المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الجنائز - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ٧

[أحمد البنا الساعاتي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب الجنائز

(7)

‌ كتاب الجنائز

(1)

باب ذكر الموت والاستعداد له وترغيب المؤمنين فيه

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أكثروا ذكر هاذم اللذَّات

للطالب ترك اتمام الأركان والانتقال الى الايماء (قال ابن المنير) والأبين عندى أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضى ترك الصلاة أصلا كما جرى لبعضهم أو الصلاة على الدواب كما وقع لآخرين، لأن النزول ينافى مقصود الجد فى الوصول، فالأولون بنوا على أن النزول معصية بمعارضته للأمر الخاص بالاسراع. وكان تأخيرهم لها لوجود المعارض، والآخرون جمعوا بين دليلى وجوب الاسراع ووجوب الصلاة فى وقتها فصلوا ركبانا، فلو فرضنا أنهم نزلوا لكان ذلك مضادا للأمر بالاسراع؛ وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة اهـ. قال الحافظ وهذا الذى حاوله ابن المنير قد أشار اليه ابن بطال بقوله لو وجد فى بعض طرق الحديث الى آخره، فلم يستحسن الجزم فى النقل بالاحتمال، وأما قوله لا يظن بهم المخالفة فمعترض بمثله بأن يقال لا يظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة بغير توقيف، والأولى فى هذا ما قاله ابن المرابط ووافقه الزين بن المنير أن وجه الاستدلال منه بطريق الأولوية، لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا الى بنى قريظة لم يعنفوا مع كونهم فوَّتوا الوقت، فصلاة من لا يفوِّت الوقت بالايماء أو كيف ما يمكن أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، والله سبحانه وتعالى أعلم

(1)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد عن محمد بن ابراهيم عن محمد بن عمر عن أبى سلمة عن أبى هريرة الحديث" وفى آخره قال عبد الله ابن الأمام أحمد "قال أبى محمد بن ابراهيم هو أبو بنى شيبه" (غريبه)(1) بالذال المعجمة ومعناه القاطع أى مفرق ومشتت اللذات، وهو الموت لما صرح به فى رواية أخرى أما بالمهملة فمعناه مزيل الشئ من أصله كهدم الجدار، وكلٌّ صحيح، لكن الرواية بالمعجمة (تخريجه)(مذ. نس. جه) وصححه ابن حبان والحاكم وابن السكن وابن طاهر

_________

(*) الجنائز بفتح الجيم لا غير جمع جنازة بكسر الجيم وفتحها، قال ابن قتيبة وجماعة والكسر أفصح، وحكى صاحب المطالع أنه يقال بالفتح للميت وبالكسر للنعش عليه الميت، ويقال عكس ذلك اهـ والجنازة مشتقة من جنزاذاستر، قاله ابن فارس وغيره، والمضارع يجنز بكسر النون، أفاده النووي

ص: 32

(2)

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة، فقال علام اجتمع عليه هؤلاء؛ قيل على قبر يحفرونه، قال ففزع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فبدر بين يدي أصحابه مسرعًا حتَّى انتهى إلى القبر فجثا عليه قال فاستقبلته من بين يديه انظر ما يصنع فبكى حتَّى بلَّ الثَّرى من دموعه، ثمَّ أقبل علينا قال أي إخواني لمثل اليوم فأعدُّوا

(3)

عن عطاء بن السَّائب قال كان أوَّل يوم عرفت فيه عبد الرَّحمن

كلهم من حديث محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة وأعلّه ابن القطان بالأرسال قاله الحافظ فى التلخيص (وقال النووى) رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه بأسانيد صحيحة كلها على شرط البخارى ومسلم

(2)

عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الرحمن المقرى وحسين بن محمد المعنى قالا ثنا أبو رجاء عبد الله بن واقد الهروى قال ثنا محمد بن مالك عن البراء بن عازب الحديث" (غريبه)(1) بضم الصاد المهملة أى علم، قال فى المصباح بصرت بالشئ بالضم والكسر لغة بصرا بفتحتين علمت فأنا بصير به يتعدى بالياء فى اللغة الفصحى، وقد يتعدى بنفسه وهو ذو بصر وبصيرة أى علم وخبرة، ويتعدى بالتضعيف إلى ثان فيقال بصّرته به تبصيرا، والاستبصار بمعنى البصيرة اهـ (2) أى مشى (3) أى جلس وهو من باب علا ورمى فهو جاث (فان قيل) كيف يجلس النبى صلى الله عليه وسلم على القبر، وقد نهى عن الجلوس عليه (فالجواب) أن النهى انما ورد فى القبر الذى دفن فيه انسان، أما قبل الدفن فلا (4) على وزن الحصى، التراب الندىّ فان لم يكن نديا فهو تراب، ولا يقال حينئذ ثرى، والمراد بالثرى هنا التراب الذى أخرج من القبر وسمى ثرى، لأن كل تراب يستخرج من بطن الأرض يكون نديا فى الغالب (5) أى تأهبوا واتخذوا له عدة وهى ما يعد للحوادث، والمراد بالعدة هنا الخروج من المظالم والاقلاع عن المعاصى والاقبال على الطاعات (تخريجه)(جه) واسناده حسن

(3)

عن عطاء بن السائب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عفان حدثنا همام ثنا عطاء بن السائب قال كان أول يوم الحديث"

ص: 33

ابن أبي ليلى، رأيت شيخًا أبيض الرَّأس واللِّحية على حمارٍ وهو يتبع جنازةً فسمعته يقول، حدَّثني فلان بن فلانٍ سمع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قال فأكبَّ القوم يبكون، فقال ما يبكيكم؟ فقالوا إنَّا نكره الموت، قال ليس ذلك ولكنَّه إذا حضر {فأمَّا إن كان من المقرَّبين فروحٌ وريحانٌ وجنَّة وجنَّة نسيمٍ} فإذا بشِّر بذلك أحبَّ لقاء الله، والله للقاءه أحبُّ {وأما إن كان من المكذِّبين الضَّالِّين فننزل من حميمٍ} قال عطاء {يعني ابن السَّائب} وفي قراءة ابن مسعودٍ {ثمَّ تصليه جحيمٍ}

(غريبه)(1) لم يذكر اسم الصحابى وجهالته لا تضر (2) بضم أوله وكسر ثانيه، يقال حضر فلان واحتضر دنا موته ويئس من حياته (3) هم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وبعض المباحات كراهة الوقوع فى المكروهات (4) أى فلهم روح وريحان وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، تقول "أيتها الروح الطيبة فى الجسد الطيب كنت تعمرينه اخرجى الى رمح ويحان ورب غير غضبان" رواه الأمام أحمد وغيره عن أبى هريرة وغيره وسيأتى قريبا، قال على بن طلحة عن ابن عباس {فروح} يقول راحة {وريحان} يقول مستراحة، وكذا قال مجاهد إن "الروح" الاستراحة، وقال أبو حرزة الراحة من الدنيا، وقال سعيد بن جبير والمدى "الروح" الفرح، وعن مجاهد {فروح وريحان} جنة ورخاء، وقال قتادة {فروح} رحمة وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير {وريحان} ورزق، وكل هذه الأقوال متقاربة صحيحة فان ما مقربا حصل له جميع ذلك من الرحمة والراحة والاستراحة والفرح والسرور والرزق الحسن {وجنة نعيم} قال أبو العالية لا يفارق "أى لا يموت أحد" من المقربين حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيقبض روحه فيه، وقال محمد بن كعب لا يموت أحد من الناس حتى يعلم من أهل الجنة هو أم من أهل النار (5) أى وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق الضالين عن عن الهدى {فنزل من حميم} أى فالذى يعدَّ له حميم جهنم وهو الماء الساخن الذى يصهر به ما فى بطونهم والجلود، نعوذ بالله من ذلك (6) قراءة حفص {وتصلية جحيم} أى يزاد عليه من العذاب فوق ما ذاقه من ألم الحميم أنه يصلى نارا حامية تغمره من جميع

ص: 34

فإذا بُشِّر بذلك يكره لقاء الله والله للقائه أكره

(4)

عن عامرٍ قال قال شربح بن هانئ بينما أنا في مسجد المدينة إذّ قال أبو هريرة رضي الله عنه سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول لا يحبُّ رجل لقاء الله عز وجل إلَّا أحبَّ الله لقاءه، ولا أبغض رجل الله إلَّا أبغض الله لقاءه، فأتيت عائشة فقلت، لئن كان ما ذكر أبو هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حقًّا لقد هلكنا فقالت إنَّما الهالك من هلك فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحب رجل لقاء الله عز وجل إلَّا أحبَّ الله لقاءه، لا أبغض رجل لقاء اللَّه إلَّا أبغض الله لقاءه، قال وأنا أشهد أني سمعته يقول ذلك، فهل تدري لِمَ ذلك؟ إذا حشرج الصَّدر وطمح

جهالة نسأل الله السلامة (1) البشرى تكون فى الخير والشر وهى فى الخير أكثر، واذا أطلقت اختصت بالخير (2) معنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هى التى تكون عند النزع فى حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل انسان بما هو صائر اليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعدلهم ويحب الله لقاءهم، أى فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاء يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون اليه ويكره الله لقاءهم أى يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم، وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم، وليس معنى الحديث أنَّ سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك، ولا أنَّ حبه لقاء الآخرين حبهم ذلك، بل هو صفة لهم، أفاده النووى (تخريجه)(طب) ورجال إسناده رجال الصحيحين، وله شاهد من حديث عائشة عند الشيخين، ومن حديث أبى هريرة، وسيأتى والله سبحانه وتعالى أعلم

(4)

عن عامر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن مطرف عن عامر الحديث" (غريبه) (3) أى لأنه فهم من قوله فى الحديث "ولا أبغض رجل لقاء الله إلا أبغض الله لقاءه" أن معنى لقاء الله هو الموت، ومعلوم أن الموت مكروه عند الناس فهم هالكون لذلك (4) يعنى من وصفه صلى الله عليه وسلم بالهلاك وبما أن الحديث لم يصرح بهذا فلا محل لفهمه، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يود

ص: 35

البصر واقشعرَّ الجلد، وتشنَّجت الأصابع، فعند ذلك مَن أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه، ومَن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه

(5)

عن أبي سَلَمَة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل إذا أحبَّ العبد لقائي أحببتُ لقاءه، وإذا كَرِه العبد لقائي كرهتُ لقاءه، قال فقيل لأبي هريرة ما منَّا أحد إلَّا وهو يكره الموت ويفظع به قال أبو هريرة إنَّه إذا كان ذلك كُشِف به

(6)

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومَن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت، قال ليس ذاك كراهة الموت؛ ولكن المؤمن إذا حُضِرَ

إلا ما فيه سعادة الخلق فى الدارين لا ما فيه هلاكهم (وقولها وما ذاك) تعنى وماذا سمعت من أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم؟ فذكر لها الحديث، فعملت أن أبا هريرة ما قال عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا حقا ولذا عززته بقولها، وأنا أشهد أنى سمعته يقول ذلك، تعنى النبى صلى الله عليه وسلم ثم أخذت تشرح له الحديث فقالت "إذا حشرج الصدر الخ" الحشرجة هى تردد النفس فى الصدر والغرغرة عند الموت "وطموح البصر" معناه ارتفاع الأجفان الى فوق وتحديد النظر "واقشعرار الجلد" قيام شعره "وتشنج الأصابع" تقبضها، فحينئذ يكشف لهم عن مصيرهم، فمن كان من أهل السعادة رأى منزلته فى الجنة، فأحب لقاء الله، ومن كان من أهل الشقاوة رأى منزلته من الناز، فكره لقاء الله كما تقدم فى الحديث السابق، والله أعلم (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم)

(5)

عن أبى سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أنا محمد ابن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة الحديث" (غريبه)(1) أى يخافه ويهابه لشدته (2) يعنى اذا كان وقت الموت وهو فى الغرغرة كشف له بمصيره، فان كان من أهل السعادة فلا يهاب الموت ولا يخشاه وأحب لقاء الله، وان كان غير ذلك فهو مستحق لغضب الله، والجزاء بما كسبت يداه (تخريجه)(خ. لك. نس. مذ)

(6)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن أبي

ص: 36

جاءه البشير من الله عز وجل بما هو صائرٌ إليه، فليس شيءٌ أحبَّ إليه من أن يكون قد لقى الله عز وجل فأحبَّ الله لقاءه، وإنَّ الفاجر أو الكافر إذا حُضِر جاءه بما هو صائرٌ إليه من الشَّرِّ وما يلقاه من الشَّرِّ، فَكَرِهَ لقاء الله وكرِه اللهُ لقاءه

(7)

عن عُبادة بن الصَّامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مَن أحبَّ لقاءه الله أحبَّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

(8)

وعن عائشة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مثله وزادت والموت قبل لقاء الله

(9)

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أنبأتكم ما أوَّل ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة وما أوَّل ما

عدي عن حميد عن أنس "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح

(7)

عن عبادة بن الصامت (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان وثنا بهز، قال ثنا همام أنا قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت الحديث" (تخريجه)(ق. مذ. نس)

(8)

وعن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا زكريا عن عامر عن شريح بن هانئ عن عائشة الحديث" (غريبه)(1) تريد بذلك أن لقاء الله ليس معناه الموت كما فهم بعض الناس، بل الموت أولا؛ ولقاء الله عز وجل بعد البعث من القبور (تخريجه)(ق. مذ. نس) وزاد النسائى فقيل يا رسول الله كراهية لقاء الله كراهية الموت، لكنا نكره الموت، قال ذاك عند موته، إذا بشر برحمة الله ومغفرته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، واذا بشر بعذاب الله كره لقاء الله وكره الله لقاءه

(9)

عن معاذ بن جبل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن اسحاق أنا عبد الله أنا يحيى بن أيوب أن عبيد الله بن زحر حدثه عن خالد بن أبي عمران عن

ص: 37

يقولون له قُلنا نعم يا رسول الله، قال إنَّ الله عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتهم لقائي؟ فيقولون نعم يا ربَّنا، فيقول لِمَ؟ فيقولون رجونا عفوك ومغفرتك، فيقول قد وجبت لكم مغفرتي

أبي عباش، قال قال معاذ بن جبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه)(طب) وفى اسناده عبيد الله بن زحر "بفتح الزاى وسكون الحاء المهملة" صدوق يخطئ في بعض أحاديثه (وفي الباب) عن ابن عمر رضى الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا ذكر هاذم اللذات، يعنى الموت فانه ما كان في كثير إلاقلَّله ولا قليل الا جزّأه، رواه الطبرانى باسناد حسن (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون، فقال أكثروا من ذكر هاذم اللذات، أحسبه قال فانه ما ذكره أحد فى ضيق من العيش الا وسعه ولا فى سعة الا ضيقه عليه، رواه البزار باسناد حسن والبيهقى باختصار (وعن أبى ذر رضى الله عنه) من حديث طويل قال فلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى عليه السلام؟ قال كانت عبرا كلها، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب "أى يتعب" عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن اليها. وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل رواه ابن حبان فى صحيحه وغيره (وعن أبى سعيد الخدرى) رضى الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا يكتشرون "أى يضحكون والكشر ظهور الاسنان للضحك" فقال أما انكم لم أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى الموت، فاكثروا ذكر هاذم اللذات الموت، فانه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول، أنا بيت الغربة. وأنا بيت الوحدة. وأنا بيت التراب. وأنا بيت الدود "الحديث" رواه البيهقى والترمذى مطولا، وقال الترمذى حديث حسن غريب (وعن ابن عمر رضى الله عنهما) قال "أتيت النبى صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقام رجل من الأنصار فقال يانبى الله من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال أكثرهم ذكرًا للموت وأكثرهم استعدادًا للموت، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الموت والطبرانى فى الصغير باسناد حسن (الأحكام) أحاديث الباب فيها الحث على الاكثار من ذكر الموت "لأنه يزهد فى الدنيا" والاستعداد له بالأعمال الصالحة التى تقرب العبد من ربه واجتباب الأعمال الطالحة التى تبعده عن الرحمة (وفيها) التحذير من الاغترار بالدنيا والركون اليها (وفيها) تبشير المؤمن برؤية ما أعده الله له من النعيم المقيم في الجنة قبل

ص: 38

(2)

باب ما جاء في حسن الظن بالله عز وجل وحسن الخاتمة

(10)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاثٍ، ألا لا يموتنَّ أحدٌ منكم إلَّا وهو يُحسنُ الظَّنَّ (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموتنَّ أحدكم إلَّا وهو يحسن بالله الظَّنَّ، فإنَّ قومًا قد أرداهم سوء ظنَّهم بالله عز وجل {وذلكم ظنُّكم الَّذي ظننتم بربِّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}

خروج روحه، فعند ذلك يرغب فى الموت استعجالا للقاء ربه، وبعكس ذلك أهل الشقاوة وفيها غير ذلك كثير، نسأل الله السلامة من كل مكروه آمين

(10)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش وابن نمير عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر الحديث" (غريبه) (1) قال العلماء هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، ومعنى حسن الظن بالله تعالى أنه يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا وفى حالة الصحة يكون خائفا راجيا ويكونان سواء، وقيل يكون الخوف أرجح، فاذا دنت أمارات الموت غلَّب الرجاء أو محَّضه، لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصى والقبائح والحرص على الاكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه فى هذا الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والأذعان له، ويؤيده حديث "يبعث كل عبد على ما مات عليه" رواه مسلم، قال العلماء معناه يبعث على الحالة التى مات عليها، أفاده النووى (وقال الخطابى) إنما يحسن الظن بالله من حسن عمله، فكأنه قال أحسنوا أعمالكم يحسن ظنكم بالله؛ فان من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون أيضا حسن الظن بالله من ناحية الرجاء وتأميل العفو، والله جواد كريم لا آخذنا الله بسوء أفعالنا، ولا وكلنا إلى حسن أعمالنا برحمته اهـ (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا النضر بن اسماعيل القاص وهو أبو المغيرة ثنا ابن أبى ليلى عن أبى الزبير عن جابر "قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموتن الحديث" (3) أى أهلكهم (4) هذه آية من كتاب الله عز وجل فى سورة حم السجدة استشهد بها النبى صلى الله عليه وسلم على أن سوء الظن بالله عز وجل يوجب الهلاك لصاحبه، وهى متممة للآية التى قبلها وهى "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، وذلك ظنكم الآية (تخريجه)

ص: 39

(11)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الله عز وجل، قال أنا عند ظنَّ عبدي بي إن ظنَّ بي خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًا فله

(12)

عن حِبَّان أبي النَّضر قال دخلت مع واثلة بن الأسقع رضي الله عنه على أبي الأسود الجرشيِّ في مرضه الَّذي مات فيه، فسلَّم عليه وجلس، قال فأخذ أبو الأسود يمين واثلة فمسح بها على عينيه ووجهه لبيعته بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له واثلة، واحدة أسألك عنها، قال وما هي؟ قال كيف ظنُّك بربِّك؟ قال فقال أبو الأسود وأشار برأسه حسنٌ، قال واثلة أبشر، إنِّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول قال الله عز وجل أنا عند ظنَّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاء.

(13)

عن عمر الجمعيَّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أراد

أخرج الطريق الأولى منه (م. د. جه. هق) وأخرج نحو الطريق الثانية (عب) وابن أبى الدنيا

(11)

عن أبى هريره (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا أبو يونس عن أبى هريرة الحديث (تخريجه)(ق) ولفظهما "أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه حيث يذكرنى"

(12)

عن حبان أبى النضر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الوليد ابن مسلم قال حدثنى الوليد بن سليمان "يعنى ابن أبى السائب" قال حدثنى حبان أبو النضر "الحديث"(غريبه)(1) يريد التبرك بمسح يد وائلة رضي الله عنه لأنها مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة (تخريجه)(حب زهق) ورجاله ثقات، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط ورجال أحمد ثقات

(13)

عن عمرو الجمعى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حيوة بن شريح ويزيد بن عبد ربه قالا ثنا بقية بن الوليد حدثنى بجير بن سعد عن خالد بن معدان ثنا جبير بن نفير أن عمر الجمعى حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخ (غريبه)(2) هكذا بالأصل الجمعى آخره عين مهملة، قال الحافظ فى الأصابة ذكره أحمد فى المسند وبيعه جماعة؛ وذكره ابن ماكولا فى الأكمال، وجزم بأن له صحبة ومدار حديثه عند أحمد

ص: 40

الله بعبدٍ خيرًا استعمله قبل موته فسأله رجلٌ من القوم ما استعمله؟ قال يهديه الله عز وجل إلى العمل الصالح قبل موته؛ ثمَّ يقبضه على ذلك

(14)

عن عمرو بن الحمق الخزاعيِّ رضي الله عنه أنه سمع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعمله، قيل وما استعمله؟ قال يفتح له عملٌ صالحٌ بين يدي موته حتَّى يُرضى عنه من حوله

(15)

عن أبي عنبة الخولانِّي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومطين وابن أبى عاصم والبغوى وابن السكن والطبرانى عن بقية عن بجير بن سعد عن خالد ابن معدان عن جبير بن نفير عن عمر الجمعى حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته "الحديث" قال ابن السكن يقال اسمه عمرو بن الحمق، وقال البغوى يقال إنه وهم من نفسه، وبذلك جزم أبو زرعة الدمشقى، وقد رواه ابن حبان فى صحيحه من طريق عبد الرحمن بن بجير بن بقية عن أبيه فقال عن عمرو بن الحمق، وكذلك رواه الطبرانى من طريق زيد بن واقد عن جبير بن نفير، وإنما لم أجزم بأنه غلط لمقام الاحتمال اهـ (قلت) عمرو بن الحمق عند الأمام أحمد غير عمر الجمعى وله حديث فى الباب، سيأتى بعد هذا (غريبه)(1) أى ما معنى استعمله؟ أو كيف يستعمله (2) أى وهو متلبس بذلك العمل الصالح أو يكون آخر عمله فى الدنيا (وقد ورد)"من مات على شئ بعثه الله عليه" وسيأتى فى الباب عن جابر (تخريجه)(طب) والبغوى وابن السكن، وفى إسناده لينٌ، لكن يعضده ما بعده

(14)

"عمرو بن الحمق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد ابن الحباب ثنا معاوية بن صالح حدثنى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عمرو ابن الحمق الخزاعى "الحديث" (غريبه)(3) بضم الياء التحتية والفاعل الله، ويجوز فتحها والفاعل من حوله أى من أهله وجيرانه ومعارفه، فيبرءون ذمته ويثنون عليه خيرا فيجيز الرب عز وجل شهادتهم (تخريجه)(حب. ك) وصحح إسناده وأقره الذهبى على ذلك، لكن بلفظ عسله بدل استعمله، وسيأتى معنى عسله فى الحديث التالى

(15)

عن أبى عنبة الخولانى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج بن النعمان قال حدثنا بقية عن محمد بن زياد الألهانى قال حدثنى أبو عنبة قال سريج

ص: 41

إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عسله قيل وما عسله قال يفتح الله له عملًا صالحًا قبل موته، ثمَّ يقبضه عليه

(16)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات على شيء بعثه الله عليه

(17)

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال أسندت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى صدري فقال، مَن قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجنَّة، ومَن صام يومًا ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنَّة، ومَن تصدَّق

وله صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) العسل طيب الثناء مأخوذ من العسل، يقال عسل الطعام بعسله إذا جعل فيه العسل، شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذى طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذى يجعل فى الطعام فيحلوا به ويطيب (نه)(تخريجه)(طب) وروى نحوه الحاكم فى المستدرك عن عمرو بن الحمق وصحح إسناده، وأقره الذهبى

(16)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا بعض أصحابنا عن الأعمش عن أبى سيفان عن جابر "الحديث"(تخريجه)(ك) ولفظه "يبعث كل عبد على ما مات عليه" وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه البخارى (قلت) وأقره الذهبى

(17)

عن حذيفة بن اليمان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن وعفان قالا ثنا حماد بن سلمة عن عثمان البتى عن نعيم عفان فى حديثه ابن أبى هند عن حذيفة قال أسندت النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) الظاهر والله أعلم أن ذلك كان فى مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم (3) أى مخلصا فى ذلك لا يقصد به رياء ولا سمعة "وقوله ختم له بها" أى إن كانت آخر كلامه كما فى رواية عند مسلم والأمام أحمد وغيرهما بلفظ "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" أى لابد له من دخلولها اما معجلا معافى، واما مؤخرا بعد عقابه (قال النووى رحمه الله ويجوز فى حديث "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" أن يكون خصوصا لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه؛ وإن كان قيل مخلطا فيكون سببا لرحمة الله تعالى اباه ونجاته رأسا من النار وتحريمه عليها بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين اهـ (4) أى إن كان آخر

ص: 42

بصدقه ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنَّة

(3)

باب كراهة تمني الموت وفضل طول العمر مع حسن العمل

(18)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه يُحدِّث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال

أيامه من الدنيا، وكذلك يقال فى الصدقة، إن كانت آخر أعماله. والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الامام أحمد، وسنده جيد (وفى الباب عن أبى هريرة) رضى الله عنه مرفوعا أمر الله عز وجل بعبدين إلى النار، فلما وقف أحدهما على شفتها التفت، فقال أما والله انى كان ظنى بك لحسن؛ فقال الله عز وجل ردوه فأنا عند ظنك بى فغفر له، وفى لفظ ردوه، أنا عند حسن ظن عبدى بى رواه البيهقى (وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا اذا أراد الله بعبد خيرا قيّض له قبل موته بعام ملكا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان، فاذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، واذا أراد الله بعبد شرا قيّض له قبل موته بعام شيطانا فأضله وفتنه حتى يقال مات بشر ما كان عليه، فاذا حضر ورأى ما أعدَّ له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين "كره لقاء الله وكره الله لقاءه" رواه عبد بن حميد (الأحكام) فى أحاديث الباب التحذير من القنوط والحث على الرجاء عند الخاتمة وتحسين الظن بالله عز وجل وتقدم معنى ذلك فى الشرح (وفيها أيضا) ايثار الآخرة على الدنيا بالأكثار من الأعمال الصالحة والمثابرة عليها خوفا من هجوم الموت بغتة فانَّ من مات على شئ بعثه الله عليه كما فى أحاديث الباب عن جابر، ومعنى ذلك أنه إذا مات العبد على عمل صالح أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه (قال الخطابى) اللقاء يقع على أوجه، منها المعاينة (ومنها) البعث كقوله تعالى {الذين كذبوا بلقاء الله} (ومنها) الموت كقوله تعالى {من كان يرجو لقاء الله فان أجل الله لآت} وقوله {قل ان الموت الذى تفرون منه فانه ملاقيكم} (وقال ابن الأثير) فى النهاية المراد بلقاء الله هنا المصير الى الدار الآخرة وطلب ما عند الله، وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله، ومن آثرها وركن اليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل اليه بالموت اهـ (وقال الخطابى) معنى محبة العيد للقاء الله ايثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الأقامة فيها بل يستعد للارتحال عنها، والكراهة بضد ذلك اهـ (وفيها) ان من مات على عمل صالح كان ذلك دليلا على حسن الخاتمة وقبوله عند الله ودخوله الجنة نسأل الله أن لا يحرمنا من دخول الجنة مع السابقين آمين

(18)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا

ص: 43

لا يتمنَّ أحدكم الموت من ضُرِّ أصابه، فإن كان لابُدّ فاعلًا فليقل اللَّهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني ما كانت الوفاة خيرًا لي

(19)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنَّ أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه إنَّه إذا مات أحدكم انقطع

شعبة قال سمعت ثابتا البنانى قال سمعت أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) لفظ البخارى ومسلم لا يتمنين بنون التوكيد، كما فى رواية أخرى عند الامام أحمد أيضا والخطاب للصحابة، والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عموما "وقوله من ضر أصابه" حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوى، فان وجد الضر الأخروى بأن خشى فتنة فى دينه لم يدخل فى النهى، ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان "لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضر نزل به فى الدنيا" على أن لفظ (فى) فى هذا الحديث سببىٌّ أى بسبب أمر من الدنيا، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة، ففى الموطأ عن عمر "اللهم كبرت سنى وضعفت قوتى وانتشرت رعيتى فاقبضنى اليك غير مضيّع ولا مفرّط" ومما جاء صريحا فى ذلك حديث معاذ عند أبى داود، وصححه الحاكم فى القول فى دبر كل صلاة وفيه "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنى اليك غير مفتون"(2) فى رواية أخرى "فان كان ولابد متمنيا فليقل الخ" وفيه ما يصرف الأمر عن حقيقته من الوجوب أو الاستحباب ويدل على أنه لمطلق الأذن، لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته، وقريب من هذا السياق ما أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من حديث المقدام بن معد بكرب "حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فان كان ولابد فثلث للطعام الحديث" أى إذا كان لابد من الزيادة على اللقيمات فيقتصر على الثلث فهو أذن بالاقتصار على الثلث لا أمر يقتضى الوجوب ولا الاستحباب (3) الظاهر أن هذا التفصيل يشمل ما إذا كان الضر دينيا أم دنيويا، وهو يدل على أن النهى عن تمنى الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، لأن فى التمنى المطلق نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم، وفى هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء، والله سبحانه وتعالى أعلم (تخريجه)(ق. د. نس. مذ. هق)

(19)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ابن همام ثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال قال رسول صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(4) قال الحافظ هو قيد فى الصورتين ومفهومه أنه

ص: 44

عمله وإنَّه لا يزيد المؤمن من عمره إلَّا خيرًا {وعنه من طريقٍ ثانٍ} أنَّ رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى وآله وصحبه وسلَّم قال لا يتمنَّى أحدكم الموت، إ مَّا مُسيءٌ فيستغفر أو مُحسنٌ فيزداد

إذا حل به لا يمنع من تمنيه رضًا بلقاء الله ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك اهـ (1) قال النووى فى شرح مسلم هكذا هو فى بعض النسخ "يعنى نسخ مسلم" عمله وفى كثير منها أمله وكلاهما صحيح، لكن الأول أجود وهو المتكرر فى الأحاديث، والله أعلم اهـ. وقال الحافظ فيه إشارة إلى أن المعنى فى النهى عن تمنى الموت والدعاء به، هو انقطاع العمل بالموت فان الحياة يتسبب منها العمل والعمل يحصّل زيادة الثواب، ولو لم يكن الا استمرار التوحيد فهو أفضل الاعمال اهـ (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا محمد بن أبى حفصة ثنا ابن شهاب عن أبى عبيد مولى عبد الرحمن ابن عوف عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الحديث"(3) قال الحافظ كذا للأكثر باثبات التحتانية، وهو لفظ نفى بمعنى النهى ووقع فى رواية الكشميهنى لا يتمن على لفظ النهى، ولا يتمنين، وكذل هو فى رواية همام عن أبى هريرة بزياة نون التأكيد اهـ (4) استشكل بأنه قد يعمل السيئات فيزيده عمره شرا (قال الحافظ) وأجيب بأجوبة (أحدها) حمل المؤمن على الكامل وفيه بُعد (والثانى) أن المؤمن بصدد أن يعمل ما يكفر ذنوبه، إما من اجتناب الكبائر، وإما من فعل حسنات أخر قد تقاوم بتضعيفها سيئاته، وما دام الايمان باق فالحسنات بصدد التضعيف، والسيئات بصدد التكفير (والثالث) يقيد ما أطلق فى هذه الرواية بما وقع فى رواية الباب (يعنى عند البخارى) من الترجى حيث جاء بقوله "لعله" والترجى مشعر بالوقوع غالبا لا جزما، فخرج الخير مخرج تحسين الظن بالله وأن المحسن يرجو من الله الزيادة بأن يوفقه للزيادة من عمله الصالح، وأن المسيئ لا ينبغى له القنوط من رحمة الله ولا قطع رجائه، أشار الى ذلك شيخنا "يعنى العراقى" فى شرح الترمذى، ويدل على أن قصر العمر قد يكون خيرًا للمؤمن حديث أنس الذى فى أول الباب "وتوفنى اذا كانت الوفاة خيرا" وهو لا ينافى حديث أبى هريرة (ان المؤمن لا يزيده عمره الا خيرا) اذا حمل حديث أبى هريرة على الأغلب ومقابله على النادر اهـ (تخريجه)(ق. هق. نس. وغيرهم) ولفظه عند البخارى من حديث أبى هريرة أيضا "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال

ص: 45

(20)

عن أمّ الفضل رضي الله عنها أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم دخل على العبَّاس وهو يشتكي فتمنَّى الموت، فقال يا عبَّاس يا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتمنّ الموت، إن كنت مُحسنًا تزداد إحسانًا إلى إحسانك خيرٌ لك، وإن كنت مُسيئًا فإن تؤهَّر تستعتب خيرٌ لك، فلا تمنَّي الموت {وفي رواية} وإن كنت مُسيئًا فإن تُؤخّر تستعتب من إساءتك خيرٌ لك

ولا أنا، الا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا، ولا يتمنى أحدكم الموت اما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وأما مسيئا فلعله أن يستعتب" أى يرجع عن موجب العتب عليه

(20)

عن أم الفضل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سلمة الخزاعى قال أنا ليث ويونس قال ثنا ليث يعنى ابن سعد عن يزيد بن الهاد عن هند بنت الحارث عن أم الفضل الحديث" (غريبه)(1) اسمها لبابة بتخفيف الموحدة بنت الحارث بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاى بعدها نون الهلالية، أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب وأخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم الفضل. وعبد الله. ومعبد. وعبيد الله. وقثم، وعبد الرحمن، قال ابن حبان ماتت بعد العباس فى خلافة عثمان رضي الله عنهم (2) أى تسترضى الله عز وجل بالاقلاع والاستغفار، والاستعتاب طلب الأعتاب والهمزة للازالة أى يطلب إزالة العتاب، عاتبة لامه وأعتبه ازال عتابه (قال الكرمانى) وهو مما جاء على غير القياس إذ الاستفعال إنما ينبنى من الثلاثى لا من المزيد فيه انتهى (قال الحافظ) وظاهر الحديث انحصار حال المكلف فى هاتين الحالتين، وبقى قسم ثالث وهو أن يكون مخلطا فيستمر على ذلك أو يزيد إحسانا أو يزيد إساءة أو يكون محسنا فينقلب مسيئا أو يكون مسيئا فيزداد إساءة (والجواب) أن ذلك خرج مخرج الغالب، لأن غالب حال المؤمنين ذلك، ولاسيما والمخاطب بذلك شفاها الصحابة، قال وقد خطر لى فى معنى الحديث أن فيه إشارة إلى تغبيط المحسن باحسانه، وتحذير المسئ من اساءته، فكأنه يقول من كان محسنا فليترك تمنى الموت وليستمر على إحسانه والا زدياد منه، ومن كان مسيئا فليترك تمنى الموت وليقلع عن الاساءة لئلا يموت على إساءته فيكون على خطر، وأما من عدا ذلك ممن تضمنه التقسيم فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين إذ لا انفكاك عن أحدهما، والله أعلم اهـ (تريجه)(عل. طب. ك) وقال صحيح على شرطهما (قلت) وأقره الذهبي

ص: 46

(21)

عن أبي أمامة رضي الله عنه جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكَّرنا ورقَّقنا فبكى سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه فأكثر البكاء فقال ياليتني مِتُّ، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يا سعدُ أعندي تتمنَّى الموت؟ فردَّد ذلك ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ قال يا سعد إن كنت خُلقت للجنَّة فما طال عمرك أو حسن من عملك فهو خيرٌ لك

(22)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنَّوا الموت فإنَّ هول المطَّلع شديدٌ، وإنَّ من السَّعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة

(21) عن أبي أمامة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة ثنا معان بن رفاعة حدثنى على بن يزيد عن القاسم أبى عبد الرحمن عن أبى أمامة الحديث" 0 غريب) (1) أى ردَّد النبى صلى الله عليه وسلم قوله "يا سعد أعندى تتمنى الموت" ثلاث مرات لاستعظامه ذلك من سعد لأن فى تمنى الموت نقصا للأجر المزيد والدرجات التي يتحصل عليها بطول العمر وكثرة العمل، ويؤيد هذا المعنى ما فى حديث جابر الآتى بعده "وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الانابة" وما جاء فى حديث أبى بكرة عند الترمذى، وقال حديث حسن صحيح بلفظ "إن رجلا قال يا رسول الله أى الناس خير؟ قال من طال عمره وحسن عمله" وسيأتى سند الأمام أحمد أيضا فى الباب التالى (تخريجه)(طب) وفى اسناده على بن يزيد الألهانى مختلف فيه، لكن يعضده حديث أنس وأبى هريرة

(22)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر وأبو أحمد قالا ثنا كثير بن زيد حدثنى الحارث بن يزيد قال أبو أحمد عن الحارث بن أبى يزيد قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(2) بفتح أوله وثانيه وثالثه مشددا وهى على حذف احدى التاءين وأصله تتمنوا، وثبتت فى بعض الروايات (3) المطلع بضم الميم وتشديد الطاء المهملة ما يطلع عليه العبد من احوال البرزخ ثم من أحوال القيامة بعد الموت، فليس فى تمنى الموت إلا تمنى الشدائد؛ فالخير فى طول العمر والرجوع إلى طاعة الله تعالى؛ لا فى تمنى الموت الذى يضيع هذا الخير الذى هو سبب لرفع الشدائد فيما بعد الموت (تخريجه)(بز. هق) وإسناده حسن

ص: 47

(23)

عن أبي إسحاق عن حارثة قال أتينا خبَّابًا رضي الله عنه نعوده فقال لولا أنَّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لتمنَّيته

(24)

عن عليّ رضي الله عنه قال مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وجعٌ وأنا أقول، اللَّهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرِحني، وإن كان آجلًا فارفعني، وإن كان بلاءًا فصبِّرني، قال ما قلت؟ فأعدت عليه فضربني برجله، فقال ما قلت؟ قال فأعدت عليه، فقال اللَّهمَّ عافِه أو اشفِهِ {وفي روايةٍ اللهمّ اشفِهِ بدون شكٍ} قال فما اشتكيت ذلك الوجع بعد

(23) عن أبي اسحاق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ابن عامر ثنا شريك عن أبى إسحاق عن حارثة "الحديث"(غريبه)(1) هو ابن مضرّب بتشديد الراء المكسورة تابعة ثقة، وثقة ابن معين وغيره، وغلط من نقل عن المدينى أنه تركه (3) بموحدتين الأولى مثقلة، ابن الأرت بتشديد التاء المثناه مولى بنى زهرة التميمى الصحابى أبو عبد الله، من السابقين الى الاسلام، كان يعذب فى الله وشهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين (3) أى لأنه كان مريضا وقد اكتوى سبعا وكان فى شدة الألم، كما يستفاد من حديث آخر عند الأمام أحمد والبخارى، وسيأتي فى ترجمة خباَّب بن الأرت من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى وذكره البخارى فى كتاب التمنى من صحيحه (4) إنما لم يتمن الموت مع شدة تألمه من المرض لأنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهى عن ذلك، ولولا ذلك لتمنى الموت ليستريح من الألم رضي الله عنه (تخريجه)(ق. مذ. نس. هق)

(24)

عن على رضي الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن شعبة ثنا عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن على رضى الله عنه الحديث" (غريبه)(5) أى فى رواية أخرى للامام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى (6) فيه أن دعاءه صلى الله عليه وسلم لا يرد، وفيه منقبة لعلى رضي الله عنه ومعجزة للنبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد وسنده جيد

ص: 48

(35)

عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء بلالٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماتت فلانة واستراحت، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال، إنَّما يستريح مَن دخل الجنَّة {وفي رواية مَن غُفر له}

(25) عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى قال أنا ابن لهيعة وقتيبة سعيد قال ثنا ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة عن عائشة الحديث" (غريبه) (1) انما غضب النبى صلى الله عليه وسلم من قول بلال "ماتت فلانة واستراحت" لأن ما كل من مات استراح، فقد يكون الموت شقاء على صاحبه إذا كان مفرطا فيما أوجبه الله عليه ولأن مصير الانسان لا يعلمه الا الله مهما كان صالحا (2) أى من دخلها فعلا أو علم دخوله بوحى من الله عز وجل؛ وكذا يقال فى المغفرة، أما من لم يعلم حاله فأمره مفوض لى الله عز وجل، ولا يجوز التكهن بمصيره والله أعلم (تخريجه)(ش. طس. وابن عساكر) وحسنه الحافظ السيوطى (الأحكام) أحاديث الباب تدل على كراهة تمنى الموت لضر نزل بالتمنى من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا؛ فأما إذا خاف ضررا ى دينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم أحاديث الباب، وقد فعل هذا الثانى خلائق من السلف عند خوف الفتنة فى أديانهم، وفيها أنه ان خالف ولم يصبر على حاله فى بلواه بالمرض ونحوه فليقل اللهم أحينى ان كانت الحياة خيرا لى الخ، والأفضل الصبر والسكون للقضاء، أفاده النووى (وقال ابن التين) قيل ان النهى منسوخ بقول يوسف {توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين} وبقول سليمان {وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين} وبحديث عائشة (قالت سمعت النبى صلى الله عليه وسلم وهو مستند الىّ يقول، اللهم اغفر لى وارحمنى وألحقنى بالرفيق الأعلى) رواه البخارى وغيره وبدعاء عمر بالموت وغيره، قال وليس الأمر كذلك لأن هؤلاء انما سألوا ما قارب الموت (قال الحافظ) وقد اختلف فى مراد يوسف عليه السلام؛ فقال قتادة لم يتمن الموت أحد إلا يوسف حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله، أخرجه الطبرانى بسند صحيح عنه، وقال غيره بل مراده توفنى مسلما عند حضور أجلى؛ كذا أخرجه ابن أبى حاتم عن الضحاك بن مزاحم، وكذلك مراد سليمان عليه السلام، وعلى تقدير الحمل على ما قال قتادة فهو ليس من شرعنا، وإنما يؤخذ بشرع من قبلنا ما لم يرد فى شرعنا النهى عنه بالاتفاق (وقد استشكل) الأذن فى ذلك عند نزلو الموت، لأن نزول الموت لا يتحقق، فكرم من انتهى إلى غاية جرت العادة بموت من يصل اليها ثم عاش (والجواب) أنه يحتمل أن يكون المراد أن العبد يكون حاله فى ذلك الوقت حال من يتمنى نزوله به ويرضاه أن لو

ص: 49

(4)

باب فضل طول العمر مع حسن العمل وفضل من مات غريبًا

(26)

عن عبد الرَّحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال يا رسول الله أيُّ النَّاس خيرٌ، قال من طال عمره وحسن عمله قال فأيُّ الناس شرٌ، قال من طال عمره وساء عمله

(27)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبِّئكم بخيركم، قالوا نعم يا رسول الله، قال خياركم أطولكم أعمارًا وأحسنكم أعمالًا

(28)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه إذا بلغ الرَّجل المسلم أربعين

وقع به، والمعنى أن يطمئن قلبه الى ما يرد عليه من ربه ويرضى به ولا يقلق، ولو لم يتفق أنه يموت فى ذلك المرض اهـ والله أعلم

(26)

عن عبد الرحمن بن أبى بكرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون ثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عبد الرحمن بن أبى بكرة الحديث" (غريبه)(1) أى لأنه كلما طال عمره كلما ازداد من أعمال الخير والبر فتكثر حسناته، وكثرة الحسنات تمحو السيئات فيكون مقبولا عند الله عز وجل، وبعكس ذلك من طال عمره وساء عمله، نعوذ بالله من ذلك (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه الترمذى، وقال حديث حسن صحيح والطبرانى بأسناد صحيح، والحاكم والبيهقى فى الزهد وغيره اهـ

(27)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن أبى عدى عن أبى إسحاق عن محمد بن ابراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة الحديث" وفي آخره قال أبو عبد الرحمن "يعنى عبد الله بن الأمام أحمد" سألت أبى عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه وسهل عن أبيه، فقال لم أسمع أحداً ذكر العلاء إلا بخير، وقدم أبا صالح على العلاء (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه أحمد ورواته رواة الصحيح وابن حبان فى صحيحه والبهقى، ورواه الحاكم من حديث جابر وقال صحيح على شرطهما اهـ (قلت) وأقره الذهبى

(28)

عن أنس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا الفرج ثنا محمد بن عامر عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن جعفر عن أنس بن مالك رضي الله عنه إذا بلغ الرجل المسلم الخ الحديث" (غريبه)(2) أي المستقيم الحال

ص: 50

سنة آمنه الله من أنوع البلايا من الجنون والبرص والجذام، وإذا بلغ الخمسين ليَّن الله عز وجل عليه حسابه وإذا بلغ السِّتّين رزقه الله إنابة يحبُّه عليها، وإذا بلغ السَّبعين أحبَّه الله وأحبَّه أهل السَّماءِ، وإذا بلغ الثَّمانين تقبَّل الله منه حسناته ومحا عنه سيئاته، وإذا بلغ التسعين عفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وسُمِّي أسير الله في الأرض وشُفَّع في أهله

(1) يعني الثلاث كما صرح بذلك فى بعض الروايات، وخص هذه الأدواء الثلاثة بالذكر لأنها أعظم البلايا ولأنها تنفر الناس ممن ابتلى منها، فاذا كان الرجل صالحا مستقيم الحال الى هذه المدة أكرمه الله تعالى بحفظه من هذه الأدواء الخبيثة مكافأة له على عمله (2) أى خففه ولم يناقشه، لأن "من نوقش الحساب عذب" كما جاء فى بعض الأحاديث الصحيحة (3) أى الرجوع إلى الله عز وجل بالتوبة والاقبال عليه فاذا أقبل على الله ورجع اليه، وفقه لصالح الأعمال ورضى عنه، وهذا معنى قوله يحبه عليها، لأن محبة الله للعبد الرضا عنه وقبول عمله، وكذا يقال فى قوله "وإذا بلغ السبعين أحبه الله" أى رضى عنه وقبل عمله (وأحبه أهل السماء) يعنى الملائكة (4) أى كالأسير ينتظر الموت من وقت لآخر (تخريجه)(عل) والخطيب فى تاريخه وهو موقوف على أنس عند الامام أحمد، وفى إسناده من لم أعرفه (وقال الهيثمى) رواه البزار مرفوعا بأسنادين ورجال أحدهما ثقات (قلت) ورواه أبو يعلى مطولا عن أنس أيضا مرفوعا بلفظ "المولود حتى يبلغ الحنث ما عمل من حسنة كتبت لوالده أو لوالديه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه" فاذا بلغ الحنث جرى عليه القلم، وأمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فاذا بلغ أربعين سنة فى الاسلام، آمنه الله من البلايا الثلاثة، الجنون. والجذام والبرص"فذكر نحو حديث الباب إلى أن قال" فاذا بلغ التسعين، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفعه فى أهل بيته، وكان أسير الله فى أرضه، فاذا بلغ أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا، كتب الله له مثل ما كان يعمل فى صحته من الخير، فاذا عمل سيئة لم تكتب عليه (وله فى رواية أخرى عن أنس أيضا) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من مسلم يعمر فى الاسلام فذكر نحوه" وقال (فاذا بلغ السبعين سنة فى الاسلام أحبه الله وأحبه أهل السماء وأهل الأرض (وله فى أخرى) فاذا بلغ السبعين، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان أسير الله فى أرضه، وشفع فى أهل بيته رواها كلها

ص: 51

(29)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من أتت عليه ستُّون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر

أبو يعلى بأسانيد، وكلها لا تخلو من ضعف (فى الباب) عن عثمان بن عفان عند أبى يعلى وفيه ضعف (وعن عبد الله بن أبى بكر) عند الطبراني وفيه كلام (وعن سهل بن سعد) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا بلغ العبد ستين سنة فقد أعذر الله اليه فى العمر وأبلغ اليه فى العمر"(قال الهيثمي) رواه الطبراني ورجاله ورجال الصحيح (قلت) وهذه الطرق يعضد بعضها بعضا لكثرتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(29)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد بن أبى أيوب حدثنى محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة الحديث" (غريبه) (1) يعنى من عاش ستين سنة (وفى رواية معمر عند الطبراني "لقد أعذر الله الى عبد أحياه حتى يبلغ ستين سنة أو سبعين سنة لقد أعذر الله اليه" ومعنى الاعذار إزالة العذر؛ يعنى أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول لو مدّ لى في الأجل لفعلت ما أمرت به، يقال أعذر اليه إذا بلَّغه أقصى الغاية فى العذر ومكنَّه منه، وإذا لم يكن له عذر فى ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذى حصل له فلا ينبغى له حينئذ الا الاستغفار والطاعة والأقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الاعذار الى الله تعالى مجازيَّة، والمعنى أن الله عز وجل لم يترك للعبد سببا فى الاعتذار يتمسك به، والحاصل أنه لا يعاقب الا بعد حجة، قاله الحافظ (وقال ابن بطال) إنما كانت المتون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك، وهى سن الانابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار لطفا من الله بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل الى حالة العلم ثم أعذر اليهم فلم يعاقبهم الا بعد الحجج الواضحة وان كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل، لكنهم أمروا بمجاهدة النفس فى ذلك ليمتئلوا ما امروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية، وفى الحديث اشارة الى أن استكمال الستين مظنة لانقضاء الأجل؛ وأصرح من ذلك ما أخرجه الترمذى بسند حسن الى أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رفعه "أعمار أمتى ما بين الستين الى السبعين وأقلهم من تجوز ذلك" قال بعض الحكماء الأسنان أربعة، سن الطفولية ثم الشباب. ثم الكهولة. ثم الشيخوخة. وهى آخر الأسنان؛ وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين، فيحنئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط، فينبغى له الاقبال على الأخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع الى الحالة الأولى من النشاط والقوة، وقد استنبط منه

ص: 52

(30)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال توفَّى رجلٌ بالمدينة فصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ياليته مات في غير مولد فقال رجلٌ من النَّاس، لِمَ يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الرَّجل إذا توفَّى في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنَّة

بعض الشافعية أن من استكمل ستين فلم يحج مع القدرة فانه يكون مقصرا، ويأثم ان مات قبل أن يحج بخلاف ما دون ذلك اهـ (تخريجه)(ح. نس. طب)

(30)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة حدثنى حيىُّ بن عبد الله عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله ابن عمرو الحديث" (غريبه) (1) يعنى مات بغير المحل الذى ولد فيه، ولعله صلى الله عليه وسلم لم يرد بذلك ياليته مات بغير المدينة، بل أراد ياليته كان غريبا مهاجرا بالمدينة ومات بها، فان الموت فى غير مولده فيمن مات بالمدينة كما يتصور بأن يولد فى المدينة ويموت فى غيرها كذلك يتصور بأن يولد فى غير المدينة ويموت بها، فليكن التمنى راجعا الى هذا الشق حتى لا يخالف الحديث حديث فضل الموت بالمدينة المنورة، قاله السندى وهو وجيه (2) أى غريبا سواء أكان فى سفر أم إقامة (قيس له) أى ذرع له بالذراع الذى يقاس به (من مولده) أى المكان الذى ولد فيه (إلى منقطع أثره) بفتح الطاء أى الى موضع قطع أجله فالمراد بالأثر الأجل ويحتمل منتهى السفر، يعنى أنه ينصح له فى الجنة بقدر المسافة التى بين وطنه وموضع موته "وقوله فى الجنة" متعلق بقيس، وهذا القدر زيادة عما كان يستحقه لو أنه مات بوطنه لأنه تحامل على نفسه بتجرع مرارة مفارقة الاءلف والخلان والأهل والأوطان، ولم يجد له متعهدا فى مرضه غالبا ولا يحضره اذا احتضر أحد ممن يلوذ به فاذا صبر على ذلك محتسبا جوزى بما ذكر والله أعلم (تخريجه)(نس. جه) وفى اسناده ابن لهيعة عند الأمام أحمد، وسنده عند النسائى جيد وصححه الحافظ السيوطى (وفى الباب عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موت الغريب شهادة اذا احتضر فرمى ببصره عن يمينه وعن يساره فلم ير الا غريبا وذكر أهله وولده فتنفس فله بكل نفس يتنفسه يمحو الله عنه الفى الف سيئة ويكتب له الفى الف حسنة، رواه الطبرانى فى الكبير وفيه عمرو بن الحصين العقيلى وهو متروك (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا بلى يا رسول الله

ص: 53

(5)

باب ما جاء في المحتضر

وتلقينه كلمة التوحيد وحضور الصالحين عنده وعرق جبينه

(31)

عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال خياركم أطولكم أعمارًا اذا سددوا أى اقتصدوا واستقاموا رواه أبو يعلى واسناده حسن (وعن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا بلى. قال أحاسنكم أخلاقا وأطولكم أعمارا، أورده الهيثمى وقال رواه الترمذى غير قوله أطولكم أعمارا، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة، وقد وثق (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل طول العمر لأنه يمكن صاحبه كثرة الأعمال الصالحة والاطلاع على أحوال الدنيا وتقلباتها والاتعاظ بكثرة من مات من اخوانه ومعارفه وذويه، مما يزهِّده فى الدنيا ويزيده رغبة فى المثابرة على أعمال الخير والبر، فان لم يتعظ بذلك ولم يقبل على الله عز وجل بالأعمال الصالحة كان طول عمره وبالًا عليه، وليس له عذر عند الله عز وجل بعد أن مدّ فى عمره ومكَّنه من الطاعة مدة مديدة، قال تعالى {أول م نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} وقد اختلف العلماء فى المراد بالتعمير فى الآية على أقوال، فعن مسروق أنه أربعون سنة. وعن مجاهد عن ابن عباس أنه ست وأربعون سنة. وعن ابن عباس سبعون سنة. وعن سهل بن سعد ستون سنة. وعن أبى هريرة "من عمّر ستين سنة أو سبعين سنة، فقد أعذر الله اليه فى العمر"(قال الحافظ) وأصح الأقوال فى ذلك ما ثبت فى حديث الباب "يعنى حديث أبى هريرة الذى رواه البخارى والامام أحمد وهو الرابع من أحاديث الباب" قال ويدخل فى هذا حديث "معترك المنايا ما بين ستين وسبعين سنة" أخرجه أبو يعلى من طريق ابراهيم بن الفضل عن سعيد عن أبى هريرة وابراهيم ضعيف اهـ (واختلفوا أيضا) فى قوله عز وجل "وجاءكم النذير" من هو النذير، فقيل هو النبى صلى الله عليه وسلم وعن زيد بن على "القرآن" وعن عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع "الثيب" وبه قال أكثر العلماء لأنه يأتى فى سن الكهولة فما بعدها، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذى هو مظنة اللهو (وفى أحاديث الباب أيضا) فضل من مات غريبا عن وطنه، وتقدم الكلام عليه فى الشرح (وفيها) غير ذلك، والله أعلم

(31)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بشر بن المفضل ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن عمارة قال سمعت أيا سعيد يقول قال رسول الله

ص: 54

لقِّنوا موتاكم قول لا إله إلَّا الله

(32)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يقول لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه مالي أراك قد شعثت واغبررت منذ توفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلَّك ساءك يا طلحة إمارة ابن عمَّك قال معاذ الله، إنِّي لأحذركم أن لا أفعل ذلك، إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنِّي لأعلم كلمة لا يقولها أحدٌ عند حضرة الموت إلَّا وجد روحه لها روحًا حين تخرج من جسده، وكانت له نورًا يوم القيامة، فلم أسأل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عنها ولم يُخبرني بها

صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) قال القرطبى أى قولوا ذلك وذكروهم به عند الموت قال وسماهم موتى لأن الموت قد حضرهم اهـ (وقال النووى) معناه من حضره الموت، والمراد ذكّروه لا إله الا الله ليكون آخر كلامه كما فى الحديث "من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة" اهـ وينبغى أن لا يأمره بها، بل يقولها الحاضر تذكيرا لمحتضر بدون تكرير ولا إلحاح؛ فان قالها المحتضر اكتفى بذلك، فان تكلم بعد قولها ذكَّر بها مرة أخرى لتكون آخر كلامه كما تقدم، وكره الاكثار بها والمولاة خوفا من ضجر المحتضر لما فيه من الشدة والكرب؛ فربما كره ذلك بقلبه وتكلم بما لا يحمد، نسأل الله السلامة والنجاة، واستحضار ذكره فى هذا الوقت الرهيب (تخريجه)(م. هق. والأربعة)

(32)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن نمير عن مجاهد عن عامر عن جابر بن عبد الله الحديث" (غريبه)(3) يقال رجل شعث وسخ الجسد شعث الرأس أيضا وهو أشعث أغبر، أى من غير استجداد ولا تنظف (3) يريد أمارة أبى بكر الصديق رضي الله عنه لأن أبا بكر يجتمع نسبه مع طلحة بن عبيد الله فى عمرو بن كعب، فأبو بكر رضي الله عنه اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى الخ نسب النبى صلى الله عليه وسلم، وطلحة هو ابن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب الخ ما ذكرنا ويجتمع نسبهما مع نسب النبي صلى الله عليه وسلم فى مرة بن كعب ابن لؤى رضي الله عنهما (4) الروح الرحمة والراحة والفرح كما تقدم تفسيره فى شرح الحديث

ص: 55

فذلك الذي دخلني قال عمر رضي الله عنه فأنا أعلمها، قال فلله الحمد فما هي؟ قال هي الكلمة التي قالها لعمِّه {لا إله إلَّا الله} قال طلعة صدقت (ومِن طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه) قال عمر أنا أخبرك بها، هي الكلمة التي أراد بها عمه شهادة {أن لا إله إلَّا الله} قال فكأنَّما كُشف عنِّي غكاء، قال صدقت. ل علم كلمة هي أفضل منها لأمره بها (ومن طريقٍ ثالثٍ) عن يحي بن طلحة ابن عبيد الله عن أبيه رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه رآه (يعني رأي طلحة) كئيبًا، فقال مالك يا أبا محمَّد، لعلَّك ساءتك إمرة ابن عمَّك يعني أبا بكر قال لا، وأثنى على أبي بكر رضي الله عنه، ولكنِّي سمعت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يقول إنِّي لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند موته إلَّا فرَّج الله عنه كربته وأشرق لونه، فذكر الحديث

(33)

عن كثير بن مُرَّة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال لنا معاذٌ في مرضه قد سمعت من رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم شيئًا

الثالث من الباب الأول (1) أى أحزننى وغير حالى (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن اسماعيل ثنا عامر وحدثنا محمد بن عبيد ثنا اسماعيل بن أبى خالد عن رجل عن الشعبى قال مر عمر بطلحة فذكر معناه، وفيه قال عمر أنا أخبرك بها الى آخره (3) يعنى التى أرادها النبى صلى الله عليه وسلم من عمه أبى طالب قبل موته إشفاقا عليه من أن يموت على الكفر فلم يوفق لقولها، فلا حول ولا قوة إلا بالله (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إبراهيم بن مهدى ثنا صالح بن عمر عن مطرف عن الشعبى عن يحيى بن طلحة الخ (5) أى فذكر بقية الحديث كما تقدم فى الطريق الأولى (تخريجه) أورد الهيثمي الطريق الأولى والثالثة منه وقال رواه أبو يعلى ورجاله ثقات (قلت) وروى الطريق الثالثة منه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى

(33)

عن كثير بن مرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنا أبى ثنا محمد بن بكر أنا عبد الحميد يعنى ابن جعفر ثنا صالح يعنى ابن أبى عريب عن كثير بن مرة الحديث"

ص: 56

كنت أكتمكموه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله وجبت له الجنَّة

(34)

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلًا من الأنصار (وفي رواية من بني النَّجَّار) فقال يا خال قل لا إله إلَّا الله، فقال أخالٌ أم عمٌّ؟ فقال لا بل خالٌ قال فخيرٌ لي أن أقول لا إله إلَّا الله؛ فقال النَّبيُّ صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم نعم

(35)

وعنه وأيضًا أنَّ غلامًا يهوديًا كان يضع للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله

(غريبه)(1) إنما كتم ذلك معاذ رضي الله عنه خوفًا من اتكالهم وعدم العمل، فلما أدركته الوفاة وجد أنه لا مناص من تبليغه تحرجا من كتمان العلم ولئلا يناله وعيد "من كتم علمًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار" رواه (حب. ك) وقال صحيح لا غبار عليه (2) أى لابد له من دخولها إما معجّلا معافى وإما مؤخرًا بعد عقابه، انظر كلام النووى فى شرح حديث حذيفة رقم 17 فى الباب الثانى من كتاب الجنائز صحيفة 42 (تخريجه)(د. ك) وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى

(34)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك الحديث" (غريبه)(3) خاطبه النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ (خال) لأنه من بنى النجار، وبنو النجار اخوال عبد المطلب جد النبى صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال، خير دور الأنصار دار بنى النجار فهم أوسط دور الأنصار وأخوال عبد المطلب (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أبو يعلى والبزار، ورجاله رجال الصحيح

(35)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مؤمّل ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس أن غلاما يهوديا الخ (غريبه)(4) الغلام فى الأصل الابن الصغير، وجمع القلة غلمة، وجمع الكثرة غلمان، ويطلق الغلام على الرجل مجازا باسم ما كان عليه، كما يقال للصغير شيخ مجازا باسم ما يؤول اليه، فيحتمل أن يراد بالغلام هنا الرجل بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فى آخر الحديث "الحمد لله الذى أخرجه بى من النار" فلو كان صغيرا لما قال ذلك صلى الله عليه وسلم لأن الصغير ممن رفع عنهم القلم، ويحتمل أن يراد به الصغير واختاره جماعة

ص: 57

نعليه؛ فمرض فأتاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعدٌ عند رأسه، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يا فلان، قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه، فأعاد عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبيه، فقال أبوه أطِع يا أبا القاسم فقال الغلام، أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّك رسول الله، فخرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى وآله وصحبه وسلَّم وهو يقول الحمد لله الَّذي أخرجه بي من النَّار

(36)

عن زاذان أبي عمر قال حدَّثني من سمع النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول، من لُقِّن عند الموت لا إله إلَّا الله دخل الجنَّة

من المحدثين، منهم الحافظ ابن حجر، واستدلوا به على تعذيب من لم يسلم إذا عقل الكفر والله أعلم (1) فيه دليل على كرم اخلاقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه ووفائه حيث كان يزور خدمه ويواسيهم ويعودهم اذا مرضوا، وان كانوا من غير المسلمين (2) ألهم الله أبا الغلام أن يقول ذلك تحقيقا لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم ولسعادة الغلام وانقاذه من النار ببركته صلى الله عليه وسلم وبنطقه بالشهادتين فى آخر لحظة من عمره، فجزاك الله أيها النبي الكريم، والسيد البر الرحيم، بما هو له أهل وما أنت له أهل (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام أحمد وسنده جيد، وأخرج نحوه الطبرانى فى الكبير من حديث صفوان بن عسال المرادى رضي الله عنه، قال "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلام من اليهود وهو مريض، فقال أتشهد أن لا اله الا الله قال نعم، قال أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال نعم، ثم قبض فوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فغسلوه ودفنوه (قال الهيثمى) واسناده حسن

(36)

عن زاذان أبى عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى قال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان أبى عمر الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وان كان قد تكلم فى عطاء بالنسبة لاختلاطه فى آخر عمره، وهذا الحديث يعضده ما عند الشيخين فى هذا الباب، وعطاء هو ابن السائب الثقفى أبو محمد الكوفى أحد الأئمة، قال ابن مهدى كان يختم كل ليلة، واختلط عطاء فسمع منه شعبة فى الاختلاط حديثين وجرير بن عبد الحميد وعبد الواحد بن زيد وأبو عوانة وهشيم وخالد بن عبد الله، قال ابن سعد مات سنة ست وثلاثين ومائة اهـ خلاصة، وقال فى التهذيب وثقة أحمد والنسائى والعجلى، وقال ابن معين جميع من روى عن عطاء فى الاختلاط الا شعبة وسفيان، قال ابن عدى واختلاطه في آخر عمره اهـ

ص: 58

(37)

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض بناته وهي تجود بنفسها فوقع عليها فلم يرفع رأسه حتَّى قبضت، قال فرع رأسه وقال الحمد لله، المرمن بخيرٍ، تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل

(38)

عن ابن بريدة (الأسلميَّ) عن أبيه رضي الله عنه أنَّه كان بخراسان فعاد أخاله وهو مريضٌ فوجده بالموت، وإذا هو يعرق جبينه فقال الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول موت المؤمن بعرق الجبين

(37) عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود بن عامر قال ثنا إسرائيل عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس الحديث" (غريبه) (1) لم أقف على من ذكر اسمها أو عرّفها، والظاهر أنها بنت احدى بناته صلى الله عليه وسلم وكانت صغيرة كما سيأتى فى بعض طرق الحديث عند الامام أحمد فى الباب الأول من أبواب البكاء على الميت أن النبى صلى الله عليه وسلم وضعها فى حجره حتى قبضت، وعند النسائى عن ابن عباس أيضًا قال "لما حضرت بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمها إلى صدره، ثم وضع يده عليها فقضت وهى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" ومعلوم أن بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلبه توفين وهنّ متزوجات، فظهر أنها بنت إحدى بناته، والله أعلم (3) أى تخرجها وتدفعها كما يدفع الانسان ماله يجود به، والجود الكرم، يريد أنها كانت فى النزع وسياق الموت (3) أى لأن الدنيا سجن المؤمن، وأمنية المسجون أن يخرج من سجنه، لاسيما إذا بشر بما أعده الله له ورأى منزلته فى الجنة (تخريجه)(نس) واسناده جيد، وأخرج نحوه مسلم عن صهيب، والبيهقى عن سعد بن أبى وقاص، والامام أحمد عن أبى هريرة، وتقدم فى الباب الحادى عشر من كتاب الايمان

(38)

عن ابن بريدة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا مثنى بن سعيد عن قتادة عن ابن بريدة الحديث" (غريبه) (4) قال العراقى فى شرح الترمذى اختلف فى معنى هذا الحديث فقيل إن عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت، وعليه يدل حديث ابن مسعود، قال أبو عبد الله القرطبى وفى حديث ابن مسعود "موت المؤمن بعرق الجبين يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازى بها عند الموت أو يشدد ليتمحض

ص: 59

(وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ المؤمن يموت بعرق الجبين

(39)

عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّا نوذنه لمن حضر من موتانا فيأتيه قبل أن يموت فيحضره ويستغفر له وينتظر موته، قال فكان ذلك ربَّما حبسه الحبس الطَّويل فشقَّ عليه، قال فقلنا أرفق برسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نوذنه بالميِّت حتَّى يموت، قال فكنَّا إذا مات منَّا الميت آذنَّاه به فجاؤ في أهله فاستغفر له وصلَّى عليه، ثمَّ إن

عنه ذنوبه" هكذا ذكره فى التذكرة ولم ينسبه الى من أخرجه من أهل الحديث؛ وقيل إن عرق الجبين يكون من الحياء، وذلك ان المؤمن اذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلم خجل واستحياء من الله تعالى، فيعرف بذلك جبينه (قال القرطبي) فى التذكرة قال بعض العلماء، انما يعرق جبينه حياء من ربه لما اقترف من مخالفته، لأن ما سفل منه قد مات وانما بقيت قوى الحياة وحركاتها فيما علاه، والحياء في العينين فذاك وقت الحياء، والكافر فى عمر من هذا كله، والموحد المعذب فى شغل عن هذا بالعذاب الذى قد حل به، وانما العرق الذى يظهر لمن حلت به الرحمة فانه ليس من ولى ولا صديق ولا برّ الا وهو مستحى من ربه مع البشرى والتحف والكرامات (قال العراقى) ويحتمل أن عرق الجبين علامة جعلت لموت المؤمن وان لم يعقل معناه اهـ والله أعلم (1)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المؤمن يموت بعرق الجبين (تخريجه)(نس. جه. ك) وقال هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى

(39)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا فليح عن سعيد بن عبيد عن السباق عن أبى سعيد الخدرى الحديث" (غريبه) (2) يعنى المدينة مهاجرا "كنا نوذنه" أى نعلمه (لمن حضر) أى احتضر وكان فى حالة النزع (3) بالتثقيل والتخفيف وقد جمعهما الشاعر فقال

ليس من مات فاستراح بميت _ إنما الميت ميّت الأحياء

وأما الحى فميّت بالتثقيل لا غير وعليه وقوله تعالى {انك ميّت وإنهم ميّتون}

ص: 60

بدا له أن يشهده انتظر شهوده، وإن بدا له أن ينصرف انصرف، قال فكنا على ذلك طبقة أخرى قال فقلنا أرفق برسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحمل موتانا إلى بيته ولا نشخصه ولا نعنيه قال ففعلنا ذلك فكان الأمر.

(1) أي يسير مع الجنازة حتى تدفن (2) أى مدة من الزمن (3) أى لا نكلفه بالحضور الى أهل الميت فى منزلهم (ولا نعنيه) أى لا ندخل عليه التعب والمشقة بهذا الخصوص (وقوله فكان الأمر) يعنى على ذلك الى وفاته صلى الله عليه وسلم وفيه استحباب حضور الصالحين وأهل الفضل عند المحتضر وصلاتهم عليه اذا مات (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وسنده جيد (وفى الباب) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رفعه قال "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فان نفس المؤمن تخرج رشحا ونفس الكافر تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار" رواه الطبرانى فى الكبير وإسناده حسن (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقنوا موتاكم شهادة أن لا اله الا الله، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة" قالوا يا رسول الله فمن قالها فى صحته؟ قال تلك أوجب وأوجب ثم قال "والذى نفسى بيده لو جئ بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن فى كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا اله الا الله فى الكفة الأخرى لرجحت بهن" رواه الطبرانى ورجاله ثقات الا ابن طلحة لم يسمع من ابن عباس، قاله الهيثمي (وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان المؤمن عندى بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه" قال الهيثمى رواه البزار عن شيخه أحمد بن أبان القرشى ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المؤمن يموت بعرق الجبين" رواه الطبراني فى الأوسط، وفى الكبير نحوه فى حديث طويل ورجاله ثقات ورجال الصحيح (الأحكام) فى أحاديث الباب مشروعية تلقين المحتضر لفظ (لا إله إلا الله) وبذلك قال جمهور العلماء (قال النووى) وقال جماعات يلقنه الشهادتين "لا اله الا الله محمد رسول الله" ممن صرح به القاضى أبو الطيب فى تعليقه وصاحب الحاوى وسليم الرازى ونصر المقدسى فى الكافى والجرجانى فى التحرير والشاشى فى المعتمد وغيرهم، ودليلهم أن المقصود تذكر التوحيد وذلك يقف على الشهادتين؛ ودليل الجمهور أن هذا موحد، ويلزم من قوله لا اله الا الله الاعتراف بالشهادة الأخرى فينبغي الاقتصار على لا اله الا الله لظاهر الحديث، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء، وينبغى أن لا يلح عليه فى ذلك وأن لا يقول له قل لا اله الا الله خشية أن يضجر فيقول لا أقول، أو يتكلم بغير هذا

ص: 61

(2)

باب قراءة يس عند المحتضر

وما جاء في شدة الموت ونزع الروح وتغميض عيني الميت والدعاء له

(40)

حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة لنا صفوان حدثنى المشيخة أنهم حضروا غضيف بن الحارث الثمالي حين اشتد سوقه فقال هل منكم أحد يقرأ يس؟ قال فقرأها صالح بن شريح السكونى، فلما بلغ أربعين منها قبض قال فكان المشيخة يقولون إذا قرئت عند الميت

من الكلام القبيح، ولكن يقولها بحيث يسمعه معرّضا له ليفطن فيقولها، وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاود ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر، هكذا قال الجمهور لا يزاد على مرة، وقال جماعة من أصحابنا يكررها عليه ثلاثا ولا يزاد على ثلاث، ممن صرح بهذا سليم الرازى فى الكفاية والمحاملى وصاحب العدة وغيرهم اهـ (وفى أحاديث الباب) أيضا استحباب حضور الصالحين ومن ترجى بركتهم عند المحتضر والدعاء له بالمغفرة وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه (وفيها أيضا) دليل على جواز استخدام المشرك وعيادته اذا مرض (وفيها) حسن العهد واستخدام الصغير وعرض الاسلام على الصبى (قال الحافظ) ولولا صحته منه ما عرضه عليه، قال وفى قوله "انقذه بى من النار" دلالة على أنه صح اسلامه، وعلى أن الصبى اذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب اهـ (قلت) وسيأتى الكلام على ذلك فى باب ما جاء فى أولاد المشركين من كتاب قيام الساعة عند ذكر الجنة والنار ان شاء الله تعالى (وفيها) أيضا أن من علامات حسن الخاتمة وقبول الميت عرق جبينه عند خروج روحه، وتقدم الكلام على ذلك فى الشرح (وفيها غير ذلك) نسأل الله حسن الخاتمة والوفاة على دين الاسلام آمين

(40)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) بوزن لطيفة جمع شيخ، وهو من استبانت فيه السن، أو من خمسين أو احدى وخمسين الى آخر عمره أو إلى الثمانين، ويقال شيخ أيضا لمن يراد تبجيله من أهل العلم (2) أى أشتد النزع به كأن روحه تساق لتخرج من بدنه، ويقال له السياق أيضا وأصله سواق فقلبت الواو ياء لكسرة السين، وهما مصدران من ساق يسوق "نه"(3) أى أربعين آية وهو يوافق آخر الآية من قوله تعالى {لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"

ص: 62

خفف عنه بها، قال صفوان وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد.

(41)

عن معقل بن يسار رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، قال يس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدار الآخرة إلا غفر له، واقرءوها على موتاكم "وعنه من طريق ثان"

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوها على موتاكم يعني يس.

(تخريجه) لم أقف على هذا الأثر لغير الامام أحمد، وفى اسناده من أبهم، وذكره الحافظ فى التلخيص ثم قال، وأسنده صاحب الفردوس من طريق مروان بن سالم عن صفوان ابن عمرو عن شريح عن أبى الدرداء وأبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس الَاّ هون الله عليه" قال وفى الباب عن أبى ذر وحده، أخرجه أبو الشيخ اهـ

(41)

عن معقل بن يسار (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عارم ثنا معتمر عن أبيه عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البقرة سنام القرآن، وذروته ونزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت الله لا اله الا هو الحي القيوم من تحت العرش فوصلت بها أو توصلت بسورة البقرة؛ ويس قلب القرآن الحديث" (غريبه) (1) قلب كل شيء لبه وخالصه، وانما كانت يس لب القرآن لاشتمالها على أصول العقائد وإثبات التوحيد ونفى التعدد وأمارات الساعة والحساب والجزاء ولذلك استحب قراءتها عند المحتضر ليتعظ ويستأنس بما فيها من ذكر أحوال القيامة وغيرها، والله أعلم (3) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عارم ثنا عبد الله بن المبارك ثنا سليمان التيمى عن أبى عثمان وليس بالهدى عن أبيه عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث" والرجل المبهم فى اسناد الطريق الأولى هو أبو عثمان النهدى عن أبيه كما صرح به فى هذا الطريق (تخريجه)(.د. نس. جه. حب. ك) بسند حديث الباب (قال الحافظ) ولم يقل النسائى وابن ماجه عن أبيه اهـ وقال صاحب التنقيح الحديث سكت عنه أبو داود والمنذرى ورجاله رجال الحسن، ورواه أيضا أحمد والنسائى فى السنن وفى عمل اليوم والليلة والحاكم وابن حبان وصححه، وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبى عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربى عن الدارقطنى أنه قال هذا حديث ضعيف الاسناد مجهول المتن ولا يصح فى الباب حديث، وكذا ضعف هذا الحديث النووى فى الأذكار، وقال ابن حبان فى صحيحه عقب حديث معقل هذا أراد بالموتى من حضرته

ص: 63

(42)

عن أم سلمة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرتم الميت أو المريض فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون قالت فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، فقال قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة، قالت فقلت فأعقبني الله عز وجل من هو خير لي منه محمدًا صلى الله عليه وسلم.

(43)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يلق ابن آدم شيئًا قط خلقه الله أشد عليه من الموت.

المنية، لا أن الميت يقرأ عليه، وردّه المحب الطبرى، وقال بعضهم اللفظ نص فى الأموات وتناوله للحيى المحتضر مجاز فلا يصار اليه إلا لقرينة، ويمكن أن يجعل قرينة ذلك المجاز ما عند أحمد بفلظ حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان قال كان المشيخة يقولون إذا قرئت (يس) عند الميت خفف الله عنه بها، وما عند صاحب مسند الفردوس من طريق مروان ابن سالم عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبى الدرداء وأبى ذر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه" ولعل ذلك لأن سورة "يس" مشتملة على أصول العقائد فيتقوى بسماعها التصديق والأيمان حتى يموت وصفوان بن عمر الضبى الحمصى، هذا قال النسائى لا بأس به اهـ

(42)

عن أم سلمة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن شقيق عن أم سلمة الحديث" (غريبه) (1) فيه الندب الى قول الخير حينئذ من الدعاء والاستغفار له وطلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه، وفيه حضور الملائكة حينئذ وتأمينهم على الدعاء بقولهم "استجب يا ألله" (2) من الأعقاب أى أبدلنى وعوضنى (منه) أى فى مقابلته (عقبى) كبشرى أى بدلا صالحا، فأعقبها الله عز وجل من هو خير منه، إذ تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وصار لها بعلا يدل أبى سلمة رضي الله عنه (تخريجه)(م. د. نس. وغيرهم)

(43)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حصن ثنا سكين قال ذكر ذاك أبى عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"

ص: 64

ثم إن الموت لأهون مما بعده.

(44)

عن عائشة رضى الله عنها قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول اللهم أعنى على سكرات الموت.

(45)

وعنها أيضًا قالت توفى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أو قبض أو مات وهو بين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد بعد الذي رأيت برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

(46)

عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضى الله عنه لما قالت فاطمة

(غريبه)(1) الظاهر أن هذا بالنسبة للكافر والعاصى، وأما الرجل الصالح فما بعد الموت أهون عليه منه، والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد، ورجاله موثقون

(44)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ليث عن يزيد عن موسى بن سرجس عن القاسم بن محمد عن عائشة الحديث" (غريبه) (2) أى وهو فى حالة النزع وقولها "ثم يمسح وجهه بالماء" أى دفعا لحرارة الموت أو دفعًا لغشيانه وكريه (3) أى شدائده، جمع سكرة بسكون الكاف، وهى شدة الموت أى أعنّى على دفعها، وفى لفظ عند الترمذى "اللهم أعنى على غمرات الموت وسكرات الموت" قال سراج أحمد فى شرح الترمذى: هو عطف بيان لما قبله، والظاهر أن يراد بالأولى الشدة وبالأخرى ما يترتب عليها من الدهشة والحسرة الموجبة للغفلة، وقال القاضى عياض فى تفسير قوله تعالى {وجاءت سكرة الموت بالحق} ان سكرته الذاهبة بالعقل اهـ (تخريجه)(نس. جه. مذ) وقال هذا حديث غريب

(45)

وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا منصور بن سلمة قال أنا ليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(4) الحاقنة الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق (والذاقنة) الذقن، وقيل طرف الحلقوم (تخريجه)(خ. وغيره)

(46)

عن ثابت البنانى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا

ص: 65

ذلك يعني لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد قالت فاطمة واكرباه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنية إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدًا لموافاة يوم القيامة.

(47)

عن شداد بن أوس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرًا فإنه يؤمن على ما قال أهل البيت.

المبارك عن ثابت البنانى عن أنس الحديث" (غريبه) (1) قالت ذلك فاطمة رضي الله عنها تندب أباها لما رأت ما حل به من الكرب عند النزع، فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم "يا بنية انه قد حضر بأبيك الخ" والمعنى لا تحزنى واصبرى فان ما نزل بأبيك من الموت والكرب لابد لكل أحد منه، لأنه الطريق الموصل من دار الدنيا الى الآخرة، ومعلوم أن العبث لا محيص عنه "لتجزى كل نفس بما تسعى" والبعث لا يكون الا بعد الموت (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد، وسنده جيد

(47)

عن شداد بن أوس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ابن موسى قال ثنا قزعة حدثنى حميد الأعرج عن الزهرى عن محمود بن لبيد عن شداد ابن أوس الحديث" (غريبه) (2) أى أطبقوا الجفن الأ على على الجفن الأسفل (33) معناه أن الروح اذا خرج من الجسد يتبعه البصر ناظرًا أين يذهب، وحينئذ لا فائدة فى بقاء البصر مفتوحا الا تشويه الخلقة، فشرع اغماض البصر اكرامًا للميت من تشويه خلقته (قال النووى) وفى الروح لغتان التذكير والتأنيث، وهذا الحديث دليل للتذكير وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متخللة فى البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها، وليس عرضا كما قاله آخرون ولا دما كما قاله آخرون وفيها كلام متشعب للمتكلمين اهـ (4) أى ادعو للميت بالمغفرة ونحوها، وللمصاب بجبر المصيبة وبالصبر ونحوه، فان الملائكة تؤمّن على هذا الدعاء تقول آمين، أى استجب يا ربنا، ودعاؤهم مستجاب (تخريجه) (جه. طب. بز. ك) وقال هذا حديث صحيح الاسناد؛ ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى (وفى الباب) عن أم سلمة رضى الله عنها قال "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال ان الروح اذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، لا تدعو على أنفسكم الا بخير، فان الملائكة يؤمنون

ص: 66

على ما تقولون، ثم قال اللهم اغفر لأبى سلمة وارفع درجته فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين، وافسح له فى قبره ونوّر له فيه" رواه مسلم وأبو داود والبيهقى (وعن سليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يعود رجلا من الأنصار فلما دخل عليه وضع يده على جبينه فقال كيف تجدك؟ فلم يحر اليه شيئا، فقيل يا رسول الله إنه عنك مشغول، فقال خلُّوا بينى وبينه، فخرج الناس من عنده وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فأشار المريض أن أعد يدك حيث كانت، ثم ناداه يا فلان ما تجد؟ قال أجدنى بخير، وقد حضرنى اثنان أحدهما أسود والآخر أبيض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أقرب منك؟ قال الأسود، قال ان الخير قليل وإن الشر كثير؛ قال فمتّعنى منك يا رسول الله بدعوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر الكثير وأنم القليل، ثم قال ما ترى؟ قال خيرا بأبي أنت وأمى، أرى الخير ينمى وأرى الشر يضمحل وقد استأخر عنى الأسود، قال أى عملك أملك بك؟ قال كنت أسقى الماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمع يا سليمان هل تنكر منى شيئا؟ قال نعم بأبى وأمى قد رأيتك فى مواطن ما رأيتك على مثل حالك اليوم، قال انى أعلم ما يلقى، ما منه من عرق الا وهو يألم الموت على حدته" رواه البزار وفيه موسى ابن عبيدة الربذى ضعيف (وعن أبى قتادة) أن البراء بن معرور رضي الله عنه أوصى أن يوجه للقبلة اذا احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب الفطرة، ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه (وعن سلمى أم أبى رافع) أن فاطمة رضى الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها رواه الامام أحمد وسيأتى فى وفاة فاطمة رضي الله عنها فى باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله (الأحكام) فى أحاديث الباب دليل على استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر أو الميت، وانهما ينتفعان بالقراءة اذا قصد بها وجه الله عز وجل (قال الطيبى) والسر فى ذلك أن السورة الكريمة مشحونة بتقرير أمهات الأصول وجميع المسائل المعتبرة من كيفية الدعوة وأحوال الأمم واثبات القدر، وأن أفعال العباد مستندة الى الله تعالى وإثبات التوحيد ونفى التعدد وأمارات الساعة وبيان الأعادة والحشر وحضور العرصات والحساب والجزاء والمرجع اهـ (وفيها) دلالة على فضل سورة يس، وقد ورد فى فضلها أحاديث كثيرة لا تخلو من ضعف (منها)"إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات دون يس" رواه الترمذى عن أنس وقال حديث غريب اهـ وضعفه الحافظ السيوطى (ومنها) من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له" الحافظ السيوطى (ومنها) من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له" رواه مالك وابن السنى وابن حبان فى صحيحه عن جندب (ومنها) من قرأ يس كل ليلة غفر له رواه البيهقى عن أبى هريرة باسناد ضعيف (وفى أحاديث الباب أيضا) أنه ينبغى لمن حضر الميت أن

ص: 67

لا يقول إلا خيرا كالدعاء والاستغفار للميت، وينبغى لأهل الميت أن يدعوا له بالمغفرة ولأنفسهم بالصبر والأكثار من قول الله تبارك وتعالى {إنا لله وإنا اليه راجعون} فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول انا لله وانا اليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى وأخلف لى خيرًا منها" الا أجره الله فى مصيبته وأخلف له خيرا منها" قالت فلما توفى أبو سلمة قلت كما أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لى خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم والامام أحمد وغيرهما، وسيأتى فى باب ما يقول المصاب عند المصيبة من كتاب الصبر ان شاء الله (وفيها أيضا) حضور الملائكة وتأمينهم على ما يقولون (وفيها) مشروعية تغميض عينى الميت بعد موته مباشرة (قال النووى) وأجمع المسلمون على ذلك (وفيها أيضا) دليل على صعوبة الموت وشدته حتى على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليعلم الناس أن الله عز وجل وحده هو المنفرد بالقهر والسلطان والغلبة، وأن كل ذى روح لابدّ له من ذوق مرارة الموت سواء أكان أميرا أم حقيرا؛ وليا أم نبيا (وفيما ذكرنا فى الشرح) دليل على توجيه المحتضر الى القبلة (قال الشوكانى) وقد اختلف فى صفة التوجيه الى القبلة فقال الهادى والناصر والشافعى فى أحد قوليه، إنه يوجه مستلقيا ليستقبلها بكل وجهه (وقال المؤيد باله وأبو حنيفة والامام يحيى والشافعى) فى أحد قوليه إنه يوجه على جنبه الأيمن لما أخرجه ابن عدى فى الكامل ولم يضعفه من حديث البراء بلفظ "اذا أخذ أحدكم مضجعه فليتوسد يمينه الحديث وأخرجه البيهقى فى الدعوات قال الحافظ حسن، وأصل الحديث فى الصحيحين بلفظ "اذا أويت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل اللهم انى أسلمت نفسي اليك وفى آخره فان مت من ليلتك فأنت على الفطرة"(وفى الباب) عن عبد الله" ابن زيد عند النسائى والترمذى وأحمد بلفظ "كان اذا نام وضع يده اليمنى تحت خده" (وعن ابن مسعود) عند النسائى والترمذى وابن ماجه؛ وعن حفصة عند أبى داود؛ وعن حذيفة عند الترمذى، وعن أبى قتادة عند الحاكم والبيهقى بلفظ "كان اذا عرَّس وعليه ليل توسد يمينه" وأصله فى مسلم، قال ووجه الاستدلال بأحاديث توسد اليمين عند النوم على استحباب أن يكون المحتضر عند الموت كذلك أن النوم مظنة للموت، وللاشارة بقوله صلى الله عليه وسلم "فان مت من ليلتك فأنت على الفطرة" بعد قوله "ثم اضطجع على شقك الأيمن" فانه يظهر منها أنه ينبغى أن يكون المحتضر على تلك الهيئة اهـ باختصار (وفيها) ان عمل الانسان يتصور له عند الاحتضار، فان كان حسنا تصور له بصورة حسنة ينشرح لها صدره ويزول بها كربه، وان كان خبيثا تصور له بصورة

ص: 68

(6)

باب إذا أراد الله قبض عبد

(بأرض يجعل له فيها حاجة وما جاء في موت الفجأة)

(48)

عن مطر بن عكامس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى الله ميتة عبد بأرض جعل له إليها حاجة "وعنه من طريق ثان" قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا يقدر لأحد يموت بأرض إلا حببت إليه وجعل له إليها حاجة.

خبيثة تزيده كربا على كربه وارتباكا فى هذا الوقت العصيب ربما ساءت خاتمته بسببه؛ نعوذ بالله من ذلك؛ ونسأله السلامة وحسن الخاتمة آمين

(48)

عن مطر بن عكامس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو بكر ابن أبى شيبة ثنا أبو داود الحفرى عن سفيان عن أبى اسحاق عن مطر بن عكامس الحديث" (1) وعنه من طريق ثان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر الوركانى ثنا خديج أبو سلمات عن أبى اسحاق عن مطر بن عكامس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدَّر الخ (تخريجه) (ك. مذ) وقال حسن غريب ولا يعرف لمطر غير هذا الحديث (قلت) وله شاهد عند الحاكم عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال "مر النبى صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر فقال قبر من هذا؟ فقالوا فلان الحبشى يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله الله، لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه إلى تربته التى منها خلق" هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قال ولهذا الحديث شواهد وأكثرها صحيحة ثم ساقها بأسانيدها (منها) عن جندب بن سفيان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها أو بها حاجة (ومنها) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا كانت منية أحدكم بأرض أتيحت له الحاجة فيقصد اليها فيكون أقصى أثر منه فيقبض روحه، فتقول الأرض يوم القيامة رب هذا ما استودعتنى (ومنها) عن عروة بن مضرّس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له اليها حاجة" هذه الأحاديث ذكرها الحاكم وأقرها الذهبى (وقد اختلف فى صحبة مطر) راوى الحديث فبعضهم قال ليس له صحبة وبعضهم أدخله فى الصحابة، قال عبد الله بن الامام أحمد سألت أبى عنه: هل له صحبة؟ فقال لا يعرف: قلت فله

ص: 69

(49)

عن أبي عزة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى إذا أراد قبض روح عبد بأرض جعل له فيها أو قال بها حاجة.

(50)

عن عائشة رضى الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة فقال راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر.

رؤية؟ قال لا أدري اهـ. والله أعلم

(49)

عن أبى عزة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل قال أنا أيوب عن أبى المليح بن أسامة عن أبى عزة الحديث" (عريبه)(1) اسمه يسار واختلف فى اسم أبيه، فقيل يسار بن عبدة، وقيل ابن عبيد. وقيل ابن عبد. وقيل ابن عمرو، وقيل ابن عبد الله (قال الحافظ) والأول أكثر وبه جزم البخارى (تخريجه)(مذ) وقال أبو عزة ماله صحبة واسمه يسار بن عبيد

(50)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا عبيد الله ابن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة الحديث" (غريبه) (2) بفتح الفاء وسكون الميم ثم همزة مفتوحة أى البغتة، وفى بعض الروايات الفجاءة بضم الفاء وفتح الجيم ممدودة، قال فى النهاية: يقال فجئه الأمر وفجأه فجاءة بالضم والمد وفاجأه مفاجأة اذا جاء بغتة من غير تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد على المرة اهـ (3) أى لأنه مستعد للموت بالأعمال الصالحة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "أكثروا ذكر هاذم اللذات" وتقدم فى الباب الأول فهو يتذكر الموت دائما ويعمل له، فاذا أتاه الموت فجأة لا يضره بشئ، بل يريحه من نصب الدنيا وعنائها "وقوله وأخذة أسف للكافر" الأسف بفتح السين المهملة معناه الغضب، يعنى أن موت الفجأة للفاجر من آثار غضب الله عز وجل، لأنه لم يتركه لأن يستعد للآخرة بالتوبة ولم يمرضه ليكفّر ذنوبه وقد استعاذ النبى صلى الله عليه وسلم من موت الفجأة كما ورد فى كثير من الأحاديث (تخريجه) (هق. طس) وفى اسناده عبيد الله بن الوليد الوصَّانى ضعيف لكن يشهد له ما رواه البيهقى فى شعب الايمان عن عبيد بن خالد السلمة مرفوعا بلفظ "موت الفجأة أخذة الأسف للكافر ورحمة للمؤمن" ورواه البيهقى فى السنن وأبو داود بسنديهما عن عبيد بن خالد السلمى أيضا رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال مرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال مرة عن عبيد قال "موت الفجأة أخذة أسف" قال المنذرى هذا الحديث رجال اسناده ثقات والوقف فيه

ص: 70

(7)

باب ما يراه المحتضر ومصير الروح بعد مفارقة الجسد

(52)

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه

لا يؤثر، فان مثله لا يؤخذ بالرأى، وكيف وقد أسنده مرة الراوى، قال وقد روى هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبى هريرة وعائشة، وفى كل منها مقال اهـ بتصرف (ورواه البيهقى) أيضا فى السنن بسنده عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال سألت عائشة رضي الله عنها عن موت الفجأة أيكره؟ قالت لأى شئ يكره؟ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال "راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر" قال ورواه سفيان الثورى عن عبيد الله موقوفا عن عائشة رضى الله عنها (وفى الباب) عن أبى أمامة رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من موت الفجأة وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت" قال الهيثمى رواه الطبرانى فى الكبير، وفيه عثمان بن عبد الرحمن القرشى وهو متروك (الأحكام) فى أحاديث الباب دلالة على إثبات القدر وأن الله تعالى اذا أراد موت عبد بأرض جعل له اليها حاجة فيذهب اليها ليموت بها تنفيذا لما قدره الله عز وجل من أن كل انسان يدفن فى الأرض التى خلق منها، فقد ثبت أن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الارض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك، رواه أبو داود والترمذى والحاكم والبيهقى والامام أحمد. وسيأتى فى باب خلق آدم عليه السلام من كتاب خلق العالم، وصححه الحافظ السيوطى، ولما رواه الحاكم وصححه من قصة الحبشى، وتقدم فى الشرح، وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه الى تربته التى منها خلق" وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث الباب "إذا قضى الله ميتة عبد بأرض جعل له اليها حاجة"(وفيها أيضا) دليل على أن موت الفجأة مذموم، لأن من مات فجأة لا يمكنه الاستعداد للتوبة والوصية ونحو ذلك ولحرمانه من ثواب المرض الذى يكفّر الذنوب، فاذا مات الكافر أو الفاجر فجأة كان ذلك من غضب الله تعالى عليه لعدم تدارك ما فاته من التفريط؛ وإذا أصيب به المؤمن الصالح كان راحة له من عناء الدنيا، لأنه مستعد للآخرة بالأعمال الصالحة، وتقدم الكلام على ذلك فى الشرح. وقد نقل عن (الامام أحمد) وبعض الشافعية كراهية موت الفجأة، ونقل النووى عن بعض القدماء أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا كذلك (قال النووى) وهو محبوب للمراقبين. والله أعلم

(52)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن

ص: 71

وعلى آله وصحبه وسلم، إن الميت يحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أخرجي حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا يزال يقال ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا؟ فيقال فلان، فيقولون مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أدخلي حميدة وأبشرى بروح وريحان ورب غير غضبان، قال فلا يزال يقال لها حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل وإذا كان الرجل السوء

ابن محمد حدثنا ابن أبى ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبى هريرة الحديث" (غريبه) (1) أى المحتضر وسمى ميتا لكونه فى حكم الميت ولأنه قارب الموت وما قارب الشئ يعطى حكمه "وقوله تحضره الملائكة" الظاهر أنهم أعوان عزرائيل عليه السلام، ويحتمل أن يكونوا غيرهم نزلوا لاستقبال روح هذا العبد الصالح تشريفا له (2) الرَّوح بفتح الراء الرحمة "والريحان" الطيب، وتقدم الكلام على ذلك فى شرح الحديث الثالث من الباب الأول من كتاب الجنائز (3) أى تصعد بها الملائكة الى السماء الدنيا ويطلبون أن تفتح لها السماء الدنيا ويطلبون أن تفتح لها السماء (4) أى فلا يزال أهل كل سماء يحيونها بقولهم مرحبا بالنفس الطيبة الخ (5) أى السماء السابعة كما سيأتى فى حديث البراء، أما كون الله عز وجل فى السماء فهذا مما نؤمن به ونكل علم حقيقته الى الله جل شأنه، وقد جاء مثل ذلك فى القرآن: قال تعالى {أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض فاذا هى تمور * أم أمنتم من فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا" وفى القرآن غير ذلك كثير، وفى الحديث أيضا عن معاوية بن الحكم السليمي رضي الله عنه، قال كانت لى غنم بين أحد والجوانية فيها جارية لى فاطَّلعتها ذات يوم، فاذا الذئب قد ذهب منها بشاة، وأنا رجل من بنى آدم فأسفت فصككتها، فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعظَّم ذلك علىَّ، فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال ادعها. فدعوتها فقال لها أين الله؟ قالت فى السماء؛ وقال من أنا. قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعتقها فانها مؤمنة" هذا حديث صحيح رواه مسلم والامام أحمد وأبو داود وغير واحد من الأئمة فى تصانيفهم يمرونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويل ولا تحريف فنحن نؤمن بما جاء فى كتاب الله وصحيح السنة من صفاته عز وجل، كما نؤمن بذاته المقدسة

ص: 72

قالوا اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشرى بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فلا يزال حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقال فلان، فيقال لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، أرجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء ويقال له مثل ما قيل في الحديث الأول

عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية، فكذلك القول فى صفاته نؤمن بها ونعقل وجودها ونعلمها فى الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكفيها أو نمثلها بصفات خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"(1) الحميم هو الماء الحار الذى قد انتهى فى الحرارة ولا يستطاع من شدة حره، وحمّ الماء سخنه وبابه ردّ؛ وحمّ الماء بنفسه صار حارًا، والغسَّاق بتشديد السين المهملة وتخفيفها ضد الحميم، وهو البارد الذى لا يستطاع من شدة برده، ولهذا قال "وآخر من شكله أزواج" أى وأشياء من هذا القبيل السيئ وضده يعاقبون بها (وقال قتادة) الغساق هو ما يغسق أى يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة، من قولهم غسقت عينه إذا انصبت والغسقان الانصباب؛ وقال الحسن البصرى فى قوله تعالى {وآخر من شكله أزواج} ألوان من العذاب؛ وقال غيره كالزمهرير والسموم وشراب الحميم وأكل الزقوم إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة، والجميع مما يعذبون به ويهانون بسببه، نسأل الله السلامة (2) هذا بعد رجوع روحه الى القبر استعددًا لسؤال الملكين "فيقال له مثل ما قيل فى الحديث الأول" يعنى مرحبًا بالنفس الطيبة الخ (3) أى بعد مصير روحه إلى القبر أيضا "فيقال له مثل ما قيل فى الحديث الأول" لا مرحبا بالنفس الخبيثة الخ وإلى هنا انتهى الحديث، وسيأتى كيفية جلوسه وسؤال الملكين إياه فى شرح حديث البراء الآتى حيث ذكر فيه ذلك (تخريجه) الحديث رواه ابن ماجه بألفاظ حديث الباب، قال فى التنقيح ورجاله رجال الصحيح، قال ولحديث أبى هريرة هذا ألفاظ عند أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه وابن حبان اهـ

ص: 73

(53)

عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه، فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثًا، ثم قال، إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال فيصعدون بها فلا يمرون يعنى بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب.

(53) عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن منهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب الحديث" (غريبه) (1) أى قبل إدخال الميت فى اللحد وهو الشق بجانب القبر (2) هو كناية عن السكون أى كأن على رأس كل واحد منا الطير يريد صيدها، ومن لوازمه السكون وعدم الحركة (3) النكتة أن تضرب فى الأرض بقضيب فيؤثر فيها، ويسمى المعنى الدقيق نكته لأن عادة المتفكر أن ينكت (4) أى اذا دنا أجله وصار فى حالة الاحتضار (5) الحنوط بفتح الحاء المهملة، ويقال الحناط أيضا، وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة، وقد سئل عطاء أىّ الحناط أحب اليك؟ قال الكافور (6) يريد خروج روحه بسهولة كسهولة تقطير الماء من فم القربة (7) أى يفوح منها كأطيب رائحة مسك وجدت على وجه الأرض (8) أى جماعة "وقوله ما هذا الروح"

ص: 74

فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلي السماء السابعة، فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله، فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما علمك، فيقول قرأت كتاب الله فآمنت

الروح بضم الراء يذكر ويؤنث (1) أى يتبعه ويسير معه من كل سماء مقربوها، أى رؤساؤها المقربون عند الله من الملائكة (2) قال الامام البغوى روينا عن البراء مرفوعا أن عليين فى السماء السابعة تحت العرش، وقال ابن عباس هو لوح من زبر جدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه "يعنى أعمال الأبرار" وقال كعب وقتادة هو قائمة العرش اليمنى، وقال عطاء عن ابن عباس هو الجنة، وقال الضحاك سدرة المنتهى، وقال بعض أهل المعانى علو بعد علو، وشرف بعد شرف، ولذلك جمعت بالياء والنون، وقال الفراء هو اسم موضوع على صيغة الجمع لا واحد له من لفظه مثل عشرين وثلاثين اهـ (قال الحافظ ابن كثير) والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشئ وارتفع عظم واتسع ولهذا قال تعالى معظّما أمره ومفخّما شأنه "وما أدراك ما عليوم" اهـ (3) أى فيحيا حياة مؤقتة بقدر ما يمكنه سماع السؤال وردّ الجواب، وليست كالحياة المستقرة المعهودة فى الدنيا التى تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه وتحتاج إلى ما يحتاج اليه الأحياء، بل هى مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذى وردت به الأحاديث الصحيحة، فهى اعادة عارضة كما أحيا الله خلقا لكثير من الأنبياء لمسألتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى، قاله الحافظ (4) زاد ابن حبان من طريق أبى سلمة عن أبى هريرة، فاذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله، وفعل المعروف من قبل رجليه، فيقال له اجلس فيجلس (5) يعنى بالرجل النبى صلى الله عليه وسلم وإنما يقوله فى هذه العبارة التي ليس فيها تعظيم امتحانًا للمسئول لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة السائل، ثم يثبت الله الذين آمنوا

ص: 75

به وصدقت، فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره (1) قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول أنا عملك الصالح، فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي وقال وإن العبد الكافر (2) إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة (3) نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح (4) فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء

(1) في رواية عند مسلم والامام أحمد وسيأتى فى باب ما جاء فى هول القبر الخ من حديث أنس "انه يفصح له فى قبره سبعون ذراعا، ونقل النووى عن القاضى عياض أنه قال يحتمل أن يكون هذا الفسح له على ظاهره، وأنه يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه اذا ردت اليه روحه، قال ويحتمل من الحجي الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه اذا ردت اليه روحه، قال ويحتمل أن يكون على ضرب المثل والاستعارة للرحمة والنعيم، كما يقال سقى الله قبره، والاحتمال الأول أصح والله أعلم اهـ (2) فى رواية أبى داود، وإن الكافر إذا وضع، وكذا لأبن حبان من حديث أبى هريرة، وفى رواية للبخارى من حديث أنس، وأما المنافق والكافر بواو العطف، وله في أخرى "وأما الكافر أو المنافق بالشك" وللأمام أحمد فى رواية أخرى وستأتى من حديث أبى سعيد "وان كافرا أو منافقا بالشك" وله فى حديث أسماء "فان كان فاجرًا أو كافرًا" وفى الصحيحين من حديثها "وأما المنافق أو المرتاب" وفى حديث جابر عند عبد الرازق وحديث أبى هريرة عند الترمذى "وأما المنافق" وفى حديث عائشة عند الأمام أحمد وسيأتى أيضا، وأبى هريرة عند ابن ماجه "وأما الرجل السوء" وللطبرانى من حديث أبى هريرة "وان كان من أهل الشك" فاختلفت هذه الروايات لفظا وهى مجتمعة على أن كلا من الكافر والمنافق يسأل، فهى ترد على من زعم أن الكافر لا يسأل (3) أى فى حالة الاحتضار كما تقدم فى الشق الأول (4) جمع المسح بالكسر وهو اللباس الخشن الممقوت، وهو فى مقابلة قوله في الشق الأول الخاص بالمؤمن معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط الجنة، والمعنى أن روح الكافر يجعل في هذه المسوح

ص: 76

ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال فتفرق في جسده (1) فينتزعها كما ينتزع السفود (2) من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث، فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تفتح لهم أبواب السماء (3) ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين (4) في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحًا، ثم قرأ "ومن يشرك بالله فكأنما خر

وروح المؤمن تجعل فى تلك الأكفان (1) هو كناية عن شدة الرعب والفزع، وكأنها تريد الهرب عند سماع هذه الجملة (2) على وزن تنور وهى حديدة ذات شعب يشوى بها اللحم فكما يبقى معها بقية من المحروق كذلك تصحب عند الجذب شيئا من الصوف المبلول وهو كناية عن تمزيق جسمه وصعوبة خروج روحه؛ فعوذ بالله من ذلك (3) أى لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء ورواه الضحاك عن ابن عباس وقاله السدى وغير واحد، وقيل المراد لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء، قال مجاهد وسعيد بن جبير، وقال ابن جرير لا تفتح لأعمالهم ولا لأرواحهم، وهذا فيه جمع بين القولين، والله أعلم (4) قال الحسن البصرى، معناه حتى يدخل البعير فى خرق الابرة، وكذا قال أبو العالية والضحاك، وكذا روى عن على بن أبى طلحة والعوفى عن ابن عباس، وقال مجاهد وعكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرؤها يلج الجمَّل بضم الجيم وتشديد الميم يعنى الحبل الغليظ فى خرق الإبرة وهذا اختيار سعيد بن جبير وفى رواية أنه قرأ حتى يلج الجمل يعنى قاموس السفن وهى الحبال الغلاظ (5) السجين فعيل من السجن وهو الضيق كما يقال فسّيق وشرّيب وخِّمير وسكِّير، ونحو ذلك، ولهذا أعظم الله أمره فقال عز من قائل "وما أدراك ما سجين" أى هو أمر عظيم وسجن مقيم وعذاب أليم، وقد فسر فى الحديث بأنه في الأرض السفلى

ص: 77

من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق" فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان له ما دينك؟ فيقول هاه هاه لا أدرى، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدرى، فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول أنا عملك الخبيث، فيقول رب لا تقم الساعة (وعنه من طريق

وقال بعضهم صخرة تحت الأرض السابعة خضراء، وقيل بئر فى جهنم، وقيل غير ذلك كثير مما لا دليل عليه، ولا قول لأحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الحافظ ابن كثير رحمه الله والصحيح أن سجينا مأخوذ من السجن وهو الضيق، فان المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، وكل ما تعالى منها اتسع، فان الأفلاك السابعة كل منها واحد منها أوسع وأعلى من الذى دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها حتى ينتهى السفول المطلق والمحل الأضيق أى المركز فى وسط الأرض السابعة اهـ وهو وجيه ويوافق ما فى حديث الباب (1) هذا مثل ضربه الله للمشرك فة ضلاله وبعده عن الهدي فقال "ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء" أى سقط منها (فتخطفه الطير) أى تقطعه الطيور فى الهواء (أو نهوى به الريح فى مكان سحيق) أى بعيد مهلك لمن هوى وهو ينطبق على ما يفعل بروخ الكافر لأنها ترمى من السماء إلى ما أعده الله لهما من العذاب والشقاء، ولذلك استشهد النبى صلى الله عليه وسلم بالآية (2) هذه كلمة تقال فى الابعاد وفى حكاية الضحك، وقد تقال للتوجع فتكون الهاء الأولى مبدلة من همزة آه وهو الأليق بمعنى هذا الحديث يقال تأوه ونهوه آهًة وهاهًة، والمعنى أنه يتوجع لعدم معرفة الجواب ولما حصل له من الارتباك والخوف وسوء العاقبة، نعوذ بالله من ذلك (3) يتمنى عدم قيام الساعة لأنه يعلم أن مصيره إلى النار وبئس القرار، نعوذ بالله من عذاب النار ونسأله الجنة مع الأبرار

ص: 78

ثان (1) بنحوه وفيه) حتى إذا خرج روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، وليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم (2) فإذا عرج بروحه قالوا رب عبدك فلان، فيقول أرجعوه (3) فإنى عهدت إليهم أنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم؛ ومنها أخرجهم تارة أخري؛ قال فإنه يسمع خفق نعال أصحابه (4) إذا ولوا عنه فيأتيه آت (5) فيقول من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول ربى الله، وديني الإسلام، ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فينتهره (6) فيقول من ربك؟

(1)"سنده" حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا معمر عن يونس بن خباب عن المنهال بن عمرو بن زاذان عن البراء بن عازب رضى الله عنه، قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير وهو يلحد له فقال أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات، ثم قال إن المؤمن إذا كان فى إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا تنزلت اليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس مع كل واحد كفن وحنوط فجلسوا منه مد البصر حتى إذا خرج روحه - الحديث" (2) أى من بابهم ليحوزوا شرف تشييع من رضى الله عنه (3) يعنى إلى الأرض حيث يوجد قبره (4) عند البخارى والامام أحمد من حديث أنس، وإنه يسمع فرع نعالهم والمعنى واحد وهو صوت حركة المشى بالنعل، وفيه أن السؤال يبتدئ بمجرد تسوية التراب على القبر وانصراف بعض المشيعين للجنازة (5) هذا الآتى هو المعبر عنه بالملكين فى الطريق الأولى، وعند البخارى والامام أحمد وغيرهما من حديث أنس، أتاه ملكان، زاد ابن حبان والترمذى من طريق سعيد المقبرى عن أبى هريرة أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير - وفى رواية ابن حبان يقال لهما منكر ونكير، قيل وإنما سميا هذا الاسم لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام، بل لهما خلق بديع وليس فى خلقتيهما أنس للناظرين اليهما، جعلهما الله تكرمة للمؤمن لتثبّته وتبصّره، وهتكا لستر المنافق فى البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب، وسميا أيضا فتانا القبر لأن فى سؤالهما انّهارا وفى خلقهما صعوبة (6) أي يزجره

ص: 79

ما دينك؟ من نبيك؟ وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز وجل "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" فيقول ربى الله وديني الإسلام ونبي محمد صلي الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيقول له صدقت، ثم يأتيه آت حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب، فيقول أبشر بكرامة من الله ونعيم مقيم، فيقول وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح، كنت والله سريعًا في طاعة الله بطيئًا عن معصية الله، فجزاك الله خيرًا، ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقال (1) هذا كان منزلك لو عصيت الله، أبد لك الله به هذا (2) فإذا رأى ما في الجنة قال رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له اسكن (3) وإن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة غلاظ شداد فانتزعوا روحه كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، وتنزع نفسه مع العروق

(فإن قيل) كيف يزجره وقد أجاب بالصواب (قلت) المراد بالزجر هنا الامتحان لتبين هل هو ثابت على عقيدة الايمان أم لا، فان أجاب فى المرة الثانية كالأولى ظهر أنه ثابت العقيدة وظهر شرفه للملأ الأعلى واستحق الكرامة، وكانت هذه آخر فتنة تعرض عليه، وكان ممن قال الله فيهم "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة" وفسرت فتنة الدنيا بحالة الاحتضار وقتنة الآخرة بالسؤال، نسأل الله الثبات على الايمان فى الحياة وبعد الممات آمين (1) يحتمل أن يكون هذا القول من المنكر والنكير، ويحتمل أن يكون من غيرها من الملائكة (2) زاد فى حديث أنس "فيراهما جميعا" والحكمة فى رؤيتها ادخال السرور عليه حيث قد أبدل الله منزله فى النار بمنزل فى الجنة وذلك بتوفيق الله إياه للأعمال الصالحة والهداية لدين الاسلام، ولو لم يكن كذلك لكان من أهل النار (3) أى لا تعجل فان كل شئ له أجل معلوم وقدر محتوم لابد منه

ص: 80

فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا تعرج روحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا رب فلان بن فلان عبدك قال أرجعوه فإنى عهدت إليهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخري، قال فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه، قال فيأتيه آت فيقول من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول لا أدري، فيقول لا دريت ولا تلوت (1) ويأتيه آت قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم، فيقول وأنت فبشرك الله بالشر، من أنت؟ فيقول أنا عملك الخبيث كنت بطيئًا عن طاعة الله سريعًا في معصية الله، فجزاك الله شرًا،

(1) أي لا فهمت ولا قرأت القرآن، وعند البخارى والأمام أحمد وغيرهما من حديث أنس لا دريت ولا تلبت (قال الحافظ) كذا فى أكثر الروايات بمثناة مفتوحة بعدها لام مفتوحة وتحتانية ساكنة (قال ثعلب) قوله تليت أصله تلوت، أى لا فهمت ولا قرأت القرآن، والمعنى لا دريت ولا اتبعت من يدرى، وإنما قاله بالياء لمواخاة دريت، وحكى أبو قتيبة عن يونس بن حبيب آن صواب الرواية "لا دريت ولا تليت" بزيادة ألف وتسكين المثناة كأنه يدعو عليه بأن لا يكون له من يتبعه وهو من الاتلاء؛ يقال ما تليت ابله أى لم تلدا أولادًا يتبعونها، وقال قول الأصمعى أشبه بالمعنى، أى لا دريت ولا استطعت أن تدرى، ووقع عند أحمد من حديث أبى سعيد "لا دريت ولا اهتديت"(قل سيأتى) قال وفى مرسل عبيد بن عمير عند عبد الرازق "لا دريت ولا أفلحت" اهـ باختصار، وصوَّب العينى قول ثعلب فى تفسير "ولا تليت" يعنى أن أصله ولا تلوت قلبت الواو ياء لازذواج الكلام، قال وهذا أصوب من كل ما ذكروه فى هذا الباب، والدليل عليه أن هذه اللفظة جاءت هكذا فى حديث البراء فى مسند أحمد "لا دريت ولا تلوت" أى لم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك (وقال الزمخشرى) معناه ولا اتبعت الناس بأن تقول شيئًا يقولونه، وقيل لا قرأت، فقلبت الواو ياء له مزاوجة، أى ما علمت بنفسك بالاستدلال ولا اتبعت العلماء بالتقليد وقراءة الكتب، وقال ابن بطال الكلمة من ذوات الواو لأنها من تلاوة القرآن،

ص: 81

ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة (1) لو ضرب بها جبل كان ترابًا، فيضربه ضربة حتى يصير ترابًا، ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخري فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين (2) قال البراء بن عازبٍ رضى الله عنه، ثم يفتح له باب من النار ويمهد (3) من فرش النار

لكنه لما كان مع دريت تكلم بالياء ليزدوج الكلام، ومعناه الدعاء عليه، أى لا كنت داريا ولا تاليا اهـ (1) المرزبة بكسر الميم وفتح الزاى مخففة بينهما راء ساكنة، هى المطرقة الكبيرة التى تكون للحداد، ويقال لها أيضا الأرزبة بالهمز والتشديد (2) ظاهره أن كل شئ يسمعه من حيوان وجماد غير الجن والأنس (قال الحافظ) لكن يمكن أن يخصص منه الجماد، ويؤيده أن فى حديث أبى هريرة عند البزار يسمعه كل دابة إلا الثقلين، والمراد بالثقلين الأنس والجن، قيل لهم ذلك لأنهم كالثَّقل على وجه الأرض، قال المهلب الحكمة فى أن الله يسمع الجن قول الميت قدمونى ولا يسمعهم صوته إذا عذب بأن كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا، وصوته إذا عذب فى القبر متعلق بأحكام الآخرة، وقد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة إلا من شاء الله ابقاء عليهم اهـ (3) أى يفرش له من فرش النا، فعوذ بالله من ذلك (تخريجه)(د. ك. ش. هق) وسنده جيد قال صاحب التنقيح رواة أحمد محتج بهم فى الصحيح؛ والحديث حصنه المنذرى - ورواه أيضا أبو داود والحاكم وابن أبى شيبة وابن منده وأبو نعيم وأبو عوانة الأسفرايبنى فى صحيحه من طرق صحيحة والبيهقى وقال هذا حديث صحيح الأسناد، وصححه أيضا العلامة ابن القيم فى كتاب الروح وقال هذا حديث ثابت مشهور مستفيض صححه جماعة من الحفاظ، ولا يعلم أحد من أئمة الحديث طعن فيه الخ، وروى النسائى وابن ماجه أوله، وقد جمع الدار قطنى طرقه فى مصنف مفرد وفى إسناد الحديث نهال بن عمر؛ وثقه ابن معين والعجلى وقد تكلم ابن حزم فى المنهال ولا يلتفت لكلام ابن حزم بعد احتجاج الشيخين به، ولمَّا رأى ابن حزم حديث المنهال رادَّا على معتتقده فى إنكار عذاب الأجساد فى قبورهما طعن فيه وطعنه مردود، والحديث صحيح دال على أن عذاب القبر يلحق الجسد على الكيفية التى علمها الله سبحانه وتعالى اهـ والله أعلم (وفى الباب) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال "إذا قتل العبد فى سبيل الله فأول قطرة تقطر على الأرض من دمه يكفر الله ذنوبه كلها، ثم يرسل الله له بريطة (1)

_________

(1)

الريطة بفتح الراء وسكون الياء التحتية، هى كل ملاءة ليست لفقين أي قطعتين،

ص: 82

من الجنة فتقبض فيها نفسه، وبجسد من الجنة (1) حتى تركب فيه روحه، ثم يعرج مع الملائكة كأنه كان معهم منذ خلقه الله حتى يؤتى به الرحمن عز وجل ويسجد قبل الملائكة ثم تسجد الملائكة بعده، ثم يغفر له ويطهر، ثم يؤمر به إلى الشهداء فيجدهم في رياض خضر وثياب من حرير عندهم نور وحوت، يلقناهم كل يوم بشيء لم يلقناه بالأمس، يظل الحوت في أنهار الجنة فيأكل من كل رائحة من أنهار الجنة، فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فذكاه فأكلوا من لحمه فوحدوا في طعم لحمه كل رائحة من أنهار الجنة ويلبث الثور نافشا (أي يرعى) في الجنة يأكل من تمر الجنة؛ فإذا أصبح غدا عليه الحوت فذكاه بذنبه فأكلوا من لحمه، فوجدوا في طعم لحمه كل ثمرة في الجنة ينظرون إلى منازلهم يدعون الله بقيام الساعة {فإذا توفى الله العبد المؤمن} أرسل إليه ملكين بحرقة من الجنة وريحان من ريحان الجنة، فقال (أي أحدهما) أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، اخرجي فنعم ما قدمت، فتخرج كأطيب رائحة مسك وجدها أحدكم بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون سبحان الله لقد جاء من الأرض اليوم روح طيبة فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا ملك إلا صلى عليه ويشفع حتى يؤتى به إلى الله عز وجل، فتسجد الملائكة قبله، ثم يقولون ربنا هذا عبدك فلان، توفيناه وأنت أعلم به، فيقول مروه بالسجود فتسجد النسمة، ثم يدعى ميكائيل فيقال اجعل هذه النسمة مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنها يوم القيامة، فيؤمر بقبره فيوسع له، طوله سبعون وعرضه سبعون، وينبت فيه الريحان ويبسط له الحرير فيه، وإن كان معه شيء من القرآن نوره وإلا جعل له نورا

وقيل كل ثوب رقيق ليّن والجمع ريط ورياط (1) لا مانع من ذلك، فقد ثبت أن أرواح الشهداء تكون فى أجواف طير خضر ترد أنهار الحنة (رو ى الأمام أحمد) قال حدثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى إسماعيل بن آمية بن عمرو بن سعيد عن أبى الزبير المكى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم باحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهارا الجنة تأكل من ثارها وتأوى إلى قناديل من ذهب فى ظل العرش، فلما وجد واطيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم، قالوا يا لين إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله صلى الله عليه وسلم {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء - الآية} هذا حديث رواه الامام أحمد فى مسنده وسيأتى فى تفسير سورة آل عمران فى كتاب التفسير، ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن اسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحاق به، ورواه أبو داود الحاكم فى مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق به، قال الحافظ ابن كثير ورواه أبو داود الحاكم عن إسماعيل بن أمية عن أبى الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما فذكره وهذا أثبت اهـ

ص: 83

مثل نور الشمس، ثم يفتح له باب إلى الجنة فينظر إلى مقعده في الجنة بكرة وعشيا {فإذا توفى الله العبد الكافر} أرسل إليه ملكين وأرسل إليه بقطعة بجاد (أي كساء) أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن فقال (أي أحدهما) أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم ورب عليك ساخط؛ اخرجي فساء ما قدمت؛ فتخرج كأنتن جيفة وجدها أحدكم بأنفه قط، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون سبحان الله، لقد جاء من الأرض جيفة ونسمة خبيثة لا يفتح له باب السماء، فيؤمر بجسده فيضيق عليه في القبر، ويملأ حيات مثل أعناق البخت تأكل لحمه فلا يدعن من عظامه شيئا، ثم يرسل عليه ملائكة صم عمى معهم فطاطيس (جمع فطيسة وهى المطزقة العظيمة) من حديد لا يبصرونه فيرحمونه، ولا يسمعون صوته فيرحمونه فيضربونه ويخبطونه ويفتح له باب من نار، فيمظر إلى مقعده من النار بكرة وعشية، يسأل الله أن يديم ذلك عليه فلا يصل إلى ما وراءه من النار أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات اهـ {قلت} وما ذكر في أحاديث الباب ليس كل ما رواه الأمام أحمد في سؤال الملكين، بل هناك أحاديث كثيرة في السؤال ستأتي في أبواب عذاب القبر، وإنما ذكرت حديثي أبى هريرة والبراء هنا لما فيهما من أمور تختص بالمحتضر ومصير الروح بعد خروجها {الأحكام} أحاديث الباب تدل على أن الصالح سواء أكان ذكرا أم أنثى إذا احتضر حضرته ملائكة الرحمة وبشرته بالجنة قبل قبض روحه، وتخرج روحه بسهولة وتصعد إلى الملأ الأعلى فتحوز القبول والرضا عند الله عز وجل، ثم ترجع إلى جسدها في القبر فيجيب على سؤال الملكين بأحسن جواب، ويوسع له في قبره ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها، وتكون روحه في عليين إلى يوم البعث {وفيها} أن الكافر سواء أكان ذكرًا أم أنثى؛ وكذلك المنافق والفاجر إذا احتضر رأى من العذاب ألوانًا ومن الإهانة أنواعا، سواء عند خروج روحه أم عند صعودها إلى السماء، فتغاق دونها السموات، وترجع إلى جسدها مزودة بالمقب والغضب واللعنات من رب البريات، فيسأله الملكان فلا يجيب، وحينئذ يذيقانه من أصناف العذاب ما يشيب لهوله الطفل الصغير، ويضيق عليه قبره، ويفرش له من النار، ويفتح له باب من جهنم وتكون روحه في سجين إلى يوم الدين (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا){ولا خلاف بين العلماء في ذلك} إلا في مسألة السؤال فقد زعم بعضهم أن السؤال إنما يقع على من يدعى الأيمان إن محقا وإن مبطلا {قال الحافظ} ومستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين، قال إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يسئل عن محمد ولا يعرفه، وهذا موقوف،

ص: 84

(9)

باب في أمور تتعلق بالأرواح

(54)

حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا محمد بن إدريس (1)(يعنى الشافعي) عن مالك (2) عن ابن شهاب (3) عن عبد الرحمن بن كعب (4) بن مالك أنه

والأحاديث الناصة على أن الكافر يمثل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي أولى بالقبول، وجزم الترمذى الحكم يسئل (واختلف في الطفل) غير المميز لجزم القرطبي فى التذكرة بأنه يمثل وهو منقول عن (الحنفية) وجزم غير واحد من (الشافعية) بأنه لا يسئل، ومن ثم قالوا لا يستحب أن يلقن (واختلف أيضا فى النبى) هل يسأل؟ وأما الملك فلا أعرف أحدا ذكره، والذر يظهر أنه لا يسأل، لأن السؤال يختص بمن شأنه أن يفتن. وقد مال ابن عبد البر إلى الأول وقال الآثار تدل على أن الفتنة لمن كان منسوبا إلى أهل القبلة، وأما الكافر الجاحد فلا يسأل عن دينه، وتعقبه ابن القيم فى كتاب الروح؛ وقال فى الكتاب والسنة دليل على أن السؤال للكافر والمسلم - قال الله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين} وفى حديث أنس عند البخارى (قلت والامام أحمد أيضا)"وأما المنافق والكافر" بواو العطف، وفى حديث أبى سعيد "فان كان مؤمنا فذكره" وفيه "وإن كان كافرا" وفى حديث البراء "وإن الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا" فذكره وفيه "فيأتيه منكر ونكير" - الحديث" أخرجه أحمد هكذا وقال، وأما قول أبى عمر فأما الكافر الجاحد فليس ممن يسأل عن دينه فجوابه أنه نفى بلا دليل، بل فى الكتاب العزيز الدلالة على أن الكافر يسأل عن دينه، قال الله تعالى {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} وقال تعالى:{فوربك لنسألنهم أجمعين} لكن للنافى أن يقول إن هذا السؤال يكون يوم القيامة اهـ.

(54)

حدثنا عبد الله (غريبة)(1) هو أبو عبد الله الأمام محمد بن إدريس الشافعى المطلبى الحجازى ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقى معه فى عبد مناف رحمه الله (2) هو أبو عبد الله الأمام مالك بن أنس بن مالك صاحب المذهب وعالم المدينة رحمه الله (3) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ابن زهرة القرشى الزهرى أبو بكر المدنى أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام، قال الأمام مالك كان ابن شهاب من أسخى الناس وتقيا ماله فى الناس نظير، قال ابراهيم بن سعد مات سنة أربع وعشرين ومائة رحمه الله (4) هو أبو الخطاب المدنى من كبار التابعين، ويقال أنه ولد فى العهد النبوى، ومات فى خلافة سليمان بن عبد الملك رحمه الله، وأبوه كعب بن

ص: 85

أخبره أن أباه كعب بن مالك رضي الله عنه كان يحدث أن رسول صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة (1) المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه

(55)

عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال قالت أم مبشر (2) لكعب ابن مالك رضي الله عنه وهو شاك (3) اقرأ على ابني السلام تعني مبشرًا (4) فقال يغفر الله لك يا أم مبشر، أو لم تسمعي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما

مالك السليمي المدني الصحابى المشهور أحد الثلاثة الذين أنزل فيهم قوله تعالى {وعلى الثلاثة الذين خلفة - الآية} مات فى خلافة على رضى الله عنهما (1) بفتح النون والسين أى روحه، وفى كتاب أبي القاسم الجوهري "النسمة الروح والنفس والبدن" وإنما يعنى فى هذا الحديث الروح "وقوله طائر يعلق" بالتحتية صفة لطائر وبفتح اللام رواية الأكثر كما قال ابن عبد البر وروى بضمها، قال والمعنى واحد وهو الأكل والرعي "فى شجر الجنة" لتأكل من ثمارها، وقال البونى معنى رواية الفتح تأوى، والضم ترعى، تقول العرب ما ذقت اليوم علوقا، وقال السهيلى يعلق بفتح اللام يتشبت بها ويرى مقعده منها، ومن رواه بضم اللام فمعناه يصيب منها العلقة من الطعام، فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممن أدرك الرغد أى العيش الواسع، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى، وإن أراد بتعلق الأكل نفسه فهو مخصوص بالشهيد فتكون رواية الضم للشهيد والفتح لمن دونهم، واله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم اهـ (تخريجه)(لك. جه. نس. هق) هذا الحديث اسناده صحيح لا شك فيه، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة وهم (الامام أحمد والامام محمد بن إدريس الشافعى والامام مالك) رحمهم الله

(55)

عن عبد الرحمن بن كعب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق قال ثنا معمر عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك "الحديث"(غريبة)(2) يعنى الأنصارية زواج البراء بن معرور، وهى والدة مبشر بن البراء المذكور رضى الله عنهم (3) أى مريض مرض الموت (4) قال الحافظ فى الاصابة، مبشر ابن البراء بن معرور الأنصارى، قال ابن الكلبى شهد بيعة الرضوان، هذا كل ما قاله عنه الحافظ فى الاصابة؛ فهو صحابى ابن صحابية رضي الله عنهم، وكان قد توفّي

ص: 86

نسمة المسلم طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله عز وجل إلى جسده

فوجدت عليه أمة وجدا شديدا فكانت تأتى كل محتضر يعرف ابنها وتكلفه أن يقرأ عليه السلام، فكأن كعب بن مالك رضى الله عنه أنكر عليها هذا الوجد مع كون ابنها فى نعيم الجنة وممن رضى الله عنهم، قال تعالى {لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} وهو منهم وذكَّرها بالحديث وكانت سمعته، فقالت له صدقت ولامت نفسها واستغفرت الله عز وجل على ما فرط منها رضى الله عنها، أما كونها كانت تكلف كل محتضر يعرفه بتبليغه السلام؛ فلما روى ابن أبى الدنيا قال حدثنى محمد بن عبد الله بن بزيع أخبرنا فضيل بن سليمان النميرى حدثنى يحيى بن عبد الرحمن بن أبة لبيبة عن جده. قال لما مات بشر بن البراء بن معرور وجسدت عليه أم بشر وجدا شديدًا فقالت يا رسول الله إنه لا يزال الهالك يهلك من بنى سلمة فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم. والذى نفسى بيده يا أم بشر إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير فى رءوس الشجر. فكان لا يهل هالك من بنى سلمة الا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك السلام، فيقول وعليك، فتقول اقرأ على بشر السلام، وهذا الحديث ذكره البقاعى فى كتاب سر الروح مختصر كتاب الروح للحافظ ابن القيم جاء فيه أم بشر لا أم مبشر، قال أبو نعيم اختلف أصحاب اسحاق عن الزهرى عنه "يعنى عن عبد الرحمن بن كعب" فمنهم من قال أم بشر ومنهم من قال أم مبشر اهـ (قلت) لعل بشرا كان يقال له بشر ومبشر، وذلك نظائر فى الأسماء، ويستأنس لهذا بما فعله الحافظ فى الاصابة فانه ترجم بشرا فى حرف الباء، فقال ما ملخصه، بشر بن البراء بن معرور شهد العقبة مع أبيه، وشهد بدراً وما بعدها ومات بعد خبير من أكلة أكلها مع النبى صلى الله عليه وسلم من الشاة التى سم فيها وذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لبنى نضلة سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء، وأتى بعدة طرق وشواهد لهذا الحديث، ثم قال فى حرف الميم (مبشر بن البراء بن معرور قال ابن الكلبى شهد بيعة الرضوان) ولم يزد الحافظ على ذلك، فلعله لاحظ أن مبشرا هو بشر المتقدم فاقتصر على الترجمة الأولى، ولهذا كان يقال لأمه أحيانا أم بشر وأحيانا أم بشر أو يكونا اثنين، ويرجح الأول ما رواه الأمام أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ابن مالك عن أمه أن أم مبشر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجعه الذى قبض فيه فقالت بأبى أنت وأمى با رسول الله ما تتّهم بنفسك؟ فأنى لا أتهم إلا الطعام الذى أكل معك بخيبر وكان ابنها مات قبل النبى صلى الله عليه وسلم، فقال "وأنا لا أتهم غيره، هذا أو أن قطع أبهري"

ص: 87

يوم القيامة قالت صدقت فأستغفر الله

(56)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم ما رأى أحدهم صاحبه (1) قط (وعنه من طريق ثان)(2) إن أرواح المؤمنين (3) لتلتقيان على مسيرة يوم وليلة وما رأى واحد منهما صاحبه

(57)

عن محمد بن المنكدر قال دخلت على جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

وقولها "لا أتهم الا الطعام الذى أكل معك" تعنى أنها لا تتهم فى مرض النبى صلى الله عليه وسلم الا الطعام المسموم الذى أكله مه ابنها بخيبر ومات ابنها بسببه فوافقها النبى صلى الله عليه وسلم وقال "هذا أوان قطع أبهرى" والأبهر بفتح أوله هو الظهر وعرق بداخله أو وريد العنق، وهو كناية عن دنو الموت وسيأتى هذا الحديث فى أبواب مرضه صلى الله عليه وسلم الذى مات فيه من كتاب السيرة النبوية، ففى هذا الحديث كناها بأم مبشر وذكر الحافظ فى ترجمة بشر أنه مات بعد خيبر من أكلة أكلها مع النبى صلى الله عليه وسلم والواقعة واحدة، فالظاهر أنه كان يقال له بشر ومبشر ولأمه كذلك أم بشر وأم مبشر والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغبر الامام أحمد وسنده جيد

(56)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا دراج عن حسين عن هلال الصدفى عن عبد الله بن عمرو - الحديث" (غريبة) (1) يعنى فى الدنيا، ولكن جمعهم بعد الموت اتفاقهم فى العمل والعقيدة (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن إسحاق أنا ابن لهيعة عن دراج أبى السمح عن عيسى بن هلال عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أرواح المؤمنين - الحديث"(3) بالتقنية بدليل قوله "لتلتقيان" وقوله "وما رأى واحد منهما صاحب" بالتثنية أيضا (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد وفى إسناده ابن لهيعة فيه كلام

(57)

عن محمد بن المنكدر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو ابراهيم المعقب اسماعيل بن محمد، وكان أحد الصالحين ثنا يوسف بن الماجشون قال أخبرني محمد

ص: 88

وهو يموت فقلت أقرئ (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام

(58)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرًا استبشروا به وإن كان غير ذلك نالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا

(59)

عن أم هانئ رضى الله عنها أنها سألت رسول الله صلى

ابن المنكدر - الحديث" (غريبه)(1) يقال أقرئ فلانا السلام واقرأ عليه السلام كأنه حين يبلغه سلامه يجعله على أن يقرأ السلام ويرده (نه)(تخريجه)(جه) وسنده جيد اهـ.

(58)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا صفيات عمن سمع أنس بن مالك يقول قال النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد وفى اسناده رجل لم يسمَّ، وله شاهد من حديث "أبى أيوب الأنصارى" رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن نفس المؤمن اذا قبضت تلقاها من أهل الرحمة من عباده كما يلقون البشير من الدنيا فيقولون أنظروا صاحبكم يستريح فانه قد كان فى كرب شديد، ثم يسألونه ماذا فعل فلان وماذا فعلت فلانة هل تزوجت؟ فاذا سألوه عن الرجل قد مات قبله، فيقول هيهات قد مات ذلك قبلى، فيقولون انا لله وانا اليه راجعون ذهب به الى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية، وان أعمالكم تعرض على أقربائكم وعشائركم فان كان خيرا فرحوا واستبشروا، وقالوا اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمتَّه عليها، ويعرض عليهم عمل المسيئ، فيقولون اللهم ألهمه عملا صالحا ترضى به عنه وتقربه اليك" رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط وفيه مسلمة بن على وهو ضعيف (وعن أبى هريرة رضى الله عنه) قال ان أعمالكم تعرض على أقربائكم فاذا رأو خيرا فرحوا به وإذا رأوا شرًا كرهوه، وانهم يستخبرون الميت اذا أتاهم عمن مات بعدهم حتى ان الرجل ليسأل عن امرأته أتزوجت أم لا، حتى ان الرجل ليسأل عن الرجل، فان قيل له قد مات قال هيهات ذهب بذلك، فان لم يحسّوه عندهم (أى لم يجدوه فيمن رحمهم الله قالوا انا لله وانا اليه راجعون ذهب به الى أمه الهاوية المربية - رواه ابن جرير، وهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضا، والله أعلم.

(59)

عن أم هانئ (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن قال ثنا

ص: 89

الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (1) أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون النسم (2) طيرًا تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها

(60)

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت يعرف من يحمله ومن يغسله ومن يدليه في قبره (3)

ابن لهيعة قال ثنا أبو الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أنه سمع درة بنت معاذ تحدث عن أم هانئ "الحديث"(غريبة)(1) أم هانئ هى بنت أبى طالب وأخت على بن أبى طالب رضى الله عنهما وبنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) جمع نسمة وهى الروح، وتقدم الكلام عليها فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (تخريجه)(طب) وفيه ابن لهيعة فيه كلام

(60)

عن أبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر ثنا عبد الملك بن حصن الحارثى ثنا سعيد بن عمرو بن سليم قال سمعت رجلا منا قال عبد الملك نسيت اسمه ولكن اسمه معاوية يحدث عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان الميت يعرف من يحمله ومن يغسله ومن يدليه فى قبره، فقال ابن عمر وهو فى المجلس ممن سمعت هذا؟ قال من أبى سعيد، فانطلق ابن عمر الى أبى سعيد فقال يا أبا سعيد ممن سمعت هذا؟ قال من النبى صلى الله عليه وسلم (غريبه)(3) أى يدرك ذلك بسبب اتصال شعاع الروح به، قال المناوى لأن الموت ليس بعدم محض، والشعور باق حتى بعد الدفن (تخريجه) أخرجه أيضا ابن جرير فى تهذيبه عن أبى سعيد، وفى اسناده من لم يعرف (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن الأرواح باقية لا تفنى بفناء الجسد وأن المحسن ينعم ويجازى بالثواب، وأن المسيء يعذب ويجازى بالعقاب قبل يوم القيامة (وفيها) أن أرواح المؤمنين تكون على صور طيور تعلق بأشجار الجنة الى يوم البعث (وفيها) أن أرواح المؤمنين تلتقى وتتعارف وان لم يكن بين أجسامها تعارف فى الدنيا ولكن تجمعها رابطة الأيمان والصلاح (وفيها) أن أرواح المؤمنين أيضا تسأل روح من مات حديثا عن ذويها وأقاربها، فان كانوا على خير استبشروا، وان كانوا على غير ذلك دعووا الله لهم بالبداية (وفيها) تجوز تكليف المحتضر بتبليغ سلام الأحياء لأمواتهم الصالحين الذين سبقوه، وأنه يمكن تبليغهم ذلك ان كان صالحا (وفيها أيضا) أن الميت

ص: 90

يعرف من يغسله ومن يحمله ومن يدليه في قبره لاتصال الروح بالجسد حينئذ، وقد اختلف العلماء في مقر الأرواح ما بين الموت والحياة (وللحافظ ابن القيم) في هذا الباب كتاب أسماه الروح، أودعه نفائس لا تكاد توجد في غيره، لخصت منه ما يختص بمصير الروح بعد الموت (قال رحمه الله قيل أن أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء أو غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة، وهو (مذهب أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما وقريب منهم قول (الأمام أحمد) في رواية ابنه عبد الله "أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة" لقوله تعالى "فأما ان كان من المفربين فروح وريحان وجنة نعيم" ذكره من بعد خروجها من البدن وقسمها ثلاثة أقسام، مقربين في الجنة وأصحاب اليمين سالمين من العذاب، ومكذبين لهم نزل من حميم وتصلية جحيم كما قسمها يوم البعث الأكبر يوم القيامة إلى ثلاثة أقسام في أول السورة في قوله "فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون" وانما قد هذا تقديم الغاية اذ هي أهم وأولى بالذكر وقوله "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" وقد قال غير واحد من الصحابة والتابعين ان هذا يقال لها عند الموت وعند البعث (ولما في الموطأ والنسائي) عن ابن شهاب عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك عن أبيه مرفوعا "انما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده"(وقال عبد الله بن منده) وروى موسى بن عبيدة عن عبيد الله بن يزيد عن أم كبشة بنت المعرور، قالت دخل علينا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قسألناه عن هذا الروح فوصفها صفة لكنه أبكى أهل الميت، فقال إن أرواح المؤمنين في حواصل طير خضر ترعى في الجنة وتأكل من ثمارها وتشرب من مياهها؛ وتأوى إلى قناديل من ذهب تحت العرش يقولون ربنا ألحق بنا أخواننا وآتنا ما وعدتنا (وإن أرواح الكفار) في حواصل طير سود تأكل من النار وتشرب من النار وتأوى إلى حجر في النار؛ يقولون ربنا لا تلحق بنا إخواننا ولا تؤتنا ما وعدتنا (وقال الطبراني) حدثنا أبو زرعة الدمشقي أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب قال "سئل النَّبيَّ صل الله عليه وسلَّم عن أرواح المؤمنين، فقال في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، قالوا يا رسول الله أرواح الكفار؟ قال محبوسة في سجين" ورواه أبو الشيخ عن هشام بن يونس عن عبد الله بن صالح، ورواه المغيرة عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب (وذكر أبو عبد الله بن منده) من طريق عنجار عن الثوري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرواح المؤمنين في طير كالزرازير تأكل من ثمر الجنة" ورواه غيره مرقوفا (وذكر يزيد الرقاشي) عن أنس وأبو عبد الله الشامي عن تميم الداري عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم

ص: 91

إذا عرج ملك الموت بروح المؤمن إلى السماء استقبله جبريل في سبعين ألفا من الملائكة كلهم يأتيه ببشارة من السماء سوى بشارة صاحبه، فاذا انتهى به إلى العرش خر ساجدا فيقول الله عز وجل لملك الموت، انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضوض وظل ممدود وماء مسكوب رواه بكر بن خنيس عن ضرار بن عمر عن يزيد وأبي عبد الله (وقيل إنما الذي في الجنة الشهداء) لقوله تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وروى ربيع بن مخلد عن هناد بن السرى عن اسماعيل بن المختار عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا "الشهداء يغدون ويروحون، ثم يكون مأواهم إلى قناديل معلقة بالعرش، فيقول لهم الرب تبارك وتعالى هل تعلمون كرامة أفضل من كرامة أكرمتكموها؟ فيقولون لا، غير أننا وددنا أنك أعدت أرواحنا إلى أجسادنا حتى نقاتل مرة أخرى فتقال في سبيلك"(وفي صحيح مسلَّم) واللفظ له وجامع الترمذي وغيرهما عن مسروق قال سألت عبد الله بن مسعود عن هذه الآية "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" فقال أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى تلك القناديل فاطَّلع اليهم ربهم اطَّلاعه فقال هل تشتهون شيئًا؟ قالوا أشيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأو أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يارب نريد أن تردّ أرواحنا في أجيادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا"(وقال تقي الدين) بن مخلد حدثنا يحيى بن عبد الحميد أخبرنا ابن عيينة عن يزيد أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في ثمر الجنة، وأخرج أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أن أرواح الشهداء في طسر خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة" لفظ الترمذي وقال حسن صحيح، وفي بعض الآثار في صور طير وفي بعضها في أجواف طير خضر (قال ابن عبد البر) وهو اختيار ابن حزم، والذي يشبه عندي أن يكون القول قول من قال كطير أو في صور طير لمطابقته حديث كعب "نسمة المؤمن طائر"(قال الحافظ بن القيم) وفي صحيح مسلَّم في جوف طير، ولا منافاة بين حديث أنه طائر وبين حديث المقعد بل ترد روحه أنهار الجنة وتأكل من ثمرها، ويعرض عليه مقعده الا أنه لا يدخله الا يوم الجزاء، بدليل أن منازل الشهداء يومئذ ليست هي التي تأوى اليها أوراحهم في البرزخ؛ فدخول الجنة التام انما يكون للأنسان التام روحا وبدنا، ودخول الروح فقط أمر دون ذلك (وقيل) هم بفناء

ص: 92

الجنة على بابها يأتيهم من نعيمها ورزقها قاله مجاهد، وقد يحتج له بما في المسند عن ابن عباس مرفوعا "الشهداء على بارق نهر على باب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم بكرة وعشية من الجنة (وقالت طائفة من الصحابة) والتابعين أرواح المؤمنين عند الله لم يزيدوا على ذلك، وقريب منه قول حذيفة بن اليمان الأرواح موقوفة عند الرحمن عز وجل تنتظر موعدها حتى ينفخ فيها، وهذا تأدب منهم مع لفظ القرآن حيث يقول "أحياء عند ربهم يرزقزن" (وقال أبو داود الطيالسي) حدثنا حماد بن سلَّمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن أبي موسى الأشعري، قال تخرج روح المؤمن أطيب من ريح المسك فتنطلق بها الملائكة الذين يتوفونه فتتلقاه الملائكة من دون السماء فيقولون هذا فلان بن فلان كان يعمل كيت وكيت لمحاسن عمله، فيقولون مرحبا بكم وبه، فيقبضونها منهم فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه فتشرق في السماوات ولها برهان كبرهان الشمس حتى ينتهي إلى العرش (وأما الكافر) فاذا قبض انطلق بروحه فيقولون ما هذا، فيقولون فلان ابن فلان كان يعمل كيت وكيت لمساوى عمله، فيقولون لا مرحبًا لا مرحبًا ردوه، فيرد إلى أسفل الأرضين إلى الثرى (وقال الأمام مالك) بلغني أن الروح مرسلة في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، وهو قول سلَّمان الفارسي رضي الله عنه، والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين فكأنه أراد في أرض بين الدنيا والآخرة، وهو قول قوي فأنها فارقت الدنيا ولم تلج الآخرة (وقال ابن حزم في طائفة) مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها أي عن يمين آدم وشماله، وهذا ما قاله الله ونبيه صلى الله عليه وسلم لا يتعداه قال تعالى "واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى" وقال (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ان الله تعالى خلقة الأرواح جملة وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم "أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" وأخذ الله عهدها وشهادتها بالربوبية وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن تؤمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد؛ والأجساد يومئذ تراب وماء؛ ثم أقرها حيث شاء وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت، ثم لا يزال يبعث بها الجملة بعد الجملة فينفخها في الأجساد المتولدة من المني إلى أن قال فصح أن الأرواح أجسام حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر وأنها عارفة مميزة فيبلوهم الله في الدنيا كما يشاء ثم يتوفاها فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى سماء الدنيا أرواح أهل السعادة عن يمين آدم، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره عند منقطع العناصر الماء والهواء والتراب والنار تحت السماء، ولا يدل ذلك على تعادلهم، بل هؤلاء عن يمينه في العلو والسعة، وهؤلاء عن يساره في السفل والسجن، وتعجل أرواح الأنبياء والشهداء إلى الجنة، قال وذكر محمد

ص: 93

ابن نصر المروزي عن اسحاق بن راهوية أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه، وقال على هذا أجمع أهل العلم (قال ابن حزم) وهو قول جميع أهل الاسلام؛ وقول الله تعالى "فأصحاب الميمنة ما أسحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة، والسابقون السابقون، أولئك هم المقربون، في جنات النعيم، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين" وقوله (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان) إلى آخرها فلا تزال الأرواح هناك حنى يتم عددها بنفخها في الأجساد ثم برجوعها إلى البرزخ فتقوم الساعة فيعيدها عز وجل إلى الأجساد وهي الحياة الثانية (قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله فلعمر الله لقد قال قولا يؤيده الحديث الصحيح وهو حديث الأسراء، وقوله أن مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها بناء منه على مذهب طائفة من السلف والخلف أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد وليس على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا اجماع الا ما فهموه من آية لا تدل لهم وأحاديث لا تصح، والجمهور على خلاف ذلك كما مضى، وأما نقله عن محمد بن نصر فالذي ذكر محمد في كتاب الرد على ابن قتيبة فى تفسير "وأِهدهم على أنفسهم الست بربكم" الآثار التي ذكرها السلف من استخراج ذرية آدم من صلبه مثل الذر وقسمهم إلى شقي وسعيد وكتب أعمالهم وأرزاقهم؛ وما يصيبهم من خير وشر، ثم قال اسحق أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد استنطقهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم "ان يقولوا انا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا "انما أشرك أباؤنا من قبل" هذا نص كلامه وهو كما ترى لا يدل على أن مستقرها حيث تنقطع العناصر قبل خلق الأجساد ولا بعد (وقيل هي على أفنية قبورهم) وقد ذهب إليه ابن عبد البر وقال هو أصح ما ذهب إيه، ألا ترى أن الأحاديث الدالة على ذلك ثابتة متواترة، وكذلك أحاديث السلام على القبور، يريد بالأحاديث المتواترة مثل حديث ابن عمر في عرض المقعد وحديث البراء، وفيه هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة، وحديث أنس، وفيه أنه يرى مقعده من الجنة والنار، وأنه يفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا ويضيق على الكافر، وحديث جابر "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فاذا دخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه أتاه ملك الحديث" وفيه أنه يرى مقعده من الجنة، فيقول دعوني أبشر أهلي، فيقال له اسكن هذا فهذا مقعدك أبدًا، وكذا سائر أحاديث عذاب القبر ونعيمه، ومراده بأحاديث السلام أن فيها خطاب المسلَّم على أهل القبور خطاب العاقل الحاضر كما سيأتي ذلك، وهذا القول إن أريد به أن كونها على القبور لا زم لا تفارق فهذا خطأ يرده الكتاب المحكم والسنن الصحيحة، وعرض المقعد لا يدل على أن الروح في القبر ولا على فنائه بل على أن لها اتصالا به يصح أن يعرض عليها مقعدها، فإن للروح شأنًا

ص: 94

آخر فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلَّم المسلَّم على صاحبها رد عليه السلام وهي في مكانها هناك، وهذا جبريل عليه السلام رآه النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح منها جناحان قد يد بهما ما بين المشرق والمعرب، وكان يدنو من النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه، وقلوب المخلصين تتسع للايمان بأن من الممكن أنه كان يدنو هذا الدنو وهو في مستقره من السماوات، وعلى هذا يحمل تنزله تعالى إلى السماء الدنيا ودنوه عشية عرفة ونحوه، فهو منزه عن الحركة والانتقال، وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب عيى الشاهد فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا اشغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض، وقد رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام ليلة الاسراء قائمًا يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة أو السابعة، فاما أن تكون سرعة الحركة والانتقال كلمح البصر، وإما أن يكون المتصل بها بالقبر بمنزلة شعاع الشمس يكون في الأرض وحرمها في السماء، وهذا (قول ابن عبد البر) بعينه فإنه قال أرواح الشهداء في الجنة وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورها لا أنها لا تلزم ولا تفارق أفنية القبور (كما قال مالك)"بلغنا أن الأرواح تسرح حيث ئاءت" وروى ابن منده من حدث عيسى بن عبد الرحمن، أخبرنا بن شهاب حدثنا عامر بن سعد عن اسماعيل بن طلحة بن عبد الله عن أبيه قال أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله ابن عمرو بن حرام (1) فسمعت قراءة من القبر ما سممعت أحسن منها فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ذلك عبد الله؛ ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا تزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها التي كانت فيه، وقد ثبت أن روح النائم تصعد حتى تخترق السبع الطباق وتسجد لله، ثم ترد إلى جسده في أيسر زمان (وقال عكرمة ومجاهد) إذا نام الانسان فان له سببا تجري فيه الروح وأصله في الجسد فيبلغ حيث شاء الله فما دام ذاهبا فالانسان نائم، فاذا رجع إلى البدن انتبه الانسان وكان بمنزلة شعاع الشمس وأصله متصل بالشمس، وذكر ابن منده عن بعض العلماء أن الروح تمتد من منخره

(1) هو والدجابر بن عبد الله رضى الله عنهما، معدود فى أهل العقبة وبدر، وكان من النقباء واستشهد باحد، وهو الذى قال النبى صلى الله عليه وسلم لابنه جابر يا جابر - أما علمت أن الله عز وجل أحيا أباك فقال له تمنَّ علىَّ، فقال اردّ الى الدنيا فاقتل مرة أخرى، فقال انى قضيت الحكم أنهم اليها لا يرجعون، رواه الامام أحمد، وهو الذى ظللته الملائكة بأجنحتها حينما خرَّ صريعًا إلى أن رفعوه، وسيأتى كل ذلك فى مناقبه من كتاب الصحابة إن شاء الله تعالى

ص: 95

وأصله في بدنه، فلو خرج بالكلية لمات، كما أن السراج لو فرق بينه وبين الفتيلة لطفئت، ألا ترى أن مركز النار في الفتيلة وضوءها بملا البيت، فالروح تمتد من منخر الانسان في منامه حتى تأتي السماء وتجول البلدان، فاذا كان الرجل عاقلا ذكيا صدوقا لا يلتفت في يقظته لإلى شيء من الباطل رجع اليه روحه فأدى إلى قلبه الصدق مما أراه الله، وإذا كان خفيفًا ورجعت اليه روحه فحيث مما رأى شيئا من مخاريق الشيطان وأباطيله وقفت روحه عليه فلا تؤدي إلى قلبه ولا يعقل ما رأى لأنه يخلط الحق بالباطل، وهذا من أحسن الكلام، وأنت ترى الرجل يسمع الذكر والحكمة ثم يمر بباطل ولهو فيصغى اليه ويفتح له قلبه حتى يتأدى اليه فيتخبط عليه ذلك الذي كان حقظه (وأما بعد المفارقة) فتعذب الروح بتلك الاعتقادات والشبه الباطلة التي كانت حفظتها حال اتصالها بالبدن مضافا إلى عذب آخر ينشئه الله تعالى لها من الأعمال التي اشتركت معه فيها، وهي العيشة الضنك، حتى لربما كانت في حفرة من حفر النار، والروح الزكية العلوية تنعم بتلك الاعتقادات الصحيحة والمعارف التي تلقتها من مشكاة النبوة وبتلك الأرادات والهمم السنية، وينشئ الله لها من أعمالها نعيما آخر فيصير لها روضة من رياض الجنة (وما ذكر من شأن الروح) يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها، وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب حال الأرواح في كيفياتها وقواها وابطائها واسراعها، وللروح المطلقة من أسر البدن وعوائقه من التصرف والقوة ما ليس للمحبوسة في علائقه (وقال جماعة من الصحابة والتابعين) منهم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ولعله مما تلقاه من أهل الكتاب أن أروح المؤمنين بالجابية (1) وأرواح الكفار ببرهوت، بئر بحضرموت نقله ابن منده، فلا التفات الى قول ابن حزم أنه انما هو قول الرافضة وروى ابن منده عن علي رضي الله عنه قال (خير بئر في الأرض زمزم وشر بئر في الأرض برهوت "بئر في حضرموت"

وخير واد في الأرض وادي مكة والوادي الذي أهبط فيه آدم بالهند، وشر واد في الأرض الأحقاف وهو في حضرموت ترده أرواح الكفار) ومن وجه آخر أنه قال (أبغض بقعة في الأرض واد بحضرموت يقال له برهوت فيه أرواح الكفار) وفيه بئر ماؤها أسود كأنه قبح يرده الهوام، ثم ساق عن اسماعيل بن اسحاق القاضي. أخبرنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان حدثنا ابان بن ثعلب قال قال رجل بت ليلة بوادي برهوت فكأنما حشرت فيه أصوات الناس وهم يقولون يا دومه يا دومة وحدثنا رجال من أهل الكتاب أن دومة هو

(1) هي قرية بدمشق جيدة الهواء، كثيرة الأشجار والثمار والأنهار

ص: 96

الملك الذي على أرواح الكفار، قال سفين سألنا الحضرميين فقالوا لا يستطيع أحد أن يبيت فيه بالليل (وقال كعب) أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة، وأرواح الكفار في سجين الأرض السابعة تحت حذاء إبليس (وهو قول جماعة من السلف والخلف) ويدل عليه قول النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عند موته "اللهم الرفيق الأعلى" وفي حديث أبي هريرة الماضي قريبا "إن الميت إذا خرجت روحه عرج بها إلى السماء حتى تنتهي إلى السماء حتى تنتهي إلى العرش، إلى غير ذلك من الأحاديث الماضية، ولكن هذا لا يدل على استقرارها هناك، لكن تصعد ليكتب كتابها في عليين أو سجين ثم ترد إلى القبر (وقيل أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكفار ببئر برهوت) وهذا من أفسد الأقوال ولا دليل عليه بل هو مخالف لصريح السنة الصحيحة "إن نسمة المؤمن في طائر يعلق في شجر الجنة ونحوه، من الأحاديث، وثم أقوال أخر طرحتها لوهائها ولا يحكم على قول من هذه الأقوال بعينه بالصحة وعلى غيره بالبطلان بل (الصحيح أن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت) ولا تعارض بين الأدلة فإن كلا منها وارد على فريق من الناس بحسب درجاتهم في السعادة أو الشقاوة (فمنها) أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهم الأنبياء، وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء (ومنها) أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا جمعيهم، فان منهم من يحبس عن دخول الجنة لدين أو غيره كما في المسند عن محمد بن عبد الله بن جحش أن رجلا جاء إلى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله مالي ان قتلت في سبيل الله؟ قال الجنة، فلما ولىًّ قال الًا الدين، سارني به جبريل آنفا" (ومنهم) من يكون على باب الجنة كما في حديث ابن عباس الماضي "الشهداء على بارق تهر بباب الجنة" (ومنهم) من يكون محبوسًا في قبره كحديث صاحب الشملة "إنها لتشتعل عليه نارًا في قبره" (ومنهم) من يكون محبوسًا في الارض لم تصل روحه إلى الملأ الأعلى فانها كانت روحا سفلية أرضية، فان الأنفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية كما أنها لا تجامعها في الدنيا، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وًاحاب عملها، فالمرء مع من أحب (ومنها) أرواح تكون في تنور الزناة، وأرواح في نهر الدم، فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد؛ وكلها على اختلاف محالها وتباين مقارها لها اتصال بأجسادها في قبورها ليحصل له من النعيم أو العذاب ما كتب له، واذا أمعنت النظر في السنن والآثار عرفت حجج ذلك وأنه لا تعارض بينها، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنا غير شأن البدن وأنها مع كونها في الجنة هي في السماء وتتصل

ص: 97

بفناء القبر وبالبدن فيه، وهي أسرع شيء انتقالا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة وألم، وما أِبه حالها في هذا البدن بحال البدن في بطن أمه، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار (وللنفس أربعة دور) كل دار أعظم من التي قبلها (الأولى) بطن الأم وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث (الثانية) هذه الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر (الثالثة) دار البرزخ وهي أوسع من هذه الدار وأعظم، ونسبة هذه الدار اليها كنسبة الدار الأولى إلى هذه (الرابعة) الدار التي لا دار بعدها، دار القرار الجنة أو النار، والله تعالى ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصح لها غيرها، وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصول اليها، ولها في كل دار منهذه الدور حكم وشأن غير شأن الأخرى ملخصا من كتاب الروح (أما تلاقي الأرواح وتزاورها وتلقى أخبار ذويها ممن يموت) فقد قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في موضع آخر من كتابه المذكور ما نصه: أنت عليم بأن الأرواح قسمان، منعمة ومعذبة (أما المعذبة) فهي لعمرى عن التزاور والتلاقي في أشغل الشغل، والله المسئول أن يرحم ضعفنا فيجيرنا من ذلك، ولا يكلنا إلى أعمالنا (وأما المنعمة) المرسلة غير المحبوسة فتتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأغلى، قال تعالى "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيَّين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا" وهذه المعية ثابتة في هذه الدتيا في دار البرزخ وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاث، وقد تواترت المرائي بذلك (قال صالح بن بشر) رأيت عطاء السليمي في النوم بعد موته؛ فقلت يا أبا محمد ألست في زمرة الموتى؟ قال بلى قلت فماذا صرت إليه بعد الموت؟ قال صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور، قلت أما والله قد كنت طويل الحزن في دار الدنيا؟ فتبسم وقال أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورًا دائما، فقلت في أي الدرجات أنت قال "مع الذين أنعم عليهم من المبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (وقال عبد الله بن المبارك) رأيت سفيان الثوري في النوم فقلت ما فعل الله بك، قال لقيت محمدا وحزبه (وقال صخر بن راشد) رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته، فقلت أليس قدمتًّ؟ قال بلى: قلت ما صنع الله بك، قال غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب: قلت فسفيان الثوري قال بخ بخ ذلك مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيَّين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك

ص: 98

(10)

باب المبادرة إلى تجهيز الميت وقضاء دينه

(61)

عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال ثلاثة يا عليُّ لا تؤخَّرهنَّ، الصلاة إذا آذنت (1) والجنازة إذا حضرت (2) والأيَّم (3) إذا وجدت كفوًا

(62)

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال صلَّى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الصُّبح فقال هاهنا أحد من بني فلان (4) قالوا نعم، قال

رفيقًا، ثم ذكر الحافظ ابن القيم مرائى كثيرة وآثارا فى تزاور الأرواح الصالحة وتعارفها وسؤالها عن ذويها وغير ذلك * وفى هذا القدر كفاية؛ نسأل الله تعالى أن يحشرنا فى زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يوفقنا للأعمال الصالحة مع الصبر وقوة اليقين، انه على ما يشاء قدير وبالأجابة جدير

(61)

عن على رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون بن معروف قال عبد الله وسمعته أنا من هارون أنبأنا ابن وهب حدثنى سعيد بن عبد الله الجهنى أن محمد بن عمر بن أبى طالب حدثه عن أبيه عن جده علىّ بن أبى طالب - الحديث" (غريبه) (1) أى حضر وقتها (2) قال المناوى المراد إذا تيقن موت الانسان لا تؤخر جنازته لحديث "لا ينبغى لجيفة مسلم أن تحبس" كما فى أبى داود ولا تؤخر لزيادة مصلين للأمر بالاسراع بها، لكن لا بأس بانتظار الولى إذا لم يخف تغيرها (3) الأِّيم بفتج الهمزة وكسر التحتانية المشددة من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، ويسمى الرجل الذى لا زوج له أيّما أيضا (والكفؤ) فى النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة فى الاسلام والحرية والصلاح والنسب وحسن الكسب (تخريجه)(جه حب. ك. مذ) وقال هذا حديث غريب وما أري إسناده بمتصل، واعلال الترمذى له بعدم الاتصال لأنه من طريق عمر بن علىّ عن أبيه على بن أبى طالب رضى الله عنه، قيل ولم يسمع منه، وقد قال أبو حاتم إنه سمع منه فاتصل الأسناد، وقد أعله الترمذى أيضا بجهالة سعيد بن عبد الله الجهنى ولكنه عدَّه ابن حبان فى الثقات

(62)

عن سمة بن جندب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن اسماعيل يعنى ابن أبى خالد قال سمعت الشعبى يحدث عن سمرة بن جندب قال صلى النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(4) لم يسمّه الراوي حفظًا

ص: 99

إن صاحبكم محتبس على باب الجنَّة في دين عليه

(63)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم نفس المؤمن معلقة (1) ما كان عليه دين

(64)

عن أبي نضرة عن سعد بن الأطول رضي الله عنه أنَّ أخاه مات وترك ثلثمائة درهم، وترك عيالًا فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّ أخاك محبوس بدينه فاقض عنه، فقال يا رسول الله فقد أدَّيت إلى ديناررين أدعتهما امرأة وليس لها بينة، قال فأعطها فإنَّها محقَّة (2)

لكرامتهم "وقوله محتبس على باب الجنة أى موقوف عن مقامه الكربم لا حكم له بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليه من الدين أم لا - والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد وأخرجه أبو داود والنسائى بمعناه

(63)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو داود الحفرى عن سفيان عن سعد بن ابراهيم عن ابن أبى سلمة عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أى محبوسة كما يدل عليه الحديث السابق و "ما" مصدرية ظرفية أى مدة بقاء الدين حتى يقضى عنه، وقد جاء هذا الحديث عند الترمذى عن أبى هريرة أيضا بلفظ "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه"(تخريجه)(جه. مذ) وقال حديث حسن.

(64)

عن أبى نضرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان حماد ابن أسامة أنا عبد الملك أبو جعفر عن أبى نضرة - الحديث" وفى آخره حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان بن سلمة الجربرى عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بمثله (غريبة) (2) علم النبى صلى الله عليه وسلم استحقاق المرأة وحبس الرجل بطريق الوحى (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الأمام أحمد وسنده جيد (وفى الباب) عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم يعوده فقال "انى لا أرى طلحة الا قد حدث فيه الموت فآذنونى به وعجلوا، فانه لا ينبغى لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرانى أهله" رواه أبو داود

ص: 100

وسكت عنه وقال المنذرى قال أبو القاسم البغوى لا أعلم من روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمان البلوى وهو غريب اهـ. وقد وثق سعيد المذكور ابن حبان إلا أنَّ فى اسناد هذا الحديث عروة بن سعيد الأنصارى ويقال عزرة عن أبيه وهو وأبوه مجهولان لكن يشهد له الحديث الأول من أحاديث الباب وأحاديث الاسراع بالجنازة وستأتى (الأحكام) فى أحاديث الباب دلالة على مشروعية التعجيل بالميت والأسراع فى تجهيزه بعد تحقق موته والتعجيل بدفنه بعد الصلاة عليه ففى ذلك تكريم له، والحكمة فى ذلك خوف تغيره لأنه إذا تغير استقذرته النفوس ونفرت منه الطباع فيحط ذلك من كرامته، ولأن ابقاءه بين أهله يؤلمهم ويحملهم على كثرة البكاء والعويل، وهذا مذموم شرعا، فالسنه أن يبادر بدفنه ولا يتنظر به حضور أحد إلا الولى فانه ينتظر ما لم يخش عليه التغير، فان خيف تغيره لم يتنظر؛ لأن مراعاة صيانة الميت وكرامته أهم من حضور الولى، ثم إنه إنما ينتظر الولى اذا كان بينه وبينه مسافة قريبة (وفى أحاديث الباب أيضا) الحث للورثة على قضاء دين الميت وإخبارهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه (قال الشوكانى) وهذا مقيد بمن له يقضى منه دينه؛ وأما من لا مال له ومات على القضاء فقد ورد فى الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضى عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولى الله سبحانه وتعالى لقضاء دينه وإن كان له مال ولم يقض منه الورثة (أخرج الطبرانى) عن أبى أمامة مرفوعا "من دان بدين فى نفسه وفاؤه ومات تجاوز اللهن هنه وأرض غريمه بما شاء، ومن دان بدين وليس فى نفسه وفاؤه ومات اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة"(وأخرج أيضا من حديث ابن عمر)"الدين دينان فمن مات وهو ينوى قضاءه فأنا وليّه، ومن مات ولا ينوى قضاءه فذلك الذى يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم"(وأخرج أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبى بكر)"يؤتى بصاحب الدين يوم القيامة فيقول الله عز وجل فيم أتلفت أموال الناس؟ فيقول يارب إنك تعلم أنه أتى علىّ إما حرق واما غرق، فيقول فانى سأقضى عنك اليوم فيقضى عنه (وأخرج أحمد وأبو نعيم فى الحلية والبزار والطبرانى) عن عبد الرحمن أيضا بلفظ "بدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بيد يدى الله عز وجل فيقول يابن آدم فيم أخذت هذا الدين وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول يارب انك تعلم أنى أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ولكنى أبى على يدى اما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله عز وجل صدق عبدى وأنا أحق من قضى عنك، فيدعوا الله بشئ فيضعه فى كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته" (وأخرج البخارى عن أبى هريرة) عن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 101

(11)

باب تسجية الميت والرخصة قي تغيير

(65)

عن عائشة رضي الله عنها أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه

قال "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد اتلافها أتلفه الله"(وأخرج ابن ماجه وابن حباق والحاكم من حديث ميمونة)"ما من مسلم يدَّ ان دينا يعلم ان الله أنه يريد أداءه الا أدَّى الله عنه فى الدنيا والآخرة"(وأخرج الحاكم) بلفظ "من تداين بدين فى نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء"(وقد ورد أيضا) ما يدل على أن من مات من المسلمين مديونا فدينه على من اليه ولاية أمور المسلمين يقضيه عنه من بيت مالهم، وان كان له مال كان لورثته (أخرج البخارى من حديث أبى هريرة) "ما من مؤمن الا وأنا أولى به فى الدنيا والآخرة: اقرءوا ان شئتم - النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم - فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى فأنا مولاه" وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائى (وأخرج أحمد وأبو يعلى من حديث أنس) "من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا فعلى الله وعلى رسوله" (وأخرج ابن ماجه من حديث عائشة) "من حمل من أمتى دينا فجهد فى قضائه فمات قبل أن يقضيه فأنا وليه" (وأخرج ابن سعد من حديث جابر يرفعه) "أحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثلتها وكل بدعة ضلالة، من مات فترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فالىّ وعلىّ" (وأخرج أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه فى حديث آخر) من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعا فإلىّ وعلىّ وأنا أولى بالمؤمنين" وفى معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالها بعد أن كان يمتنع من الصلاة على المديون، فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مديونا وقضى عنه، وذلك مشعر بأن من مات مديونا استحق ان يقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين، وهو أحد المصارف الثمانية فلا يسقط حقه بالموت، ودعوى من ادَّعى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك ساقطة، وقياس الدلالة ينفي هذه الدعوى فى مثل قوله صلى الله عليه وسلم "وأنا وارث من لا وارث له عقل عنه وأرثه" أخرجه أحمد وابن ماجه وسعيد بن منصور والبيهقى وهم لا يقولون إن ميراث من لا وارث له مختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج الطبرانى من حديث سلمان ما يدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة ولفظه "من ترك مالا فلورثته، ومن ترك دينا فعلىَّ وعلى الولاة من بعدى من بيت المال" اهـ (قلت) وما عزاه الشوكانى رحمه الله فى هذا الباب من الأحاديث الى الأمام أحمد، سيأتى فى كتاب القرض والدين ان شاء الله تعالى والله الموفق

(65)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو اليمان قال

ص: 102

وسلَّم حين توفى سجي (1) بثوب حبرة

(66)

وعنها أيضًا أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها فتيمَّم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم (2) وهو مسجَّى ببرد حبرة فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبَّله وبكى (3) ثم قال بأبي وأمَّي، والله لا يجمع الله عز وجل عليك موتتين أبدًا (4) أما الموتة الَّتي قد كتبت عليك فقدمتها

أخبرنا شعيب عن الزهرى قال أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى - الحديث (غريبه)(1) بضم السين بعدها جيم مشددة مكسورة أى غطّى "وقوله بنوب حبرة" هو بأضافة ثوب إلى حبرة - وهى بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها راء مهملة، ثوب فيه اعلام وهو نوع من برود اليمن (تخريجه)(ق. وغيرهما).

(66)

وعنها أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن اسحاق قال ابن عبد الله قال أنا يونس ومعمر عن الزهرى قال أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضى الله عنه زوج النبى صلى الله عليه وسلم أخبرته أن أبا بكر رضى الله عنه - الحديث (غريبه)(2) أى قصده (3) فعل ذلك أبو بكر رضى الله عنه اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فأكب عليه وقبّله ثم بكى حتى سالت دموعه على وجنيته وسيأتى حديثه بعد هذا "وقوله بأبى وأمى" متعلق بمحذوف تقديره فديتك بأبى وأمى (4) قال الحافظ أشد ما فى هذا الحديث إشكالا قول أبو بكر لا يجمع الله عليك موتتين، قال وعنه أجوبة، فقيل هو على حقيقته وأشار بذلك الى الرد على من زعم انه سيحيا فبقطع أيدى رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعمها على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذى مر على قرية وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها (وقيل) أراد لا يموت موتة أخرى فى القبر كثيرة، إذ يحيا ليسأل ثم يموت، وهذا جواب الداودى (وقيل) لا يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك (وقيل) كنى بالموت الثانى عن الكرب أى لا تلقى بعد كرب هذا الموت كربا آخر اهـ (تخريجه)(خ. نس. جه)

ص: 103

(67)

عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ابن مظعون (1) وهو ميَّت، حتَّى رايت الدُّموع تسيل على وجهه (2)(وعنها من طريق ثان)(3) بنحوه وفيه، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبَّل عثمان بن مظعون وهو ميَّت، قالت فرأيت دموعه تسيل على خدَّيه يعني عثمان قال عبد الرحمن (4) وعيناه تهرقان، أو قال وهو يبكي

(67) عن القاسم عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم عن عائشة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) هو من السابقين فى الاسلام، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا، قال صاحب المشكاة هاجر الهجرتين وشهد بدرا، وكان حرَّم الخمر فى الجاهلية، وهو أول من مات المهاجرين بالمدينة فى شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة، ولما دفن قال نعم الملف هو لنا ودفن بالبقيع، وكان عابداً مجتهداً من فضلاء الصحابة اهـ (قلت) وستأتى ترجمته فى كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى (2) أى وجه عثمان، كما يستفاد ذلك من الطريق الثانية (3) (سنده) حدَّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع وعبد الرحمن قالا ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل، وقال وكيع قالت قبِّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت - الحديث"(4) هو أحد الراويين اللذيِّن روى عنهما الأمام أحمد هذا الحديث "وقوله تهراقان" أى تصبان الدموع، وفيه جواز البكاء على الميت، وقد عقدنا لذلك أبواباً مخصوصة ذكرنا فيها الجائز وغيره ستأتى بعد هذا (تخريجه)(جه. مذ) وقال حديث عائشة صحيح (قلت) فى اسناده عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ضعيف (قال المنذرى) قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب تسجية الميت أى تغطيته بعد تحقق موته (قال النوى) وهو مجمع عليه وحكمته صيانة الميت من الانكشاف وستر عورته عن الأعين (قال أصحاب الشافعى) ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأس وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف منه شئ، قال وتكون التسجية بعد نزع ثيابه التى توفى فيها "وقال فى المجموع" وتقلع ثيابه التى مات فيها بحيث لا يرى بدنه، ثم يستر

ص: 104

أبواب البكاء على الميت والحداد والنعي

(1)

باب ما لا يجوز من البكاء على الميت

(68)

عن عبد الله (يعي ابن مسعود) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ليس منَّا (1) من شقَّ

جميع بدنه بثوب خفيف ولا يجمع عليه أطباق الثياب، قال ويوضع على شئ مرتفع كسرير ولوح ونحوهما، ويوضع على بطنه شيء ثقيل، ويستقبل به القبلة كالمحتضر، ويتولى هذه الأمور أرفق محارمه بأسهل ما يقدر عليه، قال صاحب الحاوى وغيره ويتولاها الرجل من الرجل والمرأة من المرأة، فان تولاها أجنبى أو محرم من النساء أو تولاها أجنبية أو محرم من الرجال جاز اهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) جواز تقبيل الميت كما فعل أبو بكر بالنبى صلى الله عليه وسلم وقد فعله النبى صلى الله عليه وسلم قبله بعقمان بن مظعون (قال الشوكانى) ولم ينقل أنه أنكر أحد من الصحابة على أبى بكر فكان إجماعًا اهـ (قال النووى) ويجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه، ثبتت فيه الأحاديث وصرح به الدارمى فى الاستذكار والسرخسى فى الأمالى اهـ (قلت) ولم يبين فى الحديث فى أى موضع قبل أبو بكر النبى صلى الله عليه وسلم وقد جاء ذلك مبينا فى حديث ذكره الأمام ابن العربى فى شرحه على الترمذى، قال قال الترمذى وأخبرنا نصر بن على الجهضمى حدثنا مرحوم بن عبد العزيز عن أبى عمر الجوينى عن زيد ابن بابنوس عن عائشة أن أبا بكر دخل على النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فاه بين عينيه ووضع يده على ساعديه، وقال يا نبياه يا صفياه فبين ذلك موضع التقبيل وصفته اهـ.

(68)

عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله - الحديث" (غريبه)(1) أى ليس من أهل سنتنا وطريقتنا وليس المراد إخراجه من الدين، وفائدة ايراد اللفظ المبالغة فى الردع عن الوقوع فى مثل ذلك، كما يقول الرجل لولده عند معاتبته: لست منك ولست منى، أى ما أنت على طريقتى، وحكى عن سفيان أنه كان يكره الخوض فى تأويل هذه اللفظة ويقول ينبغى ان نمسك عن ذلك ليكون أوقع فى النفوس وأبلغ فى الزجر، وقيل المعنى ليس على ديننا الكامل أى انه خرج من فرع من فروع الدين وان كان معه أصله؛ حكاه ابن العربى، قال الحافظ ويظهر لى أن هذا النفى يفسره التبرؤ الذى حديث أبى موسى (يعنى قوله انا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتى بعد حديث) قال وأصل البراءة

ص: 105

الجيوب (1) ولطم الخدود (2) ودعى بدعوى الجاهليَّة (3)(وعنه من طريق ثان)(4) بلفظ، ليس منَّا من لطم الخدود، أو شقَّ الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهليَّة (5)

(69)

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهن (6) فقال لكن حمزة لابواكي له (7) فبلغ ذلك نساء الأنصار فجئن يبكين على حمزة، قال فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللَّيل فسمعهنَّ وهنَّ يبكين؛ فقال ويحهنَّ (8) لم يزلن يبكين منذ الليلة

الانفصال من الشئ وكأنه توعده بأن لا يدخله فى شفاعته مثلا اهـ (1) جمع جيب بالجيم وهو ما يفتج من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره؛ وهو من علامات السخط وعدم الرضا بالقضاء (2) هو ضربها بالكف، وخص الخد بذلك لكونه الغالب والا فضرب بقية الوجه مثلا (3) رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية أى من الناحية ونحوها وكذا الندبة كقولهم واجبلاه وكذا الدعاء بالويل والثبور (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا - الحديث" (5) المعنى أن من فعل خصلة واحدة من هذه الخصال الثلاث كان خارجا عن الطريقة المحمدية أو كان ناقص الايمان أو كان كافرا ان استحل ذلك، والله أعلم (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (ق. نس. مذ. جه. هق) ولم أقف على من أخرجه بلفظ الطريق الثانية.

(69)

عن عبد الله بن عمر (ٍنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا صفوان بن عيسى أنا أسامة بن زيد عن نافع عن عبد الله بن عمر - الحديث" (غريبه) (6) لفظ ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم احد - الحديث"(7) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قبل النهى عن البكاء كما يشير اليه لفظ الحديث فلا اشكال والله أعلم (8) ويح كلمة رحمة، وويل كلمة عذاب، وقيل هما بمعنى واحد تقول ويح لزيد، وويل لزيد، فترفعهما على الابتداء، ولك أن تنضبهما بفعل مضمر تقديره ألزمه الله تعلاى ويحًا وويلا ونحو ذلك، وكذا ويحك وويلك وويح زيد وويل زيد منصوب بفعل مضمر، والخلاصة أن ويحًا تارة تأتي بمعنى الرحمة وتارة بمعنى العذاب،

ص: 106

مروهنَّ فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم (1)

(70)

عن يزيد بن أوس قال أغمى على أبي موسى الأشعريَّ رضي الله عنه فبكوا عليه، فقال إنَّي بريء (2) مَّمن برئ منه رسول الله صلَّى الله عليه وسبم فسألوا عن ذلك امرأته (3) فقالت من خلق أو خرق أو سلق

والظاهر أنه المراد هنا، وأما ويل فللعذاب فقط (1) أى لا يبكين بكاء يصاحبه شئ مما حرمه الشارع (تخريجه)(جه) وسنده جيد

(70)

عن يزيد بن أوس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا شعبة بن منصور عن ابراهيم عن يزيد بن أوس الحديث (غريبه)(2) تقدم فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب قول الحافظ أصل البراءة الانفصال من الشئ وكأنه توعده بأن لا يدخله فى شفاعته مثلا، قال وقال المهلب قوله أنا برئ أى من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل، ولم يرد نفيه عن الاسلام (3) يعنى أنهم سألوا امرأة أبى موسى عما برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت من حلق الخ - وكانت سمعت الحديث من أبى موسى كما فى رواية أخرى عند الأمام أحمد قال ثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن ابراهيم عن يزيد بن أوس عن أبى موسى أنه أغمى عليه فبكت عليه أم ولده فلما أفاق قال لها أما بلغك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يعنى يزيد بن أوس" فسألتها فقالت قال "ليس منا من سلق وحلق وخرق" ومعنى (سلق) أى رفع صوته بالبكاء مع التلفظ بما نهى عنه الشرع، ومنه قوله تعالى "سلقوكم بألسنة حداد"(وحلق) أى حلق شعره (وخرق) أى شق ثوبه (قال الحافظ) وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره، وكأن السبب فى ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء، فان وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم أو متسخطا مثلا بما وقع فلا مانع من حمل النفى على الاخراج من الدين اهـ (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم) ولفظ البخارى عن أبى بردة عن أبى موسى رضى الله عنه، قال "وجع أبو موسى وجعا فغشى عليه ورأسه فى حجر امرأة من أهله فلم يستطيع أن يردَّ عليها شيئًا، فلما أفاق قال أنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من من الصالقة والحالقة والشاقة اهـ. والصالقة بالصاد المهملة ويقال أيضا السالقة بالسين المهملة لغتان، هى التى ترفع صوتها عند المصيبة بالصياح والولولة، والحالقة التي تحلق شعرها، والشاقه التى ثيباها عند المصيبة (وعند مسلم) أنا برئ ممن حلق وسلق

ص: 107

(71)

عن صفوان بن محرز قال أغمى على أبي موسى فبكوا عليه فأفاق فقال إنَّي أبرأ إليكم ممَّن برئ منه رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مَّمن حلق أو خرق أو سلق (1)

(72)

عن أمَّ عطيَّة رضي الله عنها قالت لمَّا نزلت هذه الآية (يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا -إلى قوله ولا يعصينك في معروف)

قالت كان منه (2) النَّياحة، قلت يا رسول الله إلَاّ آل فلان وإنَّهم قد كانوا أسعدوني (3) ي الجاهليَّة لا بدَّ لي من أن أسعدهم، قالت فقال رسول الله

وخرق، وتقدم تفسيره (قال الحافظ) والنسائى من طريق يزيد بن أوس عن أم عبد الله امرأة أبى موسى فذكر الحديث دون القصى (ولأبى نعيم فى) المتسخرج على مسلم من طريق ربعى قال أغمى على أبى موسى فصاحت امرأته بنت أبى دومة، فحصلنا على أنها أم عبد الله بنت أبى دومة (وأفاد عمر بن شبة) فى تاريخ البصرة أن اسمها صفية بنت دمون وأنها والدة أبى بردة بن أبى موسى، وان ذلك وقع حين كان أبو موسى أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب رضى الله عنه اهـ.

(71)

عنصفوان بن محرز (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا شعبة عن عوف عن خالد الأحدب عن صفوان بن محرز - الحديث" (1) فيه أن كل واحدة من هذه الخصال توجب تبرؤ النبى صلى الله عليه وسلم من فاعلها، وفى رواية عند النسائى من طريق سهم بن منجاب عن القرئع قال: لما ثقل أبو موسى صاحت امرأته فقال، أما علمت ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت بلى ثم سكتت، فقيل لها بعد ذلك أن شئ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من حلق أو سلق أو خرق" وهى تقيد لعن من فعل واجدة من هذه الخصال، واللعن معناه الطرد من الخير والرحمة، نعوذ بالله من ذلك (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم)

(72)

عن أم عطية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى تنا أبو معاوية ثنا طعم عن حفصة عن أم عطية - الحديث (2) أى من المعروف (3) هو اسعاج النساء فى المناحاة، تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة (قال الخطابى) أما الأسعاد فخاص فى هذا المعنى؛ وأما المساعدة فعامة فى كل معونة، يقال إنها من وضع

ص: 108

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إلا آل فلان (1)

(73)

عن حفصة سير بن عن أمَّ عطيَّة رضي الله عنها قالت بايعنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأخذ علينا فيما أخذ أن لا ننوح، فقالت امرأة من الأنصار (2) إنَّ آل فلان أسعدوني ي الجاهليَّة ويهم مأتم، فلا أبايعك حتَّى أسعدهم كما أسعدوني فقال (3) فكأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وافقها على ذلك، فذهبت فأسعدتهم ثم رجعت فبايعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال، فقالت أمُّ عطيَّة فما وفت امرأة منَّا غير

الرجل يده على ساعد صاحبه إذا تماشيا فى حاجة اهـ (1) قال النووى رحمه الله هذا محمول على الترخيص لأم عطية فى آل فلان خاصة كما هو ظاهر، ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها فى غير آل فلان كما هو صريح فى الحديث، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء، فهذا صواب الحكم فى هذا الحديث، واستشكل القاضى عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة، ومقصودى التحذير من الاغترار بها، حتى ان بعض المالكية قال "النياحة ليست بحرام" بهذا الحديث وقصة نساء جعفر (قلت ستأتى بعد حديثين) قال وإنما المحرم ما كان معه شئ من أفعال الجاهلية، كشق الجيوب. وخمش الخدود. ودعوى الجاهلية؛ والصواب ما ذكرناه آولا، وأن النياحة حرام مطلقا، وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره، والله أعلم اهـ. (تخريجه)(ق. نس. هق. وغيرهم)

(73)

عن حفصة بنت سيرين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا عاصم الأحول عن حفصة بنت سيريم - الحديث" (غريبه) (2) لم تذكر اسم المرأة فى هذه الرواية، وسياق الحديث يدل على أنها هي أم عطية، والظاهر أنها أبهمت نفسها خجلا من قولها فى الحديث "فلا أبايعك حتى أسعدهم" أو لشئ آخر والله أعلم، وقد جاء فى النهاية فى حديث أم عطية أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها فاذهبى فأسعديها ثم بايعينى، وجاء فى رواية أخرى عند الأمام أحمد عن أم عطية بنحو حديث الباب وفيه قالت امرأة يا رسول الله إن امرأة أسعدتني أفلا أسعدها، فقبضت يدها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فلم يبايعها، فيستفاد من مجموع هذه الروايات أن المرأة المبهمة فى الحديث هى أم عطية والله سبحانه وتعالى أعلم (3) أي أحد الرواة

ص: 109

تلك (1) وغير أمَّ سليم بنت ملحان

(74)

عن حفصة عن أمَّ عطيَّة رضي الله عنها قالت كان "تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخذ علينا في البيعة أن لا ننوح فما وفت امرأة منَّا (2) غير خمس، أمُّ سليم وامرأة معاذ ابنة أبي سبرة (3) وامرأة أخرى

(75)

عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت لمَّا جاء نعى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة (4) جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الحزن، قالت عائشة وأنا أطَّلع من شقَّ الباب، فأتاه رجل

(1) تعني نفسها (وأم سليم) هى والدة أنس بن مالك رضى الله عنهما واسمها سهلة لكن فى الحديث التالى أنها قالت "فما وفت امرأة منا غير خمس، وسيأتى الكلام على ذلك فى شرحه (تخريجه)(ق. نس. وغيرهما) بغير هذا السياق وبغير ابهام المرأة

(74)

عن حفصة عن أم عطية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون قال أنا هشام عن حفصة عن أم عطية - الحديث" (غريبه)

(2)

معناه لم يف ممن بايع مع أم عطية فى الوقت الذى بايعت فيه من النسوة إلا خمس، لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمس، قاله القاضى عياض "وأم سليم" تقدم ذكر اسمها فى شرح الحديث السابق (3) رواية البخارى ومسلم "وابنة أبى سيرة امرأة معاذ أو ابنة أبى سرة وامرأة معاذ" والظاهر ما فى الرواية الاخيرة وهى أن امرأة معاذ غير بنت أبى سيرة لأنها بنت خلاد بن عمر السلمية ذكرها ابن سعد، وبهذا يستقيم العدد وتكون الخامسة أم عطية، وقد ذكر البخارى ومسلم فى روايتيهما أم العلاء بعد أم سليم؛ فلعلها المرأة التي أبهمتها أم عطية فى حديث الباب، (وأم العلاء) هى الأنصارية ممن بايعن النبى صلى الله عليه وسلم ووالدة خارجة بن زيد بن ثابت، وكان يسكن فى بيتها عثمان بن مظعون حينما اقترع الأنصار على سكنى المهاجرين رضى الله عنهم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(75)

عن عمرة عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن عير ثنا يحيى عن عمرة عن عائشة - الحديث" (غريبه)(4) استشهد هؤلاء الثلاثة رضى الله عنهم بغزة مؤتة بضم الميم وسكون الواو المهموزة، وهى قرية من قرى البلقاء دون دمشق، وكان ذلك فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، وسيأتى تفصيل هذه

ص: 110

فقال يا رسول الله إنَّ نساء جعفر فذكر من بكائهنَّ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينهاهنَّ فذهب الرَّجل، ثمَّ جاء فقال قد نهيتهنَّ وإنَّهنَّ لم يطعنه حتَّى كان في الثَّالثة، فزعمت (1) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال احثوا (2) في وجوههنَّ التُّراب، فقالت عائشة قلت أرغم الله بأنفك والله ما أنت بفاعل ما قال لك ولا تركت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم (4)

(76)

عن أمَّ سلمة رضي الله عنها قالت لمَّا مات أبو سلَّمة قلت غريب ومات بأرض غربة (5) فأفضت بكًاء، فجاءت امرأة تريد أن تسعدني (6)

الغزوة في كتاب الغزوات إن شاء الله تعالى (1) مر تفسير زعم فى الجزء الأول صحيفة 67 وانه قد يراد به القول المحقق والصدق الذى لا شك فيه كقوله صلى الله عليه وسلم زعم جبريل كذا وهو المراد هنا (2) هكذا فى الأصل "احثوا" بواو الجماعة فلعله أمره بذلك مع آخرين وفى رواية مسلم "قال اذهب فاحث فى أفواههن من التراب" بالأفراد (قال النووى) هو بضم الثاء وكسرها؛ يقال حثا يحثو وحثو يحثى لغتان وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك مبالغة فى انكار البكاء عليهم ومنعهن منه، ثم تأوله بعضهم على أنه كان بكاء بنوح وصياح ولهذا تأكد النهى، ولو كان مجرد دمع العين لم ينه عنه لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وأخبر أنه ليس بحرام وأنه رحمة، وتأوله بعضهم على أنه كان بكاء من غير نباحة ولا صوت، قال ويبعد أن الصحابيات يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم، وانما كان بكاء مجردا والنهي عنه تنزيه وأدب لا للتحريم، فلهذا أصررن عليه متأولات (3) أى الصقه بالرَّغام، وهو التراب، وهو اشارة الى اذلاله وإهانته (4) المعنى أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الأنكار لنقصك وتقصيرك ولا تخبر النبى صلى الله عليه وسلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح، ويحتمل أن يكون معنى ولا تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم أى بعدم اخباره من أول الأمر فيستريح من التفكير فيه والله أعلم (تخريه)(ق. نس. هق. وغيرهم)

(76)

عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن أبيه عن عبيد بن عمير عن أم سلمة - الحديث" (غريبة)

(5)

نريد أنه من أهل مكة ومات بالمدينة (6) أى تساعدنى فى البكاء والنوح: وقولها من الصعيد، المراد بالصعيد هنا عوالى المدينة، وأصل الصعيد ما كان على وجه الأرض

ص: 111

من الصَّعيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تريدين أن تدخلي الشَّيطان بيتًا قد أخرجه الله عز وجل منه (1) قالت فلم أبك عليه

(فصل منه فيما ورد من التغليظ في النياحة والنائحة والمستمعة)

(77)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لا تصلَّي على نائحة ولا على مرنَّة (2)

(78)

عن أبي سعيد الخدريَّ رضي الله عنه قال لعن (3) رسول الله

(1) هو كناية عن تمسك أهل هذا البيت بدين الاسلام الدين القويم وعملهم بتعاليمه فلم يجد الشيطان له مأوى فى هذا البيت، فاذا عصوا الله تعالى بمثل البكاء والنوح الذى حرمه الله وجد الشيطان سبيلا إلى دخوله، قالت أم سلمة رضى الله عنها فلم أبك عليه أى بعد ما سمعت الحديث (تخريجه)(م. هق) وقال هذا فى بكاء يكون معه ندب أو نياحة، وهكذا مما روينا فيما مضى عن عائشة من بكاء نساء جعفر عليه ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن ذلك اهـ

(77)

عن أبى هريرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدّثنا سلمان بن داود ثنا عمران عن قتادة عن أبى مراية عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)

(3)

النائحة هى التى تنوح على الميت بصوت مرتفع قائلة واحسرتاه وامصيبتاه واويلاه ونحو ذلك بحالة تجلب البكاء والحزن (والمرنة) المصوتة، والرنة الصوت، وعدم صلاة الملائكة عليها كناية عن غضب الله عليها وطردها من رحمته، لأن الملائكة لا تصلى على من غضب الله عليه (تخريجه) أورده الهيثى وقال رواه أحمد وفيه أبو مراية ولم أجد من وثقه ولا جرحه وبقية رجاله ثقات، وأورده المنذرى وقال رواه أحمد وإسناده حسن ان شاء الله (قلت) وإنما قال المنذرى حسن إن شاء الله لأن أبا مراية أحد رجاله لم يذكره أحد بجرح وتعديل، والأصل تحسين الظن بالمسلم والله سبحانه وتعالى أعلم

(78)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن ربيعة محمد بن الحسن يعنى ابن عطية العوفى عن أبيه عن جسده عن أبى سعيد - الحديث" (غريبه)(3) اللعن هو الطرد والأبعاد عن رحمة الله ولا يكون إلا على كبيرة، فالتائحة قد ارتكبت كبيرة بفعلها، والمستمعة ما استمعت إلا وهي راضية

ص: 112

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم النَّائحة والمستمعة

(79)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال شعبتان (1) من أمر الجاهليَّة لا يتركهما النَّاس أبدًا (2) النَّياحة والطَّعن في النَّسب

(80)

عن أبي مالك الأشعريَّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن فعل النائحة، والرضا بالمعصية معصية فاشتركتا فى اللعنة، نعوذ بالله من ذلك (ترخيجه)(د. هق) قال المذنرى وليس فى اسناده من ترك، ورواه البزار والطبرانى وزاد فيه "وقال ليس للنساء فى الجنازة نصيب" اهـ

(79)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن ابن عجلان قال حدثنى سعيد عن أبى هريرة قال وسمعت أبى يحدث عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال أبى قلت ليحيى كلاهما عن النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، قال شعبتان الحديث (غريبه)(1) أى خصلتنا من خصال أهل الجاهلية، اى كان يفعلهما الناس فى الجاهلية قبل الاسلام (2) أى حتى فى الاسلام، احداهما النباحة، وتقدم الكلام عليها، والثانية الطعن فى النسب وهو ان ينسب الرجل لغير أبيه، وقد رواه مسلم عن أبى هريرة أيضا بلفظ "اثنتان فى الناس هما بهم كفر. الطعن فى النسب. والنياحة على الميت" ففى هذه الرواية اطلق اسم الكفر عليهما (قال النووى) وفيه أقوال، أصحها أن معناه هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية (قلت ويؤيده لفظ حديث الباب) قال (والثانى) أنه يؤدى الى الكفر (والثالث) أنه كفر النعمة والاحسان (والرابع) ان ذلك فى المستحل، وفى هذا الحديث تغليظ تحريم الطعن فى النسب والنياحة؛ وقد جاء فى كل واحد منهما نصوص معروفة والله أعلم اهـ (تخريجه)(م) وقد علمت لفظه، ورواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم وقال صحيح الاسناد عن أبى هريرة بلفظ "قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الكفر بالله. شق الجيب. والنياحة. والطعن فى النسب" وفى رواية لابن حبان ثلاثة هى الكفر، وفى أخرى ثلاث من عمل الجاهلية لا يتركهن أهل الاسلام فذكر الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم.

(80)

عن أبى مالك الأشعرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ابن اسحاق ثنا موسى أخبرنى أبان بن يزيد عن يحيى بن أبى كثير عن زيد بن سلام عن أبي سلام

ص: 113

أربع من الجاهليَّة (1) لا يتركن، الفخر في الأحساب (2) والطَّعن في الأنساب (3) والاستسقاء بالنجوم (4) والنَّياحة، (5) والنَّائحة إذا لم تتب (6) قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سر بال (7) من قطران أو درع من جرب (8)(وعنه من طريق ثان)(9) أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلَّم قال إنَّ في أمَّتي أربعًا

عن أبي مالك الأشعري - الحديث" (غريبه) (ذ) أى من أفعال أهل الجاهلية وفى الطريق الثانيى "إن فى أمتى أربعًا من الجاهلية ليسوا بتاركيهن" أى فى غالب أمتى أو أكثرهن لا يتركهن بعضهم (2) أى الشرف بالآباء والتعاظم بمناقبهم كأن يقول أنا ابن فلام العالم أو الشجاع أو الكريم، فيحرم ذلك حيث قصد به الفخر على الغير والتكبر عليه (3) كأن يقول لغيره لست ابن فلان فهو كبيرة، ويقع كثيرًا أن يقال ليس فلان شريفا؛ فلان من أصل وضيع ونحو ذلك فهو كبيرة أيضا (4) أى اعتقاد أن نزول المطر بنجم كذا وتقدم بسط الكلام فيه فى آخر أبواب الاستسقاء فى الجزء السادس (5) أى على الميت كما فى الطريق الثانية، وهى رفع الصوت بالتحسر على الميت ونحو ذلك، أو ندبه وتعديد شمائله (6) فيه صحة التوبة من المكلف ما لم يمت ولم يصل إلى الغرغرة، وفيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه (7) هو القميص جمعه سرابيل، أى لباسها قميض "من قطران" بكسر الطاء المهملة، وأصل القطران من شجر يسمى الأبهل فيطبخ ويدهن به الأبل الجرباء فيحرق الجرب بحرارته وهو الصق شئ بالنار، ويقال فيه قطران بفتح القاف وكسر الطاء وتسكينها، وبكسر القاف وتسكين الطاء، وقرأ عكرمة ويعقرب قوله تعالى "سرابيلهم من قطران" من قطر آن على كلمتين منونتين، والقطر بكسر القاف النحاس والصفر المذاب "والآن" الذى انتهى حره: قال تعالى {يطوفون بينهما وبين حميم آن" والمعنى أن سرابيلهم تكون من نحاس حار قد انتهى حره، وكذا روى عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة (8) رواية مسلم والبيهقى "ودرع من جرب" بواو العطف وهى الرواية المشهورة ويؤيدها ما فى الطريق الثانية من الحديث، قال فى التنقيح "وقوله درع من جرب" أى درع من أجل جرب كائن بها، ودرع المرأة قميصها والسربال القميص مطلقا اهـ. وخص النأمحة بهذا الوعيد لأت النياحة مختصة بالنساء غالبا وهن لا ينزجرن انزجار الرجال فاحتجن إلى مزيد الوعيد، والله أعلم (9)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر على يعنى ابن المبارك عن يحيى بن أبي كثير

ص: 114

من الجاهليَّة ليسوا بتاركيهنَّ، الفخر بالأحساب، والطَّعن في الأنساب والإستسقاء بالنُّجوم، والنَّياحة على الميَّت، فإنَّ النَّائحة إن لم تتب قبل أن تموت فإنَّها تقوم يوم القيامة عليها سرابيل من قطران، ثمَّ يعلي عليها (1) درع من لهب النَّار

(2)

باب ما جاء في أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه

(81)

عن يحي بن عبد الرَّحمن بن حاطب عن أبن عمر رضي الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر فقال إنَّ هذا ليعذَّب الآن ببكاء أهله عليه، فقالت عائشة غفر الله لأبي عبد الرحمن (2) إنَّه وهل، إنَّ الله تعالى يقول

عن زيد بن سلام عن ابن سلام قال قال أبو مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - الحديث"

(1)

أى يجعل على ثيابها التى من قطران "درع" أى قميص من لهب النار، وهو كناية عن شدة عذابها، وأن لهب النار يطوقها كما يطوق القميص صاحبه، نعوذ بالله من ذلك (تخريجه)(م. هق. جه) وروى ابن ماجه نحوه أيضا من حديث ابن عباس (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تحريم البكاء على الميث اذا صحبه نياحة أو ندب أو لطم خد. أو شق جيب. أو خمش وجه. أو نشر شعر. أو دعاء بالوبل والثبور (قال النووى) فكلها محرمة باتفاق الأصحاب وصرح الجمهور بالتحريم، ووقع فى كلام بعضهم لفظ الكراهة، وكذا وقع لفظ الكراهة فى نص الشافعى فى الأم، وحملها الأصحاب على كراهة التحريم (قلت وهو المتعين للوعيد الشديد فى ذلك) قال وقد نقل جماعة الاجماع فى ذلك، قال إمام الحرمين رحمه الله، ورفع الصوت بأفراط فى معنى شق الجيب (قال غيره) هذا إذا كان مختاراـ فان كان مغلوبا لم يؤاخذ لأنه غير مكلف اهـ ج (وفى أحاديث الباب) التغليظ الشديد فى أمر النائحة اذا لم تتب قبل موتها، لأنها مع ارتكابها هذه المعصية تحث غيرها فعليها مثل أوزار من اقتدة بها وعمل بعملها أو استمع لها، ويجب شرعا على ولى أمرها منعها من ذلك بكل الوسائل الممكنة والَاّ كان شريكها فى الاثم، نسأل الله السلامة

(81)

عن يحيى بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا محمد بن عمرو بن يحيى بن عبد الرحمن - الحديث" (غريبه)(2) تعنى ابن عمر رضى الله عنهما وقولها (انه وهل) بفتح الهاء أى ذهب وهمه الى ذلك، ويجوز أن

ص: 115

"ولا تزر وازرة وزر أخرى" إنَّما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ هذا ليعذَّب الآن وأهله يبكون عليه

(82)

عن عائشة رضي الله عنها قالت قيل لها إنَّ ابن عمر يرفع إلى الله النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّ الميَّت يعذَّب ببكاء الحيَّ، قالت وهل أبو عبد الرَّحمن، إنَّما قال إنَّ أهل الميَّت يبكون عليه، وإنَّه ليعذَّب بجزمه (1)(وعنه من طريق ثان)(2) عن هشام بن عروة قال حدَّثني أبي أنَّ عائشة رضي الله عنها قالت له يا ابن أختي (3) إنَّ أبا عبد الرحمن تعني ابن عمر رضي الله عنهما أخطأ سمعه؛ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا يعذَّب في قبره بعمله وأهله يبكون عليه وإنَّها والله ما تزر وازرة وزر أخرى

(83)

عن عبد الله بن أبي بكر (4) عن أبيه عن عمرة أنَّها أخبرته أنَّها سمعت عائشة وذكر لها أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول إنَّ الميَّت

يكون بمعنى سها وغلط يقال منه وهل فى الشئ وعن الشئ بالكسر يوهل وهلا بالتحريك (نه)(تخريجه)(ق. نس. هق. وغيرهم) بألفاظ مختلفة

(82)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير ثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت - الحديث" (غريبه) (1) بضم الجيم أة بذنبه، الجرم الذنب. وقد جرم واجترم وتجرم "نه" (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا همام قال ثنا هشام بن عروة قال حدثنى أبى "الحديث" (3) أى لأن عروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبى بكر الصديق اخت عائشة رضى الله عنهم (تخريجه)(.ق. هق. والأربعة)

(83)

عن عبد الله بن أبى بكر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أن ثنا اسحاق قال حدثنى مالك عن عبد الله بن أبى بكر - الحديث" (غريبه)

(4)

هو عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى "وعمرة هي بنت

ص: 116

ليعذَّب ببكاء الحيَّ (1) فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرَّحمن (2) أما إنَّه لم يكذب، ولكنَّه نسي أو أخطأ، إنَّما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهوديَّة يبكى عليها، فقال إنَّهم ليبكون عليها وإنَّها لتعذَّب في قبرها

(84)

عن أبي عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه (3) يوم القيامة

(85)

عن أبي الرَّبيع قال كنت مع ابن عمر في جنازة فسمع صوت

عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (1) الظاهر أنه مقابل الميت، قيل ويحتمل القبيلة، واللام فيه بدل من الضمير (أى حبه) أى قبيلته فيرافق رواية ابن أبى مليكة ببكاء لأهله وستأتى، وفى رواية لمسلم "من يبكى عليه يعذب" ولفظها أعم، وفيه أنه ليس خاصا بالكافر (2) قالت ذلك عائشة رضى اله عنها وعبد الله بن عمر على قيد الحياة، ولا يتوهم منه أنها قالته بعد وفاته، لأن الدعاء بالمغفرة يكون للحى والميت، وقد توفيت السيدة عائشة قبل ابن عمر رضى الله عنهم، وكانت وفاتها فى 17 رمضان سنة ثمان وخمسين من الهجرة، وقد وافق اليوم والشهر الذى توفى فيه الأمان على بن أبى طالب رضى الله عنه حيت كانت وفاته فى رمضان 17 رمضان سنة أربعين، وكانت وفاة ابن عمر رضى الله عنهما فى رمضان أيضا سنة ثلاث وسبعين وعمره سبع وثمانون سنة رضى الله عنهم أجمعين، وقدّمت عائشة رضى الله عنها الدعاء لابن عمر دفعا لما يكره من نسبته الى النسيان أو الخطأ، وهذا من محاسن الآداب والأخلاق الكريمة (تخريجه)(ق. لك. نس. وغيرهم)

(84)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن سعيد ابن عبيد عن عبادة بن الوليد ابن عبادة عن ابن عمر - الحديث" (غريبه) (3) أى بنظير ما يبيكه به أهله، لأن الأفعال التي يمدحونه به، وقيل معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به كما سيأتى فى حديث أبى موسى "إذا قالت النائحة وا عضداه وا ناصراه واكاسياه جبذ الميت، وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها أو غير ذلك؛ والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(58)

"عن أبى ربيع" هذا طرف من حديث تقدم بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه

ص: 117

إنسان يصيح فبعث إليه فأسكته، فقلت يا أبا عبد الرَّحمن لم أسكتَّه؟

قال إنَّه يتأذى به الميَّت حتَّى يدخل قبره الحديث

(86)

عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الكافر من كفَّار قريش يموت فيبكيه أهله، فيقولون المطعم الجفان (1) المقاتل الَّذي (2) فيزيده الله عذابًا بما يقولون (3)

(87)

خط وعنها أيضًا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال والَّي نفسي بيده إنَّهم ليبكون عليه، وإنَّه ليعذَّب في قبره بذنبه (4)

في الجزء الثاني ضحيفة 279 قم 173 فى باب وقت صلاة الصبح، فارجع اليه إن شئت

(86)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) جمع جفنة بوزن سجدة وهى القصعة الكبيرة والرجل الكريم، كانت العرب تدعو السيد المطعام بالجفنة الغراء، فيقولون أنت الجفنة الغراء لأنه يضعها ويطعم الناس فيها، والغراء البيضاء، أى لأنها مملوءة بالشحم والدهن (2) هكذا بالأصل "المقاتل الذى فيزيده الخ" وكذلك فى مجمع الزوائد معزوِّا إلى الأمام أحمد كما هنا، ومعناه الذى يهزم الفرسان أو يأسر الشجعان أو نحو ذلك، وربما حذف ذلك العلم به، أو من سقط من الناسخ والله أعلم (3) أى بسبب قزولهم زيادة على عذاب الكفر، وهذا خاص بالكافر على رأى عائشة رضى الله عنها، وسيأتى الجمع بين هذه الأحاديث وكلام العلماء فيها فى الأحكام قريبا (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى اسناده ابن لهيعة فيه كلام

(87)

"خط" وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله قال وجدت هذا الحديث فى كتاب أبى بخط يده حدثنا عبيد الله بن محمد التيمى وهو العيشى قال أنا حماد عن هشام ابن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذى نفسى بيده - الحديث" (4) أى بسبب ما اقترفه من الذنوب فى الوقت الذى يبكون عليه فيه (وفى رواية لمسلم) عن عائشة قالت إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم "انه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وان أهله ليبكون عليه الآن" (تخريجه)(م. وغيره)

ص: 118

(88)

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال الميَّت يعذَّب في قبره بالنَّياحة عليه

(89)

عن أنس رضي الله عنه أنَّ عنر بن الخطَّاب رضي الله عنه لمَّا عوَّلت (1) عليه حفصة فقال يا حفصة أما سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول المعوَّل عليه يعذَّب؟ قال وعوَّل صهيب فقال عمر يا صهيب أما علمت أنَّ المعوَّل عليه يعذَّب

(90)

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال عمر أرسلو إليَّ طبيبًا ينظر إلى جرحي هذا (2) قال فأرسلوا إلى طبيب من العرب فسقي عمر

(88) عن عمر بن الخطاب رضى الى عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ثنا شعبة قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن عمر رضى الله عنه "الحديث"(تخريجه)(ق. نس. هق. وغيرهم)

(89)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس - الحديث" (غريبه) (1) بفتح العين المهملة وتشديد الواو، من عول للمبالغة اذا بكت رافعة صوتها، ومنه رجز عامر * قال * * وبالصياح عوّلو علينا * (نه) (تخريجه) (م. نس. هق) وله شاهد عند البخارة من حديث أبى موسى قال لما أصيب عمر رضى الله عنه جعل سهيب يقول وا أخاه فقال عمر أما علمت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن الميت ليعذب ببكاء الحى"

(90)

عن عبد الله بن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى صالح قال ابن شهاب فقال سالم فسمعت عبد الله بن عمر يقول قال عمر ارسلوا إلىّ طبيبا - الحديث" (غريبه)(2) يعنى الجرح الذى مات بسببه من طعنات أبى لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وسبب ذلك ما رواه ابن سعد بأسناد صحيح إلى الزهرى قال كان عمر لا يأذن لسبى قد احتلم فى دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عند صانعًا، ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول ان عنده أعمالا تنفع الناس، إنه حداد نقاش نجار؛ فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة، فشكى إلى عمر

ص: 119

نبيذًا (1) فشبَّه النَّبيَّذ بالدَّم حين خرج من الطَّعنة الَّتي تحت السُّرَّة، قال فدعوت طبيبًا آخر من الأنصار من بني معاوية، فسقاه لبنا فخرج اللبن من الطَّعنة صلدًا (2) أبيض، فقال له الطبيب يا أمير المؤمنين اعهد، فقال عمر صدقني أخو بني معاوية، ولو قلت غير ذلك كذَّبتك، قال فبكى عليه القوم حين سمعوا ذلك، فقال لا تبكوا علينا، من كان باكيًا فليخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعذَّب الميَّت ببكاء أهله عليه، فمن أجل

شدة الخراج، فقال له ما خراجك بكثر فى جنب ما تعمل، فانصرف ساخطا، فلبث عمر ليالى فمرّ به العبد فقال "يعنى عمر" ألم أحدث أنك تقول لو أشاء لصنعت حى تطحن بالريح؟ فالتفت اليه عابسا فقال لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه فقال توعدنى العبد، فلبث ليالى ثم اشتمل على خنجر ذى رأسين نصاله وسطه "أى مقبضه وسطه" ليطعن برأسيه، فكمن فى زوايا المسجد فى الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة، وكان عمر يفعل ذلك؛ فلما دنا منه عمر وثب اليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهى التى قتلته (وفى حديث أبى رافع) كان أبو لؤلؤة عبدًا للمغيرة وكان يستغله أربعة دراهم أى كل يوم، فلقيي عمر فقال ان المغيرة أثقل علىّ، فقال اتق الله وأحسن اليه، ومن نية عمر أن يلقى المغيرة فيكلمه فيخفف عنه، فقال العبد وسع الناس عدله غيرى وأصرّ على قتله، فاصطنع له خنجرًا له رأسان وسمَّه فتحرى صلاة الغداة حتى قام عمر فقال أقيموا صفوفكم، فلما كبر طعنه فى كتفه وفى خاصرته فسقط، أفاده الحافظ (؛) قال الحافظ فى الفتح وفى رواية أبى إسحاق، فلما أصبح دخل عليه الطبيب، فقال أىّ الشراب أحب اليك؟ قال النبيذ، فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه، فقال هذا صديد، ائتوني بلبن فشربه فخرج من جرحه، فقال الطبيب أوص فانى لا أظنك إلا ميتا من يومك أو من غد، قال والمراد بالنبيذ المذكور تمرات بنذت فى ماء أى نقعت فيه، كانوا يصعنون ذلك لاستعذاب الماء اهـ (قلت) وسيأتى الكلام على ما يجوز من النبيذ وما لا يجوز فى كتاب الأشربة ان شاء الله تعالى "وقوله فشبه النبيذ بالدم" بضم الشين وكسر الباء الموحدة مشددة أى التبس أمره واشتبه عليه، ويؤيد ذلك رواية أبى رافع "فخرج النبيذ فل يدر أهو نبيذ أم دم (2) أى نقيا أبيض كما شربه لم يتغير

ص: 120

ذلك كان عبد الله لا يقر (1) أن يبكي عنده على هالك من ولده ولا غيرهم

حدّثنا عبد الله حد ثني أبي ثنا إسماعيل حدّثنا أيوب عن عبد الله بن أبي ملكية، قال كنت عند عبد الله بن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان ابنة عثمان بن عفان (2) وعنده عمر بن عثمان، فجاء أبن عباس يقوده قائده (3) قال فأراه أخبره بمكان أبن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي وكنت بينهما (4) فإذا صوت من الدار، فقال أبن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فأرسلها عبد الله مرسلة (5) قال ابن عباس كنا مع أمي المؤمنين عمر (6) حتى إذا كنا بالبيداء

(1) أي لا يقبل ولا يوافق على البكاء عنده على ميت سواء أكان من ولده أم من غيره (تخريجه) هو فى الصحيحين وغيرهما بمعناه لا بلفظه

(91)

حدثنا عبد الله (غريبة)(2) كان ذلك بمكة كما يستفاد من رواية البخارى من طريق ابن أبى مليكة أيضا قال "توفيت بنت لعثمان رضى الله عنه بمكة وجئنا لنشدها وحضرها ابن عمر وابن عباس - الحديث"(3) كان ذلك بعد أن عمى ابن عباس رضى الله عنهما "وقوله فأراه" بضم الهمزة أى فأظن أن عمرو بن عثمان أخبرا ابن عباس بمكان ابن عمر الخ

(4)

فيه دليل لجواز الجلوس والاجتماع لا تنظار الجنازة واستحبابه، وأما جلوس ابن أبى مليكة بين ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم وهما أفضل بالصحبة والعلم والفضل والصلاح والنسب والسن وغير ذلك مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين إلا لعذر فمحمول على عذر، إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس، وإما لغير ذلك. قاله النووى (وقال الحافظ) الظاهر أن المكان الذى جلس فيه ابن عباس كان أرفق له من الجلوس بجنب ابن عمر أو اختار أن لا يقيم ابن أبى مليكة من مكانه ويجلس فيه للنهى عن ذلك اهـ (5) معناه أن ابن عمر أطلق فى روايته تعذيب الميت ببكاء الحى، ولم يقيده يهودى كما قيدته عائشة، ولا بوصية كما قيده آخرون، ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبو عمر (6) يعنى بمكة كما تقيده رواية البخارى عن ابن عباس بلفظ "صدرت مع عمر رضى الله عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء "الحديث" وأصل البيداء المفازة التى لا شئ بها، وهى ها هنا اسم موضع

ص: 121

إذا هو برجل نازل في ظل شجرة، فقال لي أنطلق فأعلم من ذاك فانطلقت فإذا هو صهيب (1) فرجعت إليه فقلت إنك أمرتني أن أعلم، من ذاك؟ وإنه صهيب، فقال مروره فليلحق بنا، فقلت إن كان معه أهله، قال وإن كان معه أهله، وربما قال أيوب مرة فليلحق بنا، فلما بلغنا المدينة لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب (2) فجاء صهيب فقال وا أخاه واصحباه، فقال عمر ألم تعلم أو لم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، فأما عبد الله (3) فأرسلها مرسلة، وأما عمر فقال ببعض بكاء، فأتيت عائشة رضي الله عنها فذكرت لها قول عمر (4) فقالت

مخصوص بين مكة والمدينة (1) بضم الصاد المهملة هو ابن سنان بن قاسط كانوا بأرض الموصل، فأغارت الروم على تلك الناحية فأخذته ضمن السبى وهو غلام صغير، فنشأ بالروم فاشتراه عبد الله بن جدعان بضم الجيم وسكون الدال المهملة التميمى فأتقه ثم أسلم بمكة، وهو من السابقين الأولين المعذبين فى الله تعالى، وهاجر إلى المدينة ومات بها سنة ثمان وثلاثين (2) يعنى بالجراحة التى جرح بها والتي مات فيها (3) يعنى ابن عمر "فأرسلها مرسلة" يعنى أنه قال فى روايته (ببكاء أهله) ولم يقيدها ببعض البكاء "وأما عمر رضى الله عنه فقيدها فى روايته ببعض بكاء أهله" وفسر العلماء هذا البعض الذى يعذب به الميت بما إذا صحبه نياحة، ومفهومه أن بعض البكاء لا يعذب به الميت، وهو الذى ليس فيه نياحة ونحوها، وحملوا ما جاء مطلقا من الأحاديث على هذا التفصيل (4) لفظ البخارى (قال ابن عباس رضى الله عنهما فلما مات عمر رضى الله عنه ذكره ذلك لعائشة رضى الله عنها)(قال الحافظ) فى قوله "قال ابن عباس فلما مات عمر رضى الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضى الله عنها) (قال الحافظ) فى قوله "قال ابن عباس فلما مات عمر الخ" هذا صريح فى أن حديث عائشة من رواية ابن عباس عنها، ورواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبى مليكة عنها والقصة كانت بعد موت عائشة لقوله فيها "فجاء ابن عباس يقوده قائده" فانه إنما عمى فى أواخر عمره، ويؤيد كون ابن أبى مليكة لم يحمله عنها أن عند مسلم فى أواخر القصة (قال ابن أبى مليكة) وحدثنى القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول ابن عمر، قالت إنكم لتحدثونى من غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمه يخطئ، وهذا يدل على أن ابن عمر كان

ص: 122

لا والله ما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببكاء أحد (1) ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، إن الكافر يزيده الله عز وجل ببكاء أهله عذابًا (2) وإن الله لهو أضحك وأبكى، ولا تزر وازرة وزر أخرى، قال أيوب (3) وقال أن أبي مليكة حدثني القاسم، قال لما بلغ عائشة رضي الله عنها قول عمر وابن عمر قالت إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين

قد حدث به مرارًا اهـ (1) وجه جزم عائشة بذلك أنها لعلها سمعت صريحًا من رسوله صلى الله عليه وسلم اختصاص العذاب بالكافر، أو فهمت الاختصاص بالقرائن "وقولها لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجوز تسكين النون من لكن وتشديدها (2) لفظ البخارى ومسلم (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه زقالت حسبكم القرآن {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قال ابن عباس عند ذلك والله هو أضحك وأبكى) وظاهر حديث الباب أن القائل "والله هو أضحك وأبكى" هى عائشة، وظاهر رواية الشيخين أن القائل ذلك هو ابن عباس، فيحتمل أن كليهما قاله فاقصتر فى حديث الباب على قول عائشة، واقتصر فى رواية الشيخين على قول ابن عباس، والله أعلم (قال الحافظ قوله قال ابن عباس عند ذلك) أى عند انتهاء حديث عن عائشة "والله هو أضحك وأبكى" أى العبرة لا يمكلها ابن آدم ولا تسبب له فيها، فكيف يعاقب عليها فضلا عن الميت، وقال الداودى معناه أن الله تعالى أذن فى الجميل من البكاء فلا يعذب على ما أذن فيه (وقال الطيبى) غرضه تقرير قول عائشة أى إن بكاء الانسان وضحكه من الله يظهره فيه فلا أثر له فى ذلك اهـ (3) هذه الجملة من قوله قال أيوب إلى آخر الحديث ليست عند البخارى، وثبتت عند مسلم كما هنا، وعند البخارى بدلها "قال ابن أبى مليكة، والله ما قال ابن عمر رضى الله عنهما شيئا"(قال الحافظ) قال الطيبى وغيره - ظهرت لابن عمر رضى الله عنهما شيئا" (قال الحافظ) قال الطيبى وغيره - ظهرت لابن عمر الحجة فسكت مذعنا "وقال الزين بن المنير" سكوته لا يدل على الاذعان، فلعله كره المجادلة فى ذلك المقام (وقال القرطبى) ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل ولم يتعيم له محمل يحمل عليه إذ ذاك؛ أو كان المجلس لا يقبل المهاراة ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ؛ ويحتمل أن يكون ابن عمر فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبول روايته لانها يمكن أن يتمسك بها فى أن لله أن يعذب بلا ذنب، فيكون بكاء

ص: 123

ولكن السمع يخطئ (1)

عن علي بن ربيعة ألأسدي قال مات رجل من الأنصار يقال له قرظه بن كعب (2) فنيح عليه (وفي رواية إن أول من نيح عليه بالكوفة قرظه بن كعب الأنصاري) فخرج المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال ما بال النوح في الإسلام، أما إني سمت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول إن كذبًا على ليس ككذب على أحد (3) ألا ومن كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، من ينح (4)

الحي علامة لذلك أشار الى ذلك الكرمانى اهـ (1) تعنى أن عمر وابنه رضى الله عنهما لم يتعمدا الكذب فينا قالا، لأنها تنزههما عن ذلك وتشهد لهما بالصدق، الا أن سمعهما أخطأ فحدثنا بما ظناه صوابا (تخريجه)(ق. هق. وغيرهم)

(92)

عن على بن ربيعة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قران بن تمام عن سعيد بن عبيد الطائى عن على بن ربيعة الأسدى - الحديث" (غريبة) (2) قرظة بفتحتين وظاء مشالة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو بن كعب الأنصارى الخزرجى قال البخارى له صحبة، وقال البغوى سكنالكوفة، وقال ابن سعد أمه خليدة بنت ثابت ابن سنان وهو أخو عبد الله بن أنيس لأمه، وشهد قرظة احدا وما بعدها، وكان ممن وجهه عمر إلى الكوفة يفقه الناس اهـ، ومات فى خلافة معاوية حين كان المغيرة بن شعبة أميرًا على الكوفة (قال الحافظ) وكانت امارة المغيرة على الكوفة من قبل معاوية من سنة احدى وأربعين الى أن مات وهو عليها سنة خمسين اهـ (3) أتى بحديث "إن كذبا على ليس ككذب على أحد اله" ليثبت به أن ما سيذكره من حديث النوح من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول لهم لا تشكوا فى أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من ينح عليه يعذب بما نبح به عليه" لأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان كذبا على الخ، فلا يجوز بعد هذا أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام على أحاديث الكذب على النهى صلى الله عليه وسلم فى باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر كتاب العلم صحيفة 177 (4) ضبطه

ص: 124

عليه يعذب بما نيح به عليه

عن أسيد بن أبي أسيد عن موسى بن أبي موسى الأشعري عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، ألميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذا قالت النائحة وا عضداه، وا ناصراه، وا كاسياه، جبذ (1) الميت وقيل له أنت عضدها، أنت ناصرها، أنت كاسيها، فقلت سبحان الله يقول الله عز وجل ولا تزر وازرة وزر أخرى، فقال ونحك، أحدثك عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتقول هذا؟ فأينا كذب؟ فو الله ما كذبت على أبي موسى ولا كذب أبو موسى على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الأكثر بضم أوله وفتح النون وجزم المهملة على أن من شرطية، وروى بكسر النون وسكون التحتاتية وفتح المهملة؛ وفى رواية الكشمينى من يناح، على أن من موصولة، أفاده الحافظ (تخريجه) أخرجه البيهقى تاما بنحو حديث الباب، والبخارى من أول قول المغيرة سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول "إن كذبا الخ" ومسلم عن على بن ربيعة قال "أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب" فقال المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من نيح فانه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة" والترمذى بنحو حديث الباب؛ عدا حديث الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

(93)

عن أسيد بن أبى أسيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر قال ثنا زهير عن أسيد بن أبى أسيد - الحديث" (غريبه) (1) قال فى المصباح: جبذه جبذا من باب ضرب مثل جذبه جذبا، قيل مقلوب منه لغة تميم وأنكره ابن السراج، وقال ليس أحدهما مأخوذا من الآخر، لأن كل واحد متصرف فى نقصه اهـ (تخريجه) (جه) وأخرجه الترمذى أيضًا من رواية أسيد بن أبى أسيد أن موسى بن أبى موسى الأشعرى أخبره عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول. وا جبلاه. وا سنداه. أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه "أى يضربانه" أهكذا كنت؟ أى يقولان له ذلك توبيخًا وتقريعًا (قال الترمذى) هذا حديث حسن غريب (قال الحافظ) فى التلخيص، ورواه الحاكم وصححه وشاهده فى الصحيح عن النعمان ابن بشير، قال "أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكى وتقول. وا جبلاه

ص: 125

واكذا. واكذا. فلما أفاق قال: ما قلت شيئا الا قيل لى أنت كذا؟ فلما مات لم تبك عليه اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل بظاهرها على أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وقد اختلفت أنظار العلماء فى ذلك، فذهب إلى الأخذ بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف منهم عمر وابنه رضى الله عنهما، وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه ردَّ هذه الأحاديث وعارضها بقوله عز وجل {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وروى عنه أبو يعلى أنه قال: تالله لئن انعالمق رجل مجاهد فى سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلا فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة، وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم الشيخ أبو حامد وغيره (وذهب جمهور العلماء) إلى تأويل هذه الأحديث لمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتها لتعذيب من لا ذنب له، واختلفوا فى التأويل (فذهب جمهورهم) كما قال النووى إلى تأويلها بمن أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم لأنه بسبه ومنسوب اليه، قالوا فأما من بكى عليه أهله وناجوا من غير وصية منه؛ فلا يعذب ببكائهم ونوحهم لقوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قالوا وكان من عادة العرب الوصية بذلك، ومنه قول طرفة بن العبد

إذا مت فانعبنى بما أنا أهله _ وشقى على الجيب يا ابنة معبد

قالوا فخرج الحديث مطلقا حملا على ما كان معتادًا لهم (قال الحافظ) رحمه الله واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية، والحديث دال على أنه يقع وقوع الامتثال (والجواب) أنه ليس فى السياق حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع اذا لم يمتثلوا مثلا اهـ (وقالت طائفة) هو محمول على من أوصى بالبكاء والنوح أو لم يوص بتركهما، فمن أوصى بهما أو أهمل الوصية بتركهما يعذب بهما لتفريطه باهماله الوصية بتركهما، فأما من أوصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط، وحاصل هذا للقول إيجاب الوصية بتركهما، فمن أهملها عذب بهما (ومن التأويلات) ما حكاه الخطابى أن المراد أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدة بكائهم غالبًا إنما تقع عند دفنه، وفى تلك الحال يسأل ويبتدأ به عذاب القبر، فيكون معنى الحديث على هذا أن الميث يعذب بحال بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببا لتعذيبه (قال الحافظ) ولا يخفى ما فيه من التكلف، ولعل قائله أخذه من قول عائشة إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بمصيبته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن، أخرجه مسلم اهـ "قلت والأمام أحمد أيضا وهو فى أحاديث الباب"(ومنها) ما جزم به القاضى أبو بكر الباقلانى وغيره أن الراوى سمع بعض

ص: 126

الحديث ولم يسمع بعضه، وأن اللام فى الميت لمعهود معين (واحتجو بحديث) عائشة المذكور فى الباب أنها قالت "يغفر الله لأبى عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب ولكنه نسى أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية فذكرت الحديث" وأخرجه الشيخان أيضا (ومنها) أن ذلك يختص بالكافر دون المؤمن، واستدل لذلك بحديث عائشة المذكور فى الباب أيضا (قال الحافظ) وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيها اشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل نم استشعرت من معارضة القرآن (قال القرطبى) إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوى يالتخطئة والنسيان أو على أنه سمع بعضا أو لم يسمع بعضا بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفى مع إمكان حمله على محمل صحيح (ومنها) أنه يعذب بسبب الأمور التى يبكيه أهله بها ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه فى زعمهم، وتلك الشمائل قبائح فى الشرع فيعذب بها كما كانوا يقولون يا مرمّل النسوان. ومؤتم الولدان. ومخر العمران. ومفرق الأخذان. ونحو ذلك مما يرونه شجاعة وفخرا وهو حرام شرعا (وهذا اختيار ابن حزم وطائفة) واستدلوا بما فى حديث ابن عمر عند البخارى، إن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحز نالقلب، ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه، وقد رجح هذا الاسماعيلى (ومنها) أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله، وبدل على ذلك حديث أبى موسى وحديث النعمان بن بشير اللذين فى اللباب (ومنها) أن معنى التعذيب تألم بما قع من أهله من النياحة وغيرها (وهذا اختيار أبى جعفر الطبرى) ورجحه ابن المرابط والقاضى عياض ومن تبعه، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن أبى خيثمة وابن أبى شيبة والطبرانى وغيرهم من حديث قيلة بنت مخرمة وهى بفتج القاف وسكون التحتانية وابوها بفتح الميم وسكون المعجمة ثقفية "قلت يا رسول الله قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم اصابته الحمى، فمات وترك علىَّ البكاء، فقال رسول صلى الله عليه وسلم أيغلب أحدكم ليبكى فيستعبر اليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم"(قال الحافظ) وهذا طرف من حديث طويل حسن الاسناد (أخرجه ابن أبى خيثمة وابن أبى شيبة والطبرانى وغيرهم) وأخرج أبو دواد والترمذى أطرافا منه (قال الطبرى) ويؤيد ما قاله أبو هريرة ان أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه باسناد صحيح اليه، وشاهده حديث النعمان ابن بشير مرفوعا، أخرجه البخارى فى تاريخه وصححه الحاكم (قال ابن المرابط) حديث قبلة نص فى المسأله فلا يعدل عنه، واعترضه ابن رشيد بأنه ليس نصا؛ وإنما هو محتمل

ص: 127

فإن قوله فيستعير اليه صويحبه ليس نصا فى أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحى، وأن الميت يعذب حيمئذ ببكاء الجماعة عليه (قال) ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالما فندب فأفعاله الجائزة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فان كان راضيا بذلك التحقق بالأول، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهى، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالقوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم، والله تعالى أعلم بالصواب (قال وحكى الكرمانى) تفصيلا آخر وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى {ولا تزر وازرة وز أخرى} على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ، ويؤيد ذلك أن مثل ذلك يقع فى الدنيا والأشارة اليه بقوله تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} فانها دالة على جواز وقوع التعذيب على الأنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون الحال فى البرزخ بخلاف يوم القيامة، والله أعلم اهـ (وقال الشوكانى) أنت خبير بأن الآية عامة، لأن الوزر المذكور فيها واقع فى سياق النفى والأحاديث المذكورة فى الباب مشتملة على وزر خاص، وتحصيص العمومات القرآنية بالأحاديث الآحادية هو المذهب المشهور الذى عليخ الجمهور، فلا وجه لما وقع من ردّ الأحاديث بهذا العموم، ولا ملجئ إلى تجشم المضايق لطلب التأويلات المتبعدة باعتبار الآية (وأما ما روته عائشة) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك فى الكافر أو فى يهودية معينة فهو غير مناف لرواية غيرها من الصحابة، لأن روايتهم مشتملة على زيادة؛ والتنصيص على بعض أفراد العام لا يوجب نفى الحكم عن بقية الأفراد لما تقرر فى الأصول من عدم صحة التخصيص بموافق العام، والأحاديث التى ذكر فيها تعذيب مختص بالبرزخ أو بالتألم أو بالاستعبار كما فى حديث قيلة لا تدل على اختصاص التعذيب المطلق فى الأحاديث بنوع منها، لأن التنصيص على ثبوت الحكم لشئ دون مشعر بالاختصاص به لا ينافى ثبوته لغيره، فلا إشكال من هذه الحيثية، وإنما الأشكال فى التعذيب بلا ذنب؛ وهو مخالف لعدل الله وحكمته على فرض عدم حصول سبب من الأسباب التي يحصن عندها فى مقتضى الحكمة كالوصية من الميت بالنوح وإهمال نهيهم عنه والرصا به، وهذا يؤول إلى مسألة التحسين والتقبيح، والخلاف فيها بين طوائف المتكلمين معروف، ونقول ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فسمعنا وأطعنا ولا نزيد على هذا اهـ (فائدة) حكى النووى فى المجموع إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب

ص: 128

(3)

باب الرخصة في البكاء من غير نوح

عن أبن عباس رضي الله عنهما قال لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه قالت امرأة (1) هنيئا لك الجنة عثمان بن مظعون "وفي رواية قالت امرأته هنيئا لك يابن مظعون بالجنة" فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نظر غضب (2) فقال وما يدريك قالت يا رسول الله فارسك وصاحبك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إني رسول الله وما أدرى ما يفعل بي (وفي رواية ولا به)(3) فأشفق الناس على عثمان (4) فلما ماتت زينب (وفي رواية رقية) ابنة رسول الله

الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد دمع العين. والله أعلم

(94)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (1) أبهم المرأة القائلة فى هذه الرواية؛ وفى الرواية الثانية نسب القول لامرأة عثمات بن مظعون فتكون هى المرأة المبهمة فى الرواية الأولى، لكن ثبت فى رواية البخارى أن أم العلاء امرأة من الأنصار، كان يسكن عثمان فى بيتها وتوفى فيها قالت نحو ذلك، فيحتمل أن كلتيهما شهدت له، ولا مانع من ذلك (2) إنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أخبرت بشئ مغيب لا يعلمه إلا الله عز وحل، ففيه شبه جراءة على الرجم بالغيب، فغضب النبى صلى الله عليه وسلم لذلك وأفهمها أن العبد مهما بلغت درجته لا يمكنه أن يعلم شيئا من الغيب الا بتوقيف من الله عز وحل، فالواجب أن يقف الانسان عند حده (3) فى مسند عبد بن حميد من طريق عبد الرازق لفظ "فو الله ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" (قال الحافظ) وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى فى سورة الأحقاف "قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" زكان ذلك قبل نزول قوله تعالى {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} لأن الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدينة بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال "أنا أول من يدخل الجنة" وغير ذلك من الأخبار الصريحة فى معناه، فيحتمل أن يحمل الأثبات فى ذلك على العلم المجمل، والنفى على الاحاطة من حيث التفصيل اهـ (4) فى رواية أخرى عند الامام أحمد من حديث ابن عباس أيضا، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ذلك لعثمان، وكان من خيارهم حتى ماتت رقية ابنة رسول الله

ص: 129

(صلى الله عليه وسلم (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقي بسلفنا الصالح الخير (2) عثمان بن مظعون، فبكت النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه (3) فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال مهلًا يا عمر، ثم قال ابكيز وإياكن ونعيق الشيطان (4) ثم قال إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان (5)(وعنه من طريق ثان مثله)(6) وزاد بعد قوله "فمن الشيطان" وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها

صلى الله عليه وسلم الحديث" (1) لم أقف على شئ من الأحاديث يرجح إحدى الروايتين على الأخى ويعين المتوفية منهما على التحقيق، والله أعلم (2) هذا ثناء من النبى صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون رضى الله عنه، ويستفاد منه أنه من المقبولين عند الله المغفور لهم، وفيه اطمئنان لمن أشفقوا عليه عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله إنى رسول الله وما أدرى ما يفعل بى ولا به" وأن الله عز وجل أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على منزلة ابن مظعون رضى الله عنه (3) الظاهر أن بكائهن كان بصوت لكن لا برفعه، فنهاهن عمر حتى لا ينجو إلى النياحة، فأمره صلى الله عليه وسلم بتركهن وأظهر عذرًا لهن بأنَّ قرب عهد المصيبة يجلب شدة الحزن للقلب وهو يجلب دمع العين، ومع هذا فقد حذرهن النبى صلى الله عليه وسلم من النياحة (4) هو النوح والصراخ المنهى عنه بالأحاديث التى مصت فى الباب السابق (5) فيه دليل على جواز البكاء المجرد عما لا يجوز من فعل اليد كشق الجيب واللطم، ومن فعل اللسان كالصراخ ودعوى الجاهلية كالويل والثبور ونحو ذلك (6) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد وحسن بن موسى فالا ثنا حماد عن على بن زيد قال أبى حدثناه عفان ثنا أبن لسمة أنا على بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس - الحديث" مثل ما تقدم وزاد بعد قوله "فمن الشيطان" وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) لم أقف عليه كاملا بهذا السياق لغير الأمام أحمد (وروى البخارى منه) قصى ابن مظعون قال حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرنى خارجة بن زيد ابن ثابت أن أن العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبى صلى الله عليه وسلم أخبرته أنه أقسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه فى أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي

ص: 130

(95)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بالصبي فضمه إليه، قال أنس فلقد رأيته بين يدي رسول الله (صلى الله عليه سلم) وهو يكيد بنفسه (1) قال فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (2) قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي

وغسل وكفن فى أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتى عليك لقد أكؤمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله قد أكرمه؟ فقلت بأبى أتا يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال أما هو فقد جاءه اليقين، والله انى لأرجو له الخير، والله ما أدرى وأنا رسول الله ما يفعل بى، قالت فوالله لا أزكى أحدا بعده أبدًا - زاد فى رواية أخرى - وأحزننى ذلك قالت فنمت فأريت لعثمان عبنًا تجرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ذلك عمله" (وأخرج النسائى منه) نحو الجزء المختص بقصة عمر مع النساء من حديث أبى هريرة قال "مات ميت من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه فقام عمر ينهاهم ويطردهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن يا عمر فان العين دامعة والقلب مصاب والعهد قريب" وروى البيهقى عن ابن عباس قال بكت النساء على رقية فجعل عمر ينهاهن - الحديث"

(95)

(عن أنس بن مالك) هذا طرف من حديث طويل سيأتي بتمامه وسنده فى الباب السادس عشر فى ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم من القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (غريبه)(1) أى يسوق بها وقيل معناه يقارب بها الموت، وقال أبو مروان ابن سراج قد يكون من الكيد وهو القئ، يقال منه كاد يكبد شبَّه تقلع نفسه عند الموت بذلك - وفى رواية للبخارى - يجود بنفسه أى يخرجها ويدفعها كما يدفع الانسان دمعها، فقال عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال يا ابن عوف إنها رحمة، يعنى أن ما تراه يا ابن عوف من دمع العين والبكاء هو رحمة أودعها اللع قلوب عباده المؤمنين تنشأ عن رثة القلب وكثرة العطف خصوصا على الأولاد لا على ما توهمت من الجزع (قال الحافظ) ووقى فى حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه فقلت يا رسول الله تبكى؟ أو ل تنه عن البكاء؟ وزاد فيه - إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان. وصوت عند مصيبة. خمش وجوه. وشق جيوب. ورنة شيطان؛ قال إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، وعند عبد الرازق من مرسل مكحول إنما أنهى الناس عن

ص: 131

ربنا عز وجل (1) والله إنا بك يا إبراهيم لمحزونون

وعنه أيضًا أن فاطمة رضي الله عنها بكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبتاه (2) من ربه ما أدناه يا أبتاه إلى جبريل نعاه (3) يا أبتاه جنة الفردوس مأواه (4)

النياحة أن يندب الرجل بما ليس فيه اهـ (1) قال الحافظ فى حديث عبد الرحمن بن عوف ومحمود بن لبيد ولا نقول ما يسخط الرب، وزاد فى حديث فى آخره لولا أنه أمر حق. ووعد حق. ووعد صدق. وسبيل نأتيه، وان آخرنا سيلحق بأولنا لحزنًا عليك حزنا هو أشد من هذا اهـ "وقوله إناَّ بك" أى بفراقك لمحزونون يا إبراهيم، وحزنه صلى الله عليه وسلم كان بحكم الطبيعة البشرية ومما ليس فى قدرة الانسان منعه، وهذا ليس محظورًا فى الشرع إلا أن صحبه رفع صوت وعويل ونحو ذلك، وخاطبه صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمات مع انه لم يكن يفهم الخطاب الصغره واحتضاره ليبين للحاضرين أن مثل هذا القول ليس داخلا فى النهى عن البكاء برفع الصوت (تنبيه) تقدم تحقيق يوم وفاة ابراهيم بن النبى صلى الله عليه وسلم ومدة عمره فى شرح الحديث الأول من الباب الأول من أبواب الكسوف فى الجزء السادس فارجع اليه (تخريجه)(ق. هق. والأربعة وغيرهم)

(96)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا معمر عن ثابت البنائى عن أنس بن مالك أن فاطمة رضى الله عنها - الحديث" (غريبه) (2) أصله يا أبى والتاء الفوقية بدل من الياء التحتية والألف للندبة والهاء للسكت "وقولها من ربه ما أدناه" الجار والمجرور متعلق بقوله أدناه أى أىّ شئ جعله قريبا من ربه بصيغة التعجب (3) أى أخبر بموته ورواية البخارى "الى جبريل ننعاه" بفتح النون الأولى وسكون الثانية والى جارّ (قال الحافظ) قبل الصواب "إلىَّ جبريل نعاه" جزم بذلك سبط بن الجوزى فى المرآة، والأول متوجه فلا معنى لتغلي الرواية بالظن (قلت وقوله متوجه) أى له وجه هو أنه لا يلزم أن الاخبار بالموت أنما يكون لغير العالم به، يل قد يذكر للعالم به تأسفًا على ما فقده من خصاله المحمودة وتذكيرًا لما بينهما من المحبة والصلة والله أعلم (4) أى منزله صلى الله عليه وسلم وزاد البخارى فى روايته قال "فلما دفن ثالت فاطة عليها السلام يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب" وستأتى هذه الزيادة للأمام أحمد أيضا فى وفاته صلى الله عليه وسلم ودفنه من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى، ومعناه كيف طابت أنفسكم على حثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة صحبتكم له، وسكت أنس عن الجواب لها رعاية وتأدبا ولسان حاله يقول

ص: 132

(97)

عن عبد الله بن عيسى عن جابر بن عتيك (1) عن

قلوبنا لم تطب بذلك؛ ولكنا قهرنا على فعله امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(خ جه. هق. طب)

(97)

عن عبد الله بن عيسى عن جابر بن عتبك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو نعيم ثنا اسرائيل عن عبد الله عن جابر عن عتيك عن عمر - الحديث" (غريبه) (1) فى الأصل عن جبير بن عتيبك بالتصغير، ولم أجد فى كتب الرجال من يدعى جبير بن عتيك لا من الصحابة ولا من غيرهم، والمشهور جابر بن عتيك، وكلهم أعنى أصحاب السنن الأربعة وغيرهم من أصحاب الأصول رووا نحو هذا الحديث عن جابر بن عتيك؛ وهو صحابى مشهور شهد بدرا والمشاهد، ذكره الحافظ فى الاصابة وذكر له حديث الباب وأحاديث أخرى من طرق متعددة، م قال فهذه الأحاديث تبين أن اسمه جابر، قال وصحح الدمياطى أن اسمه جبر، وجزم غيره كالبغوى بأن جبرا أخوه وقد جزم ابن اسحاق وغيره بأن جبر بن عتيك شهد بدرا اهـ (قلت) وفةكتب الرجال أيضا أن جبرا أخو جابر هو صحابى، وإلى هنا لى أن لفظ جبير بالتصغير الموجود بالأصل خطأ، ولكن هل الصوتب جابر أو جبر؟ الراجح أنه جابر لأمور أربعة (أولها) أنى لم أقف لجبر على رواية عند أحد من أصحاب الأصول (ثانيها) أن جبرا لم يكن له مسند عند الأمام أحمد، بل لم أجد فى مسند الأمام أحمد جميعه مسندا لأحد من الصحابة يدعى جبرا، إنما الموجود فيه مسند جابر بن عتبك ومنه حديث الباب، فوجوده فى مسند جابر بن عتيك يرجح أن اسم راويه جابر لا جابر (ثالثها) أن الأمام مالكا والنسائى والحاكم رووه عن جابر بن عتيك مطولا "فقالت ابنته والله إنى كنت أرجوا أن تكون شهيدا فانك قد كنت قضيت جهازك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوقع الله أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ قالوا القتل فى سبيل الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهادة سبع سوى القتل فى سبيل الله عز وجل، المطعون شهيد. والمبطون شهيد. والغريق شهيد وصاحب الهدم شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة" وقوله بضم الجيم بمعنى المجموع وجوز كسر الجيم، وهى التى تموت فى النفاس وولدها فى بطنها لم تلده وقد تم خلقه، وقيل هى التى تموت بكرا فانها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنه من حمل أو بكارة "وهذه الزيادة" رواها الأمام أحمد حديثا مستقلا عن جابر بن عتيك أيضا ولفظه أن عبد الله بن ثابت رضى الله عنه لما مات قالت ابنته والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا الخ "الحديث؟ " كما رواه (لك. نس. ك)

ص: 133

عمر (1) قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميت من الأنصار (2) وأهله يبكون، فقلت أتبكون (3) وهذا رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن يبكين ما دام عندهن (4) فإذا وجبت فلا يبكين، فقال جابر فحدثت به عمر بن حميد القرشي، فقال ماذا وجبت؟

وسيأتي ذلك فى باب جامع الشهداء من كتاب الجهاد ان شاء الله تعالى (رابعها) قال الراوى فى حديث الباب نفسه، فقال جابر فحدثت به عمر بن حميد الخ، فظهر بذلك بطلان ما صححه الدمياطى، وأن راوى الحديث جابر لا جبر والله أعلم (1) هكذا بالأصل عن عمر، ولم أجده مسندًا إلى عمر فى كتب أحد من المحدثين غير مسند الأمام أحمد، وظاهر هذا الصنيع أنه من مسند عمر وروايته عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومن يكون عمر من الصحابة اذا أطلق اسمه الا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، وإذا كان كذلك فلم لم يكن هذا الحديث فى مسند عمر بن الخطاب رضى الله عنه؟ هذا ما أشكل علىَّ فهمه، والظاهر والله أعلم أن كلمة (عن عمر) زائدة لا محل لها هنا وأن القائل (دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) هو جابر بن عتيك رضى الله عنه، وبهذا يتفق الحديث مع رواية الجماعة ويزول الاشكال، والله أعلم بحقيقة الحال (2) المراد بالميت هنا المختصر كما فى قوله صلى الله عليه وسلم "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله أى من حضره الموت، وذلك المحتضر هو عبد الله بن ثابت الأنصارى كما صرح بذلك فى الموطأ والسنن الأربع، ولفظه عندهم "عن جابر بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه، فصاح به لم يجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع، فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن - الحديث" وفيه إباحة البكاء عند المريض بالصياح، ولعل الواقع منهن حينئذ كان مما لا يمكن دفعه ولا يقدر على كتمه ولم يبلغ الى الحد المنهى عنه، ففهم جابر أنه مما لا يباح مثله فأخذ يسكتهن (3) فى مخاطبتهن بجمع الذكور دليل على أنه كان معهن رجال من أهل المحتضر فخص الذكور بالخطاب تغليبا ولكونهم أكثر ادراكا من النسوة، والظاهر أن الرجال سكتوا بمجرد قوله "أتبكون وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعنى حاضرا بين أظهركم، وتمادى النساء لعدم ادراكهن فأراد اسكاتهن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن الخ (4) أى حيًا قبل خروج روحه "وقوله فاذا وجبت" أى فارقت الروح الجسد "فلا يبكين" لفظه فى الموطأ والسنن (دعهن فاذا وجبت "اى ات" فلا تبكين باكية) والمعنى واحد، وظاهره جواز البكاء قبل الموت ومنع منه بعده، ولكن لا بد من حمل الجواز على ما ليس معه نوح أو

ص: 134

قال إذا أدخل قبره (1)

عن محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة أنه كان جالسًا مع ابن عمر في السوق ومعه سلمة بن الأزرق إلى جنبه فمر بجنازة يتبعها بكاء، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لو ترك أهل هذا الميت البكاء لكان خيرًا لميتهم، فقال سلمة بن الأزرق تقول ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ (2) قال نعم أقوله قال (3) إني سمعت أبا هريرة ومات ميت من أهل مروان فاجتمع النساء يبكين عليه، فقال مروان قم يا عبد الملك فانههن أن يبكين، فقال أبو هريرة دعهن فانه مات ميت من آل النبي صلى الله عليه وسلم (4) فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر بن الخطاب ينهاهن ويطردهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن يا ابن الخطاب، فإن العين دامعة (5) والفؤاد مصاب، وإن العهد حديث

صراخ أو نحوه، والمنع على ما كان مصحو با بشئ من ذلك جمعا بين الأحاديث، وسيأتى توجيهه فى الأحكام (1) هذا من كلام الراوى وكأنه فهم من قوله صلى الله عليه وسلم "ما دام عندهن" يعنى ما لم يدفن، ومن قوله "فاذا وجبت" يعنى فاذا دفنت الجنة، لكن يخالفه ما جاء فى هذا الحديث مرفوعا فى الموطأ والسنن "قالوا وما الوجوب يا رسول الله؟ قال الموت" والتفسير المرفوع أصح وأرجح (تخريجه) أخرجه الأمامان والأربعة والبيهقى والحاكم وقال صحيح الاسناد (قلت) وأقره الذهبى وصححه النووى وغيره

(98)

عن محمد بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود أنا اسماعيل أخبرنى محمد بن عمرو بن طلحة عن محمد بن عمرو بن عطاء - الحديث" (غريبه) (2) كنية عبد الله رضى الله عنهما (3) يعنى سلمة بن الأزرق كما صرح بذلك فى رواية البيهقى ولفظه "فقال سلمة لا تقل ذلك يا أبا عبد الرحمن فأشهد على أبى هريرة لسمعته يقول (مرَّ على النبى صلى الله عليه وسلم بجنازة وأنا معه ومعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه ونساء يبكين عليها فزبرهن عمر وانّهرهن "أى أغلظ لهن فى القول" فقال له النبى صلى الله عليه وسلم دعهن - الحديث)(4) هى زينب أو رقية رى الله عنهما كما تقدم فى حديث ابن عياض أول الباب (5) فيه ان بكاءهن كان بدمع العين لا بالصياج، وانتهار عمر إياهن يحتمل أنه كان

ص: 135

فقال ابن عمر أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ قال نعم، قال يأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، قال فالله ورسوله أعلم (1)

عن إبراهيم الهجري عن عبد الله بن أبي أو في رضي الله عنه وكان من أصحاب الشجرة (2) فماتت ابنة له وكان يتبع جنازتها على بغلة خلفها (3) فجعل النساء يبكين، فقال لا تزنين فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نهى عن المرائي (4) فتفيض إحداكن من عبراتها ما شاءت، قم كبر عليها أربعًا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو، ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا

عن أبن عباس رضي الله عنهما قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم

قبل علمه بالرخصة فى ذلك "وقوله" وان العهد حديث يعنى أن المصيبة فى أولها تكون شديدة الوطأة على النفس (1) تسيلم ابن عمر يدل على أن الحديث مقبول وقابل للتأويل والله أعلم (تخريجه)(نس. هق. والترمذى فى الشمائل) وسنده جيد

(99)

عن ابراهيم الهجرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين ابن محمد ثنا شعبة عن ابراهيم الهجرى - الحديث" (غريبه)(2) يعنى ممن بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة فى غزوة الحديبيبة سنة ست من الهجرة واسم أبيه علقمة بن خالد (قال الحافظ) فى الاصابة له ولأبيه صحبة وشهد عبد الله الحديبية، وروى أحاديث شهيرة ثم نزل الكوفة سنة ست أو سبع وثمانين وجزم أبو نعيم فيما رواه البخارى عنه سنة سبع وكان آخر من مات بها من الصحابة اهـ. وكان قد عمى فى آخره عمره (قال سفيان وعطاء بن الصائب) رأيت عبد الله بن أبى أوفى بعدما ذهب بصره رضى الله عنه (3) كان يرى السعى خلف الجنازة، أما ركوبه فقد كان لعذر العمي لأنه يشق عليه المشى والمشى أفضل لغير المعذور (4) قيل هو أن يندب الميا فيقال وا فلاناه (وقال الخطابى) إنما كره من المرائلا النياحة على مذهب الجاهلية، فأما الثناء والدعاء للميت فغير مكروه لأنه رئى غير واحد من الصحابة وذكر فيه صلى الله عليه وسلم وفى الصحابة كثير من المرائى اهـ (تخريجه) آخرجه أيضا ابن ماجه مختصرا وفيه ابراهيم الهجرى ضعيف

(100)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا معاوية بن عمرو

ص: 136

إلى بعض بناته (1) وهي في السوق (2) فأخذها ووضعها في حجره حتى قبضت فدمعت عيناه فبكت أم أيمن (3) فقيل لها أتبكين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألا أبكى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، قال إني لم أبك (4) وهذه رحمة، إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل (5)(وفي لفظ) إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل

قال ثنا أبو إسحاق عن عطاء بن السائبي عن عكرمة عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (1) الظاهر أنها بعض بنات بناته صلى الله عليه وسلم فنسبت اليه ولم يسمها الراوى، ولم أقف على من ذكر اسمها أو تكلم فى شأنها من شراح الحديث، وإنما قلت بعض بنات بناته صلى الله عليه وسلم لأن بناته صلى الله عليه وسلم كلهن توفين وهن متزوجات فلا بد من هذا التأويل والله أعلم (2) أى فى النزع كأن روحها تساق لتخرج من بدنها ويقال له السياق أيا، وأصله سواق فقلبت الواو ياء لكسرة العين وهما مصدران من ساق يسوق "ومنه الحديث" حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت "نه" (3) قال الحافظ فى الاصابة؛ أخرج البخارى فى تاريخه ومسلم وابن السكن من طريق الزهرى قال كان من شأن أم أيمن أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب والد النبى صلى الله عليه وسلم كانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفى أبوه كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر، ثم أنكحها زيد بن حارثة، وقال ابن أبى حيثمة حدّثنا سليمان بن أبى الشيخ قال أم أيمن اسمها بركة، وكانت لأم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أم أيمن أنى بعد أمى اهـ (قال الواقدى) ماتت أم أيمن فى خلافة عثمان (وقال ابن منده) ماتت بعد بعشرين يوما؛ وستأتى ترجمتها فى قسم النساء من كتاب مناقب الصحابة رضى الله عنهم أجمعين (4) أى لم أبك بكاء مصحوبا بصوت أو سخط (وهذه) أى الدموع التى ترينها متى نشأت عن رحمة ورقة فى القلب أودعها الله عباده المؤمنين، فيستفاد من هذا أن البكاء بلا صوت جائز شرعا، فان كان بصوت فلا يجوز؛ والظاهر أن أم أيمن كانت تبكى بصوت وان لم يبلغ درجة النياحة، ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم إنى لم أبك أى كبكائك ففرق بين بكائه وبكائها فلا يؤخذ حكم أحدهما من الآخر والله أعلم (5) أى لأن الله تعالى يطلعه على منزلته فى الجنة فيحمد الله على ذلك، نسأله سبحانه وتعالى اصلاح الحال وحسن المآل آمين (تخريجه)(نس. بز) وسنده جيد

ص: 137

(101)

عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آل وصحبه وسلم بعض بناته (1) أن صبيًا لها أبنًا أو ابنة (2) قد احتضرت فأشهدنا (3)، قال فأرسل إليها يقرأ السلام (4) ويقول إن لله ما أخذ وما أعطى (5) وكل شيء عنده إلى أجل

(101) عن أسامة بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن عاصم الأحول قال سمعت أبا عثمان يحدث عن أسامة بن زيد - الحديث" (غريبه) (1) هى زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يستفاد ذلك من الطريق الثانية (2) شك الراوى وقد جاء صريحا فى الطريق الثانية بغير شك أنها أميمة بنت زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم والمراد بأميمة بالتصغير أمامة بنت أبى العاص، ويؤيده ما رواه الطبرانى فى ترجمة عبد الرحمن بن عوف فى المعجم الكبير من طريق الوليد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال استعز بأمامة بنت أبى العاص فبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه تقول له فذكر نحو حديث أسامة (وقوله فى هذه الرواية استعز بضم المثناة وكسر المهملة وتشديد الزاى أى اشتد بها المرض وأشرفت على الموت) فالمراد بقوله فى حديث الباب "قد احتضرت أى قاربت الاحتضار من شدة وطأة المرض، وليس المراد أنها احتضرت بالفعل، لأن أهل العلم بالأخبار والنسب اتفقوا على أن أمامة بنت أبى العاص من زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبى صلى الله عليه وسلم حتى تزوجها على بن أبى طالب بعد وفاة فاطمة، ثم عاشت عند على حتى قتل عنها (قال الحافظ) الذي يظر أن الله تعالى أكرم نبيه عليه الصلاة والسلام لما سلَّم لأمر ربه وصبَّر ابنته ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى الله ابنه ابنته فى ذلك الوقت فخلصت من تلك الشدة وعاشت تلك المدة، وهذا ينبغى أن يذكر فى دلائل النبوة والله المستعان (3) أى أحضر عندنا (4) لفظ البخارى فأرسل يقرئ السلام بضم الياء (قال العينى) وروى بفتحها، قال ابن التين: ولا وجه له إلا أن يريد يقرأ عليك، وذكر الزمخشرى عن الفراء يقال قرأت عليه السلام واقرأته السلام (وقال الأصكعى) لا يقال اقرأته (وقال الزمخشرى) والعامة تقول قريت السلام بغير همز وهو خطأ اهـ (5) رواية الشيخين إن لله ما أخذوله ما أعطى (وللأمام أحمد) فى الطريق الثانية "لله ما أخذ ولله ما أعطى" ومعناه الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى وتقديره، وأن هذا الذى أخذ منكم كان له لا لكم، فلم يأخذ الا ما هو له، فينبغى أن لا تجزعوا كما لا يجزع

ص: 138

مسمى (1) فلتصبرو لتحتسب (2) فأرسلت تقسم عليه (3) فقام وقمنا فرفع الصبي إلى حجر أو في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه تقمقع (4) وفي القوم سعد بن عبادة وأبي أحسب (5) ففاضت عينًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سعد ما هذا يا رسول الله؟ (6) قال إن هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من

من استردت منه وديعة أو عارية (ومعنى ما أعطى) أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه بل له التصرف فيه يفعل فيه ما يشاء سبحانه عز وجل (1) أى كل واحد من الأخذ والاعطاء عند الله مقدر بأجل مسمى أى معلوم، والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر ومعنى عنده فى علمه وإحاطته (2) أي تنوع بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح (3) وقع فى حديث عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين وأنه إنما قام فى ثالث مرة، وكأنها ألحت عليه فى ذلك دفعا لما يظنه بعض أهل الجهل أنها ناقصة المكانة عنده، أو ألهمها الله تعلاى أن حضور نبيه عندها يدفع عنها ما هى فيه من الألم بكرة دعائه وحضوره فحقق الله ظنها، والظاهر أنه امتنع أولا مبالغة فى اظهار التسليم لربه، أو ليبين الجواز فى أن من دعى لمثل ذلك لم تجب عليه الأجابة بخلاف الوليمة مثلا أفاده الحافظ (4) أى تتحرك وتضطرب، وفى الطريق الثانية "نقسها تقعقع كأنها فى شن ووقع عند البخارى "كأنها شن" قال الحافظ كذا فى هذه الرواية، وجزم بذلك فى رواية حماد ولفظه "ونقسه تقتع كأنها فى شن" والقعقعة حكاية بصوت الشئ اليابس اذا حرك والشن بفتح المعجمة وتشديد النون المقربة الخلقة اليابسة، وعلى الرواية الثانية "يعنى كأنها فى شن" شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيها بما يطرح فى الجلد من حصاة ونحوها، وأما الرواية الأولى "يعنى كأنها شن" فكأنه شبه النفس بنفس الجلد وهو أبلغ فى الأشارة وذلك أظهر فى التشبيه اهـ (5) أى أظن وهذا الظن راجع إلى أبىّ فقط، أما سعد فمحقق وجوده (والمعنى) وفى القوم سعد بن عبادة وأظن أبيا فى القوم أيضا؛ يدل على ذلك رواية أبى داود عن أسامة أيضا بلفظ "ان ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت اليه وأنا معه وسعد وأحسب أبيا - الحديث" (ورواية البخارى) فقام سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت ورجال الخ (وقوله ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أى نزل منهما الدمع (6) أى ماذا أراه من فيضان عينيك بالدموع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان هذه" أى الدمعة "رحمة" أى أثر رحمة (يضعها الله فى قلوب من يشاء من عباده)

ص: 139

عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (1)(وعنه من طريق ثان)(2) قال أني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأميمة ابنة زينب ونفسها تقمقع كأنها في شن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ما أخذ، ولله وما أعطى؛ وكل إلى أجل مسمى، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد بن عبادة يا رسول الله أتبكي؟ أو لم تنه عن البكاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (وعنه من طريق ثالث)(3) قال أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إن أبي يقبض فأتنا فذكر الحديث بنحو ما تقدم

أي رحمة على المقبوض تبعق على التأمل فيما هو عليه، وليس كما توهمت من الجزع وقلة الصبر (1) جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة (قال الحافظ) ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة، لكن ثبت فى حديث عبد الله بن عمرو عند أبى داود وغيره "الراحمون يرحمهم الرحمن" والراحمون جمع راحم فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة اهـ (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا عاصم عن أبى عثمان النهدى عن أسامة بن زيد قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (3) (وعنه من طريق ثالث) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق أنا سفيان عن عاصم عن أبى عثمان النهدى عن أسامة بن زيد قال أرسلت الخ (4) هكذا جاء فى هذا الطريق ان ابنى يقبض، وكذا عند البخارى من طريق عبد الله بن المبارك بسند حديث الباب بلفظ "أرسلت بنت النبى صلى الله عليه وسلم إليه أن ابنًا لى قبض فأتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول "إن لله ما أخذ وله ما أعطى - الحديث" بنحو الطريق الأولى من حديث الباب (قال الحافظ) فى شرحه "قوله إن ابنا لى" قيل هو على بن أبى العاص بن الربيع وهو من زينب كذا كتب الدمياطي بخطه فى الحاشية، وفيه نظر لأنه لم يقع مسمى فى شئ من طرق هذا الحديث، وأيضا فقد ذكر الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار أن عليا المذكور عاش حتى ناهز الحلم، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أردفه على راحلته يوم فتح مكة، ومثل هذا لا يقال فى حقه صبى عرقا وإن جاز من حيث اللغة، ووجدت فى الأنساب للبلاذرى أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت النبى صلى الله عليه وسلم لما مات وضعه النبى صلى الله عليه وسلم فى حجره وقال إنما يرحم الله من عباده الرحماء، وفى مسند من حديث أبى هريرة قال ثقل

ص: 140

(102)

عن عائشة رضي الله عنها أن سعد بن معاذ (1) لما مات حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي (2) وكانوا كما قال

ابن لفاطمة فبعث الى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر نحو حديث الباب، وفيه مراجعة سعد بن عبادة فى البكاء فعلى هذا فالابن المذكور محسن بن على بن أبى طالب، وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات صغيرًا فى حياة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أولى أن يفسر به الابن إن ثبت أن القصة كانت لصبى ولم يثبت أن المرسلة زينب، لكن الصواب فى حديث الباب أن المرسلة زينب، وأن الولد صبية كما ثبت فى مسند أحمد عن أبى معاوية بالسند المذكور (قلت: يعنى الطريق الثانية من حديث الباب فذكره) هذا ما قاله الحافظ ولا زال فى المسألة غموض، لأننا اذا اعملنا الرواية المصرح فيها بأمامة فقد أهملنا المصرح فيها بالابن وبالعكس، وكلتا الروايتين صحيحة ولا مرجح لاحداهما على الأخرى، فلم يبق الا الجمع بينهما بأن الواقعة تعددت وأن رواية الابن جاءت فى محسن بن فاطمة رضى الله عنها، ويؤيد ذلك ما رواه البزار عن أبى هريرة (كما أشار اليه الحافظ) قال ثقل ابن لفاطمة فأرسلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم تدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فان له ما أخذ وله ما أبقى وكل لأجل بمقدار، فلما احتضر بعثت اليه وقال لنا قوموا، فلما جلس جعل يقرأ "فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون) حتى قبض، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد يا رسول الله أتبكي وتنهى عن البكاء؟ قال إنما هى رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" أورده الهيثمى وقال رواه البزار وفيه إسماعيل بن موسى المكى وفيه كلام، وقد وثق اهـ. والله أعلم

(101)

(عن عائشة رضى الله عنها) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بتمامه وسنده وتخريجه فى باب غزوة الخندق من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى (غريبه)(1) هو أبو عمرو سعد بن معاذ الأنصارى الصحابى الأوسى الأشهلى المدنى سيد الأوس رضى الله عنه، وهو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ" رواه الأمام أحمد والشيخان وغيرهم عن جابر، وعنى اهتزاز العرش فرح الملائكة بقدومه لما رأوا من منزلته، ومناقبه كثيرة ستأتى فى ترجمته من كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى - وأنشدوا.

وما اهتز عرش الله من موت هالك _ سمعنا به الا لسعد أبى عمرو

(2)

يستفاد من ذلك أنهما كانا يبكيان بصوت ولم يقتصرا على مجرد دمع العين، ولهذا

ص: 141

الله عز وجل رحماء بينهم (1)

فرقت عائشة وهى فى حجرتها بين بكاء أبى بكر وعمر، ولعل الواقع منهما كان مما لا يمكن دفعه ولا يقدر على كتمه ولم يبلغ الى الحد المنهى عنه، ولذلك لم ينكر عليهما النبى صلى الله عليه وسلم (1) أى يعطف بعضهم على بعض ويرق له، ولهذا غلبتهم الراِّفة والرحمة على هذا البكاء عند موت سعد رضى الله عنهم أجمعين (وفى الباب) عن ابن عمر رضى الله عنهما قال (اشتكى سعدين عبادة شكوى له فأتاه صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاس وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وحده فى عشيّة (*) فقال قد مضى؟ فقالوا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاءه بكوا، قال ألا تسمعون ان الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب ولكن يعذب بهذاأو أشار إلى لسانه، أو يرحم) رواه الشيخان والبيهقى (وعن عبد الله بن عتبة) قال لما مات عتبة بن مسعود بكى عبد الله ابن مسعود فقالوا له تبكى؟ قال نعم - أخى فى النسب وصاحبى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب الناس إلىّ غلا ما كان من عمر بن الخطاب" رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط بنحوه، وزاد "وما أحب مع ذلك انى كنت من قبله، لأن يموت فأحتسبه أحب إلىّ من أن أموت فيحتسبنى ورجاله ثقات (وعن عبد الله بن يزيد) قال رخص فى البكاء من غير نوح رواه الطبرانى فى الكبير وإسناده حسن (وعن عامر بن سعد) قال دخلت عريشا وفيه قرظة بن كعب وأبو مسعود الأنصارى قال فذكر حديثا لهما قالا فيه انه رخص لنا فى البكاء عند المصيبة من غير نوح - رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله رجال الصحيح (وعن أم عياش) قالت جعلت أم سعد تقول، ويل أم سعد سعدًا صرامة وجدّا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا تزيدين على هذا لا تزيدين على هذا، وكان والله ما علمت حازما فى أمر الله قويا فى أمر الله، رواه الطبرانى فى الكبير وفيه مسلم الملائى وهو ضعيف، ورواه أيضًا عن محمد بن اسحاق قالت أم سعد حين حمل نعشه وهى تبكيه ويل أن سعد سعدًا صرامة وجدَّا وسيدا سد به مسدا فقال النبى صلى الله عليه وسلم كل باكية تكذب الا باكية سعد بن معاذ (وعن أم سلمة) أنها قالت يا رسول الله ان نساء بنى مخزوم قد أقمن مأتهن على الوليد بن الوليد بن المغيرة فأذن لها فقالت وهى تبكيه أبكى الوليد بن المغيرة، أبكى الوليد بن الوليد أخا العشيرة - رواه

_________

(*) قال النووي رحمه الله بفتح الغين وكسر الغين وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء قال القاضى هكذا رواية الأكثرين، قال وضبطهم بعضهم باسكان الشين وتخفيف الياء (وفى روابة البخارى)"فى غاشية" وكله صحيح؛ وفيه قولان (أحدهما) من يغشاء من أهله (والثانى) ما يغشاه من كرب الموت

ص: 142

الطبراني في الصغير والأوسط وفيه ثابت أبو حمزة الثمالى ضعيف، أورد هذه الأحاديث مع تخريجها وبيان درجاتها الحافظ الهيثى (الأحكام) أحاديث الباب تددل على الرخصة فى البكاء على الميت مطلقًا اذا لم يصحبه نوح أو لعلم أو نحو ذلك مما تقدم ذكره فى الباب الأول، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقد ثبت فى أحاديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم بكى على بعض أولاده وبعض أولاد بناته وبعض أصحابه كما فعل ذلك بعض الصحابة أيضا رضوان الله عليهم؛ لكن جاء فى بعض الأحاديث ما يدل بظاهره على المنع من مطلق البكاء كحديث عبد الله بن عمر المذكور فى الباب الأول من أبواب البكاء على الميت وفيه "ولا يبكينّ على هالك بعد اليوم" وكذلك قوله فى حديث جابر المذكور فى هذا الباب "فاذا وجبت فلا يبكين" وفى لفظ "فاذا وجبت فلا تبكين باكية" وهذا يعارض ما فى أحاديث الباب من الأذن بمطلق البكاء بعد الموت، ويعارض أيضا سائر الأحاديث الواردة فى الأذن بمطلق البكاء كحديث أبى هريرة الذى فى الباب بلفظ" مات ميت من آل النبى صلى الله عليه وسلم فاجتمع النساء يبكين عليه، فقام عمر بن الخطاب ينهاهن ويطردوهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن يا ابن الخطاب فان العين دامعة. والفؤاد مصاب. وإن العهد حديث" وحديث بكائه صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم، فقيل له فى ذلك فقال (تدمع العين. ويحزن القلب) وفى لفظ عند الشيخين "انها رحمة" ثم قال "العين تدمع. ويحزن القلب) وفى لفظ عند الشيخين "انها رحمة" ثم قال "العين تدمع. والقلب يحزن. ولا نقول الا ما يرضى ربنا" (وحديث ابن عباس) المذكور أول الباب فى قصة عثمان بن مظعون وفيه "فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال مهلا يا عمر ثم قال "ابكين وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" فيجمع بين الأحاديق بحمل النهى عن البكاء مطلقا ومقيدا ببعد الموت - على البكاء المفضى إلى ما يجوز من النوح والصراخ وغير ذلك - والاذن به على مجرد البكاء الذى هو دمع العين وما لا يمكن دفعه من الصوت، وقد أرشد إلى هذا الجمع قوله صلى الله عليه وسلم ابكين وإياكن ونعيق الشيطان (يعنى الصراخ والنوح) ثم قال إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل ومن الرحمة (وعند الترمذى) فى قصمة موت ابراهيم عن النبى صلى الله عليه وسلم من حديث جابر "وفيه فأخذه النبى صلى الله عليه وسلم فوضعه فى حجره فبكى، فقال له عبد الرحمن يعنى ابن عوف أتبكى؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ فقال لا. ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين. خمس وجوه. وشق جيوب. ورنَّة شيطان" وحسنه الترمذى "وقوله صلى الله عليه وسلم" فى حديث ابن عمر المذكور فى الشرح - إن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم "لا يبكين على هالك بعد اليوم" وقوله "فاذا ووجبت فلا يبكين" النهى عن البكاء الذى يصحبه شئ مما حرمه

ص: 143

(4)

باب ما جاء في نعي الميت

عن بلال العبسى عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه كان

الشارع، وقد جمع الشافعية بحمل أحاديث الجواز على البكاء قبل الموت وأحاديث المنع على البكاء بعده، ولذلك حكوا عن الأمام الشافعي رحمه الله أنه قال يباح الكلام الى أن تخرج الروح ويكره بعد ذلك لحديث جابر بن عتيك، وقد بينا لك توجيهه بما فيه الكفاية (وأجمع العلماء) على جواز البكاء الخالى عن الندب والنياحة ونحو ذلك (وفى أحاديث الباب أيضا) ما يدل على جواز البكاء بصوت اذا غلب عليه ولم يبلغ إلى الحد المنهى عنه كما حكت عائشة عن بكاء أبى بكر وعمر رضى الله عنهما (وفيها أيضا) ما يدل على جواز الندبة، وهى ذكر الميت بصفاته الممدوحة شرعا ان كان متصفًا بها حقيقة كقول فاطمة رضى الله عنها "يا أبتاه من ربه ما أدناه إلى آخر ما قالت وكقول أبى بكر رضى الله عنه حين دخل النبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يده على صدغيه وقال وأنبياه وا خليلاخ. وا صفياه" رواه الأمام أحمد وسيأتى فى باب تأثير وفاته صلى الله علي وسلم على أصحابه وآل بيت الخ من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله (قال ابن قدامه فى المغنى) وقال أحمد اذا ذكرت المرأة مثل ما حكى عن فاطمة فى مثل الدعاء لا يكون مثل النوح يعنى لا بأس به، وروى عن فاطمة رضى الله عنها أنها قالت يا أبتاه من ربه ما أدناه الخ - قال وروى عن على رضى الله عنه أن فاطمة رضى الله عنها أخذت قبضة من تراب قبر النبى صلى الله عليه وسلم فوضعتها على عينها ثم قالت

ماذا على مئتم تربة أحمد _ أن لا يشم الزمان غواليا

سبت علىّ مصيبة لو أنها _ صبت على الأيام عدن لياليا اهـ

(قال الخافظ) ويؤخذ من قول فاطمة الخ جواز ذكر الميت بما هو متصف به ان كان معلوما (قال الكرمانى) وليس هذا من نوح الجاهلية من الكذب ورفع الصوت وغيره إنما هو ندبة مباحة اهـ (قال الشوكانى) وعلى فرض صدق اسم النوح فى لسان الشارع على مثل هذا، فليس فى فعل فاطمة وأبى بكر دليل على جواز ذلك لأن فعل الصحابى لا يصلح للحجة كما تقرر فى الأصول، ويحمل ما وقع منهما على أنهما لم يبلغا أحاديث النهى عن ذلك الفعل. ولم ينقل أن وقع منهما بمحضر جميع الصحابة حتى يكون كالاجماع منهم على الجواز لسكونهم عن الانكار والأصل أيضا عدم ذلم اهـ. والله أعلم

(103)

عن بلال العبسى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم

ص: 144

إذا مات له ميت قال لا تؤذنوا به أحدًا (1) إني أخاف أن يكون نعيًا (2) إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النعي (وعنه من طريق ثان)(3) عن حذيفة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعي

عن أبي الزبير قال سئل جابر عما يدعي للميت (4) فقال ما أباح لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما

ثنا حبيب بن سليم العبسى عن بلال العبسى عن حذيفة - الحديث" (غريبه)

(1)

أى لا تخبروا به أحدا (2) النعى بفتح النون وسكون العين المهملة وتخفيف الياء التحتية، وفيه أيضا كسر العين وتشديد يد الياء، وهو فى الغة الأخبار بموت الميت كما فى الصحاح والقاموس وغيرهما من كتب اللغة، وفى النهاية نعى الميت نعيا إذا أذاع موته وأخبر به (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن حبيب بن سليم العبسى عن بلال بن يحيى العبسى عن حذيفة - الحديث" (تخريجه)(جه. هق. مذ) وقال هذا حديث حسن

(104)

عن أبى الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد القدوس ابن بكر بن خنيس أنا حجاج عن أبى الزبير - الحديث" (غريبه) (4) أى النعى على ما كان معروفا فى الجاهلية (قال الأصمعى) كانت العرب إذا مات فيها ميت ركب راكب فرسا وجعل يسير فى الناس ويقول نعاو فلانا أى أنعيه وأظهر خبر وفاته (قال الجوهرى) وهى مبنية على الكسر مثل دراك ونزال، كذا فى قوت المغتدى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحم دسنده جيد (وفى الباب عن عبد الله بن مسعود) رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال إياكم والنعى فان النعى من عمل الجاهلية، قال عبد الله (يعنى ابن مسعود) رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال إياكم والنعى فان النعى من عمل الحاهلية، قال عبد الله (يعنى ابن مسعود) والنعى أذان بالميت "أى اعلا بموته" رواه الترمذى وقال حديث عبد الله حديث غريب (الأحكام) أحاديث الباب تدل على عدم جواز نعى الميت وهو الاخبار بموته على النحو الذى كان عليه أهل الجاهلية، وانما قلنا ذلك لما ورد فى حديث ابن مسعود من التحذير منه وتعليل ذلك بأنه من عمل الجاهلية، وظاهره أنه اذا لم يكن على النحو الذى كان عليه أهل الجاهلية فلا بأس به، ويؤيده أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى جعفرًا وزيدًا وابن رواحة وغيرهم (قال الترمذى) وقد كره بعض أهل العلم النعى، والنعى عندهم أن ينادى فى الناس بأن فلانا مات ليشدهوا جنازته، وقال بعض أهل العلم لا بأس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه

ص: 145

وروي عن إبراهيم النخعى أنه قال لا بأس بأن يعلم الرجل قرابته اهـ (وقال البهقى) بعد أن روى حديث حذيفة المذكور فى الباب فى النهى عن النعى (قال) ويروى فى ذلك "أى فى كراهة النعى" عن ابن مسعود وابن عمر وأبى سعيد ثم عن علقمة وابن المسيب والربيع بن خثيم وابراهيم النخعى، وبلغنى عن مالك بن أنس أنه قال لا أحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس (وروينا) عن أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى جعفرًا وزيدا وابن رواحة (وعن أبى هريرة رضى الله عنه) أن النبى صلى الله عليه وسلم نعى النجاشى (وعنه) فى موت الأنسان الذى كان يقمُّ المسجد ودفن ليلا أفلا كنتم آذنتمونى "وفى رواية ما منعكم أن تعلمونى" وروى البيهقى أيضًا بسنده، عن يحيى بن عبد الحميد يعنى ابن رافع عن جدته أن رافع بن خديج مات بعد العصر فأتى ابن عمر فأخبر بموته فقيل له ما ترى أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال ان مثل رافعلا يخرج به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا وأخرجوا بجنازته اهـ (وقال ابن قدامة فى المغنى) ويكره النعى وهو أن يبعث مناديًا ينادى فى الناس ان فلانا قد مات ليشهدوا جنازته، لما روى حذيفة قال سمعت النبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعى (قال الترمذى) هذا حديث حسن، واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم، منهم عبد الله بن مسعود وأصحابه علقمة والربيع بن خثيم وعمرو لم شرحبيل، قال علقمة لا تؤذوا بى أحدا، وقال عمرو بن شرحبيل أذا أنامت فلا أنعى الى أحد (وقال كثير من أهل العلم) لا بأس أن يعلم بالرجل اخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء، وقال ابراهيم النخعى لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه، وإنما يكون يكرهون أن يطاف فى المجالس أنعى فلانا كفعل الجاهلية (وممن رخص فى هذا) أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين - وروى عن ابن عمر أنه نعى اليه رافع بن خديج قال كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قال نحبسه حتى نوسل إلى قباء والى من قد بات حول المدينة ليشهدوا جنازته، قال نعم ما رأيتم. وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى الذى دفن ليلا "ألا آذنتمونى؟ "(وقد صح عن أبى هريرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشى فى اليوم الذى مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات متفق عليهم (وفى لفظ) أن أخاكم النجاشى قد مات فقوموا فصلوا عليه (وروى) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا يموت فيكم أحد إلا آذنتمونى به أو كما قال" ولأن فى كثرة المصلين عليه أجرًا لهم ونفعا للميت فانه يحصل لكم مصل منهم قيراط من الأجر وجاء عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب اهـ وقوله أوجب يعنى الا وجبت له الجنة (وقصارى القول) أن النعي

ص: 146

(5)

باب ما جاء في الأحداد على الميت

عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل (1) لامرأة تؤمن بالله واليوم

بقصد تعريف الأهل والأقارب والأصدقاء لا بأس به، وبه قال الأئمة الأربعة وجمهور العلماء (قال النووى رحمه الله والصحيح الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة أن الأعلام بموته لمن لا يعلم ليس بمكروه بل ان قصد به الأخبار لكثرة المصلين فهو مستحب؛ وانما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس بذكره بهذه الأشياء، وهذا نعى الجاهلية المنهى عنه فقد صحت الأحاديث بالأعلام فلا يجوز الغاؤها، وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين، والله اعلم اهـ ج

(105)

عن زينب بنت حجش (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر عن حميد بن نافع أن زينب بنت أبى سلمة أخبرته أنها دخلت على زينب بنت جحش زوج النبى صلى الله عليه وسلم فقالت إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) نفى بمعنى النهى والتقييد بقوله "تؤمن بالله واليوم الآخر" خرج مخرج الغالب كما يقال هذا طريق المسلمين مه أنه يسلكه غيرهم، فالكتابية كذلك عند الجمهور، وهو المشهور عن مالك، وقال أبو حنيفة والكوفيون ومالك فى رواية وابن نافع وابن كنانة وأشهب وأبو ثور لا إحداد عليها لظاهر الحديث (وقال النووى) التقييد بوصف الأيمان لأن المتصف به هو الذى ينقاد للشرع، ورجح ابن دقيق العيد الأول، وحجة أبو حنيفة ومن وافقه أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل الأحداد من أحكا من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل فيه الكافرة، ولأنها غير مكلفة بأحكام الفروع، قالوا وعدلوه عن اللفظ العام المطلق الى الخاص بالأيمان يقتضى أن هذا من أحكام الأيمان ولوازمه وواجباته، فكأنه قال من التزم الأيمان فهذا من شرائعه وواجباته (قال الحافظ ابن القيم) فى الهدى والتحقيق أن نفى حل الفعل عن المؤمنين لا يقتضى نفى حكمه عن الكفار ولا اثبات الحكم لهم أيضا، وإنما يقتضى أن من التزم الأيمان وشرائعه فهذا لا يحل، ويجب على كل حال أن يلزم الأيمان وشرائعه، ولكن لا يلزم الشارع شرائع الايمان إلا بعد دخوله فيه، وهذا كما لو قيل لا يحل لمؤمن أن يترك الصلاة والحج والزكاة، فهذا لا يدل على أن ذلك حل للكافر، وهذا كما قال فى لباس الذهب لا ينبغى هذا للمتقين، فلا يدل أنه ينبغى لغيرهم، وكذا قوله لا ينبغى للمؤمن أن يكون لعَّانً، وسر المسألة أن شرائع الحلال

ص: 147

الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا

عن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنهما قالت توفي حميم

والحرام والايجاب انما شرعت لمن التزم أصل الايمان؛ ومن لم يلتزمه وخلى بينه وبين دينه فانه يخلى بينه وبين شرائع الدين الذى التزمه كما خلى بينه وبين أصله ما لم يحاكم الينا، وهذه القاعدة متفق عليها بين العلماء، ولكن عذر الذين أوجبوا الأحداد على الذمية أنه يتعلق به حق الزوج المسلم، وكان منه إلزامها به كأصل العدة، ولهذا لا يلزمونها به فى عدتها من الذّمى ولا يتعرض لها فيها، فصار هذا كعقودهم مع المسلمين فانهم يلزمون فيها باحكام الاسلام وإن لم يتعرض لعقودهم هى والأولياء والمتوفى على سقوطه بأن أوصاها بتركه لم يسقط ولزمها الأتيان به، فهو جا مجرى العبادات وليست الذمية من أهلها فهذا سر المسألة اهـ (1) بضم اوله وكسر ثانيه من الرباعى، ويجوز بفتح أوله وضم ثانيه من الثلاثى (قال أهل اللغة) أصل الأحداد المنع، ومنه تسمية البواب حدَّاد لمنعه الداخل، وتسمية العقوبة حدِّا لأنها تردع عن المعصية (قال ابن درستويه) معنى الأحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب، ومنع الخطاَّب خطبتها، وحكى الخطاَّبى أنه يروى بالجيم والحاء، والحاء أشهر، وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشئ إذا قطعته، فكأن المرأة انقطعت عن الزينة (2) يستفاد من هذا الحصر أنه لا يزد على الثلاث فى غير الزوج، كأب. وأخ. وابن. ونحو ذلك، والمعنى أنه يجوز للمرأة أن تحد على من مات من أقاربها غير الزوج ثلاث ليال فما دونها، ويحرم عليها الزيادة على ذلك، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية، أما الزوج فلا بد من الأحداد عليه أربعة أشهر وعشرا (3) ذكر العشر مؤنثا لارادة الليالى؟ والرماد مع أيامها عند الجمهور، فلا تحل حتى ندخل الليلة الحادية عشرة، وعن الاوزاعى وبعض السلف تنقضى بمضى الليالى العشر بعد مضى الأشهر، وتحل فى أول اليوم العاشر، والحكمة فى زيادة العشر أن الولد يتكامل تخليقه وتنفخ فيه الروح بعد مشى مائة وعشرين يوما وهى بزيادة على أربعة أشهر بنقصات الأهلة فجبر الكسر الة العقد على طريق الاحتياط والله أعلم (تخريجه)(ق. لك. وغيرهم)

(106)

عن زينب بمن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة وحجاج قال حدثنى شعبة بن حميد بن نافع قال سمعت زينب بنت أم سلمة قالت توفى حميم الخ (غريبه)(4) أى قريب، ورجح الحافظ أنه أخوها

ص: 148

لأم حبيبة فدعت بصفرة (1) فمسحت ذراعيها وقالت بما أصنع هذا الشيء (2) سمعت (وفي رواية (3) لأن) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تجد فوق ثلاث إلا على زوجها أربعة وعشرًا (4)

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر يحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج

(108)

وعن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي عنها مثله (وزادت بعد إلا على زوج) فإنها XXX عليه أربعة أشهر وعشرا

(109)

عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت قال رسول الله

يزيد بن أبي سفيان الذى كان أميرًا على الشام (1) رواية البخارى ومسلم "فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره" وهو برفع خلوق وبرفع غيره، أّى دعت بصفرة وهى خلوق أو غيره، والخلوق بفتح الخاء هو طيب الخلق (2) وفى روايى الشيخين ثم قالت والله ما لى بالطيب من حاجة غير أّنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل الخ (3) هذه الرواية رواية حجاج أحد رجال السند (4) ليس هذا آخر الحديث "وبقيته" وحدثته زين عن أمها عن زينب زوج النبى صلى الله عليه وسلم (ترخيجه)(ق. لك. وغيرهم)

(107)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أيا ثنا سفيان ثنا الزهرى عن عروة عن عائشة - الحديث" (تخريجه)(م. وغيره)

(108)

عن حفصة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبا ثنا يزيد بن هارون قال أنا يحيى بن سعيد عن نافع أن صفية بنة أبى عبيد أخبرته أنها سمعت حفصة بنة عمر زوج النبى صلى الله عليه وسلم تحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أو باللع ورسوله أن تحد على ميت فوق ثلاث الا على زوج فانها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا (م. وغيره)

(109)

عن أم عطية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن

ص: 149

صلى الله عليه وسلم (1) لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا عصبًا (2) ولا تكتحل ولا تمس طيبًا إلا عند طهرها (3) فإذا طهرت من حيضها نبذة من قسط وأظفار (4)

عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر، فقال لا تحدى بعد يومك هذا (5)(وعنها من طريق ثان (6) قالت لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال قومي

عبد الرحمن الطفاوي ثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية "الحديث"(غريبه)(1) فى رواية يزيد أحد رجال السند "عن النبى صلى الله عليه وسلم" بدل "قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"(2) رواية الشيخين ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، والعصب بمهملتين، مفتوحة ثم ساكنة ثم موحدة، برود اليمن يعصب غزلها أى يربط، ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشَّى لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ، وإنما ينصبغ السدى دون اللحمة، ومعنى الحديث النهى عن جميع الثياب المصبوغة للزينة إلا ثوب العصب (3) قال يزيد أحد الرواة "أو فى طهرها"(4) رواية الشيخين من قسط أو اظفار (وفى رواية لمسلم) من حديث أم عطية أيضا قالت "وقد رخص للمرأة فى طهرها إذا اغتسلت احدانا من محيضها فى نبذة من قسط وأظفار"(قال النووى رحمه الله النبذة بضم النون القطعة والشئ اليسير، وأما القسط فبضم القاف ويقال فيه كست بكاف مضمومة بدل القاف وبتاء يدل الطاء، وهو والأظفار، نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لأزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب، والله تعالى أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(110)

عن أسماء بنت عميس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أنبأنا محمد بن طلحة قال ثنا الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد عن أسماء بنت عميس - الحديث" (غريبه)(5) معناه أنها تخلع ثوب الحداد بعد ثلاثة أيام وهو يعارض أحاديث الباب المتقدمة فى وجوب الأحداد على من مات زوجها أربعة أشهر وعشرا، (قال صاحب المنتفى) وهو متأول على المبالغة فى الاحداد للتعزية اهـ (قلت) وسيأتى الكلام عليه مستوفى فى الأحكام ان شاء الله (6)(سنده) حدثنا عبد الله

ص: 150

البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثمَّ أصنعي ما شئت، قال عبد الله وحدثنا محمد ابن بكَّارٍ قال حدثَّنا محمد بن طلحة مثله

حدثني أبي ثنا أبو كامل ويزيد بن هارون وعفان قالوا ثنا محمد بن طلحة قال يزيد في حديثه ثنا الحكم وقال عفان في حديثه سمعت الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد عن أسماء بنت عميس قالت لما أصيب جعفر "الحديث" هو ابن الأمام أحمد رحمهما الله (تخريجه)(حب) وصححه وكذلك صححه الأمام أحمد أيضا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز إحداد المرأة على عير زوجها ثلاثة أيام لا أكثر، وليس الأحداد بواجب (قال ابن بطال رحمه الله أجمع العلماء على أن أبيح لها الأحداد فيها أنه يقضى له عليها بالجماع فيها اهـ وقولنا على غير زوجها يشمل كل ميت غير الزوج حتى الأبن (واستدل بأحاديث الباب أيضا) على تحريم الأحداد على غير الزوج زيادة على ثلاث وعلى وجوب الأحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرا، وبه قال الجمهور (قال الحافظ) واستشكل بأن الاستثناء وقع بعد النفي، فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب قال (وأجيب) بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالأجماع (ورد) بأن المنقول عن الحسن البصري أن الأحداد لا يجب (أخرجه ابن أبي شيبة) ونقل الحلال بسنده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الأحداد، قال أحمد ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين "يعني الحسن والشعبي" قال وخفى ذلك عليهما اهـ. ومخالفتها لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها رد على من ادعى الأجماع، وفي أثر الشعبي تعقب على ابن المنذر حيث نفى الخلاف في المسألة إلا عن الحسن وأيضاً فحديث التي اشتكت عينها دال على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح اهـ (قلت) يشير الحافظ رحمه الله إلى حديث أم سلمة عند الشيخين والأمام أحمد بلفظ "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، مرتين أو ثلاث، كل ذلك يقول لا - الحديث" وهذا كلام البخاري: وسيأتي في باب الحداد معتدة الوفاة من كتاب الحدد (وهل تجد المطلقة كالمتوفي عنها أم لا؟ فيه خلاف)(قال الحافظ) أما الرجعية فلا إحداد عليها إجماعا، وإنما الاختلاف في البائن، فقال: الجمهور لأحداد (وقالت الحنفية) وأبو عبيد وأبو رثور عليها الاحداد قياساً على المتوفى (وبه قال بعض الشافعية والمالكية) واحتج الأولون بأن الأحداد يشرع لأن تركه من التطيب واللبس والتزين يدعوا إلى الجماع

ص: 151

فمنعت المرأة منه زجراً لها عن ذلك فكان ذلك ظاهرا في حق الميت لأنه بمنعه الموت عن منع المعتدة منه عن التزويج ولا تراعيه هي ولا تخاف منه، بخلاف المكلق الحي في كل ذلك، ومن ثم وجبت العدة على كل متوفي عنها وإن لم تكن مدخولا بها، بخلاف المطلقة قبل، الدخول فلا احداد عليها اتفاقا، وبأن المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد اهـ (قال الشوكاني) والحق الاقتصار على مورد النص عملا بالبراءة الأصلية فيما عداه، فمن ادعى وجوب الأحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل اهـ (قلت) ومع هذا فحديث أسماء بنت عميس وهو الحديث الأخير من أحاديث الباب يعارض كل ما تقدمه من الأحاديث، لأنه يقتضي عدم الأحداد على المتوفي عنها زوجها إلا ثلاثة أيام فقط، وبعد الثلاثة تفعل مابدالها من أنواع الزينة (وأشار اليه الحافظ في الفتح فقال) وقد ورد في حديث قوي الأسناد أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أسماء بنت عميس فذكره ثم قال قال شيخنا (يعني العراقي) في شرح الترمذي ظاهره أنه لا يجب الأحداد على المتوفي عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتفاق، وهي والدة أولاده عبد الله، ومحمد، وعون، وغيرهم، قال بل ظاهر النهي أن الأحداد لا يجوز (وأجاب) بأن الحديث شاذ مخالف للأحاديثالصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه، قال ويحتمل أن يقال إن جعفرا قتل شهيدا "والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون" قال وهذا ضعيف لأنه لم يرد في حق غير جعفر من الشهداء ثمن قطع بأنهم شهداء كما قطع لجعفر كحمزة بن عبد المطلب عمه، وكعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر اهـ. كلام شيخنا ملخصا، قال وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الأحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم أمرت بالأحداد أربعة أشهر وعشرا، ثم ساق أحاديث الباب، وليس فيها ما يدل على ما ادعاه من النسخ، لكنه يكثر من ادعاه النسخ بالحتمال فجرى على عادته، ويحتمل وراء ذلك أجوبة أحرى (أحدها) أن يكون المراد بالأحداد المقيد بالثلاث قدراً زائدا على الأحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها على جعفر، فهناها عن تلك الثلاث (ثانيها) أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت فنهاها بعدها عن الأحداد، ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الأخرى ثلاثاً، لأنه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن عدتها تنقضي عند الثلاث (ثانيها) لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها احداد (رابعها) أن البيهقي أعل الحديث بالانقطاع، فقال لم ينبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء، وهذا تعليل مدفوع فقط صححه أحمد، لكنه قال إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الأحداد "قلت" وهو مصير منه إلى إنه يعله بالشذوذ، وذكر الأثرم أن أحمد سئل عن حديث حنظلة عن سالم

ص: 152

أبواب غسل الميت

(1)

باب من بليه ورفقه به وستره عليه وثواب ذلك

(111)

عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من غسَّل ميتاً فأدَّى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، وقال ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فإن كان لا يعلم فمن ترون أن عنده حظًّا من ورع وأمانة

(112)

عن صالح أبى حجير عن معاوية بن خديج رضي الله عنه قال وكانت له صحبة من غسل ميتاً وكفَّنه وتبعه وولى جثته رجع مغفوراً له، قال أبو عبد الرَّحمن قال أبي ليس بمرفوٍع

عن ابن عمر رفعه "لا احداد فوق ثلاث" فقال هذا منكر، والمعروف عن ابن عمر من رأيه اهـ. وهذا يحتمل أن يكون لغير المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء، أفاده الحافظ

(111)

عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا أحمد بن عبد الملك قال ثنا سلام بن أبي مطيع عن جابر بن يزيد الجعفي عن عامر عن يحيي ابن الجزار عن عائشة - الحديث" (غريبة) المراد بتأدية الأمانة إما كتم ما يرى منه مما يكرهه الناس ويكون قوله "ولم يفش عطف تفسير" أو يكون المراد بتأديه الأمانة أن يغسله الغسل الذي وردت به الشريعة، لأن العلم عند حامله أمانة واستعماله في مواضعه من تأديتها فيه أن الأحق بغسل الميت من الناس الأقرب إلى الميت بشرط أن يكون؟؟؟؟؟ ص 153 بما يحتاج إليه من العلم، وقد قال بتقديم القريب على غيره الشافهية والأمام يحيي يعني أن القريب إذا لم يكن يعلم أحكام الغسل فليغسله أجنبي يعلم، ويستحب أن يكون على جانب من الورع والأمانة لأنهما يحملانه على الرأفة بالميت والاعتناء بشأنه (تخريجه)(طس) وفي إسناده جابر الجعفي ضعيف

(112)

عن صالح أبي حجير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا ثابت عن صالح أبي حجير عن معاوية بن خديج - الحديث" (غريبة) أي تولى دفنها يعني عبد الله بن الأمام أحمد رحمهما الله "وقوله ليس بمرفوع" يعني أنه موقوف على معاوية بن خديج ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وهو وإن كان

ص: 153

(113)

ز عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنَّ آدم عليه السلام قبضته الملائكة وغسَّلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا له وصلوا عليه، ثمَّ دخلوا قبره فوضعوه في قبره ووضعوا عليه اللبن ثمَّ خرجوا من القبر ثمَّ حثوا عليه التُّراب، ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم

(114)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستر عبد عبداً في الدُّنيا إلا ستره الله يوم القيامة

موقوفا كما قال الأمام احمد رحمه الله، لكن له حكم الرفع لأن مله لا يقال بالرأي، والله أعلم

(113)

ز (عن أبي بن كعب) هذا طرف من حديث سيأتي بتمامه وسنده في باب وفاة آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من كتاب خلق العالم (غريبة) بكسر الباء ما يعمل من الطين ويبني به، الواحدة لبنه (2) يعني أن الغسل والكفن والحنوط والصلاة على الميت والدفن هي الطريقة المتبعة في آدم وبنية، وقد استمرت إلى وقتنا هذا (تخريجه)(ك) وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه، قال وهو من النوع الذي لا يوجد للتابعي إلا الراوي الواحد فان عتى بن ضمرة السعدى ليس له راو غير الحسن وعندي أن الشيخين عللاه بعلة أخرى، وهو أنه روي عن الحسن عن أبي دون ذكر عتى اهـ (قلت) وقال الذهبي لم يخرجاه لأن عتى بن ضمرة لم يرو عنه غير الحسن وله علة اهـ

(114)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا وهيب حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة - الحديث" (تخريجه) (م. وغيره) (الأحكام) في أحاديث الباب دليل على أن أولى الناس بغسل الميت أقربهم إليه إن كان يعلم ما يلزم لذلك (وبه قالت الشافعية والأمام يحيي) فان لم يكن يعلم فليتخيروا من الناس من يكون أمينا ذا ورع ودين كما ورد في أحاديث الباب، ولما روى عن ابن عمر أنه قال " لا يغسل موتاكم إلا المأمونون" أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف، ولأنه إذا لم يكن أميناً لم نأمن أن لا يستوفى الغسل، وربما ستر ما يظهر من جميل أو يظهر ما يرى من قبيح، ولهذا (ذهبت الهادوية) إلى اشتراط العدالة في الغاسل (وخالفهم الجمهور) قال الشوكاني فان صح هذا الحديث فذاك، وإلا فالظاهر عدم اختصاص هذه القربة بمن ليس فاسقا لأنه مكلف بالتكاليف، وغسل الميت من جملتها، والإلزم عدم صحة كل تكليف شرعي منه، وهو خلاف الأجماع؛ ودعوى صحة بعضها دون بعض بغير دليل تحكم، وقد حكى المهدي في البحر

ص: 154

الإجماع على أن غسل الميت واجب على الكفاية، وكذلك حكى الأجماع النووي وناقش دعوى الأجماع صاحب ضوء النهار مناقشة واهية (حاصلها) أنه لا مستند له إلا أحاديث الفعل وهي لا تفيد الوجوب، وأحاديث الأمر بغسل الذي وقصته ناقته (قلت هذا الحديث رواه مسلم والنسائي وابن حبان والأمام أحمد، وسيأتي في الباب الأخير من أبواب الكفن وفظه عند الأمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فانه يبعث يوم القيامة ملبيا - متفق على صحته) قال والأمر بغسل ابنته صلى الله عليه وسلم، والأمر مختلف في كونه للوجوب أو للندب؛ ورد كلامه بأنه أن ثبت الاجماع على الوجوب فلا يضر جهل المستند، ويرد أيضا بأن الاختلاف في كون الأمر للوجوب لا يستلزم الاختلاف في كل مأمور به، لأنه ربما شهدت لبعض الأوامر قرائن يستفاد منها وجوبه، وهذا مما لا يخالف فيه القائل بأن الأمر ليس للوجوب لأن محل الخلاف الأمر المجرد كما تقرر في الأصول. نعم قال في الفتح وقد نقل النووي الأجماع على أن غسل الميت فرض كفاية وهو ذهول شديد، فان الخلاف مشهور جداً عند المالكية، ابن العربي على من لم يقل بذلك، وقال قد توارد به القول والعمل اهـ. وهكذا فليكن التعقب لدءوى الأجماع اهـ. ما نقله للشوكاني (وفي أحاديث الباب أيضا) ثواب عظيم وفضل جسيم لمن غسل ميتا وكفنه وتبعه وأدخله قبره احتسابا لوجه الله تعالى لماروى الشيخان أيضا والأربعة والأمام أحمد، وسيأتي في بابا فضل الصلاة على الميت عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى على جنازة فله قيراط وءن انتظر حتى يفرغ منها فله قيراطان، قالوا يا رسول الله وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين"(وفيها أيضا) الترغيب في ستر عورات المسلم لما ورد في أحاديث الباب عن أبي هريرة وان لم يصرح فيه بلفظ المسلم فقد صرح به في أحاديث كثيرة أخرى، منها في حديث طويل لأبي هريرة "ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة" رواه مسلم والأمام أحمد وغيرهما (وعن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه الا أدخله الله بها الجنة" رواه الطبراني في الكبير والأوسط وغير ذلك كثير، سيأتي جميعه في محله ان شاء الله تعالى، وظاهر هذه الأحاديث عدم الفرق بين الحي والميت، فيدخل في عمومه ستر ما يراه الغاسل ونحوه من الميت وكراهة افشائه والتحدث به، وايضا قد صح ان الغيبة عي ذكرك لأخيك بما يكره، ولا فرق بين الاخ الحي والميت، ولا شك ان الميت يكره ان يذكر بشيء من عيوبه التي تظهر حال موته فيكون على

ص: 155

(2)

باب ما جاء في غسل أحد الزوجين للآخر

(115)

عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدى فيه فقلت وا رأساه، فقال وددت أنَّ ذلك كان وأنا حي فهيُّأتك ودفنتك (وعنها من طريق ثان بنحوه وفيه) قال ما ضرَّك لو متّ قبلي فغسَّلتك وكفَّنتك، ثم صليت عليك ودفنتك

(116)

عن يحيي بن عباَّد بن عبد الله بن الزبُّير عن أبيه عن عائشة

هذا ذكرها محرما "وفيها غير ذلك" والله أعلم

(115)

عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا ابراهيم بن سمد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة - الحديث" (غريبة) (1) أي الذي ظهر فيه وجعه الذي توفي فيه (7) يريد أنها لو ماتت وهو صلى الله عليه وسلم حي لتولى ما يلزم لها بنفسه من غسل وكفن ودفن ونحو ذلك كما يستفاد ذلك من الطريق الثانية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قال رجع إلى رسول اللله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وا رأساه، قال بل أنا وا رأساه، قال ما ضرك لو مت قبلي - الحديث" وقد اقتصرت من هذا الحديث على ما يناسب ترجمة الباب؛ وسيأتي كاملا بطريقية في باب مرضه صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه من كتاب الشيرة النبوية ان شاء الله تعالى (4) بضم الميم وكسرها لفتان مشهورتان (تخريجه) أخرج الطريق الأولى من النسائي وسندها جيد، وأخرج الطريق الثانية منه (حب. قط. مي. هق) وفي إسناده محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن، والمدلس إذا عنعن لا يحتج بحديثه وإن كان ثقة، وبه أعله البيهقي، لكن قال الحافظ في التلخيص ولم ينفرد به بل تابعه عليه صالح بن كيسان عند أحمد والنسائي (قلت يعني الطريق الأولى منه) قال وأنا ابن الجوزي فقال: لم يقل غسلتك إلا ابن اسحاق، وأصل الحديث عند البخاري بلفظ "ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك

(116)

(عن يحيي بن عباد) هذا طرف من أثر طويل ذكرته عائشة رضي الله عنها وسيأتي بتمامة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، واقتصرت على هذا الطرف منه لمناسبة

ص: 156

زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسَّل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلُّم إلا نساؤه

ترجمة الباب وسنجه جيد، ورواه أيضا أبو داود وسكت عنه هو والمنذري (الأحكام) حديث عائشة بطريقيه يدل على أن للزوج أن يغسل زوجته إذا ماتت وهي تعغسله قياسا على ذلك (وحكى ابن قدامة في المغني) عن ابن المنذر أن قال: أجمع أهل العلم على أن المرأة تغسل زوجها إذا مات (قالت عائشة)"لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه" رواه أبو داود، وأوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس وكانت صائمة فعزم عليها أن تفطر، فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه فقالت لا أتبعه اليوم حنئا، فدمت بماء فشربت، وغسل أبو موسى امرأته أم عبد الله، وأوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته، قال أحمد ليس فيه اختلاف بين الناس (قال) والمشهور عن أحمد أن الزوج غسل امرأته وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد ابن الأسود وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي واسحاق (وعن أحمد) رواية ثانية ليس للزوج غسلها، وهو قول (أبي حنيفة والنوري) لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها، فحرم اللمس والنظر كالطلاق (قال) ولنا ما روى ابن المنذر أ، عليا رضي الله عنه غسل فاطمة رضي الله عنه واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكروه فكان إجماعا (قلت حديث غسل علي لفاطمة رضي الله عنهما رواه الأمام الشافعي والدار قطنى وأبو نعيم والبيهقي وحسنه الحافظ في التلخيص)(قال) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها، لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك رواه ابن ماجه، والأصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن يكون للمباشرة، وحمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص، ولأنه أحد الزوجين فأبيح له غسل صاحبه كاآخر، والمعنى فيه أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه اطلاع الآخر على عورته دون غيره لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على أكمل ما يمكنه لما بينهما من المودة والرحمة، وما قاسوا عليه لا يصح، لأنه يمنع الزوجة من النظر وهذا بخلافه، ولأنه لا فرق بين للزوجين الا بقاء العدة ولا أثر لها اهـ. "وفي أثر عائشة: لو استقبلت من الأمر ما استدبرت الخ" متمسك لمذهب الجمهور اهـ (قال الشوكاني) ولكنه لا يدل على عدم جواز غسل الجنس لجنسه مع وجود الزوجة، ولا على أنها أولى من الرجال، لأنه قول صحابيه ولا حجة فيه؛ وقد تولى غسله صلى الله عليه وسلم علي والفضل بن العباس، وأسامة بن زيد يناوله الماء، والعباس واقف (قال ابن دحية) لم يختلف في أن الذين غسلوه صلى الله عليه وسلم علي والفضل، واختلف في العباس وأسامة وقثم وشقران

ص: 157

(3)

باب ترك غسل الشهيد وما جاء فيه

(117)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال لَّما كان يوم أحد أشرف النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الشُّهداء الذين قتلوا يومئذٍ، فقال زمّلوهم بدمائهم فإنّى قد شهدت عليهم، فكان يدفن الرَّجلان والثلَّاثة في القبر الواحد ويسأل أيهم كان أقرأ للقرآن فيقدّمونه، قال جابر فدفن أبى وعمى يومئذ في قبر واحدٍ

(118)

عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال لَّما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد قال أشهد على هؤلاء، ما من مجروح جرح في الله عز وجل غلا بعثه الله يوم القيامة وجرحه بدمي، اللون لون الدم والريّح ريح المسك

وقد استوفى صاحب التلخيص الطرق في ذلك؛ ولم نقل الينا أن أحدا من الصحابة أنكر ذلك فكان إجماعا منهم (وروى البزار) من طريق يزيد بن بلال قال قال علي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري (وروى ابن المنذر) عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أمرهم أن يغسل النبي صلى الله عليه وسلم بنو أبيه وخرج من عندهم اهـ.

(117)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن ابن أبي صعير عن جابر بن عبد الله - الحديث" (غريبة) (1) أي لفوهم في ثيابهم بدمائهم، يقال تزمل بثوبه إذا التف فيه (2) فعلوا ذلك لكثرة القتلى في وقعة أحد وإن كان الأفضل انفراد كل واحد بقبر (3) فيه استحباب من كان أكثر قرآناً، ومثله سائر أنواع الفضائل قياساً (تخريجه) (خ. نس. جه. مذ) ولفظ البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما " قال النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول أيهم أكثر أخذ للقرآن، فاذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وامر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم"

(118)

عن عبد الله بن ثعلبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هرون أبا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير - الحديث" (غريبة)(4) قال الحافظ في التقريب: عبد الله بن ثعلبة بن صعير بالمهملتين

ص: 158

أنظروا أكثرهم جمعاً للقرآن فقدّموه أمامهم في القبر

(119)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبّي صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنَّه قال في قتلى أحد لا تغسَّلوهم، فإنَّ كل جرٍح أو كلَّ دم يفوح مسكاً يوم القيامة، ولم يصلّ عليهم

(120)

ز عن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه قال شهدت عثمان بن عفان رضي الله عنه دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسَّل

مصغرا، ويقال ابن أبي صعير له رواية ولم يثبت له سماع مات سنة سبع أو تسع وثمانين وقد قارب التسعين اهـ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد ولا مطعن فيه ويؤيده ما رواه (ق. لك. نس. مذ) والأمام أحمد وسيأتي في باب فضل الشهداء من كتاب الجهاد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من ملكوم يكلم في سبيل الله الا جاء يوم القيامة وكلمة تدمى؛ اللون لون دم والريح ريح مسك "وفي رواية" كل كلم يكلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها يوم طعنت تفجر دماء اللون لون دم والعرف عرف مسك)

(119)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا محمد يعني ابن جعفر ثنا شعبة سمعت عبد ربه يحدث عن الزهري عن ابن جابر عن جابر بن عبد الله - الحديث" (غريبة)(1) الحكمة في عدم غسلهم بقاء الدم ورائحته لأنهما أثر طاعة كما ورد في عدم السواك للصائم لبقاء رائحة الخلوف لانها اطيب عند الله من رائحة المسك فكذلك ما هنا، والحكمة في عدم الصلاة عليهم شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم فحسب (تخريجه)(خ. د. مذ. جه. هق) بمعنها لا بلفظه

(120)

ز عن ابراهيم بن عبد الله بن فروخ (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا صريح بن يونس ثنا محبوب بن محرز عن ابراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه - الحديث" (تخريجه) لم أقف على هذا الأثر لغير الأمام أحمد وسنده جيد (وفي الباب) عن سعيد بن عبيد وكان يدعى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم القارى، وكان له عدو فانهزم منهم، فقال له عمر: هل لك في الشام لعل الله أن يمن عليك؟ قال لا، إلا العدو الذي فررت منهم، قال فخطبهم بالفارسية فقال إنا لاقو العدو إن شاء الله غداً، وإنا مستشهدون فلا تغسلوا عنا دما ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال

ص: 159

الصحيح (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظله بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت الملائكة تغسلها - رواه الطبراني في الكبير وسنده حسن "وروى محمد بن إسحاق" في المغازي باسناده عن عاصم بن عمر بن قتاده عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن صاحبكم لتغسله الملائكة: يعني حنظلة" فسألوا أهله ما شأنه فسئلت صاحبته (أي زوجته) فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهالعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة "والهائعة هي الصوت الشديد"(وأخرجه أيضا) ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي من حديث ابن الزبير والحاكم في الاكليل من حديث ابن عباس بأسناد ضعيف (وعن أبي سلام) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أغرنا على حى من جهينة، فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم فضربه فأخطأه وأصاب نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوكم يا معشر المسلمين! فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه، فقالوا يار رسول الله أشهيد هو؟ قال نعم وأنا له شهيد، رواه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري، وفي إسناده سلام بن أبي سلام وهو مجهول لكن قال أبو داود بعد إخراجه عن سلام المذكور إنما هو عن زيد بن سلام عن جده أبى سلام اهـ. وزيد ثقة قاله الشوكاني (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة مسائل (منها) أن الشهيد يدفن بثيابه ولا يغسل ولا يصلى عليه (ومنها) جواز دفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد (ومنها) أن الشهيد له فضل عظيم وثواب جسيم حتى أن ريح دمه يكون أطيب عند الله تعالى يوم القيامة من ريح المسك (ومما ذكرنا في الشرح) ما يدل على أن من أراد قتل كافر في الجهاد فأصاب نفسه خطأ فمات يكون له حكم الشهيد في دفنه بثيابه وعدم غسله والصلاة عليه (ومنها) أن من مات جنبا من المجاهدين غسلته الملائكة (وقد اختلف العلماء) في بعض مسائل هذا الباب فذكر النووى رحمه الله أن مذهب الشافعية تحريم غسل الشهيد والصلاة عليه، قال وبه قال جمهور العلماء، وهو قول عطاء والنخعي وسليمان ابن موسى ويحيي الأنصاري والحاكم وحماد والليث ومالك وتابعوه من أهل المدينة وأحمد واسحاق وأبو ثور وابن المنذر (وقال سعيد بن المسيب) والحسن البصرى يغسل ويصلى عليه (وقال أبو حنيفة) والثورى والمزني يصلى عليه ولا يغسل، واحتج لأبى حنيفة بأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد وصلى على حمزة صلوات (ومنها) رواية أبي مالك الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة - رواه أبو دواد في المراسيل (وعن شداد بن الهاد)

ص: 160

أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وذكر الحديث بطوله - وفيه أنه استشهد فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النسائي (وعن عقبة بن عامر) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت - رواه البخاري ومسلم - وفي رواية للبخاري صلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات (واحتج أصحابنا) بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم وبدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا رواه البخاري (وعن جابر) أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد لا تغسلوهم فان كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ولم يصل عليهم - رواه الأمام أحمد (وعن أنس) رضي الله عنه أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم، رواه أبو داود باسناد حسن أو صحيح (وأما الأحاديث) التي احتج بها القائلون بالصلاة، فاتفق أهل الحديث على ضعفها كلها إلا حديث عقبة بن عامر، والضعف فيها بين (قال البيهقي) وغيره، وأقرب ما روى حديث أبي مالك وهو مرسل، وكذا حديث شداد مرسل أيضا، فانهما تابعان (وأما حديث عقبة) فأجاب أصحابنا وغيرهم بأن المراد من الصلاة هنا الدعاء وقوله "صلاته على الميت" أي دعا لهم كدعاء صلاة الميت؛ وهذا التأويل لابد منه، وليس المراد صلاة الجنازة المعروفة لما أخرها ثمان سنين (ودليل آخر) وهو أنه لا يجوز أن يكون المراد صلاة الجنازة بالجماع لأن عندنا لا يصلى على الشهيد (وعند أبى حنيفة) رحمه الله لا يصلى على القبر بعد ثلاثة أيام فوجب تأويل الحديث، ولأن أبا حنيفة لا يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى وهذا منها. والله اعلم (فان قيل) ما ذكرتموه من حديث جابر لا يحتج به لأنه نفى، وشهادة النفى مردودة مع ما عارضها من رواية الأثبات (فأجاب) أصحابنا بأن شهادة النفى إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن محصورة، اما ما أحاط به علمه وكان محصورا فيقبل بالاتفاق؛ وهذه قصة معينة أحاط بها جابر وغيره علما "وأما رواية الأثبات" فضعيفة فوجودها كالعدم إلا حديث عقبة وقد أجبنا عنه، واشتد انكار الشافعي في الأم وتشنيعة على من يقول يصلى على الشهيد محتجا برواية الشعبي وغيره أن حمزة رضي الله عنه صلى عليه سبعون صلاة، وكان يؤتي بتسعة من القتلى وحمزة عاشرهم فيصلى عليهم، ثم يرفعون وحمزة مكانه، ثم يؤتى بتسعة آخرين فيصلى عليهم وعلى حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة (قال الشافعي رحمه الله وشهداء أحد اثنان وسبعون شهيدا، فاذا صلى علىهم عشرة عشرة فالصواب أن لا يكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان على أنه صلى على كل تسعة مع حمزة صلاة فهذه سبع، فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ وإن عنى أنه كبر سبعين تكبيرة

ص: 161

فنحن وهم نقول التكبير أربع فهى ست وثلاثون تكبيرة (قال الشافعي رحمه الله ينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحي على نفسه، وقد كان ينبغي له أن لا يعارض به الأحاديث فقد جاءت من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم، هذه آخر كلام الشافعي رحمه الله (وقال إمام الحرمين) في الأساليب معتمدنا في المسألة الأحاديث الصحيحة أنه لم يصل عليهم ولم يغسلوا (وأما) ما ذكروه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد فحطاً لم يصححه الأئمة، لأنهم رووا أنه كان يؤتي بعشرة عشرة وحمزة أحدهم فصلى على حمزة سبعين صلاه، وذا غلط ظاهر لأن الشهداء سبعون، وإنما يخص حمزة سبعين صلاة لو كانوا سبعمائه، ثم عند أبي حنيفة رحمه الله إذا صلى على الميت لم يصل عليه مرة أخرى وبالاتفاق منا ومنه فن من صلى مرة لا يصلى هو ثاتنية، ولأن الغسل لا يجوز عندنا وعندهم، وهو شرط في الصلاة على عير الشهداء فوجب أن لا تجوز الصلاة على الشهي بلا غسل (فان قالوا) سبب ترك الغسل بقاء أثر الشهادة لقوله صلى الله عليه وسلم زملوهم بكلومهم، فظهر سبب ترك الغسل وبقيت الصلاة مشروعة كما كانت (فالجواب) أنه لو كان المعتبر بقاء الدم لوجب أن يغسل من قتل في المعترك خنقا أو بمنقل ولم يظهر دم، ولأنه لو كان المراد بقاء الدم لميم، قال وليس معنى الحديث ترك الغسل بسبب، وإنما المراد نفى توهم من يظن أن الغسل متعين لازالة الأذى فقال صلى الله عليه وسلم "زملوهم وادفنوهم بدمائهم ولا تهتموا بازالتها عنهم ظنهم يبعثون يوم القيامة وعليهم الدماء، قال والذي يوضح هذا أنا نقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن الدماء التي يدفنون بها تبقى إلى يوم القيامة، فثبت بما ذكرناه بطلان قولهم إن ترك الغسل للدم، فيجب ان يقال الشهادة تطهير للمقتول عن الذنوب فيغنى عن التطهير بالماء، وهذا يقتضى ترك الصلاة ايضا فانها شرعت لتطهيره بشفاعة المصلين (فان قيل) الصبي طاهر ويصلى عليه (قلنا) الشهادة امر طارئ يقتضى رتبة عظيمة وتمحيصاً، فلا يبعد ان يقال انه مغن عن الغسل والصلاة، والصبي وإن لم يكن مكلفاً فلم يطرأ عليه ما يقتضي مرتبه اهـ (وقد ذكر الأمام النووى أيضاً جملة فروع في مذاهب الأئمة في مسائل تتعلق بالباب)(الأول منها في مذاهبهم في الصبى إذا استشهد (قال رحمه الله مذهبنا أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وبه قال الجمهور، وحكاه العبدرى عن أكثر الفقهاء، منهم (مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد) وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور واختاره (وقال أبو حنيفة) يغسل ويصلى عليه، دليلنا أنه مسلم قتل في معترك المشركين بسبب قتالهم فأشبه البالغ والمرأة، فأن احتج بأنه لا ذنب له، قلنا يغسل ويصلى عليه في غير المعترك وإن لم يكن من أهل الذئب (الثاني) إذا رفسته دابة في حرب المشركين أو عاد عليه سلاحه أو تردى من جبل أو في بئر في حال

ص: 162

مطاردته، فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وكذا لو وجد ميتا ولا أثر عليه (وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد) بغسل ويصلى عليه، دليلنا ما سبق في الفرع قبله (الثالث) في مذاهبهم في كفن الشهيد، مذهبنا أنه يزال ما عليه من حديد وجلود وجبة محشوة، وكل ما ليس من عام لباس الناس، ثم وليه بالخيار ان شاء كفنه بما بقى عليه مما هو من عام لباس الناس، وان شاء نزعه وكفنه بغيره، وتركه أفضل كما سبق (وقال مالك وأحمد) لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو ولا يخير وليه في نزع شيء (ولأصحاب داود) خلاف كالمذهبين (وأجمع العلماء) على أن الحديد والجلود ينزع عنه وسبق دليلنا والأحاديث الواردة في ذلك (قلت) يعني حديث ابن عباس قال "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم" رواه أبو داود والأمام أحمد وسيأتي، وفي اسناده على بن عاصم وقد تكلم فيه جماعة (الرابع) المقتول ظلما في البلد بحديداً وغيره يغسل ويصلى عليه عندنا (وبه قال مالك وأحمد) وقال أبو حنيفة وصاحباه إذا قتل بحديدة صلى عليه ولم يغسل، دليلنا القياس على القتل بمثقل أجعنا أنه يغسل ويصلى عليه (وقال ابن سريج وابن أبى هريرة) يغسل ولا يصلى عليه، وسبق دليل الجميع (الخامس) اذا انكشف الحرب عن قتيل مسلم لم يغسل ولم يصل عليه عندنا سواء أكان به أثر أم لا (وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة وأحمد) إن لم يكن به أثر غسل وصلى عليه (السادس) مذهبنا الصلاة على المقتول من البغاة وبه قال (أحمد وداود) وقال أبو حنيفة لا يغسلون ولا يصلى عليهم (وقال مالك) لا يصلى عليهم الأمام وأهل الفضل (السابع) إذا قتلت البغاة رجلا من أهل العدل فالأصح عندنا أنه يجب غسله والصلاة عليه، وبه قال (مالك) وقال أبو حنيفة لا يغسل ولا يصلى عليه (وعن أحمد) روايتان كالمذهبين (الثامن) القتيل بحق في حد زنا أو قصاص يغسل ويصلى عليه عندنا وذلك واجب، وحكاه ابن المنذر عن على بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وعطاء والنخعي والأوزاعى واسحاق وأبى ثور واصحاب الرأى (وقال الزهري) يصلى على المقتول قصاصا دون المرحوم (وقال مالم) رحمه الله لا يصلى الأمام على واحد منهما وتصلى عليه الرعية (التاسع) من قتل نفسه أو غل في الغنيمة يغسل ويصلى عليه عندنا، وبه قال (أبو حنيفة ومالك وداود) وقال أحمد لا يصلى عليهما الأمام وتصلى بقية الناس (العاشر) مذهبنا وجوب غسل ولد الزنا والصلاة عليه، وبه قال (جمهور العلماء) وحكاه ابن المنذر عن أكثر العلماء، قال وبه قال النخعى والزهرى (ومالك وأحمد واسحاق) وقال قتادة لا يصلى عليه انتهى

ص: 163

(4)

باب صفة غسل الميت

(121)

حدثنا عبد الله حدثَّني أبي حدثَّنا إسماعيل أنا أيوب عن محمد عن أمَّ عطية رضي الله عنها قالت أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسّل أبنته عليها السلام فقال أغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتنَّ ذلك بماء وسدرٍ واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافورٍ

(121) حدثنا عبد الله (غريبة)(1) في رواية عند الشيخين دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفت ابنته فقال اغسلنها الخ (قال الحافظ) ويجمع بينهما بأن المراد به دخل حين شرع النسوة في الغسل، وابنته المذكورة هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع كما في مسلم (وقال الداودى) انها أم كلثوم زوج عثمان، ويدل عليه ما أخرجه ابن ماجه بأسناد على شرط الشيخين ولفظه "دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم" وكذا وقع لابن بشكوال في المبهمات عن أن عطية والدولابى في الذرية الطاهرة (قال الحافظ) فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعاً، فقد جزم ان عبد البر ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات اهـ (2) هو وما بعده بكسر الكاف خطاب لأم عطية "وقوله إن رأيتن ذلك" فيه دليل على التفويض إلى اجتهاد الغاسل ويكون ذلك بحسب الحاجة لا التشهى كما قال الحافظ، قال ابن المنذر إنما فوض الرأى اليهن بالشرط المذكور وهو الأيتار (3) السدر ورق النبق، قال الزين بن المنير: ظاهرة أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، لأن قوله بماء وسدر تعاق بقوله اغسلنها، قال وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به، وتعقبه الحافظ يمنع لزوم مصير الماء مضافا بذلك لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فان لفظ الخبر لا يأبى ذلك (4)"أو" في قوله أو شيئا من كافور للشك من الراوى (قال الحافظ) الأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الأثبات فصدق بكل سيء منه، وقد جزم البخاري في رواية باللفظ الأول، وظاهره أنه يجعل الكافور في الماء (وبه قال الجمهور، وقال النخعى والكوفيون) إنما يجعل الكافور في الحنوط، والحكمة في الكافور كونه طيب الرائحة وذلك وقت تحضر فيه الملائكة، وفيه أيضا تبريد وقوة نفوذ وخاصة في تصلب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه، وإذا عدم قام غيره مقامه مما فيه هذه الخواص أو بعضها

ص: 164

فإذا فرغتن فآذنَّني قالت فلمَّا فرغنا آذنَّاه، فألقى إلينا حقوه وقال أشعرنها إيَّاه، قال وقالت حفصة قال اغسلنا وتراً ثلاثاً أو خمسا أو سبعاً، قال وقالت أم عطيَّة مشطناها ثلاثة قرون (زادت في رواية) وألقينا خلفها قرنيها وناصيتها

(122)

عن قتادة قال أخذ ابن سيرين غسله عن أم عطيَّة قالت غسَّلنا ابنة رسول الله صلًّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فأمرنا أن نغسّلها

(1) أي أعلمنني (2) قال الحافظ بفتح المهملة ويجوز كسرها وهي لغة هذيل بعدها قاف ساكنة، والمراد هنا الأزاز كما وقع مفسراً في آخر الرواية "يعنى عند البخارى" ولفظه "فقال اشعرنها إياه يعنى ازازه" قال والحقوا في الأصل معقد الأزار، وأطلق على الأزار مجازا (وفي رواية للبخارى) فنزع عن حقوه ازاره، والحقو على هذا حقيقة اهـ "وقوله اشعرنها ايه" أى الففنها فيه لأن الشعار ما يلى الجسد من الثياب، والمراد اجعلنه شعاراً لها (قال الحافظ) قيل الحكمة في تأخير الأزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن اياه أولا ليكون قريب العهد من جسده حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين، وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل، وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك اهـ (3) أى محمد بن سيرين الراوى عن أم عطية قال في رواية أخرى عن أخته حفصة بنت سيرين عن أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اغسلنها وترا الخ. وقد استدل به على أن أقل الوتر ثلاث (قال الحافظ) ولا دلالة فيه لأنه سبق مساق البيان للمراد، اذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها (4) أى سرحنا شعرها بالمشط وضفرناه ثلاث ضفائر "وفي رواية للبخارى" بسنده عن حفصة بنت سيرين قالت حدثتنا أم عطية رضى الله عنها أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون (قال الحافظ) وفائدة النقض تبليغ الماء البشرة وتنظيف الشعر من الأوساخ (5) أى جعلنا قرناها ضفيرتين وناصيتها ضفيرة، والمراد بقرنيها جانبا رأسها وبالناصية مقدم رأسها، وقد جاء في رواية لأبى داود ما يبين ذلك عن أم عطية قالت وضفرنا رأسها ثلاثة قرون، ثم ألقيناها خلفها، مقدم رأسها وقرنيها (تخريجه)(ق. هق. والأربعة)

(122)

عن قتاده (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا همام

ص: 165

بالسّدر ثلاثاً فإن أنجت وإلَاّ فخمساً، فإن أنجت وإلَاّ فأكثر من ذلك قالت فرأينا أن أكثر من ذلك سبع

(123)

عن أمَّ عطيَّة رضي الله عنهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم في غسل ابنته ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها

عن قتادة - الحديث" (غريبة) (1) تقدم أن السدر هو ورق النبق فيحتمل أن النبى صلى الله عليه وسلم خص السدر بالذكر لمز به فيه أو لعدم وجود ما يقوم مقامه في ذاك الوقت كالصابون ونحوه، لكن قال النوى رجمه الله، فيه دليل على استحباب السدر في غسل الميت وهو متفق على استحبابه ويكون في المرة الواجبة (2) أى فان أنقت الثلاث الغسلات وإلا فخمسا (قال النووى) النراد اغسلنها وترا وليكن ثلاث، فان احتجن إلى زيادة فخمسا وحاصله أن الايتار مطلوب والثلاث مأمور بها ندبا، فان حصل الانقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد وترا حتى يحصل الانقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن اهـ (3) قال الحافظ لم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبى داود، وأما ما سواها فاما أو سبعاً وإما أو أكثر من ذلك، فيحتمل تفسير قوله أو أكثر من ذلك بالسبع (وبه قال أحمد) فكرة الزيادة على السبع (وقال ابن عبد البر) لا أعلم أحداً قال بمجاوزة السبع اهـ (قلت) حديث الباب يؤيد ما ذكره الحافظ من احتمال تفسير قوله صلى الله عليه وسلم أو أكثر من ذلك بالسبع، لأن أم عطية رضي الله عنها رواية الحديث فسرته بذلك والصحابى أدرى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره (وقال الماوردى) الزيادة على السبع سرف (وقال ابن المنذر) بلغنى أن جسد الميت يسترخى بالماء، فلا أحب الزيادة على ذلك (تخريجه) (ق. هق. وغيرهم) (123) عن أم عطية (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى اسماعيل عن خالد عن حفصة عن أم عطية - الحديث"(غريبه)(4) قال الحافظ ليس بين الأمرين تناف لأمكان البداءة بمواضع الوضوء؛ وكأن المصنف (يعنى البخارى) أشار بذلك (يعنى بقوله في صحيحه "باب يبدأ بميامن الميت" إلى مخالفة أبى قلابة في قوله يبدأ بالرأس ثم باللحية، قال والحكمة في الأمر بالوضوء تجديد أثر سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل اهـ: واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافا للحنفية، بل قالوا لا يستحب وضؤوه

ص: 166

أصلا (قال الحافظ) رحمه الله والبداء بالميامن وبمواضع الوضوء مما زادته حفصه في روايتها عن أم عطية على أخيها محمد، وكذا المشط والضفر اهـ (تخريجه)(ق. هق. والأربعة)(وفي الباب) عن أم سليم أم أنس بن مالك رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا توفيت المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدوءوا (وفي لفظ فليبدأ) ببطنها فليمسح بطنها مسحا رفيقا ان لم تكن حبلى، فان كانت حبلى فلا تحركيها، فان أردت غسلها فابدئي بسفلها فألقى على عورتها ثوبا ستيرا ثم خذي كرسفة (أي قطعة من القطن) فاغسليها فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات فأحسنى مسحها قبل أن توضئيها، ثم وضئيها بماء فيه سدر، ولتفرغ الماء امرأة وهى قائمة لا تلى شيئا غيره حتى تنقى بالسدر وأنت تغسلين، وليل غسلها أولى الناس بها والا فامرأة ورعة مسلمة، فان كانت صغيرة أو ضعيفة فلتلها (وفي لفظ فلتغسلها) امرأة أخرى ورعة مسلمة، فاذا فرغت من غسل سفلها غسلا نقيا بسدر وماء فلتوضئها وضوء الصلاة، فهذا بيان وضوئها، ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر فابدئي برأسها قبل كل شيء فأنقى كل غسلة من السدر بالماء، ولا تسرحى رأسها بمشط، فان حدث بها حدث بعد الغسلات الثلاث فاجعليها خمسا، فان حدث في الخامسة فاجعليها سبعاً، وكل ذلك فليكن وترا بماء وسدر حتى لا يريبك شيء، فان كان في جر حديد ثم أقعديها فأفرغى عليها وابدئى برأسها حتى تبلغى رجليها، فاذا فرغت منها فألقى عليها ثوبا نظيفاً، ثم أدخلى يدك من وراء الثوب فانزعيه عنها، ثم احشي سفلتها كرسفاما استطعت، ثم امسحي كرسفها من طيبها، ثم خذي سبنية (1) طويلة مغسولة فاربطيها على عجزها إلى قريب من ركبتيها، فهذا شأن سفلتها، ثم طيبيها وكفنيها واضفرى شعرها ثلاثة أقرن، قصة وقرنين ولا تشبهبها بالرجال، وليكن كفنها خمسة أثواب أحدها الأزار تلفى به فخذيها ولا تنقصى من شعرها شيئا يعنى بنورة ولا غيرها، وما يسقط من شعرها فاغسليه ثم اغرزيه في شعر رأسها، وطيبي شعر رأسها فأحسنى تطييبه، ولا تغسليها بماء مسخن وأجمريها، وما تكفنيها به سبع نبذات ان شئت واجعلى كل شيء منها زترا، هذا شأن كفنها ورأسها، وإن كانت في نعشها فاجعليه نبذة واحدة حتى يكون وترا، هذا شأن كفنها ورأسها، وإن كانت مجدورة أو محصوبة أو أشباه ذلك فخذي خرقة واسعة واغسليها بالماء واجعلى تتبعي كل شيء منها ولا تحركيها، فانى أخشى أن ينفجر منها شيء لا يستطاع رده - أورده الهيثمي وقال رواه الطبرانى في الكبير باسنادين في أحدهما ليث بن أبى سليم وهو مدلس ولكنه

(1) هي ضرب من الثياب تتخذ من مشاقة الكتان منسوبة إلى موضع بناحية المغرب يقال له سبن (نه)

ص: 167

ثقة وفي الآخر جنيد وقد وثق وفيه بعض كلام اهـ (قلت) ورواه البهيقى أيضا باختلاف يسير وتقديم وتأخير فى بعض الألفاظ، وإنما ذكرته لكونه أجمع حديث يختص بالنساء فى هذا البابوالله آعلم بالصواب (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية غسل الميت لقوله (ص) فى حديث أم عطية اغسلنها ثلاثا أو خمسا الخ. وقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوبه، وتقدم الخلاف فى ذلك الباب السابق، قال ابن دقيق العيد، لكن قوله ثلاثا الخ ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز ارادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد، لأن قوله ثلاثا غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر، فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل والتدب بالنسبة الى الايتار اهـ (قال الشوكانى) فمن جوز ذلك جوز الاستدلال بهذا الأمر على الوجوب، ومن لم يجوزه حمل الأمر على الندب لهذه القرينه واستدل على الوجوب بدليل آخر، وقد (ذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزنى) إلى إيجاب الثلاث، وروى ذلك عن الحسن، وهو يرد ما حكاه فى البحر من الأجماع على أن الواجب مرة فقط اهـ (وفيها أيضا) استحباب السدر فى غسل الميت وتقدم الكلام فيه (وفيها) استحباب شئ من الكافور فى الأخيرة وهو متفق عليه عند الشافعية، وبه قال الأمامان (مالك وأحمد وجمهور العلماء) وقال (الأمام أبو حنيفة رحمه الله لايستحب، وحجة الجمهور حديث الباب المذكور فيه ذلك، ولأنه يطيب الميت ويصلب بدنه ويبرده ويمنع اسراع فساده أو يتضمن اكرامه (وفيها أيضا) جواز تكفين المرأة فى ثوب الرجل (وفيها) استحباب ضفر شعر المرأة وجعله ثلاثة قرون وهى ناصيتها وقرناها أى جانبا رأسها، وبه قال الأئمة (الشافعى وأحمد واسحاق)(وقال الأوزاعى والحنيفة) إنه يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا (قال القرطي) وكأن سبب الخلاف أن الذى فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي (ص) فيكون مرفوعا، أو هو شئ رأته ففعلته استحبابا.؟ كلا الأمرين محتمل، لكن الأصل أن يفعل فى الميت شئ من جنس القرب الا بإذن الشرع ولم يرد ذلك مرفوعا؛ كذا قال النووى رجمه الله، والظاهر النبى (ص) على ذلك واستئذانه فيه كما فى باقى صفة غسلها (وقال الحافظ) روى سعيد بن منصور فى سننه عن أم عطية أنها قالت "قال لنا رسول الله (ص) اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر" وأخرج ابن حبان فى صحيحه عن أم عطية مرفوعا بلفظ "واجعلن لها ثلاثة قرون" اهـ (قلت) وهذا يؤيد ما ذهب اليه الأولون (وفيها) استحباب تقديم الميامن فى غسل الميت وسائر الطهارات ويلحق به أنواع الفضائل والأحاديث فى هذا المعنى كثيرة فى الصحيح مشهورة (وفيها) استحباب وضوء الميت (قال النووى) وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور (وقال أبو حنيفة) لا يستحب ويكون الوضوء عندنا فى أول الغسل كما فى وضوء الجنب (وفى حديث أم عطية هذا) دليل لأصح الوجهين

ص: 168

أبواب الكفن وتوابعه

(1)

باب استحباب احسان الكفن من غير مغالاة واختيار الأبيض

(124)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب يومّاً فذكر رجلاً قبض وكفّن في كفن غير طائل وقبر ليلاً فزجر النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل باللَّيل حتى يصلَّى عليه إلا أن يضطرَّ إنسان إلى

عندنا أن النساء أحق بغسل الميتة من زوجها، وقد تمنع دلالته حتى يتحقق أن زوج زينب كان حاضرا فى وقت وفاتها لا مانع له من غسلها، وانه لم يفوض الأمر الى النسوة، ومذهبنا ومذهب الجمهور أن له غسل زوجته (وقال الشعبي والثورى وأبو حنيفة) لا يجوز له غسلها وأجمعوا أن غسل زوجها (واستدل بعضهم) بهذا الحديث "يعنى حديث أم عطية" على أنه لا يجب الغسل على من غسل ميتا، ووجه الدلالة أنه موضع تعليم فلو وجب لغلمه (ومذهبنا ومذهب الجمهور) أنه لا يجب الغسل من غسل الميت لكن يستحب (قال الخطابى) لا أعلم أحدا قال بوجوبه، وأوجب (أحمد واسحاق) الوضوء منه والجمهور على استحبابه، ولنا وجه شاذ أنه واجب وليس بشئ، والحديث المروى فيه من رواية أبى هريرة "من غسل ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ" ضعيف بالاتفاق اهـ (قلت) حديث أبى هريرة المشار اليه رواه الامام أحمد من عدة طرق وليس فيها "ومن مسه" وفيها ومن حمله فليتوضأ (قال الحافظ) فى التلخيص قد حسنه الترمذى وصححه ابن حبان وغيره وتقدم الكلام عليه مبسوطا فى الفصل الثانى من باب الاغتسالات المسنونة فى الجزء الثانى صحيفة 145 رقم 486 فارجع اليه ان شئت، أحاديث الباب غير ذلك كثير تقدم فى خلال الشرح. والله أعلم

(124)

عن جابر بن عبدالله (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريح أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله _الحديث" (غريبه)(1) أى حقير غير كامل لم يستر جميع بدنه ((وقوله وقبر ليلا)) أى دفن بالليل (2) هو بفتح اللام كما قال النوى وإنما نهى عن الدفن ليلا حتى يصلى عليه لأن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه، ولا يحضره فى الليل الا أفراد، وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين فى الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره

ص: 169

ذلك وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا كفَّن أحدكم أخاه فليحسّن كفنه

(125)

وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من وجد سعة فليكفَّن في ثوب حبرةٍ

(126)

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البسوا من ثيابكم البياض فإنَّها من خير ثيابكم وكفّنوا فيها موتاكم، وإنَّ

(قال القاضي عياض) رحمه الله العلتان صحيحتان، قال والظاهر أن النبى صلى الله عليه وسلم قصدهما معا قال وقد قيل غير هذا (1) أى لا بأس بقصر الكفن أو الدفن ليلا اذا قضت الضرورة بذلك (2) ضبط بفتح الحاء واسكانها (قال النووى) وكلاهما صحيح، قال القاضى عياض والفتح أصوب وأظهر وأقرب إلى لفظ الحديث اهز والمراد باحسان الكفن نظافته وكثافته وستره وتوسطه وكونه من جنس لباسه فى الحياة لا أفخر منه ولا أحقر (قال العلماء) وليس المراد باحسانه السرف فيه والمغالاه ونفاسته، وانما المراد ما تقدم، فما يفعله الناس الآن من التغالى فى الكفن زيادة عما كان يلبس الميت فى الحياة اسراف لا يجوز شرعا؛ فان كان للمين أيتام او عليه دين كان حراما باجماع المسلمين وتتضاعف الحرمه اذا قصد به الرياء، نعوذ بالله من ذلك (تخريجه)(م. د. هق. وغيرهم)

(125)

وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعه ثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (غريبه)(3) أى من ترك مالا عن دينة وحاجة أولاده بالأضافه أو بتنوين ثوب؛ وحبرة كعنبة صفه له، وهى نوع من برود اليمن مخطط ذو ألوان من قطن أو كتان، والأفضل التكفين فى الأبيض لأن حديثه أصح وسيأتى بعد هذا (تخريجه)(د. هق) بلفظ " إذا توفى أحدكم فوجد شيئا فليكفن فى ثوب حبرة وفى اسناد رواية الأمام احمد ابن لهيعه فيه كلام، وأورده الحافظ السيوطى فى الجامع الصغير بلفظ حديث الباب ورمز له بالحسن وسنده عند البهيقى وأبى داود جيد

(126)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على قال ان عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الحديث " (غريبة) (5) بفتح الباء (ومن) فى قوله "من ثيابكم" تبعيضية أو بيانية مقدمه " وقوله البياض" اى ذات البياض (6) رواية النسائى فإنها أطهر وأطيب، أما كونها أطيب فظاهر، وأما كونها أطهر فلأن أدنى شئ يقع عليها يظهر فيغسل اذا كان من جنس النجاسة فيكون نقيا كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فى دعائه (ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس) واستحب

استحباب التكفين في الثياب البيض

_________

من خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر

(127)

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم البسوا من ثيابكم البيض وكفّنوا فيها موتاكم

ص: 170

من خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر

(127)

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم البسوا من ثيابكم البيض وكفنوا فيها موتاكم

تكفين الميت بالأبيض للعلة نفسها، أى كونه أطهر وأطيب (1) بكسر الهمزة والميم، الكحل الأسود، ويقال أنه معرب (قال ابن البيطار فى المنهاج) هو الكحل الأصفهانى، ويؤيد مقول بعضهم ومعادنه بالمشرق، قاله فى المصباح (2) يعنى أهداب العين (تخريجه)(د. جه. مذ) وصححه وأخرجه أيضا (فع. حب. ك. هق) وصححه ابن القطان

(137)

عن سمرة بنت جندب (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا على بن عاصم عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن سمرة "الحديث"(تخريجه)(نس. جه. هق. مذ) وصححه. وأخرجه أيضا (جه. ك) واختلف فى وصله وإرساله (قال الحافظ) فى الفتح واسناده صحيح وصححه الحاكم اه (وفى الباب)(عن عمران ابن الحصين) عند الطبرانى (وعن أنس) عند ابن أبى حاتم فى العلل، وعند البزار فى مسنده (وعن ابن عمر) عند ابن عدى فى الكامل (وعن ابى الدرداء) يرفعه عند ابن ماجه بلفظ" احسن ما زرتم الله به فى قبوركم ومساجدكم البياض"(وعن أم سامه) رضى الله عنها عند الدبلمى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "أحسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم بعويل ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعه، وعجلوا بقضاء دينه، واعدلوا عن جيران السوء، وإذا حفرتم فأعمقوا ووسعوا (وروى البهيقى) فى شعب الإيمان عن أبى قتادة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فأنهم يتزاورون فى قبورهم (وعن على رضى الله عنه) قال لا تعالى فى كفن فأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" لا تغالوا فى الكفن فأنه يسلبه سريعا" رواه أبو داود وضعفه بعضهم، لكن قال النووى فى المجموع رواه أبو داود باسناد حسن ولم يضعفه (وأخرج ابن أبى الدنيا) عن يحيى بن راشد أن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه قال فى وصيته" اقصدوا فى كفنى فانه ان كان لى عند الله خير أبدلنى ما هو خير منه، وان كان على غير ذلك سلبنى وأسرع" (وأخرج عبدالله ابن الأمام احمد رحمهما الله) فى زوائده على كتاب الزهد لأبيه عن عبادة بن نسى قال لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلى ثوبى هذين وكفنينى بهما فانما أبوك أحد رجلين، اما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوء السلب (وأخرج ابن سعد وابن أبى شيبة وسعيد بن منصور وابن أبى الدنيا والحاكم والبهيقى) من طرق عن حذيفة رضى الله عنه أنه قال عند موته اشتروا لي ثوبين

ص: 171

أبيضين ولا عليكم ألا تغالوا فانهما لم يتركا عليا الا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما" (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) احسان الكفن، وهذا لا يعارض الأحاديث الواردة فى الاقتصاد فيه وعدم المغالاة، لأن المراد من تحسينه نظافته وتوسطه وتطيبه ونحو ذلك؛ وهذا يحدث بدون تجاوز الحدفية (ومنها) كراهة الدفن ليلا، وسيأتى اكلام عليه فى بابه ان شاء الله (ومنها) كون الكفن ثياب الحبر، ولكن الأبيض من الثياب أفضل لكون أحاديثه أصح (ومنها) أن الانمد أفضل أنواع الكحل لأنه يجلو البصر وينبت أهداب العينين، وسيأتى الكلام عليه فى بابه ان شاء الله تعالى فى كتاب اللباس والزينة (وقد ذكر النووى رحمه الله فى المجموع فى أحكام هذا الباب مسائل) (احداها) يستحب أن يكون الكفن أبيض لحديث عائشة يعنى (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن فى ثلاثة أثواب سحولية بيض رواه الشيخان والأمام أحمد، وسيأتى فى الباب التالى (الثانية) قال يستحب تحسين الكفن (قال أصحابنا) والمراد بتحسينه بياضه ونظافته وسوغه وكثافته لا كونه ثمينا لحديث النهى عن المغالاه فيه، وتكره المغالاه فيهللحديث، قال القاضى حسين البغوى، الثوب الغسيل أفضل من الجديد، ودليله حديث عائشة قالت (نظر أبو بكر رضى الله عنه الى ثوب كان يمرض فيه فقال اغسلوا هذا وزيدوا عليه ثوبين وكفنونى فيها"قلت" ان هذا خلق قال الحى أحق بالجديد من الميت انما هو للمهلة رواه البخارى) والمهلة بضم الميم وكسرها وفتحها هى دم الميت وصديده ونحوه (قال اصحابنا رحمهم الله ويجوز تكفين كل انسان فيما يجوز له لبسه فى الحياه فيجوز من القطن والصوف والكتان والشعر والوبر وغيرها، أما الحرير فيحرم تكفين الرجل فيه، وأما المرأة فالمشهور القطع بجواز تكفينها فيه لأنه يجوز لها لبسه فى الحياه لكن يكره تكفينها فيها، لأن فيه سرفا ويشبه إضاعة المال؛ بخلاف اللبس فى الحياة فانه تجمل للزوج، وحكى صاحب البيان فى زيادات المهذب وجها أنه لا يجوز، وأما المعصفر والمزعفر فلا يحرم تكفينها فيه بلا خلاف، ولكن يكه على المذهب وبه قطع الأكثرون، وحكى صاحب العده والبيان وجهين ثانيهما لا يكره، قالا وهو مذهب أبى حنيفه (قال أصحابنا) ويعتبر فى الكفن المباح حال الميت، فانه كان مكنزا من المال فمن جياد الثياب، وإن كان متوسطا فأوسطها، وإن كان مقلا فاخشنها. هذه عبارة الشيخ أبى حامد والبندنيجى وغيرهما (الثالثه) يستحب تبخير الكفن الا فى حق المحرم والمحرمه (قال أصحابنا) صفة ذلك أن يجعل الكفن على عود وغيره ثم يبخر كما يبخر ثياب الحى حتى تعبق بها رائحة الطيب (قال أصحابنا) ويستحب أن يكون الطيب عودا، وكون العود غير مطيب بالمسك فان كان مطيبا به جاز ويستحب تطيبه ثلاثا للحديث اه (قلت)(يعنى حديث جابر) رضي الله عنه

ص: 172

(2)

باب صفة الكفن للرجل والمرأة وفي كم ثوب يكون

(128)

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت إن أبا بكر رضي الله عنه قال لها يا بنيَّة أي يوم توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت يوم الإثنين، قال في كم كفَّنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت يا أبت كفَّناه في ثلاثة أثواب بيض سحوليَّةٍ جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجاً

(129)

عن أبن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّن في

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا، وسيأتى الكلام عليه قريبا فى بابه، (وقال فى شرح مسلم) وكزه مالك وعامة العلماء التكفين فى الحرير مطلقا، قال ابن المنذر ولا أحفظ خلافه اه

(138)

عن هشام ابن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان ابن داود قال انا عبد الرحمن عن هشام بن عروة الحديث" (غريبه) (1) بضم المهملتين ويروى بفتح أوله نسبة الى سحول قرية باليمن (قال النووى) والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين (قال ابن الأعرابى وغيره) هى ثياب بيض نقية لا تكون الا من القطن (وقال ابن قتيبه) ثياب بيض ولم يخصها بالقطن اه وفى رواية للبخارى: سحول بدون نسبة وهو جمع سحل، والسحل الثوب الأبيض النقى ولا يكون الا من قطن كما تقدم (وقال الأزهرى) بالفتح المدينة وبالضم الثياب، وقيل النسبة الى القرية بالضم، واما بالفتح فنسبة الى القصار لأنه يسحل الثياب اى ينقيها، كذا ذكره الحافظ (وقوله جدد) هكذا وقع فى رواية الأمام احمد، وكذلك رواه البيهقى وليس فى الصحيحين لفظ جدد، ووقع فى رواية لها بدل جدد"من كرسف" وهو القطن (وقوله يمانية) بتخفيف الياء على اللغه الفصيحه المشهورة، قاله النووى: قال وحكى سيبويه والجوهرى وغيرهما لغه فى تشديدها، ووجه الأول أن الألف بدل ياء النسب فلا يجتمعان بل يقال يمنية أو يمانية بالتخفيف اه " وفى قوله بيض " دليل على استحباب التكفين فى الأبيض، وتقدم الكلام على ذلك فى الباب السابق (قال النووى) وهو مجمع عليه (تخريجه)(ق. فع. هق. والاربعه وغيرهم)

(139)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن ادريس قال اخبرنا يزيدعن ابن مقسم عن ابن عباس رضى الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"

ص: 173

ثلاثة أثواب، في قميصه الذَّي مات فيه وحلة نجرانيَّة، الحلَّة ثوبان

(130)

وعنه أيضاً رضي الله عنه قال كفن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم في بردين أبيضين وبردٍ أحمر

(غريبه)(1) استدل بها القائلون باستحباب القميص فى الكفن وهم الحانفية والمالكية وآخرون "والحلة" بضم الحاء المهملة، واحدة الحلل وهى برود اليمن، ولا تكون حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد "نه"وقال الخطابى: الحلة ثوبان رداء وازار، ولا تكون حلة إلا وهى جديدة تحل من طيها فتلبس اه (وقوله) نجرانية بفتح النون نسبة الى نجران (قال النووى) فى الأسماء واللغات هى بلدة معروفة كانت منزلا الأنصار، وهى بين مكة واليمن على نحو سبع مراحل من مكة اه. وقد بين الراوى أن الحلة ثوبان فيكون المجموع ثلاثة بالقميص (تخريجه)(د. جه. هق) قال النووى حديث ابن عباس حيث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، لان يزيد بن أبى زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لاسيما وقد خالف بروايته الثقات اه. يعنى انه خالف حديث عائشة الذى قبله ورواته كلهم ثقات ورواه الشيخان وغيرهما، وقد بينت عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يكفن فى الحلة وإنما شبه على الناس كما فى رواية لها عند مسلم قالت " أما الحلة فانما شبه على الناس فيها انها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحله وكفن فى ثلاثة اثواب سحولية فأخذها عبد الله ابن أبى بكر فقال لاحبسنها حتى أكفن فيها نفسى، ثم قال لو رضيها الله عز وجل لنبيه لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها

(130)

وعنه ايضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق ثنا سفيان عن ابن أبى ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) تثنية برد، والبرد نوع من الثياب يجمع على أبراد وبرود، وهو خلاف البردة فانها الشملة المخططه، وقيل كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب وجمعها برد (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام احمد وسنده جيد ورواه البيهقى من طريق، قبيصه عن سفيان بسند حديث الباب عن ابن عباس قال (كفن النبى صلى الله عليه وسلم فى ثوبين ابيض وبرد حبرة) ثم قال كذا رواه محمد بن عبدالرحمن ابن ابى ليلى، قال وبمعناه رواه على بن الحسين بن على بن ابى طالب رضى الله عنه مرسلا اه (قلت) رواية البيهقى لم تختلف عن رواية الامام احمد الا فى قوله حبرة بدل قوله احمر فى رواية الامام أحمد، فكلتا الروايتين مفسرة للأخرى، فرواية البيهقى فسرت البرد بأنه من الحبر، ورواية الامام أحمد أن لونه أحمر والله اعلم

ص: 174

(131)

عن ابنة أهبان أن أباها أمر أهله حين ثقل أن يكفّنوه ولا يلبسوه قميصاً، قالت فألبسناه قميصاً فأصبحنا والقميص على المشجب

(132)

عن ليلى ابنه قانف الثَّقفية رضي الله عنها قالت كنت فيمن غسَّل أمَّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها وكان أوَّل ما أعطانا رسول الله

(131)(عن ابنة أهبان) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بتمامه وسنده فى الفصل الثانى فى قدوم الأمام على كرم الله وجهه إلى البصرة واستنفار أهلها لوقعة الجمل من أبواب خلافته رضى الله عنه (غريبه)(1) اسمها عديمة بنت أهبان بن صيفى الغفارى صحابى (قال الحافظ) فى الأصابة، ويقال وهبان يكنى أبا مسلم، روى له الترمذى حديثا وحسن حديثه وابن ماجه وأحمد (قال الطبرانى) مات بالبصرة، وروى المعلى بن جابر بن مسلم عن أبيه عن عديمة بنت وهبان بن صيفى أن أباها لما حضرته الوفاة أوصى ان يكفن فى ثوبين فكفنوه فى ثلاثة فأصبحوا فوجدوا الثوب الثالث على السرير. وكذلك رواه الطبرانى من طريق عبد الله بن عبيد عن عديمة بنت أهبان؛ ونقل ابن حبان أن أهبان ابن أخت أبى ذر الغفارى هو أهبان بن صيفى؛ ورد ذلك ابن منده اه (2) أى حين ثقل مرضه وقار الموت (3) كمنبر قال الأزهرى: المشجب خشبات موثقه تنصب فينشر عليها الثياب اه. والمعنى أنهم لما خالفوا وصيته أكرمه الله عز وجل بتنفيذها قهرا عنهم، وفيه منقبة له لو صح " الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمى بلفظه كما هنا وقال رواه أحمد هكذا، وروى الطبرانى فى الكبير فقال عن عديمة بنت أهبان قالت حيث حضر أبى الوفاة قال لا تكفنونى فى ثوب مخيط، فحيث قبض وغسل أرسلوا إلى أن أرسلوا بالكفن فأرسل إليهم بالكفن، قالوا قميص، قلت إن أبى قد نهانى أن أكفنه فى قميص مخيط! قالت فأرسلت إلى القصار ولأبى قميص فى القصار فأنى به ج فألبس وذهب به فاغلقت بابى وتبعته ورجعت والقميص فى البيت، فأرسلت الى الذين غملوا أبى، قلت كفنتموه فى قميص؟ قالوا نعم، قلت هو ذا؟ قالوا نعم، وفيه أبو عمر القسملى، قال الحسينى لا يعرف

(132)

عن ليلة بنة قانف (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى نوح بن حكيم الثقفى وكان قارئا للقرآن عن رجل من بنى عروة بن مسعود يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبى سفيان زوج النبى صل الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم عن ليلى بنت قانف الثقفية رضى الله عنها - الحديث"

ص: 175

صلى الله عليه وسلم الحقاء ثمَّ الدّرع ثم الخمار، ثمَّ الملحفة، ثمَّ أدرجت بعد في الثَّوب الآخر قالت ورسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عند الباب معه كفنها يناولناه ثوباً ثوباً

(133)

عن محمد بن على ابن الحنفيَّة عن أبيه (على رضي الله عنه قال كفّن النَّبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم في سبعة أثوابٍ

(غريبه)(1) تعني حقوه صلى الله عليه وسلم كما تقدم فى حديث أم عطية رقم 121 من باب صفة غسل الميت وتقدم تفسيره، وقال فى القاموس الحقو الكشح والأزار ويكسر أو معقدة كالحقوة والحقاء جمعه أحق وأحقاء اه (2) درع المرأه قميصها "والخمار" ثوب تغطى به المرأة رأسها، والجمع خمر مثل كتاب وكتب " والملحفه بكسر الميم هى الملاءه التى تلتحف بها المرأة (3) ربما يفهم بعض الناس أن الثوب الآخر هو الملحفه وليس كذلك بل أتى بثوب آخر غير الأربعه المتقدمة ليكون الكفن وترا والله اعلم (تخريجه)(د. هق) وسنده لا بأس به

(133)

عن محمد بن على (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ابن موسى ثنا حماد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن على ابن الحنفية عن أبية الحديث " (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وإسناده حسن والبزار (قلت) وابن أبى شيبة (وفى الباب عن أنس بن مالك) رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كفن فى ثلاثة أثواب أحداها قميص - رواه الطبرانى فى الأوسط واسنده حسن " وعن عبد الله بن معقل" رضى الله عنه قال اذا أنا مت فأجعلوا فى غسلى كافورا وكفنونى فى بردين وقميص، فأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك - رواه الطبرانى فى الكبير وفيه صدقه بن موسى وفيه كلام (وعن أبى اسحاق) قال سألت آل محمد فهيم ابن نوفل فى أى شئ كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى حلة حمراء وليس فيها قميص وجعل فى قبره شق قطيفه كانت لهم رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله رجال الصحيح؛ أورد هذه الأحاديث الثلاثة الحافظ الهيثمى مع بيان درجاته (الأحكام) فى أحاديث الباب ما يدل على مشروعية الكفن فى ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وهو حديث عائشة رضى الله عنها الأول من أحاديث الباب وهو أصحها " رواه الشيخان والأربعه وغيرهم " قال الترمذى: والعمل على حديث عائشة عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم اه (قلت) واليه ذهبت (الشافعية) قالوا يستحب أن يكفن الرجل فى ثلاثة أثواب " أزار ولفافتين بيض

ص: 176

ليس فيها قميص ولا عمامة " والمراد بالأزار المزر الذى يشهد فى الوسط وسواء فى هذا البالغ والصبى، يستحب تكفين الصبى فى ثلاثة كالبالغ، قالوا وإن كفن الرجل فى أربعة أو خمسة لم يكره ولم يستحب، وان كفن فى زياده عن خمسة يكره لأنه سرف، فان كان فى الكفن قميص وعمامة لم يكره لأنه خلاف الأولى، ووافقهم على استحباب الكفن فى ثلاثة أثواب الحنابلة إلا أنهم كرهوا الزيادة عليها، قالوا وان كفن فى قميص بكمين وازار ولفافة جاز من غير كراهة ولكن الأفضل الأول (وقال الأمام أحمد رحمه الله ان كان قميصا أحب الىّ أن يكون مثل قميص الحى له كماّن، ولا يزر عليه القميص (ومنها) ما يدل على مشروعية الكفن فى ثلاثة أثواب أحدها قميص والباقى ثوبان وهما المعبر عنهما بالحلة فى حديث ابن عباس الثانى من أحاديث الباب، وفى اسناده يزيد بن أبى زياد ضعيف، لكن يعضده حديث أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كفن فى ثلاثة أثواب أحدها قميص - رواه الطبرانى فى الأوسط " قال الهيثمى " واسناده حسن اه (قلت) واليه ذهبت (الحنفية والمالكية) الا أنهم اختلفوا فى الزيادة على الثلاثة؛ فذهبت (الحنفية) الى كراهة الزيادة على أرجح الأقوال عندهم، وذهبت (المالكية) الى استحباب الزيادة الى خمس، وهى إزار وقميص ولفافتان وعمامة، أو قميص وعمامة وثلاث لفائف، مستدلين بما رواه البيهقى بسنده عن نافع أن ابنا لعبد الله بن عمر مات فكفنه ابن عمر فى خمسة أثواب قميص وعمامة وثلاث لفائف، وفى قول للحنيفه أنه لا بأس بالزيادة إلى خمس عملا بما روى عن ابن عمر أيضا (ومنها) ما يدل على مشروعية الكفن فى بردين أبيضين وبرد حبرة وهو حديث ابن عباس رضى الله عنهما الثالث من أحاديث الباب - ورواه البيهقى أيضا واسناده لا مطعن فيه واليه (ذهبت الحنفية) فقالوا يستحب أن يكون فى الكفن برد حبرة (ومنها) ما يدل على مشروعية الكفن فى سبعة أثواب وهو حديث على رضى الله عنه الأخير من أحاديث الباب وحسن اسناده الحافظ الهيثمى، واليه ذهب الهادى فقال " إن المشروع إلى سبعة ثياب" (وأجاب الأولون) وهم (الشافعية والحنابلة والجمهور) عن الحديث الأول لابن عباس بأنه ضعيف، وبأنه ثبت عند مسلم والترمذى أن الحلة نزعت عنه صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام على ذلك فى شرحه (قلت) حديث ابن عباس الأول وإن كان ضعيفا، لكن يعضده حديث أنس المشار إليه آنفا (قال الحافظ) وأجاب القائلون باستحباب القميص والعمامة عن حديث عائشة بأن قولها ليس فيها قميص ولا عمامة يحتما نفى وجودها جملة، ويحتمل أن يكون المراد نفى المعدود أى ثلاثة خارجة عن القميص والعمامة؛ قال والأول أظهر، وقال بعض الحنفية معناه ليس فيها قميص أى جديد، وقيل ليس فيها القميص الذى غسل فيه، أو ليس

ص: 177

(3)

باب التكفين من رأس المال وجواز الرجلين والثلاثة في ثوب واحد

والاقتصار على ما يستر العورة إذا دعت الضرورة واستحباب المواساة بالكفن

(134)

عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على حمزة فوقف عليه

فيها قميص مكفوف الأطراف اه (وأجاب الجمهور) أيضا عن الحديث الثانى لأبن عباس بما ثبن عند ابى داوود والنسائى من حديث عائشة رضى الله عنها أنه ذكر لهم قولهم فى ثوبين وبرد حبرة، فقالت قدأتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه - تعنى وأتوا بدله بثوب آخر أبيض فصارت الجملة ثلاثة، وهى التى عانتها عائشة بقولها " كفن النبى صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب بيض سحولية جديدة ليس فيها قميص ولا عمامة" وفيه نفى القميص والعمامة (وأجابوا أيضا) عن حديث على رضى الله عنه بأنه لا ينهض لمعارضة حديث عائشة وهو ثابت فى الصحيحين وغيرهما (قلت) لا معارضه فى ان حديث عائشة أصح أحديث الباب ولكنه لا ينفى لا ينفى الزيادة على الثلاثة الأثواب وقد تقرر أن ناقل أن ناقل الزيادة أولى بالقبول، على أنه لو تعرض رواة الثلاثة لنفى ما زاد عليها لكان المثبت مقدما على النافى (فالأولى) الجمع بين الأحاديث بأن (من ذهب إلى أن الكفن سبعة أثواب) اعتبر حديث عائشة فى الثلاثة أثواب البيض، وحديث ابن عباس الأول فى القميص والثوبين المعبر عنهما بالحلة وحديثه الثانى فى البرد الأحمر أو الحبرة فالجملة سبعة (ومن ذهب الى انه خمسه) أخرج الحلة من السبعه لما ثبت عند مسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت " أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبى بكر ثم نزعت عنه - الحديث" ولمسلم أيضا رواية أخرى تقدمت فى شرح الحديث الثانى من أحاديث الباب " ومن ذهب إلى أنه ثلاثه" اعتبر حديث عائشه فقط لأنه أصح الأحاديث الواردة فى هذا الباب (أما العمامه) فلم أجد لها ذكرا فى حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم إلا ما نسب الى ابن عمر رضى الله عنهما من فعله أنه كفن ابنا له فى خمسة أثواب - قميص وعمامه وثلاث لفائف (وفى أحاديث الباب أيضا) دليل على أن المشروع فى كفن المرأة خمسة أثواب ازار وقميص وخمار ولفافه؛ وهى المعبر عنها بالملحفه؛ ودرج وهو المعبر عنه بالثوب الآخر فى حديث ليلى بنت قانف الثقفية، وهو لفافه ثانية واليه ذهبت (الشافعية والحنابلة وكذا الحنفية) الا أنهم أبدلوا إحدى الفافتين بخرقه يربط بها ثدياها واكتفوا بلفافة واحدة (وذهبت المالكية) إلى أن المستحب فى كفن المرأة سبعة أثواب الخمسة المذكورة فى الحديث وزادوا لفافتين أخريين ولا أدرى من أين أتوا بهذه الزيادة، وما ذهب اليه الأولون هو الموافق للنص والله أعلم

(134)

عن أنس ابن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا صفوان

ص: 178

فرآه قد مثّل به فقال لولا أن نجد صفيَّة في نفسها لتركته حتى تأكله العافية وقال زيد بن الحباب تأكله الماهة حتى يحشر من بطونها قال ثم دعا بنمرة فكفَّنه فيها، قال وكانت إذا مدَّت على رأسه بدت قدماه وإذا مدَّت على قدميه بدا رأسه قال وكثر القتلى وقلت الثياب، قال وكان يكفَّن أو يكفّن الرجلين شكّ صفوان والثلَّاثة في الثَّوب الواحد قال وكان

ابن عيسى وزيد بن الحباب قالا أنا أسامه بن زيد عن الزهرى عن أنس بن مالك الحديث " (غريبه) (1) يقال مثل بالقتيل جدعت انفه وأذنه أو مذاكريه أو شيئا من أطرافه والأمم مثله (2) أى تحزن وتجزع (وصفية) هى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالدة الزبير ابن العوام وشقيقة حمزة؛ أمها هاله بنت وهب خالة الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أول من تزوجها الحارث بن حرب بن أمية، ثم هلك فتزوجها العوام بن خويلد أخو خديجة زوج زوج النبى صلى الله عليه وسلم فولدت له الزبير والسائب وأسلمت وروت وعاشت الى خلافة عمر (3) قال الخطابى هى السباع والطير التى تقع على الجيف فتاكلها وتجمع على العوافى اه (وقوله وقال زيد بن الحباب) يعنى احد الرواة فى روايته (العاهه) أى بدل العافية والمعنى واحد (4) إنما أراد صلى الله عليه وسلم ذلك ليتم له به الجر ويكمل؛ ويكون كل البدن مصروفا فى سبيله تعالى الى البعث، أو لبيان أنه ليس عليه فيما فعله به من المثله تعذيب حتى ان دفنه وتركه سواء، قال أبو الطيب (5) بفتح النون وكسر الميم هى شملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يصرفها الأعراب، كذا فى القاموس (6) أى ظهرت لصفر النمرة عن ستر جميع بدنه ولكن الله عز وجل أكرمه بحضور أخته صفية بثوبين لكفنه فكفن فى أحدهما وكفن بالثوب الآخر رجل من الأنصار كان معه قد فعل به كما فعل بحمزة، ويحتمل أن تكون هذه النمرة من الثوبين اللذين أتت بهما صفية كما يستفاد من سياق الحديث التالى والله أعلم (7) زاد فى رواية لأبى يعلى فخمروا رأسه (8) هو أحد رجال السند أى شك فى صيغة الفعل هل هو مبنى للمجهول أو للمعلوم " وقوله والثلاثة" بالنصب معطوف على الرجلين على أن الفعل مبنى للمعلوم والفاعل هو النبى صلى الله عليه وسلم أو غيره بأمره وأسند الفعل اليه مجازا (9) قال الحافظ إما يجمعهم فيه أو قطعه بينهم (وقال الحافظ) ابن تيمية معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين

ص: 179

رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن أكثرهم قرآناً فيقدّمه إلى القبلة قال فدفنهم

الجماعة فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة وإن لم يستر إلا بعض بدنه، يدل عليه تمام الحديث انه صلى الله عليه وسلم كان يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه فى اللحد فلو أنهم فى ثوب واحد جمله لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كيلا يؤدى الى نقض التكفين وإعادته (وقال ابن العربى) فيه دليل على ان التكليف قد ارتفع بالموت، والا فلا يجوز ان يلصق الرجل بالرجل الا عند انقطاع التكليف او للضرورة اه (قلت) بقى أمر واحد خطر لى اثناء كتابة الشرح لم اقف على من تكلم فيه من شراح الحديث وهو (ان قيل) ما الضرورة الملجئة لجمعهم فى ثوب واحد وتقسيم الثوب الواحد بين الجماعه وان لم يستر الا بعض بدنه وقد تقدم فى الأحاديث الصحيحة وسيأتى كذلك فى الباب التالى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال زملوهم فى ثيابهم (وفى لفظ) ادفنوهم بدمائهم وثيابهم الى غير ذلك من اللفاظ التى تعطى هذا المعنى، ومعلوم ان المجاهد لابد أن يكون لابسا ولو ثوبا واحدا يكفيه للكفن؟ (فالجواب) أن الغرض من الكفن ستر جميع بدن الميت حتى رأسه ووجهه وقدميه بحيث لا يظهر منه شيئا مطلقا وثياب الحى لا تستر ذلك كما يستر الكفن الميت، فشرع الكفن لستر جميع بدنه، فان قلت الثياب فليقتصر على ستر ما بدا منه، ويحتمل أن يجرد الأعداء القتيل من ثيابه بقصد هتكه فيكون عاريا، والغالب ان قتل أحد أو كثيرا منهم كانوا عراة، بل قد فعل بهم الأعداء أكثر من ذلك لما روى ابن اسحاق قال - ووقفت هند بنت عتبه (كما حدثنى صالح بن كيسان) والنسوة اللاتى معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيا، وبقرت عن كبد حمزة فلاكنها فلم تستطع ان تصيغها فلفظتها اه (قلت) إنما فعلت ذلك هند بنت عتبة لأن زوجها وأخاها وعمها قتلوا فى وقعة بدر فأرادت الأنتقام من المسلمين فى وقعة أحد "وقوله خدما" بفتحات جمع خدمة يعنى الخلخال، ويجمع على خدام ايضا، وإنما أعطت هذه القلائد لوحشى لأنه هو الذى قتل حمزة، ووحشى هذا هو ابن حرب كان مولى لجبير ابن مطعم فأوعز اليه جبير بقتل حمزه ووعده بالعتق ان فعل ذلك لان حمزة رضى الله عنه كان قد قتل عمه طعيمه بن عدى بن الخيار فى وقعة بدر، وسيأتى تفصيل ذلك فى غزوة أحد من أبواب الغزوات ان شاء الله تعالى، فالغالب أن قتلى أحد كانوا عراة أو بعضهم ممن مثل بهم كحمزة رضى الله عنه، وهؤلاء لابد من تكفينهم، ولما كثرت القتلى وقلت الثياب كما فى الحديث - قضت الضرورة بتقسيم الثوب الواحد بين الجماعه والله أعلم (1) أي في

ص: 180

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصلّ عليهم وقال زيد بن الحباب، فكان الرَّجل والرجلان والثَّلاثة يكفَّنون في ثوبٍ واحدٍ

(135)

عن الزبُّير (بن العوَّام) رضي الله عنه قال، إنَّه لَّما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتَّى إذا كادت أن تشرف على القتلى قال فكرة النَّبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم، فقال المرأة المرأة قال الزُّبير رضي الله عنه، فتوسمت أنها أمّي صفَّية، قال فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى قال فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة قالت إليك لا أرض لك

القبر، وفيه أن صاحب القرآن أفضل من غيره (1) اى لانه صلى الله عليه وسلم شهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى فهم غير محتاجين الى الصلاه بشهادتهم صلى الله عليه وسلم لهم (تخريجه)(هق مذ) وقال حديث أنس حديث حسن غريب، وأخرجه أيضا أبو داود وسكت عنه؛ وذكر المنذرى قول الترمذى هذا وأقره، وأورده الهيثمى ما عدا قوله (وكثر القتلى) الى آخر الحديث وقالى رواه ابو يعلى وروى أبو داود بعضه من غير ذكر الكفن، ورجاله رجال الصحيح.

(135)

عن الزبير ابن العوام (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود الهاشمى أنبأنا عبد الرحمن يعنى ابن أبى الزناد عن هشام عن عروة قال أخبرنى أبى الزبير رضى الله تعالى عنه - الحديث (غريبه)(2) هى صفية بنت عبد المطلب أخت حمزة وأم الزبير بن العوام رضى الله عنهم كما سيأتى (3) أى حتى قربت أن تكون على مرأى من القتلى (4) منصوب على التحذير وكرر للتأكيد وعامل النصب محذوف تقديره احذروا المرأة اى احذروا إشراف المرأة على القتلى، وإنما حذره النبى صلى الله عليه وسلم من ذلك خوفا من أن يصيبها ما لا يحمد من شدة تأثرها بهذا المنظر الفظيع الذى تقشعر منه أبدان أقوياء الرجال، فما بالك بالمرأة الضعيفة (5) بفتح الدال المهملة من باب قتل أى ضربت ودفعت (وقوله وكانت امرأة جلدة) أى قوية صبورة (6) هو اسم فعل بمعنى تنح أى تباعد عنى" وقولها لا أرض لك" أى لا مقر لك ولا وطن؛ كلمة سب بمعنى لا أم لك وأصلها تقال للقيط، اى لا أم لك تنسب إليها، ثم جرت على ألسن العرب فصاروا يقولونها

ص: 181

قال فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك قال فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفّنوه فيهما، قال فجئنا بالثَّوبين لنكفّن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة، قال فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفّن حمزة في ثوبين والأنصاريُّ لا كفن له، فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاريّ ثوب، فقدَّر ناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنَّا بينهما بينهما فكفنا كلَّ واحد منهما في الثَّوب الذي طار له

(136)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة في ثوب واحدٍ، قال جابر ذلك الثَّوب نمرة

(137)

عن خبَّاب (بن الأرتّ رضي الله عنه قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تبارك وتعالى فوجب أجرنا على الله عز وجل فمنَّا

لكل من يريدون سبه بدون قصد أصلها (1) أى أمر بمنعك وأكد ذلك (2) أى نقصا وعدم أنصاف (3) بالطاء المهملة، وطائر الأنسان ما حصل له فى علم الله ما قدر له (تخريجه)(على. بز) وفى اسناده عبد الرحمن ابن أبى الزناد ضعيف، وقد وثق. قاله الهيثمى (136) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى سند عبد الصمد ابن عبد الوارث وأبو سعيد قالا ثنا زائدة ثنا عبد اله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله - الحديث (تخريجه)(مذ) ولم يتكلم عليه، وفى إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل لين وضعفه النسائى، وقال الترمذى صدوق سمعت محمدا (يعنى البخارى يقول كان أحمد واسحاق والحميدى يحتجون بحديث ابن عقيل (قال الواقدى) مات بعد الأربعين ومائة

(137)

عن خبأ ب بن الأرث (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا يحيى قال سمعت شقيقا سمعت خبابا ح وأبو معاوية ثنا الأعمش عن شقيق عن خباب قال هاجرنا - الحديث" (غريبه) معناه وجوب إنجاز وعد بالشرع لا وجوب بالعقل كما تزعمه المعتزلة، وهو نحو ما فى الحديث " حق العباد على الله " وقد سبق شرحه

ص: 182

من مضى لم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن عميرٍ قتل يوم أحدٍ فلم نجد شيئاً نكفَّنه إلا نمرةً كنَّا إذا غطَّينا بها رأسه خرجت رجلاه وغذا غطَّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن نغطّي بها رأسه ونجعل على رجليه إذخراً ومنا من أينعت له ثمرته فهو بهدبها يعني يجتنبها

في كتاب الأيمان فارجع اليه إن شئت (1) اى لم يوسع عليه فى الدنيا ولم يجعل له شيئا من جزاء عمله ولم تتطلع نفسه إلى ذلك زاهدا فى الدنيا وزجرا للنفس عن شهواتها لينالها موفرة فى الآخرة (2) بضم الميم هو ابن عمير بن هاشم يجتمع نسبه مع النبى صلى الله عليه وسلم هاشم كان من فضلاء الصحابة وخيارهم ومن السابقين الى الاسلام، أسلم والرسول صلى الله عليه وسلم فى دار الأرقم قبل الهجرة وسجنه أهله لما عملوا بأسلامه، ثم هاجر الى الحبشة مع من هاجر اليها، وكان قبل اسلامه أنعم فتى بمكه وأجوده خله وأكملهم شبابا وجمالا وجودا، وكان أبواه بحبانه حبا كثيرا، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب بمكة؛ وكان أعطر أهل مكه، ثم انتهى به الحال فى الأسلام الى أن كان عليه برده مرقوعه بفروة وتزوج بحموه بنت جحش زوج النبى صلى الله عليه وسلم واستشهد باحد ومعه لواء المسلمين، قيل كان عمره أربعين سنه وسنبسط الكلام فى مناقبه فى كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى رضى الله عنه (3) فيه دليل على أنه اذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل ما يلى الرأس وجعل النقص مما يلى الرجلين، فان ضاق عن ذلك سترت العورة (4) بكسر الهمزة والخاء وهو نبت بأرض الحجاز طيب الرائحة ينبت فى السهول والحزون، وفيه أنه يستحب اذا لم يوجد ساتر لبعض البدن أو لكله ان يغطى بالأذخر، فان لم يوجد فما تيسر من نبات الأرض، وقد كان الأذخر مستعملا لذلك عند العرب كما يدل على ذلك قول العباس " الا الأذخر فانه لبيوتنا وقبورنا" وسيأتى حديثه فى باب فضل مكه من كتاب الفضائل ان شاء الله تعالى (5) بفتح الهمزة وسيكون الياء وفتح النون أينع النمر اذا أدرك ونضج (6) بفتح أوله وسكون ثانية وكسر الدال وضمها، بعدها باء موحده مضمومة، أى يجتنبها كما فسرت فى الحديث (قال ابن سيده) هدب النمرة يهدبها هدبا اجتناها اه وهو كناية عن الغنائم التى تناولها من ادرك زمن الفتوح من الصحابة رضى الله عنهم (تخريجه)(ق. والثلاثة. وغيرهم)

ص: 183

(138)

ز وعنه أيضاً أنَّ حمزة رضي الله عنه لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدَّت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر

(138)"ز" وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله ثنا يحيى بن آدم ثنا اسرائيل عن أبى اسحاق عن حارثه بن مضرب قال دخلت على خباب وقد اكتوى سبعا فقال لولا أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يتمنى أحدكم الموت، لتمنيته ولقد رأيتنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملم درهما، وإن فى جانب بيتى الآن لاربعين الف درهم، قال ثم أتى بكفنه، فلما رأه بكى وقال "لكن حمزه لم يكن له كفن - الحديث" وسيأتى بتمامه فى مناقب خباب من كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى (غريبه) (1) أى برده فيها خطوط سود وبيض، وفى بعض الروايات (الا نمرة) بدل بردة والمعنى واحد (2) اى ذهبت " وقوله مدت على رأسه" أى غطوا رأسه بها ووضعوا الأذخر على ما انكشف من قدميه رضى الله عنه (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ الا لعبد الله ابن الأمام أحمد وهو من زوائده على مسند أبيه وسنده جيد، وبعضه للحاكم من حديث أنس، وفى رواية للبخارى أن عبد الرحمن ابن عوف قال قتل مصعب بن عمير وكان خيرا منى؛ فلم يجد له ما يكفن فيه إلا برده، وقتل حمزة أو رجل آخر فلم يوجد ما يكفن فيه إلا برده (وقال الحافظ) " قوله أو رجل آخر " فلم اقف على اسمه ولم يقع فى أكثر الروايات الا بلفظ حمزة ومصعب فقط اه (الاحكام) أحاديث الباب تدل على أن الكفن يكون من رأس المال، لان النبى صلى الله عليه وسلم أمر بالتكفين فى النمرة ولا مال غيرها (قال ابن المنذر) قال بذلك جميع أهل العلم إلا رواية شاذة عن خلاس بن عمرو قال الكفن من الثلث، وعن طاوس قال من الثلث ان كان قليلا، وحكى فى البحر عن الزهرى وطاوس انه من الثلث ان كان معمرا، وقد اخرج الطبرانى فى الأوسط من حديث على أن الكفن من جميع المال واسناده ضعيف، واخرجه ابن ابى حاتم فى العلل من حديث جابر، وحكى عن أبيه انه منكر، وقد أخرجهما عبد الرازق، أفاده الشوكانى (وقال النووى) فيه دليل على أن الكفن من رأس المال وأنه مقدم على الديون، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه فى نمرته (يعنى مصعب بن عمير) ولم يسأل هـ عليه دين مستغرق أم لا، ولا يبعد من حال من لا يكون عنده إلا نمرة أن يكون عليه دين؛ واستثنى اصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال فيقدم على الكفن، وذلك

ص: 184

كالعبد الجاني والمرهون والمال الذي تعلقت به زكاة أو حق بائعه بالرجوع بإفلاس ونحو ذلك، قال ويستدل بهذا الحديث "يعنى حديث خباب" على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن، فأن قيل لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله لم يوجد له غيرها، فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة، ولو كان ستر جميع البدن واجبا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه أن لم يكن له قريب تلزمه نفقته، فأن كان - وجب عليه (فان قيل) كانوا عاجزين عن ذلك، لأن القضية جرت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك (فجوابه) أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها والله أعلم أم (قلت) وما قاله النووي رحمه الله هو الأصح من مذهب الشافعي وهو ظاهر نص الشافعي في الم، وصححه صاحب المهذب والمحاملي في المجموع، وقطع به كثير من العراقيين أو أكثرهم (وقطع جمهور الخراسانيين) بأنه يجب ستر جميع البدن، فمن قطع به منهم إمام الحرمين والغزالي والبغوي والسرخسي وغيرهم، وصححه منهم القاضي حسين وغيره، ووافق الخراسانيين في ذلك الأئمة الثلاثة (أبو حنيفة ومالك وأحمد) فقالوا أقل الكفن ما يستر جميع بدن الميت سواء أكان ذكرا أم أنثى وما دون ذلك لا يسقط به فرض الكفاية عن المسلمين، قالوا ويجب تكفين الميت من ماله الخاص الذي لم يتعلق به حق الغير كالمرهون، فأن لم يكن له مال خاص فكفنه على من تلزمه نفقته في حال حياته إلا الزوجة (وذهب المالكية والحنابلة) إلي أنه لا يلزم الزوج تكفينها ولو كانت فقيرة، فأن لم يكن لمن فعلى جماعة المسلمين القادرين، ومثل الكفن في ذلك مؤن التجهيز كالحمل إلي المقبرة والدفن ونحو ذلك (وفي أحاديث الباب أيضا) دليل على جواز تكفين الرجلين والثلاثة في كفت واحد عند الضرورة، وتقدم بيان ذلك في الشرح (وفيها أيضا) دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس وجعل النقض مما يلي الرجلين (قال النووي) فأن ضاق عن ذلك سترت العورة، فأن فضل شيء جعل فوقها، وأن ضاق عن العورة سترت السوءتان لأنهما أهم، وهما الوصل في العورة أم (قالت) وفي تلك الحالة يستر الباقي من البدن بأذخر أو نحوه من نبات الأرض (وفيها أيضا) استجاب المواساة بالكفن إذا مات اثنان مثلا وكان لأحدهما ثوبان ولم يكن للآخر شيء فيستحب أن يكفن كل واحد منهما في ثوب واحد كما فعل بحمزة مع صاحبه (وفيها) ما كان عليه صدر هذه الأمة من إيثار الآخرة على الدنيا والتضحية بالنفس في سبيل الله (وفيها) أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار وفيها غير ذلك والله أعلم.

ص: 185

(4)

باب تكفين الشهيد في ثيابه التي قتل فيها

(139)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال رمى رجل بسهم في صدره أو قال في جوفه فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(141)

عن أبن عبَّاس رضي الله عنهما قال أمر رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يوم أحد بالشُّهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود وقال أدفنوهم بدمائهم وثيابهم

(141)

عن عبد الله بن ثعلبه بن صعير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد زمّلوهم في ثيابهم وجعل يدفن في القبر الرَّهط وقال قدّموا أكثرهم قرآناً

(139) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا محمد ابن سابق ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر - الحديث" (غريبة) (1) أو للشك من الراوي ولفظ أبي داود "رمى رجل بسهم في صدره أو حلقه فمات" ولم تقف على اسم الرجل ولا في أي غزوة كان ذلك (2) أي لف في ثيابه ودفن بغير غسل ولا كفن "وقوله ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلي أن الحديث مرفوع إلي النبي صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(د. مذ. هق) وسنده جيد.

(140)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن عاصم عن عطاء بن الصائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(3) يعني آلات الحرب (4) يعني بغير غسل ولا كفن (تخريجه)(د. جه. هق) وفي إسناده عطاء بن الصائب (قال الحافظ) في التلخيص وهو مما حدث به بعد الاختلاط.

(141)

عن عبد الله بن ثعلبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هيثم عن محمد بن إسحاق عن الزهري حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صعير - الحديث (غريبه)(5) الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلي الأربعين ولا تكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على أرهط وأرهاط، وأرهط جمع الجمع (له)(6) أي أكثرهم حفظا للقرآن أو أخذا للقرآن كما في بعض الروايات، وفيه دليل على

ص: 186

تقديم من كان أكثر قرآنا من صاحبه، وفيه منقبة عظيمة لحفاظ القرآن - فأحمد الله الذي من على بحفظه وإتقانه كما انزل، ورحم الله والدي وجزاهما على أحسن الجزاء لأنهما السبب في ذلك، والمراد بتقديمه يعمي في القبر لجهة القبلة كما تقدم (تخريجه)(د وغيره) ورجاله رجال الصحيح (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز دفن الشهيد بثيابه التي قتل فيها ونزع ما عليه من آلة الحرب فقط كالحديد والجلود ونحو ذلك، قال الإمام أحمد رحمه الله "لا يترك عليه فرو ولا خف ولا جلد" وبهذا قال (الشافعي وأبو حنيفة) وقال مالك لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو لقول النبي صلى الله عليه وسلم وادفنوهم بثيابهم (قلت) الخلاف في الفرو والخف ونحوهما، أما الجلود والحديد فنفق على نزعها ونقدم كلام النووي في ذلك في آخر الأحكام من باب ترك غسل الشهيد فارجم إليه، والظاهر أن الأمر فيه للوجوب، والحكمة في دفنهم بدمائهم إعلام النسا بأن الله طهرهم من الذنوب فلا يؤثر عليهم نجاسة الدم، بل إبقاؤه في ثيابهم وأجسامهم مفخرة لهم عند البعث لما تقدم في باب ترك غسل الشهيد في حديث عبد الله بن ثعلبة أيضا وجابر وغيرهما من قوله صلى الله عليه وسلم ما من مجروح جرح في الله عز وجل إلا بعثه يوم القيامة وجرحه بدمي، اللون لون الدم والريح ريح المسك - الحديث" (وفي أحاديث الباب أيضا) جواز دفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد للضرورة وتقدمي من كان أكثر حفظا للقرآن، وترجم له البخاري فقال (باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر) (قال الحافظ) أورد فيه حديث جابر المذكور مختصرا بلفظ "كان يجمع بين الرجلين من قتلي أحد" (قال ابن رشيد) جرى المصنف على مادته إما بالإشارة إلي ما ليس على شرطه وإما بالاكتفاء بالقياس، وقد وقع في رواية عبد الرزاق بلفظ "وكان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد" اهـ (قال الحافظ) ورود ذكر الثلاثة في هذه القصة عن أنس أيضا عند الترمذي وغيره، وروي أصحاب السنن عن هشام بن عامر الأنصاري قال جاءت الأنصار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقالوا أصابنا قرح وحمد، قال احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر صححه الترمذي والظاهر أن المصنف (يعني البخاري) أشار إلي هذا الحديث، وأما القياس ففيه نظر لأنه لو أراده لم يقتصر على الثلاثة بل كان يقول مثلا دفن الرجلين فأكثر، ويؤخذ من هذا جواز دفن المرأتين في قبر، وإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد، فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه، وكأنه كان يجعل بينهما حائلا من تراب ولاسيما أن كانا أجنبيين والله اعلم (فائدة) قال الإمام الشافعي وأصحابه وصاحب المهذب رحمهم الله يتسحب أن يجمع الأقارب في موضع من المقبرة لما رواه أبو داود والبيهقي عن المطلب بن عبد الله بن حنطب

ص: 187

(5)

باب تطييب بدن الميت وكفنه الا المحرم - وما جاء في تكفين المحرم

(142)

عن جابر (بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجمرتم الميّت فأجمروه ثلاثاً

(143)

عن أبن عباس رضي الله عنهما أنَّ رجلاً كان مع النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أغسلوه بماء وسدر

أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال نعلم على قبر أخي لأدفن إليها من مات

(142)

عن جابر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي بن آدم ثنا قطبة عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) أي إذا بخرتموه بالطيب، يقال ثوب مجمر ومجمر، وأجمرت الثوب وجمرته إذا بخرته بالطيب، والذي يتولي ذلك مجمر ومجمر ومنه نعيم المجمر الذي كان يلي إجمار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (له) قال النووي: يستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة (قال أصحابنا) صفة ذلك أن يجعل الكفن) على عود أو نحوه، ثم يبخر كما يبخر ثياب الحي غير مطيب بالمسك فأن كان مطيباً به جاز ويستحب تطييبه ثلاثا للحديث (يعمي حديث جابر) (تخريجه) (هق. بز. ك) وقال هذا حديث صحيح على شرك مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي (وقال النووي) رواه أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي وإسناده صحيح، قال ولكن روي البيهقي بإسناده عن يحيي بن معين أنه قال لم يرفعه إلا يحيي بن آدم" قال يحيي بن معين ولا أظنه إلا غلطاً (قلت) كأن يحيي بن معين فرعه على قاعدة أكثر المحدثين أن الحديث إذا روى مرفوعا وموقوفا حكم بالوقف، والصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول ومحققوا المحدثين أنه يحكم بالرفع لأنها زيادة ثقة، ولفظ رواية الحاكم والبيهقي "إذا جمرتم الميت فأوتروا" قال البيهقي: وروى "جمروا كفن الميت ثلاثاً" أهـ ج

(143)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنبأنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - الحديث" (غريبه)(2) بفتح الواو بعدها قاف، ثم صاد مهملة من باب وعد أي رمت به فدقت عنقه فالعنق موقوصة وفي القاموس الوقص الكسر ولم يعلم اسم هذا الرجل (3) فيه تعيين الماء والسدر لغسل

ص: 188

وكفنوه في ثوبيه ولا تمسُّوه بطيب ولا تخمّروا رأسه فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبّياً (وعنه من طريقٍ ثان) يقول كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخر رجل عن بعيره فوقص فمات (الحديث كما تقدَّم وفيه) فإنَّ الله عز وجل يبعثه يوم القيامة مهلاً، وقال مرَّة يهل (وعنه من طريق ثالثٍ) بنحوه وفيه فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسَّل بماء وسدر، وأن يكفَّن في ثوبين، وقال لا تمسُّوه بطيب خارج رأسه قال شعبة ثم إنَّه حدَّثني به بعد ذلك

الميت، وتقدم الكلام على ذلك في أبواب غسل الميت (1) فيه تكفين المحرم في ثيابه التي مات فيها، وقيل إنما اقتصر على تكفينه في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو بتلك العبادة الفاضلة، ويحتمل أنه لم يجد غيرها (2) بضم أوله وكسر الميم من أمس، قاله الحافظ أي لا تضعوا طيبا على جسمه ولا في كفنه (ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوه، لأن المحرم ممنوع من ذلك، ففيه دليل على بقاء حكم الإحرام، وأصرح من ذلك التعليل بقوله "فأنه يبعث يوم القيامة ملبيا" أي يقول لبيك اللهم لبيك، كما يقول الحاج، وفي بعض الروايات "فأنه يبعث يوم القيامة محرما" أي على حالته التي مات عليها ومعه علامة لحجه وهي دلالة الفضيلة كما يجيء الشهيد يوم القيامة وأوداجه تشحب دماً (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن لاين عباس يقول "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"(4) أي سقط "وقوله فوقص" أي كسرت عنقه (5) يعني أن الراوي رواه بلفظين، فمرة قال مهلاً ومرة قال يهل، والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية، فقوله يهل يدل على تجدد التلبية مستمراً، وقوله مهلاً يدل على ثبوتها (6)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت أبا بشر يحدث أنه سمع سعيد بن جبير يحدث أنه سمع بن عباس يحدث أن رجلاً أتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فوقع من ناقته فأوقصته، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغسل بماء وسدر وأن يكفن في ثوبين، وقال لا تمسوه بطيب خارج رأسه (قال شعبة) ثم أنه حدثني به بعد ذلك فقال خارج رأسه أو وجهه فأنه يبعث يوم القيامة ملبداً (7) هذه الجملة أعني قوله "خارج رأسه" في موضع الحال من الضمير في قوله "وإن يكفن في ثوبين" والمعني أن يكون في رأسه خارجاً عن الكفن أي عاريا بدليل قوله في الطريق الأولي "ولا تخمروا رأسه"(8) هو أحد للسند وراوي الحديث عن أبي بشر يريد أن أبا بشر حدثه مرة فقال

ص: 189

فقال خارج رأسه أو وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبّداً

"خارج رأسه" ثم حدثه به مرة اخرى فقال "خارج رأسه أو وجهه" بالشك، ورواه مسلم بنحو حديث الباب، لكن بدون شك ففيه "قال شعبة: ثم حدثنى به بعد ذلك خارج راسه ووجهه" يعنى مكشوف الراس والوجه معاً، والله اعلم (1) كذا فى هذه الرواية مبلدا بالدال المهملة، وكذا رواية للشيخين، ومعنى التلبيدأن يجعل المحرم فى راسه من الصمغ ليلتصق شعره فلا يشعث فى الاحرام، وكانت عادتهم أن يفعلوا ذلك فى الأحرام (قال الحافظ) وقد أنكر عياض هذه الرواية، وقال ليس للتبليد معنى (قلت) رد الحافظ قول عياض بأن رواية ملبدا ليست فاسدة المعنى بل توجيهها ظاهر، ولعل الحافظ يريد أن الله تعالى يبعثه يوم القيامة على هيئة التى مات عليها، أعلم (تخريجه) (ق والأربعة وغيرهم) (الأحكام) حديث جابر يدل على استحباب تبخير كفن الميت بعود ونحوه مما يظهر له رائحة زكية إذا وضع على النار، وتقدم كيفية التبخير فى الشرح، وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود (قال أبو هريرة) يجمر الميت، ولأن هذا عادة الحى عند غسله وتجديد ثيابه أن يجمر بالطيب والعود فكذلك الميت، وكذا يستحب تطيب بدن الميت بالمسك أن تسير، لأنه أطيب الطيب، فقد روى عبد الرزاق فى مصنفه عن سلمان رضى الله عنه أنه استودع امرأته مسكا، فقال اذا مت فطيبونى به فإنه يحضرني خلق الله "يعنى الملائكة" لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح (وروى ابن آبى شيبة) عن ابن سيرين قال سئل ابن عمر رضى الله عنهما عن المسك يجعل فى الحنوط، قال أو ليس أطيب طيبكم المسك (وعن أبى وائل) قال كان عند على مسك فأوصى أن يحنط به، قال وقال على هو فضل حنوط رسول الله (ص) _ رواه الحاكم وسكت عنه، وأقره الذهبى (وعن سعيد الخدرى) رضى الله عنه أن النبى (ص) سئل عن المسك فقال "هو أطيب طيبكم_ رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الاسناد (قلت) وأقره الذهبى، ورواه أيضا الأمام أحمد وسيأتى فى كتاب اللباس والزينة إن شاء الله تعالى_ فإن آمذر المسك فما أنواع الطيب؛ وبهذا قال كافة العلماء ولم أر مخالفا فى ذلك (وفى مختصر الخرقى) فى مذهب الأمام أحمد قال ويجعل الذريرة فى مفاصله ويحعل الطيب فى مواضع السجود والمغابن، ويفعل به كما يفعل بالعروس (قال ابن قدامة).فى شرحه، الذريرة هى الطيب المسحوق، ويستحب أن يجعل فى مفاصل الميت ومغابنه وهى المواضع التى تنثنى من الأنسان كطى الركبتين وتحت الابطين وأصول الفخذين لأنها مواضع

ص: 190

الوسخ ويتبع بأزالة الوسخ والدرن منها من الحى ويتبع بالطيب من المسك والكافورمواضع السجود لأنها أعضاء شريفة، ويفعل به كما يفعل بالعروس، لأنه يروى عن النبى (ص)"اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعرائسكم)) وكان ابن عمر يتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك (قال أحمد) يخلط الكافور بالذريرة، وقيل له يذر المسك على الميت أو يطلى به؟ قال لا يبالى، قد روى عن ابن عمر أنه ذر عليه، وروى عنه أنه مسحه بالمسك مسحا، سيرين طلا انسانا بالمسك من قرنه إلى قدمه، وقال ابراهيم النخعي يوضع الحنوط على عظم السجود الجبهة والراحتين والركبتين وصدر القدمين اهـ (وحديث ابن عباس) يدل على أن المحرم إذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط ولا تحمر رأسه ولا يمس طيبا. وإليه ذهب الأئمة (الشافعي وأحمد واسحاق وآخرون) وذهب الأئمة (مالك والأوزاعى وأبو حنيفة وغيرهم) إلى أنه يفعل بالحى، وأجابوا عن الحديث الباب بأن قصة هذا الرجل واقعة عين لا عموم لها، فتختص به (وأجيب) بأن الحديث ظاهر فى أن العلة هى كونه فى النسك وهى عامة فى كل محرم، والأصل أن كل ثبت لواحد فى زمن النبي (ص) ثبت لغيره حتى يثبت التخصيص، واعتذر الداودى عن مالك فقال إنه لم يبلغه_ الحديث" وهو اعتذرا وجيه، وفى قوله (ص)"اغسلوه بماء وسدر" دليل على استحباب السدر فى غسل الميت، وأن المحرم فى ذلك كغيره (قال النووى رحمه الله وهذا مذهبنا، وبه قال طاوس وعطاء ومجاهد وابن المنذر وآخرون، ومنعه (مالك وأبو حنيفة وآخرون) أما تخمير الرأس فى حق المحرم الحى فمجمع على تحريمه؛ وأما وجهه فقال (مالك وأبو حنيفة) هو كرأسه (وقال الشافعى والجمهور) لا إحرام فى وجهه بل له تغطيته، وإنما يحب كشف الوجه فى حق المرأة، هذا حكم المحرم الحى، وأما الميت (فمذهب الشافعى) وموافقيه أنه يحرم تغطية رأسه كما سبق، ولا يحرم تغطية وجهه بل يبقى كما كان فى الحياة، ويتأول هذا الحديث (يعنى حديث ابن عباس) على أن النهى عن تغطية وجهه ليس لكونه وجها، إنما هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه ولا بد من تأويله، لأن مالكا وأبا حنيفة وموافقيهما يقولون لا يمنع من ستر رأس الميت ووجهه، والشافعى وموافقوه يقولون يباح ستر الوجه فتعين تأويل الحديث (قال) وفى قوله (وكنفنوه فى ثوبيه) فوائد (منها) الدلالة لمذهب الشافعى وموافقيه فى أن حكم الأحرام باق فيه (ومنها) أن التكفين فى الثياب الملبوسة جائز وهو مجمع عليه (ومنها) جواز التكفين فى ثوبين والأفضل ثلاثة (ومنها) أن الكفن مقدم على الدين وغيره، لأن النبى (ص) لم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا (ومنها) أن التكفين واجب وهو إجماع في حق

ص: 191

أبواب الصلاة على الميت

(1)

باب فضل الصلاة على الميت وتشييع الجنازة

(144)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلَّى على جنازة فله قيراط ومن انتظر حتَّى يفرغ منها فله قيراطان قالوا يا رسول الله

المسلم، وكذا غسله والصلاة عليه ودفنه اهـ

(144)

عن أبى هريرة (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة_ الحديث" (غريبه) (1) فى رواية للشيخين من شهد الجنازة حتى يصلى عليها، وفى رواية للبخارى (من شيع) وفى أخرى له وللأمام أحمد وستأتى "من تبع" وفى رواية لمسلم "من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى تدفن" فينبغى أن تكون هذه الرواية الأخيرة مقيدة لبقية الروايات المذكور فيها التشييع والشهادة والاتباع والصلاة، بأنها لا تعتبر محصلة للأجر المذكور فى الحديث إلا إذا كان ابتداء الحضور من بيت الميت، ويدل على ذلك ما وقع فى رواية أبى هريرة عند البزار بلفظ (من أهلها) وما عند الأمام أحمد وسيأتى من حديث أبى سعيد الخدرى بلفظ "من جاء جنازة فى أهلها فتبعها حتى يصلى عليها_الحديث" ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر الى انقضاء الصلاة وبذلك جزم الطبرى (قال الحافظ) والذى يظهر لى أن القيراط يحصل لمن ثلى فقط، لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة اليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى، واستدل بما عند مسلم بلفظ "من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط" وبما عند الأمام أحمد عن هريرة "ومن صلى ولم يتبعها فله قيراط" فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وان لم يقع اتباع، قال ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة اهـ "والقيراط) " بكسر القاف، أما مقداره فقد نقل الحافظ عن الجوهرى أنه قال "القيراط نصف دانق سدس الدرهم (قلت) فهو على هذا نصف سدس الدرهم_ولما كان مقدار القيراط المتعارف حقيرا نبه على عظم القيراط الحاصل لمن فعل ذلك فقال "مثل أحد" كما فى بعض الروايات، وفى أخرى "أصغرهما مثل أحد" وفى حديث الباب "مثل الجلين العظيمين"(2) قال النووى ضبطناه بضم الياء وفتح الراء وعكسه والأول أحسن وأعم، وفيه دليل لمن يقول القيراط الثانى لا يحصل إلا بفراغ الدفن (3) ربما يفهم من هذه العبارة أن القيراطين لمن انتظر حتى يفرغ منها ولو لم يصل، وليس الأمر كذلك انما هما لمن صلى وانتظر حتى يفرغ منها، ويؤيد ذلك مارواه البخارى في أول صحيحه

ص: 192

وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين (وعنه من طريق ثانٍ) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلَّى على جنازة فاتَّبعها فله قيراطان مثلى أحد، ومن صلَّى ولم يتَّبعها فله قيراط مثل أحد، قال ابن بكر القيراط مثل أحد

(145)

عن أبن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من صلَّى على جنازة فله قيلااط، قالوا يا رسول الله مثل قيراطنا هذا؟ قال لا، بل مثل أحدٍ أو أعظم من أحدٍ (وعنه من طريقٍ

في كتاب الإيمان "من شهد جنازة وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها رجع من الأجر بقراطين" فهذا صريح فى أن المجموع بالصلاة والاتباع وحضور الدفن قيراطان، وظاهره أن القيراط الثانى لا يحصل إلا لمن دام معها من حين صلى إلى أن فرغ من دفنها؛ وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم، وقيل يحصل بمجرد الوضع فى اللحد، وقيل عند انهاء الدفن قبل اهالة التراب، وقد وردت الأخبار بكل ذلك، ففي حديث الباب ورواية عند مسلم "حتى يفرغ منها"، وعنده أخرى "حتى توضع فى اللحد"، وعنده أيضا "حتى توضع فى القبر" وعند الترمذى "حتى يقضى دفنها" وعند أبى عوانة "حتى بسوى عليها" أى التراب، وقيل يحصل القيراط بكل من ذلك ولكن يتفاوف، والظاهر أنها تحمل الروايات المطلقة عن الفراغ من الدفن وتسوية التراب بالمقيدة بهما، والله أعلم (1) فى رواية لمسلم "القيراط مثل أحد" وفى رواية للنسائى " كل واحد منهما أعظم من أحد" وفى رواية لمسلم أيضاً "أصغرهما مثل أحد" وسيأتى مثل هذه الروايات كلها للأمام أحمد، وفى رواية لابن عدى "أثقل من أحد" فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد، وأن المراد به زنة الثواب المترتب على ذلك (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريح أخبرنى الحارث بن عبد المطلب، وقال ابن بكر ابن عبد الملك أن نافع بن جبير أخبره أن أبا هريرة أخبره أنه سمع النبى (ص)"الحديث"(3) يريد والله أعلم أن ابن بكر أحد الرواة قال فى روايته بعد قوله (فله قيراطان)"القيراط مثل أحد" وأما غيره فقال قيراطان مثلى أحد (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)(145) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا يعلى ثنا اسماعيل عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر _الحديث" (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه

ص: 193

ثانٍ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تبع جنازة حتَّى يصلى عليها فإن له قيراطاً، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط، فقال مثل أحدٍ

(146)

وعنه أيضاً رضي الله عنه أنه مرَّ بأبي هريرة وهو يحدّث عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال؛ من تبع جنازةً فصلَّى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط أعظم من أحدٍ، فقال له ابن عمر أبا هرٍ أنظر ما تحدّث به عن رسول الله (وفي لفظ أنظر ما تحدّث يا أبا هريرة فإنَّك تكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبو هريرة حتَّى انطلق به إلى عائشة رضي الله عنها فقال لها يا أمّ المؤمنين أنشدك بالله أما سمعت رسول الله

أحمد والطبراني فى الكبير والأوسط الا أنه قال فى الكبير عن رسول الله (ص)"من تبع جنازة حتى يصلي عليها ثم يرجع فله قيراط، ومن صلى عليها ثم مشى معها حتى يدفنها فله قيراطان، قيل يارسول الله وما القيراطان؟ قال مثل أحد" والبراز بنحوه ورجاله ثقات (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن إسماعيل حدثنى سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن رسول الله (ص)(تخريجه) أوراده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير والأوسط، إلا أنه فى الكبير عن رسول الله (ص)"من تبع جنازة حتى يصلى عليها ثم يرجع فله قيراط، ومن صلى عليها ثم مشى معها حتى يدفنها فله قيراطان، قيل يارسول الله وما القيراطان؟ قال مثل أحد" والبراز بنحوه ورجاله ثقات اهـ. وأورد الطريق الثانية منه المنذرى وعزاها للأمام أحمد فقط قال ورواته ثقات (146) وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا هشيم عن يعلى ابن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن القرشى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه مر بأبى هريرة "الحديث"(غريبه)(2) أى تحقق ما تقول لعلك تكون ناسياً لأنك تكثر الحديث عن رسول الله (ص) فربما اشتبه عليك، ومعنى كلام ابن عمر رضى الله عنهما أنه خاف لكثرة روايات أبى هريرة أنه اشتبه عليه الأمر فى ذلك واختلط عليه حديث بحديث، لا أنه نسبه إلى رواية مالم يسمع، لأن مرتبة ابن عمر وأبى هريرة أجل من هذا (3) رواية مسلم فبعث ابن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة، وفي رواية أبي سلمة

ص: 194

صلى الله عليه وسلم يقول من تبع جنازة فصلَّى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت اللَّهمَّ نعم، فقال أبو هريرة إنَّه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الوادي ولا صفق بالأسواق إني إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلّمنها وأكلة يطعمنيها؛ فقال له ابن عمر أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وأعلمنا بحديثه

عند الترمذي، فذكر ذلك البن عمر فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت صدق (وفى رواية خباب) صاحب المقصورة عند مسلم فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبى هريرة ثم يرجع اليه فيخبره بما قالت حتى رجع اليه الرسول، فقال قالت عائشة صدق أبو هريرة (وفى رواية لأبى داود) فأرسل ابن عمر إلى عائشة فقالت صدق أبو هريرة (ووقع فى رواية الوليد بن عبدالرحمن) عن سعيد بن منصور، فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة كما فى حديث الباب (قال الحافظ) ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع الى ابن عمر بخير عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى الى ابن عمر فأسمعه ذلك من عائشة مشافهة اهـ (وقوله فمشى الى ابن عمر) يعنى ثم ذهب معه إلى عائشة الخ والله أعلم، وإنما بعث ابن عمر الى عائشة يسألها بعد إخبار أبى هريرة لأنه خاف على أبى هريرة النسيان والا شتباه كما تقدم فلما وافقته عائشة علم أنه أحفظ وأتقن (1) يعنى لا تستغربوا كثرة حديثى عن رسول الله (ص) فانه ما كان يشغلنى عن ملازمته زراعة ولا تجارة مثلكم، بل كنت ألازمه لطلب العلم وما يسد حاجتى من القوت الضرورى، لذلك حفظت مالم تحفظوا ووعيت مالم تعوا رضى الله عنه (ويؤيد ذلك) مارواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم عن أبى هريرة قال انكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد، انى كنت امرءا مسكينا أصحب رسول الله (ص) على ملء بطنى، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم فحضرت من النبي (ص) مجلسا فقال من يبسط رداءه حتى أقضى مقالتى ثم يقبضه اليه فلن ينسى شيئا سمعه منى؟ فبسطت بردة على حتى قضى حديثه، ثم قبضها إلى، فوالذى نفسى بيده مانسيت شيئا سمعته منه بعد (تخريجه) أخرجه سعيدبن منصور مطو لا بلفظ حديث الباب، وأخرجه (ق. مذ) مختصراً وسنده صحيح (وفى روايه عند الشيخين) فقال ابن عمر رضى الله عنهما "لقد فرطنا فى قراريط كثيرة" يعنى من عدم المواظبة على حضور الدفن كما جاء ذلك مبينا فى رواية لمسلم من طريق ابن شهاب

ص: 195

(147)

عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنه أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال من تبع جنازة (وفي رواية من صلَّى على جنازةٍ) فله قيراط ومن شهد دفنها فله قيراطان، قيل وما القيراطان؟ قال أصغرهما مثل أحدٍ

(148)

عن عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبع جنازة حتَّى يصلى عليها فله قيراط، ومن انتظرها حتَّى يفرغ منها فله قيراطان

(149)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من تبع جنازة يحمل من علوّها وحثا في قبرها

عن سالم بن عبد الله بن عمر كان ابن عمر يصلى عليها "يعنى الجنازة" ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبى هريرة قال لقد ضيعنا قراريط كثيرة (قال الحافظ) وفى هذه القصة دلالة على تميز أبى هريرة فى الحفظ وأن انكار العلماء بعضهم على بعض قديم، وفيه استغراب العالم مالم يصل الى علمه، وعدم مبالاة الحافظ بأنكار من لم يحفظ، وفيه ما كان الصحابة عليه من التثبت فى الحديث النبوى والتحرز فيه والتنقيب عليه، وفيه دلالة على فضيلة ابن عمر من حرصه على العلم وتأسفه على مافاته من العمل الصالح اهـ.

(147)

عن ثوبان (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا أبو قطن ثنا هشام عن قتادة عن سالم بن أبى الجعد عن معدان بن أبى طلحة عن ثوبان_الحديث" (غريبه)(1) يعنى حتى يصلى عليها بدليل ماتقدم فى الروايات الأخرى وما فى الرواية الثانية من هذا الحديث أيضاً (تخريجه)(م. جه. وغيرهما)

(148)

عن عبد الله بن مغفل (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا أبو النضر قال ثنا المبارك عن الحسن عن عبدالله بن مغفل _الحديث" (تخريجه)(نس) وصحح الحافظ اسناده.

(149)

عن أبى هريرة (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا عبدالله ابن يزيد ثنا ابن لهيعة حدثنى عبدالله بن هبيرة عن تميم الجيشانى قال كتب الى عبدالله ابن هرمز مولى من أهل المدينة يذكر عن أبى هريرة أن رسول الله (ص) قال "من تبع جنازة_الحديث"(غريبه)(2) فيه اشارة الى كيفية حمل الجنازة بارتفاع سريرها على عةاتق الرجال مادامت محمولة فيه (وفيه أيضاً) احتراز من حملها فى نحو قفة أو غرارة مثلا أو خشبة مدلاة بين أيدى الحاملين، ففى ذلك إهانة للميت ولا يجوز فعله (3) يقال حثا

ص: 196

وقعد حتى يؤذن له آب بقراطين من الأجر كلُّ قيراط مثل أحدٍ

(150)

عن أبي سعيدٍ الخدرىّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاء جنازة في أهلها فتبعها حتَّى يصلى عليها فله قيراط، ومن مضى معها فله قيراطان مثل أحدٍ (وعنه من طريق ثانٍ) عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من صلَّى على جنازة وشيَّعها كان له قيراطان، ومن صلى عليها ولم يشيّعها كان له قيراط والقيراط مثل أحدٍ

الرجل التراب يحثوه حثوا، ويحثيه حثيا من باب رمى لغة. إذا هاله بيده، وبعضهم يقول قبضه بيده ثم رماه، ومنه فاحثوا التراب فى وجهه. ولا يكون إلا بالقبض والرمى، وهو المراد هنا، والمعنى أنه يسن لمن على شفير القبر أن يحثوا فى القبر ثلاث حثيات من تراب لأن النبي (ص) فعل ذلك فى قبر عثمان بن مظعون رضى الله عنه، وسيأتى الكلام على ذلك مبسوطا فى باب من أين يدخل الميت قبره (1) فيه استحباب المكث عند القبر ختى يفرغ من دفن الميت واستئذان ولى الميت فى الانصراف، وسيأتى الكلام عليه فى الأحكام ((وقوله آب)) بمد الهمزة من الأياب وهو الرجوع أى رجع بقراطين من الأجر الخ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وفى اسناده ابن لهيعة فيه كلام وفيه أيضاً عبدالله بن هرمز ضعيف

(150)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عمرو بن يحيى عن محمد بن يوسف بن عبد الله سلام عن أبى سعيد الخدرى_الحديث" (غريبه) (2) استدل به القائلون بأن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة (3) يعنى بعد أن صلى عليها كما يؤخذ من الطريق الثانية (4) (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى عن النبى (ص) _الحديث"(5) فيه إشعار بأن من صلى فقط ولم يشيع يحصل له فضل القيراط، ويستفاد منه أيضا أن من شيع ولم يصل ولم ينتظر الفراغ من الدفن كان محصلا لقيراط التشييع، ولكن تعارضه الأحاديث الأخرى والحديث الذى بعده حيث قيد فيه بالاتباع والفراغ، وتقدم الكلام على ذلك شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه الزار وأحمد وأبو يعلى

ص: 197

(151)

عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من تبع جنازة حتى يصلَّى عليها ويفرغ منها فله قيراطان، ومن تبع حتَّى يصلَّى عليها فله قيراط، والذي نفس محمد بيده لهو أثقل في ميزانه من أحدٍ

وإسناده حسن (قلت) وصحح الحافظ رواية الأمام أحمد

(151)

عن ابى بن كعب (سنده) حدثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا يزيد ابن هارون أنا حجاج بن أرطاة عن عدى بن ثابت عن زر بن حبيش عن أبى "الحديث"(غريبه)(1) بينت هذه الرواية وجه التمثيل بجبل أحد، وأن المراد به زنة الثواب المترتب على ذلك (تخريجه)(جه) وفى إسناده حجاج بن أرطاة مدلس (وفى الباب)(عن البراء بن عازب) وضى الله عنه قال قال رسول الله (ص)"من تبع جناوة حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد، رواه النسائى وسنده جيد (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه مرفوعا قال "مامن مسلم يشهد جنازة امرئ مسلم إلا كان له قيراط من الأجر؛ فان قعد حتى يسوى عليها كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد، وفى رواية من صلى على جنازة كتب له قيراط (قال الهيثمى) رواه أبو يعلى والطبرانى فى الأوسط بلفظ من تبع جنازة فصلى عليها؛ وقالوا وما القيراط يارسول الله؟ قال مثل أحد، وفى إسناد أحدهما محسب وفى الآخر روح بن عطاء وكلاهما ضعيف اهـ (وعن أبى هريرة) رضى الله عنه عن النبى (ص) قال من أتى جنازة فى أهلها فله قيراط، فان اتبعها فله قيراط، فان انتظرها حتى تدفن فله قيراط، رواه البزار، وفيه معدى بن سليمان صحح له الترمذى ووثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه أبو زرعة والنسائى، وبقية رجاله رجال الصحيح، قاله الهيثمى وقال له حديث غير هذا فى الصحيح (قلت) هو ما ذكر فى أحاديث الباب من رواية الامام أحمد والشيخين وغيرهم (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ص) يقول يوضع فى ميزانه قيراطان مثل أحد "يعنى من تبع جنازة"(قال الهيثمى) رواه الطبرانى فى الكبير وفيه نافع أبو هرمز وهو متروك (الأحكام) فى أحاديث الباب الحث على الصلاة على الجنازة واتباعها ومصاحبتها حتى تدفن؛ وأن من فعل ذلك كان له قيراطان من الأجر، قيراط بالصلاة وقيراط بالاتباع مع حضور الدفن والفراغ منه، وفى بعض الأحاديث عدم التقييد بحضور الدفن، وتقدم فى شرح الحديث الأول أنها تحمل

ص: 198

الروايات المطلقة عن الفراغ من الدفن وتسوية التراب بالمقيدة بهما (قال النووى) وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، قال وقال بعض أصحابنا: يحصل القيراط الثانى اذا ستر الميت فى القبر باللبن، وإن لم يلق عليه التراب؛ قال والصواب الأول (وذكر فى المجموع) خلافا لأصحاب الشافعى فى هذه المسألة ثم قال: والحاصل أن الأنصراف مراتب (احداها) ينصرف عقب الصلاة (الثانية) عقب وضعها فى القبر وسترها باللبن قبل اهالة التراب (الثالثة) ينصرف بعد اهالة التراب وفراغ القبر (الرابعة) يمكث عقب الفراغ ويستغفر للميت ويدعو له ويسأل له التثبيت، فالرابعة أكمل المراتب، والثالثة تحصل القيراطين، ولا تحصله الثانية على الأرجح، ويحصل بالأولى قيراط بلا خلاف اهـ (وفى حديث أبى هريرة) المذكور فى الشرح من رواية البزار ما يدل على أن القراريط أربعة لا اثنان كما أحاديث الباب (قال الحافظ) ونقل ابن الجوزي عن ابن عقيل أنه يقول القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار، والأشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت فى تجهيز وغسله وجميع ما يتعلق به، فللمصلى عيه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدفن قيراط، وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الأنسان يعرف القراريط ويعمل العمل فى مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما يعلم اهـ (قال الحافظ) وليس الذى قاله ببعيد، وقد روى الزار من طريق عجلان عن أبى هريرة مرفوعا "من أتى جنازة فى أهلها فله قيراط، فان تبعها فله قيراط، فان صلى عليها فله قيراط، فان انتظرها حتى تدفن فله قيراط" فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا، وان اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته، وعلى هذا فيقال لإنما خص قيراطى الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقى أحوال الميت فأنها وسائل، ولكن هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذى فى صحيح "يعنى صحيح البخارى" المتقدم فى كتاب الايمان فان فيه أن لمن تبعها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها قيراطين فقط؛ ويجاب عن هذا بأن القيراطين المذكورين لمن شهد والذى ذكره ابن عقيل لمن باشر الأعمال التى يحتاج اليها الميت فافترقا (قال) وذهب الأكثر الى أن المراد بالقيراط فى أحاديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله وقد قربها النبي (ص) للفهم بتمثيله القيراط بأحد (قال الطيي) قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر، وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين فبين الموزون بقوله من الأجر وبين المقدار المراد منه بقوله مثل أحد (قال الزين بن المنير) أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها الى النفوس المؤمنة حباً لأنه الذى قال (ص) فى حقه (إنه جبل يحبنا ونحبه) اهـ. ولأنه أيضاً

ص: 199

قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم فى معرفته ، وخص القيراط بالذكر لأنه أقل ما يقع به الأجارة فى ذلك الوقت ، أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل ، أفاده الحافظ (وفى حديث أبى هريرة) السادس من أحاديث الباب ما يدل على استئذان المشيع أولياء الميت فى الانصراف ، ولم يقل بذلك أحد إلا ما حكاه ابن عبد الحكم عن الأمام مالك أنه لا ينصرف إلا بأذن ، قال وهو قول جماعة من الصحابة (قلت) حديث أبى هريرة المذكور لا يصلح الاحتجاج به لضفعه (قال القاضى عياض) رحمه الله وفى اطلاق أحاديث الباب أشارة إلى أنه لا يحتاج المنصرف عن اتباع الجنازة بعد دفنها إلى استئذان ، وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وهو المشهور عن مالك أهـ (قلت) وقد أشار البخارى رحمه الله إلى ذلك فى صحيحه فقال (باب فضل اتباع الجنائز) وقال زيد ابن ثابت رضى الله عنه (إذا صليت فقد قضيت الذى عليك) وقال حميد بن هلال (ما علمنا على الجنازة إذنا ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط) اهـ (وتكلم الحافظ على أنر زيد ابن ثابت) فقال وصله سعيد بن منصور من طريق عروة عنه بلفظ (إذا صليم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينهاوبين أهلها) وكذا أخرجه عبد الرزاق لكن بلفظ (إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك) ووصله ابن أبى شيبة من هذا الوجه بلفظ الأفراد ومعناه فقد قضيت حق الميت ، فاذا أردت الاتباع فلك زيادة أجر (وتكلم أيضا على أنر حميد بن هلال) فقال لم أره موصولا عنه (قال الزين بن المنير) مناسبته للترجمة استعارة بأن الاتباع إنما هو لمحض ابتغاء الفضل ، وأنه لا يجرى مجرى قضاء حق أولياء الميت فلا يكون لهم فيه حق ليتوقف الانصراف قبله على الأذن منهم (قال الحافظ) وكأن البخارى أراد الرد على ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عمرو بن شعيب عن أبى هريرة قال (أميران وليسا بأميرين ، الرجل يكون مع الجنازة يصلى عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها _ الحديث) وهذا منقطع موقوف (وروى عبد الرزاق) مثله من قول ابراهيم ، وأخرجه ابن أبى شيبة عن المسور من فعله أيضا؛ وقد ورد مثله مرفوعا من حديث جابر، أخرجه البزار باسناد فيه مقال (وأخرجه العقيلى) فى الضعفاء من حديث أبى هريرة مرفوعا بأسناد ضعيف (وروى أحمد) من طريق عبد الله بن هرمز عن أبى هريرة (فذكر حديث أبى هريرة السادس من أحاديث الباب) ثم قال واسناده ضعيف ، قال والذى عليه معظم أئمة الفتوى قول حميد بن هلال (يعنى ما علمنا على الجنازة أذنا الخ) قال وحكى عن مالك أنه لا ينصرف حتى يستأذن أهـ. (تتمة) إعلم رحمنى الله وإياك أنه ورد الأمر بالصلاة على الجنازة واتباعها فى غير حديث (فما ورد) فى الصلاة على الميت قوله صلى الله عليه وسلم

ص: 200

(2)

باب ما يرجى للميت بكثرة المصلين عليه

(152)

عن مرثد بن عبد الله اليزنيّ عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن يموت فيصلّي عليه أمّه من المسلمين بلغوا أن يكونوا ثلاثة صفوفٍ إلَاّ غفر له، قال فكان مالك بن هبيرة يتحرَّى إذا قلَّ أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف

(صلوا على صاحبكم) رواه الشيخان والأمام أحمد وسيأتى قريبا فى باب ترك الأمام الصلاة على الغال وقاتل نفسه الخ ، وهذا أمر. وهو للوجوب (قال النووى رحمه الله وقد نقلوا الأجماع على وجوب الصلاة على الميت إلا ما حكى عن بعض المالكية أنه جعلها سنة ، وهذا متروك عليه لا يلتفت اليه أهـ ج (ومما ورد) فى اتباع الجنازة: حديث البراء بن عازب رضى الله عنهما (قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الداعى ونصر المظلوم) رواه الشيخان والأمام أحمد أيضا ، وسيأتى بأطول من هذا فى الباب السابع من كتاب الأدب والمواعظ والحكم من قسم الترغيب ان شاء الله تعالى ، والامر باتباع الجنازة والصلاة على الميت للوجوب على الكفاية كغسله وتكفينه ودفنه ، إذا قام به سقط عن الباقين ، ولكنه يستحب لهم لأحراز الثواب والله الموفق للصواب.

(152)

عن مرئد بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنا حماد بن زيد عن محمد بن اسحاق عن يزيد بن أبى حبيب عن مرثد بن عبد الله - الحديث (غريبه)(1) زاد ابن ماجه بعد قوله عن مالك بن هبيرة (الشامى وكانت له صحبة)(قلت) ويقال أيضا السكونى الكندى نزل مصر وولى حمص وكان أميرا لمعاوية على الجيوش وغزو الروم ، مات فى أيام مروان (ومرئد) بفتح الميم وسكون الراء وبالثاء الملثلثة المفتوحه ، فقيه ثقة (2) أى جماعة (3) يستفاد منه أن من صلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين غفر له ، وأقل ما يسمى صفا رجلان ولا حد لأكثره (4) يعنى اذا قل عدد المصلين على الجنازة جعلهم ثلاثة صفوف لاحراز الثواب المترتب على ذلك (تخريجه)(د. مذ. جه. هق. ك) وصححه ، وسكت عنه أبو داود والمنذرى (وقال الترمذى) حديث مالك بن هبيرة حديث حسن - رواه غير واحد عن محمد بن اسحاق ، وروى ابراهيم بن سعيد عن على بن إسحاق هذا الحديث وأدخل

ص: 201

(153)

عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا يموت أحد من المسلمين فيصلّى عليه أمَّه من النَّاس يبلغون أن يكونوا مائة فيشفعوا له إلا شفّعوا فيه

(154)

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله

(155)

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه

بين مرثد ومالك بن هبيرة رجلا ورواية هؤلاء اصح عندنا

(153)

عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل ثنا أيوب عن أبى قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيعا كان لعائشة (يعنى أخاها من الرضاع) عن عائشة - الحديث) (غريبه)(1) فيه استحباب تكثير جماعة الجنازة ، ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذى يكون من موجبات الفوز ، وقد قيد ذلك بأمرين (الأول) أن يكونوا شافعين فيه. أى مخلصين له الدعاء سائلين له المغفرة (الثانى) أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئا كما فى حديث ابن عباس الانى (تخريجه)(م. نس. مذ) وقال حديث عائشة حديث حسن صحيح ، وقد أوقفه بعضهم ولم يرفعه اهـ (قال النووى) قال القاضى عياض - رواه سعيد بن منصور موقوفا على عائشة فاشار إلى تعليله بذلك وليس معلنلا لأن من رفعه ثقة وزيادة الثقة مقبولة اهـ.

(154)

عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا على ابن اسحاق أنا عبد الله وعتاب قال ثنا عبد الله أنا سلام بن أبى مطيع عن أيوب عن أبى قلابة عن عبد الله رضيع عائشة عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة فيشفعون له إلا شفعوا فيه (قال سلام) حدثنا به شعيب بن الحبحاب ، فقال حدثنى به أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه) أخرجه مسلم بسند رواية الأمام أحمد ولفظها الا أنه قال (يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه قال فحدثت به شعيب بن الحبحاب الخ) وفى رواية أخرى للأمام أحمد بلفظ رواية مسلم

(155)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون قال أبو عبد الرحمن وسمعته أنا من هارون قال أنا ابن وهب حدثنى أبو صخر عن شريك أبن عبد الله بن أبى نمر عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو يعسفان ، فقال ياكريب انظر ما اجتمع له من الناس ، قال فخرجت فاذا ناس قد

ص: 202

وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلالا يشركون بالله إلا شفَّعهم الله فيه

(156)

عن ميمونة زوج النَّبيّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يصلىّ عليه أمَّه إلا شفّعوا فيه، قال أبو المليح ألأمَّة أربعون إلى مائةٍ فصاعداً

اجتمعوا له فأخبرته قال يقول هم أربعون ، قال نعم؛ قال أخرجوه فأنى سمعت رسول الله صلى الله علىيه وسلم يقول (مامن مسلم _الحديث)(تخريجه)(م. د. جه. هق)

(156)

عن ميمونة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن أبى بكار قال صليت خلف أبى المليح على جنازة، فقال أقيموا صفوفكم ، ولتحمن شفاعتكم ولو اخترت رجلا اخترته ، ثم قال حدثنى عبد الله بن سليط قال أبى وثنا أبو عبيدة الحداد قال حدثنى عبد الله بن سليط عن بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة وكان أخاها من الرضاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من مسلم _ الحديث)(غريبه)(1) هو أحد رجال السند ، وفسر الأمة هنا بأربعين فصاعدا إلى مائة ، وأبو المليح هذا هو الهذلى اسمه عامر بن أسامةبن عمير عن أبيه وعبد الله بن سليط وأنس وعائشة وجماعة ، وعنه سالم ابن أبى الجعد وقتادة وأيوب وطائفة ، وثقه أبو زرعة (قال الفلاس) مات سنة ثمان وتسعين؛ وقال ابن سعد سنة اثنتى عشرة ومائة (تخريجه)(نس) وسنده جيد. ورواه الطبرانى فى الكبير مطولا عن ميمونة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (من صلى عليه مائة شفعوا فى أخيهم ، والأمة أربعون إلى مائة ، والعصبة عشرة الى أربعين ، والنفر ثلاثة إلى عشرة)(قال الهينمى) فى اسناده القاسم بن مطيب وهو ضعيف (الأحكام) أحاديث الباب فيها الحث على كثرة المصلين على الجنازة ، وأن من صلى عليه جماعة من المسلمين مخلصين فى الدعاء له بالمغفرة شفعهم الله فيه ، وقبل دعاءهم ، وقدرت هذه الجماعة فى بعض الروايات بمائة انسان؛ وفى بعضها بأربعين ، وفى بعضها بثلاثة صفوف (قال القاضى عياض) رحمه الله ، قيل هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجاب كل واحد منهم عن سؤاله أهـ (وقال النووى) يحتمل أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به. ثم بقبول شفاعة أربعين. ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به ، ويحتمل أيضا أن يقال هذا مفهوم عدد ولا يحتج به جماهير الأصوليين ، فلا يلزم من الأخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك ، وكذا فى الأربعين مع ثلاثة صفوف ، وحينئذ كل الأحاديث معمول بها

ص: 203

(3)

باب مشروعية الصلاة على الأنبياء وعدم مشروعيتها على الشهداء

(157)

حدثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا وأبو كامل قالا ثنا حَّماد بن سلمة عن أبى عمران (يعنى الجونىَّ) عن أبى عسيبٍ أو أبى عسيمٍ قال بهز إنه شهد الصَّلاة على رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قالوا كيف نصلى عليه؟ قال أدخلوا أرسالاً أرسالاً قال فكانوا يدخلون من هذا

ويحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين أهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) استحباب جعل المصلين على الجنازة ثلاثة صفوف لحديث مالك بن هبيرة (وبه قالت الحنفية والشافعية والحنابلة (قال ابن قدامة فى المغنى (قال أحمد) أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم (يعنى الأمام) ثلاثة صفوف ، قالوا فان كان وراءه أربعة كيف يجعلهم؟ قال يجعلهم صفين فى كل صف رجلين ، وكره أن يكونوا ثلاثة ، فيكون فى صف رجل واحد ،وذكر ابن عقيل أن عطاء بن أبى رباح روى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكانوا سبعة ، فجعل الصف الأول ثلاثة والثانى اثنين والثالث واحدا (قلت وبنحو هذا قالت الحنفية) قالوا إذا كان عدد المصلين سبعة قدم واحد ، ثم ثلاثة ، ثم اثنان ، ثم واحد (قال ابن قدامة) ولا أحسب هذا الحديث صحيحا فانى لم أره غير كتاب ابن عقيل ، وأحمد قد صار الى خلافه وكره أن يكون الواحد صفا ، ولو علم أحمد فى هذا حديثا لم يعده إلى غيره ، والصحيح فى هذا أن يجعل كل اثنين صفا اهـ (قلت وبهذا قالت الشافعية) وقالوا إن أقل الصف اثنان (قال النووى) وأما النساء فان كن مع الرجال صلين مقتديات بأمام الرجال ، وإن تمحضن (قال الشافعى) وصاحب المهذب والأصحاب: استحب أن يصلين منفردات كل واحدة وحدها ، فان صلت بهن أحداهن جاز وكان خلاف الأفضل ، وفى هذا نظر ، وينبغى أن أمن لهن الجماعة كجماعتهن فى غيرها ، وقد قال به جماعة من الملف ، منهم الحسن بن صالح وسفيان النورى ، واحمد ، وأصحاب أبى حنيفة ، وغيرهم (وقال مالك) فرادى أهـ ج والله أعلم

(157)

حدثنا عبد الله (غريبه)(1)(أو) للشك من الراوى ، وقد اختلف المحدثون فى اسمة ، فذكره بعضهم بالباء الموحدة ، وبعضهم ذكره بالميم ، وعلى كل حال فهو صحابى لا تضر جهالته فضلا عن الاختلاف فى اسمه (2) أى أفواجا وفرقا متقطعة يتبع بعضهم بعضا ، واحدهم رسل بفتح الراء والسين (نه) والظاهر أن أبا عسيب علم ذلك جن النبى صلى الله عليه وسلم قبل موته ، فلما رأى الصحابة يسأل بعضهم بعضا عن كيفية الصلاة عليه

ص: 204

الباب فيصلوُّن عليه، ثمَّ يخرجون من الباب الأخر الحديث

(158)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنه قال في قتلى أحد لا تنسّلوهم، فإنَّ كلَّ جرحٍ أو كلَّ دم يفوح مسكاً يوم القيامة ولم يصلّ عليهم

(159)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال فدفنهم رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ولم يصلّ عليهم

صلى الله عليه وسلم إخبرهم بما علم ، ويؤيد ذلك ما رواه البيهقى بسنده عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه مطولا عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وفيه قلنا فمن يصلى عليك يارسول الله؟ فبكى وبكينا ، وقال مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خير؛ إذا غسلتمونى وحننطتمونى وكفنتمونى فضعونى على شفير قبرى ، ثم اخرجوا عن ساعة ، فان أول من يصلى على خليلاى وجليساى جبريل وميكائيل؛ ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة عليهم السلام ، وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتى ثم نساؤهم ، ثم ادخلوا على أفواجا أفواجا وفرادى فرادى ، ولا تؤذونى بباكية ولا مرنة ولا بضجة ، ومن كان غائبا من أصحابى فأبلغون عنى السلام - الحديث) وفد إسناد من ضغف -ورواه البزار بطوله أيضا من طرق متعددة ، لكنها لا تخلو من علة وربما يعتضد بكثرة طرقه ويشهد له حديث الباب (1) الحديث له بقية وسيأتى بمامه فى باب غسل النبى صلى الله عليه وسلم تكفينه والصلاة عليه من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد ، وأورده الهيثمى ، وقال راه أحمد ورجاله رجال الصحيح أهـ.

(158)

(عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ترك غسل الشهيد رقم 119 وإنما ذكرته هنا لمناسبة الترجمة

(159)

(عن أنس بن مالك رضى الله عنه) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الكفن من رأس المال الخ رقم 134 وذكرت هذا الجزء منه لمناسبة الترجمة أيضا (وفى الباب) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يصلون عليه حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء حتى إذا فرغوا أدخلوا الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن ماجه والبيهيقى (قال الحافظ)

ص: 205

(3)

باب ما جاء في الصلاة على الصغير والسقط وعدمها

(160)

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على

وإسناده ضعيف لأنه من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة (وعن الواقدى) قال حدثنى موسى بن محمد بن ابراهيم قال وجدت كتابا بخط أبى فيه أنه لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت ، فقال السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته ، وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر ، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر وهما فى الصف الأول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل اليه ونصح لأ مته وجاهد فى سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته وأومن به وحده لا شريك له فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذى أنزل معه ، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فانه كان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، لا نبتغى بالأيمان به بديلا ، ولا نشترى به ثمنا أبدا ، فيقول الناس امين ويخرجون ويدخل اخرون حتى صلى الرجال ثم النساء ثم الصبيان -ذكره الحافظ ابن كثير فى تاريخه ولم يتعقبه ، ثم قال وقد قيل (إنهم صلو عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء ، وقيل انهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه اهـ (الأحكام) حديث أبى عسيب رضى الله عنه مع ما ذكرنا فى الشرح يدل على مشروعية الصلاة على الانبياء عليهم الصلاة والسلام بعد وفاتهم وعلى أن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كانت فرادى بدون امام يؤم الناس فيها (قال ابن عبد البر) وصلاة الناس عليه أفرادا مجمع عليه عند أهل السير وجماعة اهل النقل لا يختلفون فيه ، وتعقبة ابن دحية بأن ابن القصار حكى الخلاف فيه هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أودعوا فقط.؟ وهل صلوا فرادى أو جماعة؟ واختلفوا فيمن أم بهم فقيل أبو بكر ، روى بأسناد (قال الحافظ) لا يصح ، وفيه حرام وهو ضعيف جدا (قال ابن دحية) هو باطل بيقين لضعف رواته وانقطاعه؛ قال والصحيح أن المسلمين ضلوا عليه أفرادا لا يؤمهم أحد ، وبه جزم الشافعى ، قال وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى وأمى وتنافسهم فى أن لا يتولى الامامة عليه فى الصلاة واحد (قال ابن حية) كان المصلون عليه ثلاثين ألفا اهـ (قلت) لو صح حديث ابن مسعود الذى ذكرته فى الشرح لكان رافعا للخلاف ونصا فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرادى ويكون من باب التعبد الذى أمرنا بفعله ولم نبحث عن حكمته. والله أعلم (بقى من أحاديث الباب) حديث جابر بن عبد الله وحديث أنس رضى الله عنهم ، وقد تقدم الكلام عليهما فى أحكام بابيهما وسبقت الاشارة الى ذلك والله أعلم

(160)

عن البراء بن عازب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود

ص: 206

ابنه إبراهيم ومات وهو أبن ستَّة عشر شهراً وقال إن له في الجنَّة من يتم رضاعه وهو صدّيق

(161)

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السّقط (وفي رواية الطّفل) يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرَّحمة

ابن عامر ثنا اسرائيل عن جابر عن البراء بن عازب - الحديث) (غريبه)(1) سيأتى فى حديث عائشة أنه توفى وهو ابن ثمانية شهرا (وفى رواية للبخارى) أنه توفى وله سبعة عشر شهرا أو ثمان عشر شهرا ، وتقدم الجمع بين هذه الروايات فى الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف فى الجزء السادس ، وفيه تحقيق يوم ميلادة ويوم وفاته بطريقة حساب علم الفلك ، وهى طريقة لم نسبق اليها فارجع اليه تجد ما يسرك (2) فى رواية عند مسلم (وإن له لظمئرين فى الجنة تكملان رضاعه فى الجنه) والمعنى أن له مرضعتين فى الجنه ثمان رضاعه سنتين ، لأنه توفى قبل بلوغهما والله تعالى يقول _ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) قال صاحب التحرير وهذا الأتمام لارضاع ابراهيم رضى الله عنه يكون عقب موته فيدخل الجنه متصلا بموته فيم فيها رضاعة كرامه له ولأبيه صلى الله عليه وسلم أهـ (3) الصديق الكثير الصدق القائم عليه ، وقبل من صدق الله فى وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث وقام بالأوامر فعمل بها فهو الصديق (فان قبل) إن هذه الصفات لا يتصف بها إلا الكبير الذى يعقل معناها. وابراهيم عليه السلام مات قبل تمام الرضاع كما فى حديث الباب فالحواب) أنه فطر على ذلك ولو عاش لكان كذلك والله أعلم (تخريجه)(هق) وفى إسناده جابر الجعفى ضعيف ، وروى الشيخان وغيرهما منه الجزء المختص بارضاع ابراهيم عليه السلام

(161)

عن المغيرة بن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم بن القاسم ثنا المبارك قال أخبرنى زياد بن جبير أبى عن المغيرة بن شعبة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال الراكب خلف الجنازة ، والماشى أمامها قريبا عن يمينها أو عن يسارها ، والسقط يصلى عليه -الحديث) (غريبه)(4) السقط بكسر السين. والولد ذكر كان أو أنثى يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق، يقال سقط الولد من بطن أمه سقوطا ، فهو سقط بالكسر والتثليث لغة ولا يقال وقع ، وأسقطت الحامل بالألف سقطا ، قال بعضهم وأماتت العرب ذكر المفعول فلا يكادون يقولون أسقطت سقطا ، ولا يقال أسقط الولد بالبناء له مفعول قاله فى المصباح (تخريجه)(نس. جه. هق. مذ) وقال حديث حسن صحيح

ص: 207

(162)

عن إسماعيل السُّدّي قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه قال قلت صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم قال لا أدرى، رحمة الله على إبراهيم لو عاش كان صدّيقاً نبياً

وأخرجه أيضا (حب. ك) وصححه وقال على شرط البخارى ومسلم بلفظ (السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالعافية والرحمة) وأخرجه بهذا للفظ الترمذى وصححه ، ولكن رواه الطبرانى موقوفا على المغيرة ورجح الدار قطنى فى العلل الموقوف ، والله أعلم

(162)

عن إسماعيل الحدى (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن اسماعيل الحدى _ الحديث) وفيه بعد قوله صديقا نبيا (قال (يعنى اسماعيل الحدى) قلت كيف أنصرف اذا صليت؟ عن يمينى أو عن يسارى؟ قال أما أنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه) وهذا الجزء الزائد تقدم نحوه حديثا مستقلا رقم 466 صحيفة 47 فى الجزء الرابع (غريبه)(1) أى لو قضى فى علم الله عز وجل أن يعيش ابراهيم لكان صديقا نبينا ، ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء ولا نبى بعد اقتضت ارادة الله تعالى أن يموت ابراهيم صغيرا ، ولا يخفى أن التعليق بالمحال يستلزم المحال ، ولا ينافى ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم ختم به النبوة ، ومثل هذا التعليق كثير فى كتاب الله عز وجل: قال تعالى (لئن أشركت ليحبضن عملك ولتكونن من الخاسرين) وقال عز من قائل (ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير) وقال عز وجل (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا. إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) والغرض أن الشرطية الحالية لا تسلتزم الوقوع ، ولو كان كذلك لزم كذب المتلك ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، والظاهر أن أنس رضى الله عنه سمع ذلك من النبى صلى الله عليه وسلم لأن مثله لا يقال بالرأى ، لا سيما وقد توارد عليه جماعة من الصحابة؛ وسيأتى ما يعضد رفعه (تخريجه) أخرجه ايضا ابن منده ، وتكلم بعضهم فى اسماعيل بن عبد الرحمن السدى ، ولكن صححه الحافظ ونقل ابن حجر المكى فى قتاواه الحديثية عن الحافظ السيوطى تصحيحه ، وله شاهد عند ابن ماجه من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال (لما مات ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن له مرضعا فى الجنة ، ولو عاش لكان صديقا نبيا ، ولو عاش لمتقت أخواله القبط وما اشترق قبطى) وفى اسناده ابراهيم بن عثمان الواسطى وهو ضعيف (وروى ابن ماجه) أيضا قال حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ئتا محمد بن بشير اسماعيل بن أبى خالد قال قلت

ص: 208

(163)

عن عائشة رضي الله عنها قالت لقد توفّى إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصلّ عليه

لعبد الله بن أبى أوفى رأيت ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال مات وهو صغير ، ولو قضى أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبى لعاش ابنه ولكن لا نبى بعده ، رواه البخارى فى صحيحه بعين سند ابن ماجه فى الأدب فى باب من سمى بأسماء الأنبياء ، ومثله للأمام أحمد وسيأتى فى باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله (وقد أنكر ابن عبد البر حديث أنس) حيث قال بعد إبراده فى التمهيد ، لا أدرى ما هذا. فيد ولد نوح غير نبى ، ولو لم يلد النبى الا أنبياء لكان كل واحد نبيا ، لأنهم من ولد نوح اهـ. وكأن النووى رحمه الله تبعه فى قوله حيث قال فى تهذيب الأسماء واللغات مانصه ، وأما ما روى عن بعض المتقدمين (لو عاش ابراهيم لكان نبيا (فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم أهـ ورد ذلك الحافظ رحمه الله فى لأصابة فقال وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة قال وكأنه لم يظهر له وجه تأويله فبالغ فى انكاره (وجوابه) أن القضية شرطية لا تستلزم الوقوع ولا نظن بالصحابى أنه يهجم على مثل هذا بظنه والله أعلم أهـ. وأورد الحافظ فى الفتح حديث ابن عباس الذى رواه البخارى ثم قال وروى أحمد وابن منده من طريق السدى ٍسألأت أنسا كم بلغ ابراهيم؟ قال كان قد ملأ المهد ولو بقى لكان نبيا ، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم اخر الأنبياء (ولفظ أحمد) لو عاش ابراهيم بن النبى صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا ولم يذكر القصة ، قال فهذه عدة أحاديث صحيحه عن هؤلاء الصحابة أنهم أطلقوا ذلك ، فلا أدرى ما الذى حمل النووى فى ترجمة ابراهيم المذكور من كتاب تهذيب الأسماء واللغات على استنكار ذلك ومبالغته أهـ (قلت والخلاصة) أنه ورد فى هذا الباب أحاديث كثيرة من طرق متعددة ، بعضها مرفوع ولكنه ضعيف وبعضها موقوف وإسناده صحيح ، فهى لكثرة طرقها يعضد بعضها بعضا فتنهض ، على أن الموقوف منها له حكم الرفع ويحتج به ، لأن مثله لا يقال بالرأى كحديث ابن أبى أوفى الذى رواه البخارى فى صحيحه وابن ماجه والأمام أحمد. فيتعين التسليم بها وعدم الأنكار عليها والله سبحانه وتعالى أعلم.

(163)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ئنا يعقوب قال ئنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى عبد الله بن أبى بكر بن محمد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضى الله عنها _الحديث) (تخريجه) أورده الحافظ فى الأصابة وقال اسناده حسن ، ورواه البزار وأبو يعلى ، وصححه ابن حزم ، لكن قال أحمد فى رواية

ص: 209

حنبل عنه حديث منكر (وقال الخطابى) حديث عائشة أحسن اتصالا من الرواية التى فيها انه صلى عليه: قال ولكن هى أولى (وقال ابن عبد البر) حديث عائشة لا يصح ، ثم قال وقد يحتمل أن يكون معناه لم يصل عليه فى جماعة أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم أهـ وسيأتى تحقيق المقام فى الأحكام (وفى الباب) عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال مات ابن لأبى طلحة فصلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم فقال أبو طلحة خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأم سليم خلف أبى طلحة كأنهم عرف ديك وأشار بيده ، رواه الأمام أحمد وسيأتى فى باب موقف المصلى من الرجل والمرأة اذا كان إماما أو منفردا (وعن أبى هريرة) عند ابن ماجه برفعه بلفظ (صلوا على أطفالكم فأنهم من أفراطكم) وإسناده ضعيف (وروى ابن سعد وأبويعلى) من طريق عطاء بن عجلان وهو ضعيف عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه ابراهيم وكبر عليه أربعا (وروى البزار) من طريق أبى نضرة عن ابى سعيد منله، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن معقل وهو ضعيف (وروى البيهقى فى الدلائل) من طريق سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه ابراهيم حين مات (وروى ابن أبى شيبة) فى مصنفه من الاثار عن خالد الأحدب ، قال سئل ابن عمر عن الصلاة على الأطفال قال لأن أصلى على من لا ذنب له أحب الى (وعن عمرو بن مرة) قال سألت ابن أبى ليلى قال أدركت بقايا الأنصار يصلون على الصبى من صبيانهم (وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى) قال ما تدع أحدا من أولادنا إلا صلينا عليه (وعن محمد بن سيرين) فى السقط ان استوى خلقه سمى وصلى عليه (وعن سعيد بن المسيب) قال اذا تم خلقه ونفخ فيه الروح صلى عليه (وعن معمر) عن الزهى فى المولود لا بصلى عليه ولا يورث حتى يستهل (وعن أبى الزبير عن جابر) قال اذا استهل صلى عليه وورث ، فاذا لم يستهل لم يصل عليه ولم يورث (وعن الشعبى منله) روى هذه الأثار ابن أبى شيبة فى مصفه (الأحكام) أحاديث الباب مع ما ذكرنا فى الشرح تدل على مشروعية صلاة الجنازة على الصبى وعلى السقط إذا استهل ، وتقدم معى السقط فى شرح حديثه؛ ومعنى استهل أى صرخ ، وأصل الأهلال رفع الصوت، وأما حديث عائشة فى نفى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم فيجمع بينه وبين الأحاديث المئبتة بأنها لم تعلم بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم عليه؛ وعلم غيرها. فأخبر كل بما علم والمنبت مقدم على النافى (وقد ذهب جمهور العلماء) إلى مشروعية الصلاة على الصبى (قال النووى رحمه الله أما الصبى فمذهبنا ومذهب جمهور السلف والخلف وجوب الصلاة عليه ، ونقل ابن المنذر رحمه الله الأجماع فيه ، وحكى اصحابنا عن سعيد بن جبير أنه قال: لا يصلى عليه ما لم يبلغ ، وخالف العلماء كافة ، وحكى العبدري عن بعض العلماء

ص: 210

أنه قال إن كان قد صلى صلى عليبه وإالافلا، وهذا أيضا شاذ مرودود واحتج له برواية من روى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه ابراهيم رضى الله عنه ، ولأن المقصود من الصلاة الاستغفار للميت وهذا لا ذنب له ، واحتج أصحابنا بعموم النصوص الواردة بالأمر بالصلاة على المسلمين ، وهذا داخل فى عموم المسلمين (وعن المغيرة بن شعبة) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الراكب خلف الجنازة. والماشى حيث شاء منها. والطفل يصلى عليه) رواه أحمد والنسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح ، وأجاب الأصحاب عن احتجاج سعيد بأن الروائة اختلفت فى صلاته صلى الله عليه وسلم على ابراهيم فأثبتها كثيرون من الرواة _ قال البيهقى وروايتهم أولى (قال أصحابنا) رحمهم الله فهى أولى لأوجه (أحدها) أنها أصح من رواية النفى (الثانى) أنها منبتة فوجب تقديمها على النافية كما تقرر (الثالث) يجمع بينهما فمن قال صلى أراد أمر بالصلاة عليه واشتغل هو بصلاة الكسوف (ومن قال لم يصل أآ لم يصل لنفسة (وأما الجواب) عن قوله المقصود المغفرة فباطل بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى المجنون الذى بلغ مجنونا واستمر حتى مات. وعلى من كان كافرا فأسلم ثم مات متصلابه من غير إحداث ذنب ، فان الصلاة ثابتة فى هذه المواضع بالاجماع ولا ذنب له بلا شك (قال وأما السقط) فله أحوال (أحدهما) أن يستهل فيجب غسله والصلاة عليه بلا خلاف عندنا ، ويكون كفنه ككفن البالغ ثلاثة أبواب (الثانى) أن يتحرك حركة تدل على الحياة ولا يستهل أو يختلج ، ففيه طريقان - المذهب وبه قطع صاحب المهذب والعراقيون يغسل ويصلى عليه قولا واحدا ، والثانى حكاه الخراسانيون فيه قولان ، وبعضهم يقول وجهان. أصحهما هذا ، والثانى حكاه الخراسانيون لا يصلى عليه (قال وقال مالك) لا يصلى علهي الا أن يختلج ويتحرك ويطول ذلك عليه ، وحكى ابن المنذر عن جابر بن زيد التابعى والحكم. وحماد (ومالك. والأوزاعى) وأصحاب الرأى: أنه إذا لم يستهل لا يصلى عليه (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما ، أنه يصلى عليه وإن لم يستهل ، وبه قال ابن سيرين وابن المسيب. وأحمد. وإسحاق (وقال العبدرى) إن كان له دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف يعنى بالأجماع ، وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء (وقال أحمد وداود رحمهما الله) يصلى عليه أهـ ج. وقال صاحب المنتقى انما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح وهو أن يستكمل أربعة أشهر، فاما إن سقط لدونها فلا ، لأنه ليس بميت. إذ لم ينفخ فيه روح ، وأصل ذلك حديث ابن مسعود قال حدثنا رسول الله علقة مثل ذلك. ثم يكون مضغة مثل ذلك. ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات يكتب رزقه

ص: 211

(5)

باب ترك الإمام الصلاة على الغال وقاتل نفسه ونحوها

(164)

عن زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله عنه أنَّ رجلاً من المسلمين توفي بخيبر، وأته ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلُّوا على صاحبكم قال فتغَّيرت وجوه القوم لذلك، فلمَّا رأى الذَّي بهم قال إنَّ صاحبكم غلَّ في سبيل الله، ففتَّشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود ما يساوى درهمين

(165)

عن سماك (ابن حربٍ) أنه سمع جابر بن سمرة رضي الله عنه

وأجله. وعمله. وشقى أم سعد. ثم ينفخ فيه الروح -متفق عليه) اهـ (قلت) هذا الحديث تقدم فى الجزء الأول فى باب تقدير حال الأنسان وهو فى بطن أمه من كتاب القدر (قال الشوكانى) ومحل الخلاف فيمن سقط بعد أربعة أشهر ولم يستهل ، وظاهر حديث الاستهلال أنه لا يصلى عليه وهو الحق ، لأن الاستهلال يدل على وجود الحياة قبل خروج السقط كما يدل على وجودها بعده ، فاعتبار الاستهلال من الشارع دليل على أن الحياة بعد الخروج من البطن معتبرة فى مشروعية الصلاة على الطفل وأنه لا يكتفى بمجرد العلم بحياته فى البطن فقط اهـ. والله أعلم

(164)

عن زيد بن خالد الجهنى (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن ممير عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى ويزيد قال ثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى عن ابن أبى عمرة عن أبى عمرة أنه سمع زيد بن خالد الجهنى قال يزيد إن أبا عمرة مولى زيد بن خالد الجهنى قال إنه سمع زيد بن خالد الجهنى يحدث أن رجلا من المسلمين - الحديث) (غريبه)

(1)

فيه جواز الصلاة على العصاة ، وأما ترك النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه فلعله للزجر عن الغلول كما امتنع من الصلاة على المديون وأمرهم بالصلاة عليه ، أما تغير وجوه القوم عند قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم (فلأنهم كانوا يعتقدون صلاح الرجل وأنه من المجاهدين فى سبيل الله ، فما الذى يمنع النبى صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه؟ فلما راهم كذلك أخبرهم بالسبب وه أنه (غل) يعنى خان فى الغنيمة قبل قسمها (2) فيه معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم لاخباره بذلك وظهر الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم ، وفيه أيضا دليل على تحريم الغلول وإن قل مقداره (تخريجه)(د. نس. جه) وسكت عنه أبو داود والمنذرى ورجاله رجال الصحيح

(165)

عن سماك بن حرب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 212

يقول مات رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال يا رسول الله مات فلان؟ قال لم يمت ثم أتاه الثَّانية، ثم الثاَّلثة فأخبره فقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كيف مات؟ قال نحر نفسه عشقصٍ

قال فلم يصلّ عليه (وفي روايةٍ) قال إذا لا أصلّى عليه

(166)

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعى لجنازة سأل عنها فإن أثنى عليها خير قام فصلَّى عليها، وإن أثنى عليها غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ولم يصلّ عليها

عبد الرزاق أنا اسرائيل عن سماك - الحديث (غريبه)(1) الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم (لم يمت) أن الذى بلغه تسرع فى التبليغ قبل موت الرجل معتقدا موته ثم مات بعد (2) بكسر الميم وفتح القاف جمعه مشاقص ، وهى سهام عراض (قال فى القاموس) مشقص كمنبر نصل عريض أوسهم فيه ذلك يرمى به الوحش أهـ (3) فى ذلك زجر وتأديب لمن فعل مثل هذا الرجل (تخريجه)(م. هق. والأربعة)

(166)

عن أبى قتادة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن أبيه حدثنى عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث) (غريبه)(4) يعنى شرا (قال أهل اللغه) الثناء بتقديم الثاء والمسد يستعمل فى الخير ولا يستعمل فى الشر هذا هو المشهور ، وفيه لغة شاذة أنه يستعمل فى الشر أيضا وأما النثا بتقديم النون وبالقصر فسيتعمل فى الشر خاصة ، وإنما استعمل الثناء الممدود هنا فى الشر مجازا لتجانس الكلام كقوله تعالى (وجزاء سيئة مثلها)(ومكروا ومكر الله) أفاده النووى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وصحح الحافظ اسناده (وفى الباب من الابار) عند ابن أبى شيبة فى مصنفه ، قال حدثنا وكيع عن أبى هلال عن أبى غالب قال قلت لأبى أمامة: الرجل يشرب الخمر فيموت يصلى عليه؟ قال نعم. لعله اضطجع عن فراشه مرة فقال لا إله إلا الله فغفر له بها (وله أيضا) حدثنا جرير عن مغيرة عن حماد عن ابراهيم قال يصلى عليه الذى قتل نفسه وعلى النقساء من الزنا وعلى الذى يموت مريضا من الخمر (وله أيضا) حدثنا عبد الله بن ادريسى عن هشام عن أبن سيرين قال ما أعلم أن أحدا من أهل العلم ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثما

ص: 213

(الأحكام) الحديث الأول والثاني من أحاديث الباب يدلان على مشروعية ترك الأمام الصلاة على الغال وعلى قاتل نفسه زجرا للناس عن ارتكاب مثل هذه الجرائم الفظيعة (أما الغلول) فقد أجمع العلماء على تحريمه ، وقد ورد فيه من الوعيد أحاديث كثيرة ستاتى فى بابه من كتاب الجهاد ان شاء الله تعالى (وأما من قتل نفسه) فقد ارتكب كبيرة من أعظم الكبائلا باجماع المسلمين ، وسيأتى ما ورد فيه فى كتاب القتل والجنايات وأحكام الدماء ، لهذا لم يصل النبى صلى الله عليه وسلم على من فعل ذلك وأمر أصحابه بالصلاة عليه (ويستفاد من حديث أبى قتادة) رضى الله عنه أن من ذمه الناس عند الأمام وشهدوا أمامه بسوء فعله كانت شهادتهم كافية فى عدم صلاته عليه ، والظاهر أن ذلك كان فى حق المنافقين ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن فى المدينة منافقين مندسين فى الصحابة ، والله تعالى أمره بعدم الصلاة عليهم فقال عز من قائل (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا - الأية) لهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دعى لجنازة سأل عنها (فان أتى عليها خير قام فصلى عليها ، وإن أتى عليها غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ولم يصل عليها) وحمله النووى على المنافقين أيضا (وقال الحافظ) برشد إلى ذلك ما رواه أحمد من حديث أبى قتادة باسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلى على الذى اثنوا عليه شرا اهـ (قلت) ولأنه لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه ترك الصلاة على مسلم غير الغال والقاتل نفسه ، فقد حكى صاحب المنتقى عن الأمام أحمد رحمه الله أنه قال ما نعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد الا على الغال وقاتل نفسه اهـ نعم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على من عليه دين لم يترك له وفاء ، ولكن ذلك كان فى أول الاسلام حيث لا مال فلما كثرت الأموال بسبب الغنائم صار صلى الله عليه وسلم يصلى على من مات وعليه دين لم يترك له وفاء ويوفى عنه من عنده كما ثبت فى حديث أنس وغيره عند الأمام أحمد وغيره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ترك ما لا فلأهله ، ومن ترك دينا فعلى الله عز وجل وعلى رسوله)(وفى الباب غير ذلك) سيأتى مع الكلام عليه فى باب عدم صلاة الفاضل على من مات وعليه دين الخ من كتاب القرض والدين ان شاء الله تعالى (وقد اختلف العلماء) فى أحكام أحاديث الباب ، فحكى ابن قدامة فى المغنى عن الأمام أحمد رحمه الله أنه قال: لا يصلى الأمام على الغال ولا على من تقل نفسه متعمدا ، ويصلى عليه سائلا الناس ، نص عليهما أحمد (قال) وقال أحمد لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهدهم من شاء ، وقد ترك النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة على أقل من هذا ، الدين والغاول وقاتل نفسه ، وقال لا يصلى على الرافضى (قال) وقال أحمد أهل البدع لا يعادون إن مرضوا ولا نشهد جنائزهم أن ماتوا ، وهذا قول مالك (قال ابن قدامة) ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة

ص: 214

(6)

باب هل يصلي الإمام على من قتل في حد أم لا

(167)

عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن أمرأة من جهينة اعترفت عند رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بزناً، وقالت أنا حبلى، فدعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وليها، فقال أحسن إليها فإذا وضعت

بأدون من هذا فأولى أن نترك الصلاة به ، وروى ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن لكل أمة مجوسا ، وإن مجوس أمتى الذين يقولون لا قدر ، فان مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أحمد (قلت) تقدم هذا الحديث فى الباب الخامس من كتاب القدر صحيفة 140 فى الجزء الأول وهو حديث صحيح (قال) وقال عمر بن عبد العزيز والأوزاعى لا يصلى على قاتل نفسه بحال ، لأن من لا يصى عليه الأمام لا يصلى عليه غيره (قلت) وواففهم أبو حنيفة فى الباغى والمحارب (قال) وقال عطاء والنخعى والشافعى: بصلى الامام وغيره على كل مسلم (وقال ابن عبد البر) إن سائر العلماء يصلون على أهل البدع والخواج وغيرهم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم صلوا على من قال (لا إلا الله محمد رسول الله اهـ (قلت) هذا الحديث غير صحيح، ضعفه أئمة الحديث فلا ينهض للاحتجاج به (وذهب ابن حزم) الى أنه يصلى على كل مسلم بر أو فاجر مقتول فى حد أو فى حرابة أو فى بغى ، ويصلى عليهم الأمام وغيره ، وكذلك على المبتدع ما لم يبلغ الكفر وعلى من قتل نفسه وعلى من قتل غيره ، ولو أنه شر من على ظهر الأرض اذا مات مسلما ، لعموم أمر النبى صلى الله عليه وسلم بقوله (صلوا على صاحبكم) والمسلم صاحب لنا ، قال تعالى (نما المؤمنون أخوه) وقال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض) فمن منع الصلاة على مسلم فقد قال قولا عظيما ، وأن الفاسق لأ حوج الى دعاء اخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

(167)

عن عمران بن حصين (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن أبى قلابة عن ابى المهلب عن عمران بن حصين (الحديث)(غريبه)(1) فى رواية أخرى عن الأمام أحمد ومسلم (جاءت امرأة من غامد) بغين معجمة ودال مهملة ، وهى بطن من جهينة (2) هذا الأمر بالأحسان له سببان (أحدهما) الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها فأوصى بالأحسان اليها تحذيرا لهم من ذلك (والثانى) أمر به رحمة لها

ص: 215

فأخبرني ففعل فأمر بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فشكَّت عليها ثيابها، ثمَّ أمر يرجمها فرجمت، ثم صلَّى عليها فقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يار سول الله رجمتها، ثم تصلّى عليها؟ فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت شيئاً أفضل من أن جادت بنفسها لله تبارك وتعالى

(168)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً من أسلم جاء إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزّنا فأعرض عنه ثم اعترف فأعرض عنه حتَّى شهد على نفسه أربع مرَّاتٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبك جنون قال لا، قال أحصنت؟

إذ قد تابت ، وحرض على الاحسان عليها لما فى نفوس الناس من النفرة من مثلها وإسماعها الكلام المؤذى ونحو ذلك فنهى عن هذا كله (1) فيه أن الحامل لا يقام عليها الحد إلا بعد الوضع سواء أكان الحد رجما أم جلدا (2) قال النووى: هكذا فى معظم النسخ وفى بعضها فشدت بالدال بدل الكاف وهو معنى الأول؛ وفى هذا استحباب جمع أثوابها عليها وشدها بحيث لا تنكشف عورتها فى تقلبها وتكرار اضطرابها (واتفق العلماء) على أنها لا ترجم إلا قاعدة ، وأما الرجل فجمهورهم على أنه يرجم قائما (وقال مالك) قاعدا. وقال غيره يخير الأمام بينهما (3) أى صلاة الجنازة وهو حجة للقائلين بأن الأمام يصلى على من قتل فى حد لأن الحد طهره من الذنب (تخريجه)(م. هق. والأبعة)

(168)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ئنا عبد الرزاق ئنا معمر عن الزهرى عن أبى سلمة عن جابر _ الحديث) (غريبه)(4) هو ماعز بن مالك (5) إنما أعرض عنه صلى الله عليه وسلم لعله يرجع عن الاعتراف بشبهة مثلا فيقبل رجوعه ، وهذا جائز فى الحدود (6) إنما قال النبى صلى الله عليه وسلم ذلك له ليتحقق حاله فان الغالب أن الانسان لا يصر على الأقرار بما يقتضى قتله من غير سؤال مع أن له طريقا إلى سقوط الائم بالتوبة ، وفيه اشارة الى أن اقرار المجنون باطل وأن الحدود لا تجب عليه ، وهذا كله مجمع عليه (وقوله أحصنت) يعنى تزوجت قبل الزنا ، وفيه أن الأمام يسأل عن شروط الرجم من الأحضان وغيره سواء ثبت بالأقرار أم بالبينة ، وفيه مؤاخذة الإنسان

ص: 216

قال نعم، فأمر به النَّبي صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلّى فلمَّا أذلقته الحجارة مرَّ فأدرك فرجم حتّى مات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ولم يصلّ عليه

بإقراره ، قال النووي (1) قال البخارى وغيره من العلماء فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يكن قد وقف مسجدا لا يثبت له حكم المسجد ، إذ لو كان له حكم المسجد لتجنب الرجم فيه وتلطخه بالدماء والميتة ، قالوا والمراد بالمصلى هنا مصلى الجنائز ، ولهذا جاء فى بعض الروايات فى بقيع الغرقد وهو موضع الجنائز بالمدينة ، وذكر الدرامى أن المصلى الذى للعيد وغيره اذا لم مسجدا هل يثبت له حكم المسجد؟ فيه وجهان ، أصحهما ليس له حكم السمجد والله أعلم (2) هو بالذال المعجمة وبالقاف، أى أصابته يحسدها وقوله (مر) أى هرب كما فى رواية عند مسلم (3) أى ذكره بجميل ، وفى رواية للأمام أحمد: ستأتى فى كتاب الحدود فى حد الزنا من حديث أبى ذر فقال (غفر له وأدخل الجنه)(4) فى رواية للبخارى فقال له النبى صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه (قال الحافظ) هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وخالفه محمد بن يحيى الذهلى وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا فى اخره ولم يصل عليه (قال المنذرى) فى حاشية الحنن ، رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله وصلى عليه ثم ذكر الحافظ أكثر من عشرة أنفس خالفوا محمودا منهم من سكت عن الزيادة ومنهم من صرح نبفيها أهـ (تخريجه)(ق. هق. والأربعة)(الأحكام) حديث عمر ان بن حصين يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى عليه من قتل بحد الرجم ، وحديث جابر يدل على عدم الصلاة عليه وكلاهما صحيح ، فحديث جابر محمول على أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز حين رجم وصلى عليه بعد ذلك ، لما ثبت فى رواية عند البخارى تقدمت (أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له خيرا وصلى عليه) والمثبت مقدم على النافى (وقد جمع الحافظ رحمه الله بين الروايتين فقال: قد أخرج عبد الرزاق أيضا وهو فى السنن لأبى قرة من وجه قال لأ ، قال قلما كان من الغد قال ، صلوا على صاحبكم فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسمل والناس فهذا الخبر يجمع بني الاختلاف ، فتحمل رواية النفى على أنه لم يصل عليه حين رجم ، ورواية الأثبات على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه فى اليوم الثانى، وكذا طريق الجمع لما أخرجه أبو داود (عن بريدة) أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالصلاة على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه ، وبتأيد بما أخرجه مسلم من حديث عمران بن حصين فى قصة الجهنية التى زنت ورجمت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى عليها (فقال له عمر) أتصلى عليها وقد زنت؟ فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين

ص: 217

(7)

باب ما جاء في الصلاة على الغائب

(169)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نعى لنا رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم النَّجاشيَّ في اليوم الذَّي مات فيه فخرج

لو سمعتهم (قلت وهذا جمع حسن وبه رحج أن النبى صلى الله عليه وسمل صلى على ماعز بن مالك)(قال) وقد اختلف أهل العلم فى هذه المسأل ، فقال (مالك) يأمر الأمام بالرجم ولا يتولاه بنفسه ولا يرفع عنه حتى يموت ، ويخلى بينه وبين أهله يغسلونه ويصلون عليه ، ولا يصلى عليه الأمام ردها لأهل المعاصى اذا علموا أنه ممكن لا يصلى عليه ، ولئلا يجترئ النا سعلى مثل فعله ، وعن بعض المالكية يجوز للأمام أن يصلى عليه (وبه قال الجمهور) والمعروف عن مالك أنه يكره للأمام وأهل الفضل الصلاة على المرجوم (وهو قول أحمد)(قلت) لم أقف على نص فى كراهية الصلاة على المرجوم للأمام أحمد والله أعلم (قال)(وعن الشافعى) لا يكره وهو قول الجمهور (وعن الزهرى) لا يصلى على المرجوم ولا على قاتل نفسه (وعن قتادة) لا يصلى على المولود من الزنا ، وأطلق عياض فقال لم يختلف العلماء فى الصلاة على أهل الفسق والمعاصى والمقتولين فى الحدود وان كره بعضهم ذلك لأهل الفضل الا ما ذهب اليه ابو حنيفة فى المحاربين ، وما ذهب اليه الحسن فى الميتة من نفاس الزنا ، وما ذهب اليه الزهرى وقتادة ، وقال وحديث الباب فى قصة الغامدية حجة للجمهور ، والله سبحاة وتعالى أعلم أهـ.

(169)

عن أبى هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن مالك قال أخبرنى الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة - الحديث) (غريبه)(1) فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأ علامه يموت النجاشى وهو فى الحبشة فى اليوم الذى مات فيه ، والمراد بالنعى هنا الأعلام بالميت وهو مستحب لاعلى صورة نعى الجاهلية ، بل مجرد إعلام للصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه فى ذلك ، أما النعى المنهى عنه فهو نعى الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها ، وقد تقدم الكلام عليه فى بابه (والنجاشى) قال الحافظ بفتح النون وتخفيف الجيم من ملك الحبشة ، وحكى المطرزى تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه اهـ ، ومن ملك الحبشة النجاشى ، ومن ملك الروم قيصر ، ومن ملك الفرس كسرى ، ومن ملك الترك خاقان ، ومن ملك القبط فرعون

ص: 218

إلى المصلى فصفَّ أصحابه خلفه وكَّبر عليه أربعاً

(170)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم مات اليوم رجل صالح من الحبش هلم فصفُّوا، قال فصففنا فصلّى النّبي صلى الله عليه وسلم ونحن (وعنه من طريقٍ ثان) قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مات اليوم عبد الله صالح أصحمة فقوموا فصلوا عليه

ومن ملك مصر العزيز ، ومن ملك اليمن تبع ، ومن ملك حمير القيل بفتح القاف ، وقبل القيل أقل درجة من الملك (1) يحتمل أن يراد بالمصلى مصلى العيدين ، ويحتمل أن يراد مصلى الجنائز ببقيع الغرقد. والله أعلم (2) فيه دليل على أن التكبير على الجناز يكون أربعا وسيأتى الكلام عليه فى بابه (تخريجه)(ق. هق. والأمان. والأربعة. وغيرهم)

(170)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ئنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرنى عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبى صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث) ثم قال حدثنى أبى ئنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن عطاء عن جابر فذكر الحديث) وقال اسم النجاشى صحمة (غريبه)(3) بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة ، وقد أبهم أسمه فى هذه الرواية وصرح به فى الطريق الثانية بقوله مات اليوم عبد الله صالح أصحمة ، وكذا عند مسلم ، وللبخارى فى مجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة (4) هذا أخر الحديث عند الأمام أحمد ، زاد فى رواية للبخارى (ونحن صفوف. قال أبو الزبير عن جابر كنت فى الصف الثانى)(5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ئنا يحيى عن ابن جريج ئا عطاء عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مات اليوم - الحديث) (6) قال النووى هو يفتح الهمزة وإسكان الصاد وفتح الحاء والميم المهملتين وهذا الذى وقع فى رواية مسلم هو الصواب المعروف فيه ، وهكذا هو فى كتب الحديث والمغازى وغيرها؛ ووقع فى مسند ابن أبى شيبة فى هذا الحديث تسميته صحمة بفتح الصاد واسكان الحاء، وقال هكذا قال لنا يزيد وإنما هو صمحة (يعنى بتقديم الميم على الحاء) وهذان شاذان والصوب أصحمة بالألف (قال ابن قتيبة) وغيره ومعناه بالعربية عطية أهـ (قلت) تسميه بصحمة جاءت عند الأمام أحمد من طريق قتادة عن عطاء عن جابر ، وذكرنا ذلك بعد ذكر سند الطريق الأول من هذا الحديث ، وجاءت فى الحديث الاتى أيضا من طريق قتادة عن أبى الطفيل عن حذيفة

ص: 219

فقام فأمنا فصلَّى عليه

(171)

عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يومٍ، فقال صلُّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم، قالوا من هو يا رسول الله قال صحمة النَّجاشيُّ، فقاموا فصلَّوا عليه

172 عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ أخاكم النَّجاشيَّ قد مات فقوموا فصلُّوا عليه، قال فقمنا فصففنا عليه كما نصف على الميّت وصلينا عليه كما نصلّى على الميّت

(183)

عن جرير (بن عبد الله) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

والظاهر أنه كان يقال له صحمة وأصحمة ، وإن كان بالهمز أشهر والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرها)

(171)

عن خذيفة بن أسيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ئنا سعيد مولى بن هاشم قال ئنا المئنى بن سعيد قال ئنا قتادة عن أبى الطفيل عن حذيفة بن أسيد _ الحديث) (تخريجه)(جه) وأبو داود الطيالسى والضياء المقدسى وابن قالع (ورواه الطبرانى) عن حذيفة بن أسيد أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه موت النجاشى فقال لأصحابه (ان أخاكم النجاشى قد مات فمن أراد أن يصلى عليه فليصل عليه) فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الجنة فكبر عليه أربعا - أورده الهينمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير واسنا هـ حسن

(172)

عن عمران بن حصين (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ئنا عفان ئنا بشر بن المفضل ئنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن أبى المهلب عن عمران أبن حصين _ الحديث) (غريبه)(1) يعنى الميت الحاضر ، وكذلك قوله وصلينا عليه كما نصلى على الميت (يعنى الحاضر) وإنما قال ذلك لئلا يتوهم أنهم صلوا عليه صلاة ليست كصلاة الحاضر؛ فنص على أنها كانت كصلاة الحاضر فى الصفوف والتكبير والدعاء ونحو ذلك (تخريجه)(نس. مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه أبو قلابة عن همه أبى المهلب عن عمران بن حصين وأبو المهلب اسمه عبد الرحمن ابن عمرو. ويقال له معاوية بن عمرو اهـ

(173)

عن جرير بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 220

إن أخاكم النجَّاشيَّ قد مات فاستغفروا له

(174)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله

(175)

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلَّى على النَّجاشيّ

موسى بن داود ومحمد بن عبد الله بن الزبير قال ثنا شريك عن أبى اسحاق عن عامر بن جير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث) (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد ، ورواه الطبرانى فى الكبير عن جرير أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن النجاشى قد مات فصلوا عليه) أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات أهـ (قلت) فيكون المراد بقوله فى حديث الباب (فاستغفروا له) أى صلو عليه صلاه الجنازة ، وعبر عنها بالاستغفار لاشمالها على الدعاء للميت بالمغفرة والله أعلم.

(174)

عن أبى هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن الزهرى عن أبى سلمة عن ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات النجاشى أخبرهم أنه قد مات فاستغفروا له (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد ، ورواه الشيخان والأمامان والأربعة وغيرهم عن أبى هريرة بغير هذا اللفظ وهو الحديث الأول من أحاديث الباب.

(175)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا على بن زيد عن رجل عن أبن عباس - الحديث) (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده رجل لم يسم (وفى الباب عن ابن عمر) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشى عليه أربعا ، رواه البزار والطبرانى فى الأوسط ورجال الطبرانى رجال الصحيح (وعن أبى سعيد الخدرى) رضى الله عنه قال لما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وفاة النجاشى قال اخرجوا فصلوا على أخ لكم لم تروه قط ، فخرجنا وتقدم النبى صلى الله عليه وسلم وصفنا خلفه فصلى وصلينا ، فلما انصرفنا قال المنافقون انظروا إلى هذا خرج فصلى على علج نصرانى لم يره قط ' فأنزل الله (وإن من أهل الكتاب لم يؤمن بالله - الخ الأيه) رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه عبد الرحمن بن أبى الزناد وه ضعيف (وله شاهد يقويه) عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشى حين نعى ، فقيل يارسول الله تصلى على عبد حبشى؟.فأنزل الله عز وجل (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله - الآية)

ص: 221

رواه البزار الطبراني في الأوسط ورجال الطبراني ثقات (وعن ابن خارجة) قال لما بلغ النبي صلي الله عليه وسلم وفاة النجاشي قال "إن أخاكم قد توفي فخرجنا فصففنا خلفه فصلينا وما نري شيئاً، رواه الطبراني في الكبير وفيه حمران بن أعين وثقه أبو حاتم وضعفه ابن معين، وبقية رجالة ثقات، هذه الأحاديث أوردها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد مع تخريجها وبيان درجاتها (الأحكام) أحاديث الباب مع ما ذكرنا قي الشرح تدل علي مشروعية الصلاة علي الميت الغائي (قال الحافظ) وبذلك (قال الشافعي وأحمد) وجمهور السلف حتي قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه (قال وعن الحنفية والمالكية) لا يشرع ذلك؛ وعن بعض أهل العلم إنما يجوز في ذلك اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة، حكاه ابن عبد البر (وقال ابن حبان) إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة. فلو كان بلد الميت مستدير القبلة مثلاً لم يجز (قال المحب الطبري) لم أر ذلك لغيره، وحجته حجة الذي قبله الجمود علي قصة النجاشي، وستأتي حكاية مشاركة الخطابي لهم في الجمود، وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة علي الغائب، عن قصة النجاشي بأمور (منها) أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد فتعينت الصلاة عليه لذلك، ومن ثم قال الخطابي لا يصلي علي الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه، واستحسنه الروياني من الشافعية، وبه ترجم أبو داود في السنن "الصلاة علي المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر" وهذا محتمل إلا أنني أقف في شيء من الأخبار علي أنه لم يصل عليه في بلدة أحد، ومن ذلك قول لبعضهم كشف له صلي الله عليه وسلم، عنه حتى رآه، فتكون صلاته عليه كصلاة الأمام علي ميت رآه ولم يره المأمون، ولا خلاف في جوازها (قال ابن دقيق العيد) هذا يحتاج إلي نقل ولا يثبت بالاحتمال، وتعقبه بعض الحنفية بأن الاحتمال كاف في مثل هذا من جهة المانع، وكأن مستند قائل ذلك ما ذكره الواقدي في أسبابه "يعني كتاب أسباب النزول" بغير إسناد "عن اين عباس" قال كشف للنبي صلي الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلي عليه (ولا بن حبان) من حديث عمران بن حصين فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه، أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحي بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه (ولأبي عوانة) من طريق أبان وغيره عن يحي فصلينا خلفه ونحن لا نري إلا أن الجنازة قدامنا (ومن الاعتذارات أيضاً) أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلي الله عليه وسلم صلي علي ميت غائب (قال المهلب) وكأنه لم يثبت عنده قصه معاوية الليثي وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلي مجموع طرقه، واستند من قال بتخصيص النجاشي لذلك إلي ما تقدم من إدارة اشاعة أنه مات مسلماً أو استئلاف قلوب الملوك الذين

ص: 222

(8)

باب الصلاة على القبر بعد الدفن

(176)

حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا عفَّان حدَّثنا حمَّاد بن زيد ثنا ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن إنساناً كان يقم المسجد أسود مات أو ماتت ففقدها النَّبي صلي الله عليه وسلم فقال ما فعل الإنسان

أسلموا في حياته صلي الله عليه وسلم (قال النووي) لو فتح باب هذا الخصوص لا انسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شيء مما ذكره لتوفرت الدواعي علي تقله (وقال ابن العربي المالكي)(قال المالكية) ليس ذلك إلا لمحمد صلي الله عليه وسلم قلنا وما عمل به محمد صلي الله عليه وسلم تعمل به أمته يعني لأن الأصل عدم الخصوصية (قالوا) طويت الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه (قلنا) إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثاً من عند أنفسكم، ولا تحدقوا إلا بالثابتات، ودعوا الضعاف فأنها سبيل إتلاف إلي ما ليس له تلاف (وقال الكرماني) قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع ولئن سلمنا فكان غائباً عن الصحابة الذين صلَّوا عليه مع النبي صلي الله عليه وسلم "قلت" وسبق إلي ذلك الشيخ أبو حامد في تعليقه ويؤيده حديث مجمع بن جارية بالجيم في قصة الصلاة علي النجاشي قال "فضفضنا خلفه صفين وما تري سيئاً" أخرجه الطبراني وأصله في ابن ماجه، لكن أجاب بعض الحنفية عن ذلك بما تقدم من أية يصير كالميت الذي يصلي عليه الأمام وهو يراه ولا يراه المأمومون فأنه جائز اتفاقا، أفاده الحافظ (قلت وقصارى القول) أن القائلين بمشروعية صلاة الجنازة علي الغائب حجتهم أقوي لأنها تتمشي مع الدليل بدون تكلف ولا تأويل، أما المانعون منها فلم يأتوا بشيء يعتد به سوي الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلي عليه فيها، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ولا دليل إلا أن النجاشي كان في بلد ليس فيه من يصلي عليه، وهذا بعيد، لأنه كان ملك الحبشة وقد أظهر إسلامه، فيبعد جداً أنه لم يوافقه أحد علي الإسلام حتى من حاشيته وأهل بيته يصلي عليه، وحينئذ فدليلهم مبني على الاحمّال، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، والله أعلم بحقيقة الحال.

(176)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) هو ثابت البنانى بضم الباء الموحدة الذي يروى كثيراً عن أنس بن مالك (وأبو رافع) هو الصائغ تابعى كبير (قال الحافظ) ووهم بعض الشراح فقال إنه أبو رافع الصحابى، وقال هو من رواية صحابى عن صحابي وليس كما قال، فان ثابتا البنانى لم يدرك أبا رافع الصحابى (2) بقاف مضمومة أي تكنسه وتجمع القمامة وهى الكناسة (3) شك الراوى في الميت هل هو رجل أو امرأة (وفي رواية للبخاري)

ص: 223

الذَّي كان يقمُّ المسجد، قال فقيل له مات، قال فهلَاّ آذنتموني به فقالوا كان ليلا، قال فدلوُّني علي قبرها، قال فأتي القبر فصلَّي عليها، قال ثابت عند ذلك أو في حديث آخر، إنَّ هذه القبور مملوءة ظلمة علي أهلها، وإنَّ الله عز وجل ينوِّرها بصلاتي عليهم

(177)

عن أنس (بن مالك رضي الله عنه أنَّ أسود كان ينظِّف المسجد فمات فدفن ليلاً وأتي النَّبي صلي الله عليه وسلم فأخبر فقال انطلقوا إلي قبره فانطلقوا إلي قبره، فقال إنَّ هذه القبور ممتلئة علي أهلها ظلمةً، وإنَّ الله

عن حماد بهذا الإسناد أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء، وله في رواية أخري عن حماد أيضاً بسند حديث الباب "أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ولا أراه إلا امرأة"(قال الحافظ) الشك فيه من ثابت لأنه رواه عنه جماعة هكذا أو من أبي رافع، قال ورواه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحيم عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء ولم يشك - ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها أم محجن؛ وأفاد أن الذي أجاب النبي صلي الله عليه وسلم عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق، وذكر ابن منده في الصحابة خرقاء امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ووقع ذكرها في حديث حماد بن أبي زيد عن ثابت عن أنس، وذكرها ابن حبان في الصحابة بذلك بدون ذكر السند، فإن كان مخفوظاً فهذا اسمها، وكنيتها أم محجن اهـ أي أعلمتوني يشك حماد هل سمع هذه الجملة من ثابت ضمن حديث أبي هريرة وهي قوله "إن هذه القبور الخ - الحديث" أو سمعها منه في حديث آخر، ولم يخرج البخاري هذه الزيادة أي الجملة المشار إليها، وأخرجها مسلم من رواية ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة؛ وهي عند الأمام أحمد أيضاً من رواية ثابت عن أنس وستأتي؛ وأخرجها أيضاً اين منده وأبو داودالطيالسي والبيهقي كذلك (تخريجه)(ق. جه. هق. ك. حب. وغيرهم)

(177)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان ابن داود ثنا أبو عامر يعنى الجراز عن ثابت عن أنس بن مالك - الحديث" (غريبه)(3) المراد بالأسود هنا المرأة التي كانت تقم المسجد كما تقدم تحقيقه في شرح الحديث

ص: 224

عزَّ وجل ينوِّرها بصلاتي عليها فأتي القبر فصلَّي عليه وقال رجل من الأنصار يا رسول الله إن أخي مات ولم تصلِّ عليه، قال فأين قبره؟ فأخبره فانطلق رسول الله صلي الله عليه وسلم مع الأنصاري.

(178)

وعنه أيضاً أنَّ رسول الله صلَّي الله عليه وسلم صلَّي علي قبر امرأة قد دفنت

(179)

عن يزيد بن ثابت رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فلمَّا وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه، فقيل فلانة فعرفها فقال إلا آذنتموني بها؟ قالوا يا رسول الله كنت قائلاً صائماً فكر هنا أن نؤذنك، فقال لا تفعلوا لا يموتنَّ فيكم ميِّت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه له رحمة؛ قال ثم أتي القبر فصفَّنا

السابق، واسمها خرقاء وكنيتها أم مِحجَن والأحاديث يفسر بعضها بعضا (1) احتج به المانعون من الصلاة على القبر فقالوا إن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، لأن الله ينور قبورهم بصلاته عليها، وسيأتى الكلام على ذلك في الأحكام (2) لم يذكر الراوى غير ذلك لأنه لم يذهب معهما فلا يدرى إن كان صلى أم لا، والظاهر من السياق أنه صلى، والله أعلم (تخريجه)(هق) وابن منده وأبو داود الطيالسى، وأورده الهيثمى بلفظه وقال في الصحيح طرف منه، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اهـ.

(178)

وعنه أيضاً (سنده) حدّنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب بن الشهيد عن ثابت عن أنس - الحديث" (تخريجه) (بز. هق) ورواه مسلم من طريق شعبة أيضاً بسند حديث الباب مختصرا بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر" والظاهر أن هذا القبر هو قبر المرأة التي كانت تقم المسجد وهو الغالب، ويحتمل غيرها والله سبحانه وتعالى أعلم.

(179)

عن يزيد بن ثابت (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا عثمان بن حكيم الأنصارى عن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت - الحديث" (غريبه) (3) الظاهر أنها المرأة التي كانت تقم المسجد وقوله صلى الله عليه وسلم "ألا آذنتمونى" معناه ألا أعلمتمونى بموتها لأصلى عليها (4) أي لا تعودوا إلى مثل ذلك (5) أي على

ص: 225

خلفه وكبَّر عليه أربعاً

(180)

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلي الله عليه وسلم صلَّى علي صاحب قبر بعد ما دفن (ومن طريق ثان) عن شعبة قال سمعت سليمان الشيَّباني قال سمعت الشعبي قال أخبرني من مرَّ مع رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم على قبر منبوذ فأمَّهم وصفوا خلفه، فقلت

الميت سواء أكان ذكر أم أنثي (تخريجه)(نسق. هق) وسنده جيد (قال البيهقي) وروي فيه عن عامر بن ربيعة وبريدة عن النبى صلى الله عليه وسلم (قلت) أما حديث عامر بن ربيعة فرواه ابن ماجه "أن امرأة سوداء ماتت لم يؤذن بها النبى صلي الله عليه وسلم فأخبر بذلك فقال هلا آذنتمونى بها؟ ثم قال لأصحابه صفوا عليها فصلى عليها" وسنده جيد، (وأما حديث بريدة) فرواه أيضاً ابن ماجه مختصراً بلفظ (ان النبى صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد ما دفن" ورواه البيهقى مطولا ولفظه أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبر جديد حديث عهد بدفن ومعه أبو بكر فقال قبر من هذا؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هذه أم محجن كانت مولعة بلقط القذى من المسجد، فقال أفلا آذنتمونى؟ فقالوا كنت نائماً فكر هنا أن نهجيك "أى نزعجك" قال فلا تفعلوا فان صلاتى على موتاكم نور لهم فى قبورهم، قال فصف أصحابه فصلى عليها (قلت) هذا الحديث والذى قبله يدلان على أن المراد بالمرأة فى حديث يزيد ابن ثابت هى التى كانت تقم المسجد والله اعلم.

(180)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الشيبانى عن الشعبى عن ابن عباس - الحديث" (غريبه) (1) هو صاحب القبر المنبوذ الآتى في الطريق الثانية وسيأتى الكلام عليه (2) (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت سليمان الشيبانى - الحديث"(4) أي منفرد عن القبور بعيد عنها، واسم صاحب القبر طلحة بن البراء بن عمير البلوى حليف الأنصار، قاله الحافظ. قال وروى حديثه أبو داود مختصراً والطبرانى من طريق عروة بن سعيد الأنصارى عن أبيه عن حسين بن وحوح الأنصارى، وهو بمهملتين بوزن جعفر أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال إنى لا أرى طلحة ألا قد حدث فيه الموت فآذنونى به وعجلوا، فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بنى سالم بن عوف حتى توفى، وكان قال

ص: 226

يا أبا عمرو ومن حدَّثك؟ قال ابن عبَّاس

لأهله لما دخل الليل إذا مت فادفنوني ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأني أخاف عليه يهوداً أن يصاب بسببي، فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم حين أصبح؛ فجاء حتى وقف على فبره فصف الناس معه ثم رفع يديه، فقال اللهم الق طلحة يضحك اليك وتضحك اليه اهـ (قلت) الضحك من الله كناية عن الرضا، أورد هذا الحديث الهيثمي مطولا، وقال عزا صاحب الأطراف بعض هذا الى أبى داود ولم أره، رواه الطبرانى فى الكبير واسناده حسن اهـ (1) القائل هو الشيبانى، والمقول له هو الشعبى (قال الحافظ) والطرق الصحيحة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه صبيحة دفنه (تخريجه)(ق. مذ. هق. وغيرهم)(وفي الباب) عن قتاة يا رسول الله إنى أحب أن تصلى على أم سعد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قبرها فصلى عليها، رواه ابن أبى شيبة في مصنفه وهذا لفظه، والبيهقى وقال رواه ابن أبى عروبة عن قتادة وهو مرسل صحيح اهـ. (قلت) ورواه الترمذى بسنده عن قتادة أيضا عن سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت والنبى صلى الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر (وعن حميد بن هلال) أن البراء بن معرور توفى قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فلما قدم صلى عليه، رواه ابن أبى شيبة وهو مرسل أيضا وسنده جيد (وعن سهل بن حنيف) رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا، فتوفيت امرأة من أهل العوالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حُضرت فآذنونى فأتوه ليؤذنوه فوجدوه نائماً وقد ذهب من الليل فكرهوا أن يوقظوه وتخوفوا عليه ظلمة الليل وهو ام الأرض، فذهبوا بها فلما أصبح سال عنها، قالوا يا رسول الله أتيناك لنؤذنك فوجدناك نائماً فكرهنا أن نوقظك وتخوفنا عليك ظلمة الليل وهو ام الأرض، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرها فصلى عليها وكبر أربعا، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى في الأوسط وفيه سفيان بن حسين، وفيه كلام وقد وثقه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح (قلت) ورواه البيهقى بأطول من هذا وليس في غسناده سفيان بن حسين (وعن أبى أمامة بن ثعلبة) أنه صلى الله عليه وسلم رجع من بدر وقد توفيت أم أبى أمامة فصلى عليها، ذكره ابن عبد البر في التمهيد (وعن ابن أبى مليكة) قال مات عبد الرحمن ابن أبى بكر بالصفاح أو قريبا منها "هو اسم موضع بينه وبين مكة ستة أميال" فحملناه على عواتق الرجال حتى دفناه بمكة، فقدمت عائشة رضي الله عنها بعد وفاته أين قبر أخى؟ فأتته فصلت عليه - زاد فيه غيره بعد وفاته بشهر (وعن نافع) قال قدم ابن عمر بعد

ص: 227

_________

وفاة عاصم بن عمر بثلاث فأتى قبره فصلى عليه؛ رواهما البيهقي وابن أبى شيبة (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة الجنازة على قبر الميت بعد دفنه لمن لم يدرك الصلاة عليه قبل الدفن (قال الترمذى) والعمل على هذا "أي على مشروعية الصلاة على القبر" وهو قول (الشافعى وأحمد وإسحاق) وقال بعض أهل العلم لا يصلى على القبر وهو قول مالك بن أنس (وقال ابن المبارك) إذا دفن الميت ولم يصل عليه صلى على القبر ورأى ابن المبارك الصلاة على القبر (وقال أحمد وإسحاق) يصلى على القبر إلى شهر، وقالا أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر اهـ (وذهب النخعى ومالك وأبو حنيفة) إلى أنه إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع وإلا فلا، وأجابوا عن أحاديث الباب بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبى هريرة عند مسلم والأمام أحمد وغيرهما "إن هذه القبور مملؤة ظلمة؛ وإن الله ينورها بصلاتى عليهم، قالوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لتنوير القبر، وما لا يوجد في صلاة غيره فلا تكون الصلاة على القبر مشروعة (وأجاب) ابن حبان عن ذلك بأن في ترك انكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه القبر بيان جاوز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه (وتعقب) بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلاً للصالة، ومن جملة ما أجاب به الجمهور عن هذه الزيادة "أي قوله في الحديث إن هذه القبور الخ" أنها مدرجة في هذا الأسناد، وهى من مراسيل ثابت بيّن ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد (قال البيهقى) والذى يغلب على القلب أن تكون هذه الزيادة في غير رواية أبى رافع عن ابى هريرة، فاما أن تكون عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة كما رواه أحمد بن عبدة ومن تابعه أو عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه خالد بن خداش، وقد رواه غير حماد عن ثابت عن ابى رافع فلم يذكرها اهـ (قلت) ثبتت هذه الزيادة عن ثابت عن أنس عند الأمام أحمد وابن منده وغيرهما غير مرسلة، وعند النسائى والأمام أحمد أيضاً من حديث خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت غير مرسلة أيضاً (قال الشوكانى) وقد عرفت غير مرة أن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل، ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته صلى الله عليه وسلم على أهلها لا ينفى مشروعية الصلاة على القبر لغيره لاسيما بعد قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رايتمونى أصلى" وهذا باعتبار من كان قد صلى عليه قبل الدفن (وأما من لم يصل عليه) ففرض الصلاة عليه الثابت بالأدلة وإجماع الأمة باق، وجعل الدفن مسقطاً لهذا الفرض محتاج إلى دليل، وقد قال بمشروعية الصلاة على القبر الجمهور كما قال ابن المنذر، وبه قال الناصر من أهل البيت (وقد استدل بأحاديث الباب) على رد قول من فصّل، فقال يصلى على قبر من لم يكن قد صلى عليه قبل

ص: 228

(9)

باب عدد تكبير صلاة الجنازة وما جاء في التسليم منها

(181)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال نعي رسول الله صلي الله عليه وسلم النَّجاشيِّ لأصحابه وهو بالمدينة فصلَّوا خلفه وصلَّي عليه وكبَّر أربعاً

(182)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كبِّروا على موتاكم باللَّيل والنَّهار أربع تكبيرات

الدفن لا من كان قد صلي عليه لأن القصة وردت فيمن قد صلي عليه، والمفصل هو بعض المانعين، واختلفوا في أمر ذلك، فقيده بعضهم إلي شهر، وقيل ما لم يبل الجسد، وقيل يجوز أبداً وقيل إلي اليوم الثالث، وقيل إلي أن يترب اهـ (قال الحافظ ابن القيم) رحمه الله وكان من هدية صلي الله عليه وسلم إذا قاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى مرة على قبر بعد ليلة، ومرة بعد ثلاث، ومرة بعد شهر، ولم يوقت في ذلك وقتاً (قال ـحمد رحمه الله من يشك فى الصلاة على القبر؟ ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الجنازة صلى الله على القبر من ستة أوجه كلها حسان فحدّ الأمام أحمد رحمه الله الصلاة على القبر بشهر إذ هو أكثر ما روى عن النبى صلي الله عليه وسلم أنه صلى بعده، وخدّ الشافعى رحمه الله بما إذا لم يبل الميت، ومنع منها مالك وأبو حنيفة رحمها الله إلا للولى إذا كان غائباً اهـ (وقد ذكر ابن عبد البر) في الصلاة عن القبر تسعة أحاديث من تسعة أوجه كلها حسان، وساقها كلها بأسانيده في تمهيده من حديث سهل ابن حنيف وأبي هريرة وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت الخمسة فى صلاته صلى الله عليه وسلم على المسكينة التي كانت تقم المسجد، وسعد بن عبادة فى صلاته صلى الله عليه وسلم على أم سعد بعد دفنها بشهر وحديث الحصين بن وحوح فى صلاته صلى الله عليه وسلم على قبر طلحة بن البراء، وحديث أبي أمامة ابن ثعلبة أنه رجع من بدر وقد توفيت أم أبى أمامة فصلى عليها، وحديث أنس أنهه صليى الله عليه وسلم صلى على امرأة بعد ما دفنت (وقد أتيت بها جميعها وزيادة عليها) بعضها في المتن من رواية الأمام أحمد وبعضها فى الشرح من رواية غيره، وهذا من توفيق الله تعالى فله الحمد والمنة

(181)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا عبد الرازق ثنا معمر عن الزهرى عن ابن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة - الحديث" (تخريجه)(ق. هق. والأربعة وغيرهم).

(182)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير عن جابر - الحديث" (غريبه) (3) يعنى في صلاة الجنازة سواء أكانت ليلا أم نهارا (تخريجه) أخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعا بلفظ "صلوا

ص: 229

(183)

عن أبي سلمان المؤذَّن قال توفىَّ أبو سريحة فصلَّى عليه زيد بن أزقم رضي الله عنه فكبَّر عليه أربعاً، وقال كذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

(184)

عن ابن أبى ليلى أنَّ زيد بن أرقم رضى الله عنه كان يكبِّر على جنائزنا أربعاً وإنَّه كبَّر علي جنازة خمساً فسألوه فقال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكبِّرها، أو كبَّرها النَّبى صلى الله عليه وسلم (ومن طريق ثن) عن عبد الأعلى قال صلَّيت خلف زيد بن أرقم رضى الله عنه على جنازة فكبَّر خمساً؛ فقام إليه أبو عيسى عبد الرَّحمن بن أبى ليلى فأخذ بيده فقال نسيت؟ قال لا ولكن صلَّيت خلف أبى القاسم خليلى صلى الله عليه وسلم فكبَّر خمساً فلا أتركها

على موتاكم بالليل والنهار" والصغير والكبير والدنئ والأمير أربعاً وأخرجه البيهقى بلفظ حديث الباب، وفي جميع طرقه ابن لهيعة فيه كلام اهـ.

(183)

عن أبى سلمان المؤذن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن عثمان بن أبى زرعة عن أبى سلمان المؤذن "الحديث"(غريبه)(1) بفتح السين المهملة اسمه حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفارى صحابى، من أصحاب الشجرة، مات سنة اثنتين وأربعين، قاله الحافظ في التقريب (تخريجه) لم أقف علي بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد.

(184)

عن ابن ابى ليلى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثنى عمرو بن مرة عن ابن أبى ليلى أن زيد بن ارقم كان يكبر - الحديث" (غريبه)(2) الظاهر أن التكبير أربعاً كان مشهوراً عندهم، فلما كبر خمساًَ سالوه عن ذلك (3)(سنده) حدّثنا عبد الله ابى ثنا اسود بن عامر ثنا اسرائيل عن عبد الأعلى قال صليت الخ (4) في هذه الرواية ان الذي سأل زيدا هو عبد الرحمن بن أبى ليلى، وفي الطريق الأولى المروية عن عبد الرحمن بن ابى ليلى ابهم السائل، فيحتمل ان يكون هو السائل وابهم نفسه كما يحصل كثيراً، ويحتمل ان تكون الواقعة تعددت وان سؤاله وقع في مرة، وسؤال غيره وقع في اخرى، والله سبحانه وتعالى اعلم (تخريجه)(م. هق. والأربعة).

ص: 230

(185)

عن يحيى بن عبد الله الجابر قال صلَّيت خلف عيسى مولى لحذيفة (بن اليمان) بالمدائن على جنازة فكبَّر خمساً، ثمَّ التفت إلينا فقال ما وهمت ولا نسيت، ولكن كبَّرت كما كبر مولاي وولىُّ نعمتى حذيفة ابن اليمان، صلَّى على جنازة وكبَّر خمساً، ثمَّ التفت إلينا فقال، ما نسيت ولا وهمت ولكن كبَّرت كما كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فكبَّر خمساً

(186)

عن إبراهيم الهجرىَّ أنَّ عبد الله بن أبى أو فى فام على جنازة بنت له فكبَّر عليها أربع تكبيرات، ثمُّ قام هنيَّة فسبَّح به بعض القوم فا نفتل، فقال أكنتم ترون أنَّى أكبَّر الخامسة؟ قالوا نعم، قال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبَّر الرَّابعة قام هنيِّة، فلمَّا وضعت الجنازه جلس وجلسنا إليه

(185) عن يحيى بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا يحيى بن عبد الله الجابر - الحديث" (غريبه)(1) وهم في الشئ من باب وعد اذا ذهب وهمه اليه وهو يريد غيره، والمعنى أنه كبر الخامسة قصدا وهو يعرف أنها الخامسة لأن حذيفة فعل ذلك وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك (تخريجه)(ش) وسنده لا بأس به.

(186)

(عن ابراهيم الهجرى) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بتمامه وسنده في باب المشى أمام الجنازة وخلفها (غريبه) أي مدة وجيزة، يعنى أنه لم يسلم عقب التكبيرة الرابعة بل يدعو مدة وجيزة، ففهم بعض القوم أنه يريد أن يجعل التكبير خمساً فذكره بالتسبيح "وقوله فانفتل" أي انصرف من الصلاة بعد المدة المذكورة ولم يأت بتكبيرة خامسة، ثم أخبرهم أن ما فعله بعد التكبيرة الرابعة من الاستمرار في القيام مدة قصيرة كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبين في هذا الحديث مقدار المدة، ولا ما كان يقوله فيها، وقد جاء ذلك مبيناً في رواية أخرى له تقدمت في باب الرخصة في البكاء من غير نوح في هذا الجزء صحيفة 136 رقم 99 وفيها قال "ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو" وفي رواية عند البيهقى "يستغفر لها ويدعو" ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا (3) القائل فلما وضعت الجنازة هو إبراهيم الهجري؛ يعني

ص: 231

_________

أنه لما وضعت الجنازة في القبر جلس عبد الله بن أبى أوفى وجلسنا إليه يحدثنا - وليس هذا آخر الحديث (وتمامة) قال فسئل عن لحوم الحمر الأهلية، فقال تلقاَّنا يوم خبير حمر أهلية خارجا من القرية فوقع الناس فيها فذبحوها، قان القدور لتغلى ببعضها إذ نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها فأهرقناها؛ ورايت على عبد الله بن أبى أوفى مطرقا من خز أحمر (تخريجه) أخرجه البيهقى وابن ماجة مختصرا، وفي إسناده ابراهيم بن مسلم الهجرى، قال في التقريب لين الحديث، رفع موقوفات، وفي الخلاصة ضعفه النسائى وغيره (قال ابن عدى) إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبى الأحوص عن عبد الله وعامتها مستقيمة اهـ (وفي الباب عن عبد الله بن مغفل) رضي الله عنه أن عليا رضي الله عنه صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا، ثم التفت الينا فقال إنه بدرىّ، رواه الطبرانى في الكبير ورجاله رجال الصحيح (وعن عبد الله بن مسعود) قال لا وقت ولا عدد في الصلاة على الجنائز يعنى التكبير، رواه البزار ورجاله ثقات (وعنه أيضاً) قال قد كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وخمسا واربعا، فكبروا ما كبر الأمام إذا قدّمتموه، رواه الطبرانى في الأوسط، وفيه عطاء بن السائب، وفيه كلام وهو حسن الحديث (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فكبر تسعا تسعا، ثم سبعا سبعا، ثم أربعا أربعا حتى لحق بالله، رواه الطبرانى في الكبير والأوسط وإسناده حسن - أوردها الحافظ الهيثمى مع تخريجها وبيان درجاتها (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التكبير على الجنازة أربعاً وخمساً، وهى التي اختارها الأمام أحمد في مسنده لكونها مرفوعة وأصح ما ورد في الباب (وقد اختلف السلف) في ذلك فروى عن زيد بن أرقم أنه كان يكبر خمسا كما في حديث الباب، ورواه ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بنى أسد فكبر خمسا (وروى أيضا) عن ابن مسعود عن على أنه كان كبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا، وعلى سائر الناس أربعا (وروى ذلك أيضاً) ابن أبى شيبة والطحاوي والدارقطنى عن عبد خير عنه (وروى ابن المنذر أيضاً بأسناد صحيح عن ابن عباس أنه كبر على جنازة ثلاثا (قال القاضى عياض) رحمه الله اختلفت الآثار في ذلك فجاء من رواية ابن أبى خثيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا. وخمسا. وستا. وسبعا. وثمانيا حتى مات النجاشى فكبر عليه اربعا وثبت على ذلك حتى توفى صلى الله عليه وسلم، قال واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع (قال ابن عبد البر) وانعقد الأجماع بعد ذلك على أربع، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالاقتصار على أربع ما جاء في الأحاديث الصحيحة، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه، وقال لا نعلم أحداً من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى

ص: 232

(وروى البيهقي أيضًا) عن ابى وائل قال كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وخمسا. وستا. وسبعا، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر كل رجل منهم بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات (وروى أيضاً) من طريق ابراهيم النخعى أنه قال " اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ابى مسعود فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع (قلت) واليه ذهب جمهور العلماء (قال الترمذى) العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، وهو قول (سفيان الثورى. ومالك بن أنس. وابن المبارك. والشافعى. وأحمد. واسحاق) اهـ. ورجح الجمهور ما ذهبوا اليه من مشروعية الأربع بمرجحات أربعة (الأول) أنها ثبتت من طريق جماعة من الصحابة أكثر عددا ممن روى منهم الخمس (الثانى) أنها في الصحيحين (الثالث) أنه أجمع على العمل بها الصحابة (الرابع) أنها آخر ما وقع منه صلى الله عليه وسلم (وأجاب الشوكانى) رحمه الله عن الأول والثانى من هذه المرجحات بأنه إنما يرجح بهما عند التعارض، ولا تعارض بين الأربع والخمس، لأن الخمس مشتملة على زيادة غير معارضة (وعن الرابع) بأنه لم يثبت، ولو ثبت لكان غير رافع للنزاع، لأن اقتصاره على الأربع لا ينفى مشروعية الخمس بعد ثبوتها عنه، وغاية ما فيه جواز الأمرين (نعم المرجح الثال) أعنى إجماع الصحابة على الأربع هو الذي يعول عليه في مثل هذا المقام إن صح، وإلا كان الاخذ بالزيادة الخارجة من مخرج صحيح هو الراجح اهـ. (وذهب إلى أن التكبير على الجنازة خمس) جماعة من الصحابة منهم أبو ذر. وزيد بن أرقم. وحذيفة. وابن عباس. رضي الله عنهم، وبه قال محمد بن الحنفية وابن أبى ليلى "وفي المبسوط للحنفية" قيل إن أبا يوسف كان يكبر خمسا (وذهب بكر بن عبد الله المزنى) إلى أنه لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع (وبنحوه قال الأمام أحمد) إلا أنه قال لا ينقص من أربع، قال وقال ابن مسعود كبر ما كبر الأمام، قال والذى تختاره ما ثبت عن عمر، ثم ساق بأسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال كان التكبير اربعا وخمسا، فجمع عمر الناس على أربع (وروى أنس بن مالك) رضي الله عنه أن تكبير الجنازة ثلاث (روى عنه ابن المنذر) أنه قيل له إن فلانا كبر ثلاثا، فقال وهل التكبير الا ثلاث؟ (وروى عنه ابن أبى شيبة) أنه كبر ثلاثا لم يزد عليها (وروى عنه عبد الرازق) أنه كبر على جنازة ثلاثا، ثم انصرف ناسيا، فقالوا له يا ابا حمزة إنك كبرت ثلاثا؟ قال فصُنفوا فصَفو فكبر الرابعة (وروى عنه البخارى) تعليقا نحو ذلك "قال الحافظ" ويمكن الجمع بين ما اختلف فيه على أنس، إما بأنه كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة اهـ (وفي حديث ابن أبى أوفى) دليل على مشروعية استمرار المصلى مدة يسيرة بعد التكبيرة الرابعة بقدر ما بين التكبيرتين، وتقدم

ص: 233

(10)

باب ما يقال من الأدعية في الصلاة على الميت

(187)

عن أبى هريرة رضى الله عنه وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّى على جنازة قال سمعته يقول، أنت خلقتها، وأنت رزقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها،

ذلك في الشرح؛ ولم يصرح بالسلام فى رواية الأمام أحمد، وصرح به فى رواية البيهقى بلفظ "فكبر أربعا فمكث ساعة حتى ظننا أنه سيكبر خمساً، ثم سلم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف قلنا له ما هذا؟ قال أنى لا أرزيدكم على مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنه أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (وعن أبى هريرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً وسلم تسليمة واحدة رواه البيهقى والدارقطنى (وعن عمير بن سعيد) قال صليت خلف على بن أبى طالب رضى الله عنه على جنازة يزيد بن مكفف فكبر عليه أربعا وسلم تسليمة (وعن مجاهد) عن ابن عباس أنه كان يسلم على الجنازة تسليمة (وعن نافع ابن عمر) أنه كن إذا صلى على جنازة سلم واحدة عن يمينه (وعن يزيد بن أبى مالك) عن أبيه قال رأيت وائله بن الأسق رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم على الجنازة تسليمة - رواها البيهقى، قال ورورينا أيضاً عن جابر بن عبد الله وأنس ابن مالك وأبى أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهم اهـ، وهذه الأحاديث والآثار تدل على مشروعية التسليم من صلاة الجنازة كالتسليم من الصلاة (قال النووى) وأجمع العلماء عليه ثم قال جمهورهم يسلم تسليمة واحدة (وقال الثورى وأبو حنيفة والشافعى) وجماعة من السلف تسليمتين (واختلفوا) هل يجهر الأمام بالتسليم أم يسر (وأبو حنيفة والشافعى) يقولون يجهر وعن مالك روايتان (واختلفوا) فى رفع الأيدى فى هذه التكبيرات، ومذهب (الشافعى) الرفع فى جميعها، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر. وعمر بن عبد العزيز. وعطاء وسالم بن عبد الله. وقيس بن أبى حازم. والزهرى. والأوزاعى. وأحمد. واسحاق واختاره ابن المنذر (وقال الثورى وأبو حنيفة) وأصحاب الرأى لا يرفع الا في التكبيرة الأولى (وعن مالك) ثلاث روايات الرفع فى الجميع وفى الأولى فقط وعدمه فى كلها اهـ.

(187)

(عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا شعبة عن الجلَاس عن عثمان ابن شماس قال سمعت أبا هريرة ومر عليه مروان فقال - بعض حديثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حديثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع فقلنا الآن يقع به، قال كيف

ص: 234

تعلم سرَّها وعلانيتها، جئنا شفعاءً فاغفر لها

(188)

وعنه ايضا ثال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى على الجنازة قال اللَّهم اغفر لحيِّناً وميِّتناً وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منَّا فأحيه عل الإسلام ومن توفيِّته منَّا فتوفَّه على الإيمان

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الجنائز قال سمعته يقول أنت خلقها - الحديث " (غريبه)(1) في هذا الدعاء غاية التذلل والخشوع والثناء على الله عز وجل ليقبل شفاعة المصلين في الميت فيغفر له (تخريجه)(د. هق) والنسائى في عمل اليوم والليلة وسنده جيد.

(188)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا خلف بن الوليد قال ثنا أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى - الحديث" (غريبه) (2) إن قيل إن الصغير غير مكلف لا ذنب له، فما معنى الاستغفار له (فالجواب) أن الاستغفار في حق الصغير لرفع الدرجات "وقيل" المراد بالصغير الشاب، والكبير الشيخ، وقال التوربشتى عن الطحاوى: انه سئل عن معنى الاستغفار للصبيان مع أنه لا ذنب لهم، فقال معناه السؤال من الله أن يغفر له ما كتب في اللوح المحفوظ أن يفعله بعد البلوغ من الذنوب حتى إذا كان فعله كان مغفوراً، وإلا فالصغير غير مكلف لا حاجة له إلى الاستغفار (3) المقصود من القرائن الأربع الشمول والاستيعاب كأنه قيل، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات كلهم أجمعين (4) أي الاستسلام والانقياد للأوامر والنواهى (5) أي التصديق القلبى إذ لا نافع حينئذ غيره، ورواه أبو داود من طريق يحيى عن أبى سلمة عن ابى هريرة، وزاد اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده، ووقع في هذه الرواية "اللهم من أحييته منا فأحيه على الأيمان، ومن توفيته منا توفه على الاسلام" (قال الشوكانى) ولفظ "فأحيه على الاسلام" هو الثابت عند الأكثر وعند أبى داود "فأحيه على الايمان وتوفه على الاسلام (تخريجه)(الأربعة. حب. ك) وقال وله شاهد صحيح من حديث عائشة نحوه، وأخرج هذا الشاهد الترمذى وأعله بعكرمة بن عمار؛ وفي اسناد حديث الباب يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة (قال أبو حاتم) الحفاظ لا يذكرون ابا هريرة، إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ولا يوصله بذكر أبى هريرة الا غير متقن، والصحيح أنه مرسل، ورواه يحيى بن أبى كثير من حديث أبى ابراهيم الأشهلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل

ص: 235

(189)

وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مثله

(190)

وعن أبى إبراهيم الأنصارىِّ عن أبيه عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم مثله

(191)

عن واثله بن الأسقع رضى الله عنه أنَّه سمع رسول الله

حديث أبي هريرة، أخرجه من هذا الوجه الأمام أحمد "وسيأتى بعد حديث" والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وقال سمعت محمدا "يعنى البخارى" يقول أصح الروايات في هذا حديث يحيى ابن ابى كثير عن أبى ابراهيم الأشهلى عن أبيه، قال وسألته عن اسم أبى ابراهيم الأشهلى فلم يعرفه.

(189)

عن عبد الله بن أبى قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا يحيى بن أبى كثير عن عبد الله بن أبى قتادة عن ابيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت فسمعته يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا الحديث كسابقه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد رجاله رجال الصحيح.

(190)

عن ابى ابراهيم الأنصارى عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان أبان ثنا ييحى بن أبى كثير ثنا شيخ من الأنصار يقال له أبو ابراهيم عن أبيه أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان اذا صلى على الميت قال اللهم اغفر لحينا وشاهدنا وغائبنا وذكرنا وأنثانا وصغيرنا وكبيرنا، قال يحيى وحدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام، ومن توفيته فتوفه على الايمان (تخريجه)(نس. مذ) وقال حسن صحيح (قلت) وهو حديث ابى ابراهيم الأشهلى الذي أشرت اليه سابقا، والذى قال فيه الترمذى سمعت محمدا "يعنى البخارى" يقول اصح الروايات في هذا حديث يحيى بن أبى كثير عن أبى ابراهيم الأشهلى عن أبيه، وتقدم هذا آنفاً، وانما قيل له الأشهلى لأنه من بنى عبد الأشهل، ووالد أبى إبراهيم هذا لم يعرف وهو صحابى، وجهالة الصحابى لا تضر، وقد توهم بعض الناس أن أبا ابراهيم الأشهلى هو عبد الله بن ابى قتادة (قال الحافظ) هو غلط لأن أبا ابراهيم من بنى عبد الأشهل وأبو قتادة من بنى سلمة، والله أعلم.

(191)

عن وائلة بن الأسقع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على ابن بحر قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حليس عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"

ص: 236

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول ألا إنَّ فلان بن فلان فى ذمَّتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار، أنت أهل الوفاء والحقِّ اللِّهمَّ فاغفر له وأرحمه فإنَّك أنت الغفور الرَّحيم

(192)

عن عوف بن مالك (الأشجعىِّ الأنصارىِّ) رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى على ميِّت ففهمت من صلاته عليه، اللَّهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسِّع مدخله، واغسله بالماء والثَّلج والبرد ونقِّه من الخطايا كما نقَّيت الثَّوب الأبيض من الدنس

(غريبه)(1) لفظ أبي داود وابن ماجه (اللهم ان فلان بن فلان الخ" وقوله في ذمتك" أي في أمانك وعهدك وحفظك "وحبل جوارك" ومعناه كما قيل - كان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضا، وكان الرجل اذا أراد سفرا أخذ عهدا من سيد كل قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها حتى ينتهى إلى الأخرى فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار عند العرب أي العهد والأمان ما دام مجاوراً أرضه، وحبل جوار الله هو القرآن، يعنى أن من تمسك به كان له عهد وميثاق عند الله عز وجل بحفظه من الأذى، وقد ورد "كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض" رواه الأمام أحمد، وتقدم في الجزء الأول صحيفة 186 رقم 2 في باب الاعتصام بكتاب الله عز وجل، ورواه الحاكم بلفظ "القرآن حبل الله المتين" وصححه "وقوله فقه فتنة القبر" صيغة أمر من الوقاية والمقصود الدعاء أي احفظه من محنة السؤال فيه وعذابه كالضغطة والظلمة ونحو ذلك، وقد مر شئ منه في "باب ما يراه المحتضر، ومصير الروح بعهد مفارقة الجسد" وسيأتى بأوسع منه في أبواب عذاب القبر (2) أي أهل الوفاة بالوعد، واحقاق الحق واثباته ونصرته (تخريجه)(د. جه) وسنده جيد، وسكت عنه أبو داود والمنذرى.

(192)

عن عوف بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن معاوية عن حبيب بن عبيد قال حدثنى جبير بن نفير عن عوف "الحديث"(غريبه)(3) الثلج معروف، والبرد بفتح الباء الموحدة والراء شئ ينزل من السحاب يشبه الحصى ويسمى حب الغمام، أي طهره بأنواع الرحمة التي بمنزلة الثلج والبرد في إزالة الوسخ؛ وإنما خصهما بالذكر تأكيداً للطهارة ومبالغة فيها، لأنهما ما آنِ

ص: 237

وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنَّة ونجِّه من النَّار وقه عذاب القبر

مفطوران على خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدى ولم يخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب، وجرت في الأنهار، وجمعت في الحياض، فكان أحق بكمال الطهارة (1) هذا من عطف الخاص على العام على أن المراد بالأهل ما يعم الخدم أيضاً، وفيه إطلاق الزوج على المرأة، قيل هو أفصح من الزوجة فيها (قال الحافظ السيوطى) قالت طائفة من الفقهاء هذا خاص بالرجل، ولا يقال في الصلاة على المرأة ابدلها زوجا خيرا من زوجها لجواز أن تكون لزوجها في الجنة فان المرأة لا يمكن الاشتراك فيها والرجل يقبل ذلك (2) زاد مسلم والنسائى "قال عوف فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك الميت"(تخريجه)(م. نس. جه)(وفي الباب عن عائشة) رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الصلاة على الميت، اللهم اغفر له وصل عليه، وأورده حوض رسولك صلى الله عليه وسلم رواه أبو يعلى والطبرانى في الأوسط وزاد "وبارك فيه" وفيه عاصم بن هلال وثقة أبو حاتم وضعفه غيره (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الميت قال "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا ولأنثانا وذكورنا من أحييته منا فأحيه على الاسلام ومن توفيته منا فتوفه على الايمان، اللهم عفوك عفوك - رواه الطبرانى في الكبير والأوسط وإسناده حسن (وعن أبى هريرة) رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقى وابن حبان وصححه (وعنه أيضاً) وقد سئل كيف تصلى على الجنازة؟ فقال أنا لعمر الله أخبرك بزيادة عن سؤالك - اتبعها من أهلها فاذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن امتك؛ كان يشهد أن لا غله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به - اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته - اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، رواه الأمام مالك في الموطأ (قال النووى) في شرح المهذب: قال البيهقى والمتولى وآخرون من الأصحاب، التقط الشافعى من مجموع الأحاديث الواردة دعاء ورتبه واستحبه، وهو الذي ذكره في مختصر المزنى وذكره المصنف "يعنى صاحب المهذب" هنا وفي التنبيه وسائر الأصحاب قال يقول* اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر. وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به

ص: 238

.

اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غنى عن عذابه وقد جئناك راغبين اليك شفعاء له - اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين* قال وقال أبو عبد الله الزهرى من متقدمى أصحابنا في كتابه الكافى وغيره من أصحابنا فان كانت امرأة قال اللهم هذه أمتك ثم ينسق الكلام، ولو ذكرها على ارادة شخص جاز (قال أصحابنا) فان كان الميت صبيا أو صبية اقتصر على حديث اللهم اغفر لحينا وميتنا الخ "يعنى الخ حديث ابى هريرة الثانى من احاديث الباب" وضم اليه اللهم اجعله فرطا لأبويه وسلفا وذخرا وعظمة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وافرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما اجره والله اعلم اهـ (قلت) وروى البخارى في صحيحه عن سعيد بن ابى عروبة انه سئل عن الصلاة على لصبى فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا واجرا، وروى نحوه البيهقى من حديث أبى هريرة (وعن الأعمش عن ابراهيم) قال ليس في الصلاة على الميت دعاء مؤقت في الصلاة فادع بما شئت (وعن موسى الجهنى) قال سالت الحكم والشعبي وعطاء ومجاهدا في الصلاة على الميت بشئ مؤقت فقالوا لا إنما أنت شفيع فاشفع بأحسن ما تعلم (وعن عمرو ابن شعيب) عن أبيه عن جده عن ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لم يقوموا على شئ في أمر الصلاة على الجنازة (روى هذه الآثار الثلاثة) ابن أبى شيبة في مصنفه ومعناها أنه لم يرد عن الشارع توقيف على قراءة أو أدعية مخصوصة لا يصح غيرها، بل لو دعا المصلى بأى لفظ كان أجزأه، ولكن اتباع ما ورد أفضل وأكثر ثوابا والله أعلم.

(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الدعاء للميت في صلاة الجنازة بالأدعية الواردة أو بعضها بدون تعيين دعاء مخصوص منها، وقد ذهب إلى مشروعية الدعاء للميت كافة العلماء (قال الشوكانى) انه ينبغى للمصلى على الميت أن يخلص الدعاء له سواء أكان محسنا أم مسيئاً، فان ملابس المعاصى أحوج الناس إلى دعاء اخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم، ولذلك قدموه بين أيديهم وجاءوا به اليهم، لا كما قال بعضهم ان المصلى يلعن الفاسق، ويقتصر في المتلبس على قوله "اللهم ان كان محسنا فرد في احسانه، وان كان مسئيا فأنت أولى بالعفو عنه، فان الأول من اخلاص السب لا من اخلاص الدعاء، والثانى من باب التفويض باعتبار المسيء لا من باب الشفاعة والسؤال وهو تحصيل حاصل، والميت غنى عن ذلك (قال) واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعية غير المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى، واختلاف الأحاديث

ص: 239

.

في ذلك محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لميت بدعاء ولآخر بآخر، والذى أمر به صلى الله عليه وسلم الدعاء (وفي أحاديث الباب أيضا) دليل على أنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم جهر بالدعاء في صلاة الجنازة لما في حديث واثلة بن الأسقع أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ميت ففهمت من صلاته عليهن اللهم اغفر له الخ" وفي لفظ عند مسلم "فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له - الحديث" (قال النووى) رحمه الله وفيه استحباب هذا الدعاء، وفيه اشارة إلى الجهر بالدعاء فى صلاة الجنازة، وقد اتفق أصحابنا على أنه ان صلى عليها بالنهار أسرّ بالقراءة، وإن صلى بالليل ففيه وجهان الصحيح الذي عليه الجمهور يسرّ والثانى يجهر، وأما الدعاء فيسرّ له بلا خلاف، وحينئذ يتأول هذا الحديث على أن قوله حفظت من دعائه أي علمنيه بعد الصلاة فحفظته اهـ (قلت) ويحتمل أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم جهر بالدعاء في بعض الأحيان لقصد تعليمهم (وفيها أيضا) دليل على استحباب تسمية الميت باسمه واسم ابيع، وهذا ان كان معروفا، وإلا جعل مكان ذلك اللهم ان عبدك هذا أو نحوه، والظاهر أنه يدعو بالألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرا أو أنثى، ولا يحول الضمائر المذكورة إلى صيغة التأنيث اذا كان الميث أنثى، لأن مرجعها الميت، وهو يقال على الذكر والأنثى (واعلم) أنه لم يرد في أحاديث الباب تعيين مكان الدعاء في صلاة الجنازة إلا ما جاء في حديث عبد الله بن أبى أوفى أنه قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو، ثم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا، وتقدم هذا الحديث في باب الرخصة في البكاء من غير نوح صحيفة 131 ورقم 99 من هذا الجزء، وهو لا يدل على اختصاص الدعاء بذلك الموضع، بل له مصلى أن يأتى بهذه الأدعية جملة بعد التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو يفرقه بين كل تكبيرتين أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤدياً لجميع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، وبتفريق الدعاء بين التكبيرات (قالت المالكية - وذهبت الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى أن محله بعد التكبيرة الثالثة والرابعة. وسيأتى مستندهم في أحاديث التتمة، والله أعلم.

(تتمة فيما ورد في القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة)

إعلم أرشدنى الله وإياك ما وجدت في مسند الأمام أحمد شيئاً ورد في القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة ولا في صحيح مسلم أيضا، وقد وقفت على ما ورد في ذلك في بعض الأصول الأخرى، واليك ما ورد

(عن أبى أمامة بن مهل) أنه أخبره رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة

ص: 240

_________

أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سراً في نفسه - رواه الأمام الشافعى في مسنده - وفي اسناده مطرّف، ولكن قد قواه البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق عبد الله بن أبى زياد الرصافي عن الزهرى بمعناه؛ وأخرج نحوه الحاكم من وجه آخر، وأخرجه أيضا النسائى وعبد الرازق وإسناده صحيح، وليس فيه قوله "بعد التكبيرة" ولا قوله "ثم يسلم سراً في نفسه" ولكنه أخرج الحاكم نحوها، أفاده الحافظ (وعن ابن عباس) رضي الله عنهما "أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنه من السنة" رواه (خ. د. مذ) وصححه النسائى وقال فيه "فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر، فلما فرغ قال سنة وحق"(وعن أبى أمامة بن سهل) بن حنيف عن عبيد ابن السباَّق قال صلى بنا سهل بن حنيف على جنازة، فلما كبر التكبيرة الأولى قرأ بأم القرآن حتى أسمع من خلفه، ثم تابع تكبيره حتى إذا بقيت تكبيرة واحدة تشهَّد تسهُّد الصلاة ثم كبر وانصرف - رواه البيهقى (وعنه أيضا) أنه قال السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ الا في الأولى - رواه عبد الرازق والنسائى، وصحح الحافظ اسناده (وعن أبى هريرة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة أربع مرات "الحمد لله رب العالمين" أورده الحافظ الهيثمى؛ وقال رواه الطبرانى في الأوسط، وفيه ناهض بن القاسم ولم أجد من ترجمة، وبقية رجاله ثقات (الأحكام) الأحاديث الواردة تحت ترجمة "تتمة" الخ تدل على مشروعية قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، والى ذلك ذهب الأئمة (الشافعى وأحمد واسحاق وداود) رحمهم الله؛ وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير والمسور بن مخرمة وعبيد بن عمير والحسن بن على، وذهب الأئمة (أبو حنيفة واصحابه وسائر الكوفيين ومالك) إلى عدم القراءة، وحكاه ابن المنذر عن أبى هريرة وابن عمر وابن المسيب وطاوس وعطاء وابن سيرين وابن جبير والشعبى ومجاهد وحماد (واختلف الأولون) هل قراءة الفاتحة واجبة أم لا؟ فذهب إلى الوجوب الأمامان (الشافعى وأحمد) وغيرهما واستدلوا بحديث أم شريك "قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب" رواه ابن ماجة (قال الحافظ) وفي اسناده ضعف يسير اهـ، واستدلوا أيضا بالأحاديث التي تقدمت في كتاب الصلاة في باب وجوب قراءة الفاتحة كحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" رواه الأمام أحمد والشيخان والأربعة، وصلاة الجنازة صلاة (وفيها أيضا) مشروعية قراءة سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة لما تقدم في حديث

ص: 241

.

ابن عباس أنه قرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر، فلما فرغ قال سنة وحق، والى استحباب السورة بعد الفاتحة (ذهبت الشافعية) وظاهر حديث ابن عباس استحباب الجهر بالفاتحة والسورة في صلاة الجنازة، وقال بعض أصحاب الشافعى إنه يجهر بالليل كالليلية (قال النووى) اتفق الأصحاب على أنه يسر بغير القراءة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء، واتفقوا على أنه يجهر بالتكبيرات والسلام، واتفقوا أيضاً على أنه يسر بالقراءة نهاراً، وفي الليل وجهان أصحهما أن يسر أيضاً كالدعاء اهـ ج (وذهب الجمهور) إلى انه لا يستحب الجهر في صلاة الجنارة، وتمسكوا بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى على جنازة بالابواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعاً صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال "اللهم هذا عبدك وابن عبديك اصبح فقيرا إلى رحمتك فأنت غنى عن عذابه، إن كان زاكيا فزكه، وإن كان مخطئا فاغفر له" اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم انصرف فقال ايها الناس انى لم أقرأ عليها أي جهراً إلا لتعلموا أنه سنة - رواه الحاكم وفي اسناده شرحبيل بن سعد (قال الحافظ) واختلفوا في توثيقه اهـ. وفي قول ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث "لم أقرأ أي جهراً إلا لتعلموا أنه سنة"(يْعنى ما قرأت جهراً إلا لتعلموا أن القراءة سنة) دليل على أن السنة في القراءة السرار، وقد تمسك به الجمهور وبما في حديث أبى أمامة الأول من أحاديث التتمة "ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه"(وفيها أيضا) دليل على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، وبه قال الأئمة الأربعة وجمهور العلماء واختاروا أن تكون عقب التكبيرة الثانية الا المالكية فقد اختاروا أن يحمد الله عز وجل عقب التكبيرة الأولى، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو ثم يكبر الثانية، ثم يدعوا وهكذا يكرر الدعاء عقب التكبيرتين الباقيتين، ثم يسلم (وفيها أيضاً) دليل على مشروعية السلام، وحكى النووى الأجماع على ذلك، وذكر اختلاف الائمة في عدده وهل يسر به أو يجهر، وذكر أيضا اختلافهم في رفع اليدين عند التكبيرات، وتقدم ذلك في آخر أحكام الباب السابق فارجع اليه ان شئت (فائدة) قال النووى في المجموع مذهب الشافعى في المسبوق الذي فاته بعض التكبير أنه يلزمه تدارك باقى التكبيرات بعد سلام الأمام، وحكاه ابن المنذر عن ابن المسيب وعطاء وابن سيرين وبه أقول، قال وروينا عن ابن عمر أنه لا يقضيه، وبه قال الحسن البصرى وايوب والأوزاعى، وحكاه العبدرى عن ربيعة، قال وهو اصح الروايتين عند احمد رحمه الله (واما المسبوق) الذي ادرك بعض صلاة الأمام فمذهب الشافعى انه يكبر في الحال

ص: 242

(11)

باب موقف المصلي من الرجل والمرأة

إذا كان اماماً أو منفرداً - وكيف يفعل إذا اجتمعت أنواع من الجنائز

(193)

عن أبى غالب عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّه أتى بجناز رجل فقام عند رأس السرير ثمَّ أتى بجنازة أمرأة، فقام أسفل من ذلك حذاء السَّرير فلمَّا صلَّى قال له الملأ بن زياد يا أبا حمزة أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرَّجل والمرأة نحواً ممَّا رأيتك فعلت؟

ولا ينتظر تكبيرة الأمام المستقبلة، وبه قال الأوزاعى وابو يوسف، وهو الصحيح عن احمد ورواية عن مالك، وبه قال ابن المنذر (وقال أبو حنيفة) ينتظر حتى يكبر للمستقبلة فيكبرها معه؛ وحكاه ابن المنذر عن الحارث بن يزيد ومالك والثورى وأبى حنيفة ومحمد بن الحسن واسحاق اهـ.

(193)

عن ابى غالب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا وكيع حدثنى همام عن غالب هكذا قال وكيع "غالب" وإنما هو أبو غالب عن انس - الحديث" (غريبه) (1) هو الباهلى مولاهم اسمه نافع او رافع البصرى الخياط، روى عن أنس بن مالك والعلاء بن زياد العدوى وعنه همام بن يحيى وخلف، وثقه ابن معين وأبو حاتم وموسى بن هارون الحمال، وذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يعجبنى الاحتجاج بخبره إذا انفرد، روى له البخارى في الأدب والأربعة (2) لفظ أبى داود "فمرت جنازة معها ناس كثير قالوا جنازة عبد الله بن عمير" فبينت الرجل المبهم هنا بأن اسمه عبد الله ابن عمير بالتصغير، قيل هو أبو محمد مولى أم الفضل والدة عبد الله بن عباس أو مولى ابنها عبد الله بن عباس، وكانت هذه الجنازة بالبصرة لأن أنس بن مالك رضي الله عنه كان اذ ذاك مقيما بها (3) يعنى الخشبة التي يحمل عليها الميت، والمراد رأس الميت كما جاء مصرحا به في رواية أبى داود قال "فقام عند رأسه" (4) رواية أبى داود فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل (5) هو العلاء بن زياد بن مطر البصرى أرسل عن معاذ، وروى عن أبى هريرة والحسن؛ وعنه قتادة ومطر الوراق ذكره ابن حبان في الثقات، وكان من علماء البصرة وقرائهم، مات سنة أربع وتسعين "وقوله يا ابا حمزة" هي كنية انس ابن مالك رضي الله عنه (6) إنما قال ذلك ياد لماَّ رأى اختلاف قيام أنس على الرجل

ص: 243

قال نعم، قال فأقبل علينا العلاء بن زياد فقال احفظوا

(194)

عن سمرة ثن جندب رضى الله عنه أنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على أم فلان (وفى رواية أمِّ كعب) ماتت فى نفاسها فقام وسطها

(195)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال مات أبن لابى طلحة فصلَّى عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقام أبو طلحة خلف النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم وأمُّ سليم خلف أبى طلحة كأنَّهم عرف ديك وأشار بيده

والمرأة حيث قام على الرجل عند رأسه وعلى المرأة عند وسطها (1) أي تعلَّموا هذا الحكم واعرفوه ولا تنسوه (تخريجه) أخرجه أبو داود والبيهقى مطولا وأخرجه (جه. ش. طح. مذ) مختصرا وحسنه الترمذى.

(194)

عن سمرة بن جندب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد ابن هارون أنا حسين يعنى المعلم عن عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب - الحديث" (غريبه) (2) ى الأنصارية كما في رواية لأبى نعيم، وفي رواية لمسلم ذكر اسمها بدون نسبة كما هنا (3) بسكون السين وفتحها؛ وفي رواية لأبى داود من حديث أنس "فقام عند عجيزتها" ولا منافاة بين الحديثين، لأن العجيزة يقال لها وسط وعجز الشئ مؤخره (تخريجه)(ق. والأربعة. ش. هق).

(195)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حماد ابن خالد ثنا عبد الله يعنى العمرى قال سمعت أم يحيى قالت سمعت أنس بن مالك يقول مات ابن لأبى طلحة - الحديث" (غريبه)(4) اسم أبى طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصارى النجارى، مشهور بكنيته - من كبار الصحابة شهد بدراً وما بعدها مات سنة أربع وثلاثين، وقال أبو زرعة الدمشقى عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، افاده الحافظ في التقريب (قلت) وهو زوج أم سليم والدة أنس بن مالك رضي الله عنهم (5) يعنى يتبع بعضهم بعضا، والظاهر أنهم كانوا كذلك ليكونوا ثلاثة صفوف كما هي السنة في الصلاة عن الجنازة، أما سنة الصلاة في غير الجنازة اذا كانوا ثلاثة فيهم امرأة يؤمهم واحد منهم ثم يقف الثانى على يمين الأمام، والمرأة خلفهما كما تقدم في صلاة الجماعة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه أم يحيى ولم اجد من ترجمها

ص: 244

.

(قلت) وله شاهد من حديث عبد الله بن ابى طلحة أن ابا طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبى طلحة حين توفى فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزله، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة ورواءه وأم سليم وراء أبى طلحة ولم يكن معهم غيرهم، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى في الكبير ورجاله رجال الصحيح (وفي الباب) عن عمار مولى الحارث بن نوفل قال حضرت جنازة صبى وامرأة فقدم الصبى مما يلى القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليها، وفي القوم أبو سعيد الخدرى وابن عباس وابو قتادة وأبو هريرة فسالتهم عن ذلك فقالوا السنة، رواه النسائى وأبو داود - وسكت عنه أبو داود والمنذرى ورجال غسناده ثقات، وصححه النووى، وأخرجه أيضاً البيهقى "وقال وفي القوم الحسن والحسين وابن عمر وأبو هريرة ونحو عن ثمانين نفسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية للبيهقى أن الأمام في هذه القصة ابن عمر (وعن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه صلى على تسع جنائز جميعاً فجعل الرجال يلون الأمام وجعل النساء يلين القبلة، فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت على امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد وصفا جميعا والأمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وابو قتادة، فوضع الغلام مما يلى الأمام، فقال رجل فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وابى هريرة وأبى سعيد وابى قتادة، فقلت ما هذا؟ قالوا هي السنة - رواه النسائى وهذا لفظه والبيهقى والدارقطنى وابن الجارود في المنتقى (قال الحافظ) واسناده صحيح (قلت) يستفاد من أول الحديث أن الذي صلى إمام هو ابن عمر؛ لكن يعارضه قوله بعد ذلك، والأمام يومئذ سعيد بن العاصِ، وقد جمع بينهما الحافظ فقال يحتمل قوله والأمام يومئذ سعيد بن العاص (يعنى الأمير) لا أنه كان إماما في الصلاة؛ أو يحمل على أن نسبة ذلك إلى ابن عمر لكونه اشار بترتيب وضع تلك الجنائز اهـ (قلت) والثانى أظهر لأمرين (أحدهما) أن الأمامة كانت من شان الأمراء (الثانى) أنه جاء في بعض الروايات فصلى عليهما أمير المدينة وستأتى (وعن عمار مولى الحارث بن نوفل) أن أم كلثوم بنت على وابنها زيد بن عمر أخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فجعل المرأة بين يدى الرجل واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير وثمَّت الحسن والحسين؛ رواه ابن أبى شيبة في مصنفه وسعيد بن منصور في سننه (وعن الشعبى) أن أم كلثوم بنت على وابنها زيد بن عمر توفيا جميعا فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوّى بين رءوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما، رواه أيضا سعيد ابن منصور في سننه (وعن عمرو بن مهاجر) قال صليت مع واثلة بن السقع على ستين جنازة من الطاعون رجال ونساء، فجعلهم صفين. صف النساء بين أيدى الرجال، رأس سرير

ص: 245

.

المرأة عند رجلي صاحبتها، ورأس الرجل عند رجلى سرير صاحبه (وعن عبد الله بن مغفل) رضي الله عنه أنه صلى على الرجال على حدة وعلى المرأة على حدة، ثم اقبل على القوم فقال هذا الذي لاشك فيه (وعن ابن سيرين) أنه قال في جنائز الرجال والنساء قال نبئت أن ابا الأسود لما اختلفوا عليه صلى على هؤلاء ضربة وعلى هؤلاء ضربة رواهما ابن أبى شيبة في مصنفه (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية وقوف المصلى على الجنازة إماما أو منفردا حذاء رأس الرجل ووسط المرأة، وحمله العلماء على أنه سنة، فان وقف في غير هذا الموضع خالف السنة وصحت صلاته، وبد قال الأئمة (الشافعي وأحمد واسحاق وأبو يوسف ومحمد) وقال الخرقى من الحنابلة: يقوم عند صدر الرجل وهو قريب من القول الأول لقرب أحدهما من الآخر، فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر (وقال الأمام أبو حنيفة) يقوم عند صدر الرجل والمرأة لأنهما سواء، فاذا وقف عند صدر الرجل فكذلك المرأة (وفي رواية لأبى حنيفة وأبى يوسف) يقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها، واختاره الطحاوى قائلا وهذا أحب الينا فقد قوَّت الآثار التي قد رويناها عن النبي صلى الله عليه وسلم "يعنى أحاديث الباب"(وقال الأمام مالك) يقف عند وسط الرجل، لأن ذلك يروى عن ابن مسعود، ويقف عند منكب المرأة، لأن الوقوف عند أعاليها أمثل وأسلم (قلت) وما ذهب إليه الأولون هو الأقوى دليلا والله تعالى أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) إذا لم يصل على الجنازة إلا إمام ورجل وامرأة استحب لهم أن يكون الرجل وراء الأمام والمرأة وراء الرجل ليكونوا ثلاثة صفوف كما هي السنة في صلاة الجنازة (وفي الأحاديث التي زدناها في الشرح) دليل على أن السنة إذا اجتمعت جنائز أن يصلى عليها صلاة واحدة (وفيها أيضاً) أن الصبى اذا صلى عليه مع امرأة كان الصبى مما يلى الأمام والمرأة مما يلى القبلة، وكذلك إذا اجتمع رجل وامرأة، فان كانوا رجالا ونساء جعلهم صفين، صف الرجال مما يلى الأمام، وصف النساء مما يلى القبلة، رأس كل واحد عند رجلى الآخر، وسواء في ذلك الرجال والنساء، وبذلك قال جمهور العلماء (وفيها أيضاً) دليل على أن الأولى بالتقدم للصلاة على الجنازة ذو الولاية أو نائبه، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لا يُؤم الرجل في سلطانه، وقد تقدم في أبواب صلاة الجماعة (قال الشوكانى) ووقع الخلاف اذا اجتمع الامام والولى أيهما أولى؟ فعند أكثر العترة وابى حنيفة واصحابه أن الامام وَوالِيه أولى، وعند (الشافعى والمؤيد بالله والناصر) في رواية عنه أن الولى اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 246

(12)

باب الصلاة على الجنازة فى المسجد

(196)

عن عبَّاد بن عبد الله بن الزُّبير عن عائشة رضى الله عنها قال لمَّا توفِّى سعد بن أبى وقَّاص رضى الله عنه واتى بجنازته أمرت به عائشة أن يمرَّ به عليها فشقَّ به فى المسجد فدعت له فأنكر ذلك عليها فقالت ما أسرع النَّاس إلى القول ما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن بيضاء إلَاّ فى المسجد (ومن طريق ثان) عن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن الزُّبير عن عائة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها أرسلت هى وأزواج النبى صلى الله عليه وسلم إلى أهل سعد بن أبى وقَّاص أن مرُّوا به علينا فى المسجد، فصلَّى عليه أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

(196) عن عباد بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا فليح عن صالح بن عجلان عن عباد بن عبد الله - الحديث (غريبه)(1) أي أدخل في وسط المسجد كأنه شقه نصفين (2) أي صلت عليه صلاة الجنازة، فالمراد بالدعاء هنا الصلاة لاشتمالها عليه بل هو لبّها، ويؤيد ذلك ما جاء في رواية لمسلم "ادخلوا به المسجد حتى أصلى عليه (3) أي فأنكر الناس ذلك عليها كما صرح به في رواية مسلم وكذا في الطريق الثانية من هذا الحديث أيضاً، والظاهر أن الذين أنكروا ذلك لم يبلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم على ابن البيضاء في المسجد، فلما أخبرتهم بذلك سلموا لها (4) في رواية لمسلم "فقالت ما أسرع الناس أن يعيبوا ما لا علم لهم به" وهذا يؤيد ما قلنا من أن الذين أنكروا ذلك لم يبلغهم الخ، ومن علم حجة على من لم يعلم (5) هكذا رواية الأمام أحمد (ابن) بالأفراد ومثلها في رواية لمسلم، وله في أخرى "والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنى بيضاء في المسجد سهيل وأخيه، ففى هذه الرواية ابنى بالتثنية (قال النووى) قال العلماء بنو بيضاء ثلاثة اخوة، سهل وسهيل وصفوان؛ وأمهم البيضاء اسمها دعد، والبيضاء وصف، وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري، وكان سهيل قديم الأسلام هاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وغيرها، توفى سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه اهـ (6)(سنده) حدّنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق قال أنا ابن جريج قال أخبرنى موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عبد الرحمن

ص: 247

فأنكر ذلك النَّاس فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت ألا تعجبون من النَّاس حين ينكرون هذا؟ فوالله ما صلَّى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم على سهل بن ببضاء إلَاّ في المسجد.

(197)

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلَّى على جنازة في المسجد فليس له شيء.

ابن عبد الله بن الزبير - الحديث" (1) في روايات مسلم سهيل بالتصغير فلعل الذين صُلى عليهما في المسجد هما سهل وسهيل، فأخبر الراوى مرة بسهل ومرة بسهيل، أو تكون كلمة سهل أصلها سهيل وحرفت من الناسخ، لأنها في غير المسند سهيل بالتصغير، والله أعلم (تخريجه)(م. هق. ش. والأربعة).

(197)

عن ابى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال ثنا ابن ابى ذئب عن صالح مولى التوأمة (*) عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه) (2) اللاظهر أن معناه فليس له شئ من الثواب، وعلى هذا فهو ينافى حديث عائشة، وتأوله بعض العلماء على أن له بمعنى على، كقوله تعالى - وإن أسأتم فلها - يعنى فعليها، ولا منافاة على هذا التأويل، وسيأتى الكلام على تحقيق ذلك في الأحكام (تخريجه) (د. جه. هق. ش) ولفظ ابن ماجه كلفظ حديث الباب، ولفظ ابى داود والبيهقى "فلا شئ له" ولفظ ابن أبى شيبة "فلا صلاة له" وفي كل طرقه صالح مولى التوأمة اختلط في آخر عمره (قال في الخلاصة) قال ابن معين ثقة حجة سمع منه ابن أبى ذئب قبل أن يخرف، ومن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت (قال ابن عدى) لا بأس برواية القدماء عنه اهـ (وفي الباب) عن هشام بن عروة عن أبيه قال ما صُلى على أبى بكر إلا في المسجد (وعن المطلب) ابن عبد الله بن حنطب قال صُلى على أبى بكر وعمر تجاه المنبر (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما أن عمر صُلى عليه في المسجد (وعن محمد بن عمرو) حدّثنا أشياخنا أن عمر صُلى عليه عند المنبر فجعل الناس يصلون عليه أفواجا (وعن سعيد) بن سمعان عن كثير بن عباس قال لأعرفن ما صليت على جنازة في المسجد، روى هذه الآبار ابن أبى شيبة في مصنفه، وأثر ابن عمر أخرجه أيضاً مالك وسعيد بن منصور في سننه، وأثر عروة أخرجه أيضا سعيد بن منصور

_________

(*) التوأمة اسم امرأة، قال في القاموس: هي بنت أمية بن خلف وصالح بن أبي صالح مولاها اهـ

ص: 248

_________

(الأحكام) حديث عائشة يدل على جواز الصلاة على الميت في المسجد وبه قالت الأئمة (الشافعى وأحمد واسحاق والجمهور) قال ابن عبد البر، ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك، وبه قال ابن حبيب المالكي؛ وذهب الأمامان (أبو حنيفة ومالك) في المشهور عنه وابن أبى ذئب وكل من قال بنجاسة الميت إلى كراهة ذلك في المسجد، وأجابوا عن حديث عائشة بأنه محمول على أن الصلاة على ابنى بيضاء كانت وهُما خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز، وردّ بأن حديث عائشة فيه التصريح بدخول الجنازة المسجد، ففى رواية مسلم والبيهقى "ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سهيل بن بيضاء الا في جوف المسجد" ورواية الأمام أحمد أعنى حديث الباب (فشق به المسجد) وأجابوا أيضا بأن الأمر استقر على ترك ذلك، لأن الذين أنكروا على عائشة كانوا من الصحابة، وردّ بأن عائشة لماَّا أنكرت ذلك الأنكار سلّموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه وأن الأمر استقر على الجواز، ويؤيد ذلك الصلاة على أبى بكر وعمر رضي الله عنهما في المسجد كما تقدم في الآثار التي ذكرناها قبل الأحكام، ومنهم من علَّل كراهة الصلاة على الميت في المسجد بنجاسة الميت، وهذا التعليل باطل لقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا" رواه الأمام الشافعى في مسنده والبخارى تعليقا من حديث ابن عباس، وانهض ما استدلوا به على الكراهة (حديث أبى هريرة) الثانى من أحاديث الباب (قال النووى) وأجابوا عنه "يعنى الجمهور" بأجوبة (أحدها) أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به (الثانى) أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبى داود "من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ عليه" فلا حجة لهم حينئذ (الثالث) أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه "فلا شئ له" لوجب تأويله بأن له (بمعنى عليه) ليجمع بين الروايتين، قال وقد جاء له - بمعنى عليه كقوله تعالى} وإن أسأتم فلها {(الرابع أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه اهـ (قلت) أما قولهم إن الحديث ضعيف لا يحتج به فغير مسلَّم، لأنهم ضعفوه بسبب اختلاط راويه صالح مولى التوأمة في آخر عمره، وتقدم أن ابن معين قال في صالح إنه ثبت حجة سمع منه ابن أبى ذئب قبل أن يخرّف، ومن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت اهـ وقيل أيضا لابن معين إن مالكا تركه، فقال إن مالكا أدركه بعد أن خرّف، والثورى إنما أدركه بعد أن خرّف فسمع منه، لكن ابن أبى ذئب سمع منه قبل أن يخرّف، وقال على بن المدينى هو ثقة الا أنه خرّف وكبر فسمع منه الثورى بعد أن خرّف، وسماع ابن أبى ذئب منه قبل ذلك اهـ. وحينئذ فالحديث صحيح، وأحسن الأجوبة هو تأويل قوله في الحديث (فلا شئ له) بمعنى

ص: 249

(فلا شيء عليه) أي فلا وزر، ويؤيده ما حكاه النووى من أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبى داود (فلا شئ عليه) والظاهر من الأدلة أن الصلاة على الجنائز في المسجد كانت قليلة غير مشهورة، وهذا لا ينافى جوازها فيه وان كان الأفضل كونها في غيره (قال العلامة) ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد انكار الصحابة على عائشة يدل على اشتهار العمل بخلاف ذلك عندهم "يعنى بخلاف الصلاة على الجنائز في المسجد" قال ويشهد له بروزه صلى الله عليه وسلم للمصلى لصلاته على النجاش اهـ (وقال الحافظ ابن القيم) في الهدى ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة عليه "يعنى على الميت" في المسجد، وإنما كان يصلى على الجنازة خارج المسجد، وربما كان يصلى أحياناً على الميت في المسجد كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه في المسجد، ولكن لم يكن ذلك سنته وعادته، وأن سنته وهديه الصلاة على الجنازة خارج المسجد الا لعذر، وكلا الأمرين جائز، والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد؛ والله أعلم اهـ.

اللهم أحينا على سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وهديه وتوفنا على ملته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ وحسن أولئك رفيقا

إلى هنا قد انتهى الجزء السابع

_________

من كتاب الفتح الرباني

_________

(مع شرحه بلوغ الأمانى - من أسرار الفتح الربانى)

(ويليه الجزء الثامن وأوله)

(أباب حمل الجنازة والسير بها الخ)

نسأل الله الأعانة على التمام

وحسن الختام

آمين

م

ص: 250