيل خلفوا أي أرجئ أمر توبتهم وفائدة هذا العطف بيان قبول توبتهم وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار وهم المرادون بقوله تعالى- وآخرون مرجون لأمر الله- (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت)

ص: 171

-[اغتباط كعب بن مالك بكونه تحاشى الكذب وذم المنافقين الذين كذبوا الله ورسوله]-

قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أن لا أكون (1) كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه فإن الله تبارك وتعالى قال للذين كذبوه حين كذبوه شر ما يقال لأحد (3) فقال الله تعالى {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون، يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} (3) قال وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا (4) فبايعهم واستغفر لهم فأرجأ (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا

يرحبها أي سعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكانا يقرون فيه قلقا وجزعا (وضاقت عليهم أنفسهم) أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور لأنها خرجت من فرط الوحشة والغم (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه) وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا استغفاره والرجوع إليه بالتوبة (ثم تاب عليهم) بعد خمسين يوما (ليتوبوا) معناه إن الله عز وجل تاب عليهم في الماضي ليكون ذلك داعيا لهم إلى التوبة في المستقبل فيرجعوا ويداوموا عليها (إن الله هو التواب) على عباده (الرحيم) بهم وفيه دليل على أن قبول التوبة بمحض الرحمة والكرم والفضل والإحسان وإنه لا يجب على الله تعالى شيء والله أعلم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} يعني في مخالفة أمر الرسول (وكونوا مع الصادقين) في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك، ومع الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا كأبي بكر وعمر، والآية تدل على أن الاجتماع حجة لأنه أمر بالكون مع الصادقين فلزم قبول قولهم (1) قال النووي هكذا هو في جميع نسخ مسلم وكثير من روايات البخاري (يعني أن لا أكون) قال العلماء لفظة لا في قوله (أن لا أكون) زائدة ومعناه أن أكون كذبته كقوله تعالى (ما منعك أن لا تسجد إذا أمرتك (وقوله فأهلك) بكسر اللام على الفصيح المشهور وحكى فتحها وهو شاذ ضعيف (2) أي قال قولا لا شر ما يقال بالإضافة أي شر القول الكائن لأحد من الناس (3) قال الإمام البغوي في تفسيره يروي أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين نفرا فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا يعتذرون بالباطل قال الله تعالى {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم} أي لن نصدقكم {وقد نبأنا الله من أخباركم} فيما سلف {وسيرى الله عملكم ورسوله} في المستأنف أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه {ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} أي إذ انصرفتم إليهم من غزوكم {لتعرضوا عنهم} لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم {فأعرضوا عنهم} فدعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق {إنهم رجس} نجس أي إن عملهم قبيح {ومأواهم} في الآخرة {جهنم جزاءا بما كانوا يكسبون} قال ابن عباس نزلت في جد بن قيس ومعتب بن قشير وكانوا ثمانين رجلا من المنافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لا تجالسوهم ولا تكلموهم، وقال مقاتل نزلت في عبد الله بن أبي (يعني ابن سلول رأس المنافقين) حلف للنبي صلى الله عليه وسلم بالله الذي لا إله هو لا يتخلف عنه بعدها، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضى عنه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية {يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} أي فإن رضاكم وحده لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها (4) أي حلفوا كذبا أن تخلفهم كان لعذر (5) بالجيم

ص: 172

-[قوله عز وجل {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} الخ السورة]-

حتى قضى الله تعالى: فلذلك قال الله تعالى {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس تخليفه إيانا (1) وأرجاؤه أمرنا مما خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.

(باب لقد جاءكم رسول الله من أنفسكم إلى آخر السورة)(عن عباد بن عبد الله بن الزبير)(2) قال أتى الحارث بن خزمة (3) بهاتين الآيتين من آخر براءة {لقد جاءكم رسول الله من أنفسكم} (4) إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من معك على هذا (5) قال لا أدري والله إني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها فقال عمر أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة (6) فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها فوضعتها في آخر براءة

آخره همزة: أي أخره (1)(وليس تخليفه إيانا) هذه الجملة إلى آخر الحديث جاءت هكذا في المسند، وجاءت عند الشيخين (وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) وعبارة الشيخين أظهر، والمعنى يقول كعب في قوله تعالى {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} ليس معناه أنهم تخلفوا عن الغزو، بل معناه أنه أخر النظر في أمرهم عمن حلف واعتذر وقبل اعتذاره (تخريجه) قال القسطلاني وقد أخرج المؤلف رحمه الله (يعني البخاري) حديث غزوة تبوك وتوبة الله على كعب في عشرة مواضع مطولا ومختصرا وسبق بعضها وباقي منها إن شاء الله تعالى في الاستئذان والأحكام (وأخرجه مسلم) في التوبة (وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي والله أعلم (باب)(2)(سنده) حدثنا علي بن بحر حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير الخ (غريبه)(3) قال الحافظ في تعجيل المنفعة الحارث بن خزمة بن عدي أبو خزمة الأنصاري، ويقال أبو خزيمة، قال الطبري خزمة بالتحريك ويقال ابن خزيمة يكنى أبا بشر، شهد بدرا وأحدا وما بعدها: مات بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة وهو الذي جاء بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضلت بتبوك (4) سيأتي تفسير الآية في الحديث التالي (5) أي من يشهد معك على أن هذا من القرآن، والظاهر أن عمر رضي الله عنه قال له ذلك من باب الملاطفة وإلا فإن عمر قد سمعها أيضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث (6) لنا تعقيب على هذه الجملة وما بعدها الخ الحديث سيأتي في التخريج (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات اهـ: وكذلك أورده الحفظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ولم يتكلم واحد منهما في تعليله بشيء مع أن هذا الحديث معلول سندا ومتنا (أما السند) فلأن عباد بن عبد الله ابن الزبير لم يدرك قصة جمع القرآن فهو منقطع، ولأنه لم يرو هذه القصة عن الحارث بن خزمة بل أرسل القصة إرسالا، ولأن في إسناده محمد بن إسحاق ثقة لكنه مدلس إذا عنعن لا يحتج بحديثه وقد عنعن في هذا الحديث (وأما المتن) فلأن قوله (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها) يفيد أن ترتيب السور ووضع الآيات كانت بإرادة الصحابة، وهذا يخالف المتواتر وما جاء في الأحاديث الصحيحة من أن القرآن بلغه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته سرورا معروفة متصلة وآيات مرتبة معروفة الوضع (وقوله في المتن فوضعتها في آخر براءة) يفهم منه أن الذي وضعها هو الحارث بن خزمة مع أنه لم يكن ممن عهد إليه يجمع القرآن (والصحيح) ما جاء عند الإمام أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم

ص: 173

-[الصحيح أن ترتيب السور والآيات أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه]-

(ز)(عن ابن عباس عن أبي)(1) قال آخر آية نزلت {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} الآية (2)

من حديث زيد بن ثابت في جمع القرآن قال فوجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} حتى خاتمة سورة براءة (وما رواه الإمام أحمد أيضا) من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم اقرأه بعد قوله تعالى {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} قال أن النبي صلى الله عليه وسلم اقرأني بعدها آيتين لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة، ثم قال هذا آخر ما نزل من القرآن (وفي حديث زيد بن ثابت) رقم 87 صحيفة 33 من هذا الجزء قال زيد فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسختا المصاحف قد كنت اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرء بها (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت فألحقتها في سورتها بالمصحف، (قال في شرح السنة) في هذا الحديث البيان الواضح أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن المنزل من غير أن يكونوا زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا باتفاق منهم من غير أن يقدموا شيئا أو يؤخروه، بل كتبوه في المصاحف على الترتيب المكتوب في اللوح المحفوظ بتوقيف جبريل عليه السلام على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية بموضعها وأين تكتب اهـ وقصارى القول أن حديث الباب لا يحتج به أصلا، انظر باب ما جاء في تأليف القرآن وجمعه صحيفة 31 من هذا الجزء واقرأه هو والباب الذي بعده متنا وشرحا تجد ما يسرك والله الموفق (ز) (1) (سنده) حدثنا محمد بن أبي بكر ثنا بشر بن عمر ثنا شعبة عن علي بن زيد عن يوسف المكي عن ابن عباس الخ (2) (التفسير) {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} أي منكم وبلغتكم تعرفون نسبه وحسبه كما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إن الله بعث فينا رسولا منا نعرف نسبه وصفته ومدخله ومخرجه وصدقه وأمانته لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية من زمان آدم عليه السلام، وقال سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} قال لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، وقال خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، وقد وصل هذا من وجه آخر عن الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ولم يمسني من سفاح الجاهلية شيء، وقرأ ابن عباس والزهري وابن محيصن (من أنفسكم) بفتح الفاء أي من أشرفكم وأفضلكم (عزيز عليه ما عنتم) أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بعثت بالحنيفية السمحة) رواه الخطيب عن جابر، وفي الصحيح أن هذا الدين يسر وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه (حريص عليكم) أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم (بالمؤمنين رؤوف رحيم بالمطيعين رحيم بالمؤمنين (فإن تولوا) أي أعرضوا عن الإيمان وناصبوك (فقل حسبي الله) كافئ (لا إله إل هو عليه توكلت) أي به وثقت لا بغيره (وهو رب العرش) الكرسي (العظيم) خصه بالذكر لأنه أعظم المخلوقات (تخريجه)(ك) وأورده الهيثمي وقال رواه عبد الله بن أحمد والطبراني وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ثقة شيء الحفظ وبقية رجاله ثقات اهـ (قلت) ورواه أيضا الحاكم في المستدرك من طريق شعبة عن يونس بن عبيد وعلي بن زيد عن يوسف بن مهران به وقال حديث شعبة

ص: 174

-[قوله عز وجل {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}]-

(سورة يونس)(باب للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)(عن صهيب)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا يا أهل الجنة إن لكم موعدا عند الله لم تروه (2) فقالوا وما هو؟ ألم تبيض وجوهنا وتزحزحنا عن النار (3) وتدخلنا الجنة؟ قال يكشف الحجاب فينظرون إليه (4) فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم منه (5) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (6)(باب لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)(عن عبادة بن الصامت)(7) أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت قول الله تبارك وتعالى {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (8) فقال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك: قال تلك

عن يونس بن عبيد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي (باب)(1)(سنده) حدّثنا يزيد بن هارون أنا حما بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب (يعني ابن سنان) الخ (غريبه)(2) أي بقى شيء زائد مما وعده الله لكم من النعم (وفي رواية مسلم) يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم (3) أي تنجينا من دخولها، قال الطيبي رحمه الله تقرير وتعجيب من أنه كيف يمكن الزيادة على ما أعطاهم الله تعالى من سعة فضله وكرمه (4) لفظ مسلم فينظرون إلى وجه الله عز وجل، والظاهر أن المراد بالحجاب حجاب النور الذي وقع في حديث أبي موسى عند مسلم ولفظه (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلفه) وفي رواية لمسلم أيضا والإمام أحمد وتقدمت في أول باب عظمة الله تعالى وكبريائه الخ في الجزء الأول صحيفة 38 رقم 10 بلفظ (حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره) والحجاب أصله في اللغة المنع والستر، وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة والله تعالى منزه على الجسم والحد فالمراد هنا المانع من رؤيته، وسمى ذلك المانع نورا أو نارا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الآخرة المعدة للبقاء، والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه (5) أي من النظر إلى ربهم عز وجل (6)(التفسير){للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} يخبر الله عز وجل أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح الحسنى في الدار الآخرة كقوله تعالى {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} وقوله (وزيادة) على تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنة من القصور والحور والرضا عنهم وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته وقد روى في تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم عن جمهور الصحابة منهم أبو بكر وحذيفة وعبد الله بن عباس، ومن التابعين منهم سعيد بن المسيب وعطاء والضحاك والحسن وغيرهم من السلف والخلف، وقد وردت فيه أحاديث كثيرة صحيحة منها حديث الباب وغيره كثير (تخريجه)(م مذ، وغيرهما)(باب)(7)(سنده) حدثنا عفان ثنا أبان حدثني يحيى (يعني ابن أبي كثير) عن أبي سلمة عن عبادة بن الصامت الخ (8)(التفسير) أول الآية {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}

ص: 175

-[تفسير قوله عز وجل {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} الخ]-

الرؤيا الصالحة (1) يراها الرجل الصالح (وفي لفظ يراها المسلم) أو ترى له (عن عطاء بن يسار)(2) عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء قال أتاه رجل فقال ما تقول في قول الله عز وجل {لهم البشرى في الدنيا وفي الآخرة} قال لقد سألت عن شيء ما سمعت أحدا سأل عنه بعد رجل سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بشراهم في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وبشراهم في الآخرة الجنة (3)(باب قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل)

يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون كما فسرهم بهم فكل من كان تقيا كان لله وليا: قيل هم الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة، أو هم الذين تولى الله هداهم بالبرهان الذي آتاهم فتولوا القيام بحقه والرحمة يخلقه، أو هم المتحابون في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها كما جاء في ذلك أحاديث ستأتي في أبواب الحب في الله من قسم الترغيب (لا خوف عليهم) يعني في الآخرة إذا خاف غيرهم (ولا هم يحزنون) يعني على كل شيء فاتهم من نعيم الدنيا ولذاتها، قال بعض المحققين زوال الخوف والحزن عنهم إنما يجعل لهم في الآخرة لأن الدنيا لا تخلو من غم وهم وحزن، وقال بعض العارفين إن الولاية عبارة عن القرب من الله ودوام الاشتغال بالله، وإذا كان العبد بهذه الحالة لا يخاف من شيء مولا يحزن على شيء لأن مقام الولاية والمعرفة منعه من أن يخاف أو يحزن، وأما قوله سبحانه وتعالى {الذين آمنوا وكانوا يتقون} فقد تقدم تفسيرها وأنه صفة لأولياء الله، وقوله عز وجل {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} اختلف العلماء في هذه البشرى، فقيل هي الرؤيا الصالحة: مستدلين بحديث الباب وبحديث أبي الدرداء الآتي بعده، وقيل المراد بالبشرى في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن وفي الآخرة الجنة ويدل على ذلك ما روى عن أبي ذر قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل في الخير ويحمده الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن أخرجه مسلم وغيره، وروى ابن جرير بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) قال في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له، وهي في الآخرة الجنة، وقال الزهري وقتاة في تفسير البشرى هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت، ويدل عليه قوله تعالى {تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} وقال عطاء عن ابن عباس البشرى في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة، وفي الآخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى وقال الحسن هي ما بشر الله به المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه ويدل عليه قوله تعالى {لا تبديل لكلمات الله} يعني لا خلف لوعد الله (ذلك هو الفوز العظيم) يعني ما وعدهم به في الآخرة (1) الرؤيا الصالحة أو الحسنة أو الصادقة هي ما فيه بشارة أو تنبيه عن غفلة وأمثال ذلك (يراها الرجل الصالح) أو المسلم كما في الرواية الأخرى وهي أعم أي يراها لنفسه (أو ترى) بصيغة المجهول أي يراها مسلم آخر أي لأجله (تخريجه)(مذ طل جه) وابن جرير الطبري وسكت عنه الترمذي، قال الحافظ وحديث عبادة هذا أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه الحاكم ورواته ثقات إلا أن أبا سلمة لم يسمعه من عبادة والله أعلم (2)(سنده) حدثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن أبي صالح عن عطاء بن يسار الخ (غريبه)(3) هذا الحديث صريح في أن بشرى الدنيا الرؤيا الصالحة وبشرى الآخرة الجنة (تخريجه)

ص: 176

-[قصة غرق فرعون وقومه وعدم قبول إيمانه]-

(عن ابن عباس)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال فرعون (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل)(2) قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وقد أخذت حالا من حال البحر قدسيته في فيه مخافة أن تناله الرحمة (وعنه من طريق ثان)(3) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل كان

(مذ طل) وقال الترمذي هذا حديث حسن اهـ (قلت) وفي سنده رجل من أهل مصر غير معروف وإنما حسنه الترمذي لكثرة طرقه والله أعلم (1)(سنده) حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس الخ (2)(التفسير) أول الآية {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) عبرنا بهم (فأتبعهم) لحقهم وأدركهم (فرعون وجنوده) يقال تبعه إذا أدركه، ولحقه وأتبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به، وقيل هما واحد (بغيا وعدوا) أي ظلما واعتداءا، وقيل بغيا في القول وعدوا في الفعل، وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر هابوا دخوله فتقدمهم جبريل على فرس وديق (هي التي تشتهي الفجل) وخاض البحر فاقتحمت الخيول خلفه فلما دخل أخرهم وهم أوهم أن يخرج انطبق عليهم الماء (حتى إذا أدركه الغرق) أي غمره الماء وقرب هلاكه قال (آمنت أنه) قرأ حمزة والكسائي إنه بكسر الألف أي آمنت وقلت إنه، وقرآ الآخرون أنه بالفتح أي آمنت بأنه (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) قال ابن عباس لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب به وقد كان في مهل، قال العلماء إيمانه غير مقبول، وذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين، ويدل عليه قوله تعالى: فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، وقيل إن فرعون كان من الدهرية المنكرين لوجود الصانع الخالق سبحانه وتعالى، فلهذا قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل. فلم ينفعه ذلك لحصول الشك في إيمانه، ولما رجع فرعون إلى الإيمان والتوبة حين أغلق بأيهما بحضور الموت ومعاينة الملائكة قيل له (آلان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) يعني الآن تتوب وقد أضعت التوبة في وقتها وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية. قيل القائل له الآن وقد عصيت الخ هو جبريل ثم دس في فيه من حمأ البحر أي من طينه كما جاء في الحديث (قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وقد أخذت حالا من حال البحر (أي من طينه الأسود) فدسيته في فمه (يعني في فم فرعون) مخافة أن تناله الرحمة) قال ابن عباس وغيره من السلب أن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون فأمر الله تعالى البحر في أن يلقيه بجسده سويا بلا روح، ولهذا قال تعالى (فاليوم ننجيك) أي نر فمك على نجوة من الأرض، وهو المكان المرتفع ليتحققوا موته وهلاكه (ببدنك) قال الحسن بجسم لا روح فيه، وقال عبد الله بن شداد سويا صحيحا أي لم يتمزق لتيحققوه ويعرفوه، وقال أبو صخر بدرعك: وكان له درع مشهور مرصع بالجواهر فرأوه في درعه فصدقوا موسى (لتكون لمن خلفك آية) عبرة وعظة (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون)(3)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال رفعه أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل الخ (قلت) وقوله رفعه أحدهما القائل ذلك هو الشعبي يريد أن أحد الراويين وهما عدي بن ثابت وعطاء بن السائب لم يرفعه

ص: 177

-[سورة هود وما جاء فيها من أحوال يوم القيامة وأهواله]-

يدس في فم فرعون الطين مخافة أن يقول لا إله إلا الله (سورة هود)(باب ما جاء في سورة هود من ذكر القيامة وأهوالها)(عن ابن عمر)(1) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين (2) فليقرأ إذا الشمس كورت (3) وإذا السماء انفطرت (4) وإذا السماء انشقت وأحسبه (5) أنه قال سورة هود (باب قال يا نوح ليس من أهلك إنه عمل غير صالح)(عن أم سلمة)(6) رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها (إنه عمل غير صالح)(7)

وليس فيه طعن في الحديث (تخريجه) أورد الطريق الأولى منه الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد، ثم قال ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم من حديث حماد بن سلمة به، وقال الترمذي حديث حسن اهـ وروى الطريق الثانية منه (مذ طل) وابن جرير من طريق شعبة عن عدي ابن ثابت وعطاء بن الثابت بسند الطريق الثانية وقال الترمذي حسن غريب صحيح اهـ. وهذا الحديث بطريقيه رواته ثقات ليس فيهم متهم وإن كان فيهم من هو سيء الحفظ فقد تابعه عليه غيره (فإن قلت) ففي الطريق الثانية شك في رفعه لأنه قال فيه رفعه أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) ليس يشك في رفعه، إنما هو جزم بأن أحد الرجلين رفعه وشك شعبة في تعيينه هل هو عطاء بن السائب أو عدي بن ثابت وكلاهما ثقة فإذا رفعه أحدهما وشك في تعيينه لم يكن هذا علة في الحديث والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الله بن بحير الصنعاني القاص أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) معناه من أعجبه أن ينظر إلى أحوال يوم القيامة وأهواله (كأنه يرى عين) تقول جعلت الشيء رأى عينك ويمرءا منك أي حذاءك ومقابلك بحيث تراه، وهو منصوب على المصدر أي كأنه يراه رأى العين (3) التكوير جمع الشيء بعضه، على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله تعالى كورت أي جمع بعضها على بعض ثم لفت فرمى بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها وصوب هذا القول ابن جرير (4) أي انشقت كما فسر بذلك في اللفظ الآخر (5) بفتح السين المهملة وكسرها أي أظنه وإنما خص هذه السورة بالذكر لاشتمالها على ذكر أحوال يوم القيامة وأهواله ففي قراءتها عبرة وعظة وتخويف من هذه الأهوال ليرجع العبد إلى ربه ويعمل للنجاة من أهوال هذا اليوم (تخريجه) أخرجه الترمذي بدو ذكر سورتي الانفطار وهود، والحاكم مقصرا على سورة التكوير وصححه وأقره الذهبي: وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات، ورواه الطبراني بسناد أحمد اهـ وروى الترمذي عن ابن عباس قال قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت؟ قال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت، قال الترمذي حديث حسن غريب أهو رواه أيضا الطبراني في الأوسط قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح (وعن عقبة بن عامر) أن رجلا قال يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود وأخواتها قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله الصحيح اهـ قال بعض العلماء سبب شيبه صلى الله عليه وسلم من هذه السور المذكورة في الحديث لما فيها من ذكرى القيامة والبعث والحساب والجنة والنار والله أعلم (باب)(6)(سنده) حدثنا وكيع ثنا هارون النحوي عن ثابت البناني عن شهر بن حوشب عن أم سلمة الخ (7)(التفسير) أول الآية (ونادى نوح ربه فقال رب أن ابني من أهلي) أي وقد وعدتني أن تنجني وأهلي (وأن وعدك الحق) لا خلف فيه (وأنت أحكم

ص: 178

-[ما جاء في قصة نوح ولوط عليهما السلام مع قومهما م سورة هود]-

(باب قال لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد)

(عن أبي هريرة)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول لوط (لو أن ي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد)(2) قال النبي صلى الله عليه وسلم كان يأوى إلى ركن شديد إلى ربه عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم فما بعث بعده نبي إلا في ثروة من قومه (وعنه من طريق ثان (3) بنحوه وفيه) قال قد كان يأوى إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله عز وجل بعده نبيا إلا بعثه في ذروة (4) قومه قال أبو عمر فما بعث الله عز وجل نبيا بعده إلا في منعة من قومه (باب وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من

الحاكمين) يعني أنك حكمت لقوم بالنجاة وحكمت على قوم بالهلاك (قال) الله عز وجل (يا نوح إنه ليس من أهلك) أي ليس من أهل بيتك، لأن أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين (إنه عمل غير صالح) قرأ الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم وفتح اللام غير بفتح الراء على عود الفعل على الابن، ومعناه أن عمل الشرك والكفر والتكذيب وكل هذا غير صالح، وقرأ الياقون عمل بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء، ومعناه أن سؤالك إياي أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكافر بعدما حكم عليه بالهلاك بعيد (تخريجه)(د مذ) من حديث أسماء بنت يزيد وتقدم في باب ما جاء من القراءة مفصلا صحيفة 4 رقم 98 من هذا الجزء وسكت عنه أبو داود (وقال المنذري) شهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين اهـ (قلت) وذكر الحافظ ابن كثير حديث أسماء بنت يزيد في تفسيرها ثم ذكر حديث أم سلمة وقال إعادة أحمد أيضا في مسند أم سلمة أم المؤمنين والظاهر والله أعلم أنها أسماء بنت يزيد فإنها تكنى بذلك والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة الخ (2)(التفسير) سبب قول لوط عليه السلام (لو أني لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) إن جبريل عليه السلام جاء إلى لوط ومعه طائفة من الملائكة على صورة غلمان مرد حسان بصفة ضيوف فأدخلهم بيته وكان شديد الخوف عليهم من قومه الفسقة الذين كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ولم يعلم أحد بمجيئهم إلا امرأته، فخرجت الخبيثة فأخبرت قومها وقالت إن في بيت لوط رجالا ما رأينا مثل وجوههم قط ولا أحسن منهم، فأسرعوا بالمجيء إليه فأغلق الباب دونهم والملائكة معه في الدار فجعلوا يعالجون فتسح الباب، وجعل لوط يناشدهم من وراء الباب بقوله (اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منك رجل شديد) أي صالح عاقل، فلم يرجعوا عن معالجة الباب فعند ذلك قال (لو أن لي بكم قوة) أي لو أني أقدر أن أتقوى عليكم، يريد قوة البدن أو الأتباع (أو آوى إلى ركن شديد) جواب لو محذوف أي لفعلت بكم ولصنعت، والمعنى لو قويت عليكم بنفسي لقاتلتكم أو أنضم إلى عشيرة يمنعوني منكم أو قوي أستند إليه وأتمنع به فيحميني منكم فشبه القوي الشديد بالركن في الجبل في شدته ومنعته، وقد جاء في حديث الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كان يأوي إلى ركن شديد إلى ربه عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم ما بعث بعده نبي إلا في ثروة من قومه (الثروة) العدد الكثير (3)(سنده) حدثنا أمية ابن خالد ثنا حماد بن سلمة وأبو عمر الضرير المعنى. قال ثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لوط لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد، قال قد كان يأوي إلى ركن شديد يعني الله عز وجل ولكنه الخ (4) الذروة بكسر الذال المعجمة وسكون الراء من معانيها الثروة والجدة

ص: 179

-[قوله تعالى {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} الآية وتفسيرها وسبب نزولها]-

الليل) الخ الآية (عن ابن عباس)(1) أن امرأة مغببا (2) أنت رجلا تشتري منه شيئا فقال ادخلي الدولج (3) حتى أعطيك فدخلت فقبلها وغمزها (4) فقال ويحك أني مغيب فتركها وندم على ما كان منه، فأتى عمر فأخبره بالذي فعل فقال ويحك فلعلها مغيب؟ قال فإنها مغيب، قال فائت أبا بكر فاسأله، فأتى أبا بكر فأخبره، فقال أبو بكر ويحكم لعلها مغيب؟ قال فإنها مغيب، قال فائت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلها مغيب؟ قال فإنها مغيب، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن {وأقم الصلاة طرفي النهار زلفى من الليل (5) - إلى قوله للذاكرين} قال فقال الرجل يا رسول الله أهي في خاصة أو في الناس عامة؟ قال فقال عمر لا ولا تعمة عين لك (6) بل هي للناس عامة، قال فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال صدق عمر (7)

والمال المراد هنا الجاه والمنعة كما فسرت في رواية أبي عمر أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث، وفسر الإمام النووي قول لوط (لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) إنه لما اندهش- بحال الأضياف قال ذلك أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول الأضياف اعتذارًا اهـ فلما رأت الملائكة ما لقى لوط بسببهم (قالوا يا لوط) ركنك شديد وهو الله عز وجل {إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} يعني بمكروه فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه عز وجل في عقوبتهم فأذن له فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم وهذا معنى قوله عز وجل في آية أخرى {ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر} ثم كان ما قصد الله عز وجل بقوله {فأسر بأهلك بقطع من الليل} إلى آخره القصة (تخريجه)(ق جه) وابن جرير وابن مردويه (1)(سنده) حدثنا مؤمل قال حدثنا حماد قال حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) المغيب والمغيبة التي غاب زوجها (أتت رجلا) هو أبو اليسر بالتحريك كعب بن عمرو والأنصاري كما صرح بذلك ابن جرير في حديثه قال أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا فقلت إن في البيت تمرا أجود من هذا فدخلت فأهويت إليها فقبلتها فأتيت عمر الحديث (3) بفتح المهملة وسكون الواو وفتح اللام، فسره في النهاية بالمخدع وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير (4) جاء في رواية من حديث أبي هريرة أيضا عند الإمام أحمد قال فأدخلتها الدولج فأصبت منها ما دون الجماع (5)(التفسير) قال ابن عباس طرفا النهار الغداة والعشي يعني صلاة الصبح والمغرب (وزلفا من الليل) أي ساعاته واحدتها زلفة، وقال الحسن (طرفا النهار) الصبح والعصر (وزلفا من الليل) المغرب والعشاء، وقال مقاتل صلاة الفجر والظهر طرف، وصلاة العصر والمغرب طرف (وزلفا من الليل) يعني صلاة العشاء (إن الحسنات يذهبن السيئات) يعني أن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات الذنوب الصغائر. فقد روى مسلم والإمام أحمد (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن) زاد في رواية ما لم تغش الكبائر (ذلك) إشارة إلى ما تقدم ذكره من الاستقامة والتوبة، وقيل هو إشارة إلى القرآن {ذكرى للذاكرين} يغني عظة المؤمنين المطيعين (6) زاد في رواية فضرب عمر صدره بيده فقال ولا نعمة عين ولا قرة عين لك والنون في نعمة بالحركات الثلاث كما في اللسان (7) يعني أنها للناس عامة (تخريجه)(طب طس)

ص: 180

-[تكفير الذنوب الصغائر بالصلوات الخمس وقوله تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات}]-

(عن عبد الله بن مسعود)(1) قال جاء رجل (2) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني أخذت امرأة في البستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها قبلتها ولزمتها (3) ولم أفعل غير ذلك فافعل بي ما شئت، فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل فقال عمر لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فقال ردوه علي، فردوه عليه فقرأ عليه {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} (4) فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه أله وحده أم للناس كافة يا نبي الله (5) فقال بل للناس كافة (وعنه من طريق ثان (6) نحوه وفيه) فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} قال فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه فقال عمر يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة (7) فقال بل للناس كافة (سورة يوسف)(باب فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن)(عن أبي هريرة)(8) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن}

وابن جرير عن أبي اليسر صاحب القصة ورجاله ثقات وله شواهد كثيرة تعضده (منها) ما رواه الشيخان والإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله) الحديث سيأتي بعد هذا (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق حدثنا إسرائيل عن سماك أنه سمع إبراهيم يحدث عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود الخ (غريبه)(2) تقدم في شرح الحديث السابق أنه أبو اليسر (بفتحتين) كعب بن عمرو الأنصاري (3) أي احتضنها زاد في رواية (وباشرتها) أي باشر جسمه جسمها بغير حائل (4) تقدم تفسير هذه الآية في شرح الحديث السابق (5) معناه هل تكفير الذنوب الصغيرة بالصلوات الخمس خاص بهذا الرجل أم للناس كافة؟ فقال صلى الله عليه وسلم بل للناس كافة، هكذا تستعمل كافة حالات أي كلهم، ولا يضاف فيقال كافة الناس ولا الكافة بالألف واللام، وهو معدود في تصحيف العوام ومن أشبههم قاله النووي (6)(سنده) حدثنا وكيع ثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان فضممتها إلي وباشترها وقبلتها وفعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها، قال فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم الحديث (7) جاء في الطريق الأولى أن القائل ذلك معاذ بن جبل ولا مانع من أن السؤال صدر من معاذ وعمر لكون أحدهما لم يسمع سؤال الآخر والله أعلم (تخريجه)(ق. والأربعة) واستنبط ابن المنذر من حديث الباب أنه لا أحد على من وجد من أجنبية في لحاف واحد، وفيهما عدم الحد في القبلة ونحوها وسقوط التعذير عمن أتى شيئا منها وجاء تائبا نادما اهـ (قلت) وصاحب القصة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم تائبا نادما قائلا افعل بي ما شئت، بل قد صرح في بعض الروايات أنه ندم على فعله ذلك، نسأل الله أن يتوب علينا من جميع الذنوب وأن يعفو عن سيئاتنا إنه عفو غفور (باب)(8)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة الخ (قلت) سبب هذا الحديث ما ذكره الله عز وجل في قصة يوسف من رؤيا ملك مصر وعرضها على المعبرين فقالوا (أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) فتذكر الساقي الذي كان مسجونا مع يوسف أن يوسف يحسن تأويل

ص: 181

-[قصة يوسف عليه السلام مع النسوة اللاتي قطعن أيديهن وتفسير ذلك]-

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت أنا لأسرعت الإجابة (1) وما ابتغيت العذر (باب قوله عز وجل نرفع درجات من نشاء)(حدثنا عبيد بن أبي قرة)(2) قال سمعت مالك بن أنس (3)

الرؤى فأرسلوه إلى السجن حيث لا يزال يوسف مسجونا ليعبر رؤيا الملك فعبرها بما قصه الله عز وجل في كتابه، فرجع الساقي إلى الملك وأخبره بما أفتاه به يوسف من تأويل رؤياه وعرف الملك أن الذي قاله كائن قال ائتوني به (التفسير) (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول) وقال له أجب الملك أبا أن يخرج مع الرسول حتى تظهر براءته ثم قال (للرسول) (ارجع إلى ربك) يعني سيدك الملك (فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أذبا واحتراما (إن ربي بكيدهن عليم) وأبا أن يخرج مع الرسول وأجابه الملك حتى يعرف صحة أمره عندهم مما كانوا قذفوه به من شأن النساء: وحتى لا ينظر إليه بعين التهمة والخيانة، قال السدي قال ابن عباس لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه مازالت في نفس العزيز منه حاجة، يقول هذا الذي رواد امرأته اهـ فدعا الملك النسوة وامرأة العزيز (قال ما خطبكن) أي ما شأنكن وأمركن (إذ راودتن يوسف عن نفسه) خاطبهن والمراد امرأة العزيز، وقيل إن امرأة العزيز راودته عن نفسه وسائر النسوة أمرنه بطاعتها فلذلك خاطبهن جميعا (قلن حاش لله) معاذ الله (ما علمنا عليه من سوء) خيانة (قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق) أي ظهر وتبين، وقيل إن النسوة أقبلن على امرأة العزيز فقررنها فأقرت، وقيل خافت أن يشهدن عليها فأقرت وقالت أنا راودته عن نفسه وإنه لم الصادقين في قوله هي راودتني عن نفسي (ذلك ليعلم إني لم أخنه بالغيب) تقول إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي إني لم أخنه بالغيب في نفس الأمر، ولا وقع المحذور الأكبر، وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين وما أبرء نفسي) تقول المرأة ولست أبرئ نفسي فإن النفس تتحدث وتتمنى ولهذا راودته (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) أي إلا من عصمه الله تعالى {إن ربي غفور رحيم} قال الحافظ ابن كثير في تفسيره وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام، وقد حكاه الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله فأفرده بتصنيف على حدة، وقد قيل إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول ذلك ليعلم إني أخنه في زوجته بالغيب الآيتين، أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز إني لم أخنه في زوجته بالغيب وإن الله لا يهدي كيد الخائنين الآية: قال وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه، قال وهكذا قال مجاهد وسعيد ابن جبير وعكرمة وابن أبي الهزيل والضحاك والحسن وقتادة السدى، قال والقول الأول أقوى وأظهر لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل عبد ذلك أحضره الملك والله أعلم (1) أي إجابة الداعي بالخروج من السجن (وما ابتغيت العذر) أي ما طلبت البراءة ولا انتظرت ظهورها: يريد صلى الله عليه وسلم بذاك وصف يوسف عليه السلام بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك بل {قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة} الآية أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلما، وإنما قال نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل التواضع لا أنه لو كان مكانه كان منه مبادرة إلى الخروج: والتواضع لا يصغر كبيرا ولا يبطل لذي حق حقه لكنه يوجب لصاحبه فضلا يكسبه جلالا وقدرا والأناة وصف المؤمنين فضلا عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق جه وغيرهم)(باب)(2) حدثنا عبيد بن أبي قرة الخ) (غريبه)(3) هو الإمام

ص: 182

-[قصة يوسف مع أخوته واحتياله على أخذ أخيه وتفسير ذلك]-

يقول (نرفع درجات من نشاء) قال بالعلم (1) قلت من حدثك؟ قال زعم (2) ذاك زيد بن أسلم (3)

الجليل عالم المدينة وأحد الأئمة الأربعة رحمهم الله (1) فسر رفع الدرجات بسبب العلم وهو مستنيط من قوله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين آتوا العلم درجات} والقرآن يفسر بعضه بعضا (2) الزعم يطلق بمعنى القول ومنه زعم سيبويه أي قال، وعليه قوله تعالى {أو تسقط السماء كما زعمت} أي كما أخبرت، ويطلق على الظن، يقال في زعمي كذا، وعلى الاعتقاد، ومنه قوله تعالى {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا} قال الأزهري وأكثر ما يكون فيما يشك فيه اهـ (قلت) والمراد هنا القول لا الشك (3) هو العدوى المدني التابعي أحد الأعلام من مشايخ الإمام مالك، قال مالك كان زيد يحدث من تلقاء نفسه فإذا قام فلا يجترئ عليه أحد، وثقه الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة: مات سنة ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة (خلاصة)(تخريجه) إسناد هذا الأثر صحيح، وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لأبي للشيخ فقط، أما قوله عز وجل {نرفع درجات من نشاء} المذكور في الأثر فقد جاء في سياق قصة يوسف مع إخوته لما قدموا عليه ومعهم إخوة شقيقه بنيامين وأدخلهم كرامته ومنزل ضيافته وأفاض عليهم الصلة والألطاف والإحسان واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له وعرفه أنه أخره وقال له لا تبتئس أي لا تأسف على ما صنعوا بي، وأمره بكتمان ذلك عنهم وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عند معززا مكرما معظما، وتفصيل هذه الحيلة جاء في قوله تعالى {فلما جهزهم بجهازهم} أي حمل لهم أبعرتهم طعاما (جعل السقاية في رجل أخيه) أي أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية وهي إناء من فضة في قول الأكثرين وقيل من ذهب قاله ابن زيد، وكان يشرب فيه ويكيل للناس به من عزة الطعام إذ ذاك، قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وقال عكرمة كان مشربة من فضة مرصعة بالجواهر، جعلها يوسف مكيالا لئلا يكال بغيره وكان يشرب منها: والسقاية والصواع واحد فوضعها في متاع بنيامين من حيث لا يشعر أحدهم (ثم أذن مؤذن) أي نادى مناد (أيتها العير) وهي القافلة التي فيها الأحمال (إنكم لسارقون) قالوا وما ذاك؟ قالوا سقاية الملك فقدناها ولانتهم عليها غيركم، فذلك قوله عز وجل (قالوا وأقبلوا عليهم) عطفوا على المنادى وأصحابه (ماذا تفقدون) أي ما الذي ضل عنكم؟ والفقدان ضد الوجدان (قالوا نفقد صواع الملك) أي صاعه الذي يكيل به (ولمن جاء به حمل بعير) من الطعام، وهذا من باب الجعالة (وأنابه زعيم) أي كفيل، يقول المنادي وهذا من باب الضمان والكفالة، ولما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة قال لهم أخوه يوسف (تالله) أي والله وخصت هذه الكلمة بأن أبدلت الواو فيها بالتاء في اليمين دون سائرا سائرا سماء الله تعالى (لقد علمتم) أي لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا لأنهم شاهدوا منهم سيرة حسنة أنا (ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين) أي ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة فقال لهم الفتيان (فما جزاؤه) يعني ما جزاء السارق (إن كنتم كاذبين) في قولكم وما كنا سارقين يعني أي شيء يكون عقوبة السارق أن وجدناه منكم (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) أي فالسارق جزاؤه أن يسلم بسرقته إلى المسروق منه فيسترقه سنة، وكان ذلك سنة آل يعقوب في حكم السارق، وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عند فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم (كذلك نجزي الظالمين) الفاعلين

ص: 183

-[(سورة الرعد) وقوله تعالى {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}]-

(سورة الرعد)

(باب قوله عز وجل إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)(ز)(عن علي رضي الله عنه (1) في قوله عز وجل {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر والهاد رجل من بني هاشم

ما ليس لهم فعله من سرقة مال الغير، فقال الرسول عند ذلك لابد من تفتيش أمتعتكم فأخذ في تفتيشها (وروى) أنه ردهم إلى يوسف فأمر بتفتيش أوعيتهم بين يديه (فبدأ بأوعيتهم) لإزالة التهمة (قبل وعاء أخيه) فكان يفتش أوعيتهم واحدا واحدا (ثم استخرجها من وعاء أخيه) وإنما أنث الكناية في قوله (ثم استخرجها) والصواع مذكر بدليل قوله ولمن جاء به حمل بعير) لأنه رد الكناية هنا إلى السقاية وقيل الصواع يذكر ويؤنث فلما أخرج الصواع من رحل بنيامين نكس أخوته رءوسهم من الحياء فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم وإلزاما لهم بما يعتقدون (كذلك كدنا ليوسف) الكيد المبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة، وقيل كدنا الهمنا، وقيل دبرنا، ومعناه صنعنا ليوسف حتى ضم أخاه إلى نفسه وحال بينه وبين أخوته (ما كان ليأخذ أخاه) فيضمه إلى نفسه (في دين الملك) أي في حكمه قاله قتادة، وقال ابن عباس في سلطانه (إلا أن يشاء الله) يعني أن يوسف لم يتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كدنا له بطلفنا حتى وجد السبيل إلى ذنب وهو ما أجرى على السنة الإخوة إن جزاء السارق الاسترقاق، فحصل مراد يوسف بمشيئة الله تعالى {نرفع درجات من نشاء} بالعلم كما رفعنا درجات يوسف على أخوته، وقرأ يعقوب يرفع ويشاء بالياء فيهما وإضافة درجات إلى من في هذه السورة، والوجه أن الفعل فيهما مسند إلى الله تعالى، أي يرفع الله درجات من يشاء، وقرأ الباقون بالنون فيهما إلا أن الكوفيين قرءوا درجات بالتنوين ومن سواهم بالإضافة أي نرفع به نحن والرافع أيضا هو الله عز وجل (وفوق كل ذي علم عليم) قال ابن عباس فوق كل عالم عالم إلى أن ينتهي العلم إلى الله تعالى، فالله تعالى فوق كل عالم: والله نسأل أن يعلمنا من لدنه ما لم نعلم وأن يوفقنا لخير العمل (باب)(1)(ز)(سنده) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا مطلب بن زياد عن السدي عن عبد خير عن علي الخ (2)(التفسير) أول الآية {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه يقول تعالى إخبارا عن المشركين إنهم يقولون كفرا وعنادا لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون كالناقة لصالح والعصا لموسى كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن يزيح عنهم الجبال ويجعل مكانها مروجا وأنهارا علامة وحجة على نبوته قال الله تعالى {إنما أنت منذر} أي إنما عليك أن تبلغ رسالة الله التي أمرك بها وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء (ولكل قوم هاد) قال العوفي عن ابن عباس في الآية يقول الله تعالى أنت يا محمد منذر، وأنا هادي كل قوم، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد، وعن مجاهد (ولكل قوم هاد) أي يعني كقوله وأن من أمة إلا خلا فيها نذير، وبه قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد، وقال عكرمة والضحاك الهادي محمد يقول: إنما أنت منذر وأنت هاد لكل قوم أي داع، ويؤيد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث (المنذر والهاد رجل من بني هاشم) وقال الجنيد الهادي هو على بن أبي طالب، قال ابن أبي حاتم ورى عن ابن عباس في إحدى الروايات وعن أبي جعفر محمد بن على نحو ذلك (قلت) وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس قال لما نزلت

ص: 184

-[قوله عز وجل {ويسبح الرعد بحمده} وكلام العلماء في ذلك]-

(باب قوله عز وجل ويسبح الرعد بحمده)(عن ابن عباس)(1) قال أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم أنا نسألك عن خمسة أشياء فذكر الحديث، وفيه قالوا أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيداه وفي يده مخراق من نار (2) يزجر به السحاب يسوقه حيث أمر الله، قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال صوته، قالوا صدقت

(إنما أنت منذر ولكل قوم) هاد قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال أنا المنذر ولكل قوم هاد وأومأ بيده إلى منكب علي فقال أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي، قال الحافظ ابن كثير وهذا الحديث فيه نكارة شديدة، وقد جمع الإمام ابن جرير في تفسيره بين هذه الأقوال فقال معنى الهداية إنه الإمام المتبع الذي يقدم القوم، فإذا كان ذلك فجائز أن يكون ذلك هو الله الذي يهدي خلقه ويتبع خلقه هداه ويأتمون بأمره ونهيه، وجائز أن يكون نبي الله الذي تأتم به أمته، وجائز أن يكون إماما من الأئمة يأتم به ويتبع منهاجه وطريقته أصحابه، وجائز أن يكون داعيا من الدعاة إلى خير أو شر وإذا كان ذلك كذلك فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جل ثناؤه إن محمدا هو المنذر من أرسل إليه بالإنذار وأن لكل قوم هاديا يهديهم فيتبعونه ويأتمون به والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه عبد الله بن أحمد والطبراني في الصغير والأوسط ورجال المسند ثقات اهـ، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لابن أبي حاتم فقط وغفل عن عزوه للمسند، أو لم يطلع عليه والله أعلم (باب) (1) (عن ابن عباس الخ) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب من كان عدوا لجبريل رقم 165 صحيفة 73 من هذا الجزء وهو حديث صحيح ورواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب: وإنما ذكرت هذا الطرف منه هنا لمناسبة قوله تعالى في هذه السورة {ويسبح الرعد بحمده} وأول الآية قوله عز وجل {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال} (التفسير)(هو الذي يريكم البرق) يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق وهو ما يرى من النور اللامع ساطعا من خلل السحاب (خوفا وطمعا) قيل خوفا من الصاعقة وطمعا في نفع المطر، وقيل الخوف المسافر يخاف منه الأذى والمشقة، والطمع المقيم يرجو منه البركة والمنفعة وقيل الخوف من المطر في غير مكانه وإبانة، والطمع إذا كان في مكانه وإبانه، ومن البلدان ما إذا أمطروا قحطوا وإذا لم يمطروا خصبوا (وينشئ السحاب الثقال) بالمطر أي ويخلقها منشأة جديدة وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض، قال مجاهد السحاب الثقال الذي فيه الماء (ويسبح الرعد بحمده) كقوله تعالى {وإن من شيء إلا يسبح بحمده، والرعد هو الصوت الذي يسمع من السحاب قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين الرعد اسم ملك يسوق السحاب، والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب وقيل الصوت زجر السحاب، وقيل تسبيح الملك، وقيل صوت انهراق الريح بين السحاب، قال البغوي والأول أصح يعني قول علي وابن عباس وهو الموافق لحديث الباب، (2)(مخراق من نار) هو المعبر عن هنا في قول علي وابن عباس (بسوط من نور) وسواء كان من نار أو نور فالمراد به الضوء، روى عن ابن عباس أنه قال من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو

ص: 185

-[قوله عز وجل {ويسقى من ماء صديد}]-

(سورة إبراهيم)(باب قوله عز وجل ويسقى من ماء صديد الخ)(عن أبي أمامة)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {ويسقى من ماء صديد يتجرعه} (2) قال يقرب إليه فيتكرهه

على كل شيء قدير فإن إصابته صاعقة فعلي ديته (وعن عبد الله بن الزبير) عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك رواه (حم م) والبخاري في الأدب والنسائي في اليوم والليلة (وقال الأوزاعي) كان ابن أبي زكريا يقول من قال حين يسمع الرعد سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة (وعن عبد الله بن الزبير) أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول إن هذا الوعيد شديد لأهل الأرض: رواه مالك في الموطأ والبخاري في الأدب (والملائكة من خيفته) أي تسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وخشيته، وقيل أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله تعالى له أعوانا فهم خائفون خاضعون طائعون (ويرسل الصواعق) جمع صاعقة وهي نار تخرج من السحاب (فيصيب بها من يشاء) كما أصاب أربد بن ربيعة، قال محمد بن علي الباقر الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر (وهم يجادلون) أي يخاصمون (في الله) نزلت في شأن أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم مم ربك؟ أمن در أم من ياقوت أم من ذهب؟ فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته (وهو شديد المحال) أي شديد الأخذ، وقال مجاهد شديد القوة، وقال أبو عبيدة شديد المقوية، وقيل شديد المكر والمحال (والمماحلة) المماكرة والمغالبة والله أعلم. (سورة إبراهيم)

(باب)(1)(سنده) حدثنا علي بن إسحاق أنا عبد الله أنا صفوان بن عمرو عن عبيد الله ابن يسر عن أبي أمامة الخ (2)(التفسير) أول الآية وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا) بخبر الله تعالى عم توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم والنفي من بين أظهرهم كما قال قوم شعيب له ولمن أمن به لتخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا الآية، وكما قال قوم لوط: أخرجوا آل لوط من قريتكم الآية، وقال تعالى أخبارا عن مشركي قريش، وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها الآية، وقال تعالى:{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (أو لتعودن في ملتنا)} يعنون إلا أن ترجعوا أو حتى ترجعوا إلى ديننا {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم} أي بعد هلاكهم {ذلك لمن خاف مقامي} أي قيامه بين يدي كما قال: ولمن خاف مقام ربه جنتان: فأضاف قيام العبد إلى نفسه كما تقول ندمت على ضربك أي على ضربي إياك (وخاف وعيد) أي عقابي (واستفتحوا) قال مجاهد وقتادة يعني الرسل وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب كما قال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا: وقال موسى ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم الآية: (وخاب) خسر وقيل هلك (كل جبار عنيد) الجبار الذي يجبر الخلق على مراده: والعنيد المعاند للحق ومجانبه (من روائه جهنم) أي أمامه كقوله تعالى: وكان وراءهم ملك أي أمامهم، قال أبو عبيدة هو من الأضداد، وقال مقاتل من ورائه جهنم أي بعده (ويسقى من ماء صديد) أي من ماء هو صديد، وهو ما يسل من أبدان الكفار من القيح والدم، وقال محمد بن كعب ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر (يتجرعه) أي يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة جرعة لمرارته

ص: 186

-[قوله تعالى {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} الخ]-

فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه (1) حتى خرج من دبره يقول الله عز وجل {وسقوا ماء حميما (2) فقطع أمعاءهم} ويقول الله عز وجل {وأن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل (3) يشوي الوجوه بئس الشراب} (باب ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت الخ)(عن ابن عمر)(4) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في قوله (كشجرة طيبة)(5) قال هي التي لا تنفض ورقها فظننت أنها النخلة (6)

وحرارته (وقد فسر في الحديث بأنه يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه: فروة الرأس والوجه جلدته (1) أي مصارينه وهو جمع معى بالقصر (2) أي شديد الحرارة (3) أي كعكر الزيت يشوي الوجوه من حره إذا قرب إليها (ولا يكاد يسيغه) أي يزدرده لقبحه وكراهته (ويأتيه الموت) أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب (من كل مكان) من أعضائه، قال إبراهيم التيمي حتى من تحت كل شعرة من جسده (وما هو بميت) فيستريح (ومن ورائه) أي بعد ذلك العذاب (عذاب غليظ) قوي شديد متصل، وقيل العذاب الغليظ الخلود في النار يعوذ بالله من ذلك (تخريجه) الحديث رجاله ثقات وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم (قلت) وأورده البغوي أيضا في تفسيره والله سبحانه وتعالى أعلم.

(باب)(4)(سنده) حدثنا حجاج حدثنا شريك عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عمر الخ (5) أول الآية {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} (6)(التفسير){ألم تر كيف ضرب الله مثلا} أي لم تعلم، والمثل قول سائر لتشبيه شيء (كلمة طيبة) هي قول لا إله إلا الله (كشجرة طيبة) هي النخلة يريد كشجرة طيبة الثمرة (أصلها ثابت) في الأرض (وفرعها) أعلاها (في السماء) أي مرتفع إلى جهة السماء: كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فإذا تكلم بها عرجت فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل، قال تعالى: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (تؤتي أكلها) أي تعطى ثمرها (كل حين بإذن ربها) والحين في اللغة هو الوقت وفيه أقوال كثيرة والظاهر أن المراد به هنا كل غدوة وعشي لأن ثمر النخل يؤكل أبدًا ليلا ونهارا أما تمرا أو رطبا أو عجوة كذلك عمل المؤمن يصعد أول النهار وآخره هو بركة إيمانه لا تنقطع أبدًا بل تصل إليه في كل وقت، قيل والحكمة في تشبيهها بالنخلة من سائر الأشجار أن النخلة أشبه الأشجار بالإنسان من حيث أنها إذا قطع رأسها يبست وسائر الأشجار تتشعب من جوانبها بعد قطع رءوسها، ولأنها تشبه الإنسان في أنها لا تحمل إلا بالتلقيح، ولأنها خلقت من فضل طينة آدم عليه السلام، ولذلك يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضيلة طينة أبيكم آدم الحديث رواه أبو يعلى وابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه عن علي وإن كان ضعيفا لكنه يعتضد بكثرة طرقه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى النخلة في حديث الباب بقوله هي التي لا تنفض ورقها أي لا يسقط ورقها صيفا ولا شتاء بخلاف غيرها من الشجر فإنه يسقط ورقه في زمن الشتاء (6) ظن ابن عمر أنها النخلة ولكنه لم يقل ذلك لصغره وتأدبا واحتراما لأبي بكر وعمر

ص: 187

-[قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}]-

(باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)

(عن البراء بن عازب)(1) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ذكر عذاب القبر يقال له (2) من ربك فيقول الله ربي ونبيي محمد (3) فذلك قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت (4) في الحياة الدنيا} يعني بذلك المسلم (زاد في رواية) وفي الآخرة (باب يوم تبدل الأرض غير الأرض الآية)(عن مسروق)(5) قال قالت عائشة أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} (6) قالت فقلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟

لأنهما كانا بالمجلس فقد روى الإمام أحمد والبخاري وغيرهما عن نافع عن ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخبروني بشجرة شبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها صيفا ولا شتاء وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة: فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة فقال ما منعك أن تتكلم؟ قلت لم أركم تتكلمون فكرهت أن أتكلم وأقول شيئا، قال عمر لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا (تخريجه) حديث الباب أورده الهيثمي بدون قول ابن عمر (فظننت أنها النخلة) وقال رواه أحمد ورجاله ثقات وقال لابن عمر حديث في الصحيح غير هذا (قلت) هو الذي ذكرته آنفا، وحديث الباب أورده أيضا الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه للإمام أحمد وابن مردويه بسند جيد (باب)(1)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(2) أي يقول الملكان لصاحب القبر بعد إعادة روحه إلى جسده يسألانه عن ربه ونبيه (3) هكذا يقول العبد الصالح المسلم، وأما الكافر والمنافق فيتلعثم ولا يدري ما يقول (4)(التفسير)(يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) أي كلمة التوحيد وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله التي ثبتت بالحجة عندهم (في الحياة الدنيا) قبل الموت كما ثبت في الذين فتنهم أصحاب الأخدود والذين نشروا بالمناشير (وفي الآخرة) في القبر بعد إعادة روحه في جسده وسؤال الملكين له، وإنما حصل لهم الثبات في القبر يسبب مواظبتهم في الدنيا على هذا القول، ولا يخفى أن كل شيء كانت المواظبة عليه أكثر كان رسوخه في القلب أتم، وهذا قول أكثر المفسرين (وقيل) في الحياة الدنيا في القبر عند السؤال، وفي الآخرة عند البعث إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف فلا يتلعثمون ولا تدهشهم أهول القيامة، قال البغوي والأول أصح، وجاء في عذاب القبر أحاديث كثيرة تقدمت بسندها وشرحها وكلام العلماء في ذلك في أبواب عذاب القبر في الجزء الثامن صحيفة 601 فارجع إليه والله الموافق: اللهم ثبتنا على دينك بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ونجنا من عذاب القبر وما بعده بمنك وكرمك وفضلك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين (تخريه)(ق. والأربعة)

(باب)(5)(سنده) حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق قال قالت عائشة الخ (6)(التفسير) قال صاحب فتح البيان في تفسيره هذه الآية (يوم) أي اذكر وارتقب يوم (تبدل

ص: 188

-[قوله عز وجل {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}]-

قال على الصراط (1)(سورة الحجر)(باب ولقد علمنا المستقدمين منكم الخ)(عن ابن عباس)(2) قال كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف

الأرض) المشاهدة (غير الأرض والسماوات) والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم بالدنانير، وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتما والآية تحتمل الأمرين، وبالثاني قال الأكثر أي وتبدل السموات غير السموات لدلالة ما قبله عليه على الاختلاف الذي مر، وتقديم تبديل الأرض لقربانها ولكون تبديلها أعظم أثرا بالنسبة إلينا كما أخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظلمة دون الجسر، وأخرج مسلم وغيره من حديث عائشة فذكر. حديث الباب وفيه فقلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال على الصراط، وللإمام أحمد عن عائشة أيضا أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات: قالت قلت فأين الناس يومئذ؟ قال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي، ذاك إذ الناس على جسرهم، قال في فتح البيان والصحيح على هذا إزالة عين هذه الأرض (وأخرج البزار) وابن المنذر والطبراني في الأوسط والبيهقي وابن عساكر وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: يوم تبدل الأرض غير الأرض: قال أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة، قال البيهقي والموقوف أصح، وفي الباب رواايت وقد روى نحوها ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي (قلت) قال النووي العفراء العين المهملة والمد بيضاء إلى حمرة والنقي بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء هو الدقيق الحوري وهو الدرمك وهو الأرض الجيدة قال القاضي كأن النار غيرض بياض وجه الأرض إلى الحمرة اهـ قال في فتح البيان وقد أطال القرطبي في بيان ذلك في تفسيره وفي تذكرته، وحاصله أن هذه الأحاديث نص في أن الأرض والسماوات تبدل وتزال ويخلق الله أرضا أخرى تكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر وهو الصراط لا كما قال كثير من الناس أن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية آكامها ونسف جبالها ومد أرضها، ثم قال وذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح إنه لا تعارض بين هذه الآثار وأنهما تبدلان كسرتين إحداهما هذه الأولى قيل نفخة الصعق، والثانية إذا وقفوا في المحشر وهي أرض عفراء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى عليها ظلم، ويقوم الناس على الصراط على متن جهنم، ثم ذكر في موضع آخر من التذكرة ما يقتضي أن الخلائق وقت تبديل الأرض تكون في أيدي الملائكة رافعين لهم عنها اهـ والله أعلم (وبرزوا) أي خرجوا من قبورهم (لله الواحد القهار) الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (1) قال الحافظ وعند مسلم من حديث ثوبان مرفوعا يكونون في الظلمة دون الجسر وجمع بينهما البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط وأن في قوله على الصراط مجاز لكونهم يجاوزونه لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها وكأن ذاك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف، ويشير إلى ذلك قوله تعالى {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم} اهـ (تخريجه)(م مذ جه).

(باب)(2)(سنده) حدثنا سريج حدثنا نوح بن قيس عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء

ص: 189

-[قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} وقوله {إن الله يأمر بالعدل} الخ]-

المؤخرة، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله في شأنها {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} (1)(باب) ولقد آتيناك سبعا من المثاني} (عن أبي هريرة)(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم (وعنه بلفظ آخر) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني (ز)(وعنه أيضا) عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل (سورة النحل)(باب إن الهل يأمر بالعدل والإحسان الآية)(عن عبد الله بن عباس)(3) قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفناء بيته بمكة جالس إذ مر به عثمان بن مظعون فتكشر (4) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجلس؟ قال بلى، قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن ابن عباس الخ (1)(التفسير) قال الإمام البغوي في تفسيره قال ابن عباس أراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الأحياء، وقال الشعبي الأولين والآخرين، وقال عكرمة المستقدمون من خلق الله والمستأخرون من لم يخلق الله، قال مجاهد المستقدمون القرون الأولى، والمستأخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال الحسن المستقدمون في الطاعة والخيرات والمستأخرون المبطئون فيها، وقيل المستقدمون في الصفوف في الصلاة، والمستأخرون فيها، وذلك أن النساء كن يخرجن إلى صلاة الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان من الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى آخر صفوف الرجال ليقرب من النساء، ومن النساء من كانت في قلبها ريبة فتتقدم إلى أول صفوف النساء لتقرب من الرجال فأنزلت هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها: وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها: رواه (م حم والأربعة) وتقدم في باب الحث على تسوية الصفوف من أبواب صلاة الجماعة في الجزء الخامس صحيفة 307 رقم 1455، وقد صرح في حديث الباب أن سبب نزول هذه الآية قصة المرأة المذكورة ولذلك ذكره الحافظ السيوطي في كتابه لباب النقول في أسباب النزول ثم قال، وأخرج ابن مردويه عن داود بن صالح أنه سأل سهل بن حنيف الأنصاري: ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين: أنزلت في سبيل الله؟ قال لا ولكنها في صفوف الصلاة والله أعلم (تخريجه)(مذ نس جه طل ك جز حب هق) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال عمرو بن علي (يعني الفلاس) لم يتكلم أحد في نوح ابن قيس الطاحي بحجة اهـ (قلت) وأقره الذهبي وقال هو صدوق خرج له مسلم (باب)(2) هذا الحديث والذي بعده تقدما بسنديهما وشرحهما وتخريجهما في باب سورة الفاتحة وما ورد في فضلها صحيفة 66 و 67 من هذا الجزء وإنما ذكرتهما هنا لمناسبة قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} وتقدم الكلام في تفسير هذه الآية وما قاله العلماء في المراد بالسبع المثاني في الباب المشار إليه فارجع إليه.

(باب)(3)(سنده) حدثنا أبو النضر قال حدثنا عبد الحميد حدثنا شهر حدثنا عبد الله بن عباس الخ (غريبه)(4) هكذا بالأصل المطبوع (فتكشر) وفي نسخة مخطوطة (فكشر) ومعناه تبسم وهو الموافق لسائر المصادر. قال في النهاية الكشر (بسكون المعجمة) ظهور الأسنان للضحك وكاشره إذا

ص: 190

-[تفسير {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الخ وسبب إسلام عثمان بن مظعون]-

مستقبله فبينما هو يحدثه إذا شخص (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فنظر ساعة إلى السماء فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض فتحرف (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره وأخذ ينغض (3) رأسه كأنه يستفقه (4) ما يقال له وابن مظعون ينظر فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة فأتبعه بصره حتى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان بجلسته الأولى قال يا محمد فيم كنت أجالسك وآتيك ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة، قال وما رأيتني فعلت؟ قال رأيتك تشخص ببصرك إلى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت إليه وتركتني فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفقه شيئا يقال لك، قال وفطنت لذلك؟ قال عثمان نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني رسول الله (5) آنفا وأنت جالس قال رسول الله؟ قال نعم، قال فما قال لك؟ قال {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون} (6) قال عثمان (7) فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا صلى الله عليه وسلم (عن عثمان بن العاص)(8) قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إذا شخص ببصره ثم صوبه حتى كاد أن يلزقه بالأرض

ضحك في وجهه وباسطه (1) أي نظر (2) أي انحرف بالفاء (3) بكسر الغين المعجمة أي يحركه ويميل إليه (4) أي يستفهم (5) يعني جبريل عليه السلام وقوله آنفا بمد الهمزة أي قريبا (6)(التفسير)(إن الله يأمر بالعدل) بالإنصاف في كل شيء (والإحسان) إلى الناس، وعن ابن عباس العدل التوحيد والإحسان أداء الفرائض، وعنه أيضا الإحسان الإخلاص في التوحيد وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) وقال مقاتل العدل والتوحيد والإحسان العفو عن الناس (وإيتاء ذي القربى) صلة الرحم (وينهى عن الفحشاء) ما قبح من القول والفعل، وقال ابن عباس الزنا (والمنكر) ما لا يعرف في شريعة ولا سنة (والبغي) الكبر والظلم، وقال ابن عيينة العدل استواء السر والعلانية، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته (يعظكم لعلكم تذكرون) لعلكم تتعظون، قال ابن مسعود أجمع آية في القرآن هذه الآية، وقال أيوب عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم على الوليد إن الله يأمر بالعدل إلى آخر الآية فقال له يا ابن أخي أعد فعاد عليه فقال إن له والله لحلاوة وإن عليه لطلاوة. وإن أعلاه لمثمر. وإن أسفله لمغدق. وما هو بقول البشر. (7) عثمان هو ابن مظعون بن حبيب الجمحي من المهاجرين الأولين السابقين إلى الإسلام أسلم بمكة بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة وشهد بدرا ثم مات عقبة في سنة اثنين من الهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأول من دفن بالبقيع منهم، أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لبنته زينب حين ماتت (الحقي بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون)(تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني، وشهر وثقه أحمد وجماعة وفيه ضعف لا يضر وبقية رجاله ثقات اهـ وأورده أيضا الحافظ ابن كثير في تفسيره بسنده ومتنه وعزاه للإمام أحمد وقال إسناد جيد متصل حسن قيد بين فيه السماع المتصل، ورواه ابن أبي حاتم من حديث عبد الحميد بن بهرام مختصرا (8)(سنده) حدثنا أسود

ص: 191

-[قوله عز وجل {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} الآية]-

قال ثم شخص ببصره فقال أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة (1){إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (باب وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) الآية (ز)(عن أبي بن كعب)(2) قال لما كان يوم أحد قتل من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة (وفي رواية وحمزة فمثلوا (3) بقتلاهم) فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم (4) فلما كان يوم الفتح قال رجل لا يعرف لا قريش بعد اليوم، فنادى مناد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا سماهم (5) فأنزل الله تبارك وتعالى {وإن عاقبتم (6) فعاقبوا بمثل ما قوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} فقال

ابن عامر ثنا هريم عن ليث عن شهر بن حوشب عن عثمان بن أبي العاص الخ (1) فيه دلالة على أن وضع آيات القرآن وترتيبها في سورها كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه، (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وإسناده حسن (باب)(ز)(2)(سنده) حدثنا أبو صالح هدية بن عبد الوهاب المروزي ثنا الفضل بن موسى عيسى بن عبيد عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب الخ (غريبه)(3) أي مثل الكفار بالذين أصيبوا من الأنصار والمهاجرين يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه وأذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه والاسم المثلة فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة (نه)(4) من الإرباء أي لنزيدن ولنضاعفن عليهم في التمثيل (5) جاء في حديث سعد عند النسائي قال لما كان يوم فتح مكة من الرسول صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل. ومقيس بن صبابة. وعبد الله بن سعد بن أبي السرح الحديث (6)(التفسير)(وإن عاقبتم) أيها المؤمنون م ظلمكم واعتدى عليكم (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) أي فعاقبوا الذي ظلمكم بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة لا تزيدون شيئا، وهذه الآية لها أمثال في القرآن فإنها مشتملة على مشروعية العدل والندب إلى الفضل كما في قوله تعالى:{وجزاء سيئة سيئة مثلها: ثم قال فمن عفا وأصلح فأجره على الله} : وقال في هذه الآية وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به: ثم قال {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} أي ولئن عفوتم لهو خير للعافين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نصبر ولا نعاقب، قال ابن عباس والضحاك كان هذا قبل نزول براءة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتله ومنع من الابتداء بالقتال، فلما أعز الله الإسلام وأهله نزلت براءة وأمروا بالجهاد ونسخت هذه الآية، قال النخعي والثوري ومجاهد وابن سيرين الآية محكمة، نزلت فيمن ظلم بظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال الظالم منه، أمر بالجزاء والعفو ومنع من الاعتدء ثم قال عز من قائل {واصبر وما صبرك إلا بالله} تأكيدا للأمر بالصبر وإخبارا بأن ذلك لا ينال إلا بمشيئة الله وإعانته وحوله وقوته ثم قال (ولا تحزن عليهم) أي على من خالفك فإن الله قدر ذلك (ولا تك في ضيق) أي غم (مما يمكرون) أي مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك فإن الله كافيك وناصرك ومؤيدك ومظفرك بهم {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} أي معهم بتأييده ونصره ومعونته وهديه (تخريجه)(نس مذ حب طب ك هق)

ص: 192

-[قوله تعالى {وما منعنا أن نرسل بالآيات} وقوله {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك} الخ]-

رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبر ولا نعاقب (سورة الإسراء)(باب وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون)(عن ابن عباس)(1) قال سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا (2) وأن ينحى الجبال عنهم فيزدرعوا، فقيل له إن شئت أن تستأنثى بهم (3) وإن شئت أن تؤتيهم الذين سألوا فإن كفروا هلكوا كما أهلكت من قبلهم (4) قال لا بل استأنى بهم (5) فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وما منعنا أن نرسل بالآيات (6) إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة) (باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة الناس)(عن عكرمة)(7) عن ابن عباس في قوله عز وجل {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (8) قال هي رؤيا

وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب من حيث أبي بن كعب اهـ (قلت) وصححه الحكم وأقره الذهبي وهو من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد على مسند أبيه رحمهما الله (باب)(1)(سنده) حدثنا عثمان بن محمد (قال عبد الله بن الإمام أحمد) وسمعته أنا من حدثنا جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) أي طلبوا أن يحول لهم بل الصفا الموجود بمكة من حجر إلى ذهب (وأن ينحى الجبال عنهم) أي يزيلها من أماكنها (فيزدرعوا) أي فيزرعوا مكانها (3) أي تنتظر وتتربص، يقال أنيت وتأنيت واستأنيت (4) يعني مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم (5) إنما اختار ذلك صلى الله عليه وسلم رحمة بهم ورجاء إسلام كثير منهم (6)(التفسير){وما منعنا أن نرسل بالآيات} أي التي سألها كفار قولك (إلا أن كذب بها الأولون) أي فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكناهم، لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها إن تهلكهم ولا نمهلهم، وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة إلى يوم القيامة: ثم ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها فأهلكوا فقال تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أي آية بينة وذلك لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم (فظلموا بها) أي جحدوا بها من عند الله وعقروا الناقة، وقيل فظلموا أنفسهم بتكذيبها فعاجلناهم بالعقوبة (وما نرسل بالآيات) المقترحة (إلا تخويفا) أي وما نرسل بالآيات يعني العبر والدلالات إلا تخريفا أي إنذارا بعذاب الآخرة إن لم يؤمنوا، فإن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون (تخريجه)(نس ك) وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (باب)(7) حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس الخ (8)(التفسير) الأكثرون من المفسرين على أن المراد من الرؤيا ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات وقد فسرها ابن عباس في حديث الباب بأنها رؤيا عين رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، وجاء كذلك في صحيح البخاري أيضا وكان يقال لابن عباس حبر الأمة والبحر لكثرة علمه. دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة، وثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ضم ابن عباس إلى صدره وقال اللهم علمه الكتاب، وقال ابن مسعود نعم الترجمان القرآن ابن عباس، وجاء في الطريق الثانية من حديث ابن عباس أيضا قال شيء أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة رآه بعينه حين ذهب إلى بيت المقدس وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومعروف وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج وغيرهم، والعرب

ص: 193

-[كلام العلماء في تفسير قوله تعالى {وما جعلنا الرؤيا} الخ والتحقيق أنها كانت بصرية]-

عين رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به (وعنه من طريق ثان)(1) قال كان ابن عباس يقول (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) شيء أريه (3) النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة رآه بعينه حين ذهب به إلى بيت المقدس (باب وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)(عن أبي هريرة (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} (؛) قال تشهده

تقول رأيت بعيني رؤية ورؤيا، فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا أفكانت فتنة للناس وازداد المخلصون إيمانا (1)(سنده) حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول كان ابن عباس الخ (2) بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة ولم يصرح بالمرثى، وفي قوله في اليقظة نفي لقول من قال إنها رؤيا منامية، بل جاء في سنن سعيد بن منصور عن سفيان في آخر الحديث قال وليست رؤيا منام، ومع هذه الحجج الواضحة فقد (ذهب قوم) إلى أن رؤيا الإسراء كانت منامية، وحجتهم في ذلك أنه يقال في البصرية رؤية وفي المنامية روؤيا، وقد جاء القرآن بلفظ رؤيا، واستدل القائلون بأنها بصرية بحديث ابن عباس أعني حديث الباب، وفيه رد صريح على من أنكر مجيء المصدر من رأى البصرية على رؤيا كالحريري وغيره، وبمن استعمل الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله (ورؤياك أحلى في العيون من الغمض) وأبلغ من ذلك في الرد عليهم قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام. فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظما ولم تبادر كفار قريش إلى تكذيبه ولا ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال تعالى {أسرى بعبده ليلا} (وقام قوم) أسرى بروحه دون جسده وهو ضعيف لقوله تعالى {ما زاغ البصر وما طغى} والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضا فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء كما جاء عند مسلم والإمام أحمد وغيرهما في حديث الإسراء عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس الحديث، والركوب لا يكون إلا للجسد لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه (وقال قوم) إنها الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في النوم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فجعل المسير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون فرجع إلى المدينة فكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم ثم دخل مكة في العام المقبل وأنزل الله عز وجل {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} ويدفع هذا قول ابن عباس في حديث الباب هي رؤيا العين رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، وقصارى القول إن ما ذهب إليه ابن عباس ومن وافقه هو الصواب والله أعلم (تخريجه)(خ نس مذ حب ك).

(باب)(3)(سنده) حدثنا أسباط قال ثنا الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة الخ (4) أول الآية {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} (التفسير)(أقم الصلاة، لدلوك الشمس) روى عن ابن مسعود أنه قال الدلوك الغروب، وهو قول النخعي ومقائل والضحاك والسدى، وقال ابن عباس وابن عمرو جابر هو زوال الشمس، وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين، ومعنى اللفظ

ص: 194

-[تفسير قوله تعالى {أقم الصلاة لدلوك الشمس} إلى قوله (مقاما محمودا وكلام العلماء في ذلك]-

ملائكة الليل وملائكة النار (باب عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)(وعنه أيضا)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} (2) قال هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه (باب وقل رب أدخلني مدخل صدق) الآية (عن ابن عباس)(3) قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة وأنزل عليه

يجمعهما لأن أصل الدلوك الميل والشمس تميل إذا زالت وإذا غربت، والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به، وإذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها: فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر (إلى غسق الليل) أي ظهور ظلمته وقال ابن عباس بدو الليل، وهذا يتناول المغرب والعشاء (وقرآن الفجر) معطوف على الصلاة أي وأقم قرآن الفجر يعني صلاة الفجر، سمى الصلاة قرآنا لأنها لا تجوز إلا بقرآن {إن قرآن الفجر كان مشهودا} أي يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار كما جاء في حديث الباب، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار (يعني حفظة الأعمال) ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادي فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون (رواه حم ق نس) وتقدم في باب فضل صلاتي الصبح والعصر من كتاب الصلاة في الجزء الثاني صحيفة 221 رقم 59 (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال ورواه (مذ نس جه) ثلاثتهم عن عبيد بن أسباط بن محمد عن أبيه به وقال الترمذي حسن صحيح (باب)(1)(سنده) حدثنا محمد بن عبيد قال ثنا داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (2) أول الآية {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} (التفسير)(ومن الليل فتهجد به) أي قم بعد نومك، والتهجد لا يكون إلا بعد القيام من النوم، يقال تهجد إذا قام بعد ما نام، وهجد إذا نام (قال الإمام البغوي) في تفسيره والمراد في الآية قيام الليل للصلاة، وكانت صلاة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم في الابتداء وعلى الأمة لقوله تعالى {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا} ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا في حق الأمة بالصلوات الخمس وبقى الاستحباب، قال تعالى {فاقرءوا ما تيسر منه} وبقى الوجوب في حق النبي صلى الله عليه وسلم (نافلة لك) أي زيادة لك يريد فريضة زائدة على سائر الفرائض التي فرضها الله عليك، وذهب قوم إلى أن الوجوب صار منسوخا في حقه كما في حق الأمة فصارت نافلة، وهو قول مجاهد وقتادة لأن الله تعالى قال نافلة لك ولم يقل عليك (فإن قيل) فما معنى التخصيص وهي زيادة في حق المسلمين كافة كما في حقه صلى الله عليه وسلم (قيل) التخصيص من حيث أن نوافل العبادة كفارة لذنوبهم والنبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله زيادة في رفع الدرجات (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) أي افعل هذا الذي أمرتك به لتقيمك يوم القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى، قال ابن جرير قال أكثر أهل التأويل ذلك هو المقام المحمود يقومه محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم اهـ (قلت) ستأتي أحاديث الشفاعة في باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى من كتاب قيام الساعة والله الموفق (تخريجه)(مذ) وابن جرير في تفسيره وحسنه الترمذي (باب)(3)(سنده) حدثنا جرير عن قابوس عن

ص: 195

-[تفسير قوله تعالى {وقل رب أدخلني مدخل صدق} وقوله {ويسألونك عن الروح}]-

(وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا)(1)(باب ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي الآية)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما (2) قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل (3) فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت {ويسألونك عن الروح (4) قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} قالوا أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا قال فأنزل الله عز وجل {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر} (عن عبد الله)(5) قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم

ابن عباس الخ (1)(التفسير){وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} قال الحسن البصري في تفسير هذه الآية أن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه فأراد الله قتال أهل مكة أمره أن يخرج إلى المدينة فهو الذي قال الله عز وجل {وقل رب أدخلني الخ الآية} وقال قتادة {وقل رب أدخلني مدخل صدق} يعني المدينة وأخرجني مخرج صدق يعني مكة، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد أسلم، قال الحافظ ابن كثير وهذا القول هو أشهر الأقوال وأصحها وهو اختيار ابن جرير {واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} قال مجاهد حجة بينة، وقال الحسن ملكا قويا تنصرني به على من ناوأني وعزا ظاهرا أقيم به دينك، فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرهما فيجعله له، قال قتادة علم نبي الله أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان نصير فقال سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وإقامة دينه (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح (قلت) وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وأقر تصحيح الترمذي (باب)(2)(سنده) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا عن داود عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) أي النبي صلى الله عليه وسلم (4)(التفسير){ويسألونك عن الروح} الأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان، وقيل عن جبريل، وقيل عن عيسى، وقيل عن القرآن، وقيل عن خلق عظيم روحاني، وقيل غير ذلك، والراجح الأول يعني روح الإنسان فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القضية أنهم قالوا في الروح وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإما الروح من الله؟ فنزلت الآية: قاله الحافظ (قل الروح من أمر ربي) تكلم العلماء والحكماء والصوفية في ناحية الروح بكلام كثير وأقوال متعددة، وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله عز وجل وهو قول أهل السنة، وقال عبد الله بن بريدة أن الله عز وجل لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا بدليل قوله قل الروح من أمر ربي أي من علم ربي الذي استأثر به (وما أوتيتم من العلم) أي من علم ربي (إلا قليلا) أي في جنب علم الله عز وجل والخطاب عام، وقيل هو خطاب لليهود فإنهم كانوا يقولون أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا كما جاء في حديث الباب، فقيل لهم أن علم التوراة قليل في جنب علم الله وأنزل الله عز وجل {قل لو كان البحر} أي ماؤه (مدادا) هو ما يكتب به (لكلمات ربي) الدلالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به (لنفد البحر) في كتابتها، وبقية الآية (قبل أن تنفذ) قرئ بالتاء والياء أي تفرغ (كلمات ربي ولو جئنا بمثله) أي البحر (مدادا) أي زيادة لم تفرغ هي (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح، قال الحافظ بعد ذكر هذا الحديث في الفتح رجاله رجال مسلم وهو عند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس نحوه (5)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال

ص: 196

-[تفسير قوله تعالى {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} وما هي الآيات]-

في حرث بالمدينة وهو متكئ (1) على عسيب قال فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح، قال بعضهم لا تسألوه عن الروح فقالوا يا محمد ما الروح؟ فقام فتوكأ على العسيب قال فظننت إنه يوحى إليه فقال {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (2) قال فقال بعضهم قد قلنا لكم لا تسألوه (باب ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات)(حدثنا محمد بن جعفر)(3) حدثنا شعبة وحدثناه يزيد أنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله ابن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال قال يزيد المرادي (4) قال قال يهودي لصاحبه (5) اذهب بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يزيد إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} (6) فقال لا تقل له نبي فإنه أن سمعك لصارت له أربعة أعين (7) فسأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تشركوا بالله شيئا. ولا تسرقوا. ولا تزنوا. ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. ولا تسحروا. ولا تأكلوا الربا. ولا تمشوا ببرييء (8) إلى ذي سلطان ليقتله. ولا تقذفوا محصنة (9) أو قال لا تفروا من الزحف شعبة الشاك (10) وأنت يا يهود عليكم خاصة أن لا تعتدوا

كنت أمشي الخ (غريبه)(1) جاء عند الترمذي (وهو يتوكأ) أي يعتمد (على عسيب) بمهلتين وآخره موحدة بوزن عظيم وهي الجريدة التي لا خوص فيها (2) تقدم تفسيرها في الحديث السابق (تخريجه)(ق نس مذ) قال القسطلاني ظاهر سياق هذا الحديث يقتضي أن هذه الآية مدنية وأن نزولها إنما كان حين سأل اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية وقد يجاب باحتمال أن تكون نزلت مرة ثانية بالمدنية كما نزلت بمكة قبل والله أعلم (باب)(3)(حدثنا محمد بن جعفر الخ)(غريبه)(4) هذه النسبة ترجع إلى صفوان بن عسال ومعناه أن يزيد قال في روايته صفوان بن عسال المرادي، ويزيد هذا الذي تكرر ذكره في الحديث هو ابن هرون أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث (5) أي رجل من اليهود (6)(التفسير) أي واضحات والآية العلامة الظاهرة تستعمل في المحسوسات كعلامة الطريق والمعقولات كالحكم الواضح والمسألة الواضحة، والمعجزة آية، وكل جملة دالة على حكم من أحكام الله آية، ولكل كلام منفصل بفصل لفظي آية، والمراد بالآيات هنا إما المعجزات التسع، وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات، وعلى هذا فقوله الآتي (لا تشركو الخ كلام مستأنف ذكره عقب الواب، وهو المعجزات المقدسة ولم يذكر الراوي المعجزات النسع استغناءا بما في القرآن أو يغيره (وإما) الأحكام العامة الشاملة للملل الثابتة في كل الشرائع وهي قوله لا تشركوا الخ، سميت بذلك لكونها تدل على حال المكلف بها من السعادة والشقاوة (7) هكذا جاء بالأصل في هذه الرواية (أربعة أعين) وكذلك جاء عند الترمذي: وعند الإمام أحمد من طريق أخرى وفي المشكاة (أربع أعين) بغير التاء وهو الظاهر، والمعنى لا تقل له نبي فإنه يسر بقولك نبي سرورا يمد الباصرة فيزداد به نورًا على نور كذي عينين أصبح يبصر بأربع، فإن الفرح يمد الباصرة كما أن الهم والحزن يخل بها، ولذا يقال لمن أحاطت به الهموم أظلمت عليه الدنيا (8) الباء للتعدية أي لا تسعوا ولا تتكلموا بسوء فيمن ليس له ذنب (إلى ذي سلطان) أي صاحب قوة وقدرة وغلبة وشوكة (9) بفتح الصاد المهملة أي لا ترموا بالزنا عفيفة (10) جاء عند الترمذي من طريق شعبة أيضا بلفظ

ص: 197

-[سبب نزول قوله تعالى {ولا تجهر بصلاتك} الآية وتفسيرها]-

قال يزيد تعدوا (1) في السبت فقبلا يده ورجله، قال يزيد فقبلا يديه ورجليه (2) وقال نشهد أنك نبي، قال فما يمنعكما أن تتبعاني؟ قالا أن داود عليه السلام دعا أن لا يزال من ذريته نبي وإنا نخشى قال يزيد إن أسلمنا (3) أن تقتلنا يهود (باب ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)(عن ابن عباس)(4) قال نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم متوار بمكة (5)(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، قال فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن (6)(ولا تخافت بها)(7) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك (وابتغ بين ذلك سبيلا)(8)(باب الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) الخ السورة

(ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف) ولم يشك، والزحف الحرب مع الكفار (1) جاء عند الترمذي (تعتدوا)(2) رواية الترمذي (فقبلا يديه ورجليه) كرواية يزيد هنا (3) معناه أن يزيد زاد في روايته (أن أسلمنا) وقولهم هذا افتراء محض على داود عليه السلام لأن داود وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعرفون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين وأنه ينسخ به الأديان (تخريجه)(مذ نس جه) وقال الترمذي حسن صحيح، هذا وقد فسر الحافظ ابن كثير الآيات التسع المذكورة في قوله تعالى {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} فقال يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون وهي العصا واليد والسنين والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات قاله ابن عباس، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة هي يده وعصاه والسنين ونقص من الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وهذا القول ظاهر جلي حسن ثم أورد (أعني الحافظ ابن كثير) حديث الباب وعزاه للإمام أحمد وقال هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة ابن حجاج به وقال الترمذي حسن صحيح، وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون والله أعلم اهـ (باب)(4)(سنده) حدثنا هشيم أنبأنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(5) أي مخنف كما صرح بذلك في رواية البخاري وكان ذلك في أول الإسلام (6) جاء عند ابن جرير في تفسيره من وجه آخر عن سعيد بن جبير فقالوا له أي المشركون لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلاهك (7) أي لا تخفض صوتك (8) أي بين الجهر والمخافتة (سبيلا) أي وسطا (تخريجه)(ق مذ) وأوره الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به، قال وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس وزاد فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك، يفعل أي ذلك شاء اهـ (قلت) وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها قالت أنزل في الدعاء تريد قوله تعالى {ولا تجهر بصلاتك الخ} قال القسطلاني هو من باب إطلاق الكل على الجزء إذ الدعاء من بعض أجزاء الصلاة، قال وأخرج الطبري وابن خزيمة والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام

ص: 198

-[آية العز {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} الآية وتفسيرها وفضل سورة الكهف]-

(عن سهل عن أبيه)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آية العز (2)(الحمد لله الذي يتخذ ولدًا)(3) الآية كلها (وعنه من طريق ثان)(4) عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا نفر (5) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك (6) إلى آخر السورة (سورة الكهف)(باب ما جاء في فضلها)(عن سهل بن معاذ)(7) عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال من قرأ أول سورة الكهف وآخرها (8) كأنت له نورا من قدمه إلى رأسه: ومن قرأها كلها كانت له نورا ما بين السماء والأرض (9)

الحديث، وزاد فيه في التشهد، وهو مختص لحديث عائشة إذ ظاهره أعلم من أن يكون داخل الصلاة وخارجها وعند ابن مردويه من حديث أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت، أو مراده معناها اللغوي على ما لا يخفى وهذا الحديث من أفراده اهـ والله أعلم (1)(سنده) حدثنا يحيى بن غيلان ثنا رشيدين عن زبان عن سهل عن أبيه (يعني معاذ بن أنس الجهني) عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) أي القوة والشدة والصلابة، والمراد هنا من العلامات الدالة على قوة إيمان الإنسان وشدته في دين الله ملازمته لتلاوة هذه الآية مع الإذعان لمدلولها وأنه بذلك يصير قويًا شديدًا وقيل المراد أن هذه الآية تسمى آية المز لتضمن قوله فيها، ولم يكن له ولي من الذل، لذلك لم يذل يحتاج إلى ناصر لأنه العزيز المعز (3) (التفسير) لما أثبت الله تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى في قوله {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) نزه نفسه عن النقائص فقال {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك} بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (ولم يكن لي ولى من الذل) أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولى أو وزير أو مشير بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له: قال مجاهد لم يحالف أحدا ولم يبتغ نصر أحد (وكبره تكبيرا) أي عظمه ونزهه عما يقول الظالمون المعتدون من أن له شريكا أو ولدا تعالى الله عن ذلك (4)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا زبان بن فايد عن سهل عن أبيه الخ (5) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك إذا نفر من منى بعد رمي الجمار (6) بقية الآية {ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرًا} (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد من طريقين في إحداهما رشدين بن سعد وهو ضعيف، وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه، وكذلك الطبراني اهـ (قلت) وفي كلا الطريقين عند الإمام أحمد زبان ابن فايد وهو ضعيف أيضا (باب)(7)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه (يعني معاذ بن أنس الجهني) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(8) لم يعين في هذا الحديث مقدار ما يقرء من أولها وآخرها، وقد جاء بيان ذلك في حديثي أبي الدرداء الآتيين بعد هذا وهو عشر آيات من أولها وعشر آيات من آخرها (9) جاء في قراءتها كلها عن أبي سعيد مرفوعا من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين (ك هق) وصححه الحاكم والحافظ السيوطي (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني وفي إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وقد يحسن اهـ (قلت) في إسناده أيضا زبان بن فايد وهو ضعيف (وفي الباب) عند الإمام أحمد أيضا وتقدم في باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن من هذا الجزء صحيفة 20 رقم 55 عن البراء بن عازب قال قرأ

ص: 199

-[تفسير قوله تعالى {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} وما هن]-

(عن أبي الدرداء)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال (2)(وعنه أيضا)(3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال (باب) قوله عز وجل {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} (عن النعمان بن بشير)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هن الباقيات الصالحات (5)(باب وإذ قال موسى لفتاة وقصة الخضر مع موسى عليهما السلام (حدثنا عبد الله بن إبراهيم)(6) المروزي حدثني هشام بن يوسف في تفسير ابن جريج (7) الذي أملاه عليهم أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على الآخر (8) وغيرهما قال قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير (9) قال إنا لعند عبد الله بن عباس

رجل الكهف وفي الدار دابة فجعلت تنفر فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته قال فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال اقرأ فلان فإنها السكينة تنزلت عند القرآن أو تنزلت للقرآن: وتقدم شرحه وتخريجه هناك (1)(سنده) حدثنا يزيد أنا همام بن يحيى عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن سعدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء الخ (غريبه)(2) معناه أن من تدبرها لم يفتن بالدجال، قال الطيبي التعريف فيه للعهد وهو الذي يخرج آخر الزمان يدعي الإلاهية إما نفسه أو يراد به من شابهه في فعله، ويجوز أن يكون للجنس لأن الدجال من يكثر منه الكذب والتلبيس، ومنه حديث يكون في آخر الزمان دجالون كذابون (تخريجه) (م د نس مذ) ولفظ الترمذي (من حفظ ثلاث آيات من أول الكهف) وقال حسن صحيح (3) (سنده) حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن قتادة سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معدان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قرأ الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال رواه مسلم والنسائي من حديث قتادة به قال وفي لفظ للنسائي من قرأ عشر آيات من الكهف فذكره (باب) (4) (عن النعمان بن بشير الخ) هذا ظرف من حديث طويل سيأتي بسنده وشرحه وتخريجه في باب كراهية الإمارة من كتاب الخلافة والإمارة إن شاء الله تعالى (غريبه) (5) قال علي بن طلحة عن ابن عباس قوله (والباقيات الصالحات) قال هي ذكر الله قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله وتبارك الله ولا حول ولا قوة إلا بالله واستغفر الله وصلى الله على رسول الله والصيام والصلاة والحج والصدفة والعتق والجهاد والصلة وجميع أعمال الحسنات وهن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة ما دامت السماوات والأرض (وعن سمرة بن جندب) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهي من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (حم م نس جه) ولفظ مسلم أحب الكلام إلى الله أربع فذكره وليس فيه (وهي من القرآن) وذكرها النسائي، وتقدم هذا الحديث في آخر باب فضل سبحان والحمد لله الخ من كتاب الأذكار في الجزء الرابع عشر صحيفة 222 رقم 52 (باب)(6)(حدثنا عبد الله بن إبراهيم الخ)(غريبه)(7) اسمه عبد الملك بن عبد العزيز (8) معناه أن ابن جريج يقول أخبرني يعلي بن مسلم وعمرو بن ينار بهذا الحديث عن سعيد بن جبير حال كونهما يزيد أحدهما على الآخر في روايته (قلت) وهو ظاهر في سياق الحديث (9) يقول ابن جريج وسمعت غيرهما يعني غير يعلى

ص: 200

-[قصة موسى مع الخضر عليهما السلام]-

في بيته إذ قال سلوني فقلت أبا عباس جعلني الله فداءك، بالكوفة رجل قاص (1) يقال له نوف (2) يزعم إنه ليس موسى بنى إسرائيل (3) أما عمرو بن دينار فقال كذب عدو الله (4) وأما يعلى بن مسلم فقال قال ابن عباس حدثني أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى رسول الله عليه السلام ذكر الناس (5) يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال يا رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال لا فعتب عليه إذ (6) لم يرد العلم إلى الله تبارك وتعالى (7) فأوحى الله إليه أن لي عبدا أعلم منك قال أي رب وأني (8) قال مجمع البحرين قال أي رب اجعل لي علما (9) اعلم ذلك به، قال لي عمرو (10) قال حيث يفارقك الحوت وقال يعلى (11) خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح (12) فأخذ حوتا فجعله

ابن مسلم وعمرو بن دينار حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد بن جبير) أيضا وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ومثل ذلك في البخاري أيضا، ولأبي ذر عن الكشميهني (يحدث) يحذف الضمير، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله (وغيرهما) كعثمان ابن أبي سليمان كما سيأتي في سياق الحديث، وروى شيئا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان ابن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك الحافظ في الفتح (1) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها (2) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء زاد البخاري (البسكالي) بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشديد نسبة إلى بني بكال بن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب الأحبار (3) هكذا بالأصل (يزعم أنه ليس موسى بن إسرائيل) وكذا في البخاري من هذا الطريق وله من طريق سفيان بلفظ (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وهذا أظهر (4) ظاهره أن عمرو بن دينار قال كذب عدو الله وليس كذلك، بل المراد أن ابن جريج يقول إن عمرو بن دينار قال له في روايته عن سعيد بن جبير إن ابن عباس قال كذب عدو الله، فالقائل كذب عدو الله هو ابن عباس يعني نوفا، خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف، لأن ابن عباس قال ذاك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع، ولا يلزم منه تعمده والله أعلم (5) بفتح الذال المعجمة وتشديد الكاف من التذكير وفي بعض الروايات قام خطيبا في بني إسرائيل (6) بسكون الذال للتعليل (7) كأن يقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا (8) أي وأني هو أو فأين أجده (قال مجمع البحرين) وفي رواية للبخاري (إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك) أي بحري فارس والروم، أو بحري المشرق والمغرب المحيطين بالأرض، أو العذب والملح والله أعلم (9) أي علامة (10) يقول ابن جريج قال لي عمرو يعني ابن دينار في روايته قال بمعنى العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت)(11) يعني وقال يعلى في روايته خذ حوتا ميتا الخ ولمسلم وعبد الله ابن الإمام أحمد في رواية أبي إسحاق (وآية ذلك إن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيث تفقده)(12) معناه عند ما يحيى الله الحوت الميت ويذهب إلى البحر تجد صاحبك في هذا المكان، وهو معنى قوله في

ص: 201

-[تابع قصة موسى مع الخضر عليهما السلام]-

في مكتل (1) قال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني حيث يفارقك الحوت، قال ما كلفتني كثيرا فذلك قوله تبارك وتعالى {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون ليست عن سعيد بن جبير (2) قال فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان (3) إذ تضرب الحوت وموسى نائم، قال فتاه لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسى أن يخبره وتضرب الحوت (4) حتى دخل البحر فأمسك الله تبارك وتعالى عليه جرية البحر (5) حتى كان أثره في حجر (6) فقال لي عمرو وكان أثره في حجر وحلق إبهاميه واللتين تليانهما (7)(لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا)(8) قال قد قطع الله تبارك وتعالى عنك النصب، ليست هذه عن سعيد بن جبير (9) فأخبره فرجع فوجدا خضرا (10) عليه السلام فقال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة (11) خضراء على كبد البحر، قال سعيد بن جبير مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضك من سلام (12)

رواية عمرو حيث يفارقك الحوت (1) قال في المصباح المكتل بكسر الميم الزنبيل وهو ما يعمل من الخوص يحمل فيه التمر وغيره، والجمع مكاتل (2) معناه أن ابن جريج قال في تسمية الفتى (يوشع بن نون) هذه الجملة ليست عن سعيد بن جبير بل عن غيره من الرواة (وقوله فبينما هو) يعني موسى وفتاه (3) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان، قال في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريا إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة من الضرب في الأرض وهو السير (4) أي اضطرب وخرج من المكتل سائرا (حتى دخل البحر)(5) بكسر الجيم وفي رواية (جرية الماء) أي جريانه (6) قال الحافظ كذا فيه بفتح الحاء المهملة والجيم، وفي رواية جحر بضم الجيم وسكون المهملة وهو واضح (وقوله فقال لي عمرو) القائل هو ابن جريج (7) يعني السبابتين وفي رواية للبخاري وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) قال أهل اللغة الطاق ما عطف من الأبنية أي جعل كالقوس من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك (وفي رواية لمسلم) فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه حتى صار مثل الكوة (8) قال الحافظ كذا وقع هنا مختصرا وفي رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتها حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا (9)(قوله قال قد قطع الله تبارك وتعالى عنك النصب ليست هذه عن سعيد بن جبير) هو مقول ابن جريج ومراده أن هذه اللفظة ليست في الإسناد الذي ساقه، قاله الحافظ (وقوله فأخبره) بفتح الهمزة وسكون المعجمة ثم موحدة من الأخبار أي أخبر الفتى موسى بالقصة بقوله أرأيت إذ آوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان إن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا، قال فكان (يعني دخول الحوت في الماء) للحوت سريا (أي مسلكا) ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى ذلك ما كنا نبقى فارتدا على آثارهما قصصا قال رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجي ثوبا، هكذا في البخاري (10) بفتح الخاء وكسر الضاد: روى البخاري بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء (11) معناه أن عثمان بن أبي سليمان أحد رواة هذا الحديث عن سعيد بن جبير قال لابن جريج فوجدا خضرا جالسا على طنقسة الخ: والطنفسة بفتح الطاء وكسرها فرش صغير (وقوله على كبد البحر) أي على وجه الماء كما جاء في رواية البخاري (12) هو استفهام استبعاد بدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين

ص: 202

-[تابع قصة موسى مع الخضر عليهما السلام]-

من أنت؟ قال أنا موسى، قال موسى بني إسرائيل؟ قال نعم، قال فما شأنك؟ قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا قال أما يكفيك أن أنباه التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك، يا موسى أن لي علما لا ينبغي أن تعلمه (1) وإن لك علما لا ينبغي أن أعلمه (2) فجاء طائر فأخذ بمنقاره (3) فقال والله ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر (حتى إذا ركبا في السفينة) وجدا معابر (4) صغارا تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل عرفوه (5) فقالوا عبد الله الصالح فقلنا لسعيد (6) خضر؟ قال نعم لا يحملونه بأجر فخرقها ودق فيها وتدا، قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) قال قال مجاهد (7) نكرا (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) وكانت الأولى نسيانا (8) والثانية شرطا والثالثة عمدا (قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا)(9) فلقيا غلاما فقتله، قال يعلى بن مسلم (10) قال سعيد بن جبير وجدا غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا كان ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين (قال أقتلت نفسا زكية)(11) لم تعمل بالحنث فانطلقا (فوجدا جدارا يريد أن ينقض (12) فأقامه) قال سعيد بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى فحسبت أن سعيدا قال فمسحه بيده فاستقام (13)(قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) قال سعيد أجرا نأكله (14) قال

أو كانت تحيتهم غيره (1) أي جميعه (2) أي جميعه، قال الحافظ وتقدير ذلك متعين، لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى بالمكلف عنه، وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي (3) يعني من البحر كما جاء في رواية البخاري (4) المعابر جمع معبر كمنبر وهي السفن الصغار (5) أي أهل المدينة عرفوا الخضر (6) يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم، وسعيد هو ابن جبير (وقوله خضر) أي هو خضر (7) يعني فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرا قال (نكرا) بدل إمرا، ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله، قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (8) أي نسيانا من موسى حتى قال لا تؤاخذني بما نسيت (والثانية شرطا) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (والثالثة عمدا) أي حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا (9) أي لا تشدد على (10) يعني بالإسناد السابق (11) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين زاد عند البخاري (بغير نفس) لم تعمل بالحنث بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي قتلت نفسا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس (12) أي يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (وقوله قال سعيد) يعني من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده هكذا) أي أشار إليه بيده وهو من إطلاق القول على الفعل وهذا في كلام العرب كثير أي مسحه الخضر بيده (13) جاء في كيفية إقامة هذا الجدار أقوال كثيرة، والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية، وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (14) معناه أنك قد علمت أننا جياع وأن أهل القرية لم يطعمونا فكان ينبغي أن لا نعمل لهم مجانا بل تأخذ على عملك هذا أجرا نستعين به على الطعام الذي نأكله، وإنما قال موسى ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام، عند ذلك، قال له الخضر كما جاء في كتاب الله عز وجل (قال هذا فراق بيني وبينك) أي هذا وقت فراق بيني وبينك وقيل هذا الإنكار على ترك أخذ الأجر هو المفرق بيننا، وقيل إن موسى أخذ بثوب الخضر وقال

ص: 203

-[تابع قصة موسى مع الخضر عليهما السلام]-

وكان يقرؤها (وكان وراءهم)(1) وكان ابن عباس يقرؤها (وكان أمامهم (2) ملك) يزعمون (3) عن غير سعيد انه قال هذا الغلام المقتول يزعمون أن اسمه جيسور (4) قال {يأخذ كل سفينة غصبا} (5) وأراد إذا مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها بعد، منهم من يقول سدوها بقارورة، ومنهم من يقول بالقار (6) وكان أبواه (7) مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} فيحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه (8){فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه (9) زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر وزعم غير سعيد أنهما قالا جارية (10) وأما داود بن أبي عاصم (11) فقال عن غير واحد إنها جارية (12) وبلغني عن سعيد بن جبير أنها جارية ووجدته في كتاب أبي (13) عن يحيى بن معين عن هشام بن يوسف مثله (ز)(حدثنا عبد الله)(14) حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنا عنده (15) فقال القوم أن نوفا الشامي (16) يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس موسى بني إسرائيل، وكان بن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال

أخبرني بمعنى ما عملت قبل أن تفارقني فقال الخضر (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك الآية (1) هذه القراءة هي الموافقة للمصحف الإمام (2) هذه قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم، والآية دالة على أن معنى وراء أمام، لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم (3) القائل يزعمون هو ابن جريج (4) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء (5) في قراءة أبيّ كل سفينة صالحة غصبا رواه النسائي، وكان أبن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبا (6) هو الزفت والقارورة فاعوله من القار أيضًا (7) يعني وأما الغلام فكان أبواه الخ (8) هذه الجملة تفسير لقوله {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرا} (9) أي يرزقهما بدله ولدًا خيرًا منه (زكاة) أي طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحما) فسره بقوله (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر (10) أي مكان المقتول فولدت نبيًا من الأنبياء رواه النسائي، ولابن أبي حاتم عن طريق السدى قال ولدت جارية فولدت نبيًا وهو الذي كان بعد موسى، فقالوا له أبعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله، واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة، وفي تفسير ابن الكلى ولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا، وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًا، وعند ابن مردوية من حديث أبي بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قال الحافظ في الفتح (11) القائل وأما داود بن أبس عاصم، هو ابن جريج (12) هذا هو المشور، وروى مثله عن يعقوب أبي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره (13) القائل ووجدت في كتاب أبى إلى أخر الحديث هو عبد الله بن الإمام أحمد (تخريجه) (ق. مذنس) (ز ((14) حدثنا عبد الله) يعني ابن الإمام أحمد وهذا الحديث من زوائده على مسند أبيه (غريبه) (15) القائل كنا عنده هو سعيد بن جبير يقول كنا عند ابن عباس (16) هكذا جاء في هذه الرواية (نوفا الشامي: وفي أكثر الروايات البكالي وتقدم الكلام على نسبة وضبطه في الحديث السابق ولا منافاة

ص: 204

-[تابع قصة موسى مع الخضر عليهما السلام]-

كذلك يا سعيد؟ قلت نعم أنا سمعته يقول ذاك، فقال بن عباس كذب نوف (1) حدثني أبيّ بن كعب انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول رحمة الله علينا وعلى صالح، رحمة الله علينا وعلى أخي عاد (2) ثم قال أن موسى عليه السلام بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم ما في الأرض أحد أعلم منى (3) وأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا (4) مالحا فإذا فقدته فهو حيث تفقده (5) فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغ المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة (6) انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة واضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} (7) قال فتاه إذا جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثته فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابهم ما يصيب المسافر من النصب (8) والكلال ولم يكن يصيبه ما يصيب المسافر من النصب والكلال (9) حتى جاوز ما أمر به (10) فقال موسى لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} (11) قال له فتاه يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} (12){قال ذلك ما كنا نبٍغ} فرجعا على آثارهما قصصا يقصان الأثر حتى إذا انتهيا إلى الصخرة فأطاف بها فإذا هو مُسجى (13) بثوب له فسلم عليه فرفع رأسه فقال له من أنت؟ قال موسى، قال من موسى؟ قال موسى بني إسرائيل قال أخبرت (14) أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال فكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال قد أمرت أن أفعله {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} خرج من كان فيها وتخلف ليخرقها، قال فقال له موسى تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا (15) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني (16)

بينهما فذاك نسبة إلى ابن بكال وهذا نسبه إلى الإقليم والجهة (1) تقدم الكلام على قوله كذب نوف في شرح الحديث السابق (2) يعني هودًا نبي الله عليه السلام (3) قال ذلك بالنسبة لاعتقاده وإلا فكان الخضر أعلم منه كما صرح في الحديث (4) الحوت السمكة (5) معناه إنك تجد مطلوبك في المكان الذي تفقد فيه الحوت (وتفقده) بكسر القاف أي يذهب منك (6) هي صخرة عند مجمع البحرين في المكان الذي يطلبه موسى (وقوله انطلق موسى يطلب) أي يطلب الخضر الذي جاء لأجله (7) أي مسلكا وروى عن أبس بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم إنجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لم يلتئم (8) أي التعب (9) معناه أنه لم يتأثر من تعب السفر إلا هذه المرة (10) قال الإمام البغوي وذلك أن يوشع حين رأى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى فيخبره فنسي أن يخبره فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد (11) أي تعبا وشدة وذلك أنه ألقى على موسة الجوع بعد مجاوزة الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع إلى مطلبه فقال له فتاه وتذكر أرأيت إلى الصخرة إلخ (12) هذه حكاية يوشع يحكى لموسى ما حصل من الحوت (13) يعني الخضر (مسجي) المسجي المغطى (14) قال يعني موسى قال للخضر أخبرت الخ (15) أي منكرا والأمر في كلام العرب الداهية واصله كل شيء شديد كثير وقال قتادة عجبًا (16) أي لا تشدد

ص: 205

-[تابع قصة موسى مع الخضر عليهما السلام]-

أمري عسرا، فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان غلام أنظف يعنى منه فأخذه فقتله فنفر موسى عليه السلام عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا (1) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا، قال فآخذته ذمامة (2) من صاحبه واستحى فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا) حتى إذا أتيا أهل قرية {لاما استطعما أهلها} وقد أصاب موسى عليه السلام جهد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل بهم من الجهد {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك} فأخذ موسى عليه السلام بطرف ثوبه فقال حدثني، فقال {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وكان وراءهم ملك (3) يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشبة فانتفعوا بها، وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقى عليه محبة من أبويه ولو أطاعاه لأرهقهما طغيانا وكفرا (4)} فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (5) ووقع أبوه على أمه فعلقت فولدت منه خيرا منه زكاة (6) وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة (7) وكان تحته كنز لهما

على وقيل لا تكلفني مشقة، يقال أرهقته عسرًا أي كلفته فذلك، يقول لا تضيق على أمري وعاملني باليسر ولا تعاملني بالعسر (1) أي منكرًا قال قتادة النكر أعظم من الإمر لأنه حقيقة الهلاك، وفي خرق السفينة كان خوف الهلاك (2) بفتح الذال المعجمة أي استحياء لتكرار مخالفته، زاد المسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا المكان. رحمه الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل لرأي العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة (3) فيه حذف ولفظ القرآن يعملون في البحر فأردت أن عيبها وكان ملك الخ (4) أي حملهما عليهما وألحقهما بهما والمراد بالطغيان هنا الزيادة في الضلال (5) أي ويكون المبدل منه أقرب منه عطفًا ورحمة بأبويه بأن يبرعما ويشفق عليهما (6) تقدم الكلام على الذي ولدته في شرح الحديث السابق (7)(تفسير هذه الآية) قال الإمام البغوي في تفسيره كان اسم الغلامين أضرهم وصريم (وكان تحته كنز لهما) اختلفوا في ذلك الكنز روى عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كان ذهبًا وفضة، وقال عكرمة كان مالًا، وعن سعيد بن جبير كان الكنز صحفًا فيها علم، وعن ابن عباس أنه قال لوحًا من ذهب مكتوب فيه عجبًا لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبًا لمن أبقى بالحساب كيف يغفل، عجبًا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب، عجبًا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، عجبًا لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي الجانب الآخر مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، وهذا قول أكثر المفسرين، وروى ذلك مرفوعًا، قال الزجاج الكنز إذا أطلق يتصرف إلى كنز المال، ويجوز عند التقييد أ، يقال عنده كنز علم وهذا اللوح كان جامعًا لهما (وكان أبوهما صالحا) قيل كان اسمه كاشح وكان من الآتقياء. قال بن عباس حفظا بصلاح أبيهما، وقيل كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة أباه: قال محمد ابن المنكدر أن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم، وقال سعيد بن المسيب أني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي (فأراد

ص: 206

-[قوله عز وجل (قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي)]-

وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا

(باب قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني الآية)(وعن ابن عباس)(1) عن أبي 342 ابن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ (لقد بلغت من لدني عذرا) يثقلها (2)(وعنه أيضًا)(3) عن أبي 343 ابن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فذكر ذات يوم موسى فقال رحمه الله علينا وعلى موسى، لو كان صبر لقص الله تعالى علينا من خبره ولكن قال (إن سألتك عن شيء بعدها (4) فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) (باب قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي الآية)(عن ابن عباس)(5) قال قالت قريش ليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) قالوا أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا فأنزل الله عز وجل (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر)(سورة مريم)(باب يا أخت هارون)(وعن المغيرة بن شهبة)(6) قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران (7) قال فقالوا أرأيت ما تقرءون 345

ربك أن يبلغا أشهدهما) أي يبلغا ويعقلاه، وقيل أن يدركا شدتهما وقوتهما، وقيل ثماني عشرة سنة (ويستخرجا) حينئذ (كنزهما رحمة) نعمة (من ربك وما فعلته عن أمري) أي باختياري ورأيي بل فعلته بأمر الله والهامه (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) أي لم تطق عليه صبرًا واستطاع واسطاع بمعنى واحد، وروى أن موسى لما أراد أن يفارقه قال له أوصني، قال لا تطلب العلم للتحدث به واطلبه لتعمل به اهـ (قلت) واختلف العلماء في أمر الخضر هل هو نبي أو ولي وهل هو حي أو ميت وسيأتي الكلام عليه في باب ذكر الخضر والياس من كتاب أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى والله الموفق (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو عبد الله العنبري حدثنا أمية بن خالد حدثنا أبو الجارية العمدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) أي يثقل النون من لدني قال الإمام البغوي في تفسيره قرأ أبو جعفر ونافع وأبو بكر من لدني خفيفة النون، وقرأ الآخرون بتشديدها، قال ابن عباس أي قد أعذرت فيما بيني وبينك، وقيل قد عذروني أنى لا أستطيع معك صبرا، وقيل اتضح لك العذر في مفارقتي (تخريجه) ابن جرير والبغوي (3)(سنده) حدثنا يحيى بن أدم حدثنا حمزة بن حبيب الزيات عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (4)(التفسير) أي أن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة (فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) أي أعذرت إلى مرة بعد مرة (تخريجه)(م) والطبري والبغوي في تفسيريهما (باب)(5)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في تفسير وتخريجه في تفسير قوله عز وجل (ويسألونك عن الروح من سورة الإسراء في هذا الجزء صحيفة 169 رقم 332 فأرجع إليه (باب)(6)(سنده) حدثنا عبد الله بن ادرسي قال سمعت أبي يذكره عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة الخ (غريبه)(7) بفتح النون وإسكان الجيم وهي بلدة معروفة كانت منزلا للأنصار، وهي بين مكة واليمن على سبع مراحل من مكة، قال في المهذب وأما نجران فليست من الحجاز ولكن صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يأكلوا الربا

ص: 207

-[(سورة مريم) قوله عز وجل (يا أخت هارون) الآية]-

(يا أخت هارون)(1) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا (2) قال فرجعت فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم (3)(باب وما نتنزل إلا بأمر ربك) 346 (عن ابن عباس)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل ما يمنعك أن تزورنا (5) أكثر مما تزورنا؟ فنزلت (وما نتنزل إلا بأمر ربك (6) له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا) قال وكان ذلك الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم (باب وأن منكم إلا واردها)(عن أم مبشر)(7) أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند حفصة يقول لا يدخل النار أن شاء الله (8) من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها (9) فقالت بلى يا رسول الله

فأكلوه ونقضوا العهد فأمر بإخراجهم فاجلاهم عمر رضي الله عنه (قال النووي) وهذا الذي قاله في المهذب هو الصواب، قال ونجران مذكورة في باب عقد الذمة في المهذب من قوله صلى الله عليه وسلم أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب أهـ (1) بقية الآية (ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره أي يا شبيهة هارون في العبادة أنت من بيت طيب طاهر معروف بالصلاح والعبادة والزهادة فكيف صدر هذا منك؟ قال علي بن طلحة والسدى قيل لها أخت هارون أي أخي موسى وكانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم وللمضرى يا أخل مضر، وقيل نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون فكانت تتأسى به في الزهادة والعبادة اهـ (2) أي من طول الزمان مالا يمكن أن تكون مريم أختا لهرون أخى موسى (3) يعني أن هارون المذكور في قوله تعالى (يا أخت هارون) ليس هو هارون النبس أخا موسى بل المراد بهارون هذا رجل أخر مسمى بهرون لأنهم كانوا يسمون أولادهم بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم (تخريجه)(م نس مذ)(باب)(4)(سنده) حدثنا عبد الرحمن (يعني ابن مهدي) عن ابن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(5) أي ما يمنعك أن تجيئا وتتنزل علينا أكثر من ذلك، قيل سبب ذلك احتباس الوحي عنه صلى الله عليه وسلم أكثر من عادته (6)(والتفسير)(وما تتنزل إلا بأمر ربك) أي قال عز وجل قل يا جبريل وما تتنزل وقتا غب وقت إلا بإذن الله على ما تقتضيه حكمته (له ما بين أيدينا) قيل المراد به امر الدنيا (وما خلفنا) أمر الآخرة (وما بين ذلك) ما بين النفختين (قال الحافظ ابن كثير) هذا قول أبي العالية وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة في رواية عنهما والسدى والربيع بن أنس وقيل (ما بين أيدينا) ما يستقبل من أمر الآخرة (وما خلفنا) أي ما مضى من الدنيا (وما بين ذلك) أي ما بين الدنيا والآخرة يروي نحوه عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن جريج والنووي واختاره ابن جرير أيضًا (وما كان ربك نسيا) قال مجاهد والسدى معناه ما نسيك ربك، وقال وهذه الآية كالتي في الضحى يعني (والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى)(تخريجه)(خ نس مذ)(باب)(7)(سنده) حدثنا حجاج قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا (يعني ابن عبد الله) قال حدثتني ام مبشر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حفصة يقول إلخ (غريبه)(8) قال العلماء لا يدخلها أحد منهم قطعًا كما صرح بذلك في أحاديث أخرى ستأتي في باب مناقب من شهد بدراو الحديبية من كتاب المناقب وإنما قال إن شاء الله للتمرك لا للشك (9) يعني بيعة الرضوان التي قال الله تعالى فيها (لقد رضي الله

ص: 208

-[تفسير قوله عز وجل (وإن منكم إلا واردها) وكلام العلماء في ذلك]-

فانتهرها فقالت حفصة وإن منكم إلا واردها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله عز وجل ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) (عن أبي سمية)(3) قال اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا يدخلونها جميعا ثم ينجي الله الذين اتقوا، فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقلت له إنا اختلفنا في ذلك الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا يدخلونها جميعا فأهوى بأصبعيه إلى أذنيه وقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الورود الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها (4) فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم: ثم ينجي الله الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) عن شعبة عن السدى عن مُرَّة عن عبد الله 349 (يعني ابن مسعود)(وإن منكم إلا واردها) قال يدخلونها أو يلجونها ثم يصدرون منها بأعمالهم: قلت له إسرائيل حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ (6) قال نعم هو عن النبي صلى الله عليه وسلم أو كلا ما هذا معناه (7)

عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) وكانت بالحديبية وكان المبايعون وأربعمائة وقيل خمسمائة وبايعوا على الموت وعلى أن لا يفروا، وسيأتي تفصيل ذلك في الغزوات إن شاء الله تعالى (1) قال النووي أما قول حفصة بلى وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها فقالت وان منكم إلا واردها فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال ثم ننجي الذين اتقوا، فيه دليل للمناظرة والاعتراض والجواب على وجه الاسترشاد وهو مقصود حفصة لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم، والصحيح أن المراد بالورود في الآية على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجوا الآخرون (2)(التفسير) اختلف العلماء في معنى الورود فقيل الدخول وهو مروي عن علي وابن عباس والجمهور، فتكون على المؤمنين الطائعين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم، وصحح النووي أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط، وهو قول الحسن وقتادة، وقيل غير ذلك والله أعلم (كان على ربك حتمًا مقضيًا) أي كان ورود جهنم قضاءًا لازمًا قضاه الله تعالى عليكم (ثم ننجي الذين اتقوا) أي الشرك وهم المؤمنون (ونذر الظالمين فيها جثيا) أي جميعا وقيل جاثين على الركب، احتج بهذا القائلون بأن معنى الورود الدخول لأنه قال ونذر: ولم يقل وندخل ومذهب أهل السنة أن صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة، وقالت المرجتة الخبيثة لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم، وقالت المعتزلة يخلد العاصي، وكلا المذهبين فاسد حجوج بالأدلة القاطعة وهي معلومة لا نطيل بذكرها والله أعلم (تخريجه)(م)(3)(سنده) حدثنا سليمان بن حرب ثنا غالب بن سليمان أبو صالح عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية الخ (غريبه)(4) هذا نص صريح في أن المراد بالورود الدخول وهو حجة للقائلين بذلك (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله ثقات قال ولجابر في الصحيح في الورود شيء موقوف غير هذا (5)(حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي الخ)(غريبه)(6) معناه ان عبد الرحمن بن مهدي قال لشعبه إن إسرائيل روى هذا الحديث عن السدى مرفوعًا إلى النبس صلى الله عليه وسلم (7) يعني أن شعبه اعترف برفعه، أما حديث إسرائيل المشار إليه فقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن السدى عن مرة عن عبد الله (وان منكم إلا واردها) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد الناس النار كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم (زاد الترمذي*

ص: 209

-[كلام العلماء في معنى الورود وتفسير قوله تعالى (أفرأيت الذي كفر بآياتنا) الآية]-

(باب أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالًا وولدا)(عن مسروق)(1) قال قال حبّاب بن الأرتّ (2) كنت قَيْنًا (3) بمكة فكنت أعمل للعاص بن وائل (4) فاجتمعت لي عليه دراهم فجئت أتقاضاه (5) فقال: لا أقضينك حتى تكفر بمحمد. قال: قلت والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث (6) قال فإذا بعثت كان لي مال وولد (وفي لفظ مال فضحك ثم قال سيكون لي ثم (7) مال وولد فأعطيك حقك) قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (أفرأيت (8) الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا حتى بلغ فردا

والحاكم (فأولهم كلمح البصر ثم كحُضر الفرس) أي جريه الشديد (ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل (أي عدوه) ثم كمشيه (أي المعتاد)(تخريجه)(مذك حق ي) وابن أبي حاتم وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي (هذا وقد ذكر العلماء) في معنى الورود أقوالًا كثيرة أصحها قولان الدخول والجواز على الصراط، قال الحافظ ولا تنافي بينهما كأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور، ووجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم، فأعلاهم درجة من يمر كلمح البرق ويؤيد صحة هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أم مبشر فذكره (قلت) تقدم أول الباب (قال وفي هذا بيان ضعف من قال الورود مختص بالكفار، ومن قال معنى الورود الدنو منها، ومن قال معناه الإشراف عليها والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرازق أنا سفيان عن الأعمش عن أبس الضحى عن مسروق (يعني ابن الأجداع) الخ (غريبه)(2) بفتح الراء وتشديد الفوقية 03) بفتح القاف وسكون التحتية أي حداد (4) هو والد وتشديد الفوقية (3) بفتح القاف وسكون التحتية أي حداد (4) هو والد عمر بن العاص الصحابي المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولم يوفق للإسلام (5) جاء في رواية البخاري فعملت للعاص بن وائل سيفًا فجئت أتقاضاه (6) مفهومه أنه يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر حينئذ لا يتصور فكأنه قال لا أكفر أبدًا: والنكتة في تعبيره بالبعث تعبير العاص بأنه لا يؤمن به، زاد في رواية البخاري والترمذي قال وأني لميت ثم مبعوث. فقلت نعم، فقال أن لي هناك مالا وولدا فأقضيك (7) بفتح المثلثة وتشديد الميم أي هناك (8)(التفسير)(أفرأيت) لما كان مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقًا إلى الإحاطة بها علما وإلى صحة الخير عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبره والتاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب كأنه قال أخبر أيضًا بقصة هذا الكافر عقب قصة أولئك المذكورين قبل هذه الآية والتاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على مقدر أي انظرت فرأيت (الذي كفر) يعني العاص بن وائل (بآياتنا) أي بالقرآن (وقال لأوتين) أي (أعطين مالًا وولدا) يعني في الجنة بعد البعث (اطلع الغيب) قال ابن عباس معناه انظر في اللوح المحفوظ، وقيل اعلم علم الغيب حتى يعلم في الجنة أم لا (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) يعني قال لا إله الله محمد رسول الله، وقيل يعني عمل عملًا صالحًا قدمه، وقيل عهد إليه أن ديخله الجنة (كلا) ردُّ عليه أي لم يحصل ذلك (سنكتب ما يقول) أي سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه به في الآخرة، وقيل يأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يقول (ونمد له من العذاب مدا) أي نزيده بذلك عذابًا فوق عذاب كفره (ونرثه ما يقول) أي نزوي عنه ما زعم أ، هـ يناله في الآخرة: والمعني مُسَمّى ما يقول وهو المال والولد (ويأتينا) يوم القيامة (فردا) حال أي بلا مال ولا ولد، كقوله تعالى (ولقد جئتمونا فرادى) فما يجدي عليه تمنيه

ص: 210

-[تفسير قوله عز وجل (يوم نحشر إلى الرحمن وفدا) وقوله (يا أيها الناس) أول سورة الحج]-

(باب يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا)(ز)(عن النعمان بن سعد)(1) قال كنا جلوسا عند علي رضي الله عنه فقرأ هذه الآية (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) قال لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يحشر الوفد على أرجلهم، ولكن بنوق لم ير الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة (سورة الحج)(باب يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) الخ الآيتين (عن عمران حصين)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال وهو في بعض أسفاره (5) وقد تفاوت بين أصحابه السير) رفع بهاتين الآيتين صوته (يا أيها الناس اتقوا ربكم أن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل) حتى بلغ الآيتين (7) قال لما سمع أصحابه بذلك

-----

وتأليه (تخريجه)(ق نس مذ)(باب)(1)(سنده) قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثني سويد ابن سعبد أخبرنا على بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا النعمان بن سعد قال كنا جلوسا الخ (2)(التفسير)(وفدا) أي جماعات جمع وافد مثل ركب وراكب وصحب وصاحب، قال ابن عباس ركبانا، وقال أبو هريرة على الإبل، وقال علي بن أبي طالب ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها الذهب ونجانب جمع نجيب وهو الفاضل من كل حيوان، سُرُجها بواقيت أن هموا بها صارت وان هموا بها طارت (3) جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس (وقد ذكر الحافظ ابن كثير) في تفسيره معنى الآية والتي بدعها فقال يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه في الدار الدنيا واتبعوا رسله وصدقوهم فيما أخبروهم وأطاعوهم فيما أمروهم به وانتهوا عما عنه زجروهم انه (يحشرهم يوم القيامة وفدا) إليه والوفد هم القادمون ركبانًا ومنه الوفود، وركبوهم على نجائب من نور من مراكب الدار الأخرى وهم قادمون على خير موفود إليه إلى دار كرامته ورضوانه، وأما المجرمون المكذبون للرسل المخالفون لهم فإنهم (ليساقوا عنفًا إلى النار وردا) عطاشًا قاله عطاء وابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد، وها هنا يقال (أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا) اهـ (قلت) نديًا بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه والظاهر أن هذه المزبة لمن لم يدخل النار من المؤمنين (تخريجه) الحديث في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم، وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في البعث وقال الحاكم في المستدرك صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وتعقبه الذهبي فقال بل عبد الرحمن هذا لم يرو له مسلم ولا لخاله النعمان وضعفوه (باب)(4)(سنده) حدثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين الخ (غريبه)(5) جاء في رواية أخرى لعمران بن حصين أيضًا وأبي سعيد وغيرهما أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المطصلق ليلا (6) أي وقع التفاوت والبعد (7) تكملة الآيتين (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها: وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)(التفسير) قال الإمام البغوي في تفسير قوله عز وجل (يا أيها الناس اتقوا ربكم) أي أحذروا عقابه بطاعته (أن زلزلة الساعة شيء عظيم) والزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحالة الهائلة، واختلفوا في هذه الزلزلة فقال علقمة

ص: 211

-[تفسير الآيتين من أول سورة الحج وفيه فضل الآمة المحمدية]-

حثو المضى (1) وعرفوا أنه عند قول يقوله (2) فلما تأشبوا حوله قال أتدرون أي يوم ذاك؟ قال ذلك يوم ينادى ادم فيناديه ربه تبارك وتعال يا أدم ابعث بعثا (3) إلى النار فيقول يا رب ما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعين (4) في النار وواحد في الجنة، قال: فأبلس (5) أصحابه، حتى ما أوضحوا بضاحكة (6) فلما رأى ذلك قال أعملوا وبشروا فو الذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين (7) ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه (8) يأجوج ومأجوج ومن هلك من بني آدم وبني إبليس، قال فأسري (9) عنهم ثم قال اعملوا وبشروا فو الذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة (10) في جنب البعير أو الرقمة (11)

-----

والشعبي هي من أشراط الساعة وقيام الساعة، وقان للحسن والسدى هذه الزلزلة تكون بيوم القيامة وقال ابن عباس زلزلة الساعة قيامها فتكون معها (يوم ترونها) يعنى الساعة وقيل الزلزلة (تذهل) قال ابن عباس تشغل وقيل تنسى، يقال ذهلت عن كذا إذا تركته واشتغلت بغيرة عنه (كل مرضعة عما أرضعت) أي كل امرأة معها ولد ترضعه، يقال امرأة مرضع بلاهاه. إذا أريد به الصفة مثل حائض وحامل، فإذا أريد به الفعل ادخلوا الها. (وتضع كل ذات حمل حملها) أي تسقط ولدها من هول ذلك اليوم، قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها بغير نظام، وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام، وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تتكون في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حمل، ومن قال تكون في القيامة قال هذا على وجه تعظيم الأثر لا على حقيقته كقولهم أصابنا أمر يشيب منه الوليد يريد به شدته (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) قرأ حمزة والكسائي سكرى وما هم بسكرى بلا ألف وهما لغتان في جمع السكران مثل كسلى وكسالى، قال الحسن معناه وترى الناس سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الثواب، وقيل معناه وترى الناس كأنهم سكارى (ولكن عذاب الله شديد)(1) بفتح الميم وكسر الطاء المهملة وتشديد الياء التحتية أي حضوها والمطى جمع مطية وهي الدابة تمطو في سيرها أي تجد وتسرع (2) أي يريد أن يقول قولا (وقوله فلما تأشبوا) أي اجتمعوا والتفوا حوله (3) بفتح الموحدة وسكون المهملة قال الحافظ البعث بمعنى المبعوث، وأصلها في السرايا التي سيبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا مّيَّز أهل النار عن غيرهم، وإنما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاوة: فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث (4) هكذا بالأصل (وتسعين) ومثله عند البخاري وهو منسوب بفعل مضمر مفهوم من سياق متن الحديث أي تخرج من كل ألف إلخ (5) أي تحيروا ودهشوا لما اعتراهم من الحزن والخوف (6) أي ما تبسموا، والضواحك الأسنان التي تظهر عند التبسم (7) أي مخلوقتين (8) من التكثير أي جعتله كثيرًا (9) هكذا بالأصل (فأسرى) وعند الترمذي وغيره (فسُرَّى) وهو الظاهر أي كشف وأزيل ما اتعراهم من الشدة والكرب (10) قال في القاموس الشامة علامة تخالف البدن الذي هي فيه جمعة شام وشامات، والشامة أثر أسود في البدن وفي الأرض (11) بسكون القاف قال في النهاية الرقمة هنا الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل، وهما رقمتان في ذراعيها أهـ وجاء عند البخاري ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود (تخريجه)(مذ نس ك) وصححه الترمذي والحاكم وأقره الذهبي، وروى البخاري نحوه من حديث أبي سعيد الخدري

ص: 212

-[قوله تعالى (ومن يرد فيه بالحاد بظلم) وقوله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)]-

في ذراع الدابة (باب ومن يرد فيه بالحاد بظلم)(حدثنا يزيد بن هرون)(1) 353 أنبأنا شعبة عن السدى (2) أنه سمع مُرَّة أنه سمه عبد الله قال لي شعبة ولا أرفعه لك (3) يقول في قوله عز وجل (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)(4) قالوا لو أن رجلًا هَمَّ فيه بالحاد وهو بعدن (5) أبين لأذاقه الله عز وجل عذابًا أليمًا (باب أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) الآية (عن ابن عباس) 06) قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر رضي الله أخرجوا نبيهم، إنا 354 لله وإنا إليه راجعون ليهلكنّ، فنزلت (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا إن الله على نصرهم لقدير)(8)

(باب)(1)(حدثنا يزيد بن هارون الخ)(غريبه)(2) اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن ومرة هو ابن شراحيل الهمداني وعبد الله هو ابن مسعود (3) القائل قال لي شعبة هو يزيد بن هارون يريد أن شعبة قد حكى رفع الحديث عن شيخه، وجاء هذا الحديث نفسه عند ابن حاتم في تفسيره من طريق يزيد بن هارون عن شعبة أيضًا وفي أخره قال شعبة هو (يعني شيخه) رفعة لنا وأنا لا أرفعه لكم قال يزيد هو قد رفعه أهـ (قلت) يعني دق رفعه رواية وأن وقفه رأيا، والرفع زيادة من ثقة فتقبل (4) أول الآية (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد: ومن يرد فيه بالحاد بظلم من عذاب أليم) (التفسير)(إن الذين كفروا) فيما تقدم (ويصدون عن سبيل الله) أي عن طاعته في الحال (والمسجد الحرام) أي ويصدون عن المسجد الحرام (الذي جعلناه للناس) قبلة لصلاتهم ومنسكًا ومتعبدًا كما قال (وضع للناس)(سواء العاكف فيه والباد) العاكف المقيم فيه والبادي الطاريء المنتاب إليه من غيره سواء في تعظيم حرمته وقضاء النسك فيه، وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة، وقالوا المراد منه نفس المسجد الحرام: ومعنى التسوية هو التسوية في تعظيم الكعبة وفي فضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت (ومن يرد فيه بالحاد) أي بهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار وقوله (بظلم) أي عامدًا قاصدًا أنه ظلم ليس بمتاول كما قال ابن جريح عن ابن عباس هو التعمد، وقال العوفي عن ابن عباس (بظلم) هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من إساءة أو قتل فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يقتلك فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأليم كما قال تعالى (نذقه من عذاب أليم) في الآخرة وخبران محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره أن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم، وكل من ارتكب فيه ذنبًا فهو كذلك، ولذلك قال في حديث الباب (لو أن رجلًا هم فيه بالحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عز وجل عذابًا أليما (5) عدن بفتح العين والدال المهملتين مدينة معروفة باليمن يقال فيها عدن أبين، قال الحازمي في المؤتلف يقال نسب إلى أبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ (تخريجه) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره وأورده الحافظ الهيثمي وقل رواه (حم عل بز) ورجال أحمد رجال الصحيح (باب)(6)(سنده) حدثنا إسحاق حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (7)(التفسير)(أذن) قرأ أهل المدينة والبصرة وعاصم أذن بضم الألف والباقون بفتحها أي إذن الله (للذين يقاتلون) قرأ أهل المدينة وابن عامر وحفص يقاتلون بفتح التاء يعني المؤمنين الذين يقاتلهم المشركون، وقرأ الآخرون بكسر التاء يعني الذين أذن لهم بالجهاد.

ص: 213

-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وفضل العشر الآيات من أول سورة (المؤمنون)]-

قال فعرف أنه سيكون قتال، قال ابن عباس هي أول آية نزلت في القتال (1) (سورة المؤمنون) 355 (باب قوله عز وجل قد أفلح المؤمنون الآيات) (عن عبد الرحمن بن القارئَّ) (2) سمعت عمر بن الخطاب يقول كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمع عند وجهه دوّي (3) كدومي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم زدنا (4) ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا (5) ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضنا، ثم قال لقد أنزلت على عشر آيات من أقامهن (6) دخل الجنة ثم قرأ علينا (قد أفلح المؤمنون (7)

يقاتلون المشركين، قال المفسرون كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم أصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال (بأنهم ظلموا) يعني بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء (وأن الله على نصرهم لقدير) فيه وعد من الله بنصر المؤمنين ولا يخلف الله وعده فقد كان ذلك وانتصر المؤمنون (1) قال العوفي عن ابن عباس نزلت في محمد وأصحاب حين أخرجوا من مكة، وقال مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف كابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبيبر وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم هذه أول أية نزلت في الجهاد، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السور مدنية (تخريجه)(نس مذك) وابن جرير وابن حاتم وحسنة الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي (باب)(2)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أخبرني يونس بن سُليم قال أملي على يونس بن يزيد ألابلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبر عن عبد الرحمن بن عبد القاري الخ (غريبه)(3) بفتح الدال المهملة وكسر الواو وتشديد الياء أي سمع قرب وجهه دوى مثل دوى النحل والدوى صوت لا يفهم منه شيء، وهذا الصوت هو صوت جبريل عليه السلام يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي لا يفهم الحاضرون من صوته شيئًا (4) أي من الخير والترقي وكثرنا (ولا تنقصنا) أي خيرنا ومرتبتنا وعددنا، قال الطيبي عطفت هذه النواهي على الأوامر للمبالغة والتأكيد، وحذف المفعولات للتعميم (5) بمد الهمزة من الإيثار أي اخترنا برحتمك وإكرامك وعنايتك (ولا تؤثر علينا) غيرنا بلطفك وحمايتك وقيل لا تسلط علينا أعداءنا (6) أي حافظ وداوم عليهن وعمل بهن (دخل الجنة) أي دخولا أوليا (التفسير)(قد أفلح المؤمنون) أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح. قال ابن عباس قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة وقيل الفلاح البقاء والنجاة (الذين هم في صلاتهم خاشعون) قال ابن عباس مخبتون أذلاء خاضعون وقيل خائفون، وقيل متواضعون، وقيل الخشوع من أفعال القلب كالخوف والرهبة، وقيل هو من أفعال الجوارح كالسكوت وترك الالتفات وغض البصر، وقيل لابد من الجمع بين أفعال القلب والجوارح وهو الأولى: وقيل الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عما سوى الله والتدبير فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر (والذين عن اللغو معرضون) قال ابن عباس عن الشرك وقيل عن المعاصي؛ وقيل هو كل باطل ولهو ومالا يحمل من القول والفعل، وقيل هو معارضة الكفار بالشتم والسب (والذين للزكاة فاعلون) أي الزكاة الواجبة مؤدون فعبر عن التأدية بالفعل لأنها فعل (والذين هم

ص: 214

-[تفسير العشر الآيات من أول سورة (المؤمنون) وقوله تعالى (والذين يؤتون ما آتوا) الآيتين]-

حتى ختم العشر (1)(باب والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة الآية)(عن إسماعيل المكي)(2) قال حدثني أبو خلف مولى بن يجميح أنه دخل مع عبيد بن عمير (3) 356 على عائشة أم المؤمنين في سفينة زمزم ليس في المسجد ظل غيرها فقالت مرحبا وأهلا بأبي عاصم تعني عبيد بن عمير، ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا؟ فقال أخشى أن أمَّلك، فقالت ما كنت لتفعل، قال جئت أريد أن أسألك عن آية في كتاب الله عز وجل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها؟ فقالت أية آية؟ فقال (الذين يؤتون ما آتوا (أو) الذين يؤتوا ما أتوا) (4) فقالت أيتهما أحب

لفروجهم حافظون) الفروح اسم لسوءة الرجل والمرأة وحفظه التعفف عن الحرام (إلا على أزواجهم) على بمعنى من (أ، ما ملكت أيمانهم) يعني الإماء والجوارى، والآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تتمتع بفرج مملوكها (فأنهم غير ملومين) يعني بعدم حفظ فرجه من أمرأته وأمته فأنه لا يلام على ذلك، وأمما لا يلام فيما إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان غير المأني وفي حال الحيض والنفاس فأنه محظور ومن فعله فأنه ملوم (فمن ابتغى وراء ذلك) أي النمس وطلب سوى الأزواج والولائد وهن الجوارى المملوكة (فأولئك هم العادون) أي الظالمون المجاوزون الحد من الحلال والحرام (والذين لأمانتهم وعهدهم راعون) أي حافظون يحفظون ما ائتمنوا عليه والعقود التي عاقدوا الناس عليهم يقومون بالوفاء بها وألا كانت (فمنها) ما يكون بين العبد وبين الله تعالى كالصلاة والصوم وغسل الجنابة وسائر العبادات التي أوجبها الله تعالى على العبادات التي أوجبها الله تعالى على العباد فيجب الوفاء بجميعها (ومنها) ما يكون بين العباد كالودائع والصنائع والأسرار وغير ذلك فيجب الوفاء بجميعها (والذين هم على صلواتهم يحافظون) أي يداومون ويراعون أوقاتها أركانها وركوعها وسجودها وسائر شروطها (فإن قلت) كيف كرر ذكر الصلاة أولًا وأخرا (قلت) هما ذكران مختلفان مكررا، وصفهم أولًا بالخشوع في الصلاة وآخرا بالمحافظة عليها (أولئك) يعني أهل هذه الصفة (هم الوارثون) يعني يرثون منازل أهل النار من الجنة، وقيل معنى الوراثة هو أن يؤول أمرهم إلى الجنة وينالوها كما يؤول أمر الميراث إلى الوارث (الذين يرثون الفردوس) هو أعلى الجنة، وثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سألتم الله الجنة فأسالوه الفردوس فأنه أعلا الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة نسأل الله أن ليوفقنا للعمل بهذه الآيات: وإن يجعلنا من أهل الفردوس في أعلى الجنات (1) يعني الآيات العشرة التي تقدم تفسيرها (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد والترمذي والنسائي وأورده أيضًا الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد الرازق وعيد بن حميد وابن المنذر والعقيلي والبيهقي في الدلائل وأيضًا في المختارة والحديث جاء في المستدرك للحاكم وصححه وأقره الذهبي (باب)(2)(سنده) حدثنا عفان ثنا صخر بن جويرية قال ثنا إسماعيل المكي الخ (غريبه)(3) قال في التقريب عبيد بن عمير بن قتادة الليثي أبو عاضم المكي ولد عهد النبي صلى الله عليه وسلم قاله مسلم وعده غيره في كبار التابعين وكان قاص أهل مكة مجمع على ثقته مات قبل ابن عمر (4)(التفسير)(الذين يؤتون ما أتوا) يريد السائل أنها يمد الهمزة أو بقصرها، وبقية الآية (وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وقد فسر الإمام البغوي رواية المد بقوله

ص: 215

-[كلام علماء القراءات في مد الهمزة وقصرها من قوله تعالى (والذين يؤتوا ما أتوا)]-

إليك؟ قال قلت والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعًا أو الدنيا وما فيها، قالت آيتهما؟ قلت (الذين يؤتون ما أتوا) قالت أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها (1) وكذلك أنزلت، أو قالت أشهد لكذلك أنزلت وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤ، ولكن الهجاء حرف (عن سعيد بن وهب)(2) عن عائشة رضي الله عنها أنها قال يا رسول الله في هذه الآية (3) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني يشرب الخمر (4) وهو يخاف الله قال لا يا بنت أبى بكر يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي

أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات، قال وروى عن عائشة أنها كانت تقرأ (والذين يؤتون ما أتوا) يعني بالقصر أي يعملون ما عملوا من أعمال البر أهـ وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (والذين يؤتون ما آتوا)(بمد الهمزة) أي يعطون العطاء (وقلوبهم وجلة) أي وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط وكما قال الإمام أحمد، وذكر الحديث التالي أعني حديث سعيد بن وهب عن عائشة مؤيدًا به رواية المد ثم قال وهكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري في تفسير هذه الآية، قال وقد قرأ آخرون هذه الآية (والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة) يعني بالقصر أي يفعلون ما يفعلون وهم خائفون قال وروى هذا مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كذلك (يعني بالقصر) ثم ذكر حديث الباب، قال والمعنى على القراءة الأولى (يعني قراءة المد) قال وهي قراءة الجمهور السبعة وغيرهم أظهر لأنه قال (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون فجعلهم من السابقين ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك أن لا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين والله أعلم أهـ (أنهم إلى ربهم راجعون) أي لأنهم يوثقون أنهم يرجعون إلى الله عز وجل (أولئك يسارعون في الخيرات) يبادرون إلى الأعمال الصالحة (وهم لها سابقون) أي إليها سابقون كقوله تعالى لما نهوا أي إلى ما نهوا، وقال ابن عباس في معنى هذه الآية سبقت لهم من الله السعادة، وقال الكلى سبقوا الأمم إلى الخيرات (1) تعني بالقصر قال الإمام ابن جرير في تفسيره وكأنها تأولت في ذلك والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون كالذي يذنب الذنب وهو وجل منه (قلت) وهذه القراءة أعني قراءة القصر حديثها ضعيف وتخالف ما اتفق عليه جمهور القراء من قراءة المد، قال الإمام ابن جرير وعلى هذه القراءة أعني على (والذين يؤتون ما آتوا) بلمد قراءة الأمصار وبه رسوم مصاحفهم وبه نقرأ لإجماع الحجة من القراء عليه ووفاقه خط مصاحف المسلمين والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وأورده الحافظ الهيثمي وعزاه للإمام أحمد فقط ثم قال: فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، وكذلك قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، وعلى هذا فلا يحتج به والله أعلم (3) جاء عند الترمذي قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية) والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة الخ (4) هذا ما كانت تفهمه عائشة أولا أن الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وقلبه وجل داخل في هذه الآية، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم أنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل يعني يخاف أن لا تقيل منه لآتهم

ص: 216

-[قوله تعالى (تلفح وجوههم النار) وقوله (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)]-

ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل (باب تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون)(عن أبي سعيد الخدري)(1) عن النبس صلى الله عليه وسلم قال (وهم فيها كالحون)(2) قال تشويه النار 358 فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته (سورة النور)(باب الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)(عن عبد الله بن عمرو)(3) أن رجلًا من المسلمين استأذن نبي الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه، وأنه استأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر له أمرها، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) قال أنزلت (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)(4) قال أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن الإمام أحمد) قال أبي قال عارم سألت معتمرا عن الحضرمي فقال كان قاصًا وقد رأيته

-----

يوقنون أنهم إلى الله صائرون وليس بعد تفسير النبي صلى الله عليه وسلم تفسير، وهذا الحديث حجة لمن قرأ أقر بمد الهمزة والله أعلم (تخريجه)(مذك) وابن أبي حاتم والبغوي في تفسيره وصححه الحاكم وأقره الذهبي (باب)(1)(سنده) حدثنا علي ابن اسحاق حدثنا عبد الله (سعني ابن المبارك) أنا سعيد بن يزيد أن شجاع عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري الخ (2)(التفسير) أول الآية (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) أي تحرق وجوههم النار يروي ابن مردويه بسنده عن أبس الدرداء في قول الله تعالى (تلفح وجوههم النار) قال تلفحهم لفحة تسيل لحومهم على أعقابهم (وهم فيها كالحون) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني عابسون، وقال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحرص عن عبد الله بن مسعود (وهم فيها كالحون) قال ألم تر إلى الرأس المشيط الذي قد بدا أسنانه وقلصت شفتاه وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب بقوله تشويه النار فتقلص أي ترتفع شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلي حتى تضرب سرته) يريد أن يكون من أقبح الناس منظرا نعوذ بالله من ذلك، وهذا الوعيد الشديد للكفار بدليل قوله تعالى بعد ذلك (ألم تكن آيلتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون)(تخريجه)(مذك) والبغوي في التفسير، وقال الترمذي هذل حديث حسن غريب صحيح (قلت) وصححه الحاكم وأقره الذهبي (باب)(3)(سنده) حدثنا حازم حدثنا مستمرة قال قال أبى حدثنا الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمرو (يعني ابن العاص) الخ، وهذا الحديث تقدم بهذا السند والمتن مشروحًا في باب في نكاح الزاني والزانية من كتاب النكاح في الجزء السادس عشر صحيفة 197 رقم 156 إلى قوله (قال أنزلت الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) ثم قلت في شرحه عقب ذكر هذا الحديث هنا لأجل تفسير الآية لأنها لم تفسر هناك وهذا محل تفسيرها والله الموفق (4)(التفسير) أول الآية (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم الله ذلك على المؤمنين) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة أي لا يطارعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية أو مشركة لا ترى حرمة ذلك وكذلك (الزانية لا ينكحها إلا زان) أي عاص

ص: 217

-[بيان آيات اللعان وكلام العلماء في ذلك]-

(باب آيات اللعان)(عن ابن شهاب عن سهل)(1) أهـ قال إن رجلًا من الأنصار (2) جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ (3) قال فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من التلاعن (4) فقد قضي فيك وفي امرأتك، قال فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم 361 - إلى قوله- ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)(عن عائشة رضي الله عنها (5) في حديث الإفك قالت والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في

-----

بزناه (أو مشرك) لا يعتقد تحريمه، قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) قال ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع، لا يزني بها إلا زان أو مشرك وهذا إسناد صحيح، وقد روى عنه من غير وجه أيضًا، وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغير واحد نحو ذلك، وقوله تعالى (وحرم ذلك على المؤمنين) أي تعاطيه والتزوج بالبغايا أو تزويح الصفائف بالرجال الفجار، وقال أبو داود الطيالسي حدثنا قيس عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (وحرم ذلك على المؤمنين) قال حرم الله الزنا على المؤمنين، وقال قتادة ومقاتل بن حيان حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا وتقدم ذلك فقال (وحرم ذلك على المؤمنين) وهذه الآية كقوله تعالى (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) وقوله محصنين غير مسافحين ولا متخذ اخدان) الآية، ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن جنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغيَّ ما دامت كذلك حتى تستاب، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى (وحرم ذلك على المؤمنين) ثم ذكر حديث الباب وغيره انتهى ما قاله الحافظ ابن كثير باختصار (هذا) وقد ذكرت مذاهب الآئمة في حكم نكاح الزاني والزانية ووجهة نظرهم في تفسير الآية في شرح باب نكاح الزاني والزانية من كتاب النكاح في الجزء الثاني من كتابي القول الحسن شرح بدائع المنن صحيفة 345 و 346 و 347 فأراجع إليه تجد ما يسرك والله الموفي (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب طس) بنحوه ورجال أحمد ثقات (قلت) في إسناده الحضرمي شيخ مجهول، وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعيد بن حميد والحاكم وصححه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه (قلت) رواه الحاكم والطبري في روايته نحو معناه مختصرًا بإسناد صحيح ليس فيه الحضرمي، وصححه الحاكم وأقره الذهبي والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا حجاج ثنا ليث بن سعد حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سهل (يعني ابن سعد الساعدي) الخ (غريبه)(2) هو عويمر العجلاني كما صرح به في رواية أخرى (3) زاد في رواية أخرى (فتقتلونه أم كيف يفعل (4) يعني من آيات اللعان وهي قوله عز وجل (إن الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين- إلى قوله- وأن الله تواب حكيم، وقد نقدم تفسير هذه الآيات وكيفية اللعان وحكمه من كتاب اللعان في الجزء السابع عشر صحيفة 26 و 27 فأرجع إليه (تخريجه)(ق د س جه)(باب)(5)(عن عائشة الخ) هذا

ص: 218

-[قوله عز وجل (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) الآيات]-

نفسي من أن يتكلم الله عز وجل فيَّ بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت فو الله ما رام (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (2) عند الوحي حتى انه كان ليتحدر (3) منه مثلُ الجمان من العرق في اليوم الشاتيّ من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُرىَّ (4) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول (5) كلمة تكلم بها أن قال ابشري يا عائشة، أمّا الله فقد برأك، فقالت لي أمي قومي إليه (6) فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي انزل براءتي قالت فانزل الله عز وجل: (إِنَّ الَّذين جاءوا بالإفك

طرف من حديث طويل سياي بطوله وسنده وشرحه وتخريجه في باب حديث الإفك ومحنة عائشة رضي الله عنها من أبواب ذكر ازواجه الطاهرات من كتاب السيرة النبوية، وسيأتي نحوه أيضًا في غزوة بني المطصلف إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بهذا القدر منه وشرحه وتفسير الآيات المتعلقة به وتلخيص ما ترك منه فنقول كانت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق بعد ما أنزل الحجاب حتى إذا فرغ من غزوته تلك ورجع ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل وكانت عائشة قد ذهبت بقضاء حاجتها قبل أن يرتحل القوم ففقدت عقدها فحسها التماسه فحمل القوم هو دجها ووضعوه على بعيرها يحسبونها فيه ثم ساروا فجاءت عائشة بعد أن وجدت عقدها فلم تجد أحدًا فجلست في المنزل الذي كانت فيه، وكان صفوان بن المعطل من وراء الجيش كما جاء في حديث أبي هريرة عند البزار: وكان صفوان أن يتخلف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإدارة يعني مما تركه الناس نسيانًا فيحمله فيقدم به فيعرفه في أصحاب فأصبح عند منزل عائشة فعرفها وكان يراها قبل الحجات، فقال (إن الله وإنا إليه راجعون) ولم يتكلم كلمة غيرها فأناخ راحته وغطت عائشة وجهها بخمارها وأدار وجهه فركبت عائشة وانطلق يقودها حتى أدرك الجيش نازلًا في وسط النهار في شدة الحر، فهناك قال أهل الإفك ما قالوا فيها، وكان الذي تصدى له وتقده رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول وكانت لا تشعر بما يقول الناس إلى أن خرجت هي وأم مسطح ليلًا إلى مكان خارج المدينة لقضاء حاجتهما وذلك قبل أن تتخذ الكنف فعئرت أم مسطح في مرئها فقالت تعس مسطح، فقالت لها عائشة بئس ما قلت أتسبين رجلًا شهد در!؟ فقالت أم تسمعي ما قالوا؟ فأخبرتها بقول الإفك فاستأذنت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون عند أبويها فأذن لها، قالت وبت عند أوي لا يرقأ لي دمع وما اكتحل بنوم وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي إلى أن قالت والله ما كنت أظن أن ينز في شأني وحي أي قرآن (الحديث)(1) أي ما قام سول الله صلى الله عيه وسلم من مجلسه الخ (2) بضم الموحدة وفتح الراء ثم مهملة ممدودا العرق من ضدة ثقل الوحي (3) بتشديد الدال، واللام للتأكيد أي ينز ويقطر (وقوله مثل الجمان) برفع مثل وضم الجيم وتخفيف الميم أي مثل اللؤلؤ (4) بضم السين المهملة وتشديد الراء مكسورة وفتح الياء التحتية أي كشف وأزيل عنه ما كان يحمد من ثقل الوحي (5) نصب أول خ كان: وأسمها أن قال أبشري يعني أن وما بعدها في تأويل مصدر أسم كان وتقديره فكان قوله أبشري يا عائشة أول كلمة تكلم بها (6) معناه قالت لها أمنها قومي فاحمديه وقبلي رأسه وأشكريه نعمة الله تعالى التي يبشرك، فقالت عائشة ما قالت أدلالا عليه وعتًا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم حسن طرائفها وجميل أحوالها

ص: 219

-[قصة الإفك ومحنة عائشة وتفسير آيات الإفك]-

عصبة منكم} عشر آيات فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. (1) فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد هذا الذي قال لعائشة، فأنزل الله عز وجل:(ولا يأْتل أُولو الفضل منكم والسّعة) إلى قوله: (أَلا تحبون أنْ يغْفِر اللَّه لكم) فقال أبو بكر الصديق والله إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح لنفقته التي كان ينفق عليه وقال لا انزعها منه ابدًا قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري وما

-----

وارتفاعها عن هذا الباطل الذي افتراه قوم ظالمون ولا حجة لهم ولا شبهة فيه (1) أي من قوله تعالى (إن الذين جاءوا بالأفك عصبة منكم إلى قوله تعالى - ولولا فضل الله عليكم وحمته وأن الله رءوف رحيم)(التفسير) قوله عز وجل (إن الذين جاءوا بالإفك) الافك هو أ [لغ ما يكون من الكذب والافتراء، والمراد هنا أسوأ الكذب والافتراء على عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين بقذفها (عصبة) جماعة من العشرة إلى الأربعين وهم عبد الله بن أبيَّ رأس النفاق وهو الذي تولى كبره منهم أي تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه وإشاعه، وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم (منكم) أي من جماعة المسلمين وهم ظنوا أن الإفك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين (لا تحسبوه) أ] ها المؤمنين غير العصبة (شرًا لكم بل هو خير لكم) يأجركم الله به ويظهر براءة عائشة والرجل الذي رميت به وهو صفوان بن المعطل رضي الله عنه (لكل أمريء منهم) أي عليه (ما اكتسب من الإثم) في ذلك (والذي تولى كبره منهم) أي تحمل معظمه فبدأ الخوض فيه وأشاعه وهو عبد الله ن أبي سلول رأس المنافقين (له عذاب عظيم) هو النار في الآخرة (لولا) هلا (إذ) حين (سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم) أي بإخوانهم وأهل دينهم، فالمؤمنون كنفس واحدة وهو كقوله ولا تلمزوا أنفسكم (خيرًا) أي عفانًا وصلاحًا، والمعنى كان الواجب على المؤمنين إذ سمعوا قو لأهل الأفك أن يكذبوه ويحسنوا الظن ولا يسرعوا في التهمة وقول الزور فيمن عفوا عليه بأربعة شهداء) أي هلا جاءوا على القذف لو كانوا صادقين بأربعة شهداء (فإذ لم يأتوا الشهداء) الأربعة (فالئك عند الله) أي في حكمه وشريعته (هم الكاذبون) أي القاذفون لأنهم م يأتوا ببينة على قولهم فكانوا كاذبين (ولو فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره بخلاف ما تقدم، ومعناه لولا أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة وأن أترحم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك، والخطاب للقذفة، وهذا الفضل هو تأخير العذاب وقبول التوبة ممن تاب (إن تلقونه بألسنتكم) أي يرويه بعضهم عن بعض وذلك أن الرجل منهم يلقي الرجل فيقول بلغني كذا وكذا فهل بلغك يعني حديث عائشة حتى شاع فيما بينهم وانتشر فلم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه (وتقولون بأفواهكم ما يس لكم به علم) أي من غير أن تعلموا أنه حق (وتحسونه هينًا) أي وتظنون أنه سهل لا إثم فيه (وهو عند الله عظيم) أي في الوزر (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك) قيل هو للتعجب وقيل هو للتنزيه (هذا

ص: 220

-[قوله عز وجل (ولا يأتل أولوا الفض منكم) الآية وتفسيرها]-

عَلِمْتِ أو ما رأيت أو ما بلغك؟ قالت يا رسول الله احمي سمعي وبصري (1) والله ما علمت إلا خيرًا،

قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني (2) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله عز وجل

بهتان عظيم) أي كذب عظيم يبهت ويحيَّر من عظمه، وروى أن أم أبي أيوب الأنصاري قال لأبي أيوب ما بلغك ما يقول الناس في عائشة؟ فقال سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت الآية على وفق قوه (يعظكم الله) قال ابن عباس يحرم الله عليكم، وقيل ينهاكم الله (أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله كم الآيات) أي في الأمر والنهي (والله عليم) أي بأمر عائشة وصفوان (حكيم) أي حكم ببراءتهما (إن الذين يحبون أن تشيه الفاحشة) أي يظهر الزنا ويذيع (في الذين آمنوا) قيل الآية مخصوصة من قذف عائشة والمراد بالذين آمنوا عائشة وصفوان، وقيل الآية على العموم فكل من أحب أن تشيع الفاحشة أو تظهر على أحد فهو داخل في حكم هذه الآية، والمراد الذين أمنوا جميع المؤمنين (لهم عذاب أليم في الدنيا) يعني الحدود والذم على فعله (والآخرة) أي وفي الآخرة لهم النار (والله يعلم) كذبهم وبراءة عائشة وما خاضوا فيه من سخط الله (وأنتم لا تعلمون) وقيل معناه يعلم ما في قلب من يحب أن تشيع الفاحشة فيجازيه على ذلك وأنتم لا تعلمون (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) أي لولا أنعامه عليكم لعاجلكم بالعقوبة، قال ابن عباس يريد مسطحًا وحسان ن ثابت وحمنة (وأن الله رءوف) حيث أظهر براءة المقذوف وأثاب (رحيم) بغفرانه جناية القاذف إذا تا (قوله عز وجل (ولا يأتل) أي ولا يحلف من الآليّة وهي القسم وقرأ أو جعفر ولا يتأل بتقديم التاء وتأخير الهمزة وهو يتفعل من الآلية وهي القسم (أولوا الفضل منكم والسعة) يعني الغنى يريد أبى بكر رضي الله عنه (أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سيل الله) يعني مسطحا وكان مسكينًا مهاجرًا بدريًا ابن خالة أبى بكر حلف أو كر أن لا نفق عليه (وليعفوا وليصفحوا) أي عما تقدم منهم من الإساءة والأذى في حق عائشة، وهذا من حلمه تعالى وكمه ولطفه خلقه مع ظلمهم لأنفسهم (قال الحافظ ابن كثير) وهذه الآية نزلت في الصديق رضي الله عنه حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة ابدًا عد ما قال في عائشة ما قال كما تقدم في الحديث، فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين وطابت النفوس الآمنة واستقرت وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك وأقيم الحد على من أقيم عليه، شرع تبارك وتعالى وله الفضل والمنة عطف الصديق على قريبه ونسيبه وهو مسطح ابن أثاثة فأنه كان ابنة خالة الصديق وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها وضرب الحد عليها، وكان الصديق رضي الله عنه معروفًا بالمعروف: له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب، فلما نزت هذه الآية إلى قوله (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) الآية فإن الجزاء من جنس العمل فكما تغفر ذنب من أذن إليك يغف الله لك، وكما تصفح يصفح عنك فعند ذلك قال الصديق لي والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا، ثم جع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة وقال والله لا أنزعها منه أبدًا، في مقالة مت كان قال والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته (والله غفور رحيم) معناه اغفروا يُغفر كم (1) أي أصون سمعي وبصري من أن أقول سمعت ولم أسمع وأبصرت ولم أبصر (2) أي تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلى الله عليه وسلم وهي

ص: 221

-[تسمية جماعة ممن رموا عائشة بالإفك وقولها في حسان بن ثابت]-

بالورع (1) وطفقت أختها حَمْنَةُ بنت جحش تحارب لها (2) فهلكت فيمن هلك (3) قال ابن شهاب: فهذا ما انتهى الينا من أمر هؤلاء الرهط. (عن عروة من حديث عائشة)(4) أيضًا قال لم يسم من أهل الإفك إلا حسان بن ثابت. ومسطح بن أثاثة. وحمنة بنت جحش. في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله عز وجل: وإن كبر ذلك يقال له عبد الله بن أبي ابن سلول، قال عروة كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال

(فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء) (5) (عن عائشة رضي الله عنها

(6)

قالت رميت بما رميت وأنا غافلة (7) فبلغني بعد ذلك رضخ (8) من ذلك فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي إذ أوحى الله إليه وكان إذا أوحى إليه يأخذه شبه السبات (9) فبينما هو جالس عندي إذ نزل عليه فرفع رأسه وهو يمسح عن جبينه فقال أبشري يا عائشة: فقلت بحمد الله هز وجل لا بحمدك (10) فقرأ (الذين يرمون المحصنات) حتى بلغ (مبرءون مما يقولون)(11)

مفاعلة من السمو وهو الارتفاع (1) أي عصمها الله بتقواها من أن تقول كما قال أهل الإفك وما قالت في عائشة إلا خيرًا (2) أي جعت تتعصب لها أي لأختها زين وخاضت في حديث الإفك لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها زينب (3) أي وقعت فيما وقع أهل الإفك لكنها تابت وأقيم عليها حد القذف، فقد روت عمرة عن عائشة أن النبس صلى الله عليه وسلم ما نزلت آيات الإفك حدّ أربعة نفر عد الله بن أبيَّ. وحسان ن ثابت. ومسح بن أثاثة. وحمنة بنت جحش (تخرجيه) (ق نس) وابن جرير والغوي وغيرهم (4) هذا طرف من حديث طويل سيأتي بطوله وسنده وتخريجه في باب حديث الإفك ومحنة عائشة رضي الله عنها ضمن أبواب ذكر أزواجه الطاهرات من كتاب السيرة النبوية (5) جاء عند أن جرير عن عائشة أنها قات ما سمعت بشعر أحسن من شعر حسان ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لآبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

هجوت محمدا فأجبتُ عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

أتشتمه ولستَ له بكفيء .... فشركما لخيركما الفداء

لساني صارم لا عيب فيه

وبجري لا تكدره الدلاء

(6)

(سنده) حدثنا أبو سعيد قال ثنا أبو عوانة قال ثنا عمر (يعني ابن أبي سلمة) عن أبيه عن عائشة الخ (غريه)(7) تريد ما قاله الناس فيها من حديث الإفك وهي غافلة أي لا تشعر ما يقولون (8) بفتح الراء وسكون المعجمة، قال في القاموس الرضح خبر تسمعه ولا تستيقنه (9) السبات نوم المريض والشيخ المسن وهو النومة الخفيفة (10) تريد أن الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي وأنعم عليَّ بما لم أكن أتوقعه من أن يتكلم الله تعالى في شأني بقرآن يتلى، قات ذلك أدلالا عليهم وعتبًا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن سيرتها وارتفاعها عما نسب إليها مما لا حجة عليه ولا شبهة (11) الآيات بتمامها هي قوله عز وج (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات عنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجهم بما كانوا يعملون، يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو

ص: 222

-[تفسير قوله تعالى (أن الذين يرمون المحصنات) إلى قوله (لهم مغفرة ورزق كريم)]-

(سورة الفرقان)(باب والذين لا يدعون مع الله آله آخر) الآية (عن عبد الله)(1) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر (2) قال أن تجعل لله ندأ (3) وهو خلقك، قال ثم أي قال أن تقتل ولدك أم يطعم معك (4) قال ثم أي؟ قال أن تزانى جليلة جارك، قال قال عبد الله

الحق المبين الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) (التفسير)(أن الذين يرمون المحصنات) أي العفائف (الغافلات) أي عن الفاوحش والغافلة عن الفاحشة هي التي لا يقع في قلبها فعل الفاحشة، وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها (المؤمنات) وصفها بالمؤمنات لعلو شأنها (لعنوا) أي عذبوا (في الدنيا) بالحد (والآخرة) أي وفي الآخرة بالنار (ولهم عذاب عظيم) هذا في حق عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، وروى عن خصيف قال قلت لسعيد بن جبير من قذف مؤمنة يلعنه الله في الدنيا والآخرة؟ قال ذاك لعائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات ليس في ذلك توبة (يعني من قذفهن بعد نزول القرآن) ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرأ (والذين يمون المحصنات) إلى قوله تابوا فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأولئك توبة، وقيل لهم توبة أيضًا للآية (يوم تشهد عليهم ألسنتهم) هذا قبل أن يختم على أفواههم (وأيديهم وأرجلهم) يروى أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا وهو قوله (بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) أي جزاءهم الواجب وقيل حسابهم العدل (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) أي الموجود الظاهر الذي بقدرته وجود كل شيء، وقيل معناه يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا، وقال ابن عباس وذلك أن عبد الله بن أبي بن سلول كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين (الخبيثات للخبيثين) قال أكثر المفسرين يعني الخبيثات من القول تقال (للخبيثين) من الناس ومثله (والخبيثون) أي من الناس يتعرضون (للخبيثان) من القول (والطيبات) أي من القول كذلك ومعنى الآية أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس والطيب من القول لا يليق إلا بالطيب من الناس، وعائشة لا يليق بها الخبيث من القول لأنها طيبة فيضاف إليها طيب القول من الثناء والمدح وما يليق بها وقيل معناه لا يتكلم بالخبيث إلا الخبيث من الرجال والنساء، وهذا ذم للذين قذفوا عائشة، ولا يتكلم بالطيب من القول إلا الطيب من الرجال والنساء، وهذا مدح الذين بدءوها بالظهارة والمدح لها، وقيل معنى الآية الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء أمثال عبد الله ابن أبي المنافق والشاكين في لدين والطيبات من النساء (للطيبين والطيبون للطيبات) يريد عائشة طيبها الله لرسول صلى الله عليه وسلم (أولئك مبرءون) يعني عائشة وصفوان ذكرهما الله بلفظ الجمع منزهون (مما يقولون) يعني أصحاب الأفك (لهم مغفرة) أي عفو لذنوبهم (ورزق كريم) يعني الجنة (تخريجه)(ابن جرير) وسنده جيد (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله (يعني ابن مسعود الخ)(غريبة)(2) جاء عند الترمذي أي الذنب أعظم، وعند البخاري أي الذنب عند الله أكبر (3) بكسر النون وتشديد الدال أي مثلًا ونظيرًا (وقوله وهو خلقك) الجملة حال من الله أو من فاعل أن تجعل وفيه إشارة إلى ما استحق به تعالى أن تتخذه ربا وتعبده فأنه خلقك، أو إلى مابه امتيازه تعالى عن غيرة في كونه إله، وإلى ضعف الند أي أن تجعل له ندا وقد خلقك غيره وهو لا يقدر على خلق شيء (4) أي من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان (5) تزانى تفاعل وهو

ص: 223

-[تفسير قوله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إله آخر) إلى قوله (فأنه يتوب إلى الله متابا)]-

فأنزل الله تصديق ذلك (1)(والذين لا يدعون مع الله إله آخر (2) ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما)

يقتضي أن يكون من الجانبين، قال في المصابيح لعله نبه على شدة قبح الزنا إذا كان منه لا منها بأن يغشاها قائمة أو مكرهة فأنه إذا كان زناه بها مع المشاركة منها له والطواعية كبيرًا: كان زناه بدون ذلك أكبر وأقبح من باب أولى (وقوله حليلة جارك) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام الأولى أي زوجته لأنها تحل له فهي فعلية بمعنى فاعلة أو من الحلول لأنها تحل معه ويحل معها وإنما كان ذلك لأنه زنا وأبطال لما أوصى الله به من حقوق الجيران (1) أي فأنزل الله تصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآية (2)(التفسير) أي لا يشركون بالله عز وجل (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) أي لا يقتلون النفس التي هي معصومة في الأصل لا محقين بقود أو رجم الزاني المحصن أو كفر بعد إسلام (ولا يزنون) الزنا وطؤ امرأة غير زوجته وأمته (ومن يفعل ذلك) أي واحدًا من الثلاثة (يلق أثاما) قال ابن عباس إنما يريد جزاء الإثم وبه قال الخليل وسيبويه وأبو عمر الشيباني وقال كثير من المفسرين الأثام واد في جهنم عافانا الله منها، هذا وقد انتهى الحديث إلى قوله أثاما (تخريجه)(ق د لس مذ) والبغوي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم، وقد جاء في كتاب الله عز وجل بعد هذه الآية صفة جزاء من فعل ذلك فقال عز من قائل (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) الآيات، ولأجل تمام الفائدة أذكر ما قيل في تفسير هذه الآيات المتممة للآية المتقدمة فأقول (قوله عز وجل (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد) قرأ ابن عامر وأبو بكر يضاعف ويخلد برفع الفاء والدال وشدد ابن عامر يضعف، وقرأ الآخرون بجزم الفاء والدال على جواب الشرط (فيه) مكى وحفص بإشباع الها، وإنما خص حفص الإشباع بهذه الكلمة مبالغة في الوعيد والعرب تمد للمبالغة (مهانا) أي ذليلا (إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا) قال قتادة إلا من تاب من ذنبه وآمن بربه وعمل عملًا صالحًا فيما بينه وبين ربه، روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين (والذين لا يدعون مع الله إليها آخر) الآية، ثم نزلت إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا (فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه بإنا فتحنا لك فتحًا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) ذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا، قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والسدى والضحاك يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانا وبقتل المؤمنين قتل المشركين وبالزنا عفة واحصانا، وقال قوم يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة، وهو قول سعيد بن المسيب ومكحول وقيل إن الله عز وجل يمحوا بالندم جميع السيئات ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة (ومن تاب وعمل صالحا) قال بعض أهل العلم هذا في التوبة عن غير ما سبق ذكره في الآية الأولى من القتل والزنا يعني من تاب من الشرك وعمل صالحًا أي أدى الفرائض ممن لم يقتل ولم يزن (فإنه يتوب إلى الله) أي يعود إليه بعد الموت (متابا) حسنا يفضل به على غيره ممن قتل وزنى، فالتوبة الأولى وهي قوله (ومن تاب) رجوع عن الشرك، والثاني رجوع إلى الله للجزاء والمكافأة، وقال بعضهم هذه الآية أيضًا في التوبة عن جميع السيئات،

ص: 224

-[قوله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين) وتفسيرها]-

(سورة الشعراء)(باب أن سورة الشعراء من ذوات المائتين وكسر)

(عن مَعدِ كربَ)(1) قال أتينا عبد الله (يعني ابن مسعود) فسألنا أن يقرأ علينا طسم المأنين (2) فقال ما هي معى ولكن عليكم من أخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم خبَّاب بن الارت (3) قال فأتينا خباب بن الأرت فقرأها علينا (باب وأذنر عشيرتك الأقربين)(عن ابن عباس)(4) قال لما أنزل الله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين)(5) قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صباحاه (6) فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم (7) لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح (8) هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا نعم (9) قال فإني نذير لكم (10) بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب تبا لك (11) سائر اليوم

-----

ومعناه ومن أراد التوبة وعزم عليها فليتب لوجه الله، وقوله (يتوب إلى الله) خبر بمعنى الأمر أي ليتب إلى الله، وقيل معناه فليعلم أن توبته ومصيره إلى الله، نسأله تعالى أن يجعلنا من التائبين الراجعين إليه (باب)(1)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا وكيع عن أبيه عن أبي إسحاق عن معد يكرب الخ (قلت) معد يكرب من الأسماء المركبة تركيبًا مزجيًا وهو كل كلمتين جعلتا أسما واحدًا، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتركيب المزجى: ترجمة البخاري في الكبير فقال معد يكرب الهمداني ويقال العبدى كوفى سمع ابن مسعود وخباب بن الأرت، روى عنه أبو إسحاق الهمداني (غريبه)(2) هي سورة الشعراء وعدد آيتها 227 فذكر عددها مع ترك الكسر (3) بتشديد الموحدة بن الأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناه فوق، كن خباب من السابقين إلى الإسلام وممن عذب في الله تعالى وكان سادس ستة في الإسلام قال مجاهد أول من أظهر إسلامه من الصحابة أبو بكر وخباب وصهيب وبلال وعمار وسمية أم عمار رضي الله عنهم أجمعين (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله ثقات، قال ورواه الطبراني (باب)(4)(سنده) حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (5)(التفسير)(وأنذر عشيرتك الأقربين) خصهم لنفي التهمة إذ الإنسان يساهل قرايته او ليعلموا أنه لا يغني عنهم من الله شيئًا وأن النجاة في إتباعه دون قربه، ولما نزلت صعد الصفا ونادى الأقرب فالأقرب وقال يا بني عبد المطلب. يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أملك لكم من الله شيئًا (زاد عند البخاري)(وأخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)(واخفض جناحك) أي ألن جانبك وتواضعك، واصله إن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه: فجمل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا في التواضع ولين الجانب (لمن اتبعك من المؤمنين) فإن قيل ما معنى التبعيض في وقوله من المؤمنين: فالجواب معناه لمن اتبعك من المؤمنين المصدقين بقلوبهم وألسنتهم دون المؤمنين بألسنتهم وهم المنافقون (6) هذه كلمة اعتادوها عند وقوع أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له (7) أي أخبروني (8) قال في المصباح سفح الجبل مثل وجهه وزنا ومعنى (9) زاد البخاري ما جربنا عليك إلا صدقا (10) أي منذر لكم (بين يدي عذاب شديد) أي قدامه (11) أي خسرانا لك بقية اليوم، وتبا نصب

ص: 225

-[ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته وعشيرته عند نزول قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين}]-

أما دعوتنا (1) الا لهذا؟ وأنزل الله عز وجل {تبت (2) يدا أبي لهب} (عن قبيصة بن المخارق وزهير ابن عمرو)(3) قالا لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رضمة من جبل على أعلاها حجر (وفي رواية انطلق إلى رضمة (4) من جبل فعلا أعلاها) فجعل ينادى يابنى عبد مناف انما أنا نذير انما مثلى ومثلكم كرجل رأى العدّو فذهب يربأ أهله (5) فخشى أن يسبقوه فجعل ينادى ويهتف 368 (6) يا صباحاه (عن ابى هريرة)(7) قال لما نزلت هذه الآية {وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا فعم وخص (8)(وفي رواية جعل يدعو بطون قريش بطنًا بطنًا) فقال يا معشر قريش انقذوا (9) انفسكم من النار، يا معشر بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بنى عبد مناغ أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فانى والله ما أملك لكم من الله 369 شيئًا، الا ان لمن رحما سأبلُّها ببلالها (10)(عن عائشة) رضي الله عنها (11) قالت لما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا فاطمة (12) بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يا بنى عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئًا سلوني من مالي ما شئتم

على المصدر باضمار فعل أى الزمك الله تبا أى خسرانا (1) بهمزة الاستفهام الاستنكارى (2) أى هلكت أو خسرت يدا أبى لهب (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وقال رواه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى من طرق عن الأعمش به (3)(سنده) حدّثنا يحيى بن سعيد حدثنا التيمى عن أبى عثمان عن قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو الخ (غريبه)(4) الرضمة بفتخ الراء وسكون الضاد المعجمة واحدة الرضم والرضام وهى صخور عظام بعضها فوق بعض، فقوله انطلق الى رضمة أى إلى صخرة من تلك الصخور (فعلا أعلاها) أى ارتقى الى الحجر الذى هو أعلاها كما يستفاد من الرواية الأولى (5) أى يحفظهم من عدوهم ويتطلع لهم، ومنه يقال للطليعة وبيئة بزنتها (6) أي يصيح ويصرخ وتقدم معنى قوله يا صباحاه فى شرح الحديث السابق (تخريجه)(م نس)(7)(سنده) حدّثنا معاوية ابن عمرو قال ثنا زائدة ثنا عبد الله بن عمير عن موسى بن طلحة عن ابى هريرة الخ (غرببه)(8) يفسر العموم قوله يا معشر قريش، والخصوص نداء قبائلها (9) الانقاذ التخليص من ورطة قال تعالى {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} (10) أى سأصلها بصلتها أى أصلكم فى الدنيا ولا أغنى عنكم من الله شيئا، ومنه بلوا أرحامكم أى صلوها: استعاروا البلل لمعنى الوصل كما استعاروا اليبس لمعنى القطيعة، وفى القاموس البلال ككتاب ويثلث وكل ما يبل به الحلق: وفى النهاية البلال جمع بلل قيل هو كل ما بل الحلق من ماء أو لبن أو غيره (تخريجه)(ق مذ) قال الحافظ ابن كثير ورواه النسائى من حديث موسى ابن طلحة الزهرى عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة (11)(سنده) حدّثنا وكيع ثنا هشام عن أبيه عن عائشة الخ (غرببه)(12) المعروف فى المنادى الموصوف بالابن الفتح ويجوز الضم ولا يجوز فى صفته إلا النصب (13) يعنى فى الآخرة لا ينفعكم فيها إلا التقوى واما فى الدنيا فيمكننى أن انفعكم بمالى (تخريجه)(م) وأورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للإمام أحمد

ص: 226

-[قوله تعالى {انك لا تهدى من أحببت} ونصيحة النبى صلى الله عليه وسلم لأبى طالب عند موته]-

(سورة القصص)(باب انك لا تهدى من أحببت)(عن ابى هريرة)(1) قال قال 370 رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه قل لا اله الا الله اشهد (2) لك بها يوم القيامة، قال لولا ان تعيرنى (3) قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع (4) لا قررت بها عينك (5) فانزل الله عز وجل {انك لا تهدى من احببت} (6)(سورة العنكبوت)(باب وتأتون في ناديكم المنكر)(عن ابى صالح)(7) 371 مولى ام هانى (بنت ابى طالب)(رضى الله عنها) قال حدثنى ام هانى قالت لى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {وتأتون فى ناديكم المنكر} (8) قال كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون

ثم قال فى آخره انفرد باخراجه مسلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا يحيى عن يزيد يعنى ابن كيسان قال حدثنى أبو حازم عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) اشهد بالجزم على أنه جواب قل وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف (3) من التعيير أى ينسبونى الى العار (4) بفتح الجيم والزاى هو نقيض الصبر (5) قال النووى أحسن ما يقال فيه ما قاله أبو العباس، قال معنى أقر الله عينه أى بلغه الله أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عينه فلا تستشرف لشئ، وقال الأصمعى معناه أبرد الله دمعته لأن دمعة الفرح باردة، وقيل معناه أراه الله ما يسره (6)(التفسير){انك لا تهدى من أحببت} قال الحافظ ابن كثير يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم انك يا محمد {لا تهدى من أحببت} أى ليس إليك ذلك انما عليك البلاغ والله يهدى من يشاء وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة كما قال تعالى {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء} وقال تعالى {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} وهذه الآية أخص من هذا كله فإنه قال {انك لا تهدى من أحببت} أى أحببت هدايته وقيل أحببته لقرابته (ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) أى هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغراية (قلت) حديث أبى هريرة هذا يدل على أن أبا طالب مات على الكفر، وحديث سعيد بن المسيب عن أبيه عند الشيخين والامام أحمد، وتقدم فى تفسير قوله تعالى {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى} من سورة التوبة صريح فى ذلك، ففيه فقال أى عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها لك عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله ابن أمية أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شئ كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك: فنزلت فيه (انك لا تهدى من أحببت) أى نزلت فى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره ويقوم فى صفه ويحبه حبًا شديدًا فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الايمان والدخول فى الاسلام فسبق القدر فيه واختطف من يده فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة: على أن حبه للنبى صلى الله عليه وسلم لم يضع عليه بل نفعه نفعًا كبيرًا فقد جاء عند مسلم والامام أحمد وسيأتى فى باب وفاة أبى طالب من كتاب السيرة النبوية عن العباس ابن عبد المطلب أنه قال يا رسول الله عمك أبو طالب كان يحوطك ويفعل، قال إنه فى ضحضاح من نار ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار، وستأتى أحاديث غير هذا فى هذا المعنى فى الباب المشار إليه والله أعلم (تخريجه)(م مذ. وغيرهما)(باب)(7)(سنده) حدّثنا حماد بن أسامة قال أخبرنى حاتم بن أبى صغيرة وروح قال ثنا حاتم بن أبى صغيرة قال ثنا سماك بن حرب عن أبى صالح الخ (8) هذه الجملة جزء من آية مرتبطة بآية قبلها وهى قوله عز وجل {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون

ص: 227

-[تفسير قوله تعالى {ولوطا إذ قال لقومه انكم لتأتون الفاحشة} الآية قوله {الم غلبت الروم}]-

منهم فذاك المنكر الذى كانوا يأتون، قال روح (1) فذلك قوله تعالى {وتأتون فى ناديكم المنكر} 372 (سورة الروم)(باب الم غلبت الروم)(عن ابن عباس)(2) فى قول الله عز وجل {الم غلبت الروم} قال غُلبت (3) وغَلبت، قال كان المشركون يحبون ان تظهر فارس على الروم لأنهم اهل اوثان، وكان المسلمون يحبون ان تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، فذكروه لأبى بكر (4) فذكره ابو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم (5) فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اما انهم سيغلبون (6) قال فذكره ابو بكر لهم (7) فقالوا اجعل بيننا وبينك اجلا فان ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وان ظهرتم كان لكم كذا وكذا (8) فجعل أجلا خمس سنين

الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر} (التفسير){ولوطا إذ قال لقومه انكم لتأتون الفاحشة} وهى اتيان الرجال {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} أى لم يسبقهم الى هذه الفعلة أحد من بنى آدم قبلهم {انكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل} وذلك أنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين فترك الناس الممر بهم، وقيل تقطعون سبيل النسل بايثار الرجال على النساء {وتأتون فى ناديكم المنكر} النادى والندى والمنتدى مجلس القوم ومتحدثهم، وقد فسر النبى صلى الله عليه وسلم المنكر الذى كانوا يأتونه فى ناديهم يخذف أهل الطريق وأنهم يسخرون منهم، قال الامام البغوى وروى أنهم كانوا يجلسون فى مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى فاذا مر بهم عابر سبيل خذفره فأيهم أصابه كان أولى به، وقيل انه كان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاثة دراهم ولهم قاض بذلك، وقال القاسم بن محمد كانوا يتضارطون فى مجالسهم، وقال مجاهد كان يجامع بعضهم بعضًا فى مجالسهم، وعن عبد الله بن سلام قال كان يبزق بعضهم على بعض، وعن مكحول قال كان من أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الازار والخذف واللوطية (1) بفتح الراء وسكون الواو هو ابن عبادة أحد رجال السند يعنى فهذا معنى قوله تعالى {وتأتون فى ناديكم المنكر} (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاء للامام أحمد، ثم قال ورواه الترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم من حديث أبى أسامة حماد بن أسامة عن أبى يونس القشيرة عن حاتم بن أبى صغيرة عن سماك أهـ (قلت) وأخرجه البغوى من هذا الطريق أيضًا والله أعلم (باب)(2)(سنده) حدّثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو اسحاق عن سفيان عن حبيب بن أبى عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) بضم الغين المعجمة أى غلبت الروم أوّلا غلبتها فارس (وغلبت) بفتح المعجمة أى ثم غلبت الروم فارس آخرا (4) أى ذكر المشركون كفار مكة لأبى بكر أن كسرى ملك فارس بعث جيشًا الى قيصر ملك الروم فغلبت فارس الروم فشق ذلك على المسلمين وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين انكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب (يعنى الروم) ونحن أميون وقد ظهر اخواننا من أهل فارس على اخوانكم من أهل الروم وانكم ان قاتلتمونا لنظهرن عليكم (5) أى فأنزل الله عز وجل {الم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين- الى قوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله} (6) يعنى فارس (7) أى لكفار مكة قال لهم انكم فرحتم بظهور اخوانكم الفرس فلا تفرحوا فوالله لتظهرن الروم على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا فقام إليه أبى بن خلف الجحى فقال اجعل بيننا وبينك أجلا اله أى مدة (8) معناه إن ظهرت فارس

ص: 228

-[تفسير قوله تعالى {الم غلبت الروم} الآية وقوله {ووصينا الإنسان بوالديه} الآيات]-

فلم يظهروا (1) فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال الا جعلتها الى دون (2) قال أراه قال العشر، قال سعيد بن جبير البضع ما دون العشر ثم ظهرت الروم بعد (3) قال فذلك قوله {الم غلبت الروم} (4) الى قوله {ويومئذ يفرح المؤمنوم} قال يفرحون {بنصر الله} (سورة لقمان)(باب ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن)(عن سعد بن ابى وقاص)(5) قال قالت امى اليس الله يأمرك 373 بصلة الرحم وبر الوالدين؟ والله لا اكل طعامًا ولا اشرب شرابًا حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فكانت لا تأكل حتى يشجروا (6) فمها بعصا فيصبوا فيه الشراب، قال شعبة (احد الرواة) وأراه (7) قال والطعام فانزلت {ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن} (8) وقرأ حتى بلغ بما كنتم

على الروم فى تلك المدة كان لنا كذا وكذا من المال نأخذه منكم، وان ظهرت الروم على فارس فى تلك المدة كان لكم أن تأخذوا منا مقدار كذا وكذا من المال (1) أى فلم تظهر الروم على فارس (2) يعنى الا جعلت المدة إلى دون العشر لأن الله تعالى قال فى بضع سنين، والبضع من الثلاث إلى التسع فخرج أبو بكر ولقى أبيا فقال لعلك ندمت؛ قال لا، فتعال أزايدك فى الخطر يعنى المال (وكان ذلك قبل تحريم القمار) وأما دّك فى الأجل يعنى أزيدك، فجعل الأجل تسع سنين وقيل سبع، وجعل المال مائة قلوص يعنى ناقة شابة، ان ظهرت الروم على فارس فى تلك المدة تؤخذ من أبيّ، وان لم تظهر تؤخذ من أبى بكر (3) كان ظهور الروم على رأس سبع سنين يوم الحديبية وقيل يوم بدر وهذه آية بينة على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وأن القرآن من عند الله لأنها أنباء عن علم الغيب (4)(التفسير){الم غلبت الروم فى أدنى الأرض} أى فى أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم، والمعنى غلبوا فى أدنى أرض العرب فيهم وهى أطراف الشام، أو أرادوا أرضهم على انابة اللام مناب المضاف إليه أى فى أدنى أرضهم الى عدوهم أى أقرب أرض الشام الى أرض فارس، قال عكرمة هى أذرعات وكسكر، وقال مجاهد أرض الجزيرة، وقال مقاتل الأردن وفلسطين (وهم من بعد غلبهم) أى الروم من بعد غلبة فارس اياهم والغلب والغلبة لغتان (سيغلبون) فارس (فى بضع سنين) والبضع ما بين الثلاث إلى التسع (لله الأمر من قبل ومن بعد) أى من قبل ذلك ومن بعده فبنى على الضم لما قطع المضاف وهو قوله قبل عن الاضافة ونويت {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) أى للروم على فارس، قال السدى فرح النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر وظهور أهل الكتاب يعنى الروم على أهل الشرك يعنى فارس {ينصر من يشاء وهو العزيز} الغالب {الرحيم} بالمؤمنين (تخريجه)(مذنس ك) وابن جرير وابن أبى حاتم، وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب انما نعرفه من حديث سفيان الثورى عن حبيب بن أبى عمرة اهـ (قلت) وصححه الحاكم وأقره الذهبى (باب)(5) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بسنده وطوله وشرحه وتخريجه فى باب مناقب سعد بن أبى وقاص من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (غريبه)(6) الشجر بسكون الجيم فتح الفم فقوله حتى يشجروا فمها أى يفتحوه بعصا الخ (7) بضم الهمزة أى أظنه (8)(التفسير){ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن} قال ابن عباس شدة بعد شدة، وقال الزجاج المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة، ويقال الحمل ضعف. والطلق ضعف. والوضع ضعف. (وفصاله

ص: 229

-[قوله عز وجل {ان الله عنده علم الساعة} الى آخر السورة وتفسيرها]-

تعلمون} (باب ان الله عنده علم الساعة)(عن ابن عباس)(1) فى حديث جبريل عليه السلام انه قال للنبى صلى الله عليه وسلم حدثنى متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله فى خمس من الغيب لا يعلمهن الا هو {ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام، وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا، وما تدرى نفس باى ارض تموت، ان الله عليم خبير} 375 (عن بريدة الأسلمى)(2) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول خمس لا يعلمهن الا الله تعالى {ان الله عنده علم الساعة (3) وينزل الغيث، ويعلم ما فى الارحام، وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا، وما تدرى نفس باى أرض تموت: ان الله عليم خبير}

في عامين} أى فطامه عن الرضاع لتمام عامين (ان اشكر لى ولوالديك) هو تفسير لوصينا: أى وصيناه بشكرنا وبشكر والديه، قال سفيان بن عيينة فى هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين فى أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين (الىّ المصير) أى مصيرك الىَّ وحسابك علىّ اجازيك على ذلك أوفر جزاء {وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم} اراد بنفى العلم به نفيه أى لا تشرك بى ما ليس بشئ يريد الأصنام (فلا تطعهما) قال النخعة يعنى أن طاعتهما واجبة فان أفضى ذاك الى الاشراك بى فلا تطعهما ما فى ذلك لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق {وصاحبهما فى الدنيا معروفا} صفة مصدر محذوف أى صحابا معروفا حسنا بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة (واتبع سبيل من أناب الىّ) أى اتبع دين من أقبل الىّ بطاعتى وهو النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكل من تبعه باحسان {ثم الىّ مرجعكم} أى مرجعك ومرجعهما {فانبئكم بما كنتم تعلمون} فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما (باب)(1)(عن ابن عباس فى حديث جبريل الخ) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب بيان الإيمان والاسلام الخ من كتاب الايمان فى الجزء الأول صحيفة 64 رقم 7 وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما، أما تفسير الآية فسيأتى فى الحديث التالى (2)(سنده) حدّثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد حدثنى عبد الله قال سمعت أبى بريدة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (قلت) عبد الله المذكور فى السند هو ابن بريدة راوى الحديث (3) قال الامام البغوى فى تفسيره هذه الآية نزلت فى الحارث بن عمرو بن حارثة بن حفصة من أهل البادية أتى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال ان ارضنا أجدبت فقل لى متى ينزل الغيث، وتركت امرأتى حبلى فما تلد ولقد علمت أين ولدت فبأى أرض أموت؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية (4)(التفسير){إن الله عنده علم الساعة} أى وقت قيامها فى يدرى أحد من الناس متى تقوم الساعة فى أى سنة أو أى شهر أو أى يوم ليلًا أو نهارًا (وينزل الغيث) فى إبانه من غير تقديم ولا تأخير فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلًا أو نهارًا إلا الله {ويعلم ما فى الأرحام} أذكر أم أنثى أحمر أم أسود تام الخلقة أم ناقص {وما تدرى نفس} بارة أو فاجرة {ماذا تكسب غدًا} من خير أو شر، وربما كانت عازمة على خير فعملت شرًا أو عازمة على شر فعملت خيرًا {وما تدرى نفس بأى أرض تموت} أى أين تموت وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت لا أبرجها فترمى بها رامى القدر حتى تموت فى مكان لم يخطر ببالها، أى ليس أحد من الناس يعلم أين مضجعه من الارض فى برًا أو بحر في سهل أو

ص: 230

-[قوله عز وجل {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} وكلام العلماء فى سجدة التلاوة]-

(سورة السجدة)(باب تتجافى جنوبهم عن المضاجع)(عن معاذ بن جبل)(1) 376 عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} (2) قال قيام العبد من الليل

جبل (إن الله عليم) بهذه الأشياء وبغيرها من علم الغيب (خبير) أى ببواطن الأشياء كلها ليس علمه محيط بالظاهر فقط بل علمه بالظاهر والباطن وبما كان وبما يكون، قال ابن عباس هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب ولا نبى مصطفى، فمن ادعى انه يعلم شيئًا من هذه فانه كفر بالقرآن لأنه خالفه والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام احمد وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجوه، وأورده أيضًا الهيثمى وقال رواه احمد والبزار ورجال احمد رجال الصحيح اهـ (قلت) وفى الباب عند الامام احمد والبخارى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله (إن الله عنده علم الساعة الخ السورة (وللامام احمد أيضًا) قال حدثنا يحيى عن شعبة حدثنى عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال قال عبد الله (يعنى ابن مسعود) أوتى نبيكم مفاتيح كل شئ غير خمس (إن الله عنده علم الساعة الخ السورة وكذا رواه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة وزاد فى آخره قال قلت له أنت سمعته من عبد الله؟ قال نعم أكثر من خمسين مرة (ورواه أيضًا) عن وكيع عن مسعر عم عمرو بن مرة به، قال الحافظ ابن كثير وهذا اسناد حسن على شرط السنن ولم يخرجوه (قلت) وروى الامام احمد أيضًا عن غندر عن شعبة عن عمرو بن محمد انه سمع أباه يحدث عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس: ان الله عنده علم الساعة الخ السورة والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا زيد بن الحباب حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل الخ (غريبه)(2) هذه الآية مرتبطة بالآية التى قبلها وهى قوله تعالى {انما يؤمن بآياتنا الذين اذا ذكروا بها خروا سجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع الخ (التفسير) {انما يؤمن بآياتنا} أى انما يصدق بها {الذين إذا ذكروا بها} أى وعظوا بها {خروا سجدًا} أى سجدوا لله تواضعًا وخشوعًا على ما رزقهم من الاسلام واستمعوا لها وأطاعوها قولًا وفعلًا {وسبحوا بحمد ربهم} أى ونزهوا الله عما لا يليق به وأثنوا عليه حامدين له، قيل قالوا سبحان الله وبحمده {وهم لا يستكبرون} عن الايمان به والسجود له (عن أبى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قرا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى ويقول يا ويلتا أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلى النار، رواه (م حم) وتقدم فى باب فضل سجود التلاوة من كتاب الصلاة فى الجزء الرابع صحيفة 158 رقم 913 وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن فتسن للقارى والمستمع وتقدم الكلام على حكمها وكلام الأئمة فى ذلك فى الباب المشار إليه (تتجافى) أى ترتفع وتنحى جنوبهم عن المضاجع، جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعنى الفرش، والمراد بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة، وهو قول الحسن ومجاهد، عن أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبى حازم وقتادة هو الصلاة بين العشاءين، وعن أنس أيضًا هو انتظار صلاة العتمة رواه ابن جرير باسناد جيد، وقال الضحاك صلاة العشاء فى جماعة وصلاة الغداة فى جماعة {يدعون ربهم خوفًا وطمعًا} قال ابن عباس خوفًا من النار وطمعًا فى الجنة {ومما رزقناهم ينفقون} قيل أراد به الصدقة المفروضة، وقيل بل هو عام فى الواجب والتطوع {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين} أي

ص: 231

-[قوله عز وجل {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} وتفسيرها]-

(باب ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر)

377 (ز)(عن ابى ابن كعب)(رضى الله عنه)(1) فى هذه الآية {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى (2)

مما تقربه أعينهم فلا يلتفتون الى غيره، قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له، وعن الحسن اخفى القوم أعمالًا فى الدنيا وأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (وعن أبى هريرة) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا ان شئتم فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين (ق حم) {جزاء بما كانوا يعملون} أى من الطاعات فى دار الدنيا (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد: وشهر لم يدرك معاذا وفيه ضعف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات اهـ (قلت) ورواه (مذ نس جه) والامام احمد فى موضع آخر مطولًا من طرق عن معمر عن عاصم بن أبى النجود عن أبى وائل عن معاذ بن جبل، وقال الترمذى حسن صحيح اهـ وله شواهد كثيرة فى الصحيحين وغيرهما منها حديث أبى هريرة المتقدم ذكره، ومنها حديث سهل بن سعد الساعدى قال شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال فى آخر حديثه وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع إلى قوله يعلمون: رواه مسلم ورواه أيضًا الامام احمد وسيأتى فى باب ذكر الجنة وأوصافها من كتاب قيام الساعة ان شاء الله تعالى والله الموفق (باب)(1)(ز)(سنده) حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريرى حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عزرة عن الحسن العدبى عن يحيى بن الجزار عن ابن ابى ليلى عن أبى بن كعب الخ (2)(التفسير) هذه الآية مرتبطة بالآيات المتقدمة قبلها وهى قوله تعالى {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون} أى لا يستوون عند الله يوم القيامة، وقد ذكر عطاء بن يسار والسدى وغيرهما أنها نزلت فى على بن أبى طالب والوليد بن عقبة بن أبى معيط أخى عثمان لأمه وذلك، أنه كان بينهما تنازع وكلام فى شئ فقال الوليد بن عقبة لعلى اسكت فانك صبى وأنا والله أنشط منك لسانا واحد سنانا واشجع منك جنانًا وأملًا منك حشوًا فى الكتيبة، فقال له علىّ اسكت فانك فاسق فأنزل الله تعالى {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون} ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنًا واحدًا وفاسقًا واحدًا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى} التى يأوى اليها المؤمنون {نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا} أى خرجوا عن الطاعة {فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} قال الفضيل بن عياض والله إن الأيدى لموثقة وان الأرجل لمقيدة وان اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم {وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون} أى يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) قال ابن عباس يعنى بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها رآفاتها وما يحل بأهلها مما يبتلى الله به عباده ليتوبوا، وهذا معنى قول أبىّ بن كعب فى الحديث (المصيبات) وروى مثله عن أبى العالية والحسن وابراهيم النخعى والضحاك وعلقمة ومجاهد وقتادة، وهذه واحدة من الآيات الأربع المذكورة فى الحديث التى أصيب بها كفار قريش (والثانية الدخان) على تفسير ابن مسعود قال تعالى {فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعى قريشا (يعنى الى الاسلام) كذبوه واستعصوا عليه فقال اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شئ (أي أذهبت

ص: 232

-[قوله عز وجل {ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه}]-

دون العذاب الأكبر} (1) قال المصيبات والدخان قد مضيا (2) والبطشة (3) واللزام (4)

(سورة الأحزاب)(باب) ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه)

(عن قابوس بن ابى ظبيان)(5) ان اباه حدثه قال قلت لابن عباس (رضى الله عنهما) ارأيت قول الله عز وجل {ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه} ما عنى بذلك؟ قال قام نبى الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلى قال فخطر خطرة (6) فقال المنافقون الذين يصلون معه الا ترون له قلبين

كل شئ لهم، حتى كانوا يأكلون الميتة وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع ثم قرأ (فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين "الى قوله" انكم عائدون) (خ حم وغيرهما) وسيأتى فى تفسير سورة الدخان (1) دون العذاب الأكبر) أى سوى العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة فى جهنم {لعلهم يرجعون} أى الى الايمان يعنى من بقى منهم بعد القحط وبعد بدر (2) روى البخارى عن ابن مسعود قال (مضى خمس الدخان) يعنى قوله تعالى:{يوم تأتى السماء بدخان مبين} (والروم) فى قوله: {آلم غلبت الروم} (والقمر) فى قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر} (والبطشة) فى قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى} (واللزام) فى قوله {فسوف يكون لزاما} ويستفاد منه ومن حديث الباب أن الدخان والبطشة واللزام كلها مضت، وانكر ابن مسعود قول من قال ان الدخان يجئ قبيل قيام الساعة (وقال الحافظ) هذا الذى أنكره ابن مسعود قد جاء عن على، فأخرج عبد الرزاق وابن أبى حاتم من طريق الحارث عن على قال آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وينفخ الكافر حتى ينفد، ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبى شريحة رفعه لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة) الحديث، وروى الطبرى من حديث ربعى عن حذيفة مرفوعًا فى خروج الآيات والدخان، قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا هذه الآية، قال أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه ودبره: واسناده ضعيف: وذكر الحافظ روايات أخرى ضعيفة ثم قال لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلا أهـ قال العينى فى العمدة وقال ابن دحية الذى يقتضيه النظر الصحيح حمل أمر الدخان على قضيتين، احداهما وقعت وكانت: والأخرى ستقع أى بقرب القيامة اهـ (قلت وهذا جمع حسن)(3) قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره فسر ذلك ابن مسعود يعنى البطشة بيوم بدر وهو قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم وروى أيضًا عن ابن عباس (رضى الله عنهما) من رواية العوفى عنه، وعن أبي بن كعب (رضى الله عنه) وهو محتمل: والظاهر أن ذلك يوم القيامة وان كان يوم بدر يوم بطشة أيضًا (4) قال الترمذى اللزام يوم بدر اهـ وقد اختلف فيه فذكر ابن أبى حاتم فى تفسيره أنه القتل الذى أصابهم ببدر وروى ذلك عن ابن مسعود وأبى بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك، قال القرطبى فعلى هذا تكون البطشة واللزام واحد، وعن الحسن اللزام يوم القيامة، وعنه أنه الموت، وقيل يكون ذنبكم عذابًا لازمًا لكم كذا فى العمدة والله أعلم (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه لعبد الله بن الامام أحمد ثم قال ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفًا نحوه، وعند البخارى عن ابن مسعود نحوه والله أعلم (باب)(5)(سنده) حدّثنا حسن حدثنا زهير عن قابوس بن أبى ظبيان الخ (غريبه)(6) يريد الوسوسة التى تحصل للانسان فى صلاته، قال فى النهاية فى حديث سجود السهو حتى يخطر

ص: 233

-[ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه) وقوله {ادعوهم لابائهم} الخ]-

قال قلب معكم (1) وقلب معهم فأنزل الله عز وجل {ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه} (2) 379 (باب ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله)(عن زيد بن حارثة الكلبى)(3) مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ان عبد الله بن عمر كان يقول ما كنا ندعوه الا زيد بن محمد (4) حتى نزل القرآن {ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله} (5)

الشيطان بين المرء وقلبه يريد الوسوسة، ومنه حديث ابن عباس قام نبى الله صلى الله عليه وسلم يوما يصلى فخطر خطرة فقال المنافقون ان له قلبين اهـ وفى رواية صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فقالوا ان له قلبين فنزلت (1) يعنى مع المنافقين (وقلب معهم) يعنى مع أصحابه (2) هذا الكلام مرتبط بما بعده وبقية الآية {وما جعل أزواجكم اللاتى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكن قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل} (التفسير){ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه} اى ما جمع الله قلبين فى جوف، والمعنى انه تعالى لم يجعل للانسان قلبين لأنه لا يخلو إما أن يفعل الآخر فعلا من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج اليه، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدى الى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها عالما ظانا موقنا شاكا فى حالة واحدة {وما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن امهاتكم} صورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته انت علىَّ كظهر أمى يقول تعالى {ما جعل نساءكم اللائى تقولون لهن هذا فى التحريم كأمهاتكم ولكنه منكر وزور وفيه كفارة وتقدم الكلام على ذلك فى كتاب الظهار وما جاء فى لفظه صحيفة 21 فى الجزء السابع عشر {وما جعل أدعياءكم} يعنى من تبنيتموه (أبناءكم) فيه نسخ النبى وذلك أن الرجل فى الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود له يدعوه الناس اليه ويرث ميراثه وكان النبى صلى الله عليه وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبى وتبناه قبل الوحى وأخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وكانت تحب زيد بن حارثة قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله هذه الآية ونصح النبى {ذلكم قولكم بأفواهكم} لا حقيقة له يعنى قولهم زيد بن محمد كما سياتى فى الحديث التالى وادعاء نسب لا حقيقة له {والله يقول الحق} يعنى قوله الحق {وهو يهدى السبيل} أى يرشد الى سبيل الحق (تخريجه)(؟؟؟؟؟) وابن جرير وابن ابى حاتم وحسنه الترمذى وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال قابوس ضعيف اهـ (قلت) قابوس وثقه ابن معين وقال النسائى ليس بالقوى وقال ابن عدى أرجو انه لا باس به (قلت) ولذلك حسنه الترمذى والله أعلم (باب)(3)(سنده) حدّثنا عفان حدثنا وهيب حدثنى موسى بن عقبة قال حدثنى سالم عن عبد الله بن عمر عن زيد بن حارثة الكلبى الخ هكذا سنده عند الامام أحمد وجاء عند البخارى قال حدثنا معلىَّ بن أسد حدثنا عبد العزيز ابن المختار حدثنا موسى بن عقبه قال حدثنى سالم عن عبد الله بن عمر (رضى الله عنهما) ان زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد الحديث (4) أى لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان تبناه قبل النبوة (5)(التفسير){ادعوهم لآبائهم} اى الذين ولدوهم فقولوا زيد بن حارثة (هو أقسط عند الله) أى أعدل عند الله {فان لم تعلموا اباءهم} أى فان لم تعلموا آباءًا تنسبوهم اليهم {فاخوانكم فى الدين ومواليكم} أى فهم اخوانكم فى الدين وأولياؤكم فى الدين، فقولوا هذا أخى وهذا مولاى ويا أخي ويا مولاي يريد

ص: 234

-[قوله تعالى {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وفيه منقبة لأنس بن النضر]-

(باب من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية)

(عن ثابت)(1) قال انس (2) عمىِّ قال هاشم (3) أنس بن النضر سميت به لم 380 يشهد مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال فشق عليه وقال فى اول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه (4) لئن ارانى الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين (5) الله ما اصنع قال فهاب ان يقول غيرها (6) قال فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد قال فاستقبل سعد بن معاذ قال فقال له انس يا أبا عمرو (7) أين؟ واهًا لريح الجنة (8) اجده دون احد: قال فقاتلهم حتى قتل فوجد فى جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته عمتى الرُّبيِّع بنت النضر فما عرفت اخى الا ببنانه (9) ونزلت هذه الآية {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (10)} فمنهم من قضى نحبه

الأخوة في الدين والولاية فيه {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} أى قبل النهى فنسبتموه الى غير أبيه {ولكن ما تعمدت قلوبكم} اى من دعائهم الى غير آبائهم بعد النهى، وقيل فيما أخطأتم به أن تدعوه الى غير أبيه وهو يظن أنه كذلك {وكان الله غفورًا رحيمًا} لا يؤاخذكم بالخطأ ويقبل التوبة من المتعمد (تخريجه)(ق مذ نس وغيرهم)(باب)(1)(سنده) حدّثنا بهز وحدثنا هاشم قال ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت الخ (غريبه)(2) هو ابن مالك خادم النبى صلى الله عليه وسلم (3) هاشم هو أحد الراويين الذين روى عنهما الامام أحمد هذا الحديث، والثانى بهز فقال هاشم فى روايته قال أنس عمى أنس بن النضر سميت به لم يشهد الخ فذكر اسم عم أنس، أما بهز فقال فى روايته قال أنس عمى سميت به لم يشهد الخ فلم يذكر اسم عم أنس (ولفظ عمى) مبتدأ وخبره لم يشهد بدرًا وقوله (سميت به) جملة معترضة (4) يعنى غزوة بدر لأنها أول غزوة خرج فيها النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه مقاتلا، وقد تقدمها غيرها لكن ما خرج فيها صلى الله عليه وسلم بنفسه مقاتلًا (5) النووى ضبطوه بوجهين أحدهما ليرين بفتح الياء والمراد أى يراه الله واقعًا بارزًا، والثانى ليرين بضم الياء وكسر الراء ومعناه ايرين الله الناس ما أصنعه ويبرزه الله تعالى لهم (وقوله ما أصنع) مفعول لقوله ليرين، ومراده أن يبالغ فى القتال ولو زهقت روحه (6) معناه قال أنس بن مالك فهاب أنس بن النضر أن يقول غير هذه الكلمة وذلك على سبيل الأدب منه والخوف لئلا يعرض له عارض فلا يفى بما يقول فيصير كمن وعد فأخلف (7) كنية سعد بن معاذ (أين؟) أى أين تذهب ولم ينتظر جواب سعد بن معاذ لشدة اشتياقه الى القتال (8) قال فى القاموس واهاله وبترك تنوينه كلمة تعجب من طيب كل شئ وكلمة تلهف اهـ وفى رواية للبخارى فقال يا سعد انى أجد ريح الجنة دون أحد، قال الحافظ يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة عما يعهد فعرف أنها ريح الجنة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين حتى كأن الغائب عنه صار محبوسًا عنده، والمعنى أن الموضع الذى قاتل فيه يؤول بصاحبه الى الجنة (9) بفتح الباء الموحدة والنون جمع بنانة وهى الأصبع، وقيل طرفها (10)(التفسير){رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} المراد بالمعاهدة المذكورة ما تقدم ذكره من قوله تعالى {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار} وكان ذلك أول ما خرجوا الى أحد وهو قول ابن اسحاق، وقيل ما وقع ليلة العقبة من الأنصار إذ بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم أن يؤووه وينصروه ويمنعوه والأول أقرب {فمنهم من قضى نحبه} أى مات أو قتل فى سبيل الله، وأصل النحب النذر، فلما كان كل حبى لابد له من الموت فكأنه نذر لازم له، فاذا مات فقد قضاه، والمراد هنا من مات على عهده لمقابلته بمن ينتظر

ص: 235

-[قوله تعالى {يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا الخ} وتفسيرها]-

ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا) فكانوا يرون انها نزلت فيه وفى أصحابه (1) 381 (باب يا ايها النبى قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا الخ)(عن جابر بن عبد الله)(2) قال اقبل ابو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ببابه جلوس فلم يؤذن له، ثم اقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم اذن لابى بكر وعمر (رضى الله عنهما) فدخلا والنبى صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال عمر لا كلمن النبى صلى الله عليه وسلم لعله يضحك (3) فقال عمر يا رسول الله لو رأيت بنت زيد امرأة عمر فسألتنى النفقة آنفا فوجأت عنقهما (4) فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدا نواجذه قال هن حولى كما ترى يسألننى النفقة، فقام ابو بكر (رضى الله عنه) الى عائشة ليضربها، وقام عمر الى حفصة كلاهما يقول تسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نساؤه والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده، قال وانزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة فقال انى اريد ان اذكر لك أمرا ما أحب ان تعجلى فيه (5) حتى تستامرى ابويك قالت ما هو؟ قال فتلا عليها {يا ايها النبى قل لأزواجك} (6) الآية قالت عائشة افيك استأمر ابوى؟ بل اختار الله ورسوله (7) وأسألك ان لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت، فقال إن

ذلك وأخرج ذلك ابن أبى حاتم باسناد حسن عن ابن عباس كذا قاله الحافظ (ومنهم من ينتظر) يعنى من بقى بعد هؤلاء المؤمنين ينتظرون أحد الأمرين، إما الشهادة أو النصر على الأعداء {وما بدلوا تبديلًا} أى ما غيروا عهد الله وما نقضوه (1) أى كحمزة وغيره ممن قتلوا فى غزوة أحد (تخريجه) (م نس مذ) وابن جرير وابن أبى حاتم (باب) (2) (سنده) حدّثنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر: قال ثنا زكريا يعنى ابن اسحاق عن أبى الزبير عن جابر الخ (غريبه)(3) قال النووى فيه استحباب مثل هذا وان الانسان اذ رأى صاحبه مهمومًا حزينًا يستحب له أن يحدثه بما يضحكه أو يشغله ويطيب نفسه (4) أى طعنت والعنق الرقبة وهو مذكر والحجاز تؤنث، والنون مضمومة للاتباع فى لغة الحجاز وساكنة فى لغة تميم قاله الفيومى (5) أى ما أود ان تستعجلى ولا بأس عليك فى التأنى وعدم العجلة (حتى تستأمرى أبويك) أى تشاورى وتطلبى منهما أن يبينا لك رأيهما فى ذلك (6)(تفسير){يا أيها النبى قل لأزواجك} وهن تسع وطلبن منه من زينة الدنيا وسعتها ما ليس عنده {ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} أى السعة فى الدنيا وكثرة الأموال (فتعالين) أصل تعال ان يقوله من فى المكان المرتفع لمن فى المكان المستوطى، ثم كثر حتى استوى فى استعماله الأمكنة، ومعنى تعالين اقبلن بارادتكن واختياركن لأحد الأمرين، ولم يرد نهوضهن اليه بأنفسهن كقوله قام يهددنى (امتعكن) أى اعطكن متعة الطلاق وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا المفرضة قبل الوطئ {واسرحكن سراحًا جميلًا} أى اطلقكن طلاقًا من غير اضرار، وكن أردن شيئًا من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن، فغم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فبدأ بعائشة وكانت احبهن اليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤى الفرح فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختار جميعهن احتيارها {وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} أى الجنة {فان الله أعد للمحسنات منكن} من للبيان لا للتبعيض {أجرًا عظيمًا} ثوابًا جزيلًا فى الجنة (7) معناه أن هذا الأمر لا يحتاج إلى مشاورة لأنى لا أوثر الدنيا وزينتها على رضا الله ورسوله

ص: 236

-[قوله عز وجل {انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} الآية]-

الله عز وجل لم يبعثنى معنفا (1)(وفى رواية معنتا أو مفتنا) ولكن بعثنيى معلمًا ميسرًا لا تسألنى امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها (عن عائشة)(2) قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه 382 بد أبى فقال يا عائشة انى اذكر لك امرا ولا عليك أن لا تستعجلى حتى تذاكرى ابويك، قالت وقد علم ان ابوَّى لم يكونا ليأمرانى بفراقه، ثم قال ان الله عز وجل يقول {يا ايها النبى قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها "حتى بلغ" اعد للمحسنات منكن اجرا عظيما} (3) فقلت فى اى هذا استأمر ابوى فإنى قد اخترت الله ورسوله والدار الآخرة، قالت ثم فعل ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت (وفى لفظ) فقلت قد اخترت الله ورسوله، قالت ففرح لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)(عن عطاء بن ابى رباح)(4) قال حدثنى من سمع ام سلمة فذكر ان النبى صلى الله عليه وسلم كان فى بيتها فآتته فاطمة ببرمة (5) فيها خزبرة فدخلت بها عليه فقال ادعى زوجك وابنيك قالت فجاء على والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزبرة وهو على منامة له (6) على دكان تحته كساء له خيبررى قالت وانا اصلى فى الحجرة، فانزل الله عز وجل هذه الآية {انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا} (7)

ونعيم الآخرة ولذلك سر النبي صلى الله عليه وسلم منها سرورًا عظيمًا وفيه منقبة ظاهرة لعائشة (رضى الله عنها)(1) العنف هو بالضم الشدة والمشقة: وكل ما فى الرفق من الخير ففى العنف من الشر مثله: وكذا قوله معنتا أى مشددا على الناس وملزما اياهم ما يصعب عليهم (وقوله أو مفتنا) أى ممتحنا ومختبرا طالبا زلاتهم ولكن بعثنى معلما ميسرا وقد أخبرهن النبى صلى الله عليه وسلم باختيار عائشة فاخترن جميعهن ما اختارت رضى الله عنهن (تخريجه)(ق مذنس. وغيرهم)(2)(سنده) حدثنا يحيى بن اسحاق أخبرنا أبو عوانة عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن عائشة قالت الخ (غريبه)(3) تقدم شرح الحديث وتفسير الآية فى شرح الحديث السابق (تخريجه)(ق نس مذ)(باب)(4)(سنده) حدثنا عبد الله ابن نمير قال حدثنا عبد الملك يعنى ان أبى سليمان عن عطاء بن أبى رباح الخ (غريبه)(5) البرمة القدر مطلقا، وجمعها برام وهى فى الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن (والخزيرة بخاء معجمة مفتوحة ثم زاى مكسورة لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير فاذا نضج ذر عليه الدقيق، فان لم يكن فيها لحم فهى عصيدة، وقيل هى حسًا من دقيق ودسم، وقيل اذا كان من دقيق فهى حريرة بحاء مهملة ثم راءين، وإذا كان من نخالة فهى خزيرة (نه)(6) قال فى النهاية (وفى حديث على) دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على المنامة) قال هى ها هنا الدكان (بتشديد الكاف) التي ينام عليها، وفى غير هذا هى القطيفة والميم الأولى زائدة، (وقال) فى موضع آخر الدكان الدكة المبنية للجلوس عليها والنون مختلف فيها فمنهم من يجعلها أصلا ومنهم من يجعلها زائدة اهـ يستفاد من هذا انه صلى الله عليه وسلم كان نائما على دكة مفروشة بكساء خيبرى نسبة الى خيبر والله أعلم (7)(التفسير){انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} قيل هو الشك وقيل هو الاثم الذى نهى الله النساء عنه، وقال ابن عباس يعنى عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضا، وقيل الرجس اسم لكل مستقذر من عمل قاله النووى (أهل البيت) نصب على النداء (ويطهركم

ص: 237

-[كلام العلماء فى أهل البيت المذكورين فى الآية من هم؟]-

قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به (1) ثم اخرج يده فألوى (2) بها الى السماء ثم قال اللهم هؤلاء اهل بيتى وخاصتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت فأدخلت رأسى البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله؟ قال انك الى خير، انك الى خير (3) قال عبد الملك وحدثنى ابو ليلى عن ام سلمة مثل حديث عطاء سواء، قال عبد الملك وحدثنى داود بن ابى عوف الجحاف عن حوشب عن ام سلمة بمثله سواء (باب ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات: الى آخر الآية) (عن عبد الرحمن بن شيبة)(4) قال سمعت أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم تقول

تطهيرا) من الأرجاس والأدناس ونجاسة الآثام (1) أى غطاهم (2) أى رفعها (3) كررها للتأكيد وجاء عند الترمذى بلفظ (أنت على مكانك وأنت على خير) والمعنى أنت على مكانك من كونك من أهل بيتى، وأنت على خير ولا حاجة لك فى الدخول تحت الكساء كأنه منعها عن ذلك لمكان على (تخريجه) الحديث فى اسناده عند الامام احمد رجل لم يسم لكن له طرق أخرى عنده ليس فيها مجهول كما صرح بذلك عبد الملك فى نفس الحديث، قال وحدثنى أبو ليلى عن أم سلمة مثل حديث عطاء سواء قال عبد الملك وحدثنى داود ابن أبى عوف الجحاف عن حوشب عن أم سلمة بمثله: ورواه أيضا ابن جرير من طرق كثيرة ليس فيها مجهول ويعضد بعضها بعضا، ورواه أيضا الحاكم وصححه وأقره الذهبى (وقد اختلف العلماء) فى أهل البيت المذكورين فى الآية (قال ابن عباس) وعكرمة وعطاء والكلبى ومقاتل وسعيد بن جبير إن أهل البيت المذكورين فى الآية هم زوجات النبى صلى الله عليه وسلم خاصة قالوا والمراد بالبيت بيت النبى صلى الله عليه وسلم ومساكن زوجاته لقوله تعالى {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة} (وذهب أبو سعيد الخدرى) وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة غيرهم الى أنهم على وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم (وتمسك الأولون) بما أخرجه ابن أبى حاتم وابن عساكر من طريقر عكرمة عن ابن عباس فى الآية قال نزلت فى نساء النبى صلى الله عليه وسلم خاصة، وقال عكرمة من شاء باهلته أنها نزلت فى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، وروى هذا عنه بطرق (وتمسك الآخرون) بحديث الباب وحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وبطهركم تطهيرا، رواه الترمذى والامام أحمد وسيأتى فى الباب الأول من أبواب مناقب آل البيت من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (وتوسطت طائفة ثالثة) بين الطائفتين فجعلت هذه الآية شاملة للزوجات ولعلى وفاطمة والحسن والحسين، أما الزوجات فلكونهن المرادات فى سياق هذه الآيات ولكونهن الساكنات فى بيوته صلى الله عليه وسلم النازلات فى منازله ويعضد ذلك ما تقدم عن ابن عباس وغيره: وأما دخول على وفاطمة والحسن والحسين فلكونهم قرابته وأهل بيته فى النسب: ولحديث زيد بن أرقم عند مسلم والإمام أحمد وتقدم فى أول أبواب الاعتصام بالكتاب والسنة فى الجزء الاول صحيفة 185 وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أذكركم الله فى أهل بيتى ثلاثا فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال ومن هم؟ قال هم آل على وآل عقيل وآل عباس رضى الله عنهم وقد رجح هذا القول جماعة من المحققين منهم القرطبي وابن كثير وغيرهما والله أعلم (باب)(4)(سنده) حدثنا

ص: 238

-[قوله عز وجل (ان المسلمين والمسلمان) الآية وتفسيرها]-

قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر فى القرآن كما يذكر الرجال، قالت فلم يرعى (1) منه يومئذ الا ونداؤه على المنبر: قالت وانا اسرح شعرى فلففت شعرى ثم خرجت الى حجرة من حجر بيتى فجعلت سمعى عند الجريد (2) فاذا هو يقول عند المنبر يا ايها الناس ان الله يقول فى كتابه (ان المسلمين والمسلمات (3) والمؤمنين والمؤمنات "الخ الآية" اعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) (باب واتق الله وتخفى فى نفسك الخ)(حدثنا مؤمَّل بن اسماعيل)(4) ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت عن أنس (5)

عثمان قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال عثمان بن حكيم قال ثنا عبد الرحمن بن شيبة الخ (غريبه)(1) بفتح أوله وضم ثانيه وسكون العين المهملة وكسر النون أى لم أشعر: كأنه فاجأها من غير موعد ولا معررفة ولا وقت خطبه فراعها ذلك وأفزعها (2) معناه أنها رفعت رأسها الى جهة الجريد الذى هو سقف المسجد إذ ذاك لقرب النبى صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر لكونه غير مرتفع عن المنبر كثيرا (3)(التفسير){إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} فى هذا التعبير دلالة على أن الايمان غير الاسلام، والى ذلك ذهب جمهور العلماء لأن المسلم قد يكون مؤمنا فى بعض الأحوال ولا يكون مؤمنا فى بعضها، والمؤمن مسلم فى جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا، وأصل الاسلام الاستسلام والانقياد، وأصل الايمان التصديق، فقد يكون المرء مستسلما فى الظاهر غير منقاد فى الباطن، وقد يكون صادقا فى الباطن غير منقاد فى الظاهر، والمراد بالمسلم هنا المنقاد الذى لا يعاند أو المفوض أمره إلى الله المتوكل عليه من أسلم وجهه إلى الله وكذلك المسلمات (والمؤمنين) المصدقين بالله ورسوله وبما يجب أن يصدق به وكذلك (المؤمنات)(والقانتين) القائمين بالطاعة وكذلك (القانتات)(والصادقين) فى النيات والأقوال والأفعال وكذلك (الصادقات) والصابرين على الطاعات وعن السيئات وفى المحن والابتلاء وكذلك (الصابرات)(والخاشعين) المتواضعين لله بالقلوب والجوارح الخائفين من عذابه وكذلك (الخاشعات) والمتصدقين والمتصدقات فرضا ونفلا (والصائمين والصائمات) فرضا ونفلا (والحافظين فروجهم) مما لا يحل وكذلك (الحافظات) فروجهن (والذاكرين الله كثيرا) بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر ايضا وكذلك (الذاكرات)(أعد الله لهم مغفرة) أى بمحو ذنوبهم (وأجرا عظيما) يعنى الجنة لا أحرمنا الله منها (تخريجه)(نس ك) وابن جرير وصححه الحاكم وأقره الذهبى (فائدة) عن عطاء بن ابى رباح قال من فورض أمره إلى الله فهو داخل فى قوله (إن المسلمين والمسلمات) ومن أقر بأن الله ربه ومحمدا رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل فى قوله (والمؤمنين والمؤمنات) ومن أطاع الله فى الفرض والرسول فى السنة فهو داخل فى قوله (والقانتين والقانتات) ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل فى قوله (والصادقين والصادقات) ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرذية فهو داخل فى قوله (والصابرين والصابرات) ومن صلى فلم يعرف من عن يمينه وعن شماله فهو داخل فى قوله (والخاشعين والخاشعات) ومن تصدق فى كل أسبوع بدرهم فهو داخل فى قوله (والمتصدقين والمتصدقات) ومن صام ل شهر أيام البيض وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل فى قوله (والصائمين والصائمات) ومن حفظ فرجه مما لا يحل فهو داخل فى قوله (والحافظين فروجهم والحافظات) ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل فى قوله (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) نسأل الله أن يجعلنا منهم آمين (باب)(4)(حدثنا مؤمل بن إسماعيل الخ)(غريبه)(5) (يعني ابن مالك

ص: 239

-[قوله تعالى (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه- الى قوله- وكان أمر الله مفعولا) وتفسيرها]-

قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد بن حارثه فرأى امرأته زينب وكأنه دخله (1) لالا أدرى من قول حماد أوفى الحديث فجاء زيد يشكوها اليه (2) فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك 386 واتق الله، قال فنزلت (واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه الى قوله زوجناكها يعنى زينب (3)(عن عائشة رضى الله عنها)(4) قالت لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانما شيئا مما انزل الله عليه لكتم هذه الآيات على نفسه (5)(واذ تقول للذى أنعم الله عليه (6) وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه "الى قوله" وكان أمر الله مفعولا)

(1) أي دخله شئ من ميل القلب كما يستفاد من روايات أخرى لغير الامام أحمد، ولذلك قال الراوى إما مؤمّل أو الامام احمد لا أدرى (يعنى لفظ دخله من قول حماد أو فى الحديث) يعنى قول أنس، وهذا ليس فيه طعن على مقام النبوة، لأن الميل القلبي لا يملكه الانسان لاسيما بعد أن اعلمه الله عز وجل أنها ستكون زوجة له، وهذا على فرض صحة الأحاديث التي وردت بذلك. على أنها لا تخلو من علة، ونحو ذلك قال الامام البغوى فى نفسيره (2) روى الامام البغوى أن زيدا اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أريد أن أفارق صاحبتى: قال مالك؟ أرابك منها شئ؟ قال لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيررا ولكنها تتعظم على لشرفها وتؤذينى بلسانها، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك الخ (3) سيأتى تفسير الآية فى الحديث التالى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد من حديث أنس وفى اسناده مؤمل (بوزن محمد) ابن اسماعيل العدوى مولاهم أبو عبد الرحمن، قال فى الخلاصة روى عن شعبة والثورى وجماعة وعنه أحمد واسحاق وابن المدينى وطائفة، وثقه ابن معين: وقال البخارى منكر الحديث مات سنة ست ومائتين أهـ وفى التهذيب قال أبو حاتم صدوق كثير الخطأ وأشار إليه الحافظ ابن كثير فقال وقد روى الامام احمد ها هنا أيضا حديثا من رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس فيه غرابة تركنا سياقه، قال وقد روى البخارى بعضه مختصرا فذكر سند البخارى إلى أنس بن مالك قال ان هذه الآية وتخفى فى نفسك ما الله مبديه نزلت فى شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثه رضى الله عنهما (4)(سنده) حدثنا ابن أبى عدى عن داود عن عامر قال قالت عائشة لو كان الخ (غريبة)(5) أى لأن فيها عتابا شديدا من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (6)(التفسير) يقول تعالى مخبرا عن نبيه صلى الله عليه وسلم (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه) بالاسلام الذي هو أجل النعم، وأنعمت عليه بالاعتاق والتبنى، فهو متقلب فى نعمة الله ونعمة رسوله، وهو زيد بن حارثة كان من سبى الجاهلية اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجاهلية وأعتقه وتبناه (أمسك عليك زوجك) أى لا تطلق زوجك وهى زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها أميمة بنت عبد المطلب (واتق الله) فى أمر طلاقها (وتخفى) الواو للحال أى والحال انك تخفى (فى نفسك ما الله مبديه) أى مظهره وهو نكاحها بعد طلاقها من زيد، وقيل حبها والصحيح المعول عليهالأول، روى ابن أبى حاتم قال حدثنا على بن هاشم بن مرزوق حدثنا ابن عيينة عن على بن زيد بن جدعان قال سألنى على بن الحسين (يعنى زين العابدين) ما يقول الحسن (يعنى البصرى) فى قوله تعالى {وتخفى فى نفسك ما الله مبديه} قلت يقول لما جاء زيد إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله انى أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك فقال أمسك عليك زوجك واتق الله، فقال على بن الحسين ليس كذلك بل كان الله تعالى قد أعلمه

ص: 240

-[قوله عز وجل {يا أيها النبى انا أحللنا لك أزواجك} الآية]-

(باب يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن الخ)(عن ابن عباس)(1) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات (2) ثم قال (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك)(3) وأحل الله عز وجل فتياتكم المؤمنات (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى)(4) وحرم كل ذات دين غير دين الاسلام (5)(قال ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين) وقال (يا أيها النبى إنا أحللنا لك أوزاجك اللاتى آتيت أجورهن (6) وما ملكت يمينك -الى قوله (خالصة لك من دون المؤمنين) وحرم سوى ذلك من أصناف النساء

أنها ستكون من أزواجه وان زيدا سيطلقها، فلما جاء زيد وقال إنى أريد أن أطلقها قال له أمسك عليك زوجك، فعاتبه الله وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟ وهذا هو اللائق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة، وهكذا روى عن السدى انه قال نحو ذلك (وتخشى الناس) أي تستحييهم وقيل تخاف لائمتهم وأن يقول الناس تزوج محمد زوجة ابنه (والله أحق أن تخشاه) لم يرد به انه لم يكن يخشى الله فيما سبق فانه صلى الله عليه وسلم فقد قال (انا اخشاكم واتقاكم) ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله تعالى أحق بالخشية فى عموم الأحوال وفى جميع الأشياء، قال عمر وابن مسعود وعائشة ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هى أشد عليه من هذه الآية، ولذلك قالت عائشة فى حديث الباب لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانما شيئا مما أنزل الله عليه لكتم هذه الآيات على نفسه (فلما قضى زيد منها وطرا) الوطر الحاجة، فاذا بلغ البالغ حاجته من شيء له فيه همة قيل قضى منه وطره، والمعنى فلما لم يبق الزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها (زوجناكها) قال أنس كانت زينب تفتخر على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أولياؤكن وزوجنى الله من فوق سبع سماوات: وقال الشعبى كانت زينب تقول للنبى صلى الله عليه وسلم انى لأدل عليك بثلاثة ما من امرأة من نسائك تدل بهن، جدى وجدك واحد، رانى انكحنيك الله فى السماء، وان السفير جبريل عليه السلام (لكيلا يكون على المؤمنين حرج) أي ضيق علة للتزويج، وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحد إلا ما خصه الدليل (فى أزواج أدعيائهم) جمع دعى وهو المتبنى أى فى التزويج بأزواج من يجعلونه ابنا (إذا قضوا منهن وطرا) أى اذا طلق الأدعياء أزراجهم بخلاف ابن الصلب فان امرأته تحرم على أبيه بمجرد العقد (وكان أمر الله مفعولا) أى قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى فى زينب ان يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(خ) والبغوى وابن جرير (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو النضر حدثنا عبد الحميد حدثنى شهر عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) يعنى المذكورات فى قوله تعالى {يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن} "الى قوله" خالصة لك من دون المؤمنين (3) هذه الآية جاءت فى الحديث متقدمة عن مكانها وسيأتى تفسيرها فى بابها (4) سيأتى تفسيرها قريبا فى هذا الباب (5) يعنى الكتابيات وغيرهن، وهذا فى حقه صلى الله عليه وسلم خاصة بخلاف غيره من أمته فيجوز له نكاح الكتابية (6)(التفسير)(يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن) أى مهورهن (وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك) أى أباح لك التسرى مما أخذت من الغنائم، وقد ملك صفية وجويرة فاعتقهما وتزجهما، وملك ريحانة بنت شمعون النضرية

ص: 241

-[قوله تعالى (ترجى من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء)]-

(باب ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء) الخ (عن هشام بن عروة)(1) عن أبيه عن عائشة (رضى الله عنها) أنها كان تعير (2) النساء اللاتى وهبن (3) أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ألا تستحى المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فنزل أو قال فأنزل الله (ترجى من تشاء منهن (4)

وماريه القبطية أم ابنه ابراهيم عليه السلام وكانت من السرارى (وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك، أى إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن لم يجز له نكاحها، وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأنى لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء ثم فسخ شرط الهجرة فى النكاح (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبى أن أراد النبى أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) اى احلل لك امراة مؤمنة وهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم بغير صداق. فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه، وكان النكاح ينعقد فى حقه بمعنى الهبة من غير ولى ولا شهود ولا مهر، وكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فى النكاح لقوله تعالى (خاصة لك من دون المؤمنين) كالزيادة على الأربع ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه لا مشاركة لأحد معه فيه، واختلفوا فى التى وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهل كانت عنده امرأة منهن؟ فقال عبد الله بن عباس ومجاهد لم يكن عند النبى صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وقوله (ان وهبت نفسها على سبيل الفرض والتقدير، روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم لم يقبل واحدة لمن وهبت نفسها له، وانه كان ذلك مباحا له ومخصوصا به لأنه مردود الى مشيئته كما قال تعالى "ان اراد النبى ان يستنكحها، أى ان اختار ذلك: وقال آخرون بل كانت عنده مرهونة واختلفوا فيها: "فقال الشعبى هى زينب بنت خزيمة هلالية يقال لها أم المساكين، قال الحافظ ابن كثير المشهوران زينب التى كانت تدعى ام المساكين هى زينب بنت خزيمة الانصارية وقد ماتت عند النبى صلى الله عليه وسلم قال قتادة هى ميمونه بنت الحارث وقال على بن الحسين والضحاك ومقاتل هى أم شريك بنت جابر؟ بنى أسد، وقال عروة بن الزبير هى خولة بنت حكيم من بنى سليم (قد علمنا ما فرضنا عليهم) أي ما أوجب من المهرر على امتك فى زوجاتهم وما اوجبنا عليهم (فى ازواجهم) من الحقوق والأحكام ان لا يتزوجوا أكثر من اربع ولا يتزوجوا إلا بولى وشهود ومهر (وما ملكت ايمانهم) أى ما أوجباه من الأحكام فى ملك اليمين بالشراء أو غيره (لكيلا يكون عليك حر) وهذا يرجع الى أول الآية أي أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكى لا يكون عليك حرج وضيق (وكان الله غفورا رحيما)؟؟ على عباده (تخريجه) رواه الترمذى عن عبد بن حميد عن روح عن عبد الحميد بن بهرام؟ حديث حسن مما نعرفه من حديث عبد الحميد بن نبهرام سمعت احمد ابن الحميد يذكر عن احمد بن حنبل؟ لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهور بن حوشب أهـ (قلت) عزاه الحافظ السيوطي فى الدر المنثور لعبد بن حميد وابن ابى حاتم والطبرانى وابن مردويه (باب)؟ حدثنا محمد بن بشر ثنا هشام بن عروة عن ابيه الخ (غريبه)(2) بعين مهملة تسديد التحيه؟ عند البخارى فى رواية، وله فى رواية أخرى قالت كتبمت اغار بالغين؟ سر الغيرة وهى لحميه؟ (3) ظاهر دوله وهبن ان الواعية اكثر من واحدة وتقدم الكلام على ذلك فى شرح الحديث السابق (4)(التفسير)(ترجة من تشاء منهن) أى تؤخر (وتؤوي إليك

ص: 242

-[تفسير قوله تعالى (ترجى من تشاء منهن) الآية]-

وتؤوي اليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قالت انى أرى (1) ربك يسارع لك فى هواك (عن معاذة عن عائشة)(2)(رضى الله عنها) أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستأذن إذا 389 كان يوم المرأة منا (3) بعد أن نزلت هذه الآية (ترجى من تشاء منهن وتؤوى اليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)(4) تالت (5) فقلت لها ما كنت تقولين له؟ قالت كنت أقول له إن كان ذلك إلى (6) فانى لا أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدا

من تشاء) أى تضم والمراد بالارجاء والابناء القسم وعدمه لازواجه، وذلك أن التسوية بينهن فى القسم كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية سقط عنه الوجوب وصار الاختبار اليه فيهن، وقيل نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبى صلى الله عليه وسلم وطلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن شهرا حتى نزلت آية التخبير فأمره الله تعالى أن يخبرهن فمن اختارت الدنيا فارقها، ويمسك من اختارت الله ورسوله على انهن أمهات المؤمنين لا ينكحن أبدا، وعلى أنه يؤوى اليه من يشاء منهن ويرى من يشاء فيرضين به سواء قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن دون بعض أو فتضل بعضهن فى النفقه والكسوة فيكن الأمر فى ذلك اليه يفعل كيف شاء، كان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط روى ذلك عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة، ومع ذلك قسم لهن صلى الله عليه وسلم اختبارًا منه لا على سبيل الوجوب وسوى بينهن وعدل فهن كذلك، وقيل نزلت فى الواهبات المؤمنات اللاتى يهبن أنفسهن فتؤويها اليك وتترك من تشاء فلا تقبلها، اختار ابن جرير أن الآية عامة فى الواهبات واللاتى عنده وهو واختيار حسن جامع للأحاديث (ومن ابتغيت ممن نعزلت) أى ومن دعوت الى فراشك وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالأرجاء وعدم القسمة (فلا جناح عليك) أى لا أثم عليك ولا ضيق، فأباح الله له ترك القسم لهن حتى انه ليؤخر من يشاء منهن فى نوبتها ويطأ من يشاء منهن فى غير نوبتها، ويرد الى فراشه من عزل منهن تفضيلا له على سائر الرجال (ذلك) التفويض الى مشيئتك (أدنى ان تقر أعينهن ولا يحزن) أى أقرب الى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله تعالى (ويرضين بما آتيتهن) أى أعطيتهن (كلهن) من تقريب وأرجاء وغزل وايواء، وقرى. كلهن بالرفع تأكيد لنون يرضين، وقرى. (ويرضين كلهن بما آتيتهن على التقديم: وقرئ شاذا كلهن بالنصب تأكيدا لهن فى آتيتهن (والله يعلم ما فى قلوبكم) يعنى من رضى بحكمه وامتثل أمره ومن لم يرض وخالف (وكان الله عليما) أى مما فى ضمائركم (حليما، أى لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يُتقى ويحذر (1) بضم الهمزة أى أظن ربك يسارع أى يوجد لك مرادك بلا تأخير (تخريجه)(ق نس)(2)(سنده) حدثنا ابراهيم بن اسحاق قال ثنا ابن مبارك عن عاصم، وعلى بن اسحاق قال أنا عبد الله قال انا عاصم عن معاذة عن عائشة الخ (قلت) عبد الله هو ابن المبارك وعاصم هو بن سليمان الأحول (غريبه)(3) باضافة يوم الى المرأة أى يوم نوبتها اذا أراد أن يتوجه الى الأخرى (4) تقدم تفسيرها (5) يعنى قال معاذة بنت عبد الله العدوية لعائشة ما كنت تقولين له اذا استأذن (6) اى الاستئذان الخ وظاهره انه صلى الله عليه وسلم لم يرج أحدًا منهن، وهو قول الزهرى فيما أخرجه ابن أبى حاتم ما أعلم أنه أرجى أحدا من نسائه (تخريجه)

ص: 243

-[قوله عز وجل {لا يحل لك النساء من بعده) الآية وتفسيرها]-

(باب لا يحل لك النساء من بعد) الآية (ز)(عن زياد الأنصارى)(1) قال قلت لأبي بن كعب لو متن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كلهن كان يحل له أن يتزوج؟ قال وما يحرم ذاك عليه؟ قال قلت لقوله تعالى 391 (لا يحل لك النساء من بعد)(2) قال انما أحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب من النساء (3)(عن عائشة)(4) قالت مامات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء (باب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا

(ق د نس)(باب)(1)(ز)(سنده) حدثنا عبيد الله بن عمر ثنا يزيد بن زربع وعبد الاعلى قالا ثنا داود عن محمد بن أبى موسى عن زياد الانصارى الخ (2)(التفسير)(لا يحل لك النساء) قرأ أبو عمرو ويعقوب لا تحل بالناء، وقرأ الآخرون بالباء (من بعد) يعنى من بعد هؤلاء التسع اللاتى خيرتهن فاخترنك. وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم لما خير فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن وحرم عليه النساء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، هذا قول ابن عباس وقتادة (ولا ان تبدل بهن من أزواج) يعنى ولا أن تبدل بأزواجك اللاتى هن فى حبالتك أزواجا غيرهن بطلاق كلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاءا على ما اخترن ورضين، فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهن التسع اللاتى مات عنهن: عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وصفية وميمونة وزينب بنت جحش وجويريه رضى الله عنهن، وروى عن الضحاك انه صلى الله عليه وسلم نهى عن استبدالهن بغيرهن، فاما نكاح غيرهن مع بقائهن فلم يمنع عنه ويؤيده حديث عائشة الآتى، وقال ابن زيد فى قوله تعالى (ولا ان تبدل بهن من أزواج) كانت العرب فى الجاهلية يتبادلون بأزواجهن، يقول الرجل للرجل بادلنى بامرأتك وأبادلك بامرأتى فأنزل الله (ولا أن تبدل بهن من أزواج) يعنى لا تبادل بأزواجك غيرك (إلا ما ملكت يمينك) لا بأس ان تبدل بجاريتك ما شئت فأما الحرائر فلا، وروى عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة قال دخل عيينة بن حصن على النبى صلى الله عليه وسلم بغير اذن وعنده عائشة فقال له النبى صلى الله عليه وسلم يا عيينة فأين الاستئذان؟ قال يا رسول الله ما استأذنت على وجل من مضر منذ أدركت، ثم قال من هذه الحميراء الى جنبك؟ قال هذه عائشة أم المؤمنين، فقال عيينة أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق وتنزل عن هذه؟ فقال صلى الله عليه وسلم إن الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة من هذا يا رسول الله؟ فقال هذا احمق مطاع وانه على ما ترين لسيد قومه (ولو أعجبك حسنهن) يعني ليس لك أن تطلق أحدا من نسائك وتنكح بدلها أخرى ولو أعجبك جمالها، قال ابن عباس يعنى اسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبى طالب لما استشهد جعفر أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فنهى عن ذلك (إلا ما ملكت يمينك) استثنى ممن حرم عليه الاماء، قال ابن عباس ملك بعد هؤلاء مارية (وكان الله على كل شئ رقيبا) أى حافظا وهو تحذير عن مجاوزة حدود (3) زاد ابن جرير بعد قوله ضرب من النساء (فقال تعالى يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك) الى قوله تعالى (ان وهبت نفسها للنبى) ثم قيل له لا يحل لك النساء من بعد (تخريجه) الحديث من زوائد عبد الله بن الامام احمد على مسند أبيه، وأورد. الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه لابن جرير وعبد الله بن الامام احمد وأورده الهيثمى وقال رواه عبد الله بن احمد وزاد كذا رأيت فى ثقات ابن حبان زياد أبو يحيى الانصارى يروى عن ابن عباس فان كان هو فهو ثقة والظاهر انه هو، ومحمد بن أبى موسى ذكره ابن حبان فى الثقات وبقية رجاله رجال الصحيح (4)(سنده) حدثنا سفيان ن عمرو عن عطاء عن عائشة الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام احمد والترمذى والنسائى فى سننيهما ثم ذكر حديثا

ص: 244

-[زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش وسبب نزول آية الحجاب]-

بيوت النبي الخ) (عن أبى عثمان)(1) عن أنس قال لما تزوج النبى صلى الله عليه وسلم زينب أهدت اليه 392 أم سليم حيسا (2) فى تور من حجارة (3) قال أنس فقال النبى صلى الله عليه وسلم فاذهب فادع من لقيت فجعلوا يدخلون يأكلون ويخرجون ووضع النبى صلى الله عليه وسلم يده على الطعام ودعا فيه وقال ما شاء الله أن يقول (4) ولم أدع أحدا لقيته إلا دعوته (5) فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا فبقيت طائفة منهم فأطالوا عليه الحديث، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يستحى منهم أن يقول لهم شيئا فخرج وتركهم فى البيت فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم (6) الى طعام غير ناظرين أناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا- حتى بلغ- لقلوبكم وقلوبهن

لابن أبي حاتم بسنده عن أم سلمة أنها قالت لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج النساء ما شاء إلا ذات محرم وذلك قول الله تعالى {ترجى من تشاء منهن} الآية فجعلت هذه ناسخة التى بعدها فى التلاوة كايتى عدة الوفاة فى البقرة، الأولى ناسخة للتى بعدها والله أعلم أهـ (1)(سنده) حدّثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أبى عثمان الخ (قلت) أبو عثمان اسمه الجعد بن دينار البشكرى (غريبه)(2) أم سليم بضم السين المهملة وفتح اللام هى أم أنس بن مالك وزوجة أبى طلحة رضى الله عنهم (والحيس) هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن وقد يجعل عوض الافط الدقيق (والتور) بفتح التاء المشددة وسكون الواو اناء من حجارة وقد يتوضأ منه (3) زاد ابن أبى حاتم فقالت أذهب بهذا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرئه منى السلام وأخبره ان هذا مناله قليل، قال أنس والناس يومئذ فى جهد فجئت به فقلت يا رسول الله بعثت بهذا أم سليم اليك وهى تقرئك السلام وتقول أخبره أن هذا مناله قليل: فنظر اليه ثم قال ضعه فوضعته فى ناحية البيت ثم قال اذهب فادع لى فلانا وفلانا فسمى رجالا كثيرا، وقال ومن لقيت من المسلمين الحديث (4) يعنى من الدعاء له بالبركة (5) زاد عند ابن أبى حاتم قال الراوى عن أبى عثمان فقلت يا أبا ثمان كم كانوا؟ فقال كانوا زهاء ثلاثمائة، وفيه أيضا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتحلق عشرة عشرة وليسموا وليأكل كل إنسان مما يليه فجعلوا يسمون ويأكلون حتى أكلوا كلهم، فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعه قال فجئت فأخذت النور فنظرت فيه فما أدرى أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت، قال وتخلف رجال يتحدثون فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج رسول الله التى دخل بها معهم مولية وجهها الى الحائط فأطالوا الحديث فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشد الناس حياءا ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب فخرجوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا فى الحجرة فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيته يسيرا وأنزل الله عليه القرآن فخرج وهو يتلو هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى} الآية، قال أنس فقرأهن على قبل الناس فأنا أحدث الناس بهن عهدا (6)(التفسير){يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم} يعنى إلا أن تدعوا (الى طعام) فيؤذن لكم فتأكلون (غير ناظرين إناه) أى غير منتظرين إدراكه ووقت نضجه، يقال أنى الحميم إذا انتهى حره وأنى أن يفعل ذلك إذا حان (ولكن إذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم) أى أكلتم الطعام (فانتشروا) أى فاخر؟ من منزله وتفرقوا (ولا مستأنسين لحديث) أى لا تطيلوا الجلوس ليستأنس بعضكم بحديث بعض، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون فنهوا عن ذلك

ص: 245

-[وليمة النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة بنى بزينب بنت جحش وتفسير آية الحجاب]-

(حدثنا ابن أبى عدى) عن حميد (1) عن أنس قال دعوت المسلمين الى وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بنى بزينت بنت جحش فأشبع المسلمين خبزا ولحما (2) قال ثم رجع كما كان يصنع فى حجر نسائه فسلم عليهن فدعون له (3) قال ثم رجع الى بيته وأنا معه فلما انتهى الى البيت فاذا رجلان قد جرى بينهما الحديث فى ناحية البيوت فلما بصر بهما ولى راجعا فلما رأى الرجلان النبى صلى الله عليه وسلم قد ولى عن بيته قاما مسرعين فلا أدرى أنا أخبرته أو أخبر به (4) ثم رجع الى منزله وأرخى 394 الستر بينى وبينه وأنزلت آية الحجاب (عن سلم العلوى)(5) قال سمعت أنس بن مالك يقول لما نزلت آية الحجاب جئت أدخل كما كنت أدخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم وراءك (6) يا بني

(إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحيى منكم) أي فيستحيى من إخراجكم (والله لا يستحيى من الحق) أى لا يغرك تأديبكم وبيان الحق حياءا، يعنى إخراجكم حق ما ينبغى أن يستحيا منه (وإذا سألتموهن) الضمير لنساء النبى صلى الله عليه وسلم لدلالة بيروت النبى لأن فيها نساءه (متاعا) عارية أو حاجة (فاسألوهن من وراء حجاب) أى من وراء ستر: فبعد آية الحجاب وهى التى تحن بصدد تفسيرها لم يكن لأحد أن ينظر الى امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم متنقبة كانت أو غير متنقبة (ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن) أى من الريب (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) أى ليس لكم أذاه فى شيء من الأشياء (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) نزلت فى رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال لئن قبض النبى صلى الله عليه وسلم لأنكحن عائشة قال مقاتل بن سليمان هو طلحة بن عبد الله فاخبره الله تعالى أن ذلك محرم وقال (إن ذلكم كان عند الله عظيما) أى ذنبا عظيما، وهذا من اعلام تعظيم الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وإيجاب حرمته ميتا (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وقال قال ابن أبى حاتم حدثنا أبى حدثنا أبو المظفر حدثنا جعفر بن سليمان عن الجعد أبى عثمان اليشكرى عن أنس بن مالك فذكره بالزيادة التى ذكرتها فى الشرح ثم قال وقد ويراه مسلم والترمذى والنسائى جميعا عن قتيبة عن جعفر بن سليمان به (أى بسند بن أبى حاتم) وقال الترمذى حسن صحيح وذكر له الحافظ ابن كثير طرقًا كثيرة عند البخارى ومسلم والترمذى وغيرهم (1)(حدثنا ابن أبى عدى الخ)(غريبه)(2) زاد فى رواية وككان يبعثنى فأدعو الناس (3) جاء فى رواية ثابت عن أنس فجعل يمر بنسائه ويسلم على كل واحدة سلام عليكم يا أهل البيت كيف أصبحتم فيقولون بخير يا رسول الله كيف وجدت أهلك فيقول بخير الحديث (4) جاء فى رواية ثابت عن أنس قال فوالله ما أدرى أنا أخبرته أو نزل عليه الوحى بأنهما قد خرجا فرجع ورجعت معه فلما وضع رجله فى أسكفة الباب (بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء مفتوحة بالعتبة التى يوطأ عليها) أرخى الحجاب بينى وبينه وأنزل الله الحجاب هذه الآيات {لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه} حتى فرغ منها (تخريجه)(خ. وغيره)(5)(سنده) حدثنا ابو كامل مظفر بن مدرك ثنا حماد بن زيد عن سلم العلوى الخ (غريبه)(6) أى كن خلف الحجاب أى الستر، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم منعه من الدخول على نسائه كما كان يدخل قبل آية الحجاب (تخريجه) أورده الهيثمى وقال له حديث فى الصحيح غير هذا وقال رواه أبو يعلى وفيه سلم العلوى وهو ضعيف وغفل الحافظ الهيثمى عن عزوه للامام أحمد والكمال لله وحده

ص: 246

-[قوله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) الآية وتفسيرها]-

(عن عروة بن الزبير)(1) عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن (2) إلى المناصع وهو صعيد أفيح (3) وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك (4) فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً من الليالي عشاءً وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا (5) قد عرفناك يا سودة حرصًا على أن ينزل الحجاب، قالت عائشة رضي الله عنها فأنزل الحجاب (6)(باب إن الله وملائكته يصلون على النبي إلخ)(حدّثنا محمد بن فضيل)(7) حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب (8) قال لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي} (9) قالوا كيف نصلي عليك

(1)(سنده) حدثنا حجاج قال حدثنا ليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير إلخ (غريبه)(2) أي إذا خرجن على البراز للبوال والغائط (إلى المناصع) بفتح الميم والنون وكسر الصاد آخره عين مواضع آخر المدينة من جهة البقيع (3) بالفاء والحاء بوزن أفلح أي خلاء واسع (4) أي امنعهن من الخروج من البيوت (5) ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف استفتاح ينبه به على تحقيق ما بعده (6) زاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الترمذي عن ابن شهاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} الآية ففسر المراد من آية الحجاب صريحًا (تخريخه)(ق) وابن جرير وابو عوانة وغيرهم (باب)(7)(حدثنا محمد بن فضيل إلخ)(غريبه)(8) هو كعب بن عجرة الأنصاري المدني أبو محمد صحابي مشهور مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون سنة وهذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير من كتاب الصلاة في الجزء الرابع صحيفة 23 رقم 731 وهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره من طرقٍ متعددة، وفي الباب المشار إليه حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وغيره ومذاهب الأئمة في ذلك، وتقدم الكلام في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وثواب المصلي في آخر كتاب الأذكار في الجزء الرابع عشر ونقتصر هنا على تفسير الآية فنقول (التفسير){إن الله وملائكته يصلون على النبي} عبر بصيغة المضارع ليدل على الدوام والاستمرار. أي أنه تعالى وجميع ملائكته الذي لا يحصون بالعد ولا يحصرون بالحد يصلون عليه، وفي الاعتناء بشرفه وتعظيم شأنه في الملأ الأعلى {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أي اعتنوا أيها الملأ الأدنى بشرفه وتعظيمه أيضًا فإنكم أولى بذلك وقولوا اللهم صل عليه، {وسلموا تسليمًا} أي وقولوا السلام عليك أيها النبي وأكد السلام بالمصدر وقد انتزع النووي من الآية الجمع بين الصلاة والسلام فلا يفرد أحدهما من الآخر. قال الحافظ ابن كثير والأولى أن يقال صلى الله وسلم تسليمًا اهـ (قال الحافظ) وقد سئلت عن اضافة الصلاة الى الله ون السلام وأمر المؤمنين بها وبالسلام (فقلت) يحتمل ان يكون السلام له معنيان لتحية والانقياد فأمر بهما المؤمنون لصحتهما منهم، والله وملائكته لا يحوز منهم الانقياد فلم يضف اليهم دفعًا للايهام والعلم عند الله اهـ. وقال الفسفى في تفسيره {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أي قولوا اللهم صل على محمد وانقادوا لأمره وحكمه انقيادًا. قال وان صلى على غيره على سبيل التبع كقوله صلى الله عليه وسلم وآله فلا كلام فيه، وأما اذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض اهـ (وقال البخاري) قال أبو العالية صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند

ص: 247

-[قوله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} الآية وتفسيرها]-

يا نبي الله؟ قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد، قال ونحن نقول وعلينا معهم، قال يزيد فلا ادري أشيء زاده ابن ابي ليلى من قبل نفسه أو شيء رواه كعب (باب يا ايها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى) الآية (عن أبي هريرة)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} (2)

الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، وقال ابن عباسٍ يصلون يبركون على النبي أي يدعون له هكذا علقه البخاري، وقال أبو عيسى الترمذي وروى عن سفيان الثوري وغير واحدٍ من أهل العلم قالوا صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار (وعن أبي بكرٍ القشيري) مما نقله القاضى عياض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة، وعلى من دون النبي صلى الله عليه وسلم رحمة، وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال تعالى ان الله وملائكته يصلون على النبي- وقال قبل ذلك في السورة- هو الذي يصلى عليكم وملائكته- ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صبلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره اهـ (قلت) وهذا قول وجيه (تخريجه)(ق. والأربعة)(باب)(1)(سنده) حدثنا روح حدثنا عوف عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاس ومحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (قلت) هكذا جاء سند هذا الحديث عند الامام احمد، وجاء عند البخاري قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم اخبرنا روح بن عبادة حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاص عن أبي هريرة الحديث (عوف) هو ابن أبي جميلة عرف بالأعرابي (والحسن) هو البصري (ومحمد) هو ابن سيرين (وخلاس) هو ابن عمرو الهجري البصري فرواية البخاري من طريق عوف عن الحسن ومحمد وخلاس الثلاثة عن أبي هريرة بخلاف ما في المسند، وقد روى الامام احمد هذا الحديث من طرقٍ متعددة غير هذا وستأتي في باب قصة موسى مع الحجر (2)(التفسير){يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} ما مصدرية أو موصولة وايهما كان فالمراد البراءة عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب، وأذى موسى عليه السلام هو ما ذكر في حديث الباب (وقيل غير ذلك) روى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباسٍ عن على رضى الله عنهم في قوله عز وجل {فبرأه الله مما قالوا} قال صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون عليه السلام، فقال بنو اسرائيل لموسى عليه السلام انت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حياءً، فآذوه من ذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمرت به على مجالس بني اسرائيل فتكلمت بموته فما عرف موضع قبره الا الرخم، وان الله جعله أصم أبكم، وهكذا رواه ابن جرير يرعن على بن موسى الطوسى عن عباد بن العوام به، وجائز أن يكون هذا هو المراد بالأذى وجائز ان يكون الأول هو المراد (يعني حديث الباب) فلا قول من قول الله عز وجل (قال الحافظ ابن كثير) يحتمل أن يكون الكل مرادًا وأن يكون معه غيره والله أعلم اهـ (قلت) وذكر الامام البغوى في تفسيره هذه الوجهين في أذى موسى وزاد وجهًا ثالثًا فقال أبو العالية هو أن قارون استأجر مومسة لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمها الله وبرَّأ موسى من ذلك وأهلك قارون (قلت) ولا مانع من أنه تكرار ايذاؤهم بهذه الأمور وغيرها كما تكرر إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم من كفار قريش بأنواعٍ شتى، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

ص: 248

-[(سورة سبأ) وما جاء في ذكر سبأ وأولاده]-

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى كان رجلًا حييًا (1) ستيرًا لا يكاد يرى من جلده شيء استحياءً منه: قال فآذاه من آذاه من بني اسرائيل قالوا ما يستتر هذا التستر الا من عيبٍ بجلده إما برص وإما أردة (2) وقال روح مرة أدرة وإما آفة (3) وان الله عز وجل أراد أن يبرءه مما قالوا، وان موسى خلا يومًا فوضع ثوبه على حجر (4) ثم اغتسل فلما فرغ أقبل الى ثوبه ليأخذه وإن الحجر عدا (5) بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر وجعل يقول ثوبي (6) حجر ثوبي حجر حتى انتهى الى ملاء من بنى اسرائيل فرأوه عريانًا كأحسن الرجال خلقًا وأبرأه مما كانوا يقولون له (7) وقام الحجر فأخذ ثوبه وطفق (8) بالحجر ضربًا بعصاه، قال فوالله ان في الحجر لندبًا (9) من أثر ضربه ثلاثًأ أو أربعًا أو خمسًا (سورة سبأ) (باب ذكر سبأ وأولاده) (عن ابن عباس) (10) قال ان رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ (11) ما هو أرجل أم امرأة أو أرض؟ فقال بل هو رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة: وبالشام منهم أربعة: فأما اليمانيون (12) فمذحج

رحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر والله أعلم {وكان عند الله وجيهًا} أي له وجاهة وجاه عند ربه عز وجل، قال الحسن البصري كان مستجاب الدعوة عند الله، وقال غيره من السلف لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه ولكن منع الرؤية لما يشاء الله عز وجل، وقرأ ابن مسعود والأعمش (وكان عبدًا لله وجيهًا)(1) بوزن تقيًا أي كثير الحياء (ستيرًا) بكسر المهملة والفوقية المشددة أى من شأنه وارادته حب الستر (2) قال فى النهاية الأدرة بالضم نفحة في الخصية يقال رجل آدر (؟؟) الأدر بفتح الهمزة والدال (3) جاء عند البخارى بلفظ (إما برص وإما أدرة وإما آفة) والآفة هى كل مرض معيب فهو من عطف العام على الخاص (4) جاء من طريقٍ آخر للامام احمد عن أبى هريرة أيضًا وسيأتى في باب قصة موسى مع الحجر من كتاب أحاديث الأنبياء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بنو اسرائيل يغتسلون عراة فينظر بعضهم الى سوأة بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى ان يغتسل معنا إلا انه آدر، قال فذهب مرةً يغتسل فوضع ثوبه على حجرٍ الخ الحديث (5) بالعين المهملة أى مضى مسرعًا (6) قال الحافظ هو بفتح الياء الأخيرة من ثوبى أى اعطنى ثوبى أو رد ثوبى حجر بالضم على حذف النداء (قلت) جاء في روايةٍ أخرى للبخارى والامام احمد بلفظ (ثوبى يا حجر) باثبات حرف النداء (7) جاء في روايةٍ أخرى للامام احمد وستأتى في الباب المشار اليه فقالت بنو اسرائيل (يعنى بعد ما نظروا اليه سليمًا من العيوب) قاتل الله أفاكى بنى اسرائيل فكانت براءته التي برأه الله عز وجل (8) بكسر الفاء أى جعل يضرب الحجر بعصاه (9) بفتح النون والمهملة أى أثرًا (والندب) أثر الجرح إذا لم يرتفع فشبه به أثر الضرب في الحجر (تخريجه)(ق مذ طل) وابن جرير والبغوى، قال النووى فيه معجزتان ظاهرتان لموسى عليه السلام مشى الحجر بثوبه وحصول الندب في الحجر بضربه (باب)(10)(سنده) حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمى أبو عبد الرحمن عن عبد الله ابن جبيرة السباتى عن عبد الرحمن بن وعلة قال سمعت ابن عباسٍ يقول إن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(11) بفتح السين والموحدة وبالهمز والمراد به القبيلة التى هى من أولاد سبأ وهو سبأ بن يشحب ابن يعرف بن قحطان بن هود (12) يعنى الذين سكنوا اليمن (فمذحج) بفتح الميم وسكون الذال المعجمة

ص: 249

-[ما جاء في قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده} الآية وتفسيرها]-

وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير عربًا كلها، وأما الشامية (1) فلخم وجذام وعاملة وغسان (باب ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) الآية (عن ابن عباس) (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال ربنا تبارك اسمه اذا قضى أمرًا (3) سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا: ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حمل العرش فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش {ماذا قال ربكم} (زاد في روايةٍ فيقولون الحق (4)

وكسر الحاء آخره جيم (وكندة) بكسر الكاف وسكون النون (والأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاى آخره دالة مهملة (والاشعريون) قال في القاموس الأشعر ابو قبيلة باليمن منهم أبو موسى الأشعرى ويقولون جاءتك الأشعرون بحذف ياء الغيب (وأنمار) بفتح الهمزة وسكون النون، زاد عند الترمذى فقال رجل يا رسول الله ما أنمار؟ قال الذين منهم خثعم وبحيلة (قلت) خثعم بوزن جعفر (وبحيلة) كسفينة (وحمير) بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم (1) يعنى الذين سكنوا الشام (فلخم) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة (وجذام) بضم الجيم والذال المعجمة بوزن غراب (وعاملة) بكسر الميم، قال في القاموس بنو عاملة بن ساجى باليمن (وغسان) بالغين المعجمة وتشديد السين المهملة بوزن شداد (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم طب) وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف (يعنى اذا عنعن وقد عنعن) قال وبقية رجالهما ثقات (قلت) الحديث رواه أيضًا الحاكم في المستدرك وليس فى اسناده ابن لهيعة، وصححه الحاكم وأقره الذهبى وأورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وقال رواه عبد (يعنى ابن حميد) عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة به وهذا إسناد حسن ولم يخرجوه اهـ وعزاه الحافظ السيوطى في الدر المنثور لابن أبي حاتم وابن عدى والحاكم وصححه وابن مردويه، وقصارى القول ان الحديث له طرق كثيرة وشواهد تنهضه إلى درجة الصحيح والله أعلم (باب)(2) هذا طرف من حديثٍ طويل تقدم بطوله وسنده وشرحه وتخريجه في باب ما جاء في الكهانة من كتاب الحدود في الجزء السادس عشر صحيفة 131 رقم 320 وانما ذكرته هنا لمناسبة قوله في الحديث {ماذا قال ربكم} الخ الآية، واول الآية قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} (غريبه)(3) جاء عند البخارى من حديث أبى هريرة ان نبي الله صلى الله عليه وسلم قال (اذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا) أي خاضعين (لقوله كانه سلسلة على صفوان) يعنى كأن القول المسموع سلسلة من حديد يضرب بها على حجرٍ املس فيأخذهم الفزع ويلحون بالتسبيح ويرون أنه من أمر الساعة (وجاء عند الامام البغوى) من حديث النواس بن سمعان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أراد الله أن يوحى بالأمر تكلم بالوحى فاذا تكلم أخذت السماوات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفًا من الله تعالى فاذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر على سماءٍ سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل قال الحق وهو العلى الكبير، قال فيقولون مثل ما قال جبريل فينتهى جبريل بالوحى حيث أمره الله تعالى من السماء والأرض. وكذا رواه ابن جرير وابن خزيمة، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وهو مفسر لحديث الباب لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا (4) أي قال الله تعالى القول الحق

ص: 250

-[(سورة فاطر) وقوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب} الآيات]-

وهو العلي الكبير) (1) فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماءٍ سماء حتى ينتهى الخبر الى السماء ويخطف (2) الجن السمع فيرمون (3) فما جاءوا به على وجهه (4) فهو حق ولكنهم يقذفون ويزيدون (5) قال عبد الله (6) قال أبى قال عبد الرزاق ويخطف الجن ويرمون (سورة فاطر)(باب ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الآيات (عن أبي الدرداء)(7) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل {ثم أورثنا الكتاب (8) الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} فأما الذين سبقوا بالخيرات فاؤلئك الذين يدخلون الجنة بغير

قيل المجيبون هم الملائكة المقربون كجبريل وميكائيل وحملة العرش، ويؤيد ذلك ما جاء في حديث ابن مسعود عند أبى داود قال اذا تكلم الله بالوحى سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة على الصفاة (أى الصخرة والحجر الأملس) فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فاذا جاء فزع عن قلوبهم (أى كشف عنهم الفزع وأزيل) فيقولون يا جبريل ماذاقال ربك؟ فيقول الحق (أى قال القول الحق)(1) أى ذو العلو والكبرياء (2) بفتح الطاء على المشهور وبه جاء القرآن، وفي لغةٍ قليلةٍ كسرها ومعنا استرقه وأخذه بسرعة (3) بصيغة المفعول أى يرمى الجن بالنجم وهو الشهاب قال تعالى {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} (4) أى من غير تصرفٍ فيه فهو ثابت وكائن، أى فما أصابوا به موافقًا للواقع فهو مسترق ومخطوف من السمع، وما لم يصيبوا فهو المزيد من طرف أوليائهم الكهنة والمنجمين (5) جاء في روايةٍ أخرى للامام احمد أيضًا بلفظ (ولكنهم يزيدون فيه ويقرفون) بالراء بدل الذال وكذلك جاء عند مسلم، قال النووى هذه اللفظة ضبطوها من رواية صالح على وجهين أحدهما بالراء والثانى بالذال ووقع في رواية الأوزاعى وابن معقل بالراء باتفاق النسخ، ومعناه يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون (6) هو ابن الامام احمد رحمه الله (أما تفسير الآية) فقد قال الامام البغوى في قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن اذن له} يعنى إلا لمن اذن له الله في الشفاعة، قال تكذيبًا لهم حيث قالوا (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن اذن الله له أن يشفع، وقرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي أذن بضم الهمزة (حتى إذا فزع عن قلوبهم) قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاى، وقرأ الآخرون بضم الفاء وكسر الزاى أي كشف الفزع واخرج عن قلوبهم فالتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتفريد، واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة، فقال قوم هم الملائكة، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم انما يفزع عن قلوبهم من غشيةٍ تصيبهم عند سماع كلام الله عز وجل ثم ذكر حديث أبى هريرة وحديث النواس بن سمعان المذكورين آنفًا، وقال بعضهم انما يفزعون حذرًا من قيام الساعة لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم عند أهل السماوات بعثته من أشراط الساعة، وقال جماعة الموصوفون بذلك المشركون: قال الحسن وابن زيد حتى اذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم اقامةً للحجة عليهم {قالوا ماذا قال ربكم} أي قالت الملائكة لهم ماذا قال ربكم فى الدنيا {قالوا الحق} أى قالوا قال القول الحق فاقروا به حين لا ينفهم الاقرار {وهو العلي الكبير} أى ذو العلو والكبرياء والله أعلم (باب)(7)(سنده) حدثنا اسحاق بن عيسى حدثنا أنس بن عياض الليثى أبو ضمرة عن موسى بن عقبة عن على ابن عبد الله الأزدى عن أبى الدرداء الخ (8)(التفسير){ثم أورثنا الكتاب} أي أوحينا إليك الكتاب

ص: 251

-[قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآيات وتفسيرها وكلام العلماء في ذلك]-

حساب، وأما الذين اقتصدوا فاولئك يحاسبون حسابًا يسيرًا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فاولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور: الى قوله: لغوب) (حدثنا وكيع)(1) قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن ثابت أو عن أبى ثابت (2) أن رجلًا دخل مسجد دمشق فقال اللهم آنس وحشتى وارحم غربتى وارزقنى جليسًا حبيبًا صالحًا، فسمعه أبو الدرداء فقال لئن كنت صادقًا (3) لأنا أسعد بما قلت منك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فمنهم ظالم لنفسه)(4)

وهو القرآن ثم أورثناه يعنى حكمنا يتوريثه وقيل أورثناه بمعنى نورثه {الذين اصطفينا من عبادنا} قال ابن عباس يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعنى من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم الى يوم القيامة: لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم واختصهم بكرامته بأن جعلهم أتباع سيد الرسل وخصهم بحمل أفضل الكتب ثم قسمهم ورتبهم على مراتب فقال تعالى {فمنهم ظالم لنفسه} يعنى بالتقصير في العمل وأمرهم مرجأ الى الله عز وجل، ولذلك فسرهم في الحديث بقوله فاولئك الذين يحبسون في طول المحشر: وفي رواية من حديث أبى الدرداء أيضًا (وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ثم يدخل الجنة) ومعناه انه يحبس طول مدة اقامته بالمحشر، وقوله (ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته) أي تداركهم. وعن ابن عباس الظالم الكافر نعمة الله غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة، وقيل الظالم لنفسه من رجحت سيئاته على حسناته {ومنهم مقتصد} هو الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، وقيل من استوت سيئاته وحسناته وذكرهم في الحديث بأنهم يحاسبون حسابًا يسيرًا {ومنهم سابق بالخيرات} قالت عائشة رضى الله عنها هو من معنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له بالجنة، وقيل السابق القارئ للقرآن العالم به العامل بما فيه وهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب كما فسرهم بذلك في الحديث (باذن الله) أى بأمره وارادته وتوفيقه {ذلك هو الفضل الكبير} يعنى ايرائهم الكتاب واصطفاؤهم، ثم أخبر بثوابهم فقال {جنات عدنٍ يدخلونها} يعنى الأصناف الثلاثة {يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا} أى من ذهبٍ مرصعٍ باللؤلؤ {ولباسهم فيها حرير} أى لما فيه من اللذة والزينة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} خوف النار أو خوف الموت أو هموم الدنيا {إن ربنا لغفور} يغفر الجنايات وان كثرت {شكور} يقبل الطاعات وان قلت {الذي أحلنا دار المقامة} أى الاقامة لا نبرح منها ولا نفارقها، يقال أقمت اقامةً ومقامًا ومقامةً {من فضله} من عطائه وإفضاله ى باستحقاقنا وأعمالنا {لا يمسنا فيها نصب} أى لا يصيبنا فيها عناء ولا مشقة {ولا يمسنا فيها لغوب} أى إعياء من التعب وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى لغوب بفتح اللام (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام احمد، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد بأسانيد رجال احدها رجال الصحيح وهي هذه ان كان على بن عبد الله الأزدى سمع من أبى الدرداء فانه تابعى (1)(حدثنا وكيع الخ)(2) أو للشك من الراوى، والظاهر انه ثابت بن عبيد الانصاري، قال في الخلاصة روى عنه الأعمش ومسعر والثوري وثقه احمد زابن معين (3) معناه ان كنت مخلصًا في دعائك واستجاب الله لك فأنا أسعد بصحبتك منك حيث قد جعلنى الله عز وجل من عباده الصالحين (4) أول الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} الآية: قال الحافظ ابن كثير في تفسيره يقول تعالى ثم جعلنا

ص: 252

-[(سورة يس) وما جاء في فضلها]-

قال الظالم يؤخذ منه في مقامه (1) فذلك الهم والحزن {ومنهم مقتصد} يحاسب حسابًا يسيرًا {ومنهم سابق بالخيرات} فذلك الذين يدخلون الجنة بغير حساب (عن أبي سعيدٍ الخدرى)(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فى هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال هؤلاء كلهم بمنزلةٍ واحدة (3) وكلهم في الجنة (سورة يس)(باب ما جاء في فضلها)(عن معقل بن يسار)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يس قلب القرآن (5) لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له (6) واقرءوها على موتاكم (7)(حدثنا أبو المغيرة)(8) ثنا صفوان: يعنى ابن عمرو: حدثنى المشيخة (9) انهم حضروا واغضيف بن الحارث الثمالى (10) حين اشتد سوقه (11) فقال هل منكم أحد يقرأ يس

القائمين بالكتاب العظيم المصدق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الامة، ثم قسمهم على ثلاثة أنواعٍ فقال تعالى {فمنهم ظالم لنفسه} وهو المفرط في فعل الواجبات المرتكب لبعض المحرمات {ومنهم مقتصد} وهو المؤدى للواجبات التارك للمحرمات وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات {ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} وهو الفاعل للواجبات والمستحبات التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات، قال على بن أبى طلحة عن ابن عباسٍ في قوله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله تعالى كل كتابٍ انزل (يعنى الايمان به والتصديق) فظالمهم يغفر له ومقتصدهم يحاسب حسابًا يسيرًا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب (1) أى يعاقب بطول وقوفه في المحشر وبالهم والحزن الذى يصيبه من جراء ذلك (تخريجه) رواه ابن جرير وابن أبى حاتم والبغوى في تفاسيرهم، وأورده الهيثمى وقال رواه (حم طب) قال وثابت ابن عبيد ومن قبله من رجال الصحيح، وفى اسناد الطبراني رجل غير مسمى (2)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الوليدين العيزار انه سمع رجلًا من ثقيف يحدث عن رجلٍ من كنانة عن أبى سعيد الخ (غريبه)(3) أى في انهم من الأمة المحمدية وانهم من أهل الجنة وان كان بينهم فرق في المنازل فى الجنة (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث غريب حسن، ورواه أيضًا ابن جرير وابن أبى حاتم، وفي أسانيد كلهم من لم يسم فتحسين الترمذى له لشواهده والله أعلم (باب)(4) هذا طرف من حديثٍ طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب سورة البقرة وما جاء في فضلها في هذا الجزء صحيفة 70 رقم 161 فارجع اليه (غريبه)(5) أى لبه وخالصه وقلب كل شيء لبه (6) قال الطيبى لاحتوائها مع قصرها على البراهين الساطعة والآيات القاطعة والعلوم المكنونة والمعانى الدقيقة والمواعيد الفائقة والزواجر البالغة (7) قال بعض السلف من خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمرٍ عسيرٍ إلا يسره الله وكأن قرائتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة وليسهل عليه خروج الروح والله أعلم (8)(حدثنا أبو المغيرة) الخ (غريبه)(9) جماعة من مشايخه من كبار علماء عصره (10) اختلف في اسمه وصحبته فقيل غضيف بالضاد كما هنا وقيل بالطاء بدل الضاد والصحيح الأول، وقيل انه صحابى وقيل تابعى والصحيح الأول أيضًا كما يستفاد مما ذكره الحافظ في الاصابة مات سنة بضع وستين (11) بفتح المهملة وسكون الواو أي

ص: 253

-[قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} الآية وتفسيرها وكلام العلماء فى ذلك]-

قال فقرأها صالح بن شريح السكوتى فلما بلغ أربعين منها قبض: قال فكان المشيخة يقولون اذا قرئت عند الميت خفف عنه بها (1) قال صفوان وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد (عن أبى ذر)(2) قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد حين وجبت الشمس (3) فقال يا أبا ذر تدرى أين تذهب الشمس؟ (4) قلت الله ورسوله أعلم، قال فانها تذهب حيث تسجد (5) بين يدى ربها عز وجل فتستأذن فى الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعى من حيث جئت فترجع الى مطلعها فذلك مستقرها ثم قرأ {والشمس تجرى لمستقر لها} (6)(وعنه أيضًا)(7) قال سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى {والشمس تجرى لمستقر لها} (8) قال مستقرها تحت العرش (9)

نزعه كأن روحه تساق لتخرج من بدنه (1) أى لما تقدم فى شرح الحديث السابق (فائدة) قال ابن العربى تتأكد قراءة يس: واذا حضرت موت أحد فاقرأ عنده يس فقد مرضت وغشى علىَّ وعددت من الموتى فرأيت قومًا كرشَّ المطر يريدون أذيتى، ورأيت شخصًا جميلًا دفعهم عنى حتى قهرهم، فقلت من أنت؟ قال سورة يس فأفقت فاذا بأبى عند رأسى وهو يبكى ويقرأ يس وقد ختمها (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام احمد وأورده الحافظ فى الاصابة بسنده ولفظه وعزاه للامام احمد وحسن اسناده (2)(سنده) حدّثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن ابراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر الخ (غريبه)(3) جاء عند البخارى (عند غروب الشمس (4) استفهام أريد به الابتلاء (5) رواية البخارى (حتى تسجد تحت العرش) أى تنقاد للبارى تعالى انقياد الساجدين المكلفين أو شبهها بالساجد عند غروبها، قال الحافظ ابن كثير والعرش فوق العالم مما يلى رءوس الناس، فالشمس اذا كانت فى قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب الى العرش، فاذا استدارت فى فلكها الرابع الى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل صارت أبعد ما يكون من العرش، فحينئذ تسجد وتستأذن فى الطلوع أى من المشرق على عادتها فيؤذن لها اهـ (قلت) وهذا معنى قوله فى حديث الباب وكأنها قد قيل لها ارجعى من حيث جئت الخ (6) (التفسير) {والشمس تجرى لمستقر لها} الواو للعطف على ما تقدم واللام فى لمستقر بمعنى الى والمراد بالمستقر (إما الزمانى) وهو منتهى سيرها وسكون حركتها يوم القيامة حين تكور وينتهى هذا العالم الى غايته (وإما المكانى) وهو ما تحت العرش مما يلى الأرض من ذلك الجانب وهى أينما كانت فهى تحت العرش كجميع المخلوقات لأنه سقفها وليس بكرة كما يزعمه كثير من أهل الهيئة بل هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة: والمراد غاية ارتفاعها فى كبد السماء فان حركتها إذ ذاك يوجد فيها ابطاء بحيث يظن ان لها هناك وقفة، والثانى أنسب بحديث الباب (قال الحافظ) وظاهر الحديث ان المراد بالاستقرار وقوعه فى كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجرى اهـ، وبقية الآية {ذلك تقدير العزيز} الغالب بقدرته على كل مقدور (العليم) بكل معلوم (تخريجه)(ق د مذ نس)(7)(سنده) حدّثنا وكيع حدثنا الأعمش عن ابراهيم التيمى عن أبيه عن أبى ذر الخ (8)(هذه هى القراءة المتواترة (فان الحافظ ابن كثير) وقرأ ابن مسعود وابن عباس (والشمس تجرى لا نستقر لها أى لا فرار لها ولا سكون بل هى سائرة ليلًا ونهارًا لا تفتر ولا تقف كما قال تبارك وتعالى {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} أى لا يفتران ولا يقفان إلى يوم القيامة اهـ (9) قال الطيبى وأما قوله مستقرها تحت العرش فلا ينكر ان يكون لها استقرار

ص: 254

-[(سورة الصافات) وقوله تعالى {وناديناه أن يا ابراهيم} الآية]-

(سورة الصافات)(باب قصة الذبيح وقوله تعالى- {وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا} (عن ابن عباس)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان جبريل ذهب بابراهيم الى جمرة العقبة (2) فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ (3) ثم اتى الجمرة الوسطى (4) فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ: ثم أتى الجمرة القصوى (5) فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ: فلما أراد ابراهيم أن يذبح ابنه اسحاق (6) قال لأبيه يا أبت أوثقنى لا اضطرب فينضج عليك من دمى إذا ذبحتنى فشده (7) فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودى من خلفه {أن يا ابراهيم قد صدَّقت الرؤيا} (8)

تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده وانما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه لأن علمنا لا يحيط به اهـ (قال الحافظ) وفى الحديث رد على من زعم ان المراد بمستقرها غاية ما تنتهى اليه فى الارتفاع وذلك أطول يوم فى السنة وقيل الى منتهى امرها عند انتهاء الدنيا اهـ قال فى اللمعات (قوله والشمس تجرى لمستقر لها} قد ذكر فى التفاسير وجوه غير ما فى الحديث ولا شك أن ما وقع فى الحديث المتفق عليه هو المعتبر والمعتمد والله أعلم (تخريجه)(خ نس وغيرهما)(باب)(1)(سنده) حدّثنا يونس أخبرنا حماد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) قال الحافظ جمرة العقبة هى الجمرة الكبرى وليست من منى بل هى حد منى من جهة مكة، وهى التى بايع النبى صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة، والجمرة اسم المجتمع الحصى سميت بذلك لاجتماع الناس بها، يقال تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا، وقيل ان العرب تسمى الحصا الصغار جمارًا فسميت تسمية الشئ بلازمه (3) أى غاص فى الأرض يقال ساخت الأرض به تسوخ وتسيخ (4) هى التى بين جمرة العقبة والجمرة القصوى (5) هى التى تلى مسجد الخيف بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية ويقال لها الأولى لأنها أولى الجمرات من جهة عرفات، والقصوى لأنها أبعد الجمرات من مكة (6) هكذا جاء فى هذه الرواية ويستفاد منها أن الذبيح اسحاق وفى اسنادها عطاء بن السائب وقد اختلط، وهى تعارض الرواية الصحيحة من حديث أبى الطفيل عن ابن عباس أيضًا وتقدم فى باب ما رواه أبو الطفيل عن ابن عباس من كتاب الحج فى الجزء الحادى عشر صحيفة 100 رقم 70 وفيه (وثم تله للجبين وعلى اسماعيل قميص أبيض) الحديث وهو يفيد أن الذبيح اسماعيل، وسيأتى تحقيق المقام وكلام العلماء فى ذلك قريبًا (7) أى شد وثاقه (وقوله فلما أخذ الشفرة) يعنى السكين العريضة (8) أى قد حصل المقصود من رؤياك باضجاعك ولدك للذبح (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط، والظاهر أن قوله فى الحديث (فلما أراد اسماعيل أن يذبح ابنه اسحاق) جاء خطأ من عطاء بن السائب فالذبيح اسماعيل كما يستفاد من كتاب الله وصريح السنة الصحيحة وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف (هذا) واعلم أن قصة ابراهيم عليه السلام مع ولده الذبيح عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام جاءت فى كتاب الله من قوله تعالى {وقال إنى ذاهب الر ربى سيهدين} - إلى قوله- {وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} لهذا رأيت أن آتى بتفسير هذه الآيات لما فيها من العظة والعبرة فأقول: أورد هذه الآيات الحافظ ابن كثير فى تفسيره جملة واحدة ثم قال يقول تعالى مخبرًا عن خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام بعدما نصره الله تعالى على قومه وأيس من =

ص: 255

-[قصة الذبيح وكلام العلماء فى ذلك والتحقيق أن الذبيح اسماعيل لا اسحاق]-

......

= إيمانهم بعدما شاهدوا من الآيات العظيمة هاجر من بين أظهرهم وقال {انى ذاهب الى ربى سيهدين، رب هب لى من الصالحين} يعنى أولادًا مطيعين يكونون عوضًا عن قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال الله تعالى {فبشرناه بغلام حليم} وهذا الغلام هو اسماعيل عليه السلام فانه أول ولد بشر به ابراهيم عليه السلام وهو أكبر من اسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل فى نص كتابهم أن اسماعيل عليه السلام ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة: وولد اسحاق وعمر ابراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة وعندهم ان الله تبارك وتعالى أمر ابراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفى نسخة أخرى بكرة فأقحموها هنا كذبًا وبهتانًا (اسحاق) ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وانما اقحموا اسحاق لأنه أبوهم واسماعيل ابو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك: وحرّفوا وحيده بمعنى الذى ليس عنده غيره فان اسماعيل كان ذهب به وبأمه الى مكة، وهو تأويل وتحريف باطل، فانه لا يقال وحيده الا لمن ليس له غيره، وأيضًا فان أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ فى الابتلاء والاختبار، وقد ذهب جماعة من أهل العلم الى أن الذبيح هو اسحاق وحكى ذلك عن طائفة من السلف حتى نقل عن بعض الصحابة رضى الله عنهم أيضًا، وليس ذلك فى كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقى إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مسَّدًا من غير حجة، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد الى أنه اسماعيل، فانه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك- وبشرناه باسحاق نبيًا من الصالحين- ولما بشرت الملائكة ابراهيم باسحاق قالوا- انا نبشرك بغلام عليم- قال تعالى- {فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب} أى يولد له فى حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل، فكيف يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير لأن الله تعالى قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل فكيف يحكى بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرًا واسماعيل وصف هنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام، انتهى كلام الحافظ ابن كثير (فلما بلغ معه السعى) قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراسانى وزيد بن أسلم وغيرهم يعنى شب وارتجل وأطاق ما يفعله أبوه من السعى والعمل، قال الامام البغوى واختلفوا فى سنه، قيل كان ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل كان ابن سبع سنين {قال يا بنى انى أرى فى المنام أنى أذبحك} قال محمد بن اسحاق كان ابراهيم اذا زار هاجر واسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة، فيبيت عند أهله بالشام، حتى اذا بلغ اسماعيل معه السعى وأخذ يعمل بنفسه ورجاء لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر فى المنام أن يذبحه: وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلًا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا، فلما أصبح روّى فى نفسه أى فكر فى الصباح الى الرواح أمن الله هذا الحكم أم من الشيطان؟ فمن ثم سعى يوم التروية فلما أمسى رأى فى المنام ثانيًا، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عز وجل، فمن ثم سعى يوم عرفة، قال مقاتل رأى ذلك ابراهيم ثلاث ليال متواليات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال- {يا بنى انى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى} قرأ حمزة والكسائى ترى بضم التاء وكسر الراء ماذا تشير: وانما أخبره ليعلم صبره على أمر الله تعالى وعزيمته على طاعته، وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلا أبا عمرو فانه يميل الراء، قال ابن اسحاق وغيره فلما أمر ابراهيم بذبح ولده قال لابنه يا بنى خذ الحبل والمدية ننطلق الى هذا الشعب نحتطب، فلما خلا ابراهيم بابنه فى شعب ثبير اخبره بنا أمر {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما} انقادا وخضعا لأمر الله تعالى، قال قتادة أسلم ابراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه {وتله للجبين} أى صرعه على الأرض قال ابن عباس أضجعه على جبينه

ص: 256

-[بقية قصة الذبيح وتفسيرها ومن قال انه اسحاق]-

.....

على الأرض، والجبهة بين الجبينين ووضع السكين على حلقه فلم يعمل، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودى يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا: روى ان ذلك المكان عند الصخرة التى بمنىً، وجواب لما محذوف تقديره قبلنا منه {وناديناه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا} أى حققت ما أمرناك به فى المنام من تسليم الولد للذبح {إنا كذلك نجزى المحسنين} تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة {إن هذا لهو البلاء المبين} الاختبار البين الذى يتميز به المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة {وفديناه بذبح عظيم} هو ما يذبح سمينًا ضخم الجثة، وهى السنة فى الأضاحى، روى عن ابن عباس هو الكبش الذى قربه هابيل فقبل منه وكان يرعى فى الجنة حتى فدى به اسماعيل، وعنه لو تمت تلك الذبيحة لصارت سنة وذبح الناس أبناءهم، قال الامام البغوى نظر ابراهيم فاذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبريل وكبر الكبش وكبر ابراهيم وكبر ابنه فأخذ ابراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه قال مجاهد سماه عظيمًا لأنه متقبل، وقال الحسين بن الفضل لأنه كان من عند الله، وقيل عظيم فى الثواب {وتركنا عليه فى الآخرين} أى تركنا له فى الآخرين ثناءًا حسنًا {سلام على ابراهيم كذلك نجزى المحسنين} ولم يقل إنا كذلك هنا كما فى غيره لأنه قد سبق فى هذه القصة فاستخف بطرحه اكتفاءًا بذكره مرة عن ذكره ثانية {انه من عبادنا المؤمنين وبشرناه باسحاق نبيًا من الصالحين} فمن جعل الذبيح اسماعيل قال بشره بعد هذه القصة باسحاق نبيًا جزاء الطاعة، ومن جعل الذبيح اسحاق قال بشر ابراهيم بنبوة اسحاق ورواه عكرمة: وعن ابن عباس قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبئ {وباركنا عليه} يعنى على ابراهيم فى أولاده {وعلى اسحاق} يكون أكثر الأنبياء من نسله، قيل أخرج الله من صلبه الف نبى أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليهم السلام {ومن ذريتهما محسن} مؤمن {وظالم لنفسه} كافر {مبين} ظاهر أو محسن الى الناس وظالم على نفسه بتعديه عن حدود الشرع، وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرف والعنصر فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى ان الظلم فى اعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وان المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاقب على ما اجترحت يداه لا على ما وجد من أصله وفرعه، والى هنا قد انتهى ما أردنا تفسيره من هذه القصة، ويستفاد منها أن الراجح بل المتعين أن الذبيح اسماعيل، قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره وقد حكى البغوى القول بأنه اسحاق عن عمر وعلى وابن مسعود والعباس رضى الله عنهم ومن التابعين عن كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهرى والسدى، قال وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس، وقد ورد فى ذلك حديث لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ولكن لم يصح سنده اهـ (قلت) وحكى البغوى أيضًا القول بأنه اسماعيل عن عبد الله بن عمر قال وهو قول سعيد بن المسيب والشعبى والحسن البصرى ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلى، وهى رواية عطاء بن أبى رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدى اسماعيل، وقال القرظى سأل عمر بن عبد العزيز رجلًا كان من علماء اليهود أسلم وحسن اسلامه أىّ ابنى ابراهيم أمر بذبحه؟ فقال اسماعيل: ثم قال يا أمير المؤمنين ان اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذى أمر الله تبارك وتعالى بذبحه ويزعمون انه اسحاق بن ابراهيم، ومن الدليل عليه ان قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة فى أيدى بنى اسماعيل الى ان احترق البيت واحترق القرنان فى أيام ابن الزبير والحجاج، قال الشعبى رأيت قرنى الكبش منوطين بالكعبة، وعن ابن عباس قال والذي نفسي

ص: 257

-[قوله تعالى {اجعل الآلهة الهًا واحدًا} الآيات وتفسيرها]-

(سورة ص)(باب اجعل الآلهة الهًا واحدًا) الآية (من ابن عباس)(1) قال مرض أبو طالب فأتته قريش وأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده وعند رأسه مقعد رجل (2) فقام أبو جهل فقعد فيه (3) فقالوا إن ابن أخيك يقع فى الهتنا، قال ما شأن قومك يشكونك؟ قال يا عم أريدهم على كلمة واحدة تدين بها العرب وتؤدى العجم اليهم الجزية: قال ما هى؟ قال لا إله إلا الله، فقاموا فقالوا {اجعل الآلهة الهًا واحدًا} قال ونزل (ص والقرآن ذى الذكر)(4) فقرأ حتى بلغ {ان هذا لشئ عجاب} (5) قال عبد الله (يعنى ابن الإمام أحمد) قال أبى وحدثنا ابو أسامة حدثنا الأعمش حدثنا عباد (6)

بيده لقد كان اول الاسلام وان راس الكبش؟؟؟؟؟؟ بقرنيه فى ميزاب الكعبة وقد وحش يعنى يبس، قال الأصمعى سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح اسحاق كان أو اسماعيل، فقال يا اصيمع أين ذهب عقلك متى كان اسحاق بمكة؟ انما كان اسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه اهـ هذا وفيما نقلناه عن الحافظ ابن كثير فى أول القصة كفاية لمستزيد والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا يحيى عن سفيان حدثنى سليمان يعنى الأعمش عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) يعنى خاليًا (3) الظاهر أن أبا جهل فعل ذلك خشية أن يجلس فيه النبى صلى الله عليه وسلم فيكون له صدارة المجلس ويؤثر على أبى طالب فيرق له، فوثب فجلس فى ذلك المجلس، زاد فى الحديث التالى فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجد مجلسًا إلا عند الباب فجلس (4)(التفسير){ص. والقرآن ذى الذكر} أى البيان والشرف وجواب القسم محذوف، أى ما الأمر كما قال فان كفار مكة من تعدد الآلهة (بل الذين كفروا فى عزة) أى حمية وجاهلية وتكبر عن الحق {وشقاق} خلاف وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم {كم اهلكنا من قبلهم من قرن} يعنى من الأمم الخالية {فنادوا} استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة {ولاة حين مناص} اى ليس الحين حين؟؟؟؟؟؟ القول {وعجبوا} يعنى الكفار الذين ذكرهم الله عز وجل فى قوله بل الذين كفروا {أن جاءهم منذر منهم} يعنى رسولًا من انفسهم ينذرهم {وقال الكافرون هذا ساحر كذاب: اجعل الآلهة إلهًا واحدًا} اى كيف يزعم محمد أن المعبود واحد لا إله إلا هو، أنكر المشركون ذلك قبحهم الله بعد ما فارقوا مجلس أبى طالب كما فى الحديث {إن هذا لشئ عجاب} أى عجيب والعجيب والعجاب واحد: كقولهم رجل كريم وكرام وكبير وكبار وطويل وطوال وعريض وعراض (5) نزلت هذه الآيات بعد قولهم هذا توبيخًا لهم واظهارًا للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يحسر عليه إلا الكافرون المتوغلون فى الكفر المنهمكون فى الغى اذ لا كفر أبلغ من أن يسموا من صدّقه الله كاذبًا ساحرًا ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الابلج ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج (6) اختلف الرواة فى اسم هذا الراوى فسماه سفيان الثورى فى روايته عنه (يحيى بن عمارة) كما والسند المذكور أول الحديث وهذا هو الذى جزم به البخارى وابن حبان ويعقوب بن شيبة، وسماه أبو أسامة عن الأعمش (عبادًا) غير منسوب كما فى هذا السند الأخير، وسماه الأشجعى عن العمش (يحيى بن عباد) والمحفوظ المتداول (يحيى بن عمارة) كما فى السند المذكور أول الباب (تخريجه)(نس مذ ك) وابن أبى حاتم وابن جرير كلهم فى تفاسيرهم من حديث سفيان الثورى عن الأعمش عن يحيى بن عمارة الكوفى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال الترمذى حديث حسن صحيح (قلت) وصححه أيضًا الحاكم وأقره الذهبي والله اعلم

ص: 258

-[قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) وكلام العلماء في ذلك]-

فذكر نحوه، وقال أبي قال الأشجعي يحيى بن عباد (وعنه أيضاً)(1) قال لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط (2) من قريش منهم أبو جهل فقالوا يا أبا طالب ابن أخيك يشتم آلهتنا بقوله ويقول ويفعل ويفعل، فأرسل إليه فانهه: قال فأرسل إليه أبو طالب وكان قرب أبي طالب موضع رجل فخشي إن دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد مجلسا إلا عند الباب فجلس، فقال أبو طالب يا ابن أخي إن قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتك، تقول وتقول وتفعل: فقال: يا عم إنما أريدهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، قالوا: وما هي؟ نعم وأبيك عشرا (قال لا إله إلا الله) قال: فقاموا وهم ينفضون ثيابهم وهم يقولون (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب)(3) قال ثم قرأ حتى بلغ (لما يذوقوا عذاب)(4)(سورة الزمر)(باب إنك ميت وإنهم ميتون)(عن الزبير بن العوام)(5) قال لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك ميت وإنهم ميتون (6) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (7) قال الزبير رضي الله عنه أي رسول الله

(1)(سنده) حدثنا حماد بن أسامة قال سمعت الأعمش قال حدثنا عباد بن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(7) الرهط هم عشيرة الرجل وأهله، والرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا XXX فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع (3) تقدم تفسير هذه الآية مع ما قبلها من أول السورة في شرح الحديث السابق (4) زاد في هذه الرواية قال ثم قرأ حتى بلغ لما يذوقوا عذاب) وإليك تفسير هذه الزيادة وانطلق الملأ منهم وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم وانطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب يقول بعضهم لبعض (أن امشوا) وأن بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التفاؤل لا بد من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم متضمنا معنى القول (واصبروا على آلهتكم) أي اثبتوا على عبادة آلهتكم ولا تستجيبوا لما يدعوكم غليه محمد من التوحيد (إن هذا بشيء يراد) قال ابن جرير إن هذا الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم أتباع ولسنا نجيبه إليه (ما سمعنا بهذا) اي بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد (في الملة الآخرة) قال ابن عباس والكلبي ومقاتل يعنون النصرانية لأنها آخر الملل وهم لا يوحدون وهم لا يوحدون بل يقولون ثالث ثلاثة، وقال مجاهد وقتادة يعنون ملة قريش ودينهم الذي هم عليه (إن هذا أي ما هذا (الا اختلاق) أي كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه (أأنزل عليه الذكر) القرآن (من بيننا) وليس بأكبرنا ولا أشرفنا يقوله أهل مكة قال الله عز وجل (بل هم في شك من ذكري) أي وحي وما أنزلت (بل لم يذوقوا عذاب) أي لم يذوقوا عذاب، ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول، والمعنى أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب فيصدقون حينئذ (تخريجه) تقدم الكلام على من خرجه في الحديث السابق وهو حديث صحيح (باب)(5)(سنده) حدثنا ابن نمير حدثنا محمد يعني ابن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله ابن الزبير بن العوام الخ (6)(التفسير)(إنك ميت) أي ستموت (وإنهم ميتون) أي سيموتون، قال الفراء والكسائي الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت، والميت بالتخفيف من فارقه الروح ولذلك لم يخفف ما هنا (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) قال الحافظ ابن كثير معنى الآية إنكم

ص: 259

-[قوله تعالى {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم}]-

أيكرر علينا ما كان فى الدنيا (1) مع خواص الذنوب؟ قال نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى الى كل ذى حق حقه، فقال الزبير والله ان الأمر لشديد (وعنه أيضًا)(2) قال لما نزلت {ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قال الزبير أى رسول الله مع خصومتنا فى الدنيا؟ قال نعم، ولما نزلت {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} قال الزبير أى رسول الله أى نعيم نسأل عنه (3) وانما يعنى هما الأسودان التمر والماء، قال أما ان ذلك سيكون (4)(باب قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الآية (عن ثوبان)(5) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أحب أن لى الدنيا وما فيها بهذه الآية {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم (6) لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعًا أنه هو الغفور الرحيم} فقال رجل

تنتقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى فى الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه فى الدنيا من التوحيد والشرك بين يدى الله عز وجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم، فينجى المؤمنين المخلصين الموحدين، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين، ثم ان هذه الآية وان كان سياقها فى المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم فى الدار الآخرة فانها شاملة لكل متنازعين فى الدنيا، فانها تعاد عليهم الخصومة فى الدار الآخرة (1) جاء عند الترمذى بلفظ أتكرر علينا الخصومة بعد الذى كان بيننا فى الدنيا) يعنى من المحبة والاخاء لأنهم كانوا فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثم وفاق ولم يدر الزبير ما سيحصل من الخصومات بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والحديث عام يشمل عصره صلى الله عليه وسلم وما بعده، ولذلك قال أبو سعيد فى هذه الآية كنا نقول ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا، وعن ابراهيم قال لما نزلت قالوا كيف نختصم ونحن إخوان فلما قتل عثمان قالوا هذه خصومتنا (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للإمام احمد وقال رواه الترمذى من حديث محمد بن عمرو به وقال حسن صحيح (قلت) ورواه أيضًا الحاكم فى المستدرك وصححه وأقره الذهبى (2)(سنده) حدّثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن الزبير عن الزبير قال لما نزلت الخ (غريبه)(3) معناه لسنا فى نعيم فان معيشتنا التمر والماء (4) أى سيكون ذلك لأصحاب النعيم (تخريجه) أورد الحافظ ابن كثير الشطر الأول منه فى تفسيره وعزاه لابن أبى حاتم، ثم قال وكذا رواه احمد عن سفيان وعنده زيادة {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} فذكر الشطر الثانى الى آخر الحديث: ثم قال وقد روى هذه الزيادة الترمذى وابن ماجه من حديث سفيان به وقال الترمذى حسن اهـ (قلت) هذه الزيادة رواها الترمذى حديثًا مستقلًا فى تفسير سورة ألهاكم التكاثر وقال حديث حسن وروى الشطر الأول منه حديثًا مستقلًا فى تفسير هذه السورة اعنى الزمر وكلاهما بسند حديث الباب، لكنه قال فى الشطر الأول حديث حسن صحيح والله اعلم (باب)(5)(سنده) حدّثنا حسن وحجاج قالا ثنا ابن لهيعة ثنا أبو قبيل قال سمعت أبا عبد الرحمن المرى يقول، قال حجاج عن أبى قبيل حدثنى أبو عبد الرحمن الجبلانى انه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (6)(التفسير){قل يا عبادى} بسكون الياء بصرى وحمزة وعلى {الذين أسرفوا على أنفسهم} جنوا عليها بالاسراف فى المعاصى والغلو فيها {لا تقنطوا} لا تيأسوا وبكسر النون على وبصرى {من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} بالعفو عنها إلا الشرك {إنه هو

ص: 260

-[قوله تعالى {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته} الخ]-

يا رسول الله فمن أشرك فسكت النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال إلا (1) من أشرك ثلاث مرات (باب وما قدروا الله حق قدره) الآية (عن ابن عباس)(2) قال مر يهودى بالنبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس قال كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه (3) وأشار بالسبابة: والأرض على ذه: والماء على ذه: والجبال على ذه: وسائر الخلق على ذه: كل ذلك يشير بأصابعه (4) قال فأنزل الله عز وجل {وما قدروا الله حق قدره (5)

الغفور} بستر عظائم الذنوب {الرحيم} بكشف فظائع الكروب {وأنيبوا إلى ربكم} توبوا اليه {وأسلموا له} اخلصوا له العمل {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} ان لم تتوبوا قبل نزول العذاب (قال الحافظ ابن كثير) هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم الى التوبة والإنابة واخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها وان كانت مهما كانت وان كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه، ثم ذكر حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا واكثروا فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا ان الذى تقول وتدعو اليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل {والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق}: الى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فاؤلئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} الخ: ونزل {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} أخرجه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى، قال والمراد من الآية الأولى قوله إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا الآية، ثم قال بعد ذكر أحاديث أخرى ما لفظه، فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد انه يغفر جميع ذلك مع التوبة، ولا يقنطن عبد من رحمة الله وان عظمت ذنوبه وكثرت فان باب الرحمة والتوبة واسع اهـ (1) هكذا جاء فى الأصل بلفظ إلا اداة الاستثناء وكذلك فى مجمع الزوائد: وجاء فى تفسيرى الحافظ بن كثير والطبرى بلفظ (ألا) بفتح الهمزة التى هى للتنبيه {ومن أشرك} وعلى كلا اللفظين لابد من التوبة فان كان مشركًا وأسلم تائبًا أو مسلمًا عاصيًا ثم تاب غفر الله له بالتوبة والانابة اليه (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الأوسط واحمد بنحوه وقال إلا من أشرك ثلاث مرات وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن اهـ (قلت) وحديثه هنا حسن لنه صرح بالتحديث، ورواه أيضًا الطبرى فى تفسيره (باب)(2)(سنده) حدّثنا حسين بن حسن الأشقر حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن أبى الضحى عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) يعنى يوم القيامة (وذه) بكسر المعجمة وسكون الهاء وبكسرها باختلاس وباشباع اسم اشارة للمؤنث ومثلها (ته)(4) جاء فى هذا الحديث عند الترمذى من طريق محمد بن الصلت عن أبى كدينة بسند حديث الباب بعد قوله وسائر الخلق على ذه ما لفظه (وأشار محمد بن الصلت أبو جعفر بخنصره أولًا ثم تابع حتى بلغ الابهام)(5)(التفسير){وما قدروا الله حق قدره} وما عظموه حتى عظمته حين أشركوا به غيره وهو العظيم الذى لا أعظم منه، القادر على كل شئ المالك لكل شئ وكل شئ تحت قهره وقدرته، ثم نبههم على عظمته وجلالة شانه بقوله {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} هذه الآية من آيات الصفات التى نؤمن بها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه كما هو مذهب السلف رضى الله عنهم، قال الإمام

ص: 261

-[كلام العلماء فى قوله تعالى {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة} الخ]-

(عن عبد الله)(1) قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب (2) فقال يا أبا القاسم أبلغك أن الله عز وجل يحمل الخلائق على إصبع، والسماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع (3) فضحك النبى صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه (4) فأنزل الله عز وجل {وما قدروا الله حق قدره} (5) الآية

النسفي في تفسيره والمراد بهذا الكلام اذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين الى جهة حقيقة أو جهة مجاز، والمراد بالأرض الأرضون السبع يشهد لذلك قوله (جميعًا) وقوله (السماوات) ولأن الموضع موضع تعظيم فهو مقتضى للمبالغة، والأرض مبتدأ وقبضته الخبر منصوب على الحال أى والأرض إذا كانت مجتمعة قبضته يوم القيامة، والقبضة المرة من القبض، والقبضة المقدار المقبوض بالكف ويقال أعطنى قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر وكلا المعنيين محتمل، والمعنى والأرضون جميعًا قبضته أى ذوات قبضته بقبضهن قبضة واحدة يعنى أن الأرضين مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته كأنه يقبضها قبضة بكف واحد اهـ (والمطويات) من الطيى الذى هو ضد النشر كما قال {يوم تطوى السماء كطى السجل للكتب} وعادة طاوى السجل أن يطويه بيمينه {سبحانه وتعالى عما يشركون} أى ما أبعد من هذه قدرته وعظمته وما أعلاها عما يضاف اليه من الشركاء (تخريجه) (مذ) عن الدارمى عن محمد بن الصلت عن أبى كدينة بسند حديث الباب: وقال الترمذى حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو كدينة اسمه يحيى بن المهلب ورأيت محمد بن اسماعيل روى هذا الحديث عن الحسن بن شجاع عن محمد بن الصلت اهـ (قلت) وفى اسناده عند الامام احمد حسين بن حسن الأشقر قال ابن أبى حاتم ليس بقوى وقال البخارى فيه نظر، وقال الحافظ فى التقريب صدوق يهم ويغلو فى التشبع (قلت) يعضده رواية الترمذى فليس فى اسنادها حسين المذكور ويعضده أيضًا حديث ابن مسعود الآتى (1)(سنده) حدّثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) الخ (2) فى رواية الترمذى جاء يهودى إلى النبى صلى الله عليه وسلم وفى رواية للشيخين (جاء حبر من الأحبار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبر بفتح الحاء المهملة عالم من علماء اليهود قال الحافظ لم أقف على اسمه (فقال يا محمد إنا نجد) أى فى التوراة (أن الله يجعل السماوات على اصبع الحديث (3) لفظ الإصبع الوارد فى هذا الحديث من المتشابه الذى نؤمن به كما جاء ونكل علمه إلى الله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل، وقد ثبت فى الصحيح (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن) رواه مسلم والامام احمد وغيرهما (4) بالجيم والذال المعجمة أى أنيابه وهى الضواحك التى تبدو عند الضحك وقد جاء عند البخارى فضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، وجاء عند مسلم (تعجبًا بما قال الحبر وتصديقًا له)(5) جاء عند البخارى ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قدروا الله حق قدره- وقراءته صلى الله عليه وسلم هذه الآية تدل على صحة قول الحبر كضحكة (قال النووى) ظاهر الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم صدق الحبر فى قوله ان الله تعالى يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الآية التى فيها الإشارة الى نحو ما يقول، قال القاضى وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه صلى الله عليه وسلم وتعجبه وتلاوته للآية تصديقًا للحبر بل هو رد لقوله وانكار وتعجب من سوء اعتقاده، فان مذهب اليهود التجسيم ففهم منه ذلك: وقوله تصديقًا له إنما هو من

ص: 262

-[الأسلم عدم تأويل آيات الصفات المتشابهة والإيمان من غير تشبيه]-

(عن ابن عمر)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)(2) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ويحركها يقبل ويدبر (3) يمجد الرب نفسه، أنا الجبار (4) أنا المتكبر أنا الملك أنا العزيز أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر (5) حتى قلنا ليخزن به

(سورة فصلت)(باب وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم الخ)(عن عبد الله) قال كنت مستتراً بستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان أو ثقفي

_________

كلام الرواي على ما فهم والأول أظهر اهـ وقال التميمي XXX فيه وأتى في معناه ما لم يأت به السلف، والصحابة كانوا أعلم بما رووه وقالوا إنه ضحك تصديقاً له، في السنة الصحيحة (ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن اهـ وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار فقال بعد أن آووه هذا الحديث في كتاب التوحيد من صحيحه بطريقه قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف به بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الغنكار والغضب على الواصف ضحكاً بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته اهـ إذا تقرر هذا فهو من المتشابه كغيره XXX واليدين والقدم والرجل والجنب في قوله تعالى أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله والأسلم أننا نفرض معناه المراد إلى الله عز وجل على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح في اعتقادنا المراد XXX والتفويض مذهب السلف والله أعلم (يخريجه) (ق مذ نس) (1) (سنده) حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا إسحاق بن عبد الله يعني ابن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر الخ (غريبه) (2) تقدم تفسير هذه الآية في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (3) جاء عند مسلم (ويقبض) أصابعه ويبسطها) قال القاضي عياض وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية المبسوط والمقبوض وهو السماوات والأرضون: لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى، ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة (4) أنا الجبار الخ قال الأبي يحتمل أن يخاطب بذلك الملائكة عليهم السلام أو يخاطب به ذاته كقوله تعالى:(لمن الملك اليوم لله الواحد القهار)(5) جاء عند مسلم (حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول XXX هو برسول الله صلى الله عليه وسلم (قال النووي) وقوله في المنبر (يتحرك من أسفل شيء منه) أي من أسفله إلى أعلاه لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة (قال القاضي عياض) ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسمعه كما حن الجذع: ثم قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل: ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق، فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى، وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به، ولم نقطع على أحد معنييه بعد تنزيهه، سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى وبالله التوفيق (تخريجه)(ق نس جه جه بز)(باب)(6)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن

ص: 263

-[قوله عز وجل {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة فى القربى}]-

وختناه (1) قرشيان كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم (2) فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم أترون (3) الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الاخر أرانا (4) اذا رفعنا أصواتنا سمعه واذا لم نرفعها لم يسمع، فقال الآخر ان سمع منه شيئًا سمعه كله (5) قال فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} (6) الى قوله {ذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} (سورة الشورى)(باب قل لا أسألكم عليه أجرًا الا المودة فى القربى)(عن ابن عباس)(7) وقد سئل عن معنى قوله عز وجل {قل لا أسألكم عليه أجرًا الا المودة فى القربى} فقال سعيد بن جبير قرابة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (8) قال ابن عباس عجلت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش الا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة فنزلت

عبد الله (يعني ابن مسعود) الخ (غريبه)(1) بفتح الخاء المعجمة والفوقية بعدها نون كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ وهم الاختان بفتح الهمزة، وأو للشك من الراوى واخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود بلفظ ثقفى وختناه قرشيان فلم يشك (قال البغوى) قيل الثقفى عبد يا ليل وختناه قرشيان ربيعة وصفوان بن أمية (2) فيه اشارة الى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة قال الشافعى ما رأيت سمينًا عاقلًا إلا محمد بن الحسن (3) بضم التاء الفوقية أى أتظنون (4) بضم الهمزة أى أظننا الخ (5) قال الحافظ فيه اشعار بأن هذا الثالث افطن أصحابه، واخلق به أن يكون صفوان بن أمية أو الاخنس بن شريف لانهما أسلما بعد ذلك (6)(التفسير){وما كنتم تستترون ان يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} معناه انكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش، وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لانكم تنكرون البعث والقيامة (ولكن) ذلك الاستنار لاجل انكم {ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما كنتم تعملون} من الاعمال التى تخفونها فلذلك اجترأتم على ما فعلتم، وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغى أن يتحقق انه لا يمر عليه حال إلا وعليه رقيب {وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أرداكم} أى ذلك الظن هو الذى اهلككم {فأصبحتم من الخاسرين} أى فى مواقف القيامة: وهذا آخر الحديث، ثم قال عز وجل {فان تصبروا} على العذاب لم ينفعهم الصبر ولم ينفكوا به من الثواء فى النار {وان يستعتبوا فما هم من المعتبين} أى وان يطلبوا الرضا فماهم من المرضيين وإن يسألوا العتبى وهى الرجوع جزمًا مما هم فيه لم يعتبوا أى لم يعطوا العتبى ولم يجابوا اليها (تخريجه) (ق مذ نس طل) والبغوى (باب) (7) (سنده) حدّثنا يحيى عن شعبة حدثنى عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال أتى ابن عباس رجل فسأله: وسليمان بن داود قال أخبرنا شعبة أنبأنى عبد الملك قال سمعت طاوسًا يقول سأل رجل ابن عباس المعنى عن قوله عز وجل قلا لا أسألكم الخ (غريبه)(8) لفظ البخارى فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم فحمل الآية على أمر المخاطبين بأن يودوا أقاربه صلى الله عليه وسلم وهو عام لجميع المكلفين (قال ابن عباس عجلت) بفتح العين المهملة وكسر الجيم وسكون اللام أى أسرعت فى تفسيرها: ثم قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، وقال فى آخر الحديث إلا أن تصلوا قرابة ما بينى وبينكم، فحمل الآية على ان توادوا النبى صلى الله عليه وسلم واهل قرابته الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم ولم يقل الا المودة للقربى لأنهم جعلوا مكانًا للمودة ومقرًا لها

ص: 264

-[قوله عز وجل {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الآية وتفسيرها]-

{قل لا أسألكم عليه أجرًا الا المودة فى القربى} (1) إلا أن تصلوا قرابة ما بينى وبينكم (باب وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم الخ)(عن أبى سخيلة)(2) قال قال علىّ رضى الله عنه ألا أخبركم بأفضل آية فى كتاب الله تعالى (3) حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم (4) ويعفو عن كثير} (5) وسأفسرها لك يا على: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء فى الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أكرم من أن يثنى عليهم العقوبة فى الآخرة: وما عفا الله تعالى عنه فى الدنيا فالله تعالى أحلم من أن يعود بعد عفوه (6)

(1)(التفسير){قل لا أسألكم عليه أجرًا الا المودة فى القربى} القربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد فى أهل القربى، قال الحافظ ابن كثير أى قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه، وانما اطلب منكم ان تكفوا شركم عنى وتذرونى أبلغ رسالات ربى ان لم تنصرونى فلا تؤذونى بما بينى وبينكم من القرابة، ثم ذكر حديث الباب وعزاه للبخارى والامام احمد، وهو يفيد انهم يوادون النبى صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التى بينه وبينهم فهو خاص بقريش ويؤيده أن السورة مكية، قال وهكذا روى عامر الشعبى والضحاك وعلى بن أبى طلحة والعوفى ويوسف ابن مهران وغير واحد عن ابن عباس رضى الله عنهما مثله، وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدى وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم اهـ وروى ابن أبى حاتم أنه لما نزلت قيل يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال فاطمة وولدها، قال الحافظ ابن كثير إسناده ضعيف فيه مبهم لا يعرف عن شيخ شيعى مخرف وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره فى هذا المحل، وذكر نزول الآية فى المدينة بعيد فانها مكية، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضى الله عنها أولاد بالكلية فانها لم تتزوج بعلى رضى الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة (قال) والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس كما رواه عنه البخارى (يعنى حديث الباب) قال ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم فانهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وذريته رضى الله عنهم أجمعين (تخريجه) الحديث رواه الامام أحمد باسنادين أحدهما عن يحيى القطان عن شعبة والثانى عن أبى داود الطيالسى وكلاهما صحيح وأخرجه أيضًا البخارى والبغوى (باب) (2) (سنده) حدّثنا مروان بن معاوية الفزازى أنبأنا الأزهر ابن راشد الكاهلى عن الخضر بن الفواس عن أبى سخيلة الخ (غريبه) (3) أى أرجى آية يفرح بها المسلم (4) أى مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فانما هى سيئات تقدمت لكم (5) {ويعفو عن كثير} أى من السيئات فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها أو عن كثير من الناس فلا يعاجلهم بالعقوبة قال تعالى:{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} وفى الحديث الصحيح (والذى نفس محمد بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها) وقال عكرمة ما من نكبة أصابت عبدًا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها أو درجة لم يكن الله ليبلغه إلا بها (6) هذا تفسير النبى صلى الله عليه وسلم وليس بعد تفسيره تفسير (تخريجه) أورده الهيثمي

ص: 265

-[قوله تعالى {ولما ضرب ابن مريم مثلًا} الآيات وتفسيرها]-

(سورة الزخرف)(باب ولما ضرب ابن مريم مثلًا) الآية (عن أبى يحيى)(1) مولى بن عقيل الأنصارى قال قال ابن عباس لقد علمت آية من القرآن ما سألنى عنها رجل قط، فما أدرى أعلمها الناس فلم يسألوا عنها، أو لم يفطنوا لها فيسألوا عنها، ثن طفق يحدثنا فلما قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها: فقلت أنا لها إذا راح غدا، فلما راح الغد قلت يا ابن عباس ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط فلا تدرى أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها: فقلت أخبرنى عنها وعن اللاتى قرأت قبلها؟ قال نعم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش يا معشر قريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير: وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى بن مريم وما تقول فى محمد (2) صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألست تزعم أن عيسى كان نبيًا وعبدًا من عباد الله صالحًا، فلئن كنت صادقًا فان الهتهم لكما يقولون (3) قال فأنزل الله عز وجل {ولما ضرب ابن مريم مثلًا اذا قومك منه يصدون} (4) قال قلت ما يصدون؟ قال يضجون (وإنه لعلم للساعة) قال هو خروج عيسى بن مريم عليه

وقال رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال فالله أكرم من ان يثنى عليكم العقوبة يدل عليهم وفيه أزهر بن راشد وهو ضعيف اهـ (قلت) ورواه أيضًا ابن أبى حاتم والبغوى وأورده الحافظ السيوطى فى الدر المنثور وعزاه لابن راهويه وابن منيع وعبد بن حميد والحكيم الترمذى وابن المنذر وابن مردويه والحديث له طرق كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا هاشم ابن القاسم حدثنا شيبان عن عاصم عن أبى رزين عن أبى يحيى مولى بن عقيل الخ (قلت) أبو يحيى هو المعرقب بفتح القاف اسمه مصدع كمبر (غريبه)(2) أى وما تقول النصارى فى محمد من عدم تصديقهم بنبوته (3) يريدون أن عيسى ابن الله: تعالى الله عن ذلك (4)(التفسير) قرأ نافع وابن عامر والكسائى وأبو جعفر وخلف (يصدون) بضم الصاد ووافقهم الحسن والأعمش: أى يصدون عن الحق ويعرضون عنه: وقرأ الباقون بكسرها أى يضجون ويعجبون، وهى قراءة ابن عباس أيضًا وفسرها بذلك، وسبب نزول هذه الآية أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قرأ على قريش {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} فغضبوا فقال ابن الزبعرى يا محمد اخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال: لست تزعم أن عيسى بن مريم نبى وتثنى عليه وعلى أمه خيرًا وقد علمت أن النصارى يعبدونهما؟ وعزيز يعبد والملائكة يعبدون؟ فلو كان هؤلاء فى النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ففرحوا وضحكوا: وسكت النبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} ونزلت هذه الآية، والمعنى ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى بن مريم مثلًا لآلهتهم وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه (إذا قومك) يعنى قريشًا (منه) من هذا المثل (يصدون) يرتفع لهم ضجيج وجلبة فرحًا وضحكًا بما سمعوا منه من إسكات النبى صلى الله عليه وسلم بجدله (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، فاذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا هنا (ما ضربوه) أى ما ضربوا هذا المثل (لك إلا جدلًا) إلا لأجل الجدل والغلبة فى القول لا لطلب التميز بين الحق والباطل {بل هم قوم خصمون} ؟؟؟؟؟؟ الخصومة، وذلك أن قوله تعالى {إنكم وما تعبدون} لم يرد به إلا الأصنام، لأن ما لغير العاقل، إلا أن ابن الزبعرى يخادعه لما رأى كلام الله محتملًا لفظه وجه العموم مع

ص: 266

-[قوله تعالى {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} الآية وتفسيرها]-

السلام قبل يوم القيامة (باب ونادوا يا مالك الخ)(عن يعلى بن أمية)(1) قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول (ونادوا يا مالك)(2)(سورة الدخان)(باب فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين الخ)(عن مسروق)(3) قال بينا رجل يحدث فى المسجد الأعظم (4) قال اذا كان يوم القيامة نزل دخان من السماء فأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم وأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام قال مسروق فدخلت على عبد الله (يعنى ابن مسعود) فذكرت ذلك له وكان متكئًا فاستوى جالسًا فأنشا يحدث فقال يا أيها الناس: من سئل منكم عن علم هو عنده فليقل به، فان لم يكن عنده فليقل الله أعلم، فان من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم: إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل ما أسألكم

علمه بأن المراد به أصنامهم لا غير، وجد للحيلة مساغًا فصرف اللفظ إلى الشمول وإلا XXX بكل معبود غير الله على طريق اللجاج والجدال وحب المغالبة والمكابرة، فتوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه (إن هو) ما عيسى (إلا عبد) كسائر العبيد أنعمنا عليه بالنبوة وجعلناه) بوجوده من غير أب {مثلًا لبنى اسرائيل} أى صيرناه عبرة عجيبة كالمثل لغرابته يستدل به على قدرة الله تعالى {ولو نشاء لجعلنا منكم} أى ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلًا منكم {ملائكة فى الأرض يخلفون} يكونون خلفًا منكم يعمرون الأرض ويعبدوننى، وقيل يخلف بعضهم بعضًا يعنى الملائكة {وإنه لعلم للساعة} أى وإن عيسى مما يعلم بنزوله مجئ الساعة، وقرأ ابن عباس لعلم بفتح العين واللام وهو العلامة (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى بنحوه إلا أنه قال فان كنت صادقًا فانه لكآلهتهم وفيه عاصم بن بهدلة وثقه أحمد وغيره وهو سئ الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح (قلت) ورواه أيضًا ابن أبى حاتم وابن مردويه وعاصم ثقة من رجال الكتب الستة (باب)(سنده) حدّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو يعنى ابن دينار عن عطاء عن صفوان عن أبيه (يعنى يعلى بن أمية الخ)(2)(التفسير) أول الكلام (إن المجرمين) أى المشركين {فى عذاب جهنم خالدون لا يفتَّر عنهم} أى لا يخفف عنهم ولا ينقص ساعة واحدة (وهم فيه) فى العذاب (مبلسون) آيسون من الفرج متحيرون (وما ظلمناهم) بالعذاب {ولكن كانوا هم الظالمين} أى بأعمالهم السيئة بعد إقامة الحجة عليهم وإرسال الرسل اليهم فجوزوا بذلك جزاءًا وفاقًا وما ربك بظلام للعبيد {ونادوا يا مالك} يدعون خازن النار لما أيسوا من فتور العذاب، وقيل لابن عباس إن ابن مسعود قرأ يا مال فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم {ليقض علينا ربك} أى ليمتنا، من قضى عليه إذا أماته: فوكزه موسى فقضى عليه: والمعنى سل ربك أن يقضى علينا أى يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه فانهم كما قال تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك {قال إنكم ماكثون} أى لابثون فى العذاب لا تتخلصون عنه بموت ولا فتور، قال ابن عباس مكث ألف سنة ثم قال إنكم ماكثون رواه ابن أبى حاتم (تخريجه)(خ) وأخرج الحاكم عن ابن عباس فى قوله عز وجل {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال مكث عنهم ألف سنة ثم قال انكم ماكثون} وصححه الحاكم وأقره الذهبى (باب)(3)(سنده) حدّثنا وكيع وابن نمير قالا ثنا الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق الخ (قلت) أبو الضحى اسمه مسلم بن صبيح ومسروق هو ابن الأجدع (غريبه)(4) يعنى مسجد الكوفة عند أبواب كندة بكسر الكاف كما جاء فى بعض

ص: 267

-[قوله تعالى {فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين} الآيات وتفسيرها]-

عليه من أجر (1) وما أنا من المتكلفين} (2) إن قريشًا لما غلبوا النبى صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال اللهم أعنى عليهم بسبع (3) كسبع يوسف قال فاخذتهم سنة (4) أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد (5) حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان (6) من الجوع فقالوا {ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون} قال فقيل له (7) انا ان كشفنا عنهم عادوا: فدعا ربه فكشف عنهم (8) فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر (9) فذلك قوله تعالى {فارتقب (10) يوم تأت السماء بدخان مبين} ((الى قوله)) {يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون} قال ابن نمير فى حديثه فقال عبد الله

الروايات (1) أي ما أسألكم عن تبليغ الرسالة من أجر أى جعل تعطونيه من عرض الدنيا (2) أى المتقولين القرآن من تلقاء نفسى، وكل من قال شيئًا من تلقاء نفسه فقد تكلفه: بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه، وفى قول ابن مسعود هذا وفيما قبله تعريض بالرجل الذى يحدث فى المسجد يقول اذا كان يوم القيامة نزل دخان من السماء الخ فأنكر ابن مسعود ذلك وقال ان قريشًا لما غلبوا النبى صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه (أى أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك) قال اللهم أعنى عليهم الخ (3) أى بسبع سنين فيها حدب وقحط كسبع يوسف (4) بفتح السين المهملة وهى الجدب والقحط (5) بفتح الجيم أى من المشقة والجوع (6) جاء فى رواية للبخارى والترمذى وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان وللبخارى رواية أخرى كما هنا: قال الحافظ ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان مبدؤه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض بحسب تخليهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع، وجاء فى رواية أخرى للامام أحمد عقب هذه الجملة (فأتاه أبو سفيان فقال أى محمد إن قومك قد هلكوا فادع الله عز وجل أن يكشف عنهم، قال فدعائم قال اللهم ان يعودوا فعد: ثم قرأ هذه الآية {فارتقب يوم تأت السماء بدخان مبين} (7) أى قيل للنبى صلى الله عليه وسلم بطريق الوحى (8) إنما دعا ربه عز وجل بالكشف عنهم بعد أن أعلمه أنهم يعودون ليكون عودهم حجة عليهم (9) هذا قول ابن مسعود واحتج بهذه الآيات وليس فيها تعيين لما قال بل هى محتملة (وإليك ما قاله علماء السلف فى تفسيرها)(10)(التفسير)(فارتقب) أى فأنتظر {يوم تأتى السماء بدخان} يأتى دخان من السماء قبل يوم القيامة يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وبنفخ الكافر حتى ينفد، يدل على ذلك ما رواه الطبرانى وابن جرير من حديث أبى مالك الأشعرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربكم أنذركم ثلاثًا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة والثالثة الدجال: أورده الحافظ ابن كثير وجوّد إسناده: وروى عن ابن عباس وابن عمر وزيد بن على والحسن انه دخان يجئ قبل الساعة، وقال ابن مسعود إنه دخان أصاب قريشًا حينما استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فى حديث الباب (مبين) أى بين واضح يراه كل أحد ولا يشك فى أنه دخان: قال الحافظ ابن كثير وعلى ما فسر به ابن مسعود انما هو خيال رأوه فى أعينهم من شدة الجوع والجهد وهكذا قوله تعالى {يغشى الناس} أى يتغشاهم ويعميهم ولو كان أمرًا خياليًا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه يغشى الناس وقوله تعالى {هذا عذاب أليم} أى يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا أو يقول بعضهم لبعض ذلك وقوله تعالى {ربنا اكشف عنا العذاب} أى يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم {انا مؤمنون} أي سنؤمن

ص: 268

-[اختلاف العلماء فى الدخان هل وقع فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم أو يأتى يوم القيامة؟]-

فلو كان يوم القيامة ما كشف عنهم (سورة الأحقاف)(باب قل أرأيتم ما تدعون من دون الله) الآية (حدّثنا يحيى)(1) عن سفيان ثنا صفوان بن سليم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس قال سفيان لا أعلمه الا عن النبى صلى الله عليه وسلم (أو أثرة (2) من علم)

إن تكشف عنا العذاب (أنى لهم الذكرى) كيف يذكرون ويتعظون ويوفون بما وعدوه من الايمان عند كشف العذاب {وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} يقول كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا اليهم رسولًا بيِّن الرسالة جاءهم بما هو أعظم وأدخل فى وجوب التذكر من كشف الدخان وهو ما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات من الكتاب المعجز فلم يذكروا وتولوا عنه وبهتوه بان عداسًا غلامًا أعجميًا لبعض ثقيف هو الذى علمه ونسبوه الى الجنون {انا كاشفوا العذاب قليلًا} زمانًا قليلًا أو كشفًا قليلًا، قال ابن مسعود فى حديث الباب فلو كان يوم القيامة ما كشف عنهم يعنى الدخان {انكم عائدون} أى إلى الكفر الذى كنتم فيه على قول ابن مسعود أو الى العذاب على قول غيره، جاء فى رواية أخرى للامام أحمد من حديث ابن مسعود أيضًا قال فاتى (بضم الهمزة وكسر التاء) رسول الله صلى الله عليه وسلم (تقدم أن الذى أتاه هو أبو سفيان) فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فانهم قد هلكوا قال فدعا لهم فانزل الله عز وجل {انا كاشفوا العذاب} فلما أصابهم المرة الثانية عادوا فنزلت {يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون} يوم بدر وهو يفيد أن كفار مكة ابتلوا بالدخان والجدب فلما عادوا لكفرهم انتقم الله منهم بالبطشة الكبرى وهى وقعة بدر، هذا تفسير ابن مسعود قال الحافظ ابن كثير وقوله تعالى {انا كاشفوا العذاب قليلًا انكم عائدون} يحتمل معنيين (أحدهما) أنه يقول تعالى ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا عدتم الى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا فى طغيانهم يعمهون} وكقوله جلت عظمته {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون} (والثانى) أن يكون المراد انا مؤخروا العذاب عنكم قليلًا بعد انعقاد أسبابه ووصوله اليكم وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى {الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين} ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم قال وقوله عز وجل {يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون} فسر ذلك ابن مسعود رضى الله عنه بيوم بدر، وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسير الدخان بما تقدم، وروى أيضًا عن ابن عباس من رواية العوفىّ عنه وعن أبى بن كعب وهو محتمل، والظاهر أن ذلك يوم القيامة وان كان يوم بدر يوم بطشة أيضًا (قال ابن جرير) حدثنى يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال قال ابن عباس قال ابن مسعود البطشة الكبرى يوم بدر: وأنا أقول هى يوم القيامة وهذا إسناد صحيح عنه: وبه يقول الحسن البصرى وعكرمة فى أصح الروايتين عنه والله أعلم اهـ (قلت) تقدم للعلماء كلام فى هذه المسألة والجمع بين كلام ابن مسعود ومن خالفه ذكرته مبسوطًا فى باب (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) من تفسير سورة السجدة فى هذا الجزء صحيفة 232 رقم 377 فارجع اليه ترى ما يسرك والله الموفق (تخريجه)(ق مذ نس) وابن جرير وابن أبى حاتم (باب)(1)(حدثنا يحيى الخ)(غريبه)(2) هكذا بالأصل (أو أثرة) كقترة وفجرة وهى قراءة على وابن عباس بخلاف

ص: 269

-[قوله تعالى {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أرونى} الخ وتفسير ذلك]-

قال الخط (1)(باب قل أرأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به) الآية (عن عوف بن مالك)(2) قال انطلق النبى صلى الله عليه وسلم يومًا وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم فكرهوا دخولنا عليهم: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود أنبأنا اثنا عشر رجلًا (3) يشهدون أنه لا اله الا الله وأن محمدًا رسول الله يحبط (4) الله عن كل يهودى تحت أديم السماء الغضب الذى غضب عليه (5) قال فاسكتوا ما جاوبه منهم أحد، ثم رد عليهم (6) فلم يجبه أحد، ثم ثلث فلم يجبه أحد، فقال أبيتم

عنهما وزيد بن على وعكرمة وقتادة والحسن والسلمى والأعمش وعمرو بن ميمون (وقرأها أثرة؟؟؟؟؟؟ المثلثة كثمرة) على والسلمى وقتادة أيضًا، حكاه ابن حبان فى تفسير البحر، وقراءة الجمهور المتواترة أثارة بألف بعد المثللثة كسحابة ومعناه البقية (قال ابن جرير) حدثنا أبو كريب قال سئل أبو بكر يعنى ابن عياش عن أثارة من علم قال بقية من علم لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، قال ابن جرير فأما من قرأه أو أثرة يعنى بغير ألف بعد المثلثة فانه جعله أثرة من الأثر كما قيل قترة وغبرة، وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأه أو أثرة بسكون الثاء مثل الرجفة والخطفة، واذا وجه ذلك الى ما قلنا فيه من أنه بقية من علم جاز أن تكون تلك البقية من علم الخط ومن علم استثير من كتب الأولين ومن خاصة علم كانوا أو ثروا به: وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك خبر بانه تأوله بمعنى الخط (قلت يعنى حديث الباب)(1) المراد بالخط هنا علم الرمل وهو أن يخط انسان باصبعه السبابة والوسطى فى الرمل وهو ضرب من الكهانة، انظر حديث أبى هريرة فى باب ما جاء فى العيافة والطرق رقم 340 صحيفة 135 فى الجزء السادس عشر واقرأه مع شرحه تفهم المقصود والله أعلم (هذا) وقوله تعالى {أو أثارة من علم} هذه الجملة هى جزء من آية أولها {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أرونى ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك فى السماوات إيتونى بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم ان كنتم صادقين} (التفسير) (قل أرأيتم) أخبرونى {ما تدعون من دون الله} تعبدونه من الأصنام {أرونى ماذا خلقوا من الأرض} أى شئ خلقوا مما فى الأرض ان كانوا آلهة {أم لهم شرك فى السماوات} شركة مع الله فى خلق السماوات والأرض {إيتونى بكتاب من قبل هذا} أى من قبل الكتاب وهو القرآن: يعنى ان هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وابطال الشرك، وما من كتاب أنزل من قبله من كتب الله الا وهو ناطق بمثل ذلك، فائتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله: أو أثارة من علم أو بقية من علم يؤثر عن الأولين أو يسند اليهم {ان كنتم صادقين} أن الله أمركم بعبادة الأوثان، أى لا دليل لكم لا فعليًا ولا عقليًا والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وعزاه للامام أحمد والطبرانى ثم قال ورجال أحمد رجال الصحيح (باب)(2)(سنده) حدّثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال ثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الخ (غريبه)(3) هكذا بالاصل (يا معشر اليهود أنبأنا اثنا عشر رجلًا يشهدون الخ) ومعناه غير ظاهر وجاء فى مجمع الزوائد وعزاه للطبرانى بلفظ (يا معشر اليهود أرونى اثنى عشر رجلًا منكم يشهدون الخ، وكذلك عند ابن جرير ومعناه ظاهر (4) هكذا بالاصل يحيط ومعناه يبطل: وفى مجمع الزوائد عند الطبرانى يحط بدل يحبط ومعناه الازالة والالقاء أى يزيل من الازالة وهو أظهر (5) يشير الى قوله تعالى {وباءوا بغضب من الله} (6) أى عاد هذه الجملة عليهم مرة ثانية فلم يجبه

ص: 270

-[قوله تعالى {قل أرأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به} ومنقبة لعبد الله بن سلام]-

فو الله إني لأنا الحاشر (1) وأنا العاقب وأنا النبى المصطفى آمنتم أو كذبتم ثم انصرف وانا معه حتى اذا كدنا أن نخرج نادى رجل (2) من خلفنا كما أنت يا محمد قال فأقبل، فقال ذلك الرجل أى رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا والله ما نعلم انه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك، قال فانى أشهد له بالله أنه نبى الله الذى تجدونه فى التوراة، قالوا كذبن ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم لن يقبل قولكم، أما آنفًا فتثنون عليه من الخير ما اثنيتم، ولما آمن أكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل قولكم، قال فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام، وأنزل الله عز وجل فيه {قل أرأيتم (3) ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدى القوم الظالمين} (باب فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) الخ (عن سليمان بن يسار)(4) عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مستجمعًا (5) ضاحكًا قال معاوية (6) ضحكًا

أحد (ثم ثلث) أى اعادها مرة ثالثة فلم يجبه احد (1) أى الذى يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره (نه) وقوله وأنا والعاقب يعنى آخر الأنبياء، والعاقب والعقوب الذى يخلف من كان قبله فى الخير (2) هو عبد الله بن سلام رضى الله عنه كما سيأتى فى الحديث (3) (التفسير) (قل أرأيتم) معناه أخبرونى ما تقولون (ان كان) يعنى القرآن {من عند الله وكفرتم به} أيها المشركون {وشهد شاهد من بنى اسرائيل} هو عبد الله بن سلام عند الجمهور: ولهذا قيل إن هذه الآية مدنية لأن إسلام ابن سلام كان بالمدينة وسيأتى قصة إسلامه مطولة فى مناقبه من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (على مثله) الضمير للقرآن أى مثله فى المعنى وهو ما فى التوراة من المعانى المطابقة لمعانى القرآن فى التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك وقال الامام البغوى المثل صلة يعنى عليه أى على أنه من عند الله (فآمن) يعنى الشاهد (واستكبرتم) عن الايمان به، وجواب الشرط محذوف تقديره إن كان من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ويدل على هذا المحذوف {إن الله لا يهدى القوم الظالمين} والمعنى قل أخبرونى إن اجتمع قول القرآن من عند الله مع كفركم به واجتمع شهادة أعلم بنى اسرائيل على نزول مثله فايمانه به مع استكباركم عنه وعن الايمان به ألستم أضل الناس واظلمهم (تخريجه) أورده الهيثمى وعزاه للطبرانى فقط وغفل عن عزوه للامام أحمد ثم قال ورجاله رجال الصحيح، ورواه ايضًا ابن جرير بسنده ولفظه (باب)(4)(سنده) حدّثنا هارون بن معروف ومعاوية بن عمرو قالا ثنا ابن وهب قال انا عمرو أنا أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار الخ (غريبه)(5) أى مجدًا فى الضحك آتيًا منه بغايته كما قالت بعد هذا انما كان يبتسم وكان صلى الله عليه وسلم فى أكثر أحواله يبتسم، وكان أيضًا يضحك أعلى من التبسم وأقل من الاستغراق الذى تبدو فيه لهواته، وهذا كان شأنه وكان فى النادر عند إفراط تعجبه، وربما ضحك حتى تبدو نواجذه أى أنيابه ويجرى على عادة البشر فى ذلك فسن لأمته بضحكه الذى بدت فيه أنيابه أنه غير محرم على أمته، وبحديث عائشة أن التبسم هو الذى ينبغى لأمته فعله والاقتداء به للزومه له صلى الله عليه وسلم فى أكثر أحواله (6) هو ابن عمرو احد الروايين اللذين روى عنهما الامام أحمد هذا الحديث قال فى روايته ضحكًا بدل ضاحكًا

ص: 271

-[قوله تعالى {فلما رآه عارضًا مستقبل أوديتهم} الخ وهلاك قوم هود]-

حتى أرى لهواته (1) إنما كان يتبسم، وقالت كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف ذلك فى وجهه، قالت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك اذا رأيته عرفت فى وجهك الكراهة؟ قالت فقال يا عائشة ما يؤمنى (2) أن يكون فيه عذاب: قد عذب قوم (3) بالريح وقد رأى قوم العذاب (4) فقالوا {هذا عارض ممطرنا} (5)(باب واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن) الخ

(1) معناه أنها ما رأته يحصل منه ذلك، واللهوات بتحريك الهاء جمع لهاء وهى اللجمة الحمراء المعلقة فى أعلى الحنك (2) بواو ساكنة ونون مشددة، وعند أبى داود ما يؤمننى بنونين، والمعنى لا آمن أن يكون فيه عذاب (3) هم عاد قوم هود أهلكوا بريح صرصر (4) هم عاد قوم هود أيضًا (فان قيل) قد تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، وظاهر الحديث أن الذين عذبوا بالريح هم الذين قالوا هذا عارض ممطرنا (قلت) أجاب صاحب الكواكب الدرارى عن ذلك بأن القاعدة المذكورة إنما تطرد اذا لم يكن فى السياق قرينة تدل على الاتحاد، فان كان هناك قرينة كما فى قوله تعالى {وهو الذى فى السماء إله وفى الأرض إله فلا} (5)(التفسير) أول القصة قوله تعالى {واذكر أخا عاد اذ أنذر قومه بالأحقاف} الخ الآيات (قال الامام البغوى) رحمه الله قوله عز وجل {واذكر أخا عاد} يعنى هودًا {اذ أنذر قومه بالأحقاف} قال ابن عباس الأحقاف واد بين عمارة ومهرة، وقال مقاتل كانت منازل عاد باليمن فى حضرموت بموت يقال له مهرة واليها تنسب الابل المهرية، وكانوا أهل عمد سيارة فى الربيع فاذا هاج العود رجعوا الى منازلهم وكانوا من قبيلة ارم، قال قتادة ذكر لنا أن عادًا كانوا حيًّا باليمن وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشجر، والحقاف جمع حقف وهى المستطيل المعوج من الرمال، قال ابن زيد هى من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلًا، قال الكسائى هى ما استدار من الرمال (وقد خلت النذر) مضت الرسل (من بين يديه) أى من قبل هود (ومن خلفه) ومن بعده الى قومهم {ألا تعبدوا إلا الله إنى اخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قالوا أجئتنا لتأفكنا} لتصرفنا (عن آلهتنا) أى عن عبادتها (فائتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من الصادقين) ان العذاب نازل بنا (قال) هود (انما العلم عند الله) وهو يعلم متى ياتيكم العذاب (وأبلغكم ما أرسلت به) من الوحى اليكم {ولكنى أراكم قومًا تجهلون فلما رأوه} يعنى ما يوعدون به من العذاب (عارضًا) سحابًا يعرض أى يبدو فى ناحية من السماء ثم يطبق السماء {مستقبل أوديتهم} فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له المغيث وكانوا قد حبس عنهم المطر، فلما رأوه استبشروا {قالوا هذا عارض ممطرنا} أى سحاب يأتينا بالمطر (بل هو) أى قال هود بل هو: ويدل عليه قراءة من قرأ ((قال هود بل هو)) (ما استعجلتم به) من العذاب ثم فسره فقال {ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ} تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم فعبر عن الكثرة بالكلية فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جراده (بأمر ربها) رب الريح فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم من الرجال والمواشى تطير بهم الريح بين السماء والاض فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم وأمر الله الريح فاسالت عليهم الرمال وكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم فى البحر {فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم} قرأ عاصم وحمزة ويعقوب

ص: 272

-[تفسير قوله تعالى {واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن} الخ وقصته صلى الله عليه وسلم معهم]-

(عن الزبير)(1) فى قول الله تبارك وتعالى {واذ صرفنا اليك نفرًا (2) من الجن يستمعون القرآن}

بضم الياء مساكنهم برفع النون يعنى لا يرى شئ الا مساكنهم، وقرأ الآخرون بالتاء، ومساكنهم بفتح النون والخطاب للرائى من كان {كذلك نجزى القوم المجرمين} أى مثل ذلك نجزى من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركى العرب والله أعلم (تخريجه)(ق د ك وغيرهم)(1)(سنده) حدّثنا سفيان قال عمرو (يعنى ابن دينار) وسمعت عكرمة (واذ صرفنا اليك) وقرئ على سفيان عن الزبير {نفرًا من الجن يستمعون القرآن} قال بنخلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء الخ (قلت) هذا السند جاء فى المسند هكذا وفيه تعقيد، وذكره الحافظ ابن كثير فى تفسيره فقال قال الامام أحمد حدثنا سفيان حدثنا عمرو سمعت عكرمة عن الزبير {واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن} قال بنخلة فذكر الحديث بلفظه، فكأن الحافظ ابن كثير استخلص هذا السند من السند المعقد باجتهاده أو بقرينة دلت على ذلك رحمه الله (2)(التفسير){واذ صرفنا اليك نفرًا} أى أملناهم اليك وأقبلنا نحوك والنفر دون العشرة، وقد جاء فى بعض الروايات أنهم كانوا تسعة، وفى بعضها سبعة، روى ابن أبى شيبة بسند جيد عن عبد الله بن مسعود قال هبطوا على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا أنصتوا قال صه (كلمة زجر بمعنى اسكت) وكانوا تسعة أحدهم زوبعة: فأنزل الله عز وجل {واذ صرفنا اليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن} : الى: {ضلال مبين} ورواه أيضًا الحاكم بهذا اللفظ وصححه وأقره الذهبى، وفى رواية للبخارى والامام أحمد وستأتى فى الباب الأول من سورة الجن عن ابن عباس قال (ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم) قال الحافظ ابن كثير فهذا يعنى حديث ابن مسعود مع رواية ابن عباس يقتضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بحضورهم فى هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته ثم رجعوا الى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا اليه أرسالًا قومًا بعد قوم وفوجًا بعد فوج كما ستاتى بذلك الأخبار فى موضعها اهـ (قلت) سيأتى شئ من ذلك فى تفسير سورة الجن فى هذا الجزء وسيأتى شئ كثير من ذلك فى باب ما جاء فى اسلام طائفة من الجن من كتاب خلق العالم (من الجن) جن نصيبين قال ياقوت فى معجمه نصيبين مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل الى الشام (يستمعون القرآن) منه عليه الصلاة والسلام (فلما حضروه) أى الرسول أو القرآن أى كانوا منه بحيث يستمعون (قالوا أنصتوا) أى قال بعضهم لبعض اسكتوا مستمعين (فلما قضى) أى فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من القراءة {ولوا الى قومهم منذرين} اياهم {قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى} وانما قالوا من بعد موسى لانهم كانوا على اليهودية، وعن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بامر عيسى عليه السلام {مصدقًا لما بين يديه} من الكتب {يهدى الى الحق} الى الله تعالى {والى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعى الله} أى محمدًا {وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم} من صلة أى ذنوبكم كلها {ويجركم من عذاب أليم} قال ابن عباس فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلًا من الجن فرجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافوه فى البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا الى الجن والإنس جميعًا، قال مقاتل لم يبعث قبله نبى الا الى الانس والجن جميعًا {ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض} أى لا ينجى منه مهرب ولا يعجز الله فيفوته {وليس له من دونه أولياء} أنصار يمنعونه من الله {أولئك فى ضلال مبين} وهذا مقام تهديد وترهيب فدعوا قومهم بالترغيب

ص: 273

-[قوله تعالى {فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا فى الأرض} الآيات وتفسيرها]-

قال بنخلة (1) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى العشاء الآخرة {كادوا يكونون عليه لبدًا} (2) قال سفيان اللبد بعضهم على بعض كاللبد (3) بعضه على بعض (سورة محمد صلى الله عليه وسلم (باب فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا فى الأرض)(عن أبى هريرة)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل لما خلق الخلق قامت الرحم (5) فاخذت بحقو الرحمن (6) قالت هذا مقام العائذ من القطيعة، قال أما ترضى أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك: اقرءوا ان شئتم {فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم (7) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون

والترهيب ولهذا نجح فى كثير منهم وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفردًا وفودًا كما تقدم بيانه ولله الحمد والمنة (1) بالافراد ويقال بطن نخل، فان فى المصباح فى نخلة XXX بواد يأخذ الى قرن والطائف وبها كانت ليلة الجن وبها صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف لما سار الى الطائف (2) جمع لبدة بكسر اللام وسكون الموحدة أى جماعات تعجبًا مما رأو ومن عبادته واقتداء أصحابه به واعجابًا بما تلاه من القرآن لأنهم رأوا ما لم يروا مثله (3) اللبد على وزن ما تلبد من شعر أو صوف أو نحوه ويتعدى بالتضعيف فيقال لبدت الشئ تلبيدًا الزقت بعضه ببعض حتى صار كاللبد (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد من حديث الزبير وسنده صحيح وان كان معقدًا، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) ورواه أيضًا الحاكم من حديث زر بن حبيش عن ابن مسعود وتقدم لفظه وصححه الحاكم وأقره الذهبى، وله شواهد كثيرة فى الصحيحين وغيرهما تعضده (سورة محمد صلى الله عليه وسلم (باب) (4) (سنده) حدّثنا أبو بكر الحنفى حدثنى معاوية بن أبى مزرِّد قال حدثنى عمى سعيد أبو الحباب قال سمعت أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه) (5) قامت حقيقة بأن تجسمت: وعند الامام احمد وسيأتى من حديث عبد الله بن عمرو فى باب ما جاء فى قطع صلة الرحم من قسم الترهيب انها تتكلم بلسان طلق ذاق (6) الحقو بفتح الحاء المهملة وسكون القاف، والاصل فيه معقد ازار، أى موضع عقده وهو الخصر، ثم سمى به الازار المجاورة، قال البيضاوى لما كان من عادة المستجير ان يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف ردائه وازاره وربما أخذ بحقو ازاره مبالغة فى الاستجارة فكأنه يشير به الى أن الملطوب ان يحرسه ويذب عنه ما يؤذيه كما يحرس ما تحت ازاره ويذب عنه فانه لاصق به لا ينفك عنه استعير ذلك للرحم اهـ (قلت) واضافة الحقو الى الله عز وجل من المتشابه الذى نؤمن به كما جاء من غير تشبيه ولا تمثيل ونكل علمه الى الله عز وجل {ليس كمثله شئ} (7)(التفسير) أى فلعلكم ان توليتم عن الجهاد ونكلتم عنه واعرضتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، وقال بعضهم هو من الولاية، وقال المسيب بن شريك والفراء يقول فهل حسبتم ان وليتم أمر الناس ان تفسدوا فى الأرض النفار والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضًا ووأد البنات، وخبر عسى: لعظ ان تفسدوا، والشرط اعتراض بين الاسم والخبر، والتقدير فهل عسيتم ان تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ان توليتم (أولئك) اشارة الى المذكورين (الذين لعنهم الله) أبعدهم عن رحمته (فأصمهم) عن استماع الموعظة (وأعمى أبصارهم) طريق الهدى وهذا نهى عن الإفساد فى الأرض عمومًا وعن قطع الأرحام خصوصًا بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في

ص: 274

-[فضل سورة الفتح وتفسير قوله تعالى (انا فتحنا لك- الى قوله- وما تأخر)]-

القرآن أم على قلوب أقفالها (سورة الفتح)(باب ما جاء فى فضلها ووقت نزولها)(عن عمر بن الخطاب)(1) رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر (2) قال فسألته عن شئ ثلاث مرات فلم يرد على (3) قال فقلت لنفسى ثكلتك (4) أمك يا ابن الخطاب نزرت (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك: قال فركبت راحلتى فتقدمت مخافة أن يكون نزل فىَّ شئ، قال فاذا أنا بمناد ينادى يا عمر أين عمر، قال فرجعت وأنا أظن أنه نزل فىّ شئ: قال فقال النبى صلى الله عليه وسلم نزلت على ّ البارحة سورة هى أحب إلىَّ من الدنيا وما فيها (6) {انا فتحنا لك فتحًا مبينًا (7)

الأرض وصلة الأرحام وهو الإحسان الى الاقارب فى المقال والأفعال وبذل الأموال، وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق عديدة ووجوه كثيرة ستأتى فى أبوابها من قسم الترغيب ان شاء الله تعالى {أفلا يتدبرون القرآن} فيعرفوا ما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد البغاة حتى لا يجسروا على المعاصى {أم على قلوب أقفالها} أم بمعنى بل وهمزة التقرير للتسجيل عليهم بان قلوبهم مقفلة لا يتوصل لها ذكر: ونكرت القلوب لأن المراد على قلوب قاسية مبهم أمرها فى ذلك، والمراد بعض القلوب وهى قلوب المنافقين، واضيفت الاقفال الى القلوب لأن المراد الأقفال المختصة بها وهى أقفال الكفر استغلقت بالختم والطبع فلا تفتح نحو الدين نعوذ بالله من ذلك (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(سورة الفتح)(باب)(1)(سنده) حدّثنا أبو نوح حدثنا مالك بن أنس عن زيد أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب الخ (غريبه)(2) هو سفر الحديبية كما فى حديث أنس الآتى (3) أى لاشتغاله بما كان من نزول الوحى (4) بفتح المثلثة وكسر الكاف أى فقدتك، دعا على نفسه بسبب ما وقع منه من الالحاح (5) بفتح النون ثم زاى مخففة مفتوحة فراء ساكنة الححت عليه وبالغت فى السؤال (6) جاء عند البخارى (لقد أنزلت على ّ الليلة سورة لهى أحب إلى مما طلعت عليه الشمس) أى لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح وغيرهما (7)(التفسير){انا فتحنا لك فتحًا مبينًا} الفتح الظفر بالبلدة عنوة أو صلحًا بحرب أو بغير حرب، لأنه مغلق ما لم يظفر به، فاذا ظفر به فقد فتح وقد نزلت هذه الآية مرجع النبى صلى الله عليه وسلم من مكة عام الحديبية عدة له بالفتح وجئ به على لفظ الماضى لأنها فى تحققها بمنزلة الكائنة، وفى ذلك من الفخامة والدلالة على علة شأن المخبر عنه وهو الفتح ما لا يخفى والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وحده، واختلف فى تعيين هذا الفتح فقال الأكثر هو صلح الحديبية كما يدل على ذلك أحاديث الباب وقال قوم إنه فتح مكة، وقال آخرون إنه فتح خيبر: والأول أرجح ويؤيده أيضًا حديث البراءين عازب عند البخارى قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحًا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية يثر فنزحناها فلم تترك فيها قطرة (يعنى أنها لم تكف لشربهم) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها ثم أنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا يعنى أن ماءها بعد ذلك كفاهم جميعًا مع دوابهم، وفى هذا معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم وروى عن ابن مسعود وغيره أنه قال انكم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح صلح الحديبية (وعن جابر) مثله، وعن مجمع بن جارية وسيأتى فى باب تقسيم غنيمة خيبر الخ فى حوادث السنة السابعة من كتاب السيرة

ص: 275

-[تفسير قوله تعالى (ويتم نعمته عليك- الى قوله- فوزًا عظيمًا)]-

ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} (عن أنس)(1) قال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية نزلت هذه الآية {انا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (2) ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا} قال المسلمون يا رسول الله هنيئًا لك ما أعطاك الله فما بالنا؟ فنزلت {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزًا عظيمًا} (باب وهو الذى كف أيديكم عنهم) الآية (وعنه أيضًا)(3) قال لما كان يوم الحديبية هبط (4) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه

النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم عند رجوعهم من الحديبية اجتمع الناس إليه فقرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أى رسول الله وفتح هو؟ قال أى والذى نفس محمد بيده إنه لفتح وقال الزهرى لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية: وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام فى قلوبهم أسلم فى ثلاث سنين خلق كثير وكثرتهم سواد الاسلام {ليغفر لك الله} قيل الفتح ليس بسبب للمغفرة، والتقدير انا فتحنا لك فتحًا مبينًا فاستغفر ليغفر لك الله، ومثله اذا جاء نصر الله إلى قوله فسبح بحمد ربك واستغفره {ما تقدم من ذنبك وما تأخر} اختلف فى معنى قوله تعالى {ما تقدم من ذنبك وما تأخر} فقيل ما فرط منك مما يصح أن تعاقب عليه قبل الرسالة وما بعدها: قاله مجاهد وسفيان الثورى وابن جرير والواحدى وغيرهم: وفيه أقوال أخرى ضعيفة والظاهر قول مجاهد ومن وافقه، ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمى فى حقه ذنبًا لجلالة قدره وإن لم يكن ذنبًا فى حق غيره (تخريجه) (خ مذ نس) (وفى الباب) حديث طويل عن ابن مسعود تقدم بطوله وشرحه وتخريجه فى باب من نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس من أبواب فضاء الفوائت فى الجزء الثانى صحيفة 305 رقم 210 وكنت اشرت هناك بانى ساذكره هنا غير أنى وجدت فى هذا الباب ما يغنى عنه فلا داعى للتكرار (1) (سنده) حدّثنا يزيد انا همام عن أنس (يعنى ابن مالك) الخ (التفسير) (2) تقدم تفسير هذه الجملة فى شرح الحديث السابق (أما تفسير بقية الآية) فقوله عز وجل {ويتم نعمته عليك} أى باعلاء دينك وفتح البلاد على يديك {ويهديك صراطًا مستقيمًا} ويثبتك على الدين المرضى {وينصرك الله نصرًا عزيزًا} قويًا منيعًا لا ذل بعده أبدًا {هو الذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين} أى السكون والطمأنينة بسبب الصلح: وقيل السكينة الصبر على ما أمر الله والثقة بوعد الله {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} يقينًا على يقينهم بشرائع الدين كلما نزل واحدة منها آمنوا بها منها الجهاد {ولله جنود السموات والأرض} فلو أراد نصر دينه بغيركم لفعل {وكان الله عليمًا} بخلقه (حكيمًا) فى صنعه أى الم يزل متصفًا بذلك (ليدخل) متعلق بمحذوف أى أمر بالجهاد ليدخل {المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها} أى ماكثين فيها أبدًا {ويكفر عنهم سيئاتهم} أى خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم {وكان ذلك عند الله فوزًا عظيمًا} كقوله تعالى: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} ، لا أحرمنا الله من ذلك (تخريجه)(ق. وغيرهما)(باب)(3)(سنده) حدّثنا يزيد حدثنا حماد عن ثابت البنانى عن أنس قال لما كان يوم الحديبية الخ (غريبه)(4) أى نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ

ص: 276

-[قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش فى صلح الحديبية]-

ثمانون رجلًا (1) من أهل مكة فى السلاح من قبل (2) جبل التنعم فدعا عليهم فأخذوا (3) ونزلت هذه الآية (4){وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} قال يعنى جبل التنعيم فى مكة (5)(عن عبد الله بن مغفل المزنى)(6) قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية فى أصل الشجرة التى قال الله تعالى فى القرآن (7) وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىّ بن أبى طالب وسهيل بن عمرو (8) بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ سهيل بن عمرو بيده، ما نعرف بسم الله الرحمن الرحيم اكتب فى قضيتنا ما نعرف: باسمك اللهم، فكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة: فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب فى قضيتنا ما نعرف، فقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب وأنا رسول الله (10) فكتب فبينما نحن كذلك (يعنى نكتب شروط الصلح) إذ

(1) جاء عند الترمذي من حديث أنس قال أيضًا إن ثمانين هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من جبل التنعيم عند صلاة الصبح وهم يريدون أن يقتلوه (يعنى النبى صلى الله عليه وسلم فأخذوا أخذًا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وهو الذى كف أيديهم عنكم الخ (2) قيل بكسر القاف وفتح الموحدة أى من جهة جبل التنعيم، قال فى القاموس التنعيم موضع على ثلاثة أميال، أو أربعة من مكة اقرب اطراف الحلل الى البيت، سمى بذلك لأن على يمينه جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم والوادى اسمه نعمان اهـ وفى المصباح يعرف بمساجد عائشة (3) جاء فى الحديث التالى فأخذ الله بأبصارهم فقدمنا اليهم فأخذناهم، وفيه ان النبى صلى الله عليه وسلم خلى سبيلهم (4)(سيأتى تفسيرها فى الحديث التالى (5) الظاهر ان هذا تفسير لقوله تعالى {ببطن مكة} (تخريجه)(م د نس مذ)(6)(سنده) حدّثنا زيد بن الحباب قال حدثنى حسين بن واقد قال حدثنى ثابت البنانى عن عبد الله بن مغفل المزنى الخ (غريبه)(7) يعنى قوله تعالى {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} وتسمى بيعة الرضوان لرضا الله عز وجل عن أصحابها وسيأتى الكلام عليها مستوفى فى القسم الثانى من كتاب السيرة النبوية (8) ابن عبد شمس بن عبدود العامرى أخو السكران بن عمرو زوج سودة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلم سهيل يوم الفتح واستشهد يوم اليرموك وقيل مات فى طاعون عمواس والله أعلم (9) جاء عند البخارى بعد هذه الجملة فقال النبى صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ثم قال هذا ما فاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (10) يعنى وان كذبتمونى قال العلماء وافقهم النبى صلى الله عليه وسلم فى ترك كتابة بسم الله الرحمن الرحيم وانه كتب باسمك اللهم، وكذا وافقهم فى محمد ابن عبد الله وترك كتابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانما وافقهم فى هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة فى هذه الأمور، اما البسملة باسمك اللهم فمعناها واحد: وكذا قوله محمد ابن عبد الله هو أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فى ترك وصف الله سبحانه وتعالى فى هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفي

ص: 277

-[تفسير قوله تعالى (وهو الذى كف أيديهم عنكم- الى قوله- بصيرًا) وتفسرها]-

خرج علينا ثلاثون شابًا (1) عليهم السلام فثاروا فى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ الله عز وجل بأبصارهم (2) فقدمنا إليهم فأخذناهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل جئتم فى عهد أحد أو هل جعل لكم أحدًا أمانًا؟ (3) فقالوا لا، فخلى سبيلهم فأنزل الله عز وجل {وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرًا} (4)(سورة الحجرات)(باب يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم) الآية (عن ابن أبى مليكة)(5) قال كاد الخيران (6) أن يهلكا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما، لما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وقد بنى تميم (7) أشار أحدهما (8) بالأقرع بن حابس الحنظلى أخى بنى مجاشع وأشار الآخر (9) بغيره قال أبو بكر لعمر انما أردت خلافى (10) فقال عمر ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم

ذلك ولا في ترك وصفه أيضًا صلى الله عليه وسلم هنا بالرسالة ما ينفيها فلا مفسدة فيما طلبوه وانما كانت المفسدة تكون لو طلبوا ان يكتب ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك (1) تقدم فى حديث أنس السابق انهم ثمانون رجلًا ولا منافاة فى ذلك لأن كل راو أخبر بما علم (2) أى لم يشعروا ولم يبصروا قدوم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لأخذهم فاخذوهم وجاءوا بهم الى النبى صلى الله عليه وسلم (3) انما سألهم النبى صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان لهم عهد أو أمان من أحد الصحابة بعد فعلهم هذا لوجب العفو عنهم، وقد ظهر باعترافهم أنه ليس معهم أمان ولا عهد فكانوا يستحقون القتل أو الدخول فى الاسلام، ومع هذا فقد عفى عنهم وخلى سبيلهم وهذا من كرم أخلاقه ومزيد حلمه وحسن سياسته صلى الله عليه وسلم (4)(التفسير){وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم} فى هذه الجملة امتنان من الله عز وجل على عباده المؤمنين حين كف أيدى المشركين عنهم فلم يصل اليهم منهم سوء، وكف أيدى المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحًا فيه خيرة للمؤمنين وعاقبة لهم فى الدنيا والآخرة (ببطن مكة) أى الحديبية لأن بعضها منسوب الى الحرم {من بعد أن أظفركم عليهم} كف الله النبى صلى الله عليه وسلم عنهم بعد أن اظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا أبقوا فيه كراهية ان تطأهم الخيل {وكان الله بما تعملون} قرأ ابو عمرو بالياء التحتية وقرأ الآخرون بالياء الفوقية (بصيرًا) أى لم يزل متصفًا بذلك (تخريجه) (نس) وابن جرير والبغوى وابن اسحاق وسنده جيد (وقال عبد الله) بن الامام احمد رحمهما الله عقب هذا الحديث فى المسند: قال حماد بن سلمة فى هذا الحديث عن ثابت بن أنس: وقال حسين بن واقد عن عبد الله بن مغفل وهذا الصواب عندى ان شاء الله والله أعلم (باب)(5)(سنده) حدّثنا وكيع حدثنا نافع بن عمرو الجمحى عن ابن أبى مليكة الخ (غريبه)(6) بفتح المعجمة وتشديد التحتية أى الفاعلان للخير (7) كان ذلك سنة تسع وسألوا النبى صلى الله عليه وسلم ان يؤمِّر عليهم أحدًا (8) هو عمر بن الخطاب كما عند البخارى فى رواية أخرى من طريق ابن جريح (9) هو أبو بكر رضى الله عنه (بغيره) هكذا عند الامام احمد وفى رواية للبخارى لم يذكر اسم الغير (وللبخارى) من رواية ابن جريج (فقال أبو بكر أمِّر القعقاع بن معبد) بفتح الميم والموحدة ابن زرارة (10) أى ما أردت الا خلافى كما صرح بذلك

ص: 278

-[قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى} الخ وتفسيرها]-

فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى (1): إلى قوله: عظيم) قال ابن أبى مليكة قال ابن الزبير فكان عمر بعد ذلك (ولم يذكر ذلك عن أبيه يعنى أبا بكر)(2) إذا حدث

في رواية للبخارى أى ليس مقصودك الا مخالفة قولى (1)(التفسير){يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى} أى إذا نطق ونطقتم فعليكم ان لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذى يبلغه بصوته وان تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليًا لكلامكم وجهره باهرًا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته لديكم واضحة {ولا تجهروا له بالقول} أى اذا كلمتموه وهو صامت فاياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم ان تتعمدوا فى مخاطبته القول اللين القريب من الهمس الذى يضاد الجهر: أو لا تقولوا يا محمد يا احمد، وخاطبوه بالنبوة والسكينة والتعظيم لا {كجهر بعضكم لبعض} الكاف كاف التشبيه فى محل النصب أى لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض، وفى هذا دليل على انهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا حتى لا يسوغ لهم الا أن يكلموه بالهمس والمخافتة: وانما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة اعنى الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وان جلت عن رتبتها {ان تحيط أعمالكم} أى لئلا تحبط حسناتكم، وقيل مخافة ان تحبط أى تبطل {وأنتم لا تشعرون} بذلك: ونزل فيمن كان يخفض عند النبى صلى الله عليه وسلم كأبى بكر وعمر وغيرهما رضى الله عنهم {ان الذين يغضون أصواتهم عن رسول الله أولئك الذين امتحن} أى اختبر {الله قلوبهم للتقوى} قال ابن عباس امتحن الله قلوبهم للتقوى طهرهم من كل قبيح وجعل فى قلوبهم الخوف من الله واخلصها للتقوى، كقولك امتحنت الفضة أى اختبرتها حتى خلصت {لهم مغفرة} لذنوبهم {وأجر عظيم} أى الجنة وما فيها من النعيم المقيم لا أحرمنا الله منها (2) هذه الجملة التى بين قوسين وهى قوله (ولم يذكر ذلك عن أبيه يعنى أبا بكر) وقعت فى الاصل هكذا مقحمة بين اسم كان وخبرها، وصل العبادة قال ابن الزبير فكان عمر بعد ذلك اذا حدث النبى صلى الله عليه وسلم حديثه كأخى السرار لم يسمعه حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعنى أبا بكر (واليك شرح هذا الكلام)(قال ابن الزبير) يعنى عبد الله (فكان عمر بعد ذلك) يعنى بعد نزول هذه الآية (اذا حدث النبى صلى الله عليه وسلم كان (حديثه كأخى السرار) والسرار بكسر السين المهملة المساررة، أى كصاحب السرار أو كمثل المساررة لخفض صوته والكاف صفة لمصدر محذوف (لم يسمعه حتى يستفهمه) أى لم يسمعه من اول مرة حتى يطلب منه الاعادة لانخفاض صوته (لم يذكر ذلك) يعنى ان عبد الله بن الزبير لم يذكر ما حصل لعمر فى انخفاض صوته عند النبى صلى الله عليه وسلم (عن أبيه) يريد جده لأمه أسماء (يعنى أبا بكر) واطلاق الأب على الجد مشهور يدل على ذلك ما جاء فى رواية الترمذى بلفظ (وا ذكر ابن الزبير حده يعنى أبا بكر) اهـ (قلت) وان كان ابن الزبير لم يذكر عن أبى بكر مثل ما ذكر عن عمر فقد جاء عند القرطبى والبغوى فى تفسيريهما: قال أبو هريرة لما نزلت {لا ترفعوا أصواتكم} قال أبو بكر والله لا ارفع صوتى الا كاخى السرار (وروى الحاكم) بسنده عن أبى هريرة قال لما نزلت ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه والذى أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخى السرار حتى القى الله عز وجل، وصححه الحاكم وأٌره الذهبى (تخريجه)(خ مذ) قال القسطلانى وسيأتى هذا الحديث صورته صورة الارسال، لكن فى آخره انه حمله عن عبد الله بن الزبير

ص: 279

-[قصة ثابت بن قيس فى رفع الصوت ومنقبة عظيمة له]-

النبي صلى الله عليه وسلم حديثه كاخى السرار لم يسمعه حتى يستفهمه (عن أنس بن مالك)(1) قال لما نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى} - إلى قوله- {وأنتم لا تشعرون} (2) وكان ثابت بن قيس بن الشَّماس رفيع الصوت فقال أنا الذى كنت أرفع صوتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملى، أنا من أهل النار، وجلس فى أهله حزينًا فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) فانطلق بعض القوم إليه (4) فقالوا له تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك؟ فقال أنا الذى رفعت صوتى فوق صوت النبى صلى الله عليه وسلم وأجهر بالقول حبط عملى وأنا من أهل النار: فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال (5) فقال لا بل هو من أهل الجنة (6) قال أنس وكنا نراه يمشى بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة (7) فلما كان يوم اليمامة (8) كان فينا بعض الانكشاف (9) فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئسما تعوِّدون أقرانكم (10) فقاتلهم حتى قتل (11)

ويأتي في الباب اللاحق التصريح بذلك اهـ (قلت) يشير الى ما رواه البخارى من طريق ابن جريج عن ابن أبى مليكة ان عبد الله بن الزبير اخبرهم أنه قدم ركب من بنى تميم فذكره، ورواه أيضًا الترمذى عن ابن أبى مليكة قال حدثنى عبد الله بن الزبير فذكره وبهذا انتفى الارسال والله أعلم (قال الحافظ بن كثير) فة تفسيره قال العلماء يكره رفع الصوت عند قبره كما كان يكره فى حياته عليه الصلاة والسلام لأنه محترم حيًا، وفى قبره دائمًا، ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم، ولهذا قال تبارك وتعالى {ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} كما قال {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} (1)(سنده) حدّثنا هاشم حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس ابن مالك الخ (غريبه)(2) تقدم تفسير هذه الآية فى شرح الحديث السابق (3) أى طلبه عند غيبته واحتباسه عن النبى صلى الله عليه وسلم (4) هو عاصم بن عدى كما صرح بذلك ابن جرير والبغوى (5) جاء عند البغوى فأتى عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره خبره، ولعل عاصمًا كان معه بعض القوم وخصه بالذكر لأنه هو الذى أرسله النبى صلى الله عليه وسلم (6) زاد ابن جرير والبغوى ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لعاصم اذهب فادعه لى فدعاه فأتيا النبى صلى الله عليه وسلم (وكان ثابت يبكى) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا ثابت؟ فقال أنا صيِّت (يعنى رفيع الصوت) وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فىّ {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول} فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة؟ فقال رضيت ببشرى الله ورسوله ولا أرفع صوتى أبدًا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {ان الذين يغضون أصواتهم عن رسول الله} الآية (7) أى لأن النبى صلى الله عليه وسلم بشره بذلك رضى الله عنه (8) بفتح الياء التحتية مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وأربع من مكة (9) أى الانكسار وانهزمت طائفة منهم (10) جمع قرن بكسر القاف وسكون الراء الكف أو النظير فى الشجاعة والحرب أى بئسما تعوِّدون نظراءكم وأكفاءكم فى القتال (11) كان رضى الله عنه فى الجيش الذى بعثه أبو بكر رضى الله عنه بقيادة خالد بن الوليد لقتال مسيلمة الكذاب فى أواخر العام الذى توفى فيه النبى صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة واستشهد فيه مع كثير من القراء الذين يحفظون القرآن

ص: 280

-[قوله تعالى {ان الذين ينادونك من وراء الحجرات} الآيتين وتفسيرهما]-

(باب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون)(عن أبى سلمة بن عبد الرحمن)(1) عن الأقرع بن حابس (2) أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات (3) فقال يا رسول الله فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألا إن حمدى زين وإن ذمى شين (4) فقال رسول الله

وكان النصر أخيرًا للمسلمين وقتل مسيلمة الكذاب (تخريجه)(ق) وابن جرير والبغوى وغيرهم (باب)(1)(سنده) حدّثنا عفان ثنا وهيب قال حدثنى موسى بن عقبة قال حدثنى أبو سلمة ابن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس الخ (غريبه)(2) هو الاقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمى، قال ابن اسحاق وفد على النبى صلى الله عليه وسلم وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم وقد حسن اسلامه، وقال الزبير فى النسب كان الأقرع حكمًا فى الجاهلية، وقيل انه كان شريفًا فى الجاهلية والاسلام (3) الوراء الجهة التى يواريها عنك الشخص من خلف أو قدام، والحجرات جمع حجرة والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، وقرأ العامة الحجرات بضن الجيم وقرأ أبو جعفر بفتحها استثقالًا للضمتين، وقرى الحجرات بسكون الجيم تخفيفًا، والمراد حجرات نساء النبى صلى الله عليه وسلم وكانت لكل منهن حجرة: ومناداتهم من ورائها لعلهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أو نادوه من وراء الحجرة التى كان فيها ولكنها جمعت اجلالًا له صلى الله عليه وسلم (فان قيل) جاء فى الحديث ان الذى نادى الأقرع ابن حابس وحده وجاء فى القرآن بلفظ الجمع (ويجاب عن ذلك) بأن الفعل وان كان مسندًا الى جميعهم فانه يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين فكأنهم تولوه جميعًا، وحكى القرطبى عن مجاهد وغيره قال نزلت فى أعراب بنى تميم قدم الوفد منهم على النبى صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد ونادوا النبى صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته ان أخرج الينا فان مدحنا زين وذمنا شين، وكانوا سبعين رجلًا قدموا لفداء درارى لهم وكان النبى صلى الله عليه وسلم نام للقائلة، قال وروى ان الذى نادى الأقرع بن حابس وانه القائل ان مدحى زين وان ذمى شين، فقال النبى صلى الله عليه وسلم ذاك الله عز وجل (يعنى حديث الباب) والظاهر أن الأقرع بن حابس انضم الى وفد بنى تميم لأنهم من قبيلته مستشفعًا لهم عند النبى صلى الله عليه وسلم فى فداء أسراهم، ولذلك قال افرزدق يفخر بعمه الاقرع (وعند رسول الله قام ابن حابس

بخطه أسوار الى المجد حازم) (له اطلق الاسرى التى فى قيودها

مغلقة اعناقها فى الشكائم) (4) مقصود الرجل من هذا القول مدح نفسه واظهار عظمته يعنى ان مدحت رجلًا فهو محمود ومزين وان ذممت رجلًا فهو مذموم ومعيب: فقال له النبى صلى الله عليه وسلم (ذاك الله عز وجل يعنى الذى حمده زين وذمه شين هو الله سبحانه وتعالى (تخريجه) أورده الحافظ الهيثمى وقال رواه احمد والطبرانى واحد اسنادى احمد رجاله رجال الصحيح ان كان أبو سلمة سمع من الأقرع والا فهو مرسل كاسناد احمد الآخر اهـ (قلت) قال الحافظ فى الاصابة وقع فى رواية ابن جرير التصريح بسماع أبى سلمة من الأقرع اهـ (قلت) يعنى ما رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة عن أبى سلمة قال حدثنى الأقرع بن حابس التميمى انه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اخرج الينا فنزلت {ان الذين ينادونك من وراء الحجرات} الحديث، ورواه أيضًا الترمذى من وجه آخر عن البراء بن عازب وقال هذا حديث حسن غريب (أما تفسير الآيتين) فقوله تعالى {ان الذين ينادونك من وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون} أى من جملة قوم الغالب عليهم الجهل وقله العقل {ولو انهم صبروا} اى انتظروا خروجك {لكان خيرًا لهم} أى أصلح لهم فى دينهم ودنياهم، وكان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها

ص: 281

-[قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآيات وسبب نزولها]-

صلى الله عليه وسلم كما حدث أبو سلمة ذاك الله عز وجل (باب يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا- إلى- والله عليم حكيم)(حدّثنا محمد بن سابق)(1) ثنا عيسى بن دينار ثنا أبى أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعى (2) قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعانى الى الاسلام فدخلت فيه (3) وأقررت به فدعانى الى الزكاة فأقررت بها وقلت يا رسول الله أرجع الى قومى فأدعوهم لى الاسلام واداء الزكاة فمن استجاب لى جمعت زكاته فيرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبان كذا وكذا (4) ليأتيك ما جمعت من الزكاة فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبَّان الذى أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث اليه احتبس عليه الرسول فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة (5) من الله عز وجل ورسوله، فدعا بسروات قومه فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقَّت لى وقتًا يرسل الىَّ رسوله ليقبض ما كان عندى من الزكاة وليس من رسول الله الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت فانطلقوا فنأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد ابن عقبة (6) الى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فما أن سار الوليد حتى بلغ بعض

بمهمات نفسه فكان انزعاجه فى تلك الحالة من سوء الأدب، وقيل هم وفد بنى تميم جاءوا شفعاء فى اسراهم فاعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفهم وفادى على النصف، ولو صبروا لاعتق جميعهم {والله غفور رحيم} بليغ الغفران والرحمة واسعهما فلن يضيق غفرانه ورحمته من هؤلاء ان تابوا وانابوا والله اعلم (باب)(1)(حدّثنا محمد بن سابق الخ)(غريبه)(2) جاء فى الاصابة وفى كتب الرجال ان اسمه الحارث ابن أبى ضرار، وذكره الحافظ ابن كثير فى تفسيره فقال هو الحارث بن ضرار بن أبى ضرار ملك بنى المصطلق ووالد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين، والظاهر ان اسم والده ضرار ولكنه اشتهر باسم جده كما فى سعد بن؟؟؟؟؟؟ بن أبى وقاص فانه اشتهر باسم جده فقيل سعد بن ابى وقاص والله أعلم (3) سبب اسلامه كما ذكر ابن اسحاق فى المغازى انه جاء الى المدينة ومعه فداء ابنته بعد أن اسرت وتزوجها النبى صلى الله عليه وسلم قال فلما كان بالعصيو نظر الى الابل فرغب فى بعيرين منها فغيبهما فى شعب ثم جاء فقال يا محمد هذا فداء ابنتى، فقال فاين البعيران اللذان عيبتهما بالعقيق فقال الحارث أشهد ان لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله ما اطلع على ذلك الا الله، قال فاسلم واسلم معه ابنان له وناس من قومه (4) إبّان بكسر الهمزة وتشديد الموحدة اى وقت كذا وكذا كيوم كذا وكذا فى شهر كذا وكذا (5) أى غضب (6) يعنى عقبة بن ابى معيط الكافر الذى كان من أشد كفار مكة ايذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر كافرًا أما ابنه الوليد هذا فهو اخو عثمان بن عفان فانه اسلم يوم فتح مكة هو وأخوه خالد بن عقبة قال ابن عبد البر ولا خلاف بين اهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان قوله عز وجل {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة} نزلت فى الوليد بن عقبة ثم ذكر نحو حديث الباب، وهو الذى صلى صلاة الصبح بأهل الكوفة أربع ركعات فقال أزيدكم وكان سكران، قال ابن عبد البر وخبر صلاته بهم سكران وقوله أزيدكم بعد ان صلى بهم الصبح اربعًا مشهور من رواية الثقات من أهل الحديث، ولما شهدوا عليه بالشراب أمر به عثمان فجلد وعزل من الكوفة واستعمل عليه بعده سعيد بن العاص، ولما قتل عثمان اعتزل الوليد الفتنة واقام بالرّقة الى أن توفى، وله بها عقب، روى عنه ثابت بن الحجاج والشعبى وغيرهما، كذا

ص: 282

-[تفسير {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق} الآيات وقصة الحارث بن ضرار مع الوليد بن عقبة]-

الطريق فرق (1) فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ان الحارث منعنى الزكاة وأراد قتلى: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث (2) الى الحارث فأقبل الحارث بأصحابه اذ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث (3) فقالوا هذا الحارث فلما غشيهم (4) قال لهم الى من بعثتم؟ قالوا اليك، قال ولم؟ قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث اليك الوليد بن عقبة فزعم انك منعته الزكاة وأردت قتله، قال لا والذى بعث محمدًا بالحق ما رأيته بتة (5) ولا اتانى، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال منعت الزكاة وأردت قتل رسولى؟ قال لا والذى بعثك بالحق ما رأيته ولا اتانى، وما أقبلت إلا حين احتبس علىّ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، فنزلت الحجرات (يا يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق (6) بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين- الى قوله تعالى- فضلًا من الله ونعمة والله عليم حكيم)

في تهذيب الاسماء للنووى (1) بالتحريك أى خاف لأن القوم لما علموا بقدومه خرجوا للقائه مسرعين فرحين مستبشرين بقدوم رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه الشيطان انهم يريدون قتله لا سيما وقد كان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية كما يستفاد من رواية ابن جرير والبغوي: XXX ورجع من الطريق وقال فيهم ما قال (2) أى أسرع بتجهيز البعث الى الحارث وقومه، فقد جاء عند البغوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد ابن الوليد اليهم خفية فى عسكر وقال انظر فان رأيت منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل فى الكفار (3) معناه ان الحارث اقبل باصحابه قاصدًا المدينة فلما كان على مقربة منها لقى خالدًا وعسكره بعد خروجهم من المدينة (فقالوا هذا الحارث) يعنى الذى كنا نطلبه قد حضر (4) أى جاءهم وصار معهم فى مكان واحد (قال لهم الخ)(5) أى قطعًا (6)(التفسير){يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق} يعنى الوليد بن عقبة (بنبأ) أى خبر، وفى تنكير الفاسق والنبأ شياع فى الفساق والنباء كأنه قال أى فاسق جاءكم بنبأ (فتبينوا) أى توثقوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا قول الفاسق، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذى يعد نوع منه: وقرأ حمزة والكسائى فتثبتوا من التثبيت: الباقين فتبينوا من التبيين (أن تصيبوا) كى لا تصيبوا بالقتل والقتال (قومًا) برآء (بجهالة) حال يعنى جاهلين بحقيقة الأمر وكنه القصة (فتصبحوا) فتصيروا {على ما فعلتم نادمين} الندم ضرب من الغم وهو ان تغتم على ما وقع منك تتمنى انه لم يقع: وهو غم يصحب الانسان صحبة لها دوام {واعلموا أن فيكم رسول الله} فاتقوا الله أن تقولوا باطلًا أو تكذبوه فان الله يخبره ويعرفه أحوالكم فتفتضحوا (لو يطيعكم) أى الرسول (فى كثير من الأمر) لما تخبرونه به فيحكم برأيكم (لعنتُّم) أى لائمتم وهلكتم، والعنت الاثم والهلاك (ولكن الله حبب اليكم الايمان) فجعله أحب الديان اليكم (وزينه) حسنه (فى قلوبكم) حتى اخترتموه وتطيعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكرّه اليكم الكفر والفسوق} قال ابن عباس الكذب (والعصيان) ترك الانقياد لما أمر به الشارع {أولئك هم الراشدون} أى أولئك المستثنون هم الراشدون يعنى أصابوا طريق الحق ولم يميلوا عن الاستقامة، والرشد، والاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه، من الرشادة وهى الصخرة {فضلًا من الله ونعمة}

ص: 283

-[قوله تعالى {وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} الآية وتفسيرها]-

(باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الآية (عن أنس)(1) قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبىّ (2) فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب حمارًا وانطلق المسلمون يمشون وهى أرض سبخة (3) فلما انطلق اليه النبى صلى الله عليه وسلم قال اليك عنى (4) فوالله لقد آذانى ريح حمارك (5) فقال رجل من الانصار (6) والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك: قال فغضب لعبد الله رجل من قومه (7) قال فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى والنعال فبلغنا أنها نزلت فيهم (8){وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا (9) فأصلحوا بينهما} (باب ولا تنابزوا بالألقاب)(عن أبى جبيرة بن الضحاك)(10) قال فينا نزلت في بني سلمة

الفضل والنعمة يعني XXX والانعام والانتصاب على المفعول له أى حبب وكره للفضل والنعمة (والله عليم) بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل (حكيم) حين يفضل وينعم بالتوفيق على الافضال والله أعلم (تخريجه) أورد الهيثمة وقال رواه احمد والطبرانى إلا أنه قال الحارث بن سرار بدل ضرار ورجال احمد ثقات اهـ (قلت) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام احمد وابن أبى حاتم والطبرانى وقال الصواب انه الحارث بن ضرار والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا عارم حدثنا معتمر قال سمعت أبى يحدث أن أنسًا (يعنى ابن مالك) قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم الخ (قلت) ابو معتمر اسمه سلمان بن طرخان (2) هو ابن سلول بفتح المهلمة الخزرجى قبل ان يظهر اسلامه، وكان منزله باعالية: والظاهر والله أعلم ان ذهاب النبى صلى الله عليه وسلم اليه كان لأجل ترغيبه فى الاسلام، وجواب لو محذوف أى لكان خيرًا ونحو ذلك (3) بفتح أوله وكسر ثانيىه أى ذات سباخ تعلوها الملوحة لا تكاد تنبت إلا بعض الشجر (4) أى تنح عنى (5) جاء فى تفسير مقاتل XXX النبى صلى الله عليه وسلم على الانصار وهو راكب حماره يعفور فبال فأمسك ابن أبى بأنفه وقال للنبى صلى الله عليه وسلم خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الجمار (6) قيل هو عبد الله ابن رواحة (7) قال الحافظ لا أعرفه (8) استشكل ابن بطال نزول هذه الآية فى هذه القصة من جهة ان المخاصمة وقعت بين من كان معه صلى الله عليه وسلم من الصحابة وبين أصحاب عبد الله بن أبىّ وكانوا حينئذ كفارًا (واجيب) بأن قول أنس بلغنا أنها نزلت فيهم لا يستلزم النزول فى ذلك الوقت، يؤيده أن نزول آية الحجرات متأخر جدًا، وقال مغلطاى فيما نقله عنه فى المصابيح وفى تفسير ابن عباس واعان ابن ابى رجال من قومه وهم مؤمنون فاقتتلوا قال وهذا فيه ما يزيل استشكال ابن بطال والله أعلم (9)(التفسير){وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} روى أنها لما نزلت قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض (فاصلحوا بينهما) بالدعاء الى حكم كتاب الله والرضا بما فيه لهما وعليهما {فان بغت إحداهما} تعدت إحداهما على الأخرى وأبت الاجابة الى حكم الله تعالى {فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ} ترجع (الى أمر الله) فى كتابه وحكمه (فان فاءت) رجعت الى الحق {فأصلحوا بينهما بالعدل} بحملهما على الانصاف والرضا بحكم الله (وأقسطوا) اعدلوا وهو أمر باستعمال القسط على طريق العموم، بعد ما أمر به فى اصلاح ذات البين {إن الله يحب المقسطين} العادلين (تخريجه)(ق، وغيرهما)(باب)(10)(سنده) حدّثنا اسماعيل ثنا داود بن أبى هند عن الشعبى قال حدثنى أبو جبيرة

ص: 284

-[قوله تعالى (ولا تنابزوا بالألقاب) الآية وقوله (يوم نقول لجهنم هل امتلأت) الآية وتفسيرها]-

(ولا تنابزوا بالألقاب)(1) قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة (2) فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا، قال فنزلت (ولا تنابزوا بالألقاب) (وعنه من طريق ثان) (3) عن عمومة له قدم النبي صلى الله عليه وسلم وليس أحد منا إلا لقب أو لقبان: قال فكان إذا دعا رجلًا بلقبه قلنا يا رسول الله إن هذا يكره هذا، قال فنزلت (ولا تنابزوا بالألقاب)(سورة ق)(باب يوم نقول لجهنم هل امتلأت) الآية (حدثنا يونس)(4) ثنا شيبان عن قتادة فذكر شيئًا من التفسير قال قوله عز وجل (يوم نقول لجهنم هل امتلأت)(5) قال حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تزال

ابن الضحاك الخ) (1)(التفسير) ولا تنابزوا بالألقاب) أي لا يدعو بعضكم بعضًا بلقب يكرهه والتنابز التفاعل من النبز بالتسكين وهو المصدر، والنبز بالتحريك اللقب مطلقًا أي حسنًا كان أو قبيحًا، خص في العرف بالقبيح والجمع انباز، والألقاب جمع لقب وهو اسم غير الذي سمي به الإنسان، والمراد لقب السوء والتنابز بالألقاب هو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به مع كراهته لذلك، قال عكرمة وهو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر، وقال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك، قال عطاء هو أن تقول لأخيك يا حمار يا خنزير وروي عن ابن عباس قال التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعيَّر بما سلف من عمله وبقية الآية (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) أي بئس الاسم أن يقول له يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب، وقيل معناه أن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك فتسحقوا اسم الفسوق (ومن لم يتب) من ذلك (فأولئك هم الظالمون (2) كان يلقب بعضهم بعضًا في الجاهلية بألقاب متعددة بعضها حسن وبعضها قبيح وكان بعضهم يكره بعض تلك الألقاب وأن يدعى بها فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنزلت (3)(سنده) حدثنا حفص بن غياث ثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي جبيرة الضحاك الأنصاري عن عمومة له الخ (تخريجه)(د مذ جه ك) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (قلت) وصححه أيضًا الحاكم وأقره الدهبي (باب)(4) حدثنا يونس الخ) (غريبه)(5) روي عن ابن عباس أن الله تعالى سبقت كلمته (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء، فتقول ألست أقسمت لتملأني؟ فيضع قدمه عليها تعالىلا عما يقول الظالمون، ثم يقول هل امتلأت؟ فتقول قط قط قد امتلأت فليس فيَّ مزيد (ويستفاد منه) ومن حديث الباب أنها لا تكف عن طلب الزيادة إلا بعد أن يضع الله عز وجل قدمه فيها (التفسير)(يوم نقول لجهنم) قرأ نافع وأبو بكر بالياء التحتية وقرأ الآخرون بالنون (هل امتلأت) وذلك لما سبق لها من وعده إياها أنه يملؤها من الجنة والناس وهذا السؤال من الله عز وجل لتصديق خبره وتحقيق وعده (وتقول) جهنم (هل من مزيد) قال ابن عباس في رواية أبي صالح هذا استفهام بمعنى الاستزادة، وقال الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهدًا يقول لا يزال يقذف فيها حتى يقول قد امتلأت فتقول هل من مزيد، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا، فعند هؤلاء أن قوله تعالى هل امتلأت إنما هو بعدما يضع عليها قدمه

ص: 285

-[قوله تعالى (وهو بالأفق الأعلى) الآيات وتفسيرها]-

جهنم تقول (هل من مزيد) هل يضع فيها رب العزة قدمه (1) فتقول قطٍ قطٍ (2) وعزتك ويُزوى (3) بعضها إلى بعض (سورة النجم)(باب وهو بالأفق الأعلى - إلى قوله - لقد رأى من آيات ربه الكبرى)(عن ابن مسعود)(4) أنه قال إن محمدًا لم يرد جبريل في صورته (5) إلا مرتين، أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته فأراه صورته (6) فسد الأفق، وأما الأخرى فإنه صعد معه حين صعد به (7) وقوله (وهو الأفق الأعلى (8) ثم دنا فتدلى فكان قاب

فتنزوي وتقول حينئذ هل بقي فيّ مزيد يسع شيئًا، قال العوفي عن ابن عباس وذلك حين لا يبقى فيها موضع يسع إبرة، هذا والقول من جهنم غير مستنكر كإنطاق الجوارح، والسؤال لتوبيخ الكفرة لعلمه تعالى بأنها امتلأت أم لا (1) هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وقد سبق مرات الكلام على مثله، وللعلماء في ذلك كلام، وأقول كما قال جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن أنها حق على من أراد الله ولها معنىً يليق به من غير تشبيه ولا تمثيل، وظاهرها غير مراد والله أعلم (2) معنى قط حبي أن يكفيني هذا، وفيه ثلاث لغات قط قط بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة (3) بضم التحتية وسكون الزاي أي يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها نعوذ بالله منها (تخريجه)(ق، وغيرهما)(باب)(4)(سنده) حدثنا أبو النضر حدثنا محمد بن طلحة عن الوليد بن قيس عن إسحاق بن أبي الكهتلة قال محمد أظنه عن ابن مسعود أنه قال أن محمدًا الخ (غريبه)(5) أي التي خلقه الله عليها (6) كانت هذه الرؤية في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة فأوحى الله إليه صدر سورة أقرأ ثم تر الوحي فترة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم فيها مرارًا ليتردى من رءوس الجبال فكلما هم بذلك ناداه جبريل من الهواء يا محمد أنت رسول الله حقًا وأنا جبريل، فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه، وكلما طال عليه الأمر جاء لمثلها حتى تبدَّى له جبريل عليه السالم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق فاقترب منه وأوحى إليه عن الله عز وجل ما أمره به فعرف عند ذلك عظمة الملك الذي جاءه بالرسالة وجلالة قدره وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه الله (7) يعني عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء كما سيأتي في الحديث التالي عن ابن مسعود أيضًا: وفيه رأيت جبريل عن سدرة المنتهى وله ستمائة جناح (8)(التفسير) قال البغوي في تفسيره المراد بالأفق الأعلى جانب المشرق، وذلك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسد الأفق إلى المغرب فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيًا عليه فنزل جبريل في صورة الآدميين وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وهو قوله (ثم دنا فتدلى) اهـ وقال النسقي (ثم دنا) جبريل من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتدلى) فزاد في القرب والتدلي هو النزول بقرب الشيء (فكان قاب قوسين) مقدار قوسين عربيتين، وقد جاء التقدير الحديث لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع قِدَّه خير من الدنيا وما فيها، والقِد السوط وتقديره فكان مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذفت المضافات (أو أدنى) أي على تقديركم كقوله أو يزيدون، ولأنهم خوطبوا على لغتهم ومقدار فهمهم، وهم يقولون هذا قدر رمحين أو أنقص وقيل بل أدنى (فأوحى) جبريل عليه السلام (إلى عبده) إلى عبد الله محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس في رواية عطاء والكلبي والحسن

ص: 286

-[صفة جبريل ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم إياه مرتين على صورته الأصلية]-

قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) قال فلما أحس جبريل ربه (1) عاد في صورته وسجد

والربيع وابن زيد معناه أوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أوحى) إليه ربه عز وجل، قال سعيد بن جبير أوحى إليه (الم يجدك يتيمًا فآوى) إلى قوله (ورفعنا لك ذكرك) وقيل أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك (1) أي وجد عظمة ربه عز وجل (ما كذب الفؤاد ما رأى) قرأ أبو جعفر ما كذب بتشديد الذال أي ما كذب قلب م حمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه وحققه، وقرأ الآخرون بالتخفيف أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه يقال كذبه إذا قال له الكذب، وصدقه إذا قال له الصدق ومجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى، واختلفوا في الذي رآه فقال قوم رأى جبريل وهو قول ابن مسعود وعائشة، أما قول ابن مسعود فيستفاد من هذا الحديث وحديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في هذه الآية (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل وله ستمائة ألف جناح ينتثر من ريشه التهاويل (وهي الأشياء المختلفة الألوان) من الدر والياقوت، قال الحافظ بن كثير وهذا إسناد جيد قوي اهـ وسيأتي له أحاديث أخرى، 0 وأما قول عائشة) فقد جاء في غير حديث أيضًا (منها) ما رواه الشيخان والإمام أحمد عن مسروق عن عائشة قالت قلت أليس الله يقول (ولقد رآه بالأفق المبين الحديث سيأتي في هذا الباب، وروى مسلم والبغوي والإمام أحمد عن ابن عباس في قوله تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى)(ولقد رآه نزلة أخرى) قال رآه (يعني النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه عز وجل (بفؤاده مرتين) وروى عكرمة عن ابن عباس قال إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدًا بالرؤية فكانت عائشة رضي الله عنها تقول لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه: وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام (قال الحافظ) والحاصل أن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل كما ذهبت إلى ذلك عائشة: والتقدير على رأيه فأوحى أي جبريل إلى عبده أي عبد الله محمد لأنه يرى أن الذي دنا فتدلى هو جبريل وأنه هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وكلام أكثر المفسرين من السلف يدل على أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمد: ومنهم من قال إلى جبريل (قال الحافظ ابن القيم) في زاد المعاد، أما قوله تعالى في سورة النجم ثم دنى فتدلى فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء فأن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وابن مسعود والسياق يدل عليه فإنه قال، علمه شديد القوى وهو جبريل، ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى وهو ذو المرة أي القوة، وهو الذي استوى بالأفق الأعلى، وهو الذي دنا فتدلى فكان من محمد صلى الله عليه وسلم قدر قوسين أو أدنى، فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيها أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين مرة في الأرض ومرة عند سدرة المنتهى اهـ (قلت) مبحث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل وكلام العلماء في ذلك سيأتي مستوفى في شرح حديث الإسراء من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (أفتمارونه على ما يرى) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب أفتمرونه بفتح التاء بلا ألف أي أتجحدونه، تقول العرب مريت الرجل

ص: 287

-[قوله تعالى (ولقد رآه عند سدرة المنتهى - إلى قوله - لقد رأى من آيات ربه الكبرى)]-

فقوله (ولقد رآه نزلة أخرى (1) عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى) قال خلق جبريل عليه السلام (عن عاصم بن بهدلة)(2) قال سمعت شقيق بن سلمة يقول سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت جبريل على سدرة المنتهى (3) وله ستمائة جناح قال سألت عاصمًا عن الأجنحة فأبى أن يخبرني، قال فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب (عن عبد الرحمن بن يزيد)(4) عن عبد الله في قوله (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل

حقه إذا جحدته، وقرأ الآخرون أفتمارونه بالألف وضم التاء على معنى أفتجادلونه على ما يرى من المراء وهو المجادلة (1)(ولقد رآه نزلة أخرى) مرة أخرى من النزول نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها أي نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج (عند سدرة المنتهى) الجمهور على أنها شجرة نبق بكسر الباء ويقال نبق بفتح النون وسكون الباء والأول أنصح، أصلها في السماء السادسة وأعلاها في السماء السابعة عن يمين العرش والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء أو الانتهاء، كأنها في منتهى الجنة وآخرها، وفي بعض الروايات لم يجاوزها أحد وغليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها، وقيل ينتهي إليها أرواح الشهداء، روى البغوي بسنده عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر سدرة المنتهى قال يسير الراكب في ظل الغصن مائة عام، ويستظل في الغصن منها مائة ألف راكب: فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال، وقال مقاتل هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان، لو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض، وهي طوبى التي ذكرها الله في سورة الرعد (عندها جنة المأوى) أي الجنة التي يصير إليها المتقون، وقال عطاء عن ابن عباس جنة المأوى جنة يأوي إليها جبريل والملائكة، وقال مقاتل والكلبي يأوي إليها أرواح الشهداء (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال ابن مسعود: فراش من ذهب (والفراش بفتح الفاء دويبة ذات جناحين تتهافت في ضوء السراج واحدتها فراشة: والمعنى رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى وهو تعظيم وتكبير لما يغشاها فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلاله أشياء لا يحيظ بها الوصف، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله تعالى عندها (ما زاغ البصر وما طغى) قال ابن عباس أي ما عدل يمينًا ولا شمالًا ولا تجاوز الحد الذي رأى، وقيل ما جاوز ما أمر به، وقيل لم يمد بصره إلى غير ما رأى من الآيات، وهذا وصف أدب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام: إذ لم يلتفت يمينًا ولا شمالًا (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) الآيات التي هي كبراها وعظماها يعني حين رقى به إلى السماء فأرى عجائب الملكوت، وفسره ابن مسعود في الحديث فقال: خلق جبريل يعني صورته الأصلية (تخريجه) غريب اهـ (قلت) الحديث سنده صحيح لولا الشك في وصله عن ابن مسعود وله شواهد كثيرة وطرق متعددة تعضده (2)(سنده) حدثنا زيد بن حباب حدثني حسين حدثني عاصم بن بهدلة الخ (غريبه)(3) هذه الرؤية في المرة الثانية ليلة الإسراء (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره بسنده ومتنه وعزاه للإمام أحمد وقال هذا إسناد جيد (4)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن

ص: 288

-[قوله تعالى (ولقد رآه بالأفق المبين) وقوله (اقترب الساعة وانشق القمر)]-

في حلة من رفرف (1) قد ملأ ما بين السماء والأرض (عن مسروق)(2) قال كنت عند عائشة رضي الله عنها قال قلت أليس الله يقول (ولقد رآه بالأفق المبين - ولقد رآه نزلة أخرى) قالت أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فقال إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين (3) رآه منهطبًا من السماء إلى الأرض سادَّا عظم خلقه ما بين السماء والأرض (عن ابن عباس)(4) في قوله تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) قال رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل بقلبه مرتين (سورة القمر)(باب قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر)(عن أبي معمر عن عبد الله)(5) أنه قال في هذه الآية (اقتربت الساعة وانشق القمر) قال قد انشق (6) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين أو فِلقين شعبة (7) الذي يشك فكان فلقة من وراء الجبل وفلقة على الجبل (8) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اشهد (9)(عن أنس)(10) سأل أهل

أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله (يعني ابن مسعود) الخ (غريبه)(1) هذه هي الرؤية الأولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة وتقدم الكلام على ذلك في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (وقوله من رفرف) أي ديباج رقيق حسنت صنعته جمعه رفارف (تخريجه)(مذك) وقال الترمذي حديث حسن صحيح: وصححه أيضًا الحاكم وأقره الذهبي، ورواه أيضًا عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني (2)(سنده) حدثنا محمد بن أبي عدي عن دارد عن الشعبي عن مسروق الخ (غريبه)(3) تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث والكلام عليه في شرح الحديث الأول (تخريجه)(ق مذ نس)(4)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن زيد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس الخ (تخريجه) الحديث سنده صحيح وأورده الحافظ ابن كثير فير تفسيره، وعزاه لمسلم من طريق وكيع عن الأعمش، ثم قال وكذا رواه سماك عن عكرمة عن ابن عباس مثله، وكذا قال أبو صالح والسدي وغيرهما أنه رآه بفؤاده مرتين أو مرة وقد خالفه ابن مسعود وغيره، وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد، ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم، وقول البغوي في فسيره وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة فيه نظر والله أعلم اهـ (قلت) وفي الباب عند الإمام أحمد أحاديث غير ما ذكرنا ستأتي في أبواب الإسراء من كتاب السيرة النبوية وسنأتي في شرحها على تحقيق رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل وكلام العلماء في ذلك والله الموفق (باب)(5)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله الخ (قلت) أبو معمر هو (غريبه)(6) يعني القمر (7) شعبة هو ابن الحجاج أحد رجال السند يشك هل قال فرقتين أو فلقتين ومعناهما واحد أي قطعتين لما سأله كفار قريش أن يريهم آية (8) أي جبل حراء (9) جاء في رواية أخرى من حديث ابن مسعود أيضًا عند الإمام أحمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اشهدوا) أي اشهدوا على نبوتي ومعجزتي من الشهادة، وقيل معناه أحضروا وانظروا من الشهود (تخريجه)(ق مذ وغيرهم (10)(سنده) حدثنا

ص: 289

-[معجزة انشقاق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم وتكذيب الكفار وكلام العلماء في ذلك]-

مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية (1) فانشق القمر بمكة مرتين (2) فقال (اقتربت الساعة (3) وانشق القمر

عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن قتادة عن أنس (يعني ابن مالك) الخ (غريبه)(1) أي معجزة تشهد لما ادعاه من نبوته (2) تكلم الحافظ ابن القيم على هذه الرواية فقال المرات يراد بها الأفعال تارة ويراد بها الأعيان أخرى، والأول أكثر، ومن الثاني انشق القمر مرتين، وقد خفي هذا على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين، وهذا مما يعلم اهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقد وقع للعماد بن كثير في الرواية التي فيها مرتين نظر، ولعل قائلها أراد فرقتين (قلت) وهذا الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات (3) (التفسير) (اقتربت الساعة) أي قربت مثل أزفت الآزفة فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبه لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روي قتادة عن أنس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى: وما نرى من الشمس إلا يسيرًا رواه البزار بسند لا بأس به ويعضده ما جاء عند الإمام أحمد بسند جيد عن ابن عمر قال كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى (وما أخرجه الشيخان والإمام أحمد) عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بشت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى: ومعناه أنه لم يبق من عمر الدنيا إلا كما بقي من الوسطى بالنسبة للسبابة (وانشق القمر) روى أبو نعيم عن ابن عباس قال لما اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقًا فشق لنا القمر فرقتين: فسأل ربه فانشق (وإن يروا آية) أي دليلًا وحجة وبرهانًا (يعرضوا) أي لا ينقادوا له بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم (ويقولوا سحر مستمر) أي ويقولون هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر سحرنا به، ومعنى مستمر أي ذاهب قاله مجاهد وقتادة وغيرهما أي باطل مضمحل لا دوام له (عن عبد الله بن مسعود) قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كفار قريس هذا سحر ابن أبي كبشة قال فقالوا انظروا ما يأتيكم به السُّفار فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم (دطل هق) زاد البيهقي قال وسئل السفار قال وقدموا من كل وجهة فقالوا رأينا (قال ابن عبد البر) قد روى هذا الحديث يعني حديث انشقاق القمر عن جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا وتأييد بالآية الكريمة (تخريجه)(م وغيره) قال الخطابي انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السموات، خارجًا عن جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة، فلذلك صار البرهان به أظهر: وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أثره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء، والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلًا لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نيامًا مستكنين بالأبنية فلهذا لم يشعر به أكثر الناس وإنما رآه من تصدى لرؤية ممن اقترح وقوعه، اهـ باختصار، وقال الحافظ ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله وانشق القمر أي سينشق كما قال تعالى أتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق

ص: 290

-[قوله تعالى (يوم يسحبون في النار على وجوههم) الخ]-

وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) (عن أبي إسحاق)(1) قال رأيت رجلًا سأل الأسود بن يزيد وهو يُعَلم القرآن في المسجد فقال كيف تقرأ هذا الحرب (فهل من مذّكِر) أذال أم دال (2) فقال لا بل دال، ثم قال سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها مدكر دالا (عن أبي هريرة)(3) قال جاء مشركوا قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه (4) في القدر فنزلت (يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر)(5)

وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع، قال والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله وانشق القمر وقوع انشقاقه لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر اهـ وفي الباب أحاديث كثيرة للإمام أحمد ستأتي في باب (ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر) من أبواب المعجزات في كتاب السيرة النبوية (فائدة) وقع انشقاق القمر بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين أفاده الحافظ (1)(سنده) حدثنا أبو كامل حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال رأيت رجلًا الخ (غريبه)(2) معناه تقرؤها بالدال المهملة المشددة أم بالذال المعجمة المشددة أيضًا فأجابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها بالدال المهملة أم بالذال المعجمة المشددة أيضًا فأجابه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها بالدال المهملة ومعناه متعظ خائف يتعظ ويعتبر، وأصله مذتكر بالذال والتاء من الذكر فثقلت على الألسنة فقلبت التاء دالًا لتوافق الذال في الجهر وأدغمت الدال فيها، وأول الآية (ولقد تركناها آية فهل من مدكر) وتفسيرها (ولقد تركناها) يعني الفعلة التي فعلنا بقوم نوح من الغرق (آية) يعتبر بها، وقيل أراد السفينة: قال قتادة أبقاها الله بباقِردى من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة واستظهر الحافظ ابن كثير أن المراد من ذلك جنس النفس كقوله تعالى (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) وقال تعالى (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية) ولهذا قال ها هنا (فهل من مدكر) أي فهل من يتذكر ويتعظ والله أعلم (تخريجه)(ق والثلاثة)(3)(سنده) حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن زياد بن إسماعيل عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة الخ (غريبه)(4) أي يجادلونه في القدر (قال النووي) المراد بالقدر هنا القدر المعروف، وهو ما قدر الله وقضاءه وسبق به علمه وإرادته، وأشار الباجي إلى خلاف هذا وليس كما قال، وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله مراد له (5) (التفسير) هذه الآية مرتبطة بالآية التي قبلها وهي قوله تعالى (إن المجرمين في ضلال) يخبر تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق (وسعر) بضم السين والعين المهملتين أي احتراق وقيل جنون مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء: وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع ومكذب بالقدر من سائر الفرق، ثم قال تعالى (يوم يسحبون في النار على وجوههم) أي كما كانوا في سُعر وشك وتردد أورثهم ذلك النار، وكما كانوا ضلالًا يسحبون فيها على وجوههم لا يدرون أين يذهبون ويقال لهم تقريعًا وتوبيخًا (ذوقوا مس سقر) مسها ما يجدون من الألم عند الوقوع فيها (وسقر) اسم من أسماء جهنم لا ينصرف لأنه اسم مؤنث معرفة، وكذا لظى وجهنم،

ص: 291

-[قوله تعالى (فبأي ألاء ربكما تكذبان) وقوله (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه أنس ولا جان)]-

(سورة الرحمن جل جلاله (باب فبأي آلاء ربكما تكذبان)

(عن أسماء بنت أبي بكر)(1) قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع (2) بما يؤمر والمشركون يستمعون (فبأي آلاء ربكما تكذبان)(3)(باب فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) الخ (عن عائشة)(4) رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحاسب يوم القيامة أحد فيغفر له (5) يرى المسلم عمله في قبره (6) ويقول الله عز وجل (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان (7) يعرف المجرمون بسيماهم)

وقال عطاء سقر الطبق السادس من جهنم، وقال قُطْرُب (سقر) من سقرته الشمس وصقرته لوّحته ويوم مسمقر ومصمقر شديد الحر (أنا كل شيء خلقناه بقدر) كل منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر وقرأ به العامة وقرئ بالرفع شاذًا والنصب أولى وتقديره أنا خلقنا كل شيء بقدر فيكون الخلق عامًا لكل شيء وهو المراد بالآية، والقدر التقدير أي بتقدير سابق أو خلقنا كل شيء مقدرًا محكمًا مرتبًا على حسب ما اقتضته الحكمة أو مقدرًا مكتوبًا في اللوح معلومًا قبل خلقه قد علمنا حاله وزمانه، وقد استدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السباق لخلقه، وردوا بهذه الآية وما شاكلها من الآيات وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرقة القدرية الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة، وقد ورد في ذم المكذبين بالقدر ولعنهم أحاديث كثيرة تقدمت في باب هجر المكذبين بالقدر في كتاب القدر في الجزء الأول صحيفة 140 فارجع إليه والله الموفق (تخريجه)(م مذجه)(باب)(1)(سنده) حدثنا يحيى بن إسحاق قال أنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر الخ (غريبه)(2) قال في المصباح صدعته صدعًا من باب نفع شفقته فانصدع وصدعت القوم صدعًا فتصدعوا فوسقتهم فتفرقوا وقوله تعالى (فاصدع بما تؤمر) قيل مأخوذ من هذا أي شق جماعاتهم بالتوحيد وقيل أفرق بذلك بين الحق والباطل، وقيل أظهر ذلك وصدعت بالحق تكلمت به جهارًا اهـ والمعنى قبل أن يؤمر بالجهر بالقراءة وإظهار الدعوة (3)(التفسير)(فبأي آلاء) أي نعم (ربكما) أيها الإنس والجن (تكذبان) ذكرت احدى وثلاثين مرة، والاستفهام فيها للتقرير لما روى الحاكم عن جابر قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال ما لي أراكم سكوتا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردًا، ما قرأت عليهم هذه الآية في مرة (فبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا ولا بشيء من نعمتك ربنا نكذب فلك الحمد (قلت) ورواه أيضًا البزار وصححه الحاكم وأقره الذهبي (تخريجه حديث الباب) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح (باب)(4)"سنده"(حدثنا) حسن حدثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الأسود عن عروة عن عائشة الخ (غريبه)(5) معناه من حوسب يوم القيامة ولفظه عن البخاري وليس أحد يحاسب إلا هلك، والمعنى واحد، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وسيأتي الكلام عليه في تفسير السورة المذكورة (6) المعنى أن المؤمن يحاسب في القبر ليكون اهون عليه في الموقف فيمحص في الرزخ فيخرج وقد اقتص منه (7)(التفسير) هذه الجملة مرتبطة بما قبلها وهو قوله فإذا انشقت السماء

ص: 292

-[قوله تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان) وقوله (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين)]-

(باب ولمن خاف مقام ربه جنتان)(وعن أبي الدرداء)(1) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقص على المنبر (ولمن خاف مقام ربه جنتان)(2) فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية (3)(ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت الثانية (4) وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء (5)(سورة الواقعة)(باب ثلة من الأولين وقليل من الآخرين)(عن أبي هريرة)(6) رضي الله عنه قال لما نزلت (ثلة من الأولين (7) وقليل من الآخرين) شق ذلك على المسلمين فنزلت (ثلة من الأولين وثلة من

فكانت وردة كالدِّهان ومعنى (انشقت) أي انفك بعضها من بعض لقيام الساعة أي انفرجت (فكانت وردة) فصارت كلون الورد الأحمر، وقيل أصل لون السماء الحمرة ولكن من بُعدها تُرى زرقاء (كالدهان) كدهن الزيت كما قال في المهل وهو دردى الزيت وهو جمع دهن وقيل الدهان الأديم الأحمر (فيومئذ) أي فيوم تنشق السماء (لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) قال الحسن وقتادة لا يسئلون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم لأن الله عز وجل علمهما منهم وكتبت الملائكة عليهم، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وعنه أيضًا لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم دليله ما بعده، وهذا قول مجاهد، وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى (فوربك لنسألنهم أجمعين) قال لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا لأنه أعلم بذلك منهم: ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا؟ وعن عكرمة أنه قال إنها مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها: وعن ابن عباس أيضًا لا يسئلون سؤال شفقة ورحمة إنما يسئلون سؤال تقريع وتوبيخ (يعرف المجرمون بسيماهم) وهو سواد الوجوه وزرقة العيون كما قال جل ذكره (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وسنده جيد وإن كان فيه ابن لهيعة لكنه صرح بالسماع وله شواهد صحيحة تعضده (باب)(1)(سنده)(حدثنا) سليمان أنا إسماعيل بن جعفر أنا محمد بن حرملة عن عطاء ابن يسار عن أبي الدرداء الخ (التفسير)(ولمن خاف مقام ربه) أي موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة بين يدي الله عز وجل ونهى النفس عن الهوى ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه، وقيل خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه بيانه قوله تعالى (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) من كان هذا حاله فله عند ربه (جنتان) جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته (قال الحافظ بن كثير) في تفسيره وهذه الآية عامة في الإنس والجن فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا ولهذا امتن الله على الثقلين بهذا الجزاء فقال: ولمن خاف مقام ربه جنتان: ثم نعت هاتين الجنتين فقال (ذواتا أفنان) أي أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة (3) يعني كرر الآية مرة ثانية غير المرة الأولى (4) يعني وإن زنى وإن سرق (5) أي إن تاب من ذنبه وأحسن التوبة لأنه لا يخاف مقام ربه إلا من تاب من ذنبه وندم على فعله والله أعلم (تخريجه)(نس) وابن جرير والبغوي ورجاله ثقات (باب)(6) حدثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن محمد بياع الملاء عن أبيه عن أبي هريرة الخ (7) هذه الآية مرتبطة بالآية التي قبلها وهي قوله تعالى (والسابقون السابقون أولئك المقربون في

ص: 293

-[تفسير قوله تعالى (والسابقون السابقون) إلى قوله (وقليل من الآخرين)]-

الآخرين) فقال أنتم ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الباقي (باب وظل ممدود)(حدثنا عبد الرزاق)(1) ثنا معمر عن قتادة في قوله تعالى (وظل ممدود) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أن في الجنة شجرة (2) يسير الراكب في ظلها (3) مائة عام لا يقطعها (4) قال معمر أخبرني محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم

جنات النعيم، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) (التفسير)(والسابقون) مبتدأ (السابقون) خبره تقديره السابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنان، وقيل الثاني تأكيد للأول، والخبر (أولئك المقربون) والأول أوجه (في جنات النعيم) أي هم في جنات النعيم (ثلة من الأولين) أي هم ثلة: والثلة الأمة من الناس الكثيرة والمعنى أن السابقين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى نبينا محمد عليهما الصلاة والسلام (وقليل من الآخرين) وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مروي عن مجاهد والحسن البصري رواله عنهما ابن أبي حاتم وهو اختيار ابن جرير (قال القرطبي في تفسيره) وسموا قليلًا بالإضافة إلى من كان قبلهم لأن الأنبياء المتقدمين كثروا فكثر السابقون إلى الإيمان منهم فزادوا على عدد من سبق إلى التصديق من أمتنا، وقيل لما نزل هذا شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: ثلة من الأولين وثلة من الآخرين: فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن ت كونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني رواه أبو هريرة ذكره الماوردي وغيره (قلت والإمام أحمد كما في حديث الباب) قال ومعناه ثابت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود وكأنه أراد أنها منسوخة، والأشبه أنها محكمة لأنها خبر ولأن ذلك في جماعتين مختلفتين: قال الحسن سابقوا من مضى أكثر من سابقينا فلذلك قال (وقليل من الآخرين) وقال في أصحاب اليمين وهم سوى السابقين (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن تكون أمتي شطر أهل الجنة ثم تلا قوله (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) اهـ (وقال النسفي في تفسيره) فإن قلت كيف قال قبل هذا (وقليل من الآخرين ثم قال هنا (وثلة من الآخرين)(قلت) ذاك في السابقين وهذا في أصحاب اليمين وأنهم يتكاثرون في الأولين والآخرين جميعًا وعن الحسن سابقوا الأمم أكثر من سابقي أمتنا وتابعوا الأمم مثل تابعي هذه الأمة اهـ (وقال القرطبي) قال مجاهد كل من هذه الأمة: وروى سفيان عن أبان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (الثلثان جميعًا من أمتي) يعني ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، وروى هذا القول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال كلا الثلثين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فمنهم من هو في أول أمته ومنهم من هو في آخرها وهو مثل قوله تعالى (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وقيل ثلة من الأولين أي من أول هذه الأمة: وقليل من الآخرين يسارع في الطاعات حتى يلحق درجة الأولين ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم خيركم قرني ثم سوّى في أصحاب اليمين بين الأولين والآخرين اهـ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لابن أبي حاتم والإمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد من حديث بياع الملاء عن أبيه ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات، (باب)(1)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(غريبه)(2) قيل هي طوبى وقيل هي شجرة الخلد (3) الظل له معان كثيرة عند أهل اللغة، والمراد هنا نعيمها أو ناحيتها (4) المراد بقطعها عدم الانتهاء بالمسير إلى المنتهى، وهذا الحديث موقوف على أنس

ص: 294

-[قوله تعالى (وفرش مرفوعة) وقوله (فسيح باسم ربك العظيم)]-

ويقول أبو هريرة واقرأوا إن شئتم (1)(وظل ممدود)(باب وفرش مرفوعة)(عن أبي سعيد الخدري)(2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (وفرش مرفوعة)(3) والذي نفسي بيده ارتفاعها كما بين السماء والأرض (4) وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة سنة (باب) فسبح باسم ربك العظيم (عن عقبة بن عامر الجهني)(5) قال لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت (سبح اسم ربك الأعلى) قال اجعلوها

ولكنه جاء مرفوعًا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال معمر (1) معناه أن قوله اقرأوا إن شئتم وظل ممدود) من قول أبي هريرة لا من الحديث المرفوع (وظل ممدود) قال العلماء الجنة كلها ظل لا شمس معه وليس هو ظل الشمس بل ظل يخلقه الله تعالى، قال الربيع بن أنس ظل العرش (وروى عكرمة) عن ابن عباس في قوله (وظل ممدود) قال شجرة في الجنة على ساق العرش يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها ويشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله عز وجل عليها ريحًا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا (تخريجه)(ق. وغيرهما)(باب)(2)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري الخ (3)(التفسير)(وفرش مرفوعة) فسرت في الحديث بأن ارتفاعها كما بين السماء والأرض، وهو فيد أن بعضها فوق بعض فهي مرفوعة عالية وبهذا قال بعض المفسرين، وقال علي رضي الله عنه وفرض مرفوعة على الأسرة وقيل مرفوعة أي عالية وطيئة ناعمة (4) قال بعض أهل العلم ارتفاع الفرش في الدرجات وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض رواه ابن جرير عن أبي كريب عن رشدين بن سعد وفيه كلام، وروى ابن أبي حاتم بسنده عن الحسن (وفرش مرفوعة) قال ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة (تخريجه)(مذ) والبغوي في تفسيره وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين وقال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث وارتفاعها كما بين السماء والارض قال ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات، والدرجات ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض اهـ قال الحافظ السيوطي وقد رأيته من حديث غيره (يعني غير رشدين) عند أحمد "يعني حديث الباب" قال فلو رأى الترمذي طريق أحمد أيضًا لصححه وقال وقد صححه ابن حبان فأخرجه في صحيحه من طريق ابن لهيعة وصححه الضياء المقدسي فأخرجه في المختارة من طريق رشدين قال وأخرجه أيضًا النسائي والبيهقي في البعث اهـ قال المحدث السيد محمد صبغة الله المدراسي في ذيل القول المسدد أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الخطيب حدثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن محمد بن سنان ثنا جعفر بن جبر ثنا أبي عن الحسن عن أبي هريرة به قال لا يصح، جبر وابنه متروكان والمتهم به عبد الله بن محمد بن سنان قال ابن حبان يضع الحديث ويقلبه ويسرقه (قلت) أخرجه الإمام أحمد من وجه يصح قال حدثنا حسن فذكر حديث الباب بسنده ولفظه كما هنا وذكر ما قلناه عن الترمذي ثم قال دراج ضعفه أبو حاتم والدارقطني ووثقه يحيى بن معين وعلين بن المديني وغيرهما وصحح حديثه عن أبي الهيثم الترمذي واحتج به ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم وغيرهما وأما رشيدين فيتكلموا فيه لكن قال أحمد ليس به بأس في الرقائق، وقال أيضًا ارجو أنه صالح الحديث وحسن له الترمذي والله أعلم (باب)(5) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب الذكر في الركوع من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة

ص: 295

-[قوله تعالى (وتجلعون رقكم أنكم تكذبون) وقوله (فروح وريحان)]-

في سجودكم (باب وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)(عن علي رضي الله عنه (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتجعلون رزقكم)(2) يقول شكركم (أنكم تكذبون) يقولون مطرنا (3) بنوء كذا وكذا بنجم كذا وكذا (باب فروح وريحان)(عن عائشة رضي الله عنها (4) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ (فروح وريحان)(5)

رقم 634 وإنما ذكرته هنا لمناسبة الآية (باب)(1)(سنده) حدثنا حسين بن محمد حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن عن علي الخ (2) أول الآية (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون)(التفسير)(أفبهذا الحديث) يعني القرآن (أنتم مدهنون) متهاونون به كمن يدهن في بعض الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونًا به، وقال ابن عباس وعطاء وغيرهما مدهنون أي مكذبون والمدهن الذي ظاهره خلاف باطنه كأنه شبه بالدهن في سهولة ظاهره وقيل المدهن المنافق أو الكافر الذي يلين جانبه ليخفي كفره (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب موضع الشكر، وفي قراءة علي رضي الله عنه وهي قراءة النبي صلى الله عليه ونسلم تجعلون شكركم أنكم تكذبون أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به وسياق الحديث يدل على أنها نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليها والرزق المطر أي (تجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه إلى النجوم (3) بصيغة المجهول (وقوله بنوء كذا وكذا) بفتح النون وسكون الواو (بنجم كذا وكذا) وذلك أنهم كانوا إذا مطروا يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ولا يرون ذلك المطر من فل الله عليهم، فقيل لهم أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقكم التكذيب، فمن نسب الإنزال إلى النجم فقد كذب برزق الله تعالى ونعمه، وكذب بما جاء به القرآن والمعنى أتجعلون بدل الشكر التكذيب وقد تقدم معنى النوء والكلام فيه مستوفى في باب اعتقاد أن المطر بيد الله الخ من أبواب صلاة الاستسقاء في الجزء السادس صحيفة 252 فارجع إليه (تخريجه)(مذ) وابن أبي ح اتم وابن جرير، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وروى سفيان عن عبد الأعلى هذا الحديث بهذا الإسناد ولم يرفعه (باب) (4) (سنده) حدثنا وكيع عن هارون عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن عائشة الخ (5) أول الآية (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم) (التفسير) (فأما إن كان) يعني المختصر الذي حضرته الوفاة (من المقربين) من السابقين المذكورين في قوله (وكنتم أزواجًا ثلاثة في أول السورة وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات (فروح) قرأ يعقوب بضم الراء وقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة في حديث الباب: وقرأ الباقون بفتحها. فمن قرأ بالضم قال الحسن معناه تخرج روحه في الريحان، وقال قتادة الروح الرحمة أي له الرحمة، وقيل معناه فحياة لهم وبقاء لهم، ومن قرأ بالفتح معناه فله روح وهو الراحة وهو قول مجاهد وقال سعيد بن جبير فرحٌ وقال الضحاك مغفرة ورحمة (وريحان) استراحة، وقال مجاهد وسعيد بن جبير رزق، وقال آخرون هو الريحان الذي يشم، قال أبو العالية لا يفارق أحد من المقربين بين الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض روحه: قال الحافظ ابن كثير وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة فإن من مات مقربًا حصل له جميع ذلك من الرحمة

ص: 296

-[قصة المجادلة وتفسير قوله تعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها)]-

(سورة المجادلة)(باب قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الخ)(عن خولة بنت ثعلبة)(2) قالت والله فيّ وفي أوس بن صامت أنزل الله عز وجل من صدر سورة المجادلة (2) قالت كنت عنده وكان سيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، قالت فدخل عليّ يومًا فراجعته بشيء فغضب فقال أنت عليّ كظهر أمي، قالت ثم خرج فجلس في ناد

ي قومه ساعة ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني على نفسي: قالت فقلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت فواثبني وامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني، قالت ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه فجعلت أشكو إليه صلى الله عليه وسلم ما ألقى من سوء خلقه، قالت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه، قالت فوالله ما برحت حتى نزل فيّ القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سُرِّي

والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق والحسن (وجنة نعيم) قال محمد بن كعب لا يموت أحد من الناس حتى يعلم من أهل الجنة هو أم من أهل النار (تخريجه)(دمذنس) من حديث هارون وهو ابن موسى الأعور، قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديثه (قلت) هارون بن موسى المشار إليه قال في الخلاصة رجال الصحيحين وغيرهما وثقه ابن معين والأصمعي وفي التهذيب وثقه أبو داود وأبو زرعة، وفي التقريب ثقة مقرئ إلا أنه رمى بالقدر (باب)(1) حديث خولة هذا تقدم بطوله وسنده وشرحه وتخريجه في كتاب الظهار في الجزء السابع عشر صحيفة 21 رقم 44 وإنما أعدت ذكره هنا لأجل تفسير الآيات الخاصة بالظهار لأنها لم تفسر هناك (2) تعني قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تجاوركما إن الله سميع بصير "إلى قوله" وللكافرين عذاب أليم (التفسير) قوله عز وجل (قد سمع الله قول التي تجادلك) تحاورك، وقرئ بها ومعناه تراجعك في زوجها المظاهر منها، وكان قد قال لها أنت عليّ كظهر أمي، وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابها بأنها حرمت عليه على ما هو المعهود عندهم من أن الظهار موجبه فرقة مؤبدة وهي خولة بنت ثعلبة وهو أوس بن الصامت كما جاء في الحديث (في زوجها) في شأنه وما وقع منه (وتشتكي إلى الله) تظهر ما بها من المكروه "والله يسمع تحاوركما" مراجعتكما الكلام من حوار إذا رجع (إن الله سميع) يسمع شكوى المضطر (بصبر) بحاله (الذين يظّهرن) بتشديد الظاء والهاء أصله يتظهرون أدغمت التاء في الظاء، وفي قراءة يظاهرون XXX والهاء المخففة وفي أخرى يظاهرون كيقاتلون: والموضع الثاني في القراءات كذلك وفي قوله تعالى (منكم) توبيخ للعرب لأنه كان في إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم (من نسائهم) زوجاتهم (ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي) بهمزة وياء وبلا ياء (ولدنهم) يريد أن الأمهات على الحقيقة الوالدات، والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع، وكذا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيادة حرمتهن، وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة فلذا قال (وإنهم ليقولون منكرًا من القول) أي تنكره الحقيقة والأحكام الشرعية (وزورًا) كذبًا وباطلًا منحرفًا عن الحق (وإن الله لعفو غفور) لما سلف منهم (والذين يظاهرون من نسائهم) بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله

ص: 297

-[بقية قصة المجادلة ومحاورتها مع النبي صلى الله عليه وسلم]-

عنه فقال لي يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك، ثم قرآ عليّ (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تجاوركما إن الله سميع بصير - إلى قوله - وللكافرين عذا أليم) فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مريه فيعتق رقبة: قالت فقلت والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق قال فليصم شهرين متتابعين، قالت فقلت والله يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام: قال فلطعم ستين مسكينًا وسقا من تمر، قالت فقلت والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا سنعينه فعرَق من تمر قالت فقلت وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي بتصدقي عنه ثم استوصي بابن عمك خيرًا، قالت ففعلت: قال عبد الله قال أبي قال سعد العرق الصَّنُّ (عن عائشة رضي الله عنها (1) قالت الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات (2)، لقد جاءت المجادلة (3) إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى آخر الآية)(4)(حدثنا أبو معاوية وابن نمير)(5)

منكر وزور، وبين في الثانية حكم الظهار (ثم يعودون لما قالوا) أي فيه بأن يخالفوه بإمساك المظاهر منها الذي هو خلاف مقصود الظهار من وصف المرأة بالتحريم (فتحرير رقبة) أي إعتاقها عليه من قبل أن يتماسا) بالوطء (ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد) رقبة (فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع) أي الصيام (فإطعام ستين مسكينًا) عليه أي من قبل أن يتماسا حملًا للمطلق على المقيد، لكل مسكين مد من غالب قوت البلد (ذلك) أي التخفيف في الكفارة (لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك) أي الأحكام المذكورة (حدود الله وللكافرين) بها (عذاب أليم) أي مؤلم نعوذ بالله من ذلك (1)(سنده) حدثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة الخ (غريبه)(2) هو كقوله تعالى (وإن ت جهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى)(3) تعني المرأة التي كانت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في ظهار زوجها وهي خولة بنت ثعلبة (4) في هذه الآية والحديث دلالة على عظمة الله عز وجل وكبريائه وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، عائشة لم تسمع لكلام المرأة وهي معها في البيت والله تعالى يقول (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) سبحانك ما أعظم شأنك وأربع مكانك وأعز سلطانك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقًا فقال وقال الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة فذكره: وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من غير وجه عن الأعمش به (5)(حدثنا أبو معاوية وابن نمير) الخ هذا الحديث تقدم نحوه عن عائشة أيضًا من وجه آخر في باب ما يقال في رد السلام على أهل الكتاب من كتاب السلام والاستئذان في آخر الجزء السابع عشر صحيفة 340 رقم 34 وتقدم شرحه هناك وليس فيه ذكر الآية وذكرت هذا الحديث هنا لما ذكر فيه من كتاب الله عز وجل وهو بعض آية أولهما قوله عز وجل (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيَّوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير)(التفسير)(ألم تر الذين نهوا عن النجوى) أي التحدث سرًا، نزلت في اليهود والمنافقين

ص: 298

-[نزول قوله تعالى (وإذا جاءوك حيَّوك بما لم يحِّك به الله) وتفسيرها مع آيات أخرى]-

قالا حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنه قالت أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من ليهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم، فقال وعليكم، قالت عائشة فقلت وعليكم السام والذام (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة لا تكوني فاحشة، قالت فقلت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا السام عليك؟ قال أليس قد رددت عليهم الذي قالوا قلت وعليكم؟ قال ابن نمير يعني في حديث عائشة أن الله عز وجل لا يحب الفحش ولا التفحش، وقال ابن نمير في حديثه فنزلت هذه الآية (وإذا جاءوك حيَّوك بما لم يحيك به الله) حتى فرغ (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما (2) أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم (ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول) فنزلت هذه الآية (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله)(3)

(باب ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، الآيات)(عن ابن عباس)(4) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كاد يقلص عنهم الظل (5) قال فقال إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه، قال فجاء رجل أزرق فدعاه

وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم يوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوءهم فيحزنون لذلك ويقولون ما نراهم إلا وقد بلغهم عن إخواننا الذين اخرجوا في السرايا قتل أو موت أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلما طال ذلك عليهم وكثر شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم فأنزل الله (ألم تر إلى الذين نُهوا عن النجوى) أي المناجاة (ثم يعودون لما نهوا عنه) أي يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها (ويتنجاون) قرأ الأعمش وحمزة وينتجؤون على وزن يفتعلون، وقرأ الآخرون ويتناجون لقوله (إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهاهم عن النجوى فعصوه (وإذا جاءوك حيَّوك بما لم يحيِّك به الله)، وذلك أن اليهود كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم (ويقولون) السام عليك كما جاء في حديث الباب، والسام الموت وهم يوهمونه أنهم يقولون السلام عليك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم فيقول عليكم، فإذا خرجوا قالوا في أنفسهم (لولا يعذبنا الله بما نقول) يريدون لو كان نبيًا حقًا لعذبنا الله بما نقول: قال الله عز وجل (حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير)(1) السام يعني الموت والذام بالذال المعجمة وتخفيف الميم هو الذم بمعنى العيب (تخريجه)(م) والبغوي وابن أبي حاتم وغيرهم (2)(سنده) حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو الخ (3) تقدم الكلام على شرحه وتفسيره في الحديث السابق (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد وقال إسناده حسن ولم يخرجوه يعني أصحاب الكتب الستة اهـ، وأورده أيضًا الهيثمي وقال رواه (حم بز طب) وإسناده جيد لأنه حمادًا سمع من عطاء في حالة الصحة، وأورده أيضًا الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان (باب)(4)(سنده) حدثنا حسن بن موسى حدثنا زبير حدثنا سماك حدثني سعيد بن جبير أن ابن عباس حدثه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل حجرة الخ (غريبه)(5) يقلص بكسر اللام

ص: 299

-[نزول قوله تعالى (فيحلفون له كما يحلفون لكم) في حق اليهود أيضًا]-

رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه (1) قال علام تشتميني أنت وفلان وفلان نفر دعاهم بأسمائهم؟ (2) قال فذهب الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه فأنزل الله عز وجل (فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون) الآية (3)(وعنه من طريق ثان (4 بنحوه وفيه) قال فنزلت هذه الآية في المجادلة (5)(ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) والآية الأخرى (6)

كيضرب أي ينزوي ويذهب (1) أي كلمه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله علام تشتمني الخ (2) أي ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأسمائهم فأنكر الرجل ما نسب إليه ودعا أصحابه الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم فحلفوا أنه لم يحصل منهم ما نسب إليهم واعتذروا إليه، فأنزل الله عز وجل تكذيبهم بقوله (يحلفون له الخ) وهذه الجملة مرتبطة بقوله تعالى (يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم) وقد يستدل بهذه الرواية على جواز حذف العطف ونحوه عند الاستشهاد بآية إذا لم يكن مغيرًا لمعنى الكلام (3) بقية الآية (ويحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون) وسيأتي تفسيرها وغيرها في الطريق الثانية (4)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر عليكم رجل ينظر بعين شيطان، أو بعين شيطان قال فدخل رجل أزرق فقال يا محمد علام سببتني أو شتتني أو نحو هذا قال وجعل يحلف قال فنزلت هذه الآية الخ (قلت) جاء في هذه الطريق عند الإمام أحمد (فقال يا محمد علام سببتني الخ) والظاهر أن زيادة يا محمد وقعت خطأ من بعض رواة المسند أو ناسخيه لأنها تنافي سياق الحديث لا سيما الطريق الأولى فإنها تدل على أن الذي نسب إليه السب والشتم هو الرجل الأزرق والنبي صلى الله عليه وسلم يسأله وبتهمة وهو يحلف كاذبًا يتبرأ وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الرجل الأزرق (فقال علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال ذرني آتك بهم فانطلق فدعاهم فحلفوا ما قالوا وما فعلوا) هذا لفظ الحاكم، ولفظ ابن أبي حاتم (فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال علام تشتمني أنت وفلان وفلان نفر دعاهم عاصم بأسمائهم، (5) يعني في سورة المجادلة (6) بيَّن ابن أبي حاتم الآية الأخرى أنها (يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون 9 أما قوله تعالى (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) فأول الآية (الم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) وإليك تفسير هذه الآيات إلى قوله (ألا إنهم هم الكاذبون)(التفسير) قوله عز وجل (الم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم) نزلت في المنافقين الذين تولوا اليهود المغضوب عليهم بقوله تعالى "من لعنه الله وغضب عليه" وناصروهم ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين (ما هم منكم) يا مسلمون (ولا منهم) ولا من اليهود كقوله: مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، (ويحلفون على الكذب) اي يقولوا والله إنا لمسلمون لا منافقون (وهم يعلمون) أنهم كاذبون منافقون (أعد الله لهم عذابًا شديدًا) نوعًا من العذاب في غاية الشدة (إنهم ساء ما كانوا يعلمون) أي أنهم كانوا في الزمان الماضي مصرين على سواء العمل أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة (اتخذوا أيمانهم) الكاذبة (جُنة) وقاية يتقون بها القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم (قصدوا عن سبيل الله) صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم (فصدوا عن سبيل الله) صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم (فلهم عذاب مهين) أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله في

ص: 300

-[تفسير قوله تعالى (ما قطعتم من لينة) الآية وفضل أواخر سورة الحشر]-

(سورة الحشر)(باب ما قطعتم من لينة) الآية (عن نافع عن عبد الله)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّق نخل بني النضير (2) وقطع وهي البوبرة (3) فأنزل الله تبارك وتعالى (ما قطعتم من لينة (4) أو تركتموها قائمة على اصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) (باب ما جاء في أواخر سورة الحشر)(عن معقل بن يسار)(5) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة (سورة الممتحنة)(باب لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) الآية (عن عامر بن عبد الله بن الزبير)(6) عن أبيه قال قدمت قبيلة ابنة عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك

الأيمان الكاذبة ثم قال تعالى (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا) أي لن يدفع عنهم بأسًا إذا جاءهم (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ثم قال تعالى (يوم يبعثهم الله جميعًا) يعني اليهود والمنافقين يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحدًا (فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء) أي يحلفون لله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس: ولهذا قال (ويحسبون أنهم على شيء) أي حلفهم ذلك لربهم ثم قال منكرًا عليهم حسبانهم (ألا إنهم هم الكاذبون) فأكد الخبر عنهم بالكذب (تخريجه)(ك) وابن جرير وابن أبي حاتم وصححه الحاكم وأقره الذهبي وأورده الهيثمي وقال رواه (حم طب بز) ورجال الجميع رجال الصحيح (باب)(1)(سنده) حدثنا يونس حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله (يعني ابن عمر) الخ (غريبه)(2) هم طائفة من اليهود أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وتحريقها لأنهم نقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه وعزموا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم غيلة وقصتهم مشهورة ستأتي في حوادث السنة الرابعة في القسم الثاني من كتاب السيرة النبوية وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ح اصرهم وأجلاهم من المدينة إهانة لهم وإرهابًا (3) بضم الموحدة وفتح الواو مصغرًا اسم موضع كان به نخل بني النضير (4)(التفسير)(ما قطعتم من لينة) من لينة بيان لما قطعتم، ومحل ما نصب بقطعتم كأنه قيل أن شيء قطعتم، وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله (أو تركتموها) لأنه في معنى اللينة، واللينة النخلة من الألوان وياءها عن واو قلبت لكسر ما قبلها، وقال البخاري اللينة نخلة ما لم تكن عجرة أو برنية، وقيل اللينة تمر شديدة الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس، وقيل هي أغصان الشجر للينها (قائمة على أصولها) أي لم تقطعوها (فبإذن الله) أي فقطعها وتركها بإذن الله وأمره وحكمه يعني خيركم في ذلك (وليخزي الفاسقين) وليذل اليهود ويغيظهم إذن في قطعها، قال ابن إسحاق كان إجلاء بني النضير مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد (تخريجه)(ق مذجه)(باب)(5)(سنده) حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا خالد يعني ابن طهمان أبو العلاء الخفاف حدثني نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي أحمد الزبيري وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أيضًا البغوي في تفسيره وعزاه للترمذي ونقل عنه مثل ما نقل الحافظ ابن كثير والله أعلم (باب)(6) هذا الحديث تقدم بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه في

ص: 301

-[سبب نزول قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) وبيعة النساء]-

ابن حسل على ابنتها أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنهما بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة، فأبت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين (1) - الخ الآية) فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها (باب يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية)(عن أم عطية)(2) قالت لما نزلت هذه الآية (يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا - إلى قوله - ولا يعصينك في معروف) قالت كان (منه النياحة فقلت يا رسول الله ألا آل فلان فإنهم قد كانوا أسعدونني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا آل فلان (عن أم سلمة رضي الله عنها (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم (ولا يعصينك في معروف)(4) قال النوح

باب ما جاء في قبول هدايا الكفار من كتاب الهبة والهدية في الجزء الخامس عشر صحيفة 168 رقم 27 وإنما ذكرته هنا فتسير الآية لأنها لم تفسر هناك وإليك تفسيرها (1)(التفسير)(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) أي لا ينهاكم الله عن بر الذين لم يقاتلوكم بأن تكرموهم وتحسنوا إليهم قولًا وفعلًا (وتقسطوا إليهم) تقضوا إليهم بالقسط هو العدل ولا تظلموهم وإذا نهى عن الظلم في حق المشركة فكيف في حق المسلم (إن الله يحب المقسطين) العادلين، قال ابن عباس نزلت في خزاعة كانوا قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا تقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدًا فرخص الله في برهم، وقال عبد الله بن الزبير نزلت في أسماء بنت أبي بكر وذلك أن ابا بكر الصديق رضي الله عنه طلق امرأته قتيله أو قبيلة في الجاهلية وهي أم أسماء بنت أبي بكر فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش بهدية لبنتها أسماء فذكر الحديث (قال القرطبي) وهذا قول أكثر المفسرين (باب) (2) (عن أم عطية الخ) أم عطية اسمها نسيبة بالتصغير ويقال بفتح أولها بنت كعب ويقال بنت الحارث: أم عطية الأنصارية صحابية مشهورة وحديثها هذا تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب ما لا يجوز من البكاء على الميت من كتاب الجنائز في الجزء السابع صحيفة 108 رقم 72 وإنما ذكرته هنا لمناسبة آية البيعة وهذه البيعة كانت بالمدينة عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليها وقد عقدت لها بابا ترجمته ببيعة نساء أهل المدينة سيأتي في أبواب حوادث السنة الأولى من الهجرة من كتاب السيرة النبوية وإليك تفسير آية البيعة (التفسير) قال الله عز وجل (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولا دهن) أراد بقتل الأولاد وأب البنات الذي كان يفعله أهل الجاهلية (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) ليس المراد منه نهيهن عن الزنا لأن النهي عن الزنا قد تقدم، بل المراد منه أن تلتقط مولودًا وتقول لزوجها هذا ولدي منك، كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبًا لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها الذي تلده به بين الرجلين (ولا يعصينك في معروف) أي في كل أمر وافق طاعة الله وفي كل نهي عن معصية الله (فبايعهن واستغفر لهن الله) عما مضى (إن الله غفور) بتحقيق ما سلف (رحيم) بتوفيق ما ائتنف (3)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا يزيد بن عبد الله مولى الصهباء عن شهر بن حوشب عن أم سلمة الخ (غريبه)(4) جاء معنى ذلك واضحًا عند الترمذي من حديث أم

ص: 302

-[تفسير آية البيعة وقوله تعالى (سبح لله ما في السموات وما في الأرض)]-

(عن عائشة رضي الله عنها (1) قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن المؤمنات (2) إلا بالآية التي قال الله عز وجل (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن ولا ولا)(3) سورة الصف (باب ما جاء في سورة الصف)(حدثنا يعمر)(4) حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني هلال بن أبي ميمونة أن عطاء بن يسار حدثه أن عبد الله بن سلام حدثه: أو قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال تذاكرنا بيننا فقلنا أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) فيسأله أي الأعمال أحب إلى الله وهبنا (6) أن يقوم منا أحد فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا رجلًا رجلًا حتى جمعنا (7) فجعل بعضنا يشير إلى بعض (8) فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبح الله (9) ما في

سلمة الأنصارية قالت قالت امرأة من النسوة (أي قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعطيك فيه؟ قال لا تنحن أي من النوح وهو البكاء على الميت وتعديد محاسنه، وقيل النوح بكاء مع الصوت ومنه ناح الحمام نوحًا (قال الترمذي) قال عبد الله بن حميد أم سلمة الأنصارية هي أسماء بنت يزيد بن السكن وحسّن الترمذي حديثها (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وثقه جماعة وفيه ضعف (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة الخ (غريبه)(2) معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختبر من هاجر إليه من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح من المؤمنات بهذه الآية يعني (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات الآية (3) يشير إلى قوله تعالى ولا يسرقن ولا يزنين الخ الآية زاد البخاري في روايته قال عروة قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك على ذلك والمراد بالشرط هنا شرط الإيمان من المؤمنات، وفي الطبراني من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (وفي كتاب الشروط) للبخاري كان يمتحنهن بهذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن إلى غفور رحيم - وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق أنه صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من النساء بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبًا لله ورسوله: وزاد مجاهد ولا حرج بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك، وعند البزار أن الذي كان يحلفهن عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له عمر بن الخطاب رضي الله عنه (تخريجه)(خ - وغيره)(باب)(4) حدثنا يعمر الخ (غريبه)(5) جاء عند الترمذي فتذاكرنا فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله (سبح لله ما في السموات وما في الأرض) إلى قوله (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (6) من الهيبة يقال هاب الشيء يهابه إذا خافه وإذا وقره وعظمه (7) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يرسل إليهم إلا بعد إطلاعه على ما عزموا عليه رجلًا رجلًا بطريق الوحي ونزول السورة بالإنكار عليهم، والظاهر أنهم كانوا عدة رجال، لما جاء في رواية الترمذي بلفظ (قعدنا نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا الخ والنفر بفتحتين عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة (8) جعل بعضهم يشير إلى بعض تعجبًا من معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ما عزموا عليه (9) التفسير (سبح لله ما في السموات وما في الأرض) يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات وما في الأرض أي من الحيوانات والنباتات كما قال في الآية الأخرى (تسبح له

ص: 303

-[تفسير صدر سورة الصف إلى قوله تعالى (كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)]-

السموات وما في الأرض - إلى قوله - كبر مقتًا عند الله) قال (1) فتلاها من أولها إلى آخرها قال (2) فتلاها علينا بن سلام من أولها إلى آخرها قال (3) فتلاها علينا عطاء بن يسار من أولها إلى آخرها قال يحيى فتلاها علينا هلال من أولها إلى آخرها، قال الأوزاعي فتلاها علينا يحيى من أولها إلى آخرها (ومن طريق ثان)(4) عن أبي سلمة عن عبد الله ين سلام (بنحوه، وفيه) فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة يعني سورة الصف كلها (سورة الجمعة)(باب وآخرين منهم لما يحلقوا بهم)(عن أبي المغيث)(5) عن أبي هريرة قال كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة

السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا (وهو العزيز) أي الذي قد خضع له كل شيء (الحكيم) في خلقه: الآيات إلى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) هذا إنكار على من بعد وعدا ويقول قولًا لا يفي به، ولهذا استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد مطلقًا سواء ترتب عليه عزن الموعود أم لا، وذهب الإمام مالك إلى أنه إذا تعلق بالوعد عزم على الموعود وجب الوفاء به، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب مطلقًا وحملوا الآية على أنها نزلت حين تمنوا فريضة الجهاد عليهم فلما فرض نكل عنه بعضهم، فقد روي عن ابن عباس قال كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه وجهاد أهل معصيته الذي خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره فقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون) وهذا اختيار ابن جرير ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره وهو الظاهر، وقيل أنزلت في شأن القتال يقول الرجل قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب وصبرت ولم يصبر، وقال ابن زيد نزلت في قوم من المنافقين كانوا يعدون المسلمين النصر ولا يفون لهم بذلك، وقال مالك عن زيد بن أسلم لم تقولون ما لا تفعلون قال الجهاد (كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) فيه دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه، والمعنى كبر قولكم ما لا تفعلون مقتًا عند الله، واختير المقت لأنه أشد البغض (1) يعني عبد الله بن سلام (فتلاها) يعني النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الصف من أولها إلى آخرها كما صرح بذلك في رواية الترمذي (2) يعني أبا سلمة (3) يعني هلال بن أبي ميمونة الخ، وهذا الحديث يسمى بالمسلسل بقراءة سورة الصف، قال في المنح هذا صحيح متصل الإسناد والتسلسل ورجاله ثقات وهو أصح مسلسل روي في الدنيا اهـ قال الحافظ في الفتح في تفسير سورة الصف وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلًا في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل إن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد عُلُوه (4)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم ثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، وعن عطاء بن يسار عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال تذاكرنا أيكم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى فلم يقم أحد منا، فأرسل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا الخ (تخريجه)(مذ ك حب طب عل هق) وصححه الحاكم وأقره الذهبي (باب)(5)(سنده) حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن ثور عن أبي المغيث عن أبي هريرة الخ

ص: 304

-[قوله تعالى (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) وقوله (وإذا رأوا تجارة أو لهوًا) الخ]-

فلما قرأ (وآخرين منهم لما يلحقوا) قال من هؤلاء يا رسول الله؟ (1) فلم يراجعه صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثًا وفينا سلمان الفارسي قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي وقال لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء (2)(باب وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها) الآية (عن جابر)(3) قال قدمت عير (4) مرة المدية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فخرج الناس وبقي اثنا عشر (5) فنزلت (وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا)

(قلت) أبو المغيث اسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع (غريبه)(1) السائل هو أبو هريرة فقد جاء في رواية البخاري (قلت من هم يا رسول الله)(وقوله فلم يراجعه) أي لم يجبه بل سكت (2) يعني أبناء فارس وهم العجم بدليل وضعه صلى الله عليه وسلم يده على سلمان الفارسي، وأصرح من ذلك ما جاء عند البغوي بلفظ (لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل أو قال رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه (هذا) وقوله تعالى (وآخرين منهم الآية متعلقة بالآية التي قبلها) وهي قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) الآية، وإليك تفسير هاتين الآيتين قوله عز وجل (هو الذي بعث في الأميين) قال ابن عباس الأميون العرب كلهم من كتب منهم ومن لم يكتب لأنهم لم يكونوا أهل كتاب وقيل الأميون الذي لا يكتبون وكذلك كانت قريش (رسولا منهم) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم وقوله (منهم) كقوله من أنفسهم أي يعلمون نسبه وأحواله (يتلو عليهم آياته) يعني القرآن (ويزكيهم) أي يجعلهم أزكياء الطوب بالإيمان، قال ابن عباس وقيل يطهرهم من دنس الكفر والذنوب، قاله ابن جريج ومقاتل (ويعلمهم الكتاب) يعني القرآن (والحكمة) السنة قال الحسن وقال ابن عباس الكتاب الخط بالقلم لأن الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقيده بالخط، وقال مالك بن أنس الحكمة الفقه في الدين (وإن كانوا من قبل) أي من قبله وقبل أن يرسل إليهم (لفي ضلال مبين) أي في ذهاب عن الحق (وآخرين منهم) هو عطف على الأميين أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم، ويجوز أن يكون منصوبًا بالعطف على الهاء والميم في يعلمهم ويزكيهم أي يعلمهم ويعلم آخرين من المؤمنين، لأن التعليم إذا تناسق مع إلى آخر الزمان كان كله مسندًا إلى أوله، فكأنه هو تولى كل ما وجد منه (لما يحلقوا بهم) وقال عكرمة هم التابعون، وقال مجاهد هم الناس كلهم، وقيل غير ذلك (قال القرطبي) والقول الأول أثبت يعني قول ابن عمر ومن وافقه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيتني أسقي غنمًا سودًا ثم أتبعتها غنمًا عفرًا؟؟؟؟؟ يا أبا بكر، فقال يا رسول الله أما السود فالعرب وأما العفر فالعجم تتبعك بعد العرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، كذا أوَّلها المَلَك يعني جبريل عليه السلام، رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب (تخريجه)(قد مذ وغيرهم)(باب)(3)(سنده) حدثنا ابن إدريس عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر (يعني ابن عبد الله) الخ (غريبه)(4) العير بكسر العين المهملة الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة (5) زاد أبو يعلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارًا، قال وكان في الاثني عشر الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ولكن هاهنا

ص: 305

-[سبب نزول سورة (المنافقون) ومنقبة لزيد بن أرقم]-

(سورة المنافقون)(باب سبب نزولها ومنقبة لزيد بن أرقم)(عن زيد بن أرقم)(1) قال خرجت مع عمي في غزاة (2) فسمعت عبد الله بن أُبي بن سلول يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله: ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعملي (3) فذكره عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط وجلست في البيت (4) فقال عمي ما أردت إلى (5) أن كذبك النبي صلى الله عليه وسلم ومقتك (6) قال حتى أنزل الله عز وجل (إذا جاءك المنافقون) قال فبعث إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها ثم قال إن الله عز وجل قد صدقك (7)(وعنه من طريق ثان)(8) قال خرجنا مع رسول الله

شيء ينبغي أن يعلم، وهو أن هذه القصة قد قيل إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل: حدثنا محمود بن خالد عن الوليد أخبرني أبو معاذ بكير بن معروف أنه سمع مقاتل بن حيان يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى إذا كان يوم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال إن دحية بن خليفة قد قدم بتجارة يعني فانفضوا ولم يبق معه إلا نفر يسير (التفسير)(وإذا رأوا تجارة أو لهوًا) أراد باللهو الطبل، وقيل كانت العير إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطبل والتصفيق وقوله (انفضوا إليها) رد الكناية إلى التجارة لأنها أهم، وقال علقمة سئل عبد الله بن عمر أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا أو قاعدًا؟ قال إما تقرأ (وتركوك قائمًا) فيه دلالة على أن الإمام يخطب يوم الجمعة قائمًا (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) أي ما عند الله من الثواب على الصلاة والثبات مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من اللهو ومن التجارة (والله خير الرازقين) لأنه موجد الأرزاق فإياه فاسألوه ومنه فاطلبوا (تخريجه) (ق مذ عل) (باب) (1) (سنده) حدثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكير قالا ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق فإن سمعت زيد بن أرقم: قال ابن أبي بكير عن زيد بن أرقم الخ (قلت) إسرائيل هو ابن يونس، وأبو إسحاق اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي (غريبه)(2) هي غزوة تبوك كما عند النسائي وعند أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق ورجحه ابن كثير بابن عبد الله بن أبيّ لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش، لكن أيد الحافظ القول بأنها غزوة تبوك بقوله في الطريق الثانية (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس شدة)(3) هو سعد بن عبادة كما عند الطبراني وابن مردويه، وليس هو عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج (4) أي مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت (5) جاء في رواية عند البخاري والترمذي إلا بتشديد اللام ولهما في رواية أخرى إلى كما هنا، قال العيني معناه ما قصدت منتهيًا إليه أي ما حملك عليه (6) من المقت أي أبغضك، وعند النسائي والإمام أحمد وسيأتي في الحديث التالي ولا مني قومي (7) فيه منقبة عظيمة لزيد بن أرقم رضي الله عنه وفيه أنه ينبغي لمن سمع أمرًا بتعلق بالإمام أو نحوه من كبار ولاة الأمور ويخاف ضرره على المسلمين أن يبلغه إياه ليحترز منه (8) (سنده) حدثنا حسن بن موسى ثنا زهير ثنا أبو إسحاق أنه سمع زيد بن أرقم يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر الخ: زاد مسلم قال زهير وهي قراءة من خفض حواله،

ص: 306

-[ما نزل من الآيات في ذم المنافقين وتفسيرها]-

صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس شدة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله (1) الحديث بنحو ما تقدم (2) وزاد فيه ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلوّوا (3) رؤوسهم، وقوله تعالى (كأنهم خشب (4) مسندة) قال كانوا رجالًا أجمل شيء (وعنه أيضًا) (5) قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال عبد الله بن أبي لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل: قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته: قال فحلف عبد الله بن أبي أنه لم يكن شيء من ذلك: قال فلامني قومي وقالوا ما أردت إلى هذا؟ قال فانطلقت فنمت كئيبًا أو حزينًا، قال فأرسل إلي نبي الله صلى الله عليه وسلم أو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله عز وجل قد أنزل عذرك وصدقك، قال فنزلت هذه الآية (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا (6)(حتى بلغ) لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)

(1) قال النووي يعني قراءة من يقرأ من حوله بكسر ميم من ويجر حوله، واحترز به عن القراءة الشاذة من حوله بالفتح (2) يعني قول عبد الله بن أبي أئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال (يعني زيدًا) فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا كذبَ زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوقع في نفسي مما قالوا حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في إذا جاءك المنافقون، قال ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (3) أي عطفوا رءوسهم وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار، قرا نافع ويعقوب لووا بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد لأنهم فعلوها مرة بعد مرة (4) أي أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام: قرأ أبو عمرو والكسائي خشب بسكون الشين المعجمة وقرأ الباقون بضمها (مُسنَّدة) ممالة إلى جدار من قولهم أسندت الشيء إذا أملته والتثقيل للتكثير شبهوا في استنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخبر بالخشب المسندة إلى الحائط، لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرها من مظان الانتفاع، وما دام متروكًا غير منتفع به أسند إلى الحائط فتشبهوا به في عدم الانتفاع (قال الأبي في شرح مسلم) آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم نزلت توبيخًا لهم لأنهم كانوا رجالًا أجمل شيء وأفصحه: منظرهم بروق وقولهم مخلف، ولكن لم يغن ذلك عنهم بل كانوا كالخشب المسندة في أنها إجرام لا أفهام لهم نافعة ولا عقول لهم (تخريجه) أخرجه الطريق الأول منه (خ مذ) وأخرج الطريق الثانية مسلم والبخاري أيضًا بألفاظ مختلفة (5) (سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن محمد بن كعب القرظي عن زيد بن أرقم قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخ (6) (التفسير) هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) أي يتفرقوا (ولله خزائن السموات والأرض) أي وله الأرزاق والقسم فهو رازقهم منها وإن أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم: فأعلمهم الله سبحانه أن خزائن السموات والأرض له ينفق كيف يشاء، وقال الجنيد خزائن السموات الغيوب: وخزائن الأرض القلوب: فهو علام الغيوب ومقلب القلوب (ولكن المنافقين لا يفقهون) ولكن عبد الله بن أبي وأضرابه جاهلون لا يفقهون ذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة) من غزوة بني المصطلق أو غزوة تبوك على الخلاف المتقدم (ليخرجن الأعز منها الأذل) توهموا أن العزة بكثرة الأموال والأتباع،

ص: 307

-[قوله عز وجل (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) الخ]-

(سورة الطلاق)(باب يا أيها النبي إذا طلقتم النساء الخ)(عن ابن عمر)(1) قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قُبُلِ عدتهن)(2)(باب ومن يتق الله يجعل له مخرجا الخ)(عن أبي ذر)(3) قال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوا هذه الآية (ومن يتفق الله يجعل له مخرجا)(4) حتى فرغ من الآية: ثم قال يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها

روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال لأبيه والذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز وأنا الأذل، فقاله، على أنه لم يلبث إلا أيامًا يسيرة بعد رجوعه إلى المدينة حتى مات (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) فعزة الله قهره من دونه وعزة رسوله إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم (ولكن المنافقين لا يعلمون) ذلك ولو علموا ما قالوا هذه المقالة (تخريجه)(مذ نس ك) وصححه الترمذي والحاكم وأقره الذهبي ورواه الشيخان أيضًا بألفاظ مختلفة (باب)(1)(عن ابن عمر الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فيما جاء في سورة الطلاق صحيفة 44 رقم 108 من هذا الجزء في باب ما جاء من القراءات مفصلًا واختلاف الصحابة فيه، وإنما ذكرته هنا لأجل تفسير ما جاء فيه من كلام الله عز وجل (2)(التفسير) قال الإمام البغوي رحمه الله في قوله عز وجل (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطب أمته لأنه السيد المقدم فخاطب الجميع معه، وقيل مجازه يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء أي إذا أردتم تطليقهن كقوله عز وجل "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله" أي إذا أردت القراءة (فطلقوهن لعدتهن) أي لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن، وكان ابن عباس وابن عمر يقرآن (فطلقوهن في قبل عدتهن) فنزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر كان قد طلق امرأته في حال الحيض اهـ (قلت) قصة عبد الله بن عمر وطراقه امرأته في حال الحيض تقدمت في باب النهي عن الطلاق في الحيض الخ من كتاب الطلاق في الجزء السابع عشر صحيفة أربعة: وتقدم الكلام عليه ومذاهب الأئمة فيه فأرجع إليه إن شئت والله الموفق (باب)(3)(سنده) حدثنا يزيد أنا كهمس بن الحسن ثنا أبو السليل عن أبي ذر الخ: وهذا صدر حديث طويل سيأتي بطوله وشرحه وتخريجه في كتاب الخلافة والإمارة وإنما ذكرت هذا الجزء منه هنا لمناسبة الآية وتفسيرها (4)(التفسير)(ومن يتق الله يجعل له مخرجًا) قال البغوي أكثر المفسرين قالوا نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنًا له يسمى مالكًا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أسر العد وابني وشكا إليه أيضًا القافلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله: ففعل الرجل ذلك فبينا هو في بيته إذا أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فأصاب إبلًا وجاء بها إلى أبيه (وروى الكلبي) عن أبي صالح عن ابن عباس قال فغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة فنزلت 0 ومن يتق الله يجعل له مخرجًا) في دينه (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ما ساق من غنم، وفي تفسير القرطبي عن ابن عباس قال (يجعل له مخرجًا) ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة، وقيل المخرج أن يقنعه الله بما رزقه، قال عليّ بن صالح وقال الكلبي (ومن يتق الله) بالصبر عند المصيبة (يجعل له مخرجًا) من النار إلى الجنة وقيل غير ذلك (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي يثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمه، وجاء

ص: 308

-[قوله عز وجل (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) وسبب نزولها]-

لكفتهم (1) قال فجعل يتلو بها ويرددها على حتى نعست (سورة التحريم)(باب يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لمك)(عن عبيد الله بن عمير)(2) قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلًا فتواصيت (3) أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتفل أني أجد منك ريح مغافير: أكلت مغافير؟ (4) فدخل على إحداهما (5) فقالت ذلك له (6) فقال بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش وأن أعود له (7) فنزلت (لم تحرم ما أحل الله لك، إن تتوبا)(8) لعائشة وحفصة (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه (9)

في الحديث الصحيح عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدوا خماصًا وتروح بطانًا (حم مذ حب ك)(إن الله بالغ أمره) قرأ طلحة بن مصرف وحفص عن عاصم بالغ أمره بالإضافة، وقرأ الآخرون بالغ بالتنوين أمره بالنصب أي منفذ أمره ممض في خلقه قضاءه (قد جعل الله لكل شيء قدرًا) أي جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء أجلًا يلتهي إليه قال مسروق في هذه الآية (إن الله بالغ أمره) توكل عليه أو لم يتوكل: غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا (1) أي لكفتهم ما أهمهم من أمر دنياهم وآخرتهم، وروى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن مسعود قال أن أجمع آية في القرآن "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" وإن أكبر آية في القرآن فرجًا "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ومن كل عسرًا يسرا وارزقنا من حيث لا نحتسب (باب) (2) (سنده) حدثنا حجاج قال قال ابن جريج زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يخبر قال سمعت عائشة الخ (قلت) حجاج هو ابن محمد الأعور وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز: وعطاء هو ابن أبي رباح (غريبه)(3) بالصاد المهملة وكذا في رواية للبخاري أيضًا: وجاء عند مسلم فتواطيت بالطاء بدل الصاد وأصله فتواطأت أي اتفقت (أن أيتنا) أي أيُّ زوجة منا ما دخل عليها وما زائدة وحذفت في بعض روايات البخاري (4) استفهام محذوف الأداة، ومغانير بفتح الميم والمعجمة وبعد الألف فاء جمع منفور بضم الميم، وليس في كلامهم مفعول بالضم إلا قليلًا: والمغفور صمغ حلو. له رائحة كريهة ينضحه شجر يسمى العرُفط بعين مهملة وفاء مضمومتين بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح يعني الريح الخبيثة، ولهذا قلن له أكلت بغافير لأن ريحها فيه شيء (5) قال الحافظ لم أقف على تعيينها وأظنها حفصة (6) يعني القول الذي تواصيا عليه أكلت مغافير (7) أي لن أعود لشر به، زاد في رواية عند البخاري وقد حلفت: لاتخبري بذلك أحدًا (8) جاء عند البخاري فنزلت (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) إلى أن تنوبا إلى الله (أي) لعائشة وحفصة يريد أن الخطاب لعائشة وحفصة لأنهما اللتان تواطأتا وتظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم (9) جاء عند البخاري ومسلم وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا لقوله (بل شربت عسلًا) قال الحافظ هذا القدر أي وإذا أسر النبي إلى آخره بقية الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري حتى وجدته مذكورًا في آخر الحديث عند مسلم، قال وكأن المغني وأما المراد بقوله تعالى وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا فهو لأجل قوله بل شربت عسلًا اهـ (قلت) وهذا ظاهر في أن الآية نزلت في سبب شرب العسل عند زينب بنت جحش لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب بل شربت عسلًا

ص: 309

-[كلام العلماء في تحقيق ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه]-

.....

عند زينب بنت جحش ولن أعود له، لكن روى مسلم في حديث آخر أن شرب العسل كان عند حفصة (قال القاضي عياض) ذكر مسلم في حديث حجاج عن ابن جريح (يعني حديث الباب) أن النبي شرب عندها العسل زينب وأن المتظاهرتين عليه عائشة وحفصة، وكذلك ثبت في حديث عمر بن الخطاب (سيأتي) وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة وحفصة، وذكر مسلم أيضًا من رواية أبي أسامة عن هشام أن حفصة هي التي شرب العسل عندها وأن عائشة وسودة وصفية من اللواتي تظاهرن عليه؛ قال والأول أصح (يعني حديث الباب) قال النسائي إسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية، وقال الأصيل حديث حجاج أصح وهو أولى بظاهر كتاب تعالى وأكمل فائدة يريد قوله تعالى (وإن تظاهرا عليه) فهما ثنتان لا ثلاث وأنهما عائشة وحفصة كما قال فيه وكما اعترف به عمر رضي الله عنه وقد انقلبت الأسماء على الراوي في الرواية الأخرى كما أن الصحيح في سبب نزول الآية أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروى في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح (قال النسائي) إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية، ثم القاضي بعد هذا الصواب أن شرب العسل كان عند زينب اهـ (قلت) حديث تحريم مارية المشار إليه سيأتي في خلال التفسير وقد علمت الكلام فيه (التفسير) قوله عز وجل (يا أيها النبي لا تحرم ما أحل الله لك) ذكر العلماء في سبب نزول صدر هذه السورة قولان (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب عسلًا في بيت زينب بنت جحش فتواطأت عائشة وحفصة وقالتا له أنا نشم منك ريح المغافير وكانت رائحته كريهة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجد منه ريح كريهة فحرم العسل على نفسه بقوله لن أعود له كما في حديث الباب وزاد البخاري (وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدًا)(القول الثاني) أن التي حرم مارية القبطية فقد (روي الدارقطني) عن ابن عباس عن عمر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدته حفصة معها وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها فقالت له تدخلها بيتي، ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك، فقال لها لا تذكري هذا لعائشة فهي على حرام إن قرُبتها، قالت حفصة وكيف تحرم عليك وهي جاريتك؟ فحلف لها أن لا يقرَبها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تذكريه لأحد، فذكرته لعائشة فآلى لا يدخل على نسائه شهرًا، فاعتزلهن تسعًا وعشرين ليلة فأنزل الله عز وجل لم تحرم ما أحل الله لك: الآية ورواه أيضًا ابن جرير في تفسيره، وروى الطبراني نحوه عن ابن عباس وفيه فقال لحفصة لا تخبري عائشة، حتى أبشرك ببشارة: أن أباك بلى الآمر من بعد أبي بكر إذا أنامت: فذهبت حفصة فأخبرت عائشة قال الحافظ ابن كثير إسناده فيه نظر، وقال الإمام القرطبي والصحيح أنه كان في العسل الذي شربه عند زينب وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فحلف أن لا يشربه وأسر ذلك ونزلت الآية في الجميع (وقال الخطابي) الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية حين حرمها على نفسه: ورجحه الحافظ بأحاديث عند سعيد بن منصور والضياء في المختارة والطبراني في عشرة النساء وابن مردوية والنسائي ولفظه عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطأها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك) حال من فاعل تحرم أي لم تحرم مبتغيًا به مرضاة أزواجك أو تفسير لتحرم أو مستأنف أو مرضاة اسم مصدر وهو الرضا (والله غفور رحيم) غفور لما أوجب المعاتبة (رحيم) برفع المؤاخذة وقد قيل إن ذلك كان ذنبًا من الصغائر، والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له صغيرة =

ص: 310

-[تفسير قوله تعالى (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم - إلى قوله- ثيبات وأبكارًا)]-

.....

= ولا كبيرة (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة، وعن مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية، وعن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين (والله مولاكم) سيدكم ومتولى أموركم وناصركم (وهو العليم) بما يصلحكم فيشرعه لكم (الحكيم) فيما أحل وحرم (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه) يعني حفصة بنت عمر (حديثًا) قال البغوي هو تحريم فتاته (يعني مارية) على نفسه وقوله لحفصة لا تخبري بذلك أحدًا، وقال سعيد بن جبير أسر أمر الخلافة بعده فحدثت به حفصة: قال الكليى أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي (فلما نبأت به) أفشته إلى عائشة (وأظهره الله عليه) اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على إفشائها الحديث على لسان جبريل عليه السلام (عرّف بعضه) قرأ عبد الرحمن السلمي والكسائي عرف بتخفيف الراء أي عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره أي غضب من ذلك عليها وجازاها به، من قول القائل لمن أساء إليه لأعرفن لك ما فعلت أي لأجازينك عليه وجازاها: قيل طلقها (وقال مقاتل) لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وإنما هم بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام وقال لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من جملة نسائك في الجنة فلم يطلقها، وقرأ الآخرون عرف بالتشديد أي عرف حفصة بعد ذلك الحديث أي أخبرها ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم الأمة (وأعرض عن بعض) يعني ذكر الخلافة: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتشر ذلك في الناس (فلما نبأها به) أي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بما أفشت من السر إلى عائشة (قالت) حفصة للنبي صلى الله عليه وسلم (من أنبأك هذا) أي من أخبرك بأني أفشيت السر (قال نبأني العليم) بالسرائر (الخبير) بالضمائر (إن تتوبا إلى الله) أي من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء، يخاطب حفصة وعائشة (فقد صغت قلوبكما) أي زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة، قال ابن زيد مالت قلوبهما بأن سرهما ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته (وإن تظاهرا عليه) بالتخفيف كوني والآخرون بالتشديد وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره (فإن الله هو مولاه) وليه وناصره، وزيادة (هو) إيذان بأن يتولى ذلك بذاته (وجبريل) أيضًا وليه (وصالح المؤمنين) ومن صلح من المؤمنين أي كل من آمن وعمل صالحًا، وقيل من بريء من النفاق وقيل الصحابة (والملائكة) على تكاثر عددهم (بعد ذلك) بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين (ظهير) فوج مظاهر له فما يبلغ تظاهر امرأتين على هؤلاء ظهراؤه (عسى ربه إن طلقكن) أي واجب من الله إن طلقكن رسوله (أن يبدله) قرئ أن يبدله بالتشديد والتخفيف والتبديل والإبدال بمعنى كالتنزيل والإنزال (أزواجًا خيرًا منكن مسلمات) خاضعات لله بالطاعة (مؤمنات) مصدقات بتوحيد الله (قانتات) مطيعات، فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله (تائبات) من الذنوب أو راجعات إلى أمر رسوله (عابدات) لله (سائحات) مهاجرات أو صائمات، وقيل للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكًا إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت الإفطار (ثيبات وأبكارًا) إنما وسط العاطف بين الثيبات والإبكار دون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات والله أعلم (تخريجه)

ص: 311

-[حديث عمر بن الخطاب فيمن قال الله فيهما (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)]-

لقوله بل شربت عسلا (حدثنا عبد الرزاق)(1) أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن أبي ثور عن ابن عباس قال لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللتين قال الله تعالى (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) حتى حج عمر وحججت معه فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر (2) وعدلت معه بإداوة فتبرز ثم أتاني فسكبت على يديه (3) فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين عن المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)؟ فقال عمر واعجبا لك يا ابن عباس (4) قال الزهري كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه عنه، قال هي حفصة وعائشة، قال ثم أخذ يسوق الحديث، قال كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي (5) قال فتغضبت يومًا على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره (7) إحداهن اليوم إلى الليل، قال فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت نعم، قلت وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت نعم، قلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئًا وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم (8) وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك: يريد عائشة: (9) قال وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله (10) صلى الله عليه وسلم ينزل يومًا وأنزل يومًا فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآنية بمثل ذلك: قال وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل (11)

(ق. وغيرهما)(1)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(غريبه)(2) أي تنحى عن الطريق لأجل قضاء الحاجة وهو معنى قول ابن عباس فتبرز (والإداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء، وجمعه أداوى بفتح الهمزة والواو (3) فيه جواز الاستعانة في الوضوء إن كانت لعذر فلا بأس بها، وإن كانت لغيره فهي خلاف الأولى ولا يقال مكروعة على الصحيح قاله النووي (4) وجه تعجب عمر تأخير ابن عباس سؤاله عنهما إلى ذاك الحين هيبة له كما ذكر ذلك صريحًا في بعض الروايات (5) العوالي موضع قريب من المدينة وكأنه جمع عالية اهـ مصباح (6) أي شيء من مراجعتي إياك تراه منكرًا (7) أي وتقعد في بيتها مفارقة له، وليس ذلك لحق لها مُنعته، بل لمقتضى غيرتهن عليه صلى الله عليه وسلم (8) أي أحسن وأجمل منك (ولفظ البخاري) أوضًا بدل اسم من الوضاءة وهو الحسن والبهجة (وجاء عند مسلم) بلفظ أوسم كما هنا والمعنى واحد (9) قال الراوي يريد عائشة يعني أن مراد عمر بالجارة التي وصفها بالوسامة والأحبية إليه صلى الله عليه وسلم عائشة الصديقة والمعنى لا تفتري يا حفصة بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فإن لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحظوة والمنزلة ما ليس لك (10) معناه كنا نتناوب النزول من العوالي مهبط الوحي والتناوب أن تفعل الشيء مرة ويفعل الآخر مرة أخرى (11) أي يجعلون لخيولهم نعالًا لغزونا يعني يتأهبون لقتالنا، زاد عند البخاري (وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام كنا نخاف

ص: 312

-[استئذان عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وملاطفته إياه عند غضبه]-

لتغزونا فنزل صاحبي يومًا ثم أتاني عشاء فضرب بابي ثم ناداني فخرجت إليه، فقال حدث أمر عظيم، قلت وماذا أجاءت غسان؟ قال لا بل اعظم من ذلك وأطول (1) طلق الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت قد خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا كائنًا حتى إذا صليت الصبح شددت عليّ ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت لا أدري هو هذا معتزل في هذه المشربة (2) فأتيت غلامًا له أسود فقلت استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج إليّ فقال قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلًا ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر، فدخل الغلام ثم خرج إليّ فقال قد ذكرتك له فصمت فخرجت فجلست إلى المنبر ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليّ فقال قد ذكرتك له فصمت: فوليت مدبرًا فإذا الغلام يدعوني، فقال ادخل فقد أذن لكن فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمل حصير (3)(ح) وحدثنا يعقوب في حديث صالح قال رمال حصير قد اثر في جنبه، فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال لا فقلت الله أكبر (4) قال لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قومًا تغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضبت عليّ امرأتي فإذا هي تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: فدخلت عليّ حفصة فقلت لا يغرك إن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك: فتبسم أخرى فقلت استأنس يا رسول الله؟ (5) قال نعم، فجلست فرفعت رأسي في

أن يأتينا (1) كذا عند مسلم والبخاري في المظالم (وأطول) وله في باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها من كتاب النكاح (وأهول) بالهاء بدل الطاء يعني وأشد هولا (2) المشربة بضم الراء وفتحها الغرفة (نه)(3) هو بفتح الراء وإسكان الميم وفي الرواية الثانية رمال بكسر الراء، يقال رملت الحصير وأرملته إذا نسجته والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان متكئًا على نسج الحصير ليس له وطاء سواء، وجاء في بعض الروايات (وأنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء) ولذلك قال قد أثر في جنبه وكان حصيرهم من جريد النخل (4) قوله الله أكبر لو رأيتنا الخ قال ذلك كله وهو قائم يستأنس كما يفهم مما يأتي وتقدم في صحيفة 226 رقم 381 من هذا الجزء أن عمر قال لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك (5) قوله فقلت استأنس يا رسول الله الظاهر من إجابته صلى الله عليه وسلم أن الاستئناس هنا هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله فجلست ولا يبعد فيه تقدير الاستفهام، وفي صحيح البخاري ثم قلت وأنا قائم استأنس يا رسول الله؟ فسياق الكلام فيه يستدعي أن يكون المعنى ثم قلت وأنا قائم مستأنسًا أي متبصرًا هل يعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرضا أو هل أقول قولًا أطيب به وقته وأزيل عنه غضبه، من قولهم استأنس الظبي أي تبصر هل يرى قانصًا

ص: 313

-[منقبة لعمر في نزول بعض القرآن على وفق رأيه وما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا]-

البيت فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر إلا أهبةً (1) ثلاثة، فقلت ادع يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى (2) جالسًا ثم قال أفي شك أنت يا عمر يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا (3) فقلت استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا من شدة موجدته (4) عليهن حتى عاتبه الله عز وجل (5)(عن أنس)(6) قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقت ربي عز وجل في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث (7) قال قلت يا رسول الله لو اتخذت المقام مصلى قال فأنزل الله عز وجل (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقلت لو حجبت عن أمهات المؤمنين فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزلت آية الحجاب قال وبلغني عن أمهات المؤمنين شيء فاستقريتهن أقول لهن لتكفنَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله بكن أزواجًا خيرًا منكن (8) مسلمات حتى أتيت على إحدى أمهات

فيحذره (1) بضم الهمزة وسكون الهاء وهو الجلد، وقيل إنما يقال للجلد اهاب قبل الدبغ فأما بعده فلا (نه) والمعنى أنه ما رأى في البيت شيئًا يحمله على تكرار الرؤية (2) أي عن اتكائه وقوله جالسًا معناه لم يكن استواؤه قائمًا بل جلس مستويًا غير متكئ (3) قال القاضي عياش هذا مما يحتج به من يفضل الفقر على الغنى لما في مفهومه أن بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته من الآخرة مما كان مدخرًا لو لم يتعجله. قال وقد يتأوله الآخرون بأن المراد أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا ولا حظ لهم في الآخرة والله أعلم (4) أي غضبه يقال وجدت عليه وجدة أي غضبت (5) أي بقوله تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الخ) زاد الترمذي فجعل له كفارة اليمين (تخريجه)(ق مذ نس) وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا والزهادة فيها (وفيه) جواز سكنى الغرفة ذات الدرج (وفيه) ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم وتناوبهم فيه (وفيه) أخذ العلم عمن كان عنده وإن كان الآخذ أفضل من المأخوذ منه كما اخذ عمر عن هذا الأنصاري (وفيه) أن الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا وأراد إزالة همه ومؤانسته بما يشرح صدره ويكشف همه ينبغي له أن يستأذنه في ذلك كما قال عمر رضي الله عنه استأنس يا رسول الله؟ ولأنه قد يأتي من الكلام بما لا يوافق صاحبه فيزيد هما، وربما أحرجه، وربما تكلم بما لا يرضيه وهذا من الآداب المهمة وفيه غير ذلك كثير والله أعلم (6)(سنده) حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس (يعني ابن مالك) الخ (غريبه)(7) أو للشك من الراوي والمعنى واحد لأن من وافقك فقد وافقته، والمعنى أن بعض القرآن نزل على وفق ما أرى عمر، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة، فقد روي عنه موافقات بلغت الخمسة عشرة، أسارى بدر وقصة الصلاة على المنافقين وتحريم الخمر وغير ذلك (8) جاء هذا الحديث من طريق هشيم عن حميد عن أنس مختصرًا إلى قوله أزوجًا خيرًا منكن، قال فنزلت لذلك وتقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى من تفسير سورة البقرة في هذا الجزء صحيفة 76 رقم 167، وذكرت هذا الطريق هنا لما فيه من الزيادة وذكر صفات الزوجات (قال في الكشاف) فإن قلت كيف تكون المبدلات خيرًا منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين (وأجاب) بأنه عليه الصلاة والسلام إذا طلقهن لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله

ص: 314

-[هل طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة أم لا؟ وفضل سورة الملك: وما جاء في العُتُ الزنيم]-

المؤمنين فقالت يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن (1) فكففت فأنزل الله عز وجل (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن مسلمات مؤمنات قانتات) الآية (2)(سورة الملك)(باب ما جاء في فضلها)(عن أبي هريرة)(3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن سورة من القرآن ثلاثون آية (4) شفعت لرجل حتى غفر له وهي (تبارك (5) الذي بيده الملك) (سورة ن)(باب ما جاء في العُتُل الزنيم) عن عبد الرحمن بن غَنْم) (6) قال سئل

صلى الله عليه وسلم والنزول على هواه ورضاه خيرًا منهن (1) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذه ال مرأة التي ردته عما كان فيه من وعظ النساء هي أم سلمة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري اهـ (2) تقدم تفسيرها في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب، وليس في الآية ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلق حفصة لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة بل قيل أنه طلقها لقول عمر لها لو كان في آل الخطاب خير لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك، فأمره جبريل بمراجعتها وشفع فيها واعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا وقعد في مشربة مارية أم إبراهيم حتى نزلت آية التحريم على ما تقدم، وقيل لم يطلقها بل همّ بطلاقها حتى قال له جبريل لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة فلم يطلقها (تخريجه)(ق وغيرها)(باب)(3)(سنده) حدثنا محمد يعني ابن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة الخ (غريبه)(4) خبر مبتدأ محذوف أي هي ثلاثون والجملة صفة لاسم إن (وقوله شفعت) بالتخفيف خبر إن وقيل خبر إن هو ثلاثون وقوله (شفعت) خبر ثان، وهو يحتمل أن يكون بمعنى المضي في الخبر يعني كان رجل يقرؤها ويعظم قدرها فلما مات شفعت له حتى دفع عنه عذابه، ويحتمل أن يكون بمعنى المستقبل أي تشفع لمن يقرؤها في القبر أو يوم القيامة، وقد استدل بهذا الحديث من قال البسملة ليست من السور وآية تامة منها، لأن كونها ثلاثين آية إنما يصح على تقدير كونها آية تامة منها والحال أنها ثلاثون من غير كونها آية تامة منها؛ فهي إما ليست بآية منها لمذهب أبي حنيفة ومالك والأكثرين وإما ليست بآية تامة بل هي جزء من الآية الأولى كرواية في مذهب الشافعي (5) يعني سورة (تبارك) أي تعالى عن كل النقائص (الذي بيده) بقبضته وتصرفه (الملك) السلطان والقدرة والتصرف في كل الأمور (تخريجه)(مذ ك حب) وابن عدي، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة صالحة للاحتجاج (منها) ما رواه الحافظ في أماليه عن عكرمة قال لرجل ألا أطرفك بحديث تفرح به اقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها لأهلك وولدك وجيران بيتك فإنها المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها وتطلب إليه أن ينجيه من النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها عذاب القبر (قال ابن عباس) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي قال الحافظ حسن غريب وظاهر سياقه وقفه لكن آخره يشعر برفعه والله أعلم (باب)(6)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا عبد الرحمن عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم الخ (غريبه) فسر النبي صلى الله عليه وسلم (العهتل) بقوله هو شديد الخلق بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي العظيم الجسم (الصحيح) اي الذي صح في الأمراض والعاهات (الأكول الشروب) أي الذي عنده شراهة في الأكل والشرب (الواجد للطعام والشراب) معناه الغني بماله غير محتاج لغيره (الظلوم

ص: 315

-[تفسير قوله تعالى (تعرق الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)]-

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العُتُل الزنيم (1) فقال هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للناس رحب الجوف (سورة المعارج)(باب تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) الآية (عن أبي سعيد الخدري)(2) قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا (3)(كان مقداره خمسين ألف سنة)(4) ما أطول هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة

للناس) الشديد الخصومة في الباطل (رحب الجوف) أي عظيم البطن، هذه الصفات كلها ترجع إلى معنى العتل (1)(أما الزنيم) فهو الدعيّ النسب الملحق بالقوم ولبس منهم، تشبيهًا له بالزنمة وهو شيء يقطع من أذن الشاة ويترك معلقًا بها، وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية (يعني التي أولها ولا تطع كل حلاف مهين، إلى قوله: أساطير الأولين) نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف، وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها، رواه الحاكم وصححه وأقره الذهبي، قال ابن قتيبة لا نعلم أن الله وصف أحدًا ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عارًا لا يفارقه في الدنيا والآخرة اهـ (قلت) وبهذا تعرف أن المقصود بهذه الصفات في هذه الآية التي أولها (ولا تطع كل حلاف مهين) الخ هو الوليد بن المغيرة (وإليك تفسيرها) قال تعالى (ولا تطع كل حلاف) كثير الحلف بالباطل، قال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة، وقيل الأسود بن عبد يغوث، وقال عطاء الأخنس بن شريف والأول أرجح (مهين) ضعيف حقير، قيل هو فعيل من المهانة وهي قلة الرأي والتمييز، وقال ابن عباس كذاب وهو قريب من الأول، لأن الإنسان إنما يكذب لمهانة نفسه عليه (عمار) مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والغيبة (مشاء بنميم) XXX يسعى بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم (مناع للخير) بخيل بالمال قال ابن عباس (مناع للخير) أي للإسلام يمنع ولده الحق (أثيم) فاجر (عتل) تقدم معناه (بعد ذلك) قال عطاء عن ابن عباس يريد مع هذا هو دعيُّ في قريش وليس منهم، قال مرة الهمداني إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة (زنيم) تقدم الكلام عليه والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه شهر (يعني ابن حوشب) وثقه جماعة وفيه ضعف وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة اهـ (قلت) يعني أن الحديث مرسل (باب)(2)(سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري الخ (غريبه)(3) هكذا بالأصل (يومًا) والظاهر أنه مفعول لفعل محذوف تقديره ذكر الله عز وجل يومًا الخ (4) أول الآية (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)(التفسير)(تعرج الملائكة) أي تصمد في المعارج، أي الدرجات التي جعلها الله: وقرأ ابن مسعود وأصحابه والتُّسلمي والكسائي يعرج بالياء على إرادة الجمع ولقوله، ذكروا الملائكة ولا تؤنثوهم وقرأ الباقون بالتاء على إرادة الجماعة (والروح) هو جبريل عليه السلام قاله ابن عباس، دليله قوله تعالى: نزل به الروح الأمين: وقال قبيصة بن ذؤيب إنه روح الميت حين يقبض (إليه) أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته، وقيل هو كقول إبراهيم (إني ذاهب إلى ربي) أي إلى الموضع الذي أمرني به وقيل (إليه) أي إلى عرشه (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)

ص: 316

-[كلام العلماء في الجمع بين قوله تعالى خمسين ألف سنة وبين قوله في آية أخرى ألف سنة]-

يصليها في الدنيا (باب يوم تكون السماء كالمهل)(عن ابن عباس)(1) قال آخر شدة يلقاها المؤمن (2) الموت وفي قوله (يوم تكون السماء كالمهل)(3) كدُرديِّ وفي قوله (آناء الليل) قال جوف الليل (4)، وقال هل تدرون ما ذهاب العلم قال هو ذهاب العلماء (5) من الأرض

قال وهب والكلبي ومحمد بن إسحاق أي عروج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة، وقال وهب أيضًا ما بين أسفل الارض إلى العرض مسيرة خمسين ألف سنة وهو قول مجاهد، وجمع بين هذه الآية وبين قوله (في يوم كان مقداره ألف سنة) في سورة السجدة فقال: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) من منتهى أمره من أسفل الأرض إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسون ألف سنة وقوله تعالى في (ألم تنزيل) يوم كان مقداره ألف سنة يعني بذلك نزول الأمر من سماء الدنيا إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقداره ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسافة خمسمائة عام، وعن مجاهد أيضًا والحكم وعكرمة هو مدة عمر الدنيا من أول ما خلقت إلى آخر ما بقي خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي إلا الله عز وجل، وقال ابن عباس هو يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ثم يدخلون النار للاستقرار (قال الإمام القرطبي) وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية إن شاء الله بدليل ما رواه قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري فذكر حديث الباب قال واستدل النحاس على صحة هذا القول بما رواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما من رجل لم يؤد زكاة ماله إلا جعل شجاعًا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في ويم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس) قال فهذا يدل على أنه يوم القيامة اهـ (وعن ابن عباس) أيضًا أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله تعالى في يوم (كان مقداره ألف سنة) فقال أيام سماها الله عز وجل وهو أعلم بها كيف تكون وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم (وقيل) معنى ذكر خمسين ألف سنة تمثيل وهو تعريف طول مدة القيامة في الموقف وما يلقى الناس فيه من الشدائد والله أعلم (هذا والقائل ما أطول هذا اليوم) هو أبو سعيد الخدري راوي الحديث كما يستفاد من رواية أخرى (تخريجه) رواه ابن جرير أيضًا وفي إسناده دراج السهمي وثقه ابن معين وضعفه الدارقطني، قال أبو داود حديثه مستقيم إلا عن أبي الهيثم فالحديث ضعيف على قول أبي داود لأن درّاجًا رواه عن أبي الهيثم والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) يعني من شدائد الدنيا (3) أي وقال ابن عباس في تفسيره قوله تعالى (يوم تكون السماء كالمهل) قال كدردى الزيت يعني عكارته التي ترسب في أسفله وبه قال عطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد، وقال ابن مسعود ما أذيب من الرصاص ألوانًا لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، قيل وأول ما تتغير الجبال تصير رملًا مهيلا ثم عهنًا منقوشًا ثم تصير هباء منثورًا (ولا يسأل حميم حميما) قرأ البزي عن ابن كثير لا يسئل بضم الياء أي لا يسئل حميم عن حمي أي لا يطالب به ولا يؤخذ بذنبه، وقرأ الآخرون بفتح الياء أي لا يسئل قريب عن قريب لاشتغاله بنفسه "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" نسأل الله السلامة في هذا اليوم (4) أي ثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداد الليل (5) يعني موتهم

ص: 317

-[قوله تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) الخ وتفسيرها وقصة النبي صلى الله عليه وسلم معهم]-

(سورة الجن)(باب قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن الخ)(عن ابن عباس)(1) قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم (2)، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب (3) قال فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا مالكم؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قال فقالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلى شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء؟ قال فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر حين رجعوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا (إنا سمعنا قرآنًا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به) الآية فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم (قل أوحي إلي (4) أنه) وإنما أوحي إليه قول الجن

(تخريجه) أورده الهثيمي وقال رواه أحمد وفيه قابوس بن أبي ظبيان وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) صحح الترمذي والحاكم حديثه اعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا أبو بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) قال الحافظ البيهقي وهذا الذي ذكره عباس (يعني عدم رؤيتهم وعدم قراءته لهم) إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم، ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله عز وجل كما رواه عبد الله بن مسعود اهـ (قلت) حديث عبد الله بن مسعود سيأتي مطولًا في باب إسلام طائفة من الجن من كتاب خلق العالم، وتقدم مختصرًا من رواية ابن أبي شيبة في شرح باب (وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن) من سورة الأحقاف (3) أي كما قال تعالى في سورة الصافات (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظًا من كل شيطان مارد، لا يسمَّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب (دحورًا ولهم عذاب واصب إلا من خطب الخطبة فأتبعه شهاب ثاقب)(4)(التفسير) قوله عز وجل (قل أوحي إليَّ) أي قل يا محمد لأمتك أوحى الله إلي على لسان جبريل (أنه استمع) إليّ (نفر من الجن) جماعة من الثلاثة إلى العشرة من جن نصيبين وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمًا بذلك قيل إن أوحي إليه كما يستفاد من حديث الباب (فقالوا) لقومهم حين رجعوا إليهم من استماع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر (إنا سمعنا قرآنًا عجبا) اي عجيبًا في فصاحة كلامه بديعًا مباينًا لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه، وقيل عجيبًا في عظم بركته (يهدي إلى الرشد) أي إلى مراشد الأمور، وقيل إلى مع رفة الله تعالى والتوحيد والإيمان (فآمنا به) أي بالقرآن فاهتدينا به وصدقنا أنه من عند الله، ولما كان الإيمان به إيمانًا بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا (ولن نشرك بربنا أحدًا) أي لا نرجع إلى إبليس ولا نطيعه لأنه الذي كان بعثهم ليأتوه بالخبر حينما رمي الجن بالشهب، وقيل لا نتخذ مع الله إلهًا آخر لأنه المنفرد بالربوبية، وفي هذا تعجيب المؤمنين

ص: 318

-[قوله تعالى (يا أيها المدثر قم فأنذر) الآيات وتفسيرها]-

(باب وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا)(وعنه أيضًا)(1) قال في قول الجن (وأنه لما قام عبد الله يدعوه (2) كادوا يكونون عليه لبدا) قال لما رأوه يصلي بأصحابه ويصلون بصلاته ويركعون بركوعه ويسجدون بسجوده تعجبوا من طواعية أصاحبه له، فلما رجعوا إلى قومهم قالوا (إنه لما قام عبد الله) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا (سورة المدثر)(باب يا ايها المدثر قم فأنذر - إلى قوله والرجز فاهجر)(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن)(3) قال أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم فتر الوحي عني فترة فبينا انا أمشى سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بجراء الآن قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه فرقًا حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني زملوني فأنزل الله عز وجل (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) قال أبو سلمة الرجز الأوثان ثم حمى الوحي وتتابع

بذهاب مشركي قريش عما أدركته الجن بتدبرها القرآن (تخريجه)(ق نس مذ) وعزاه الحافظ السيوطي في الدر المنثور لعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم والطبراني وابن مردويه وأبي نعيم في الدلائل (باب)(1)(سنده) حدثنا مؤمل قال أبو عوانة حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (2)(التفسري)(وأنه) قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة وقرأ الباقون بفتحها (لما قام عبد الله) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (يدعوه) يعني يعبده ويقرأ القرآن وذلك حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن (كادوا) يعني الجن (يكونون عليه لبدا) أي يركب بعضهم بعضًا ويزدحمون حرصًا على استماع القرآن، هذا قول الضحاك ورواية عطية بن عباس، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس هذا من قول النفر الذين رجعوا إلى قومهم من الجن أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واقتدائهم به في الصلاة، وهو المذكور في حديث الباب، وقال الحسن وقتادة وابن زيد يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ويطفئوا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره ويتم هذا الأمر وينصره على من ناوأه، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وهو اختيار ابن جرير واستظهره الحافظ بن كثير في تفسيره، وقرأ هشام عن ابن عامر لبدا بضم اللام أي جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أن تجمع ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه وكل شيء الصقته إلصاقا شديدًا فقد لبدته وجمع اللبدة لبد مثل قربه وقرب (تخريجه)(مذك) وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (باب)(3)(عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه وهو الطريق الثانية من حديث رقم 113 صحيفة 48 من هذا الجزء في باب أول ما نزل من القرآن وإنما ذكرته هنا لتفسير ما جاء فيه من كتاب الله عز وجل (التفسير) قال الله عز وجل (يا أيها المدثر) أي المتلفف بثيابه من الدثار وهو كل ما كان من الثياب فوق الشعار، والشعار الثوب الذي يلي الجسد وأصله المتدثر فادغم (قم) من مضجعك أو قم قيام عزم وتصميم (فأنذر) فحذر قومك من عذاب اليه إن لم يؤمنوا أو فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد وقيل سمع من قريش من كرهه فاغتم فتغطى بثوبه يفكر كما يفعل المغموم، فقيل له يا أيها الصارف أذى

ص: 319

-[تفسير قوله تعالى (فإذا نقر في الناقور) وكلام العلماء في ذلك]-

(باب ولا تمنن تستكثر)(عن القاسم بن أبي بزة)(1) في قوله تبارك وتعالى (ولا تمنن تستكثر)(2) قال لا تعط شيئًا تطلب أكثر منه (باب فإذا نقر في الناقور) الآية (عن ابن عباس)(3) في قوله تعالى (فغذا نقر في الناقور)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

الكفار عن نفسك بالدثار قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار (وربك فكبر) وا ختص ربك بالتكبير وهو التعظيم أي لا يكبر في عينك غيره وقل عندما يعروك من غير الله أكبر، وروى أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر فكبرت خديجة وفرحت وأيقنت أنه الوحي، وقد يحمل على تبكير الصلاة ودخلت الفاء بمعنى الشرط كأنه قيل ومهما كان فلا تدع تكبيره (وثيابك فطهر) بالماء عن النجاسة لأن الصلاة لا تصح إلا بها، وقال ابن سيرين وابن زيد أمر بتطهير الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها وذلك أن المشركين كانوا لا يتطهرون ولا يطهرون ثيابهم، ويحتمل أن يكون المراد تقصير الثياب مخالفة للعرب في تطويلهم الثياب إذا وصفوه بالبقاء من المعايب، وفلان دنس الثياب للغادر، ولأن من طهر باطنه يطهر ظاهره (والرجز فاهجر) قرأ أبو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب الرجز بضم الراء وقرأ لآخرون بكسرها ومعناهما واحد قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن زيد وأبو سلمة المراد بالرجز الأوثان، قال فاهجرها ولا تقربها، وقال الكلبي يعني العذاب ومجاز الآية اهجر ما أوجب لك العذاب من الأعمال والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا داود بن عمر ثنا نافع عن ابن عمر الجمحي عن القاسم بن أبي بزة الخ (غريبه)(2) بالرفع وهو منصوب المحل على الحال وقرأ الحسيني تستكثر بالسكون جوابًا للنهي (التفسير)(ولا تمنن تستكثر) فسره الراوي بقوله لا تعط شيئًا تطلب أكثر منه، وبه قال ابن عباس وعكرمة وقتادة قال الضحاك هذا حرمه الله على رسوله لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق وإباحة لأمته، وقال الحسن لا تمنن على الله بعلمك فتسكثره، وعن مجاهد والربيع لا تعظم عملك في عينيك أن تستكثر من الخير فإنه مما أنعم الله عليك، وقيل غير ذلك وهذه الأقوال وإن كانت مرادة فأظهرها تفسير الراوي ومن وافقه، وهو قول أكثر المفسرين لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت، ويقال للعطية المنة فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها (ولربك فاصبر) أي على طاعة الله وأوامره ونواهيه لأجل ثواب الله، وقال ابن زيد معناه حملت أمرًا عظيمًا فيه محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله عز وجل نسأله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الموفقين (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه عبد الله بن أحمد ورواه الطبراني عن ابن عباس قال لا تعط الرجل عطاء رجاء أن يعطيك أكثر منه ورجال المسند رجال الصحيح، وفي إسناده الطبراني عطية العوفي وهو ضعيف اهـ (قلت) قول الحافظ الهيثمي رواه عبد الله بن أحمد يشعر بأنه من زوائد عبد الله على مسند أبيه وليس كذلك فإنه من مسند الإمام أحمد لا من الزوائد فقد رواه عبد الله عن أبيه (باب)(3)(سنده) حدثنا اسباط حدثنا مطرف عن عطية عن ابن عباس الخ (4)(التفسير) قوله تعالى (فإذا نقر في الناقور) أي نفخ في الصور، قال ابن عباس ومجاهد والشعب وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد (الناقور) الصور قال مجاهد وغيره هو كهيئة البوق ويعني به النفخة الثانية وقيل الأولى لأنها أول الشدة الهائلة وقال البغوي هو

ص: 320

-[كلام العلماء في حقيقة الصور ومن ينفخ فيه]-

كيف أنعم (1) وصاحب القرن (2) قد التقم القرن وحتى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ، فقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكيف نقول؟ قال قولوا حسبنا الله (3) ونعم الوكيل على الله توكلنا (4)(باب هو أهل التقوى وأهل المغفرة)(عن أنس بن مالك)(5) قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (هو أهل التقوى (6) وأهل المغفرة) وقال قال ربكم أنا أهلٌ أن أتقى (7) فلا يُجعل معي إله (8) فمن اتقى أن يجعل معي إله كان أهلًا أن أغفر له

القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل يعني النفخة الثانية (فذلك) إشارة إلى وقت النقر أي النفخ في الصور وهو مبتدأ (ويومئذ) يعني يوم القيامة مرفوع المحل بدل من ذلك (يوم عسير) خبر، كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير أي شديد (على الكافرين غير يسير) وأكد بقوله غير يسير ليؤذن بأنه يسير على المؤمنين أو عسير على الكافرين لا يرجى أن يرجع يسيرًا كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا (1) بفتح العين المهملة أي كيف أتنعم من النعمة بالفتح ويه المسرة والفرح والترفة (2) هو إسرافيل عليه السلام أحد الملائكة الأربعة المقربين، والقرن هو الصور قال تعالى (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) قال القرطبي ول اصور قرن من نور ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء وليس جمع صورة كما زعم بعضهم أي ينفخ في صور الموتى على ما نبينه روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو (قلت والإمام أحمد وسيأتي في باب أحاديث جامعة لقصة الدجال من كتاب الفتن وعلامات الساعة) قال يوم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا (بكسر اللام وفتح التاء منونًا، والليت صفحة العنق: وأصغى أي أمال وهماليتان، والمعنى يسمعه أحد إلا أمال إحدى صفحتي عنقه، وإذا مالت إحداهما ارتفعت الأخرى وهو كناية عن الصعق) قال وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله (اي يطينه ويصلحه) قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرًا كأنه الظل فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وذكر الحديث وكذا في التنزيل (ثم نفخ فيه أخرى) ولم يقل فيها فعلم أنه ليس جمع الصورة، والأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام، قال أبو الهيثم من أنكر أن يكون الصور قرنًا فهو كمن ينكر العرش والميزان والصراط اهـ (3) أي كافينا الله من كل سوء (4) قال تعالى (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أي كافيه (تخريجه) رواه ابن أبي حاتم عن عزوه للإمام أحمد قال وفيه عطية وهو ضعيف (باب)(5)(سنده) حدثنا زيد بن الحباب أخبرني سهيل أخو حمزة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك الخ (6) أي هو الحقيق بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعته (وأهل المغفرة) أي هو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب، والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم (7) هو معنى قوله تعالى (هو أهل التقوى)(8) أي لا يشرك بي (وقوله فمن اتقى الخ) أي فمن خاف أن يجعل معي إله أي خاف الإشراك بي كان أهلًا، أي كان مستحقًا أن أغفر له (تخريجه)(نس مذجه بزعل ك) وابن أبي حاتم وابن مردويه، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب (قلت) وصححه الحاكم وأقره الذهبي، والحديث روي عن غير واحد من الصحابة وخرّج نحوه ابن مردويه عن أبي هريرةوابن عباس مرفوعًا والله أعلم

ص: 321

-[قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) وتفسير ذلك]-

(سورة القيامة)(باب لا تحرك به لسانك لتعجل به) الآية (عن سعيد بن جبير)(1) عن ابن عباس في قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به)(2) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة (3) فكان يحرك شفتيه (4) قال فقال لي ابن عباس أنا أحرك شفتيّ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك (5) وقال سعيد أنا أحرك كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه (6) فأنزل الله عز وجل (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال جمعه في صدرك ثم نقرؤه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) فكان بعد ذلك (7) إذا نطق جبريل فرآه كما قرأه (وعنه من طريق ثان)(8) قال قال ابن عباس كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن يريد أن يحفظه قال الله عز وجل لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه (سورة المرسلات)(باب والمرسلات عرفا)(عن عبد الله)(9) قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار (10) فنزلت عليه (والمرسلات عرفًا)(11) فأخذتها من فيه وإن فاه

(باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرحمن عن أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير الخ (2)(التفسير) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره هذا تعليم من الله عز وجل لرسول الله في كيفيه تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له وتكفل الله له أن يجعله في صدره وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه وأن يبينه له ويفسره ويوضحه، فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره أو إيضاح معناه، ولهذا قال تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) أي بالقرآن كما قال تعالى، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علمًا، ثم قال تعالى (إن علينا جمعه) أي في صدرك (وقرآنه) أي قرأه عليك جبريل فجعل قراءة جبريل قراءته لأنه نزل به من عند الله عز وجل (فاتبع قرآنه) أي فاستمع قراءته عليك ثم اقرأه كما أقرأك (ثم إن علينا بيانه) أي إذا أشكل عليك شيء من معانيه بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا (3) أي حالة نزول الوحي لثقله (4) قيل كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي حرك لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه، وقال عامر الشعبي أنما كان يعجل بذكره إذا أنزل عليه من حبه له وحلاوته في لسانه فنهي عن ذلك حتى يجتمع، لأن بعضه مرتبط ببعض اهـ (5) أي يريهم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه (6) قال العيني ومثل هذا الحديث يسمى بالمسلسل بتحريك الشفة لكن لم يتصل بسلسلة وقلّ في المسلسل الصحيح (7) أب بعد نزو قوله تعالى، لا تحرك به لسانك لتعجل به (8)(سنده) حدثنا سفيان قال وقال موسى بن أبي عائشة سمعت سعيد بن جبير يقول قال ابن عباس الخ (تخريجه)(ق مذ) وابن أبي حاتم وابن جرير والبغوي (باب)(9)(سنده) حدثنا سفيان عن عاصم عن يزيد عن عبد الله (يعني ابن مسعود) قال الخ (غريبه)(10) أي غار حراء كما يستفاد من الطريق الثانية (11) قال القرطبي جمهور المفسرين على أن المرسلات الرياح، وقال البغوي، والمرسلات عرفا يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس أن المرسلات الرياح، وقال البغوي: والمرسلات عرفًا يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس وقيل عرفًا أي كثيرًا، تقول العرب الناس إلى فلان عرف واحد إذ توجهوا إليه فأكثروا، هذا معنى قول

ص: 322

-[تفسير قوله تعالى (والمرسلات عرفا) وما جاء في سورة التكوير والمطففين]-

لرطب بها (1) فلا أدري بأيها ختم (2)(فبأي حديث بعده يؤمنون أو وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) سبقتنا حية (3) فدخلت في جحر فقال النبي صلى الله عليه وسلم قدر وقيتم (4) شرها ووقيت شركم (وعنه عن طريق ثان (5) قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (والمرسلات عرفا) ليلة الحية قال فقلنا وما ليلة الحية يا ابا عبد الرحمن قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء ليلًا خرجت علينا حية من الجبل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها فطلبناها فأعجزتنا فقال دعوها عنكم فقد وقاها الله شركم كما وقاكم شرها (سورة التكوير)(عن ابن عمر)(6) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سره أن ينظر إلي يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت وأحسبه أنه قال سورة هود (سورة المطففين)(عن ابن عمر)(7) أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (يوم يقوم الناس لرب العالمين)(8) قال يقومون حتى بلغ الرشح آذانهم (وعنه من طريق

مجاهد وقتادة، قال مقاتل يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه وهي رواية مسروق عن ابن مسعود، وهو قول أبي هريرة (1) أي فمه لم يجف ريقه لأنه كان أول زمان نزولها (2) يعني فلا يدري ابن مسعود بأن الآيتين ختم رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءته حين خرجت عليهم الحية، وإليك تفسير هاتين الآيتين (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) أي إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة امتنعوا من ذلك واستكبروا عنه ولهذا قال تعالى (ويل يومئذ للمكذبين) أي ويل لهم من عذاب الله غدًا ثم قال تعالى (فبأي حديث بعده يؤمنون) أي إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي كلام يومنون به؟ (3) تقع على الذكر والأنثى ودخلت الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة (4) بضم الواو وكسري القاف مخففة فيهما (5)(سنده) حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال وحدثني عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(ق وغيرهما) سورة التكوير) (6) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الأول من تفسير سورة هود في هذا الجزء صحيفة 178 رقم 308 فارجع إليه. (7)(سنده) حدثنا حسن حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر الخ (8) هذه الآية متعلقة بما قبلها من الآيات في أول السورة وهو قوله تعالى للمطفيين (وإليك تفسير هذه الآية) يبخسون حقوق الناس في الكيل والوزن، قال الزجاج إنما قيل الذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف (وعن ابن عباس) قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلًا فأنزل الله عز وجل ويل للمطففين فأحسنوا الكيل والميزان (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) اي أخذوا بالكيل من الناس يأخذون حقوقهم وافية تامة، قال الفراء من وعلى يعتقبان في هذا الموضع لأنه حق عليه فإذا قال اكتلت عليك: فكأنه قال أخذت عليك، وإذا قال اكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك، والضمير المنصوب في (وإذا كالوهم أو وزنوهم) راجع إلى الناس، أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل، ويحتمل أن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لأنهم يدعون

ص: 323

-[قوله تعالى (يوم يقوم الناس لرب العالمين) وصعوبة الموقف والحساب]-

ثان) (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم يقوم الناس لرب العالمين) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (2) في الرشح إلى إنصاف آذانهم (سورة الانشقاق)(باب فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا)(عن عائشة)(3) رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حوسب يوم القيامة عذب (4) فقلت أليس قال الله عز وجل (فسوف يحاسب حسابًا يسيرا)؟ (5) قال ليس ذلك بالحساب ولكن ذلك العرض، (6) من نوقش الحساب يوم القيامة عذب (سورة البروج)(باب وشاهد ومشهود)(عن أبي هريرة)(7) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية (وشاهد ومشهود قال

ويحتالون في الملء، وإذا أعطوا كالوا ووزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين (يخسرون) ينقصون يقل خسر الميزان وأخسره (ألا يظن أولئك أنه مبعوثون ليوم عظيم) يعني يوم القيامة ادخل همزة الاستفهام على لا النافية توبيخًا وليست ألا هذه للتنبيه، وفيه إنكار وتعجب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف كأنهم لا يخطر ببالهم ولا يخمنون تخمينًا إنهم يبعثون ويحاسبون على مقدار الذرة (يوم يقوم الناس لرب العالمين) أي يقومون من قبورهم حفاة عراة في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله تعالى ما تعجز القوى والحواس عنه ولذلك قال في الحديث حتى يبلغ الرشح آذانهم (والرشح) بفتح الراء المشددة وسكون المعجمة هو العرق بالتحريك لأنه يخرج من بدنه شيئًا فشيئًا كما يترشح الإناء المتخلل الأجزاء (وحكى القاضي) أبو بكر بن العربي أن كل أحد يقوم عرقه معه وهو خلاف المعتاد في الدنيا، فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتادة أخذهم الماء أخذًا واحدًا لا يتفاوتون فيه، وهذا من القدرة التي تخرق العادات: والإيمان بها من الواجبات (1)(سنده) حدثنا مؤمل حدثنا حماد يعني ابن زيد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) تقدم الكلام على هذا اليوم في الباب الأول من تفسير سورة المعارج في هذا الجزء فارجع إليه (تخريجه)(ق لك وغيرهم)(باب)(3)(سنده) حدثنا إسماعيل قال أنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة الخ (غريبه)(4) جاء في رواية للشيخين بلفظ (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك) وظاهره العموم في تعذيب كل من حوسب وهو يعارض الآية لأنها تدل على أن بعضهم لا يعذب، وهذا ما دعا عائشة رضى الله عنها إلى السؤال فأجابها النبى صلى الله عليه وسلم بأن مقصود الحديث من نوقش الحساب، والمناقشة في الحساب هي المعاصرة فيه واستقصائه فلم يترك قليلًا ولا كثيرًا إلا حاسبه عليه، أما ما جاء في الآية فالمراد به العرض وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيعرف صاحبها ذنوبه ثم يتجاوز عنه، ولذلك عبر عنه في الآية بالحساب اليسير وحينئذ فلا معارضة (5) أول الآية (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرا: وإليك تفسيرها (التفسير)(فأما من أوتي كتابه بيمينه) أي كتاب عمله فسوف يحاسب حسابًا يسيرا) أي سهلًا لينًا بلا تعسير وهو أن يجازي على الحسنات ويتجاوز عن السيئات وبقية الآية (وينقلب إلى أهله) إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين أو إلى فريق المؤمنين أو إلى أهله في الجنة من الحور العين (مسرورا) أي فرحا (6) تقدم شرحه وكذلك شرح المناقشة والله أعلم (تخريجه)(قد مذ نس) وابن جرير والبغوي (باب)(7)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت على بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عم عمار مولى بني هاشم، أما علىّ فرفعه أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما يونس فلم يعدُ أبا هريرة أنه

ص: 324

-[قوله تعالى (وشاهد ومشهود) وتفسير ذلك]-

يعني الشاهد يوم عرفة والموعود يوم القيامة (وبالسند المتقدم) عن يونس (1) قال سمعت عمارًا مولى بني هاشم يحدث عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية (وشاهد ومشهود) قال الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة والموعود يوم القيامة (سورة الأعلى)(باب ما جاء في فضلها وتفسير صدرها)(عن على رضى الله عنه)(2) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة (سبح اسم ربك الأعلى)(عن ابن عباس)(3) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى (عن عقبة بن عامر الجهني)(4) قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فما نزلت (سبح اسم ربك الأعلى) قال اجعلوها في

قال في هذه الآية الخ (قلت) معنى هذا أن على بن زيد رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في روايته عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية إلى آخره: أما يونس فلم يعدُ أي لما يجاوز أبا هريرة أي لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل قال عن أبي هريرة أنه قال في هذه الآية الخ، وقد فسر في الحديث بأن الشاهد يوم عرفة والموعود يوم القيامة: مع أن الموعود لم يتقدم له ذكر في الحديث ولم يفسر الشهود، وأول الآية (والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود: وإليك تفسيرها (التفسير) قوله عز وجل (والسماء ذات البروج) واليوم الموعود وشاهد ومشهود: وإليك تفسيرها (التفسير) قوله عز وجل (والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود: وإليك تفسيرها (التفسير) قوله عز وجل (والسماء ذات البروج) وهي اثنا عشر برجًا وهي منازل الكواكب والشمس والقمر قاله أبو عبيد ويحيى بن سلام وقيل النجوم أو عظام الكواكب، قاله الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وقيل غير ذلك (واليوم الموعود) أي الموعود به وهو يوم القيامة من غير اختلاف بين أهل التأويل، قال ابن عباس وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه (وشاهد ومشهود) قال على وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة رضى الله عنهم الشاهد يوم الجمعة لأنه يشهد لمن حضر صلاته، والمشهود يوم عرفة لأن الناس يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه وهو قول الحسن، ويؤيده حديث الباب وقيل غير ذلك (1) معناه أن الإمام أحمد رواه مرة أخرى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن يونس وحده ولم يذكر معه على بن زيد (تخريجه) هذا الحديث روى مرفوعًا وموقوفًا على أبي هريرة فرواه الإمام أحمد والحاكم من طريق شعبة عن على بن زيد بن جدعان الخ، وروياه مرة أخرى من طريق شعبة أيضًا عن يونس بن عبيد موقوفًا على أب هريرة وصحح الحاكم هذه الرواية الموقوفة واقره الذهبي (قلت) وكذلك الرواية المرفوعة صحيحة أيضًا لأن على بن زيد وثقه ابن معين والنسائي كذا في التهذيب، وفي الخلاصة قال شعبة حدثنا على بن زيد قبل أن يختلط وعلى هذا فالحديث صحيح: المرفوع منه والموقوف، ورواه الترمذي والبغوي وابن أبي حاتم وابن خزيمة مرفوعًا، وفي إسناده عندهم موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ضعفه يحيى بن سعيد وغيره والله أعلم (حدثنا)(2)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا إسرائيل عن ثوير بن فاخثة عن أبيه عن علىّ الخ (تخريجه)(ز) وابن مردويه، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه ثوير بن أبي فاخثة وهو متروك (3)(سنده) حدثنا وكيع ثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (تخريجه)(دك) والبغوي وصححه الحاكم وأقره الذهبي وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لابن مردويه والبيهقي (4) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب الذكر في الركوع من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 261 رقم 634 وإنما ذكرته هنا لمناسبة

ص: 325

-[قوله تعالى (والفجر وليال عشر والشفع والوتر إذا يسر) الآية وتفسيرها]-

سجودكم (سورة الفجر)(باب والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر)(عن جابر)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العشر عشر الأضحى (2) والوتر يوم عرفة

الترجمة ولتفسير الآية (التفسير) قال الله عز وجل (سبح اسم ربك الأعلى) قال القرطبي أي عظم ربك الأعلى والاسم صلة قصد به تعظيم المسمى كما قال لبيد (إلى الحول ثم إلى السلام عليكما * ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر) وقيل نزه ربك عن السوء وعما يقول فيه الملحدون، وذكر الطبري أن المعنى نزه اسم ربك عن أن تسمى به أحدًا سواه، وروى أبو صالح عن ابن عباس ص بأمر ربك الأعلى، قال وهو أن تقول سبحان ربي الأعلى، وروى عن على وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي موسى وعبد الله بن مسعود رضى الله عنهم أنهم كانوا إذا فتحوا قراءة هذه السورة قالوا سبحان ربي الأعلى امتثالًا لأمره في ابتدائها فيختار الاقتداء بهم في قرائتهم لا أن سبحان ربي الأعلى من القرآن كما قاله بعض أهل الزيغ، وقيل إنها في قراءة أبي سبحان ربي الأعلى، وكان ابن عمر يقرؤها كذلك، وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأها قال سبحان ربي الأعلى (قلت) يعني حديث ابن عباس المذكور في الباب، قال وهذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى لأنهم لم يقولوا سبحان اسم ربي الأعلى، وقيل إن أول من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل يا جبريل أخبرني بثواب من قال سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته؟ فقال يا محمد ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا، ويقول الله تعالى صدق عبدي أنا فوق كل شيء وليس فوقي شيء: اشهدوا يا ملائكتي إني قد غفرت له وأدخلته الجنة، فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم: فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه فأوقفه بين يدي الله تعالى فيقول يارب شفعني فيه، فيقول قد شفعتك فيه فاذهب به إلى الجنة، هكذا ذكره القرطبي في تفسيره بغير سند ولم يعزه إلى أحد ولم أقف عليه لغيره والظاهر أن هذا الحديث إن لم يكن موضوعًا فهو ضعيف جدًا والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عياش بن عقبة حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر الخ (غريبه)(2) فسره النبي صلى الله عليه وسلم بعشر الأضحى يعني العشر الأول من شهر ذي الحجة وأضيفت إلى الأضحى لأن يوم عيد الأضحى منها، وفسر الوتر بيوم عرفة لكونه التاسع، وفسر الشفع بيوم النح لكونه العاشر: وللعلماء كلام في ذلك سيأتي في التفسير وأول الآية قوله تعالى (والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر) أقسام خمسة أقسم الله بها، فقد يقسم الله تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه، ويقسم بأفعاله لقدرته، كما قال تعالى (وما خلق الذكر والأنثى) ويقسم بمفعولاته لعجائب صنعه كما قال:(والشمس وضحاها)(والسماء وما بناها)(والسماء والطارق) ولم يذكر في الحديث الفجر والليل وإليك تفسير الجميع (التفسير) قال الله عز وجل (والفجر) أقسم الله تعالى بالفجر وهو الصبح كقوله: والصبح إذا أسفر: أو بصلاة الفجر، وقيل غير ذلك، وهذا أشهر الأقوال (وليال عشر) عشر ذي الحجة وهو تفسير النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وإنما نكرت لزيادة فضلها، وقيل العشرة الأول من المحرم أو الأواخر من رمضان ولا قول لأحد بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم (والشفع والوتر) فسر الشفع في الحديث بيوم النحر لأنه العاشر، والوتر بيوم عرفة لأنه التاسع، وقيل شفع كل الأشياء ووترها أو شفع هذه الليالي ووترها أو

ص: 326

-[كلام العلماء في الشفع والوتر وقوله تعالى (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد)]-

والشفع يوم النحر (عن عمران بن حصين)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشفع والوتر فقال هي الصلاة بعضها شفع (2) وبعضها وتر (باب فيومئذ لا يعذب عذابه أحد الخ)(حدثنا محمد بن جعفر)(3) حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عمن سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقرأ (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد)(4)

شفع الصلاة ووترها، وهذا القول جاء في الحديث التالي (والليل إذا يسر) أي إذا سار وذهب، وهو قول ابن عباس كما قال تعالى (والليل إذا أدبر) وقال قتادة إذا داء وأقبل وأراد كل ليلية، وقال مجاهد وعكرمة والكلبي هي ليلة المزدلفة، والظاهر العموم، قرأ أهل الحجاز والبصرة يسري بالياء في الوصل ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضًا والباقون يحذونها في الحالين، في حذف فلو فاق رءوس الآي، ومن أثبت فلأنها لام الفعل، والفعل لا يحذف منه في الوقف نحو قوله هو يقضي وأنا أقضي، وسئل الأخفش عن العلة في سقوط الياء فقال الليل لا يسري ولكن يسري فيه فهو مصروف فلما صرفه بخسه حقه من الإعراب كقوله (وما كانت أمك بغيا) ولم يقل- بغية- لأنه صرف من باغية، وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم والجواب محذوف وهو لتعذبن يا كفار مكة، يدل عليه قوله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) إلى قوله تعالى (فصب عليهم ربك سوط عذاب) وقال ابن الأنباري هو: إن ربك لبالمرصاد (هل في ذلك قسم لذي حجر) قال مقاتل (هل) هنا في موضع أن تقديره أن في ذلك قسمًا لذي حجر، فلفظ هل على هذا في موضع جواب القسم، وقيل هي على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير كقولك ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت، وقيل المراد بذلك التأكيد لما أقسم به وأقسم عليه، والمعنى بل في ذلك مقنع لذي حجر، والجواب على هذا (إن ربك لبالمرصاد) أو مضمر محذوف، ومعنى (لذي حجر) أي لذي لب وعقل وكذا قال عامة المفسرين، سمي به لأنه يحجر صاحبه عما لا يحل ولا يجمل كما يسمى عقلًا لأنه يعقله عن القبائخ، ونُهَي، لأنه ينهى عما لا ينبغي وأصل الحجر المنع والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم بز) ورجالهما رجال الصحيح غير عياش بن عقبة وهو ثقة (1)(سنده) حدثنا أبو داود هو الطيالسي حدثنا همام عن قتادة عن عمران بن عصام أن شيخنا حدثه من أهل البصرة عن عمران بن حصين الخ (غريبه)(2) أي كالرباعية والثنائية (وبعضها وتر) كالمغرب فإنها ثلاث وهي وتر النهار وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل، قاله أبو العالية والربيع بن أنس وغيرهما (تخريجه)(مذ طل) وفي إسناده عندهما رجل مبهم، وكذلك عند الإمام أحمد فقد رووه جميعًا من طريق قتادة عن عمران بن عصام عن شيخ من أهل البصرة عن عمران بن حصين، ورواه ابن أبي حاتم والحاكم من طريق قتادة أيضًا عن عمران بن عصام شيخ من أهل البصرة فجعلا الشيح البصري هو عمران بن عصام وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وكذلك رواه ابن جرير بسنده عن عمران بن عصام عن عمران بن حصين ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر والله أعلم (باب)(3)(حدثنا محمد بن جعفر الخ)(غريبه)(4) أول الآية (وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد)(التفسير)(وجيء يومئذ بجهنم) روى مسلم بسنده عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بجهنم يومئذ (يعنى يوم القيامة) لها سبعون ألف

ص: 327

-[قوله عز وجل (والضحى والليل إذا سجى) وتفسير ذلك]-

يعني يفعل به (1) قال خالد وسألت عبد الرحمن ابن أبي بكرة قال فيومئذ لا يعذب أي يفعل به

(سورة الضحى)(باب والضحى والليل إذا سجى الخ)

(عن جندب بن سفيان)(2) قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا فجاءته امرأة (3) فقالت يا محمد لم أره فربك منذ ليلتين أو ثلاث (وفي لفظ) فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك (وفي لفظ) ما أرى صاحبك (4) إلا قد أبطأ عليك) فأنزل الله عز وجل (والضحى (5) والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى)

زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، وهكذا رواه الترمذي أيضًا (يومئذ) يعني يوم يحاء بجهنم (يتذكر الإنسان) أي عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه (وأنى له الذكرى) قال الزجاج يظهر التوبة ومن أين له التوبة (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) أي قدمت الخير والعمل الصالح لحيات في الآخرة أي لآخرتي التي لا موت فيها (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) قرأ الكسائي ويعقوب لا يعذب ولا يوثق بفتح الذال والثاء على معنى لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ ولا يوثق كوثاقه يومئذ، وقيل هو رجل بعينه وهو أمية بن خلف يعني لا يعذب كعذاب هذا الكافر أحد ولا يوثق كوثاقه أحد، وقرأ الآخرون بكسر الذال والثاء أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله للكافر يومئذ ولا يوثق كوثاقه أحد يعني لا يبلغ أحد في الخلق كبلاغ الله في العذاب والوثاق وهو الإسار في السلاسل والأغلال نعوذ بالله من ذلك (1) أي يفعل به العذاب (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد (باب)(2)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن الأسود بن قيس قال سمعت جندب بن سفيان يقول اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (قلت) قال الحافظ في التقريب جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي ثم العلقي بفتحتين ثم قاف أو عبد الله وربما نسب إلى جده له صحبة ومات بعد الستين اهـ (قلت) وقد نسبه الإمام أحمد هنا إلى جده فقال جندب بن سفيان (غريبه)(3) هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان وهي حمالة الحطب وهي أم جميل امرأة أبي لهب كما عند الحاكم (4) هو جبريل عليه السلام وقد عبرت عنه في اللفظ السابق بالشيطان قاتلها الله، وهذا اللفظ ثابت في رواية البخاري أيضًا (5)(التفسير) قال الله عز وجل (والضحى) المراد وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس، وإنما خص وقت الضحى بالقسم لأنها الساعة التي كلم اله فيها موسى عليه السلام وألقى السحرة سجدًا: بيانه قوله تعالى: وأن يحشر الناس ضحى، والنهار كله لقوله: والليل إذا سجى فقابله بالليل، (وقال أهل المعاني) فيه وفي أمثاله فيه إضمار مجازه ورب الضحى (والليل إذا سجى) أي سكن فأظلم وأدلهم، قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وغيرهم، وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا: وهذا كما قال تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى: وقال تعالى فالق الإصباح وجعل الليل سكنًا: وقيل المراد سكون الناس والأصوات فيه وجواب القسم (ما ودعك ربك) وعدك بالتشديد قراءة العامة من التوديع وذلك كتوديع المفارق وروى عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قرآه ودعك بالتخفيف ومعناهما واحد أي ما تركك منذ اختارك (وما قلى) أي ما أبغضك ربك منذ أحبك، وتأويل الآية ما ودعك ربك وما قلاك فترك الكاف لأنه رأس آية كما قال عز وجل: والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات

ص: 328

-[قوله تعالى (أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى) نزلت في أبي جهل]-

(سورة العلق)(باب أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى)(عن عكرمة عن ابن عباس)(1) قال جاء أبو جهل (2) إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي (3) فنهاه فتهدده النبي (4) صلى الله عليه وسلم فقال أنهددني؟! أما والله أني لأكثر أهل الوادي ناديًا (5) فأنزل الله (أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى (6) أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى) قال ابن عباس والذي نفسي بيده لو دعا ناديه لأخذته الزبانية (7)(عن أبي حازم عن أبي هريرة)(8) قال قال أبو جهل هل يغفر محمد وجهه بين أظهركم؟ (9) قال فقيل نعم، قال واللات والعزى يمينًا (10) يحلف بها لئن رأيته يفعل ذلك (11) لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته (12) قال فما فاجأهم منه إلا وهو بنكِص على عقبيه (13) ويتفى بيديه، قال قالوا له مالك؟ قال إن بيني وبينه لخندقًا من نار (14) وهولًا وأجنحة، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

أي والذاكرات الله، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره قال العوفي عن ابن عباس لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن (يعني بعض القرآن في أول الأمر وهو بمكة) أبطأ عنه جبريل أيامًا فنغير بذلك، فقال المشركون ودعه ربه وقلاه، فأنزل الله: ما ودعك ربك وما قلى (وقال البغوى) اختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه، فقال ابن جريج أثنا عشر يومًا، وقال ابن عباس خمسة عشر يومًا، وقال مقاتل أربعون يومًا والله أعلم (تخريجه)(قد مذ نس) وابن أبي حاتم وابن جرير والبغوي من طرق عن الأسود بن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي (باب)(1)(سنده) حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا داود (يعني ابن أبي هند) عن عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) هو عمرو بن هشام، ولم يدرك ابن عباس القصة فيحمل على سماعه ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر (3) أي عند المقام كما في رواية ابن جرير (وقوله فنهاه) يعني عن الصلاة (4) يعني نهره النبي صلى الله عليه وسلم وأغلظ له في القول (5) قال في النهاية النادي يجتمع القوم وأهل المجلس فيقع على المجلس وأهله اهـ والمعنى أنه يهدد النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة أتباعه وعشيرته وأهل مجلسه (6) سيأتي تفسيرها في الحديث التالي (7) أي الملائكة الغلاظ الشداد وهم خزنة جهنم سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدة، مأخذ من الزبن وهو الدفع (تخريجه) (قد مذ نس) (8) (سنده) حدثنا عارم قال حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة الخ (غريبه) (9) هو كغاية عن كونه صلى الله عليه وسلم يصلي لأن التراب يلصق بوجه المصلى إذا سجد لاسيما وقد كانوا يصلون في الحرم على الأرض بغير فراش (10) بالنصب مفعول لفعل محذوف تقديره أقسم يمينًا الخ (11) جاء عند البخاري لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأطأن الخ (وقوله لأطأن) بصيغة المضارع المتكلم مؤكدة باللام والنون الثقيلة من الوطأ وهو الدرس من باب سمع (12) أي عازمًا على أن ينفذ ويطأ رقبة النبي صلى الله عليه وسلم (13) أي فرجع القهقهري وجعل يشير بيديه كأنه يتقى شيئًا يخافه (14) أي حفرة من نار حالت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم (وهولًا) أي شيئًا مخوفًا أفزعني لخطفته الملائكة عضوًا عُضوا: ومعناه أن الملائكة لم تخطفه برمته بل تخطف أعضاءه عضوًا بعد عضو بقصد التمثيل به، وجاء عند الترمذي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو فعل لأخذته الملائكة عِيانًا (يعني أمام الناس

ص: 329

-[قوله تعالى (كلا إن الإنسان لطغى) وتفسير ذلك]-

لو دنا مني لخطفته الملائكة عُضوًا عضوا قال فأنزل الله لا أدري (1) في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه (إن الإنسان ليطغى (2) أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى (يعني أبا جهل) ألم يعلم بأن الله يرى، كلا لئن لم ينته لنسفعًا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه (قال يدعوا قومه) سندع

يقال لقيه ورآه عيانًا أي مشاهدة لم يشك في رؤيته، وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلى الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي لأنهما اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته، لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطئ العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة له لو فعل ذلك، ولأن سلى الجزور لم يتحقق نجاستها، وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم عليه وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر: قال الحافظ (1) جاء عند مسلم قال فأنزل الله عز وجل لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه: كلا إن الإنسان ليطغى: وشقط من أصل المسند لفظ (كلا)(2)(التفسير)(كلا إن الإنسان ليطغى) لفظ كلا ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه، يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله، قال مقاتل نزلت في أبي جهل كان إذا أصاب مالًا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه فذلك طغيانه (قلت) طغيانه أنه تجاوز حده واستكبر علىربه، قال النسفي نزلت في أبي جهل إلى آخر السورة (أن رآه) أن رآ نفسه، يقال في أفعال القلوب رأيتني وعلمتني، ومعنى الرؤية العلم ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين (استغنى) هو المفعول الثاني (إن إلى ربك الرجعى) هذه الآية سقطت من الحديث عند الإمام أحمد وهي ثابتة فيه عند مسلم وغيره والمعنى إن إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته. وفيم صرفته. ويجازيك على طغيانك (أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى) نزلت في أبي جهل توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت كما في الحديث فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولًا فقال (أرأيت إن كان على الهدى) أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريقة المستقيمة في فعله (أو أمر بالتقوى) بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ولهذا قال (ألم يعلم بأن الله يرى) أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله أتم الجزاء، وقال الفراء المعنى أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى، وهو على الهدى وآمر بالتقوى والناهي مكذب متول عن الذكر أي فما أعجب هذا، ثم يقول ويله ألم يعلم أبو جهل بأن الله يرى أي يراه ويعلم فعله فهو تقرير وتوبيخ، وقيل كل واحد من أرأيت بدل من الأول (وألم يعلم بأن الله يرى) الخبر (كلا) لا يعلم ذلك (لئن لم ينته) عن إيذاء محمد وتكذيبه (لنسفعًا بالناصية) لنأخذن بناصيته فلتجرنه إلى النار كما قال: فيؤخذ بالنواصي والأقدام: يقال سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذبًا شديدًا: والناصية شعر مقدم الرأس واكتفى بلام العهد عن الإضافة للعلم بأنها ناصية المذكور (ناصية كاذبة خاطئة) أي صاحبة كاذب خاطئ، قال ابن عباس لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل تنتهرني فوالله لأملأن عليك هذا الرادي إن شئت خيلًا جردًا ورجالًا لا مردًا، قال الله عز وجل (فليدع ناديه) أي أهل مجلسه وقومه

ص: 330

-[سورة (لم يكن) وتفسيرها ومنقبة لأبي بن كعب رضى الله عنه]-

الزبانية (قال يعني الملائكة كلا لا تطعه واسجد واقترب (سورة لم يكن)(باب تفسيرها ومنقبة لأبي بن كعب)(عن أنس بن مالك)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب أن الله أمدني أن اقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا)(2) قال وسماني لك؟ (3) قال نعم فبكى (4)(عن أبي حبة البدري)(5) قال لما نزلت لم يكن (وفي رواية)(لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب إلى آخرها) قال جبريل عليه السلام يا محمد إن ربك يأمرك أن تقرئ هذه السورة أبي بن كعب فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبي إن ربي عز وجل أمرني أن اقرئك (6) هذه السورة فبكى وقال ذُكِرت ثمة (7)

وعشيرته فليتنصر بهم (سندع الزبانية) جمع زنبي مأخوذ من الزبن وهو الدفع (قال ابن عباس) يريد زبانية جهنم، سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها، قال الزجاج هم الملائكة الغلاظ الشداد، قال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله (كلا) ردع لأبي جهل (لا تطعه) أي أثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله: فلا تطع المكذبين: وداوم على العبادة وصل حيث شئت ولا نباله فإن الله حافظك وناصرك وهو يعصمك من الناس (واسجد) ودم على سجودك يريد الصلاة (واقترب) وتقرب إلى ربك بالسجود فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد كما ورد والله أعلم (تخريجه)(م نس) وابن جرير والبغوي وابن أبي حاتم (باب)(1)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك الخ (غريبه)(2) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم خص أبيًا للتنويه به في أنه أقرؤ الصحابة فإذا قرأ عليه صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته كان غيره بطريق التبع له: وفيه منقبة عظيمة لأبي بن كعب رضى الله عنه (3) استفسره لأنه جوز أن يكون أمره أن يقرأ على رجل من أمته غير معين فيؤخذ منه الاشتبات في المحتملات (4) إنما بكى أبي رضى الله عنه فرحًا وسرورًا أو خشوعًا وخوفًا من التقصير في شكر تلك النعمة، ويستأنس لتخصيص هذه السورة بحديث مرفوع جاء عند أبي نعيم في أسماء الصحابة لفظه (إن الله ليسمع قراءة لم يكن الذين كفروا فيقول أبشر عبدي فوعزتي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى) لكن قال الحافظ ابن كثير إنه حديث غريب جدًا (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد وقال رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث شعبة به (5)(سنده) حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن أبي حبة البدري الخ (غريبه)(6) أي أعلمك بقراءتي عليك كيف تقرأ فلا منافاة بين قوله اقرأ عليك المذكور في الحديث السابق وبين قوله هنا أقرتك، وقد يقال كأن في قراءة أبي قصور فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرئه على التجويد وأن يقرأ عليه ليتعلم منه حسن القراءة وجودتها (7) أي هناك معين والنسائي، وقال الإمام أحمد وأبو زرعة ليس بالقوى (قلت) يعضده حديث أنس السابق، وفي الباب أحاديث أخرى تقدمت في باب ذكر آيات كانت في القرآن ونسخت صحيفة 59 من هذا الجزء، وإليك تفسير هذه السورة جميعها (التفسير) قال الله عز وجل (لم يكن الذين كفروا) بمحمد صلى الله عليه وسلم (من أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى (والمشركين) عبدة الأصنام والنيران ونحوها من العرب والعجم (منفكين) أي منفصلين عن الكفر، يقال فككت الشيء فانفك أي انفصل (حتى تأتيهم البينة) أي

ص: 331

-[(سورة الزلزلة) وما جاء في فضلها]-

قال نعم (سورة الزلزلة)(باب ما جاء في فضلها)(عن أنس بن مالك)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يا أيها الكافرون ربع القرآن (2) وإذا زلزلت الأرض ربع القرآن (3) وإذا جاء نصر الله ربع القرآن (4)

الحجة الواضحة والمراد محمد صلى الله عليه وسلم يقول لم يتركوا كفرهم حتى يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما بعث أسلم بعض وثبت على الكفر بعض، ثم فسر البينة فقال (رسول من الله) أي محمد صلى الله عليه وسلم وهو بدل من البينة (يتلو) يقرأ عليهم (صحفًا) كتبًا يريد ما تضمنته الصحف من المكتوب فيها وهو القرآن لأنه كان يتلوا عن ظهر قلبه لا عن كتاب (مطهرة) من الباطل والكذب والزور (فيها) أي في الصحف (كتب) مكتوبات يعني الآيات والأحكام المكتوبة فيها (قيمة) أي عادلة مستقيمة غير ذات عوج ناطقة بالحق والعدل: ثم ذكر من لم يؤمن من أهلي الكتاب فقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) في أمر محمد صلى الله عليه وسلم (إلا من بعد ما جاءتهم البينة) فمنهم من أنكر نبوته بغيًا وحسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، ومنهم من آمن به: وإنما أفرد أهل الكتاب بعد ما جمع أولًا بينهم وبين المشركين لأنهم كانوا على علم به لوجوده في كتبهم، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب به أدخل في هذا الوصف (وما أمروا) يعني في التوراة والإنجيل (إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) من غير شرك ونفاق (حنفاء) مؤمنين بجميع الرسل مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام (ويقيموا الصلاة) أي المكتوبة في أوقاتها (يؤتوا الزكاة) عند محلها (وذلك) الذي أمرنا به (دين القيمة) أي دين الملة الشريفة المستقيمة (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) قرأ نافع وابن عامر البريئة بالهمز في الحرفين لأنه من قولهم برأ الله الخلق، وقرأ الآخرون مشددًا بغير همز كالذرية ترك همزها في الاستعمال، والمعنى هم سر الخليقة التي برأها وذرأها، ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار بقوله (إن الذين آمنوا) بقلوبهم (وعملوا الصالحات) بأبدانهم (أولئك هم خير البرية) وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين من البشر على الملائكة لأن البرية الخلق واشتقاقها من برأ الله الخلق، وقيل اشتقاقها من البرا وهو الغراب ولو كان كذلك لما قرئ والبريئة بالهمزة كذا قال الزجاج (جزاؤهم عند ربهم) يوم القيامة (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) أي بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ (رضى الله عنهم) ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم (ورضوا عنه) بما منحهم من الفضل العميم: وقوله تعالى (ذلك لمن خشي ربه) أي هذا الجزاء حاصل لمن خشي ربه وأتقاه حق تقواه وعبده كأنه يراه وعلم أنه إن لم يره فإنه يراه نسأله تعالى أن يحشرنا في زمرتهم إنه واسع المغفرة جل شأنه (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان قال حدثني سلمة بن ودان قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) أي مثل ربع القرآن لأن القرآن كله يشتمل على أحكام الشهادتين في التوحيد والنبوة وأحوال النشأتين الدنيا والآخرة وذلك أربعة أقسام، وهذه السورة مقصورة على التوحيد لتضمنها البراءة من الشرك والتدين بدين الحق، وهذا هو التوحيد الصرف (3) أي لاقتصارها على النشأة الأخرى وهي ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله وهو أحد الأقسام الأربعة المتقمة (4) أي لأنها تضمنت المقصود من إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو دخول الناس في دين الله أفواجا وهو أحد الأقسام الأربعة المتقدمة (تخريجه)(مذ نس) وفي إسناده

ص: 332

-[قصة الرجل الذي قال اقرئني يا رسول الله فاقرأ (إذا زلزلت الأرض)]-

(عن عبد الله بن عمرو)(1) قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أقرئني (2) يا رسول الله قال له اقرأ ثلاثًا من ذات الر (3) فقال الرجل كبرت سني واشتد قلبي وغلظ لساني، قال فاقرأ من ذات حم (4) فقال مثل مقالته الأولى، فقال اقرأ ثلاثًا من المسبحات (5) فقال مثل مقالته فقال الرجل ولكن اقرئني يا رسول الله سورة جامعة (6) فاقرأه (إذا زلزلت الارض) حتى إذا فرغ منها قال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدًا ثم أدبر الرجل: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح الرويجل (7) أفلح الرويجل ثم قال علىّ به، فجاءه فقال له أمرت بيوم الأضحى (8) جعله الله عيدًا لهذه الأمة، فقال الرجل أرأيت إن لم أجد إلا منيحة ابني أفأضحي بها؟ قال لا، ولكن تأخذ من شعرك وتقلم أظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فذلك تمام أضحيتك عند الله (باب يومئذ تحدث أخبارها)(عن أبي هريرة)(9) قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (يومئذ تحدث أخبارها) قال أتدرون ما أخبارها؟ (10) قالوا الله ورسوله، أعلم قال فإن

سلمة بن وردان ضعفه الإمام أحمد وغيره، وحسنه الترمذي: وأهل تحسين الترمذي له لكثرة طرقه والله أعلم (1)(سنده) حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا سعيد حدثني عياش بن عباس عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو الخ (قلت) أبو عبد الرحمن اسمه عبد الله بن يزيد من مشايخ الإمام أحمد (وسعيد) هو ابن أبي أيوب (غريبه)(2) من الإقراء وهو تعليم القرآن (3) أي من السور التي تبدأ بهذه الحروف الثلاثة التي تقرأ مقطعة هكذا، ألف. لام. راء، والذي في القرآن منها خمس سور يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر (4) أي من السور التي تبدأ بهذين الحرفين حا، ميم، وهي سبع سور، غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف (5) أي من السور التي تبدأ بمادة التسبيح مطلقًا وهي سبع سور: الإسراء، والحديث، والحشر، الصف، والجمعة، والتغابن، والأعلى (6) يريد سورة جامعة لأهم الأمور مع كونها قصيرة (فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم إذا زلزلت الأرض) لأنها جمعت أهم أحوال الآخرة من القيامة والبعث والنشور والجزاء، وهي تناسب حال الرجل الذي كبر وأشرف على الموت (7) تصغير رجل، قال في اللسان وتصغيره رجيل ورويجل على غير قياس حكاه سيبويه (8) هذه الجملة وهي قوله أمرت بيوت الأضحى إلى آخر الحديث تقدمت في باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية الخ صحيفة 69 رقم 58 في الجزء الثالث عشر وتقدم شرحها هناك وقد وقع فيها (إلا منيحة أنثى) وهي خطأ والصواب (إلا منيحة ابني) كما هنا وإن جاء في رواية أبي داود والنسائي بلفظ أنثى إلا أن لفظ ابني أنسب بسياق الحديث وهو الذي وقع في رواية الإمام أحمد والله أعلم (تخريجه)(د ك) مختصرًا إلى قوله أفلح الرويجل، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي فقال بل صحيح، يريد أنه صحيح ولكن ليس على شرطهما فإن عياش بن عباس روى له مسلم فقط، وعيسى بن هلال لم يرو له واحد منهما، وروى الشطر الثاني منه من قوله (أمرت بيوم الأضحى) الخ أبو داود والنسائي منفصلًا في كتاب الضحايا باب (9)(سنده) حدثنا إبراهيم حدثنا ابن مبارك عن سعد بن أبي أيوب حدثني يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة الخ (غريبه)(10) بفتح الهمزة جمع

ص: 333

-[قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره) الخ وتفسير السورة كلها]-

أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة (1) بما عمل على ظهرها أن تقول (2) عملت علىّ كذا وكذا (3) يوم كذا وكذا (4) قال فهو أخبارها (باب فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره الخ السورة)(عن صعصعة بن معاوية)(5) عم الفرزدق أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) قال حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها (6)

خبر أي تحديثها (1) أي ذكر أو أنثى (2) بدل بعض من أن تشهد أو بيان أو خبر مبتدأ محذوف تقديره شهادتها أن تقول الخ (3) يعني من الطاعة أو المعصية (4) من شهر كذا وعام كذا (تخريجه)(مذ نس ك) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب: وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (قلت) وتعقبه الذهبي فقال يحيى بن أبي سليمان منكرًا لحديث قاله البخاري (قلت) وثقه ابن حبان والحاكم كذا في الخلاصة وفي التهذيب قال أبو حاتم مضطرب الحديث ليس بالقوي يكتب حديثه، ورواه أيضًا عبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان صلى الله عليه وسلم (5) (سنده) حدثنا يزيد بن هارون أنا جرير بن حازم حدثنا الحسن عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق الخ وله طريق أخرى عند الإمام أحمد قال حدثنا أسود بن عامر ثنا جرير بالسند المتقدم قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقرأ هذه الآية فذكر معناه (6) أي يكفيني ذلك وإنما قال ذلك لأن هاتين الآيتين جمعتا كل ما يثاب الإنسان عليه من أعمال الخير وما يعاقب عليه من أعمال الشر (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني مرسلًا ومتصلًا ورجال الجميع رجال الصحيح اهـ (قلت) المرسل الطريق الأول والمتصل الطريق الثانية: وإليك تفسير هذه السورة المباركة (التفسير) قال الله عز وجل (إذا زلزلت الأرض) حركت الأرض حركة شديدة لقيام الساعة وليس بعدها زلزال قال تعالى: إن زلزلة الساعة شيء عظيم (إلى قوله) ولكن عذاب الله شديد) (زلزالها) تحريكها قرئ بفتح الزاي: فالمكسور مصدر: والمفتوح اسم (وأخرجت الأرض أثقالها) أي كنوزها وموتاها جمع ثقل بكثر المثلثة وسكون القاف وهو متاع البيت جعل ما فيها من الدفائن أثقالها (وقال الإنسان ما لها) زلزلت هذه الزلزلة الشديدة ولفظة ما في بطنها، وذلك عند النفخة الثانية حتى تزلزل وتلفظ موتاها أحياء فيقولون ذلك لما يبهرهم من الأمر الفظيع كما يقولون: من بعثنا من مرقدنا: وقيل هذا قول الكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون (يومئذ) بدل من إذا وناصبها (تحدث) أي تحدث الخلق (أخبارها) فحذف أول القولين لأن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق، قيل ينطقها الله وتخبر بما عمل عليها من خير وشركما في حديث أبي هريرة المذكور هنا (بأن ربك أوحى لها) أي تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، أي إليها وأمره إياها بالتحديث (يومئذ يصدر الناس) يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف متفرقين بيض الوجوه آمنين وسود الوجوه فزعين أو يصدرون عن الموقف أشتاتًا متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار (ليروا أعمالهم) جزاء أعمالهم (فمن يعمل مثقال ذرة) نملة صغيرة أصغر ما تكون من النمل (خيرًا) تمييز (يره) أي ير جزاءه (ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) قال ابن عباس ليس مؤمن ولا كافر عمل خير أو شرًا في الدنيا إلا أراه الله له يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله سيئاته ويثبته بحسناته وأما الكافر فنرد حسناته ويعذب بسيئاته، قال محمد بن كعب في هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة

ص: 334

-[سورة ألهاكم التكاثر وتفسيرها وقوله تعالى (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)]-

(سورة ألهاكم)(باب ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)(عن محمود بن لبيد)(1) قال لما نزلت (ألهاكم التكاثر) فقرأها حتى بلغ (لتسألن يومئذ عن النعيم)(2) قالوا يا رسول الله عن أي نعيم نسأل (3) وإنما هما الأسودان الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر (5) فعن أي نعيم نسأل؟ قال إن ذلك سيكون (6)(عن الزبير ابن العوام) قال لما نزلت (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)

خيرًا يره: من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره: من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر: روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لما نزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأبو بكر الصديق رضى الله عنه قاعد فبكى حين نزلت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال يبكيني هذه السورة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم لخلق أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم اللهم، اغفر لنا بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين (باب)(1)(سنده) حدثنا يزيد أنا محمد يعني ابن أبي عمرو عن صفوان بن سليم عن محمود بن لبيد الخ (غريبه)(2) سيأتي تفسيرها ضمن تفسير السورة (3) معناه لسنا في نعيم فإن معيشتنا التمر والماء (4) بيان لقوله الأسودان، أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونعت بنعته إتباعًا والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معًا باسم الأشهر فيهما كالقمرين والعمرين (نه)(5) معناه، إن من كان هذا شأنه فلا يعد منعمًا بل خائفًا وجلًا (6) هذا يحتمل وجهين أحدهما أن النعيم الذي تسألون عنه سيكون (والثاني) أن السؤال سيكون عن الأسودين فإنهما نعمتان من نعم الله تعالى (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وحديثه حسن وفيه ضعف أسوء حفظه وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ وإليك تفسير هذه السورة (التفسير) قال الله عز وجل (ألهاكم التكاثر) أي شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها والتباري في الكثرة والتباهي بها في الأموال والأولاد عن طاعة الله وطلب الآخرة وابتغائها (حتى زرتم المقابر) حتى أدرككم الموت على تلك الحال أو حتى زرتم المقابر وعددتم من يها من موتاكم مفتخرين بهم، روى سعيد عن قتادة قال كانوا يقولون نحن أكثر من بني فلان ونحن أعد من بني فلان وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم والله مازالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم، وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر قال فقال يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت رواه (م حم) وسيأتي في باب ذم المال من كتاب المدح والذم (كلا) ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه (سوف تعلمون) عند النزع سوء عاقبة ما كنتم عليه (ثم كلا سوف تعملون) في القبور (كلا) تكرير للإنذار والتخويف (لو تعلمون جواب لو محذوف أي لو تعلمون ما بين أيديكم (علم اليقين) علم الأمر اليقين أي كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور لما ألهاكم التكاثر أو لفعلتم مالا يوصف ولكنكم ضلال جهلة (لترون الجحيم هو جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد وقرأ الكسائي وابن عامر لترون بضم التاء من إراية الشيء

ص: 335

-[سورة لإيلاف قريش وتفسيرها وقصة قريش]-

قال الزبير أي رسول الله أي نعيم نسأل عنه؟ فذكر نحو الحديث المتقدم (1)(سورة قريش)(باب تفسيرها وقصة قريش)(عن أسماء بنت يزيد)(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لإيلاف قريش (3) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف) ويحكم يا قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم

أي يحشرون اليها فترونها، والجحيم اسم من أسماء النار وكل نار عظيمة في مهواة فهي جحيم (ثم أترونها) كرره معطوفًا بثم تغليظًا في التهديد وزيادة في التهويل أو الأول بالقلب والثاني بالعين (عين اليقين) أي الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) عن الأمن والصحة فيم أفنيتموها، وقيل عن النعيم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه، وعن الحسن ما سوى كن يؤويه. وأثواب تواريه وكسرة تقوية، وهذا معنى الحديث مطرف بن عبد الله الذي تقدم آنفًا (عن جابر بن عبد الله) قال أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فأطعمتهم رطبًا وأسقيتهم ماءًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من النعيم الذي تسألون عنه، رواه الإمام أحمد والنسائي وسيأتي في كتاب الزهد والتقليل من الدنيا رزقنا الله القناعة والعفاف والزهد في الدنيا (1) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب أنك ميت وأنهم ميتون من سورة الزمر في هذا الجزء صحيفة 260 رقم 411 والله الموفق. (باب)(2) سنده حديثنا علي بن يحي ثنا عيسى بن يونس ثنا عبيد اله بن أبي زياد القداح عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الخ (3)(التفسير) قال تعالى (لإيلاف قريش) قرأ أبو جعفر ليلاف بغير همز، إلا فيهم طلبًا للخفة، وقرأ ابن عامر لإلاف بهزة مختلسة من غير ياء بعدها، وقرأ الآخرون بهمزة مشعبة وياء بعدها، واتفقوا غير أبي جعفر في إيلافهم أنها بياء بعد الهمزة إلا عبد الوهاب ابن فليح عن ابن كثير فإنه قرأ الفهم ساكنة اللام بغير ياء، وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة، منهم أبي بن كعب لأفصل بينهما في مصحفه، وقالوا اللام في الإيلاف تتعلق بالسورة التي قبلها؛ وذلك إن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة فجعلهم كمصحف مأكول لإيلاف قريش أي أهلك أصحاب الفيل لتبقى قريش وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف، وذهب الجمهور إلى أنهما سورتان (قال الحافظ ابن كثير) هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ لأن المعنى عندهم حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين، وقال جماعة: لإيلاف قريش متعلق بقوله فليعبدوا، أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ودخلت الفاء كما في الكلام من معنى الشرط، أي أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة (إيلافهم بدل من الإيلاف الأول (رحلة الشتاء والصيف) رحلة نصب على المصدر أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف، روى عكرمة وسعيد ابن جبير عن ابن عباس قال كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت، وقال آخرون كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة، أحداهما في الشتاء إلى اليمن؛ لأنها أدفأ، والأخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم واديًا جدبًا لا زرع فيه ولا ضرع وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء، كانوا يقولون قريش سكان حرم الله

ص: 336

-[سورة الكوثر وتفسيرها]-

من جوع وآمنكم من خوف (سورة الكوثر)(باب تفسيرها وصفة الكوثر)(عن عطاء بن السائب)(باب قال قال لي محارب بن دثار ما سمعت سعيد بن جبير يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في الكوثر؟ (2) فقلت سمعته يقول قال ابن عباس هذا الخير الكثير (3) فقال محارب سبحان الله (4) ما أقل ما يسقط لابن عباس قول، سمعت ابن عمر يقول لما أنزلت (إنا أعطيناك الكوثر)(5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على

وولاة بيته فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فأخصبته تبالة وجرش من بلاد اليمن فحمل الطعام إلى مكة أهل الساحل من البحر على السفن وأهل البر على الإبل والحمير، فألقى أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح فأمتاروا من قريب وكفاهم الله مؤتة الرحلتين وأمرهم بعبادة رب البيت فقال (فليعبدوا رب هذا البيت) أي الكعبة ولهذا جاء في حديث الباب: ويحكم يا قريش ابعدوا رب هذا البيت: أي بعد أن أراحكم الله من مشقة السفر وأقيموا بمكة واشتغلوا بعبادة الله (الذي أطعمهم من جوع) أي من بعد جوع بحمل المبرة إلى مكة (وآمنهم من خوف) أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فيفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ولا يعبدوا من دونه صمًا ولا ندا وا وثنا، ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا والآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، وقيل آمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم، وقيل ذلك كله لدعاء إبراهيم عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء الصلاة والسلام. (باب)(1)(سنده) حدثنا مؤل حدثنا حماد يعني ابن زيد حدثنا عطاء بن السائب الخ (غريبه)(2) يعني في معنى الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وذكر في قوله (إنا أعطيناك الكوثر)(3) معناه أن ابن عباس فسر الكوثر بالخير الكثير (4) لفظ سبحان الله هنا فيه معنى التعظيم والتعجب لما اشتمل الكلام عليه، ففيه معنى التعجب مما خص به ابن عباس من قلة خطئه، وفيه معنى التعظيم بكمال قدرة الله تعالى فإنه يخص من شاء بما شاء (5)(التفسير)(إنا أعطيناك الكوثر) فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكوثر وصفته بما لا تفسير بعده وتفسير ابن عباس الموقوف عليه هنا الكوثر بأنه الخير الكثير رواه عنه البخاري من رواية سعيد بن جبير ما هنا، ونقله ابن كثير في تفسيره ثم قال وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛ لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري، ثم قال وقد صح عن ابن عباس أنه فسر بالنهر أيضًا، ونقل ذلك من تفسير ابن جرير بإسناده إلى ابن عباس ثم ساق الأحاديث في نهر الكوثر وقال بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث؛ وكذلك أحاديث الحوض، ثم ذكر كثيرًا مما جاء في الحوض (قلت) جاء كثير من ذلك في مسند الإمام أحمد رحمه الله وسيأتي في أبواب ما جاء في الحوض والكوثر من كتاب قيام الساعة والنفخ في الصور والبعث والنشور، وإنما اقتصرت هنا عل ما يناسب السورة (فصلِ لربك وانحر) قال محمد بن كعب إن أنلسا كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي وينحر لله عز وجل، وقال عكرمة وعطاء وقتادة فصلٍ لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر لسكنك، وقال سعيد بن عبيد ومجاهد

ص: 337

-[صفة الحوض ومن يطرد عنه ومن قال أن محمد أبثر]-

جنادل (1) الدر والياقوت شرابه أحلى من العسل وأشد بياضًا من اللبن وأبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك قال صدق ابن عباس (2) هذا والله الخير الكثير (عن أبي عبيدة بن عبد الله)(3) قال قلت لعائشة رضي الله عنها ما الكوثر قالت نهر أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة قال قلت وما بطنان الجنة؟ قالت وسطها حافتاه (4) درة مجوف (عن أنس بن مالك)(5) قال أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة (6) فرفع رأسه مبتسمًا إما قال لهم وإما قالوا له (7) لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نزلت على آنفًا سورة فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم (إنا أعطيناك الكوثر) حتى ختمها: قال هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير يرد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يحتاج (8) العبد عنهم فأقول يا رب إنه من أمتي فقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (9)(وعنه أيضًا)(10) في قوله عز وجل (إنا أعطيناك الكوثر) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو نهر في الجنة

فصل الصلوات المفروضة بجمع وانحر البدن يمنى، وقيل فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والناقلة ونحرك، فاعبده وحده لا شريك له وانحر على اسمه وحده لا شريك له كما قال تعالى:(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له)؛ وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين: وهذا التفسير أعم يدخر فيه كل ما تقدم والله أعلم (إن شانئك) أي من أبغضك وعادك من قومك بمخالفتك لهم (هو الأبتر) كامن العرب تسمى من كان له بنون وبنات ثم مات البنون وبقي البنات أبتر، واختلف فيمن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأبتر من كفار قريش: فقيل العاص بن وائل وقيل أبو جهل وقيل عقبة بن أبي معيط وقيل غير ذلك، وقيل لما مات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده، فنزلت هذه الآية، والمعنى أن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والبرهان هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره لا أنت؛ لأن كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذكرك مرفوع على ....... وعلى كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر يبدأ بذكر الله ويثنى بذكرك، ولك في الآخرة مالا يدخل تحت حصر ولا يحيط به وصف (1) الجنادل جمع جندل وهو الصخرة مثل رأس الإنسان أو ما يستطيع الرجل رفعه من الحجارة (2) القائل صدق ابن عباس هو محارب بن دثار يريد أن قول ابن عباس لم يخرج عن حديث ابن عمر (تخريجه) الجزء الأول الموقوف على ابن عباس رواه البخاري وحديث ابن عمر رواه (مذجه) وابن أبي حاتم وابن جرير وقال الترمذي حسن صحيح (3) (سنده) حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا مطرف عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة بن عبد الله الخ (4) أي جانباه (وقوله: درة مجوف) هكذا بالأصل وعند البخاري در مجوف وهو المناسب (تخريجه)(خ. نس. قط) وابن جرير (5)(سنده) حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل قال سمعت أنس بن مالك يقول أغفى النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) أي نام نومة خفيفة (7) جاء عند مسلم قلنا له ما أضحكك يا رسول الله الحديث بدون تردد (8) بضم أوله مبني للمفعول أي يجتذب ويقطع (9) معناه أنهم لم يتبعوا طرقتك وسنتك التي كنت عليها (تخريجه)(م. دنس)(10)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أنا عمر عن قتادة عن أنس في قوله عز وجل الخ

ص: 338

-[سورة الكافرون وما جاء في فضلها وتفسيرها]-

قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت نهرًا في الجنة حافتاه (1) قباب الؤلؤ (2) فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل (3)(سورة الكافرون)(باب تفسيرها وما جاء في فضلها)(عن أنس بن مالك)(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قل يا أيها الكافرون)(5) ربع القرآن (عن مهاجر أبي الحسن)(6) عن شيخ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمر برجل يقرأ (قل يا أيها الكافرون) قال أما هذا فقد برئ من الشرك قال وإذا آخر يقرأ (قل هو الله أحد) فقال النبي صلى الله عليه وسلم بها وجبت له الجنة (عن فروة بن نوفل)(7) الأشجعي عن أبيه قال دفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابنة أم سلمة (8) وقال إنما أنت ظثرى (9) فمكثت ما شاء الله ثم أتيته فقال ما فعلت الجارية أو الجويرية؟ (10) قال قلت عند أمها قال فمجيئي (11) قال قلت تعلمني ما أقول عند منامي: فقال اقرأ عند منام

(غريبه)(1) بتخفيف الفاء أي جانباه (2) زاد البخاري المجوف (3) زاد البيهفي فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكًا أذفر (تخريجه)(ق. هق) ولفظه عند البخاري عن أنس قال لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر (باب)(4) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب فضل سورة الزلزلة (5)(التفسير)(قل يا أيها الكافرين) المخاطبون كفرة مخصوصون قد علم الله أنهم لا يؤمنون روى أن رهطا من قريش قالوا يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلاهك سنة فقال معاذ اله أن أشرك به غيره، قالوا فاستلم بعض آلهتنا تصدقك ونعبد إلاهك؟ فقال حتى أنظر ما يأتي من عند ربي، فأنزل الله عز وجل (قل يا أيها الكافرون) إلى آخر السورة فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رءوسهم ثم قرأها عليهم حتى فرغ من السورة فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه (لا أعبد ما تعبدون) في الحال أي لست في حالي هذه عابد ما تعبدون (ولا أنتم عابدون) في الحال (ما أعبد) يعني الله عز وجل (ولا أنا عابد ما عبدتم) أي ولا أعبد فيما استقبل من الزمان ما عبدتم (ولا أنتم) فيما تستقبلون (عابدون ما أعبد) أي من أعبد وذكر بلفظ ما؛ لأن المراد به الصفة أي لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، أو ذكر بلفظ ما ليتقابل اللفظان ولم يصح في الأول، من وصح في الثاني ما بمعنى الذي (لكم دينكم ولي دين) لكم شرككم ولي توحيدي، قرأ ابن كثير ونافع وحفص ولي بفتح الياء والآخرون بإسكانها والله أعلم. (6)(سنده) حدثنا أبو النصر قال حدثنا المسعودي عن مهاجر أبي الحسن عن شيخ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد وجهالة الصحابي لا تضر. (7)(سنده) حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن إسحاق عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه الخ (غريبه)(8) يعني زينب بنت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت في سن الرضاع دفعها إليه صلى الله عليه وسلم لترضعها زوجته (9) الظئر بكسر المعجمة وسكون الهمزة زوج المرضعة غير ولدها ويقال للمرضعة أيضًا (10) أو للشك من الراوي يشك هل قال الجارية أو الجويرية بالتصغير (11) معناه شيء جاء بك أو ما جاء بك كما في بعض الروايات (تخريجه)

ص: 339

-[سورة النصر وسبب نزولها ومنقبة لابن عباس رضي الله عنهما]-

(قل يا أيها الكافرون) ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك (سورة النصر)(باب أنها نزلت لنعي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نفسه (عن ابن عباس)(1) قال لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيت (2) إلى نفسي بأنه مقبوض في تلك السنة (وعنه أيضًا)(3) قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم (4) فقال بعضهم يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله (5) فقال عمر أنه لمن (6) قد علمتم قال فأذنت لهم ذات يوم وأذن لي معهم (7) فسألهم عن هذه السورة (إذا جاء نصر الله والفتح) فقالوا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه، فقال لي ما تقول يا ابن عباس؟ قال قلت ليست كذلك ولكنه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بحضور أجله (8) فقال (إذا جاء نصر الله والفتح) فتح مكة (ورأيت الناس يدخلون في دين اله أفواجا) فذلك علامة موتك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فقال لهم كيف تلوموني على ما ترون (9)

قال الحافظ في الإصابة أخرجه أصحاب السين وأحمد وابن حيان والحاكم من طريق أبي إسحاق السبيعي عن قروة بن نوفل عن أبيع مرفوعًا في فضل (قل يا أيها الكافرون) وزعم أن عبد البر بأنه حديث مضطرب وليس كما قال، بل الرواية التي فيها عن أبيه أرجح وهي الموصولة ورواته ثقات فلا يضره مخالفة من أرسله، وشرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه في الاختلاف، وأما إذا تفاوتت فالحكم للراجح بلا خلاف اهـ. (قلت) هذا الحديث صححه أيضًا الحاكم وأقره الذهبي (باب). (1) (سنده) حدثنا محمد بن فضيل حدثنا عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه) (2) بضم النون وكسر المهملة مبنيًا للمفعول من نعي الميت ينعاه نعيا إذا أذاع موته وأخبر به (روى) أنها نزلت في أيام النشريق بمنى وحجة الوداع (تخريجه) أورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وروى البخاري حدثنا آخر مطولًا بمعناه نقله ابن كثير أيضًا وقال تفرد به البخاري (3) (سنده) حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه) (4) أي في حضور مجلسه (وقوله فقال بعضهم) هو عبد الرحمن بن عوف كما صرح به البخاري في علامات النبوة (5) يعني في السن فلم لم تدخلهم (6) بفتح اللام والميم (قد علمتم) أي من جهة قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من جهة علمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالفقه في الدين والتأويل (7) يعني أشياخ بدر زاد البخاري (فما رؤيت: بضم الراء وكسر الهمزة: إنه دعاني يومئذ إلا ليريهم) يعني إلا ليريهم مني مثل ما رأى هو منى من العالم (وعند ابن سعد) فقال أما إني سأريكم اليوم ما تعرفون به فضيلته (8) إنما قال ذلك ابن عباس؛ لأنه علمه من النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديثه السابق ولم يعلمه الأشياخ (9) معناه أني أذنت له معكم لغزارة فقد علم ما لم تعلموا وصوب عمر قول ابن عباس؛ لأنه أي عمر كان سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك جاء في آخر الحديث عند البخاري (فقال عمر: يعني لابن عباس: ما أعلم منها إلا ما تقول)(تخريجه)(خ مذ) والبغوى، وأورده الحافظ السيوطي في الدر المنثور وعزاه للبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وسعيد بن منصور والبيهقي، وقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما بعضها وإليك تفسير السورة جميعها (التفسير) قوله عز وجل (إذا جاء) قال القرطبي إذا

ص: 340

-[فضل سورة النصر وتسبيح النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها وأنها تشير إلى قرب أجله]-

(باب ما جاء في فضلها وتسبيح النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها)(عن أنس بن مالك)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا جاء نصر الله والفتح) ربع القرآن (عن أبي عبيدة)(2) عن عبد الله قال لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاء نصر الله والفتح) كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم ثلاثًا (عن عائشة)(3) رضي الله عنها قالت لما أنزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) إلى آخرها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة (4) إلا قال سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي

بمعنى قد أي جاء نصر الله؛ لأن نزولها بعد الفتح، ويمكن أن يكون معناه إذا يجيئك (نصر الله) النصر الإظهار والإعانة على العدو، قيل المراد بهذا النصر نصر النبي صلى الله عليه وسلم على قريش قاله الطبري، وقيل نصره على من قائله من الكفار، وقيل المراد جنس نصر الله فتح بلاد الشرك عليهم وهو أعلم (والفتح) قال الحافظ ابن كثير المراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولًا واحدًا، فإن أحياء العرب كانت تلوم بإسلامها فتح مكة، يقولون أن ظهر على قومه فهو نبي، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانًا ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة اهـ. وقيل المراد فتح البلاد مطلقًا ويدخل فيه مكة وغيرها (ورأيت الناس يدخلون) هو حال من الناس على أن رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت أو مفعول ثان على أنه بمعنى علمت (في دين الله أفواجًا) هو حال من فاعل يدخلون، وجواب إذا: فسبح: أي إذا جاء نصر الله إياك على من ناو أك وفتح البلاد ورأيت أهل اليمن يدخلون في ملة الإسلام جماعات كثيرة بعدما كانوا يدخلون فيه واحدًا واحدًا واثنين اثنين، فسبح الخ، وقال مقاتل وعكرمة أراد بالناس أهل اليمن، وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين بعضهم يؤذنون وبعضهم يقرءون القرآن وبعضهم يهللون فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك (فسبح بحمد ربك) أي فقل سبحان الله حامدًا له أو فصل له، وسيأتي في حديث ابن مسعود وعائشة ذكر تسبيحه وتحميده عقب نزول هذه السورة (واستغفره) تواضعًا وهضما للنفس أو دم على الاستغفار (أنه كان) ولم يزل (توابا) التواب الكثير القبول للتوبة، وفي صفة العباد الكثير الفعل للتوبة، ويروي أن عمر رضي الله عنه لما سمعها بكى وقال الكمال دليل الزوال، والله الباقي (باب)(1) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب فضل سورة الزلزلة. (2)(سنده) حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله الخ قلت عبد الله هو ابن مسعود والد أبي عبيدة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم عل بن طس) وفي إسناده أبو عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا حماد بن سليمان وهو ثقة ولكنه اختلط اهـ (قلت) ورواه أيضًا الحاكم من طريق أبي عبيدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن بقول سبحانك ربنا وبحمدك فلما نزلت إذا جاء نصر اله والفتح قال سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي والله أعلم. (3)(سنده) حدثنا ابن نمير عن الأعمش ويعلي حدثنا الأعمش عن مسلم ن مسروق عن عائشة الخ (غريبه)(4) لفظ البخاري قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر (أي بعد نزول

ص: 341

-[سورة المسد وتفسيرها وسبب نزولها وقصة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش]-

(سورة المسد)(باب سبب نزولها وتفسيرها)(عن ابن عباس)(1) قال صعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصفا فقال يا صباحاه يا صباحاه (2) قال فاجتمعت إليه قريش فقالوا له مالك؟ فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني؟ فقالوا بلى، قال فقال إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا تبا لك (3) قال فأنزل الله عز وجل (تبت يدا أبي لهب وتب) إلى آخر السورة (4)(سورة الإخلاص)

سورة إذا جاء نصر الله والفتح) يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم أعفر لي يتأول القرآن) أي يعمل بما أمر به من التسبيح والاستغفار فيه في قوله تعالى (فسبح بحمد ربك واستغفره) في أشرف الأوقات والأحوال (تخريجه)(ق د نس جه) والبغوى وابن جرير (وفي الباب) عن مسروق عن عائشة أيضًا قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه، قالت فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده واستغفر الله وأتوب إليه، فقال أخبرني ربي أتى سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتما (إذا جاء نصر الله والفتح) فالفتح مكة (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) رواه مسلم والبغوي، قال ابن عباس لما نزلت هذه السورة علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه نعيت إليه نفسه، قال الحسن أعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالزيادة في العمل الصالح، قال قتادة مقاتل عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة سبعين يومًا نسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن عبيد عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) قال في النهاية هذه كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة؛ لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، فكان القاتل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو (3) هذا الحديث تقدم مثله من رواية ابن عباس أيضًا في باب وأنذر عشيرتك الأقربين من تفسير سورة الشعراء في هذا الجزء صحيفة 225 رقم 366 والغرض من ذكره هنا تفسير سورة المسد وتقدم شرحه هناك (تخريجه)(ق مذ نس)(4)(التفسير) قوله عز وجل (تبت يد أبي لهب) أي خابت وخسرت وهلكت جعلت يداه هالكتين، والمراد إهلاك نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وقيل المراد به المال، والتباب الخسار والهلال، وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد العزى، قال مقاتل كنى أبو لهب لحسنه وإشراق وجهه، وقرأ ابن كثير أبي لهب ساكنة الهاء وهي لغة مثل نهر ونهر واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الخاء لو فاق الفواصل (وتب) أو لهب وقرأ ابن مسعود: وقد تب: قال الفراء الأول دعا والثاني خبر، كما يقال أهلكه الله وقد فعل (ما أعنى عنه ماله وما كسب) قال ابن مسعود لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفر باءه إلى الله عز وجل قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأتى افتدي نفسي بمالي وولدي فأنزل الله تعالى: ما أغني عنه ماله: أي ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال وكان صاحب مواش: وما كسب: قيل يعني ولده؛ لن ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث (أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه وإن ولده من كسبه) ثم أوعده بالنار فقال (سيصلي

ص: 342

-[سورة الإخلاص وسبب نزولها وتفسيرها]-

(باب سبب نزلها وتفسيرها)(عن أبي بن كعب)(1) إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أنسب (2) لنا ربك فأنزل الله تبارك وتعالى (قل هو الله أحد الله الصمد (3) لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد) (4)

نار ذات لهب) أي نارا تلهب عليه (وامرأته) أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان (حمالة الحطب) قال ابن زيد والضحاك كانت تحمل الشوك والعضاه فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس، وقال قتادة ومجاهد والسدى كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب، يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغرى به، وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا: دليله قوله تعالى: (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم، قرأ عاصم حمالة بالنصب على الذم كقوله معلونين، وقرأ الآخرون بالرفع وله وجهان (أحدهما سيعلى نارا هو وامرأته حمالة الحطب (والثاني) وامرأته حمالة الحطب في النار أيضًا (في جيدها) في عنقها وجمعه أجياد (حبل من مسد (اختلفوا فيه قال ابن عباس وعروة بن الزبير سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعًا تدخل في فيها وتخرج من دبرها ويكون سائرها في عنقها، وأصله من المسد هو الفتل بالفاء: والمسد ما قتل وأحكم من أي شيء كان يعني السلسلة التي في عنقها فتلت من الحديد فتلا محكمًا، وروى الأعمش عن مجاهد: من مسد: أي من حديد، والمسد الحديدة التي تكون في البكرة يقال لها المحرر، وقال الشعبي ومقاتل من ليف، وقال الضحاك وغيره في الدنيا من ليف وفي الآخرة من نار، وذاك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها اختنافا بحبلها، وأما أبو لهب فرماه الله بالعدسة وهي بئرة تخرج بالبدن فتقتل، وذلك لعد وقعة بدر بسبع ليال فمات وأقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن، ثم أن ولده غسلوه بالماء قذفًا من بعيد مخلفة عدوى العدسة، كانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون ثم احتملوه إلى أعلى مكة فأسندوه إلى جدار ثم رضموا عليه الحجارة أي جعلوا الحجارة بعضها على بعض، ذكره القرطبي وهذا مصير الظالمين المتكبرين والكبرياء لله وحده (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو سعد محمد بن ميسر الصاغاني حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب الخ (غريبه)(2) بصيغة الأمر من باب نصر وضرب أي صفة لنا، يقال نسب الرجل إذا وصفه وذكر نسبه (3) جاء عند الترمذي وابن جرير بعد قوله: الله الصمد: والصمد الذي لم يلد ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله عز وجل لا يموت ولا يورث: ولم يكن له كفوًا أحد: ولم يكن شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء (4)(التفسير)(قل هو الله أحد) أي واحد ولا فرق بين الواحد والأحد، يدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود قل هو الله الواحد الله الصمد، ومعنى الواحد الوتر الذي لا شبيه له ولا نظير ولا صاحبه ولا ولد ولا شريك (الله الصمد) فسره الراوي كما جاء في حديث الباب عند الترمذي بأنه الذي لم يلد ولم يولد قال الحافظ ابن كثير وهو تفسير جيد اهـ وروى الضحاك عن ابن عباس قال الذي يصمد إليه في الحاجات كما قال عز وجل: ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون: قال أهل الفقه الصمد السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج وهو بئر قول ابن عباس واختاره القرطبي وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد والحسن

ص: 343

-[ما جاء في فضلها وأنها تعدل ثلث القرآن]-

(باب ما جاء في فضلها)(عن عبد الرحمن بن أبي ليلى)(1) عن أبي بن كعب أو عن رجل من الأنصار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ بقل هو الله أحد فكأنما قرأ بثلث (2) القرآن

وسعيد بن جبير الصمد الذي لا جوف، له قال الشعبي الذي لا يأكل ولا يشرب، ولابن عباس أيضًا هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله وقيل غير ذلك كثير، (قال الحافظ) أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسير الصمد وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عز وجل، وهو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب وهو الباقي بعد خلقه، وقال البيهقي نحو ذلك والله أعلم (لم يلد)؛ لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، وقد دل على هذا المعنى بقوله إنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة (ولم يولد)؛ لأن كل مولود محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده أذلو لم يكن قديمًا لكان حادثا لعدم الواسطة بينهما، ولو كان حادثا لافتقر إلى محدث وكذا الثاني والثالث فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل، وليس بحسم؛ لأنه اسم متركب ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء إلهًا فيفسد القول به كما فسد بإلهين، أو غير متصف بها بل باعتدادها من سمات الحدوث وهو محال (ولم يكن له كفوًا أحد) أي لم يكن لع مثلًا أحد وفيه تقديم وتأخير، تقديره ولم يكن له أحد كفوًا، فقدم خبر كان على اسمها لينساق أواخر الآي عل ى نظم واحد، قرأ حمزة وإسماعيل ساكنة الفاء مهموزًا، وقرأ حفص عن عاصم بضم الفاء من غير همزة، وقرأ الآخرون بضم الفاء مهموزًا: وكلها لغات صحيحة، ومعناه المثل قال مقاتل قال مشركوا العرب الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزيز بن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، فأكذبهم الله ونفى عن ذاته الولادة والمثل (تخريجه)(مذ) وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي سعد محمد بن ميسر (بوزن محمد) بسند حديث الباب ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية فذكره مرسلا ولم يذكر فيه عن أبي، ثم قال هذا أصح من حديث أبي سعد اهـ (قلت)؛ لأن عبيد الله بن موسى ثقة واياس ضعيف لكن أخرجه الحاكم من طريق محمد بن سابق عن أبي جعفر الرازي بسند حديث الباب وصححه وأقره الذهبي، والحديث له طرق كثيرة تعضده والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا هشيم عن حصين عن هلال بن يساف منه وعدو وعيد، وثلثا منه أسماء وصفات، وقد جمعت قل هو الله أحد الثلث الأخير وهو الأسماء والصفات، ودل على هذا للتأويل ما في صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءًا من أجزاء القرآن وهذا نص وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث هشيم عن حصين عن ابن أبي ليلى ولم يقع في روايته هلال بن يساف اهـ (قلت) وأورده أيضًا الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح

ص: 344

-[ما جاء في فضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن]-

(عن عبد الله بن عمرو)(1) أن أبا أيوب كان في مجلس وهو يقول ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة؟ قالوا وهل نستطيع ذلك؟ قال فإن (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن (2) قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبو أيوب (عن أبي أمامة)(3) قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يقرأ قل هو الله أحد فقال أوجب هذا أو وجبت لهذا الجنة (عن أبي الدرداء)(4) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما يستطيع أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قالوا نحن أضعف من ذلك وأعجز، قال إن الله عز وجل جزأ القرآن ثلاثة أجزاء (5) فجعل قل هو الله أحد جزءًا من أجزءا القرآن (عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف (6) عن أمه) أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن (عن أبي أيوب)(7) عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم

(1)(سنده) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو (يعني ابن العاص) الخ (غريبه)(2) الحديث إلى هنا موقوف على أبي بن كعب ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه عن أبي وصدقه صار الحديث مرفوعًا حقيقة بهذا التصديق (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف اهـ (قلت) من الغريب أن الحافظ الهيثمي رحمه الله قرر في مواضع كثيرة أن ابن لهيعة إذا صرح بالتحديث يكون حديثه حسنًا؛ وكذلك الحافظ ابن كثير وهنا قد صرح بالتحديث فحديثه حسن وأن كان كلام الحافظ الهيثمي يشعر بضعفه، ولعل ذلك نشأن عن مهومنه: على أن هذا الحديث له شواهد كثيرة صحيحة تعضده، أقربها حديث أبي بن كعب السابق وغيره كثير. (3)(سنده) حدثنا أبو المغيرة حدثنا معان بن رفاعة حدثني علي بن رفاعة حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي إسناده من لم أعرفه، وفيه أيضًا علي لبن يزيد بن ابي زياد الالهابي الدمشقي قال البخاري منكر الحديث، وله شاهد عند الترمذي والإمام أحمد من حديث أبي هريرة، وسيأتي في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرؤ قل هو الله أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت، قيل يا رسول الله ما وجبت؟ قال الجنة، وصححه الترمذي (4)(سنده) حدثنا محمد بن بكر وعبد الوهاب قالا أنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء الخ (غريبه)(5) تقدم الكلام على تجزئة القرآن في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب فارجع إليه (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال ورواه مسلم والنسائي من حديث قتادة به (6)(سنده) حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم بن أخي الزهري عن عمه الزهري عن حميد ابن عبد الرحمن عن أمه الخ (قلت) أمه هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(نس) في اليوم والليلة وأورده الهيثمي وقال رواه (حم طس) ورجال أحمد رجال الصحيح (7)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة بن قدامة عن منصور عن هلال بن يساف عن الربيع بن خيثم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن

ص: 345

-[حديث الرجل الذي أحب سورة الإخلاص فأدخله الله الجنة]-

قال أيعجب (1) أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فإنه من قرأ قل هو الله أحد الله الصمد في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن (2)(عن أنس بن مالك)(3) قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال إني أحب هذه السورة (قل هو الله أحد) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك إياها أدخلك الجنة (عن أبي سعيد الخدري)(4) قال بات قتادة بن النعمان (5) يقرأ الليل كله (قل هو الله أحد)(6) فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لتعدل نصف القرآن أو ثلثه (7)(وعنه أيضًا)(8) عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال أيعجز (9) أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قال فشق ذلك على أصحابه فقالوا من يطيق ذلك؟ قال يقرأ (قل هو الله أحد) فهي ثلث القرآن (عن أبي مسعود)(10)(يعني البدري الأنصاري)

امرأة من الأنصار عن أبي أيوب الخ (قلت) الظاهر أن هذه المرأة التي من الأنصار هي امرأة أبي أيوب فقد رواه الترمذي بهذا السند نفسه إلى قوله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فقال عن امرأة أبي أيوب فذكر الحديث (غريبه)(1)؛ هكذا بالأصل (أيعجب) بباء موحدة بعد الجيم من التعجب، وجاء عند الترمذي (أيعجز (بالرأي من العجز، وله في أخرى عند الإمام أحمد بلفظ أيعجز كما عند الترمذي (2) تقدم الكلام على كونها ثلث القرآن (تخريجه)(مذ) وقال هذا الحديث حسن لا نعرف أحد روي هذا الحديث أحسن من رواية زائدة وتابعة على روايته إسرائيل والفضيل بن عياض، وقد روى شعبة وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه اهـ (3)(سنده) حدثنا أبو النضر حدثنا المبارك عن ثابت البنائي عن أنس بن مالك الخ (تخريجه)(خ مذ) من حديث طويل معلقًا مجزومًا له وأخرجه أيضًا (بزهق) وقال الترمذي حسن غريب (4)(سنده) حدثنا يحيى بن إسحاق أنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري الخ (غريبه)(5) قتادة بن النعمان أخو أبي سعيد لأمه وكانا متجاورين، قاله ابن عبد البر (6) يعني السورة كلها (7) أو للشك من الراوي، وجاء عند البخاري ثلث القرآن بغير شك؛ وكذلك في جميع الروايات الأخرى عند الإمام أحمد وغيره (تخريجه)(خ لك منس). (8)(سنده) حدثنا عبد الله بن محمد قال أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن الإمام أحمد) وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(9) بكسر الجيم من باب ضرب يضرب والهمزة للاستفهام الاستخباري (تخريجه)(خ)(10)(سنده) حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي عن سفيان عن أبي قيس عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة الله الواحد الصمد (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد من حديث أبي مسعود وسنده جيد، وروى البخاري نحوه من حديث أبي سعيد وكذلك الإمام أحمد وهو الحديث المتقدم وللبخاري رواية أخرى من حديث أبي سعيد أيضًا وفيها الله الواحد الصمد ثلث القرآن كما في حديث أبي مسعود، قال الحافظ فكان رواية الباب بالمعنى ويحتمل أن يكون بعض رواية الباب بالمعنى ويحتمل أن يكون بعض رواته يقرؤها كذلك كما جاء أن عمر كان يقره الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها أو سمي السورة بهذا الاسم لاشتمالها على

ص: 346

-[من قرأ (قل هو الله أحد) حتى يختمها عشر مرات بني الله له قصرًا في الجنة]-

عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (عن أبي هريرة)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احشدوا (2) فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، قال فحشد من حشد ثم خرج فقرأ (قل هو الله أحد) ثم دخل (3) فقال بعضنا لبعض هذا أخبر جاء من السماء فذلك الذي أدخله ثم خرج، فقال إني قد قلت لكم أني سأقرأ عليكم ثلث القرآن وأنها تعدل ثلث القرآن (وعنه أيضًا) (4) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ قل هو الله أحد حتى ختمها فقال وجبت: قيل يا رسول الله ما وجبت؟ (5) قال الجنة قال أبو هريرة فأردت أن آتية فأبشره فآثرت الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرقت (6) أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجعت إلى الرجل فوجدته قد ذهب (عن معاذ بن أنس الجهني)(7) صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قرأ (قل هو الله أحد) حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرًا في الجنة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا استكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكثر وأطيب (عن أبي مسعود الأنصاري)(8) قال قال رسول الله

الصفتين المذكورتين والله أعلم (1)(سنده) حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا يزيد بن كيسان قال حدثني أبو حازم عن أبي هريرة الخ (غريبه)(2) اجتمعوا واستحضروا الناس، والحشد الجماعة واحتشد القوم لفلان تجمعوا له وتأهبوا كذا في النهاية، وقال في الصراح الحشد من باب ضرب يضرب ونر ينصر وحشدوا أي اجتمعوا واحتشدوا وتحشدوا كذلك اهـ (3) أي الحجرة الشريفة (تخريجه) (م مذ) (4) (سنده) حدثنا عثمان بن عمر أنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن أن ابن حنين أخبره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (قلت) ابن حنين اسمه عبيد: قال الحافظ في التقريب عبيد بن حنين بنونين مصغرًا المدنى أبو عبد الله ثقة قليل الحديث من الثالثة (غريبه)(5) القائل ما وجبت هو أبو هريرة كما صرح بذلك عند الترمذي بقوله (قلت ما وجلت) أي ما معنى قولك جزءًا لقراءته وجبت أو ما فاعل وجبت (قال الجنة) أي بمقتضى وعد الله وفصله الذي لا يخلفه كما قال تعالى (إن الله لا يخلف الميعاد)(6) أي خفت وخشيت أن يفوتني الغداء، والظاهر أن أبا هريرة كان جائعًا جدًا ولذلك أثر الغداء على تبشير الرجل، على أنه لم ينس أن يبشر الرجل فقد ذهب إليه بعد الغداء قلم يجده (تخريجه)(لك نس مذ ك) وقال الترمذي هذا حديث صحيح غريب اهـ (قلت) وصححه أيضًا الحاكم وأقره الذهبي (7)(سنده) حدثنا حسن ابن لهيعة قال حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشيدين حدثنا زبان بن فايد الحمراوي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه معاذ بن أنس الجهني (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (طب حم) وفي إسنادهما رشيدين بن سعد وزبان وكلاهما ضعيف وفيهما توثيق لين اهـ (قلت) ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال حدثنا عبد الله بن زيد حدثنا حيوة حدثنا عقيل وغيره عن معبد قال الدرامي وكان من الأبدال أنه سمع سعيد بن المسيب يقول أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بني الله له قصر في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بني الله له قصرين في الجنة ومن قرأها ثلاثين مرة بني الله له ثلاثة قصور في الجنة فقال عمر بن الخطاب إذا تكثروا قصورنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله واسع من ذلك: قال الحافظ ابن كثير وهذا مرسل جيد (8)(سنده) حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود الخ (قلت) أبو مسعود هو البدري الأنصاري (تخريجه)(جه) والنسائي في اليوم والليلة وسنده جيد (هذا) وأحاديث الباب

ص: 347

-[كلام العلماء في معنى أن (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن]-

الله صلى الله عليه وسلم (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن (باب ما جاء في فضل سورة قل هو الله أحد والمعوذتين)(عن عقبة بن عامر)(1) قال لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأني فأخذ بيدي فقال يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان

تدل على فضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن، وقد اختلف العلماء في المراد من ذلك (قال الحافظ) حمله بعض العلماء على ظاهره فقال هي ثلث باعتبار معاني القرآن؛ لأنه أحكام وأخبار وتوحيد وقد اشتملت عي على القسم الثالث فكانت ثلثًا بهذا الاعتبار، ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيد من حديث أبي الدرداء اهـ (قلت) تقدم في هذا الباب من رواية الإمام أحمد جزأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءًا من أجزاء القرآن، وقال القرطبي اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجد في غيرها من السور، وهما الأحد الصمد؛ لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال، وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال؛ لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن جاز جميع خصال الكمال؛ وذلك لا يصلح إلا الله تعالى، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثًا اهـ (ومنهم) من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن، وقيل مثله بغير تضعيف وهي دعوى بغير دليل، ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم والإمام أحمد من حديث أبي الدرداء وتقدم البخاري والإمام أحمد من حديث أبي سعيد وتقدم أيضًا وفيهما أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وما أخرجه مسلم والإمام أحمد من حديث أبي هريرة وتقدم أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احشدوا فإني سأقرؤ عليكم ثلث القرآن فخرج فقرأ قل هو الله أحد ثم قال إلا أنها تعدل ثلث القرآن، ولأبي عبيد والإمام أحمد من حديث أبي بن كعب وهو الحديث الأول من أحاديث الباب (من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن، وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه؟ فيه نظر، ويلزم على الثاني من قرأها ثلاثًا كان كمن قرأ ختمة كاملة، وقيل المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن، وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث القرآن يختص بصاحب الواقعة؛ لأنه لما رددها في ليلة كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد، قال القابسي لعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فذلك استقل عمله فقال له الشارع ذلك ترغيبًا له في عمل الخير وأن قل (قلت) ظاهر الأحاديث ناطق بتحصيل الثواب مثل من قرأ ثلث القرآن والقول الجامع فيه ما ذكره الشيخ التوربشتي رحمه الله من قوله نحن وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك على الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم، فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا فهو وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال، نقله الطيبى في شرح المشكاة (باب)(1)(عن عقبة بن عامر الخ) هذا جزء من حديث طويل سيأتي بسنده وشرحه وتخريجه في باب الثلاثيات من كتاب جامع للأدب والمواعظ والحكم من قسم الترغيب وإنما ذكرت هذا الجزء منه هنا لمناسبة ترجمة الباب وهو يدل على عظم فضل هذه السور الثلاث والحث على

ص: 348

-[ما جاء في فضل (قل هو الله أحد) والمعوذتين]-

العظيم قال قلت بلى جعلني الله فداك، قال فأقر أني (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) ثم قال يا عقبة لا تنساهن ولا تبيت ليلة حتى تقرأهن، قال فما نسيتهن من منذ قال لا تنساهن، وما بت ليلة قط حتى أقرأهن () (عن معاذ بن عبد الله) (1) بن خبيب عن أبيه قال أصابنا عطش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فخرج فأخذ بيدي فقال قل فسكت قال قل: قلت ما أقول؟ قال قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثًا يكفيك كل يوم مرتين (سورتي الفلق والناس)(باب ما جاء في فضلهما)(عن عقبة بن عامر)(2) قال بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم (3) في نقب من تلك النقاب إذ قال لي يا عقبة ألا تركب؟ قال فأجللت برسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبة (4) ثم قال يا عقبة ألا تركب؟ (5) قال فأشقت أن تكون معصيا (6) قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنية (7) ثم ركب ثم قال يا عقيب (8) ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قال قلت بلى يا رسول الله، قال فأقرأني (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس)(9) ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله فقرأ بهما ثم مر بي قال كيف رأيت يا عقيب (10) أقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت (11) قال أبو عبد الرحمن (12) هو عقبة بن عامر بن عاب ويقال ابن عبس الجهني (رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه)

حفظهن وقراءتهن كل ليلة قبل النوم. (1)(ز)(سنده) حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا ابن أبي ذئب عن أسيد بن أبي أسيد عن معاذ عبد الله بن خبيب الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد؛ لأنه من زوائده على مسند أبيه ولذا رمزت له بحرف زاي في أوله كما ذكرت ذلك في مقدمة الكتاب، ثم قال ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن أبي ذئب به وقال الترمذي حديث صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه النسائي من طريق أخرى عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر فذكره، ولفظه تكفك كل شيء (باب). (2)(سنده) حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن جابر عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر الخ (غريبه)(3) أي يقود راحلته (وقوله في نقب) النقب الطريق بين الجبلين جمعة نقاب وأنقاب وجاء عند أبي داود بلفظ (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر (4) معناه أنه استصغر نفسه بالنسبة لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو منزلته أن يركب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي (5) أعاد عليه السؤال مرة ثانية وذلك لمزيد شفقته ورحمته بأصحابه وتواضعه وكرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم (6) خشى عقبة مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة فيكون عاصيًا (7) أي زمنا يسير امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (8) تصغير عقبة (9) زاد عند أبي داود (فلم يرني سررت بهما جدًا)؛ لأنه كان يرغب أن يعلمه سورة هود وسورة يوسف كما صرح بذلك في بعض رواياته وستأتي لما فيهما من القصص والطول (10) معناه علمت يا عقبة أمرهما وأنهما من القرآن لجواز الصلاة بهما 11) فيه دلالة على استحباب قراءتهما عند اللزوم وعند اليقظة من النوم (12) هو عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله يريدان الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عقيب هو عقبة بن عامر الخ (تخريجه)(د نس) ورجاله ثقات ورواه أيضًا الحاكم مختصرًا وصححه، واقره الذهبي

ص: 349

-[ما جاء في فضل المعوذتين]-

(وعنه أيضًا)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علي سورتان (وفي رواية أنزل علي آيات لم ير (2) مثلهن) فتعوذوا بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن (3) يعني المعوذتين (وعنه أيضًا)(4) أنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة (وعنه أيضًا)(5) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ بالمعوذتين (6) لن تقرًا بمثلهما (عن أبي العلاء)(7) قال قال رجل (8) لنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر والناس يتعقبون (9) وفي الظهر قلة فحانت نزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي فلحقني من بعدي (10) فضرب منكي فقال قل أعوذ برب الفلق، فقلت أعوذ برب الفلق فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه ثم قال قل أعوذ برب الناس فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه قال إذا أنت صليت فاقرأ بهما

(1)(سنده) حدثنا حفص بن غياث عن إسماعيل عن قيس عن عقبة بن عامر الخ (قلت) إسماعيل هو ابن أبي خالد: وقيس ابن أبي حازم (غريبه)(2) بصيغة المجهول وبرفع مثلهن أي في بابهما وهو التعوذ لقوله فتعوذوا بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن (3) معناه لم يأت في القرآن سورة كلها تعويذ للقارئ سوى هاتين السورتين؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما؛ لأنهما من الجوامع في هذا الباب رواه (مذ نس جه) عن أبي سعيد: وقال الترمذي حسن صحيح (وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات وأمسح بيده عليه رجاء بركتها، رواه الشيخان والإمام أحمد وأصحاب السنن (تخريجه)(م دنس مذ). (4)(سنده) حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا سعيد يعني ابن أيوب حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيفي وأبو مرحوم عن يزيد بن محمد القرشي عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(ج نس مذ) والبيهقي في الدعوات الكبير، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. (5)(سنده) حدثنا يحيى بن إسحاق قال حدثنا ابن لهيعة عن مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) أيهم القراءة في هذه الرواية، والظاهر أن المراد في دبر كل صلاة أي عقبها أخذا من الرواية السابقة والأحاديث يفسر بعضها بعضًا (وقوله لن تقرأ بمثلهما يعني من الأذكار الأخرى عقب الصلاة والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وفي إسناده ابن لهيعة ضعيف حيث عنعن وبقية رجاله ثقات ويؤيده ما قبله. (7)(سنده) حدثنا إسماعيل أنا الجريري عن أبي العلاء الخ قلت أبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير (غريبه)(8) قال الحافظ ابن كثير الظاهر أن هذا الرجل هو عقبة بن عامر والله أعلم (قلت) وهو كما قال لأن سياق الحديث كسياق حديث عقبة المذكور أول الباب (9) المعقب من كل شيء ما جاء عقيب ما قبله، والمراد هنا أنهم كانوا يتعاقبون البعير في الركوب يركبه الرجل مدة من الزمن ثم يزل فيركبه الآخر وهكذا وذلك لقلة الظهر أي الرواحل (10) الظاهر أن قوله من بعدي بضم الباء الموحدة وسكون العين المهملة من البعد ضد القرب، والمعنى فلحقني مع كوني كنت بعيدًا عنه (وقوله فضرب منكبي) أي لينبهه إلى ما يلقي إليه (وقوله إذا أنت صليت فأقرأ بهما) ليس المراد لا يقرأ بغيرهما بل المراد أن يقرأ بهما في بعض الصلوات، ويحتمل أن هذا الرجل كان إذ ذاك لا يحفظ غيرهما فأمره النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 350

-[رأي ابن مسعود في المعوذتين]-

(باب رأي ابن مسعود رضي الله عنه أن المعوذتين ليستا من كتاب الله ورد ذلك)(ز)(عن الأعمش)(1) عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله (2) بحك المعوذتين من مصاحفه ويقول أنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى (3) قال الأعمش وحدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب قال سألنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقيل لي فقلت (4)(حدثنا سفيان بن عيينة)(5) عن عبدة وعاصم عن زر بن حبيش قال قلت لأبي (6) إن أخاك يحكهما من المصحف فلم ينكر (7) قيل لسفيان ابن مسعود؟ قال نعم (8) وليسا في مصحف

أن يصلي بهما لأنهما من القرآن وتجز أنه عن غيرهما والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله الصحيح اهـ (قلت) وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للإمام أحمد ثم قال ورواه النسائي عن يعقوب إبراهيم عن ابن علية به (هذا) وفي أحاديث الباب بيان عظم فضل هاتين السورتين (وفيهما) دليل واضح على كونهما من القرآن (وفيها) أن لفظة (قل) من القرآن ثابتة من أول للسورتين بعد البسملة وقد أجمعت الأمة على هذا كله والله الموفق (باب)(1)(ز)(سنده) حدثنا محمد بن الحسن بن اشكاب حدثنا محمد بن أبي عبيدة ابن معن ثنا أبي عن الأعمش الخ (غريبه)(2) يعني ابن مسعود رضي الله عنه (3) المشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتبهما في مصحفه: وروى الحافظ أبو يعلي عن علقمة قال كان عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ولم يكن عبد الله يقرأ بهما اهـ وقال البزار لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قرأ بهما في الصلاة اهـ (قلت) تقدم ذلك في الباب السابق وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني ذلك بأن ابن مسعود لم ينكر قرآ نيتهم وإنما أنكر إثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيء إلا أن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيه وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك فليس فيه جحد لقرآنيتهما، وتعقب مما في حديث الباب من قوله أنهما ليستا من كتاب الله (وأجيب) بإمكان حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور، ذكره الحافظ قال القسطلاني ويحتمل أيضًا أنه لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتواتر عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك غلى قول الجماعة، فقد أجمع الصحابة عليهما وأثبتوهما في المصاحف التي بعثوها إلى سائر الآفاق (4) هكذا جاء في هذه الرواية وفيها غموض، وجاء في رواية أخرى ستأتي بعد حديث أن أبيا قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له. قل أعوذ برب الفلق: فقلتها: فقال قل أعوذ برب الناس فقلتها: فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية مفسرة للرواية التي نحن بصدد شرحها وليس في جواب أبي تصريح بالمراد إلا أن في الإجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد وأخبار الآحاد والله أعلم (تخريجه) روى الطرف الأول منه أبو يعلي وروى الطرف القاني المرفوع منه البخاري (5) حدثنا سفيان عيينة الخ (غريبه)(6) يعني ابن كعب رضي الله عنه (أن أخاك) يعني في الدين أو في حفظ القرآن وإتقانه لما ثبت عند الشيخين والإمام أحمد وغيرهم عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال استقرءوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب: وتقدم صحيفة 22 رقم 61 من هذا الجزء (7) أي لم ينكر أبي علي ابن مسعود بما قيل له عنه وكأنه كان يعلم ذلك منه (8) معناه أن سائلًا سأل سفيان عن الذي كان يحك المعوذتين من المصحف هل هو ابن مسعود؟ قال نعم، والظاهر أن ما بعد قوله نعم إلى آخر الحديث من قول سفيان

ص: 351

-[سورة الفلق وما جاء في فضلها]-

ابن مسعود، كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شتى من صلاته فظن أنهما عوذتان فأصر على ظنه، وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه (عن زر بن حبيش)(1) قال قلت لأبي بن كعب أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له (قل أعوذ برب الفلق) فقلتها فقال (قل أعوذ برب الناس) فقلتها، فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم (2)(سورة الفلق)(باب ما جاء في فضلها وتفسيرها)(عن عائشة)(3) رضي الله عنها قالت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فنظر إلى القمر فقال يا عائشة تعوذي بالله (من شر غاسق إذا وقب) هذا غاسق (4) إذا وقب

أيضًا والله أعلم (تخريجه)(خ نس). (1)(سنده) حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش الخ (غريبه)(2) تقدم الكلام على ذلك في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب والله الموفق للصواب (تخريجه)(عل بن) والحميدي وأخرجه المرفوع منه (خ طل)(باب)(3)(سنده) حدثنا وكيع قال حدثنا ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عائشة الخ (غريبه)(4) قال في القاموس الغسق محركة ظلمة أول الليل، وغسق الليل غسقا اشتدت ظلمته، والغاسق القمر أو الليل إذا غاب الشفق، وقال في مادة (وقب) وقب الظلام دخل، والشمس وقيا ووقوبا غابت: والقمر دخل في الخسوف ومنه غاسق إذا وقب اهـ وجاء عند الترمذي بلفظ (هذا هو الغاسق إذا وقب) قال الطبيبي إنما استعاذ من كوفه؛ لأنه من آيات الله الدالة على حديث بلية ونزول نازلة كما قال صلى الله عليه وسلم (ولكن يخوف الله به عباده)؛ ولأن اسم الإشارة في الحديث كموضع اليد في التعيين وتوسيط ضمير الفصل بينه وبين الخبر المعرف يدل على أن المشار إليه هو القمر لا غير اهـ وقال الخازن في تفسيره بعد ذكر حديث عائشة هذا ما لفظه، فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف وأسود ومعنى وقب دخل الخسوف أو أخذ في الغيبوبة وقيل سمي به لأنه إذا خبث أسود وذهب ضوؤه، وقيل إذا وقب دخل في المحاق وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت بثم السحر المورث للمرض وهذا مناسب لسبب نزول هذه السورة اهـ (تخريجه)(مذ نس ك) وقال الترمذي هذا حديث صحيح (قلت) وصححه أيضًا الحاكم وأقره الذهبي (تفسير سورة الفلق وسبب نزولها) عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود قال فاشتكى لذلك أيامًا قال فجاء جبريل عليه السلام فقال أن رجلا من اليهود سحرك عقد لك عقدًا عقدًا في بئر كذا وكذا فأرسل إليها من يجئ بها فبعث صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فاستخرجها فجاء بها فحللها قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط حتى مات وهذا الحديث رواه (حم نس) وابن سعد والبغوي في تفسيره، قال الحافظ وصححه الحاكم وعبد بن حميد اهـ (قلت) وتقدم هذا الحديث وغيره من رواية الشيخين في باب ما جاء في ثبوت السحر وتأثيره صحيفة 125 في الجزء السادس عشر، قال مقاتل والكلي كان في وتر عقدت عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كانت العقد مغروزة بالإبرة فأنزل الله هاتين السورتين وهما إحدى عشرة آية: سورة الفلق خمس آيات: وسورة الناس ست آيات كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، وروى أنه لبث فيه

ص: 352

-[ما جاء في فضل سورة الفلق وتفسير سورة الناس]-

(عن جبير بن نفير)(1) عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت إليه بغلة شهباء فركبها فأخذ عقبة يقودها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة أقرأ، فقال وما أقرأ يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ (قل أعوذ برب الفلق) فأعادها عليه حتى قرأها فعرف أني لم أفرح بها جدًا (2) فقال لعلك تهاونت بها؟ فما قمت تصلي بشيء مثلها (3)(عن يزيد بن جبيب)(4) قال حدثني أبو عمران أنه سمع عقبة بن عامر يقول تعلقت بقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله اقرئني سورة هود وسورة يونس فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عقبة ابن عامر أنك لم تقرأ سورة أحب إلى الله عز وجل ولا أبلغ عنده من (قل أعوذ برب الفلق) قال يزيد لم يكن أبو عمران يدعها وكان لا يزال يقرؤها في صلاة المغرب

ستة أشهر واشتد عليه ثلاث ليال فنزلت المعوذتان (التفسير) قال تعالى (قل أعوذ برب الفلق) أراد بالفلق الصبح، وهو قول جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين، وهي رواية العوفي عن ابن عباس بدليل قوله فالق: الإصباح: وروى عن ابن عباس أنه سجن في جهنم، وقال الكلي واد في جهنم، وقال الضحاك يعني الخلق، وهي رواية الوالي عن ابن عباس، والأول هو الصحيح المعروف وهو اختيار البخاري في صحيحه (من شر ما خلق) أي من شر جميع المخلوقات، وقال ثابت البناني والحسن البصري جهنم وإبليس وذريته مما خلق (ومن شر غاسق إذا وقب) تقدم الكلام على هذه الآية (ومن شر النفاثات) السواحر تنفث (في العقد) التي تعقدها في الخيط تنفخ فيها بشيء تقوله من غير ربق معه، قال أبو عبيدة من بنات لبيد بن الأعصم سحرن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن شر حاسد إذا حسد) الجسد تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها، والمنافسة عي تمني مثلها وإن لم تزل فالحسد شر مذموم، والمنافسة مباحة وهي الغبطة، والحسد أول ذنب عصى اله به في السماء، وأول ذنب عصى به في الأرض، فحسد إبليس آدم، وحسد قابيل هابيل، والحاسد مبغوض مطرود، ملعون نعوذ بالله منه (1)(سنده) حدثنا حيوة بن شريح قال حدثنا بقية حدثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير ابن نفير عن عقبة بن عامر الخ (غريبه)(2) أي؛ لأنه كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أطول منها كهود ويوسف كما سيأتي في الحديث التالي (3) فيه استحباب القراءة في الصلاة بسورة الفلق ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بقل هو الله أحد والمعوذتين، وتقدم الحديث في ذلك في باب ما يقرؤ به في الوتر من كتاب الصلاة في الجزء الرابع صحيفة 306 رقم 1094 (تخريجه)(نس) وسنده جيد (4) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب القراءة في المغرب من كتاب الصلاة في الجزء الثالث صحيفة 228 رقم 580.

(تفسير سورة الناس) قوله تعالى (قل أعوذ برب الناس) أي مالكهم ومصلح أمورهم، وإنما ذكر أنه رب الناس وإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين (أحدهما)؛ لأن الناس معظمون فأعلم بذكرهم أنه ربا لهم وأن عظموا (الثاني)؛ لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم وإنما قال (ملك الناس إله الناس)؛ لأن في الناس ملوكًا فذكر أنه ملكهم، وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلهم ومعبودهم وإنه الذي يجب أن يستعاذ به ويلجًا إليه دون الملوك والعظماء (من شر الوسواس) هو اسم بمعنى الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس بالكسر كالزلزال، والمراد به الشيطان سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه؛ لأنها شغله الذي هو عاكف

ص: 353

-[بقية تفسير سورة الناس وختام الجزء]-

.....

عليه والوسواس والوسوسة الصوت الخفي، والوسوسة حديث النفس (الخناس الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس وهو التأخر، ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء، وقوله تعالى: فلا أقسم بالخنس يعني النجوم لاختفائها بعد ظهورها، وقيل لأنه يخنس إذا ذكر العبد ربه أي يتأخر (عن أنس بن مالك) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشيطان واضع خطمه (أي فمه وأنفه) على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وأن نسى التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس: أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه لأبي يعلي وقال غريب، والمراد بالوسواس الخناس الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدًا في الخبال، والمعصوم من عصمة الله، وقد ثبت في الصحيح أنه (ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه: قالوا وأنت يا رسول الله؟ قال نعم إلا أن الله أعاني عليه فاسلم فلا يأمرني إلا بخير) (الذي يوسوس في صدور الناس) أي قلبوهم إذا غفلوا عن ذكر الله (من الجنة والناس) بيان للشيطان الموسوس أنه جني وأنسي كقوله تعالى (شياطين الإنس والجن) ومن الجنة بيان له والناس عطف على الوسواس، وعلى كل يشكل شر لبيد وبناته المذكورين آنفًا، واعترض الأول أن الناس لا يوسوس في صدورهم الناس، إنما يوسوس في صدورهم الجن، وأجيب بأن الناس يوسوسن أيضًا بمعنى يليق بهم في الظاهر، ثم تصل وسوستهم إلى القلب وتثبت فيه بالطريق المؤدي إلى ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم:

إلى هنا قد انتهى الجزء الثامن عشر وهو القسم الثالث من الفتح الرباني

وقد تضمن كل ما يتعلق بالقرآن الكريم من الفضائل والأحكام والقراآت وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والتفسير وغير ذلك وعدد أحاديثه 549 حديثًا

ويليه الجزء التاسع عشر وهو أول القسم الرابع

المتضمن أحاديث الترغيب مفتتحًا بكتاب النية والإخلاص في العمل

فسأل الله تعالى الإعانة على التمام

وحسن الختام

ص: 354