المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الزكاة - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ٨

[أحمد البنا الساعاتي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب الزكاة

(8)

‌ كتاب الزكاة

(*)

(1)

باب ما ورد في فضلها

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيريها لأحدكم كما يربي

الأربعة، وعلى ما تحققه فالإجماع وقوعه محال، فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق وصارت في كل أرض وتحت كل نجم، فعلماءنا المحققون لا ينحصرون ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم، فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة كما قاله أئمة التحقيق أهـ (أما قراءة القرآن) من الزائر عند القبر فقد تقدم الكلام عليها في أحكام باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الميت صحيفة 105 من هذا الجزء، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.

(1)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبدالله أبي ثنا وكيع قال ثنا عباد منصور واسماعيل عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه) (1) في حديث عائشة عند البزار "فيتلقاها الرحمن بيده" نحن نؤمن بهذا الحديث وأمثاله من أحاديث الصفات كما نؤمن بذات

_________

(*) الزكاة في اللغة النماء يقال زكا الزرع إذا نما، وترد أيضا بمعنى التطهير؛ ويرد شرعا بالاعتبارين معا، أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال أو بمعنى أن الأجر يكثر بسببها أو بمعنى تعلقها بالأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة، ودليل الأول (ما نقص مال من صدقة) لأنها يضاعف ثوابها كما جاء إن الله تعالى يربي الصدقات (وأما الثاني) فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل وطهرة من الذنوب (قال الحافظ) وهي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها، قال أبو بكر ابن العربي تطلق الزكاة على الدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والعفو والحق، وتعريفها في الشرع إعطاء جزء من النصاب إلى فقير ونحوه غير متصف مانع شرعي يمنع من الصرف إليه، ووجوب الزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكليف الاحتجاج له، وإنما وقع الاختلاف في بعض فروعها فيكفر جاحدها وقد اختلف في الوقت الذي فرضت فيه فالأكثر أنه بعد الهجرة، وقال ابن خزيمة إنها فرضت قبل الهجرة، واختلف الأولون فقال النووي إن ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة، وقال ابن الأثير في التاسعة (قال الحافظ) وفيه نظر لأنها ذكرت في حديث ضمام بن ثعلبة، وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث وكذا في مخاطبة ابي سفيان مع هرقل، وكانت في أول السابعة وقال فيها يأمرنا بالزكاة وقد أطال الكلام الحافظ على هذا في أول كتاب الزكاة من فتح الباري، فليرجع إليه والله أعلم.

ص: 181

أحدكم مهره أو فلوه أو فصيلة حتى إن القمة لتصير مثثل جبل أحد، قال وكيع في حديثه وتصديق ذلك في كتاب الله وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات، ويمحق الله الربا ويربي الصدقات.

(2)

وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد مؤمن تصدق بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب إلا وهو

الله عز وجل من غير تشبيه ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وقال صاحب اللمعات في تفسير قوله ويأخذها بيمينه، والمراد حسن القبول ووقعها منه عز وجل موقع الرضا، وذكر اليمين للتعظيم والتشريف وكلتا يدي الرحمن أهـ (1) المهر بضم الميم وسكون الهاء، قال في القاموس المهر بالضم ولد الفرس أو أول ما ينتج منه ومن غيره، جمعه أمهار ومهار ومهارة والأنثى مهرة أهـ (والفلو بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو) وهو المهر لأنه يفلي أي يفطم، وقيل هو كل فطيم من ذات حافر، والجمع أفلاء كعد وأعداء، وقال أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت الواو، وإذا كسرتها سكنت اللام كجرو، وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة، ولأنه الصدقة نتاج العمل، وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيما، فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم لا سيما الصدقة، فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليهما يكسبها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى نصاب نقع المناسبة بينه وبين ما قدم، نسبة ما بين اللقمة إلى الجبل (والفصيل) هو ما فصل عن لبن أمه، وأكثر ما يطلق فب الإبل وقد يقال في البقر، ووقع عند الترمذي فلوه أو مهره ولعبد الرزاق مهره أو فصيله، وللبزار مهره أو رضيعه أو فصيله، وهذا يشعر بأن أو للشك من الراوي (2) ليست الآية كذلك، ووقع مثل ذلك عند الترمذي وهو تخليط من بعض الرواة كما قال العراقي، والصواب "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات" أي يقبلها ويثيب عليها "وقوله يمحق الله الربا" أي ينقصه ويذهب ببركته "ويربي الصدقات" أي يزيدها وينميها ويضاعف ثوابها (تخريجه)(مذ) وصححه، وقد صرح بصحته أيضا المنذري، وروى مسلم نحوه عن عائشة.

(2)

وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا قتيبة ثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان أن سعد بن يسار أبا الحباب أخبره عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه) (3) أي من حلال وقوله "ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء

ص: 182

يضعها في يد الرحمن أو في كف الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى إن التمرة لتكون مثل الجبل العظيم.

(3)

وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

(4)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما فكلما هم المتصدق بصدقة اتسمت عليه حتى

إلا طيب" جملة معترضة ما قبله، وفيه إشارة إلى أن غير الحلال غير مقبول، (قال القرطبي) وإنما لا يقبل الله الصدفة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه، فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأمورا منهيا من وجه واحد وهو محال أهـ (تخريجه)(ق. نس)

(3)

عن عائشة حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد قال ثنا حماد عن ثابت عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليربي لأحدكم الثمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد (تخريجه)(م)

(4)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة - الحديث" (تخريجه) (1) بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة، كذا في هذه الرواية ومثلها للبخاري، ووقع في رواية لمسلم وكذا النسائي جبتان أو جنتان (قال النووي) أما جبتان أو جنتان (فالأول بالباء) والثاني بالنون (ووقع في بعض الأصول عكسه أهـ. وقال ابن قرقول والنون أصوب بلا شك وهي الدرع، يدل عليه قوله في الحديث نفسه "لزقت كل حلقة" (يعني في رواية البخاري) وفي لفظ فأخذت كل حلقة موضعها، وكذا قوله من حديد أهـ (قال العيني) ورواه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن طاوس بالنون كما يجيء عن قريب (يعني البخاري) ورجحت هذه الرواية بما قاله ابن قرقول، والجنة هي الحصن في الأصل، وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه، والجبة بالباء الموحدة هي الثوب المعين (وقال الزمخشري) في الفائق جنتان بالنون في هذا الموضع بلا شك ولا اختلاف (يعني في رواية أخرى عند مسلم) وقال الطيبي هو الأنسب، لأن الدرع لا يسمي جبة بالباء بل بالنون أهـ (3) جمع ترقوة

ص: 183

تعفى أثره وكلما هم البخيل بصدقة انقبضت عليه كل خلقة منها إلى صاحبتها وتقلصت عليه قال فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيجهد أن يوسعها فلا تتسع.

(5)

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا

ويقال الترائق أيضا على القلب، وقال ثابت في خلق الإنسان الترقوتان هما العظمان المشرقان في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغره النحر، وهي اللهزمة التي بينهما، نقله العيني (1) تعفى بتشديد الفاء للمبالغة أي تعفو، قال السندري والمعنى أنها تمحو أثر مشيه بسبوغها وكمالها كثوب يجر على الأرض يمحو أثر صاحبه إذا ممشى بمرور الذيل عليه، وفيه إشارة إلى كمال الاتساع والإسباغ، والمراد أن الجواد إذا هم بالنفقة اتسع كذلك بتوفيق الله تعالى صدره وطاوعته يداه فامتدتا بالعطاء والبذل، والبخيل يضيق صدره وتنقبض يده من الإنفاق في المعروف أهـ وإليه أشار بقوله "انقبضت عليه كل حلقة منها إلى صاحبتها وتقلصت عليه" أي اجتمعت، وانضم بعضها إلى بعض فضاقت عليه وعضت كل حلقة مكانها في رواية (2) أي فيجتهد أن يحاول توسيعها فلا يمكنه ذلك (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم) قال الخطابي في معنى الحديث هذا مثل ضربه صلى الله عليه وسلم للجواد والبخيل، وشبهها برجلين أراد أن يلبس كل واحد منهما درعا يستجن بها، والدرع أول ما يلبس إنما يقع على موصع الصدر والثديين إلى أن يسلك لابسها يديه في كميه ويرسل ذيلها على أسفل بدنه فيستمر سفلا، فجعل صلى الله عليه وسلم مثل المنفق مثل من لبس درعا سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه (وجعل البخيل) كرجل يداه مغلولتان ما بين دون صدره. فإذا أراد لبس الدرع حالت يداه بينها وبين أن أن تمر سفلا على البدن واجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته فكانت ثقلا ووبالا عليه من غير وقاية له وتحصين لبدنه، وحاصله أن الجواد إذا هم بالنفقة اتسع لذلك صدره وطاوعت يداه فامتدتا بالعطاء، وأن البخيل يضيق صدره وتنقبض يده عن الاتفاق؛ وثيل ضرب المثل بهما لأن المنفق يستره الله بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة كستر هذه الجبة لابسها والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه فيبقى مكشوفا ظاهر العورة مفتضحا في الدارين أهـ

(5)

عن أبي الدرداء (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ابن مهدي ثنا همام عن قتادة عن خليد العصيري عن أبي الدرداء رضي الله عنه الحديث"

ص: 184

الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمس قط إلا بعث بجنتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين، اللهم أعط متفقا خلفا وأعط ممسكا مالا تلفا.

(6)

عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله

(غريبه)(1) أي الأنس والجن "وقوله هلموا" أي أقبلوا إلى ربكم وتصدقوا بفضل ما لكم ولا تبخلوا به رغبة في التكثير؛ فإن ما قل من المال وكفى صاحبه بعد إخراج الصدقة منه خير مما كثر وألهى صاحبه عن التصدق وفعل الخير (2) أي غربت (3) أبهم الخلف ليتناول المال والثواب وغيرهما، وكم من منفق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعد له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك (4) هكذا رواية الإمام أحمد عن أبي الدرداء بزيادة "مالا" وعند الشيخين من حديث أبي هريرة بدون ذكر المال، ولفظهما "اللهم أعط ممسكا تلفا" والتعبير بالعطية في الممسك للمشاكلة لأن التلف ليس بعطبة (ومالا) مفعول للمسك (وتلفا) مفعول لأعط، والدعاء بالخلف أعم من أن يكون لأحوال الدنيا فقط أو لأحوال الآخرة فقط بل يعم الأمرين، وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها (وقال النووي) الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات (وقال القرطبي) وهو يعم الواجبات والمندوبات، لطن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه (تخريجه)(حب. ك) بنحوه وقال صحيح الإسناد، ورواه البيهقي من طريق الحاكم ولفظه في إحدى رواياته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم طلعت شمسه إلا وبجنتيها ملكان يناديان نداء يسمعه ما خلق الله كلهم غير الثقلين؛ اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا، وأنزل الله في ذلك قرآنا في قول الملكين "يا أيها الناس هلموا إلى ربكم" في سورة يونس "والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" وأنزل في قولهما "اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا"(والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى) إلى قوله للعسرى.

(6)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا سفيان عن

ص: 185

عن وجل يا ابن آدم أنفق أنفق عليك وقال يمين الله ملأى وسحاء لا يغيضها شيء بالليل والنهار.

(7)

وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب ففزع ماءه في حرة فانتهى إلى الحرة فإذا هو أذناب شراج وإذا شرجه من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته

أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أي أنفق من مالك في سبل الخير، أنفق عليك أي أزيدك من نعمي وأثيبك وأبارك لك في مالك قال تعالى "لئن شكرتم لأزيدنكم"(2) قال النووي ضبطوا سحاء بوجهين أحدهما سحا بالتنوين على المصدر وهذا هو الأصح الأشهر، والثاني حكاه القاضي سحاء بالمد على الوصف ووزنه فعلاء صفة لليد. والسح الصب الدائم. والليل والنهار في هذه الرواية منصوبان على الظرف، ومعنى لا يغيضها شيء أي لا ينقصها، يقال غاض الماء وغاضه الله لازم ومتعد (قال القاضي) قال الإمام المازري هذا مما يتأول لأن اليمني إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها الباري سبحانه وتعالى لأنها تتضمن إثبات الشمال، وهذا يتضمن التجديد ويتقدس الله سبحانه وتعالى عن التجسيم والحد، وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، جل الله عن ذلك، وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بمسح اليمين لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه، قال ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد لا يختلف ضعفا وقوة وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة ولا تختلف قوة وضعفا كما يختلف فعلنا باليمين والشمال تعالى عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين أهـ (تخريجه)(م. وغيره)

(7)

وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا يزيد أنا عبد العزيز ابن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون عن وهب بن كيسان عن عبدالله بن عمير الليثي عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه)(3) هي الأرض القفراء التي لا نبات فيها ولا ماء (4) هي البستان إذا كان عليه حائط (5) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء؛ الأرض التي بها حجارة سود (6) الشراج بكسر الشين المعجمة جمع شرجة، والشرجة مسيل الماء.

ص: 186

يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد الله ما اسمك؟ قال فلان بالاسم الذي سمع في السحابة، فقال له يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ قال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها؟ قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما خرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه وأرد فيها ثلثه.

(8)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك؛ وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار

من الحرة إلى سهل والشرج جنس لها، وأذئاب الشراج هي نهاية المسيل إلى أسفل الوادي والمعنى أن الرجل وصل إلى الحرة التي وقع فيها ماء السحاب فإذا بالماء قد سال من الحرة في مسايل متعددة، ثم انحصر الماء كله في مسيل واحد حرى في الوادي فتبع الرجل ميل لماء حتى وصل إلى الحديقة فإذا بصاحبها يحول الماء بمسحاته، فقال له يا عبد الله الخ ما في الحديث (1) المسحاة بالسين والحاء المهملتين هي المجرفة من الحديد (تخريجه)(م) وزاد من طريق آخر أنه قال "وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل وفضل أكل الإنسان من كسبه والإنفاق على العيال، وفيه أن الأعمال الصالحة تكون سببا في رضا الله عز وجل وإكرامه لعبده الصالح.

(8)

عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا هاشم بن القاسم ثنا ليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه الحديث" (غريبه) (1) الحاضرة هي الجماعة تنزل على صاحب الماء للاستسقاء والضيافة ونحو ذلك (ومنه حديث) "إني تحضرني من الله حاضرة" اراد جماعة الملائكة الذين يحضرونه، والسائل هو صاحب الماء، ويقال للمناهل المحاضر للاجتماع والحضور عليها (قال الخطابي) ربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور، يقال نزلنا حاضر بني فلان فهو فاعل بمعنى مفعول أهـ. والمعنى أن الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية توزيع ماله الكثير وهو ذو أهل وولد وضيوف

ص: 187

والمسكين، فقال يا رسول الله أقلل لي قال فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا، قال حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها وإثمها على من بدلها.

(2)

باب افتراض الزكاة والحث عليها والتشديد في منعها

(9)

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى

تنزل عليه (1) لعله يريد تقليل اللفظ ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "فآت ذا القربى حقه والمسكين الخ" الآية لكونها قليلة المبنى كثيرة المعنى (2) أي يكفيني ويسقط عني فرض الزكاة إذا أديتها إلى رسولك؟ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال صحيح (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل الصدقة سواء أكانت واجبة أم تطوعا وأن الله تعالي يتقبلها من عبده ويثيبه عليها ويبارك له في ماله فيزداد وينمو إذا أخرجها من حلال بإخلاص وحسن نية مراعيا في ذلك وجه الله تعالى لا لرياء ولا سمعة (وفيها أيضا) ذم البخيل؛ وإن البخل لا يزيد في المال، بل يذهب البركة منه فضلا عن حرمان صاحبه من الثواب، ووقوعه تحت طائلة العذاب، لا سيما إذا بخل بالصدقة الواجبة، قال تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"(وفيها أيضا) أنه كلما أنفق الإنسان في طاعة الله أخلفه الله عز وجل وضاعفه له أضعافا كثيرة، لأن خزائنه ملأى لا تنفد بالإنفاق ليلا ونهارا (وفيها أيضا) فضل أكل الإنسان من كسبه والإنفاق على العيال ثم الأقارب المساكين وأبناء السبيل مع عدم التبذير (وفيها) أن من أدى زكاة ماله للإمام القائم بمصالح الرعية أو نائبه فقد بريء منها إلى الله ورسوله، أي سقط عنه فرض الزكاة وأجير عليها (وفيها غير ذلك) تقدم في خلال الشرح (وفي الباب) أحاديث كثيرة ستأتي في أبواب صدقة التطوع.

(9)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا زكريا بن اسحق المكي عن يحيى بن عبدالله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الحديث"

ص: 188

آله وصحبه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمين قال إنك تأتي قوما أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله

(غريبه) كان بعثه صلى الله عليه وسلم لمعاذ إلى اليمن سنة عشر قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره البخاري في أواخر المغازي، وقيل كان آخر سنة تسع عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، رواه الواقدي بإسناده إلى كعب بن مالك وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات عنه ثم حكى ابن سعد أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر، وقيل بعثه عام الفتح سنة ثمان، واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها، واختلف هل كان واليا أو قاضيا، فجزم ابن عبد البر بالثاني، والنسائي بالأول والله أعلم (2) هذا كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان (3) إنما وقعت البداءة بالشهادتين لأنهما أصل الدين الذي لا يصح بشيء غيرهما؛ فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بينهما (4) استدل به على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط، ثم دعوا إلى العمل، ورتب ذلك عليه بالفاء، وتعقب بأن مفهوم الشرك مختلف في الاحتجاج به وبأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب كما أن الصلاة والزكاة لا ترتيب بينهما في الوجوب، وقد قدمت احداهما على الأخرى في هذا الحديث ورتبت الأخرى عليها بالفاء (5) استدل به على أن الوتر ليس بفرض، وكذلك تحية المسجد وصلاة العيد، وتقدم الكلام على ذلك في أبوابه (6) قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد أن هم أطاعوك بالإقرار بوجوبها عليهم والتزامهم بها، والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل، وقد رجح الأول بأن المذكور هو الإخبار بالفريضة فتعود الإشارة إليها، ويرجح الثاني أنهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا بالامتثال لا بالفعل لكفى ولم يشترط التلفظ، بخلاف الشهادتين فالشرط عدم الإنكار والإذعان للوجوب (وقال الحافظ) المراد القدر المشترك بين الأمرين فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه أو بهما فأولى، وقد وقع في رواية الفضل بن العلاء بعد ذكر الصلاة، فإذا صلوا وبعد ذكر الزكاة، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم

ص: 189

افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم وأتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله عز وجل حجاب.

(1) استدل به على الإمام هو الذي يتولى قض الزكاة وصرفها غما بنفسه وإما بنائبه فمن امتنع منهم أخذت منه قهرا؛ واستدل بقوله "على فقرائهم" لقول مالك وغيره إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، وفيه بحث كما قال ابن دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء، وقال الخطابي وقد يستدل به من لا يرى المديون زكاة إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني، إذ إخراج ماله مستحق لغرمائه (2) كرائم منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره والكرائم جمع كريمة أي نفيسة، وفيه دليل على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال لأن الزكاة لمواساة الفقراء، فلا يناسب ذلك الإجحاف بالمالك إلا يرضاه (3) فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال الإشارة إلى أن أخذها ظلم (4) أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما في حديث أبي هريرة مرفوعا عند الإمام وسيأتي في باب الدعوات المستجابة من كتاب الأذكار والدعوات بلفظ "دعوة المظلوم مستجابة. وإن كان فاجرا فتجوره على نفسه"(قال الحافظ) وإسناده حسن، وليس المراد أن الله تعالى حجابا يحجبه عن الناس (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم) وقد استشكل عدم ذكر الصوم والحج في الحديث مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم، وأجاب ابن الصلاح أن ذلك تقصير من بعض الرواة، وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان، وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كررا في القرآن، فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، وقيل إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منه بشيء كحديث (بني الإسلام على خمس) فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة الشهادة والزكاة، ولو كان بعد وجود فرض الحج والصوم لقوله تعالى "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة" مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج. والله أعلم.

ص: 190

(10)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله، وقال فلما قام أبو بكر وارتد من ارتد أراد أبو بكر تنالهم، قال عمر كيف تقاتل هؤلاء القوم وهم يصلون؟ قال

(10) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا روح ثنا محمد بن أبي حفصة ثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه) (1) أي مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية أخرى لأبي هريرة أيضا عند الإمام أحمد بلفظ "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرم على دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله عز وجل" وتقدم هذا الحديث في باب حكم الإقرار بالشهادتين في الجزء الأول من كتاب الإيمان (2) زاد في رواية ستأتي في الحديث التالي إلا بحقها، أي كلمة الإسلام وهي لا إله إلا الله مع محمد رسول الله كما تقدم، ورواية البخاري "إلا بحقه" أي الإسلام من قتل النفس المحرمة أو ترك الصلاة أو منع الزكاة بتأويل باطل (وحسابهم على الله) فيما يسره فيثيب المؤمن ويعاقب المنافق (3) أي بالخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم "وارتد من ارتد" من العرب، بعض بعبادة الأوثان، وبعض بالرجوع إلى إتباع مسيلمة وهم أهل اليمامة وغيرهم، واستمر بعض على الإيمان إلا أنه منع الزكاة بغيا وشحا، ولذلك سموا في لسان الشرع أهل بغي ولم يسموا على الإنفراد كفارا، وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين، وذلك أن الردة اسم لغوي، فكل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه فقد ارتد عنه، وقد وجد من هؤلاء القوم الإنصراف عن الطاعة ومنع الجق وانقطع عنهم اسم الثناء والمدح وعلق بهم الاسم القبيح لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا؛ وقد زعم بعض الرافضة أن مانعي الزكاة كانوا متأولين في منعها وكانوا يزعمون أن الخطاب في قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" خطاب خاص في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، وأنه مقيد بشرائط لا توجد فيمن سواه، وذلك أنه ليس لأحد من التطهير والتزكية والصلاة على المتصدق ما كان النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الشبهة إذا وجدت كان ذلك مما يعذر فيه أمثالهم ويرفع السيف عنهم، وزعموا أن قتالهم كان عسفا، وهذا زعم باطل وتأويل عاطل، لأن قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة" غير مختص به صلى الله عليه وسلم بل يشاركه فيه الأمة، والفائدة في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب

ص: 191

فقال أبو بكر والله لأقاتلن قوما ارتدوا عن الزكاة، والله لو منعوني عناقا مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم، قال عمر فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتالهم عرفت أنه الحق

(11)

عن عبيد الله بن عبدالله بن عتيبة قال لما ارتد أهل الردة في زمان أبي بكر رضي الله عنه قال عمر كيف تقاتل الناس يا أبا بكر وقد قال

أ، هـ هو الداعي إلى الله عز وجل والمبين عنه معنى ما أراد فقدم اسمه ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه لهم، وأما التطهير والتزكية والدعاء منه صلى الله عليه وسلم لصاحب الصدقة، فإن الفاعل لها قد ينال ذلك كله بطاعة الله رسلوه صلى الله عليه وسلم فيها وكل، ثواب موعود على عمل من كان في زمنه صلى الله عليه وسلم فإنه باق غير منقطع، فبهذا ثبت أنهم كانوا بغاة ولذلك أمر ابو بكر رضي الله عنه بقتال أهل الردة جميعا ولم يستن منهم م نعى الزكاة (فقال له عمر كيف تقاتل هؤلاء القوم وهم يصلون) وكأن عمر رضي الله عنه لم يستحضر من هذا الحديث إلا هذا القدر الذي ذكره وإلا فقد وقع في رواية أخرى من حديث أبي هريرة وابن عمر زيادة، وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وتقدم ذلك آنفا (وفي رواية) للعلاء بن عبد الرحمن حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما جئت به، وهذا يعم الشريعة كلها، ومقتضاه أن من جحد شيئا مما جاء به صلى الله عليه وسلم ودعى إليه فامتنع ونصب القتال تجب مقاتلته وقتله إذا أصر، ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه "والله لأقاتلن قومام ارتدوا عن الزكاة" وفي رواية للشيخين والإمام أحمد "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" يعني بأن قال أحدهما واجب دون الآخر. أو انكر وجوب أداء الزكاة إلى الإمام (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق البدن أي فدخلت في قوله إلا بحقه (1) بفتح العين بعدها نون وهو الأنثى من أولاد المعز، وقد احتج الشافعية وأبو يوسف بقوله عناقا على أن حول النتاج حول الأمهات وإلا لم يجز أحد العناق، وقال أبو حنيفة ومحمد لا تجب الزكاة في المسألة المذكورة، وجمل الحديث على المبالغة (2) يعني فلما استقر عند عمر صحة قول أبي بكر وبان له صوابه تابعه على قتال القوم، وهو معنى قوله فعرفت أنه الحق، يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها والبرهان الذي اقامه نصا ودلاله. والله أعلم (تخريجه)(ق. والثلاثة)

(11)

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي

ص: 192

رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة الزكاة، فإن الزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها، قال عمر رضي الله عنه فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر رضي الله عنه للقتال فعرفت أنه الحق

(12)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من صاحب

حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة - الحديث" (غريبه)(1) كان هذا من عمر رضي الله عنه تعلقا بظاهر الكلام قبل أن أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه، فقال له أبو بكر رضي الله عنه إن الزكاة حق المال يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلفة باستيفاء شرائطها، والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم، فكما لا تتناول العصمة من لم يؤد حق الصلاة كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤد حق الزكاة، وإذا لم تتناولهم العصمة بقوا في عموم قوله أمرت أن أقاتل الناس فوجب قتالهم حينئذ، وهذا من لطيف النظر أن يقلب المعترض على المستدل دليله فيكون أحق به، وكذلك فعل أبو بكر فسلم له عمر رضي الله عنهما وقاسه على قتال الممتنع من الصلاة، لأنه كان إجماعا من الصحابة فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه، فاجتمع في هذا الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكر بالقياس، وفيه دلالة على أن الصديق والفاروق لم يسمعا من الحديث الصلاة والزكاة كما سمعه غيرهما ولم يستحضراه، إذ لو كان ذلك لم يحتج عمر على أبي بكر، ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمر ولم يحتج بعموم قوله إلا بحقها، لكن يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري، ويحتمل كما قال الطيبي أن يكون عمر ظن أن المقاتلة إنما كنت لكفرهم لالمنعهم الزكاة فاستشهد بالحديث، وأجابه الصديق بأني ما أقاتلهم لكفرهم بل لمنعهم الزكاة والله أعلم (تخريجه)(أخرجه الشيخان. وغيرهما) من مسند أبي هريرة وهو عند الإمام أحمد من مسند عمر

(12)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا وهيب بن خالد البصري قال ثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه الحديث"

ص: 193

كنز لا يؤدي زكاته إلا جيء به يوم القيامة وبكنزه فيحمى عليه صفائح في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا جيء به يوم القيامة وبإبله كأوفر ما كانت عليه فيبطح لها بقاع قرقر كلما مضى أخراها

(غريبه)(1) قال الإمام أبو جعفر الطبري الكنز كل شيء مجموع بعضه على بعض سواء كان في بطن الأرض أو في ظهرها (قال صاحب العين) وغيره وكان مخزونا (وقال القاضي عياض) اختلف السلف في المراد بالكنز المذكور في القرآن وفي الحديث، فقال أكثرهم هو كل مال وجبت فيه صدقة الزكاة فلم تؤد، فأما مال أخرجت زكاته فليس بكنز، وقيل الكنز هو المذكور عن أهل اللغة، ولكن الآية منسوخة بوجوب الزكاة، وقيل المراد بالآية أهل الكتاب المذكورون قبل ذلك، وقيل كل ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز وإن أديت زكاته، وقيل هو ما فضل عن الحاجة؛ ولعل هذا كان في أول الإسلام وضيق الحال، واتفق أئمة الفتوى على القول الأول لقوله "لا يؤدي زكاته" وفي صحيح مسلم بدل قوله "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده" الخ (3) أي يوم القيامة يجعله الله على الكافر مقدار خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا (وقوله ثم يرى سبيله) قال النووي ضبطناه بضم الياء وفتحها وبرفع لام سبيله ونصبها (4) زاد مسلم "لا يفقد منها فصيلا واحدا" وله في أخرى "أعظم ما كانت" وهذا للزيادة في عقوبته بكثرتها وقوتها وكمال خلقها فتكون أثقل في وطئها، كما أن ذوات القرون تكون بقرونها ليكون أنكى وأصوب لطعنها ونطحها "وقوله فيبطح لها بقاع قرقر" معناه أنه يلقى على وجهه (قال القاضي عياض) قد جاء في رواية للبخاري يخبط وجهه بأخفافها، قال وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح كونه على الأرض. وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد فقد يكون على وجهه وقد يكون على ظهره. ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها أهـ "والقاع" المستوى الواسع من الأرض والقرقر المستوى الأملس (قال الهروي) وجمعه

ص: 194

رد عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب غنم لا يؤدي زكاتها إلا جيء به وبغنمه يوم القيامة كأوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل يا رسول الله فالخيل، قال الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، والخيل ثلاثة وهي لرجل أجر، وهي لرجل ستر، وهي على رجل وزر (فأما الذي هي له أجر) الذي يتخذها ويحبسها في سبيل الله فما غيبت في بطونها فهو له أجر، ولو عرض له نهر فسقاها منه كان له بكل قطرة غيبته في بطونها أجر حتى ذكر الأجر في أرواثها وأبوالها (وأما الذي هي له ستر) فرجل يتخذها تعففا وتجملا وتكرما ولا ينسى حقها في ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها

قيعة وقيعان مثل جيرة وجيران "القرقر" المستوى أيضا من الأرض الواسع وهو بفتح القافين (1) الظلف للبقر والغنم والظباء، وهو المنشق من القوائم، والخف للبعير، والقدم للآدمي. والحافر للفرس والبغل والحمار (2) يعني الأجر والمغنم كما في رواية صحيحة، وفيه دليل على بقاء الإسلام والجهاد إلى يوم القيامة، والمراد قبيل القيامة بيسير أي حتى تأتي الريح الطيبة من قبل اليمن تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما ثبت في الصحيح (3) أي أعدها للجهاد في سبيل الله "وقوله فما غيبت في بطونها" أي من العلف والماء (4) معنى استنت أي جرت والشرف بفتح الشين المعجمة والراء، وهو العالي من الأرض، وقيل المراد هنا طلقا أو طلقين (5) جاء في رواية لمسلم، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات (6) قيل المراد بحقها الإحسان إليها والقيام بعلفها وسائر مؤنها، والمراد بظهورها اطراق

ص: 195

(وأما الذي عليه وزر) فرجل يتخذها أشرا وبطرا ورئاء الناس وبذخا عليه قيل يا رسول الله فالحمر؟ قال ما أنزل على فيها شيء إلا هذه الآية "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"

(13)

حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا سعيد عن قتادة عن أبي عمر الغداني قال كنت عند أبي هريرة جالسا فمر رجل من بني عامر ابن صعصعة فقيل له هذا أكثر عامري مالا، فقال أبو هريرة ردوه إلي فردوه عليه فقال نبئت أنك ذو مال كثير، فقال العامري إي والله إن لي مائة حمرا ومائة أدما حتى عد من ألوان الإبل وأفنان الرقيق ورباط الخيل، فقال

فحلها إذا طلبت عاريته وهذا على الندب، وقيل المراد حق الله مما يكسب من مال العدو وعلى ظهورها وهو خمس الغنيمة، وقيل المراد وجوب الزكاة في الخيل (وبه قال أبو حنيفة) ومذهبه أنه كانت الخيل كلها ذكورا فلا زكاة فيها، وإن كانت إناثا أو ذكورا وإناثا وجبت الزكاة وهو بالخيار إن شاء أخرج عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر القيمة وقال الأئمة الثلاثة "ليس على المسلم في فرسه صدقة" رواه الشيخان والإمام أحمد وغيرهم، وتأولوا هذا الحديث على أن المراد أن يجاهد بها وقد يجب الجهاد بها إذا تعين (1) قال أهل اللغة الأشر بفتح الهمزة والشين المعجمة وهو المرح واللجاج "وأما البطر" فالطغيان عند الحق "وأما البذخ" فبفتح الباء والذال المعجمة وهو بمعنى الأشر والبطر (2) جمع حمار أي أخبرنا عن الحمر وما جاء فيها (3) رواية مسلم "إلا هذه الآية الفاذة الجامعة" ومعنى الفاذة أي قليلة النظير والجامعة أي العامة المتناولة لكل خير ومعروف (قال النووي) وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم، ومعنى الحديث لم ينزل على فيها شيء أهـ (تخريجه)(م).

(13)

حدثنا عبدالله (غريبه)(4) بكسر الهمزة وهي بمعنى نعم إلا أنها تختص بالمجيء مع القسم كما أنها إيجابا لما سبقه من الاستعلام (5) بضم الهمزة وسكون الدال جمع آدم بمد الهمزة كأحمر وحمر، والأدمة في الإبل البياض مع سواد المقلتين، يقال بعير آدم بين الأدمة وناقة أدماء، وهي في الناس السمرة الشديدة، وقيل هو من أدمة الأرض وه ولونها وبه سمي آدم (6) أي ضروبها وأنواعها "ورباط الخيل" الخمس فما

ص: 196

أبو هريرة إياك وأخفاف الإبل وأظلاف الغنم يردد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتغير أو يتلون، فقال ما ذاك يا أبا هريرة؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كانت له إبل لا يعطي حقها (فذكر مثل الحديث المتقدم ثم قال) وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها (فذكر مثل الحديث المتقدم ثم قال) وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وأسره ثم يبطح لها بقاع قرقر.

فوق، يريد كثرة الخيل (1) أي احذر أن تطأك الإبل بأخفافها والغنم بأظلافها وكرر ذلك حتى خاف الرجل وتغير لونه من شدة الخوف (2) النجدة الشدة والرسل بالكسر الهينة والتأني (قال الجوهري) يقال أفعل كذا وكذا على رسلك بالكسر أي اتئدفيه كما يقال على هينتك، قال ومنه الحديث إلا من أعطى في نجدتها ورسلها أي الشدة والرخاء، يقول يعطي وهي سمان حسان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة (وقال الأزهري) معناه إلا من أعطى في إبله ما يشق عليه عطاؤه فيكون نجدة عليه أي شدة، ويعطي ما يهون عليه إعطاؤه منها مستهينا به على رسله (وقال الأزهري) قال بعضهم في رسلها أي بطيب نفس منه، وقيل ليس للهزال فيه معنى، لأنه ذكر الرسل بعد النجدة على جهة التفخيم فجرى مجرى قولهم إلا من أعطى في سمنها وحسنها ووفور لبنها، وهذا كله يرجع إلى معنى واحد فلا معنى للهزال، لأن من بذل حق الله من المضنون به كان إلى إخراجه مما يهون عليه أسهل، فليس لذكر الهزال بعد السمن معنى (نقله صاحب النهاية) ثم قال والأحسن والله أعلم أن يكون المراد بالنجدة الشدة والجدب؛ وبالرسل الرخاء والخصب، لأن الرسل اللبن، وإنما يكثر في حال الرخاء والخصب، فيكون المعنى أنه يخرج حق الله في حال الضيق والسعة والجدب والخصب، لأنه إذا خرج حقها في سنة الضيق والجدب كان ذلك شاقا عليه فإنه إجحاف به، وإذا أخرجها في حال الرخاء كان ذلك سهلا عليه، ولذلك قيل في الحديث "يا رسول الله وما نجدتها ورسلها؟ قال عسرها ويسرها" فسمي النجدة عسر والرسل يسر، لأن الجدب عسر والخصب يسر؛ فهذا الرجل يعطي حقها في حال الجدب والضيق؛ وهو المراد بالنجدة؛ وفي حال الخصب والسعة، وهو المراد بالرسل والله أعلم أهـ (3) أي أسرع وأنشط أغذ يعذ إغذاذا، إذا أسرع في السير (4) بالسين المهملة وتشديد الراء (قال في النهاية) أي كأسمن ما كانت وأوفره من سر كل شيء وهو لبه ومخه، وقيل هو من السرور لأنها إذا سمنت سرت الناظر إليها، قال وروي وآشره بمد الهمزة وشين

ص: 197

فتطؤه فيه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين الناس حتى يرى سبيله، وإذا كانت له غنم (فذكر نحو الحديث المتقدم ثم قال) فقال العامري وما حق الإبل يا ابا هريرة؟ قال أن تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة وتفقر الظهر وتسقي اللبن وتطرق الفحل

(14)

حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا محمد بن بكر وعبد الرزاق قالا ثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها (فذكر نحو ما تقدم في الإبل والبقر والغنم ثم قال) ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاغرًا فاه

معجمة وتخفيف الراء أي أبطره أو أنشطه (1) كرائم الأموال نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها، واحدها كريمة، والمراد أن يعطها عن طيب خاطر إن كانت في الصدقة الواجبة ولا يجوز إكراهه على إعطائها، فقد ورد النهي عن أخذ كرائم الأموال في الزكاة إلا برضا صاحبها، لأن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب ذلك الإجحاف بالمالك (وقوله وتمنح الغزيرة) أي كثيرة اللبن سواء أكانت ناقة أو شاة، والمعنى أن يعطي إنسانا ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه ينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها (2) أي يعير بعيره لغيره إذا احتاج إليه للركوب، يقال أفقر البعير يفقره افتقارا، أعاره مأخوذ من ركوب فقار الظهر وهو خرزاته الواحدة فقارة، وفي حديث المزارعة أفقرها أخاك أي أعره أرضك للزراعة، استعاره للأرض من الظهر "نه"(3) اطراق الفحل اعارته للضراب واستطراق الفحل استعارته لذلك (قال القاضي عياض) هذه الألفاظ صريحة في أن هذا الحق غير الزكاة، قال ولعل هذا كان قبل وجوب الزكاة أهـ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد وأخرجه الشيخان وغيرهما بسياق آخر.

(14)

حدثنا عبد الله (غريبه)(4) الشجاع الحية الذكر والأقرع الذي تمعط شعره لكثرة سمه وطول عمره، وقيل الشجاع الذي بواثب الرجل والفارس ويقوم على ذنبه

ص: 198

فإذا رآه فر منه فيناديه ربه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه أغنى منك، فإذا رأى أنه لابد له منه سلك يده في فيه فقضمها قضم الفحل، قال أبو الزبير وسمعت عبيد بن عمير قال يا رسول الله قال عبد الرزاق في حديثه قال رجل يا رسول الله ما حق الإبل، قال حلبها على الماء وإعارة دلوها وإعارة فحلها ومنيحتها. وحمل عليها في سبيل الله، قال عبد الرزاق فيها كلها وقعد لها وقال عبد الرزاق فيه، قال أبو الزبير سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول ثم سألنا جابر الأنصاري عن ذلك فقال مثل قول عبيد بن عمير

وربما بلغ رأس الفارس ويكون في الصحاري، وفي رواية مسلم "إلا تحول يوم القيامة شجاعا أقرع" أي صار على صورة الشجاع لعذابه (وقوله فاغرا) أي فاتحا فاه (1) معنى سلك أدخل، وقضمها بقاف وضاد معجمة أي أكلها، ويقال قضمت الدابة شعيرها بكسر الضاد وتقضمه بفتحها إذا أكلته (2) هو ابن قتادة الليثي أبو عاصم المكي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال مسلم، وعده غيره من كبار التابعين، وكان قاص أهل مكة مجمع على ثقته، مات قبل ابن عمره، والظاهر أن أبا الزبير سمع هذا الحديث من جابر بن عبدالله إلى قوله "قضم الفحل" ثم سمع بقيته من عبيد بن عمير من قول عبد الرزاق "قال رجل يا رسول الله" إلى قوله "وحمل عليها في سبيل الله"(3) يعني يوم ورودها الماء ففيه رفق بالماشية وبالمساكين لأنه أهون على الماشية وأرفق بها وأوسع عليها من حلبها في المنازل، وهو أسهل على المساكين وأمكنهم في وصولهم إلى موضع الحلب ليواسوا (4) أي لمن يطلبها من الناس ليستقي بها وبقية هذه الخصال تقدم الكلام عليها في شرح الحديث السابق (5) يريد أن قوله "وقعد لها" راجع لكل خصلة من الخصال المتقدمة، ومعناه أن صاحب الإبل اقتعدها لذلك، ومنه سمي ذكر الإبل قعودا والأنثى قعودة، لأن صاحبه يقتعده للركوب والحمل، والقعود من الإبل ما أمكن أن يركب، وأدناه أن يكون له سنتان ثم هو قعود إلى أن ينثني فيدخل في السنة السادسة، ثم هو حمل (6) يعني الخصال الواردة في حق الإبل، ثم سأل أبو الزبير جابرا عنها فأقرها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. فالحديث مرفوع من طريق جابر، وقد جاء هذا الحديث عند مسلم بتمامه مرفوعا عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه (تخريجه)(م)

ص: 199

(15)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يأخذ بلهزمتيه يوم القيامة، ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله - الخ الآية)

(16)

وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

(15) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه) (1) أي صور أو ضمن (مثل) معنى التصيير أي صير ماله على صورة شجاع، ووقع في رواية لأبي هريرة أيضا وتقدمت رقم 12 بلفظ "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا جيء به يوم القيامة وبكنزه فيحمى عليه صفائح في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه- الحديث" ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال اجتماع الأمرين معا، فروايته هنا توافق الآية التي ذكرها وهي "سيطوقون - الخ" وروايته هناك توافق قوله تعالى "يوم حمى عليها في نار جهنم" الآية (قال البيضاوي) خص الجبين والظهر لأنه جمع المال ولم يصرفه في حقه ليحصل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس، أو لأنه أعرض عن الفقير وولاه ظهره، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسية، وقيل المراد بها الجهات الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه نسأل الله السلامة (2) تنبيه زبيبة بفتح الزاي وموحدتين، وهما الزبدتان اللتان في الشدقين، يقال تكلم حتى زبب شدقاه أي خرج الزبد منهما، وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل نقطتان يكتنفان فاه (3) بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسورة، وقد فسر في الحديث عند البخاري بالشدقين، وفي الصحاح هما العظمان الناتئان في اللحيين تحت الأذنين، وفي الجامع هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان (4) فائدة هذا القول الحسرة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم، وفيه نوع من التهكم (5) في هذا الحديث وحديث ابن مسعود الآتي تقوية لقول من قال المراد بالتطويق في الآية الحقيقية، خلافا لمن قال إن معناه سيطوقون الإثم، وفي تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وهو قول أكثر أهل العمل بالتفسير، وقيل إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقيل نزلت فيمن له قرابة لا يصلهم. قاله مسروق (تخريجه)(ق. لك. نس)

(16)

وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا قتيبة حدثنا

ص: 200

قال يكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعا اقرع ذا ربيبتين يتبع صاحبه وهو يتعوذ منه، ولا يزال يتبعه حتى يلقمه إصبعه.

(17)

عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يأتي رجل مولاه فيسأله من فضل هو عنده فيمنعه إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منعه (وفي رواية) ما من مولى يأتي له فيسأله من فضل من فضل عنده فيمنعه إلا جعله الله تعالى عليه شجاعا ينهسه قبل القضاء

ليث بن سعد عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة - الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وسنده جيد، ومعناه في الذي كنز مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يتبعه فيقول من أنت؟ فيقول أنا كنزك الذي خلفت فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعه سائر جسده - رواه البزار وقال إسناده حسن و (طب. خز. حب) في صحيحيهما.

(17)

عن بهز بن حكيم (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا يزيد أنا بهز بن الحكيم- الحديث" (غريبه) (1) جد بهز بن الحكيم هو معاوية بن حيده رضي الله عنه (2) في رواية عند ابن جرير "ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه" (3) أي يدير لسانه في فيه ويحركه بعد نهسه يتذوق طعمه "وقوله فضله" بالضم حبر لمبتدأ محذوف تقديره هو فضله الذي منعه. والمعنى أن الله عز وجل يجعل فضل مال البخيل شجاعا أقرع ينهس اصبعه ثم يده ثم سائر جسده كما يستفاد من مجموع الأحاديث ثم يتلمظ (4) النهس بالسين المهملة أخذ اللحم بأطراف الأسنان. والنهش بالشين المعجمة الأخذ بجميعها "وقوله قبل القضاء" أي قبل القضاء بين الخلائق يوم القيامة (تخريجه)(د. نس مذ) وحسنه وأخرجه أيضا ابن جرير وابن مردويه - ورواه أيضا ابن جرير من طريق أخرى عن أبي قزعة واسمه حجر ابن بيان عن أبي مالك العبدي موقوفا، ورواه من وجه آخر عن أبي قزعة مرسلا. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره والله أعلم.

ص: 201

(18)

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه يفر منه وهو يتبعه، فيقول أنا كنزك ثم قرأ عبد الله مصداقه في كتاب الله عز وجل (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) قال سفيان مرة يطوقه في عنقه.

(19)

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله عز وجل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ثم يلزمه يطوقه يقول أنا كنزك أنا كنزك.

(20)

عن الأحنف بن قيس قال قدمت المدينة وأنا أريد العطاء من عثمان بن عفان رضي الله عنه فجلست إلى حلقة من حلق قريش فجاء رجل عليه أسمال له فدلف ثوبا على رأسه قال بشر الكنازين بكى في الجباه

(18) عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن جامع عن أبي وائل عن عبد الله "بن مسعود" - الحديث" (غريبه)(1) ظاهر الآية أنه يجعل قدر الزكاة طوقا لأنه الذي يخل به، وظاهر الحديث أنه الكل، ويمكن أن يحمل الحديث على قدر الزكاة أيضا، لا سيما وقد جاء صريحا في الحديث الذي قبله. والله أعلم (2) هو ابن عيينة أحد رجال السند يعني أنه قال في رواية أخرى يطوقه في عنقه، فبينت هذه الرواية مكان التطويق (تخريجه)(نس. جه. خز) وصححه المنذري.

(19)

عن ابن عمر رضي الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجين بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الحديث" (تخريجه) أورده المنذري وقال رواه النسائي بإسناد صحيح.

(20)

عن الأحنف بن قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا أبو نعامة عن الأحنف بن قيس- الحديث" (غريبه) (3) الحلقة بإسكان اللام، وحكى الجوهري لغية رديئة في فتحها، وفي رواية لمسلم "فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش" الملأ الأشراف، ويقال أيضا للجماعة (4) الأسمال جمع سمل بفتح أوله

ص: 202

وبكي في الظهور وبكى في الجنوب ثم تنحى إلى سارية فصلى خلفها ركعتين، فقلت من هذا، فقيل هذا أبو ذر رضي الله عنه فقلت ما شيء سمعتك تنادى به؟ قال ما قلت لهم إلا شيئا سمعوه من نبيهم صلى الله عليه وسلم فقلت يرحمك الله، إني كنت آخذ العطاء من عمر فما ترى؟ قال خذه فإن فيه اليوم معونة ويوشك أن يكون دينا، فإذا كان دينا فارفضه (وفي لفظ) فإذا كان ثمنا لدينك فدعه.

(21)

عن أبي ذر رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة، فقال هم الأخسرون، ورب الكعبة، هم الأخسرون ورب الكعبة فأخذني غم وجعلت أتنفس، قال قلت هذا شر حدث في، قال قلت من فداك أبي وأمي؟ قال الأكثرون إلا من قال في عباد الله

وثانيه، والسمل الخلق من الثياب؛ أي الثياب البالية (1) قال التووي ظاهره أنه أراد الاحتجاج لمذهبه في أن الكنز كل ما فضل عن حاجة الإنسان، هذا هو المعروف من مذهب أبي ذر، وروى عنه غيره، والصحيح الذي عليه الجمهور أن الكنز هو المال الذي لم تؤد زكاته، فأما إذا أديت زكاته فليس بكنز سواء كثر أم قل أهـ (2) الظاهر أن أبا ذر رضي الله عنه علم احتياج الرجل الصدقة ثمنا لدينه، وهذا عند فساد الأمراء والسلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال وما بقي لا ينفقونه في وجوهه بل يختصون به أناسا يعانونهم على الظلم والاستبداد وهؤلاء يقبلونه ثمنا لدينهم، ولهذا حذر أبو ذر رضي الله عنه الرجل بقوله "فإذا كان ثمنا لدينك فدعه" يعني وإن كنت محتاجا، نسأل الله السلامة (تخريجه)(م. وغيره)

(21)

عن أبي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد وابن نمير المعني قال ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر- الحديث" (غريبه) (3) أي من شدة ما لحقه من الغم والكرب (4) في رواية مسلم "قال هم الأكثرون أموالا" وهذه

ص: 203

هكذا وهكذا وهكذا وقليل ما هم، ما من رجل يموت فيترك غنما أو إبلا أو بقرا لم يؤد زكاته إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها حتى يقضي بين الناس، ثم تعود أولاها على أخراها (وفي رواية) كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها.

(22)

عن سماك بن حرب قال سمعت قبيصة بن هلب يحدث عن أبيه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال وذكر الصدقة قال لا يجيئن أحدكم بشاة لها يعار يوم القيامة

الجملة مفسرة لقوله هم الأخسرون، يعني أن الأكثرين أموالا هم الأخسرون "إلا من قال في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا" زاد مسلم "من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله" يعني إلا من تصدق على الناس المستحقين وفي أوجه الخير لا يقتصر على نوع من أنواع البر بل ينفق في كل وجه ومن وجوه الخير يحضر (1) نفدت بالدال المهملة، وكذلك عند مسلم (قال النووي) هكذا ضبطناه نفدت بالدال المهملة، ونفذت بالذال المعجمة وفتح الفاء وكلاهما صحيح (تخريجه)(م. وغيره).

(22)

عن سماك بن حرب (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا أبو موسى محمد بن المثنى ثنا أبو داود عن شعبة أخبرني سماك بن حرب- الحديث" (غريبه) (2) هو الهلب بضم الهاء وسكون اللام الطائي صحابي، وسبب تسميته بذلك على ما رواه ابن دريد وكان أقرع فصار أفرع، يعني كان أقرع فمسح رأسه فنبت شعره فسمى الهلب، قال ابن دريد وكان أقرع فصار أفرع، يعني كان بالقاف فصار بالفاء، والأهلب الكثير الشعر (قال الحافظ) في الإصابة هو يزيد بن قنافة وقيل ابن يزيد بن قنافة، وكذا قال ابن الكلبي، لكن سماه سلافة (3) بضم أوله يقال يعرت العنز تيعر بالكسر يعارا بالضم اي صاحت، وكأنها بصياحها هذا تشكو صاحبها لعدم إخراج حقها فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وقد ورد مثل ذلك في الغلول وهو السرقة من الغنيمة. قال تعالى "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" وفي الحديث عند الشيخين والإمام أحمد وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره حتى قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك) وذكر مثل ذلك في الفرس والشاة وغيرها (تخريجه)(نس) من حديث

ص: 204

أبي هريرة مطولا وسنده جيد (زوائد الباب)(عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا أو يعذبهم عذابا أليما، رواه الطبراني في الصغير والأوسط وقال تفرد به ثابت بن محمد الزاهد (قال الهيثمي) ثابت من رجال الصحيح وبقية رجاله وثقوا وفيهم كلام (وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلموا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم، فيقول الله تعالى وعزتي وجلالي لأدنينكم ولأباعدنهم، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه الحارس بن النعمان وهو ضعيف (وعن أبي الدرداء) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الزكاة قنطرة الإسلام" رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون إلا أن بقية مدلس وهو ثقة (وعن حذيفة بن اليمان) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الإسلام ثمانية أسهم، الإسلام سهم. والصلاة سهم. والصيام سهم. والزكاة سهم. وحج البيت سهم. والأمر بالمعروف سهم. والنهي عن المنكر سهم. والجهاد في سبيل الله سهم. وقد خاب من لا سهم له" رواه البزار وفيه يزيد بن عطاء؛ وثقه أحمد وضعفه جماعة (وعن ابن مسعود) رضي الله عنه قال "أمرنا بإقام الصلاة وإيناء الزكاة ومن يزك فلا صلاة له" رواه (طب) وله إسناد صحيح (وعن جابر) رضي الله عنه قال قال رجل من القوم يا رسول الله أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره (طس) وإسناده حسن وإن كان في بعض رجاله كلام (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه قال سمعت من عمر بن الخطاب حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته منه كنت أكثرهم لزوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة (طس) وفيه عمر بن هارون ضعيف (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء (طب. طس) وفيه موسى بن عمير الكوفي وهو متروك) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرت لهم الصلاة فصلوها. وخفيت لهم الزكاة فأكلوها. وأولئك هم المنافقون (بز) وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بخمس قيل يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر/ ولا طفقوا المكيال إلا حبس عنهم النبات وأخذوا بالسنين

ص: 205

هكذا بالأصل، وهي أربع لا خمس، فالظاهر أن الراوي نسي خامسه (طب) وفيه اسحق ابن عبد الله بن كيسان المروزي لينه الحاكم. وبقية رجاله موثقون وفيهم كلام (وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين (طس) ورجاله ثقات (وعن ميمون بن مهران) قال قيل لابن عمر إن زيد بن حارثة قد مات فقال رحمه الله، فقيل يا أبا عبد الرحمن إنه قد ترك مائة ألف، فقال لكنها لم تتركه (طب) ورجال رجال صحيح، ذكر هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وهذا كلامه عليها جرحا وتعديلا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على وجوب الزكاة وأنها فرض على كل من ملك النصاب، وقد ثبت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وغير ذلك في كتاب الله كثير، وأما السنة فحديث (بني الإسلام على خمس) وفيه قال "وإيتاء الزكاة" وحديث معاذ الأول من أحاديث الباب وفيه فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم" وغير ذلك كثير، ما ثبت من الوعيد الشديد لمانع الزكاة في أحاديث الباب (وأما الإجماع) على فرضية الزكاة فقد حكاه ابن المنذر وغيره، وهي أحد أركان الإسلام الخمس (قال ابن بطال) فمن جحد واحدة من هذه الخمس فلا يتم إسلامه، ألا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه قال لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، وقال ابن الأثير من منعها منكرا وجوبها فقد كفر إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام ولم يعلم وجوبها، وقال القشيري من جحدها كفر، وأجمع العلماء أن مانعها تؤخذ منه قهرا، وإن نصب الحرب دونها قتل كما فعل أبو بكر رضي الله عنه بأهل الردة ووافق على ذلك جميع الصحابة رضي الله عنهم (وفي حديث معاذ) ابن جبل رضي الله عنه دليل على بعث السعاة وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج غليه من الأحكام وقبول خبر الواحد، ووجوب العمل به، وأن من ملك نصابا لا يعطي من الزكاة من حيث أنه جعل أن المأخوذ منه غني وقابله بالفقر؛ وإن المال إذا تلف قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة لإضافة الصدقة إلى المال، وقد احتج به أيضا على صرف الزكاة في بلدها واشتراط إسلام الفقير، وأنها تجب في مال المجنون والصبي اليتيم الغني عملا بعمومه (قال الترمذي) وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فرأى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مال اليتيم زكاة منهم عمر وعلي وعائشة وابن عمر، وبه يقول (مالك والشافعي) وأحمد) وإسحق (وقالت طائفة) من أهل العلم ليس في مال اليتيم زكاة، وبه قال سفيان الثوري وعبدالله بن المبارك أهـ (قال العيني)(وبه قال أبو حنيفة وأصحابه) وهو قول أبي وائل وسعيد ن جبير والنخعي والشعبي والحسن البصري، وحكى عنه إجماع الصحابة (وقال

ص: 206

(3)

باب ما جاء في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة

(23)

حدثنا عبد الله حدثني ابي حدثنا محمد بن يزيد يعني الواسطي عن سفيان يعني بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه (عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفى، قال فأخرجها أبو بكر رضي الله عنه من بعده فعمل بها حتى توفى، ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها؛ قال فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته، فقال كان فيها في الإبل في كل خمس شاة حتى تنتهي إلى اربع وعشرين، فإذا بلغت إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس

سعيد بن المسيب) لا تجب الزكاة إلا على من تجب عليه الصلاة والصيام، وذكر حميد بن زنجويه النسائي أنه مذهب ابن عباس، وفي المبسوط وهو قول على أيضا. وعن جعفر ابن محمد عن أبيه مثله، وبه قال شريح ذكره النسائي أهـ (وفي أحاديث الباب أيضا) دليل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم (وقد استدل أبو حنيفة) على وجوب الزكاة في الخيل لما وقع في حديث أبي هريرة من قوله "ولا ينسى حقها في ظهورها ولا رقابها" وتأول الجمهور هذا الحديث على أن المراد يجاهد بها، وقيل المراد بالحق في رقابها الإحسان إليها والقيام بعلفها وسائر مؤنها، والمراد بظهورها إطراق فحلها إذا طلبت عاريته، وقيل المراد حق الله مما يكسبه من مال العدو على ظهورها وهي خمس الغنيمة، وسيأتي الكلام على هذه الأطراف التي دل الحديث عليها في أبوابها (وفي أحاديث الباب) غير ذلك تقدم الكلام عليه في خلال الشرح والله سبحانه وتعالى أعلم.

(23)

حدثنا عبدالله (غريبه)(1) أي جذعة من الضأن وهي مالها سنة (2) أي من الإبل وهي ما لها سنة ودخلت في الثانية وحملت أمها؛ والماخض الحامل، والمراد أنه قد دخل وقت حملها وإن لم تحمل، وهذا يدل على أن في الخمس والعشرين إلى الخمس والثلاثين بنت مخاض وإليه ذهب الجمهور، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن علي رضي الله عنه أن في الخمس والعشرين خمس شياة، فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت

ص: 207

وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون فإذا زادت على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون (وفي الغنم) من أربعين شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة، فإذا زادت بعد فليس فيها شيء حتى تبليغ أربعمائة؛ فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة وكذلك لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة وما كان من خليطين

مخاض، وقد روى هذا عنه مرفوعا وموقوفا (قال الحافظ) وإسناد المرفوع ضعيف (1) أي ذكر كما جاء في بعض الروايات، وهو الذي دخل في السنة الثالثة وصارت أمه لبونا بوضع الحمل (2) زاد البخاري أنثى (3) الحقة بكسر المهملة وتشديد القاف هي من الإبل ما دخلت في السنة الرابعة لأنها استحقت الركوب والحمل، جمعه حقاق وحقائق (4) الجذعة بفتح الجيم والذال المعجمة هي التي أتى عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة (5) مقتضاه أنها لا تجب الشاة الرابعة حتى توفى أربعمائة شاة، وهو مذهب الجمهور، وعن بعض الكوفيين والحسن بن صالح ورواية عن الإمام أحمد إذا زادت على الثلاثمائة واحدة وجبت الأربع (6) قال الحافظ قال مالك معنى هذا "يعني قوله ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة" أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مائتا شاة واحدة (وقال الشافعي) هو خطاب لرب المال من جهة والساعي من جهة، فأمر كل منهما أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن يكثر الصدقة فيجمع أو يفرق ليقل، والساعي أن يقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فمعنى قوله خشية الصدقة أي خشية أن تكثر أو تقل، فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما أولى

ص: 208

فهما يتراجعان بالسوية لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب من الغنم

من الآخر فحمل عليهما معا، لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر، واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا أنه لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابا كاملا فيجب عليه فيه الزكاة، خلافا لمن قال بالضم كالمالكية والهادوية والحنفية (واستدل به الأمام أحمد) على أن من كان له ماشية ببلد لا تبلغ النصاب وله ببلد آخر ما يوفيه منها أنها لا تضم، قال ابن منذر وخالفه الجمهور فقالوا تجمع على صاحب المال أمواله، ولو كانت في بلدان شتى ويخرج منها الزكاة (واستدل به أيضا) على إبطال الحيلة والعمل على المقاصد المدلول عليها بالقرائن (1) قال الحافظ اختلف في المراد بالخليطين فعند أبي حنيفة أنهما الشريكان، قال ولا يجب على أحد منهما فيما يملك إلا مثل الذي كان يجب عليهما لولم يكن خليط؛ وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث، وإنما نهى عن أمر لو فعله كان فيه فائدة، ولو كان كما قال لم يكن لتراجع الخليطين بينهما بالسوية معنى، ومثل تفسير أبي حنيفة روى البخاري عن شفيان (وبه قال مالك، وقال الشافعي وأحمد) وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتها النصاب ومثل ذلك روى سفيان في جامعه عن عمر، والمصير إلى هذا التفسير متعين، ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى "وإن كثيرا من الخلطاء" وقد بينه قبل ذلك بقوله "إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة" واعتذر بعضهم عن الحنفية بأن الحديث لم يبلغهم، أو أرادوا أن الأصل ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وحكم الخليط بخالفه، ويرد بأن ذلك مع الانفراد وعدم الخلطة لا إذا انضم ما دون الخمس إلى عدد الخليط يكون به الجميع نصابا فإنه يجب تزكية الجميع لهذا الحديث وما ورد في معناه، ولابد من الجمع بهذا، (ومعنى التراجع) كما قال الخطابي أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل منهما عين ماله فيأخذ المصدق من أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة وهي تسمى خلطة الجوار أهـ (2) بفتح الهاء وكسر الراء وهي الكبيرة التي سقطت أسنانها "وقوله ولا ذات عيب" أي معيبة، واختلف في ضبطه، فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وقيل ما يمنع الأجزاء في الأضحية، ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة، والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه، قال الحافظ (تخريجه)(د. ق. ك. هق. مذ) وقال حديث حسن

ص: 209

(24)

ز عن طارق قال خطبنا على رضي الله عنه فقال ما عندنا شيء من الوحي أو قال كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من كتاب الله، وهذه الصحيفة المقرونة بسيفي وعليه سيف حليته حديد، وفيها فرائض الصدقات (ز وعنه من طريق ثان) قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا في القرآن وما في هذه الصحيفة صحيفة كانت في قراب سيف كان عليه حليته حديد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيها فرائض الصدقة

(24)"ز" عن طارق (سنده) حدثنا عبدالله ثنا محمد بن جعفر الوركاني ثنا شريك عن مخارق عن طارق قال خطبنا علي رضى الله عنه - الحديث" (غريبه) (1) هذه الصحيفة هي التي تقدم ذكرها في الحديث السابق "أي حديث عمر" حيث قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفى قال فأخرجها أبو بكر فعمل بها الخ (وفي رواية للترمذي والإمام أحمد) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن هذه الصحيفة بسيفه، ثم تداولها الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن وصلت إلى علي رضي الله عنه (2) يحتمل أن عليا رضي الله عنه قرنها بسيفه، ويجتمل أن هذا السيف هو سيف النبي صلى الله عليه وسلم الذي قرنها به ونسب إلى علي رضي الله عنه لكونه يمتلكه الآن، قيل وفي اقتران الصحيفة بالسيف إشارة إلى أن من منع ما فيها يقاتل بالسيف، وقد وقع المنع والقتال في خلافة الصديق رضي الله عنه وثباته على القتال مع مدافعة بعض الصحابة أولا كما تقدم والله أعلم (3) (سنده) "ز" حدثنا عبد الله حدثني محمد بن أبان بن عمران الواسطي ثنا شريك عن مخارق عن طارق يعني ابن شهاب قال سمعت عليا الحديث (4) بكسر القاف وعاء من جلد شبه الجراب يطرح الراكب فيه سيفه بغمده وسوطه، وقد يطرح فيه زاده من تمر وغيره، وكذا في مجمع البحار (5) أي ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدم من أنه تداولها الخلفاء قبله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكتابتها للرجوع إليها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ووضعها في المكان الذي وضع فيه سيفه ولم يخرجها إلى العمال استغناء بما كان يشافههم به من الأحكام، فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجها أبو بكر وعمل بها خلافته. ثم عمر. ثم عثمان ثم علي (تخريجه) لم أقف عليه لغير الله عبد الله بن الإمام أحمد وسنده جيد

ص: 210

(25)

حدثنا عبد الله قال حدثني أبي حدثنا ثنا أبو كامل ثنا حماد بن سلمة قال أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبدالله بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب لهم أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين التي أمر الله عز وجل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجههها فليعطها، ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل، ففي كل

(25) حدثنا عبد الله (غريبه)(1) في لفظ البخاري أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر بها رسوله الخ (2) معنى قرض هنا أوجب أو شرع يعني بأمره الله تعالى، وقيل معناه قدر لأن إيجابها ثابت بالكتاب فيكون المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ذلك (قال الحافظ) وقد يرد الفرض بمعنى البيان، كقوله تعالى "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وبمعنى الإنزال كقوله عز وجل "إن الذي فرض عليك القرآن" وبمعنى الحل، كقوله جل شأنه "ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له" وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير، وقد قال الراغب كل شيء ورد في القرآن فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام، وكل شيء ورد فرض له فهو بمعبى لم يحرم عليه، وذكر أن معنى قوله تعالى "إن الذي فرض عليك القرآن" أي أوجب عليك العمل به، وهذا يؤيد قول الجمهور إن الفرض مرادف للوجوب، وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك، لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح الحادث أهـ (3) أي من سئل زائدا على ذلك في سن أو عدد له المنع، ونقل الرافعي الاتفاق على تجريحه، وقيل معناه فليمنع الساعي وليتول إخراجه بنفسه أو يدفعها إلى ساع آخر، فإن الساعي الذي طلب الزيادة يكون بذلك متعديا وشرطه أن يكون أمينا، (قال الحافظ) لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل أهـ (قال الشوكاني) ولعله يشير بهذا إلى الجمع بين هذا الحديث وحديث "سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبغون

ص: 211

خمس ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستة وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت ستة وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإن زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل

فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها وارضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم" أخرجه أبو داود من حديث جابر بن عتيك، وفي لفظ للطبراني من حديث سعد بن ابي وقاص "ادفعزا إليهم ما صلوا الخمس" فتكون هذه الأحاديث محمولة على أن للعامل تأويلا في طلب الزائد على الواجب (1) الرواية المشهورة خمس ذود بإضافة ذود إلى خمس، وروى بتنوين خمس ويكون ذود بدلا منه. حكاه ابن عبد البر والقاضي عياض وغيرهما والمعروف الأول، ونقله ابن عبد البر والقاضي عن الجمهور "قال أهل اللغة" الذود من الثلاثة إلى العشر لا واحد له من لفظه، إنما يقال في الواحد بعير وكذلك النفر والرهط والقوم والنساء وأشباه هذه الألفاظ لا واحد لها من لفظها. قالوا وقوله خمس ذود كقوله خمسة أبعرة وخمسة جمال وخمس نوق وخمس نسوة. قال سيبويه تقول ثلاث ذود لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكرة. ثم الجمهور على أن الذود من ثلاثة إلى العشرة، وقال أبو عبيد ما بين ثلاث إلى تسع. وهو مختص بالإناث نقله النووي (2) المراد أنه يجب بعد مجاوزة المائة والعشرين بواحدة في كل أربعين بنت لبون، فيكون الواجب في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، وإلى هذا ذهب الجمهور، ولا اعتبار بالمجاوزة بدون واحدة كنصف أو ثلث أو ربع (قال الشوكاني) وإلى ما قاله الجمهور ذهب الناصر والهادي في الأحكام حكى ذلك عنهما المهدي في البحر، وحكى في البحر أيضا عن على وابن مسعود والنخعي وحماد والهادي وأبي طالب والمؤيد بالله وأبي عباس أن الفريضة تستأنف بعد المائة والعشرين، فيجب في الخمس

ص: 212

معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده، وعنده بن لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسر له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا الحقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن

شاة ثم كذلك، واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم "وما زاد على ذلك استؤنفت الفريضة، وهذا إن صح كان محمولا على الاستئناف بمعنى الرجوع إلى إيجاب شاة في كل خمس إلى خمس وعشرين على حسب التفصيل المتقدم بأنه متضمن للإيجاب يعني إيجاب شاة مثلا في الخمس الزائدة على مائة وعشرين وحديث الباب وما في معناه متضمن الإسقاط، لأنا نقول هو وهم ناشيء من قوله "وإذا زادت ففي كل أربعين" فظن أن معناه في كل أربعين من الزيادة فقط وليس كذلك، بل معناه في كل أربعين من الزيادة والمزيد، وحكي في الفتح (عن أبي حنيفة) مثل قول علي وابن مسعود ومن تبعهما وقيده في البحر بأنه يقول بذلك إلى مائة وخمس وأربعين، ثم له فيما زاد روايتان كالمذهب الثاني (1) فيه دليل على أنه يجب على المتصدق قبول ما هو أدون ويأخذ التفاوت من جنس غير جنس الواجب، وكذا العكس (وذهبت الهادوية) إلى أن الواجب إنما هو زيادة فضل القيمة من المصدق أو رب المال ويرجع في ذلك إلى التقويم، لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لم ينظر إلى ما بين السنين في القيمة وكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة، فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك، ولولا تقدير الشارع بذلك

ص: 213

عنده إلا ربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي صدقة الغنم في سئامتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإن زادت ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المتصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس

لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل بابن لبون مع التفاوت (وذهب أبو حنيفة) غلىأنه يرجع إلى القيمة فقط عند التعذر (وذهب زيد بن علي) إلى أن الفضل بين كل سنين شاة أو عشرة دراهم (1) أي إلا أن يتطوع متبرعا (2) السائمة من المواشي هي التي ترعى نفسها، والتقييد بالسائمة يخرج المعلوفة فلا زكاة فيها، وإلى ذلك ذهب الأئمة (أبو حنيفة والشافعي وأحمد) سوى المالكية بين السائمة والمعلوفة في وجوب الزكاة (3) بفتح العين المهملة وضمها وقيل بالفتح فقط وقيل بالفتح العيب العيب وبالضم العور، وتقدم الخلاف في مقدار ذلك في شرح الحديث السابق "وقوله ولا تيس" بتاء فوقية مفتوحة وياء تحتية ساكنة، ثم سين مهملة، وهو فحل الغنم وقيده ابن التين أنه من المعز (4) أي المالك ورواية البخاري المصدق بدون تاء (قال الحافظ) اختلف في ضبطه، فالأكثر على أنه بالتشديد (يعني تشديد الصاد المهملة) والمراد به المالك، وهذا اختيار أبي عبيد (قلت ويؤيده رواية الإمام أحمد) قال وتقدير الحديث لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا، ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه ففي أخذه بغير اختياره إضرار به والله أعلم، وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث، ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي، وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما تقتضيه القواعد، وهذا قول الشافعي في البويطي، ولفظه ولا تؤخذ ذات عوار ولا تيس ولا هرمة إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذه على النظر أهـ. وهذا أشبه بقاعدة الشافعي في تناول الاستثناء جميع ما ذكر قبله، فلو كانت الغنم كلها معيبة مثلا أو تيوسا أجزاه أن يخرج منها (وعند المالكية) يلتزم المالك أن يشتري شاة مجزئة تمسكا بظاهر هذا الحديث (وفي رواية أخرى) عندهم كالأول أهـ (5) لفظ شاة الأول منصوب على أنه مميز عدد

ص: 214

فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة ربع العشور، فإذا لم يكن المال إلا تسعين ومائة درهم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

(4)

باب جامع لأنواع تجب فيها الزكاة وبيان نصاب كل منها

(26)

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس فيما دون خمس آواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس

أربعين، ولفظ شاه الثاني منصوب أيضا على أنه مميز نسبة ناقصة إلى السائمة (1) بكسر الراء وتخفيف القاف، هي الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة (قال الحافظ) قيل أصلها الورق فحذفت الواو وعوضت الهاء، وقيل تطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق وعلى هذا قيل أن الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضة، فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة وجبت فيه الزكاة وهي ربع العشر، وهذا قول الزهري وخالفه الجمهور وسيأتي البحث عن ذلك في باب زكاة الذهب والفضة إن شاء الله تعالى (تخريجه)(د. نس. خ) وقطعه في عشرة مواضع، رواه الدارقطني كذلك، وله فيه في رواية في صدقة الإبل، فإذا بلغت احدى وعشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقه (قال الدارقطني) هذا إسناد صحيح ورواته كلهم ثقات (الأحكام) تقدم الكلام على أحكام زكاة الإبل والغنم وبيان مذاهب الأئمة في خلال الشرح وسيأتي الكلام على أحكام الأنواع الأخرى كل نوع في بابه المختص به إن شاء الله تعالى.

(26)

عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي ابن اسحق قال حدثني محمد بن يحيى بن حبان ومحمد بن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة وهما رجلان من الأنصار من بني مازن بن النجار وكانا ثقة عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن وعباد بن تميم وهما من رهطهما وكانا ثقة عن أبي سعيد الخدري- الحديث" (غريبه)(2) بالتنوين وحذف الياء التحتية، وكذا في رواية البخاري (وفي رواية) أواقي بإثبات الياء مشددة وكلاهما جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء (قال ابن السكيت) كل ما كان من هذا النوع واحده مشدد إجاز في جمعه التشديد والتخفيف، وحكى وقية بحذف الهمزة وفتح الواو، ويجمع على وقايا مثل ضحية وضحايا، واتفقوا على أن مقدارها أربعون درهما، وهي أوقية الحجاز فتكون الأواقي الخمس مائتي درهم وهو نصاب الفضة بدرهم الوزن المتعارف الذي يبلغ به الرطل المصري مائة وأربعة

ص: 215

من الإبل صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة

(27)

عن قزعة وقد سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه عن أشياء قال وسألته عن الزكاة فقال لا أدري أرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، في مائتي درهم خمسة دراهم وفي أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاه (وفي الإبل في خمس شاة) وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين

وأربعين درهما. وهذا هو الدرهم الذي قدر به نصاب الزكاة والديات وغيرها (1) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب المحكم وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال، وهو ستون صاعا بالاتفاق. وقد وقع في رواية ابن ماجة من طريق أبي البختري عن أبي سعيد أيضا نحو هذا الحديث، وفيه والوسق ستون صاعا. وأخرجها أبو داود لكن قال ستون مختوما، وللدارقطني من طريق عائشة الوسق ستون صاعا؛ وفيه دليل على أن الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق. وسيأتي البحث عن ذلك في بابه إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. والأربعة)

(27)

عن قزعة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني معاوية يعني ابن صالح عن ربيعة بن يزيد قال حدثني قزعة قال أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه فلما تفرق الناس عنه قلت إني لا أسألك عما يسألك هؤلاء عنه، قلت أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك في ذلك من خير، فأعادها عليه؛ فقال كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى، قال وسألته عن الزكاة فقال لا أدري أرفعه الخ- الحديث" (غريبه)(2) هو ابن يحيى البصري، روى عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر، وروى عنه مجاهد وعاصم الأحول. وثقه العجلي، له في البخاري فرد حديث (3) الظاهر أن القائل لا أدري هو قزعة، يعني الشك هل رفع أبو سعيد الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو قاله موقوفا عليه. وقد جاء نحو هذا الحديث عن غير أبي سعيد عند الشيخين والإمام أحمد وغيرهم مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (4) يعني ربع العشر وتقدم بيان الدرهم

ص: 216

ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة فيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون

(28)

عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده (معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم يقول في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها منه

الحديث السابق (1) ليس هذا آخر الحديث "وبقيته" وسألته عن الصوم في السفر فذكر حكم الصوم والأفطار في السفر. وقد تضمن هذا الحديث ثلاثة أحكام (الأول) في تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر وتقدم في باب القراءة في الظهر والعصر رقم 570 صحيفة 223 من الجزء الثالث، وذكرته هنا عقب السند (الثاني) تضمن انواعا تجب فيها الزكاة، وهو المذكور في هذا الباب لمناسبة الترجمة (والثالث) تضمن حكم الصوم والإفطار في السفر، وسيأتي في باب الفطر والصوم في السفر من كتاب الصيام إن شاء الله تعالى، والله الموفق (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد وسنده جيد وله شواهد صحيحة

(28)

عن بهز بن حكيم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا اسماعيل ابن علية عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(2) السائمة من الماشية الراعية المرسلة في مرعاها، يقال سامت تسوم سموما واسمتها أنا، ويستفاد منه عدم الزكاة في المعلوفة (3) أي لا يفرق أحد الخليطين إبله عن إبل صاحبه فرارا من الصدقة، فقوله عن حسابها اي عن مقدارها وعددها الذي تجب فيه الزكاة، كما إذا كان لأحد الخليطين ثلاث من الإبل وللأخر اثنان فإن في مجموعها شاة، ولو فرقاها لا يجب عليهما شيء (4) أي طالبا للأجر طيبة بها نفسه يبتغي بذلك وجه الله تعالى (5) استدل به على أنه يجوز للأمام أن يأخذ الزكاة قهرا إذا لم يرض رب المال

ص: 217

وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا عز وجل، لا يحل لآل محمد منها شيء

وعلى أنه يكتفى بنية الإمام كما ذهب إلى ذلك الشافعية والهادوية؛ وعلى أن ولاية قبض الزكاة إلى الإمام، وإلى ذلك ذهبت العترة (وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي) في أحد قوليه (1) في بعض الروايات "وشطر ماله" وجمهور المحدثين على أن شطر بالنصب معطوف على الضمير في آخذوها باعتبار محله، وظاهره أن من منع الزكاة أخذت منه الزكاة وأخذ ماله أي نصفه عقوبة له على منع الزكاة "وقال صاحب النهاية" قال الحربي غلط الراوي في لفظ الرواية إنما هو "وشطر ماله" يعني بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة مبني للمجهول، أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من خير النصفين عقوبة لمنعه الزكاة أما مالا تلزمه فلا (وقال الخطابي) في قول الحربي لا أعرف هذا الوجه، وقيل معناه أن الحق مستوفي منه غير متروك عليه وأن تلف شطر ماله، كرجل كان له ألف شاة مثلا فتلفت حتى لم يبق له إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه بصدقة الألف وهو شطر ماله الباقي. وهذا أيضا بعيد لأنه قال إنا آخذوها ولم يقل أنا آخذوا شطر ماله، وقيل إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال. ثم نسخ لقوله في الثمر المعلق من حرج بشيء منه فعليه غرامة مثلية والعقوبة، وكقوله في ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها، وكان عمر يحكم به فغرم حاطبا ضعف ثمن ناقة المزني لما سرقها رفيقه ونحروها؛ وله في الحديث نظائر، وقد أخذ أحمد بن حنبل بشيء من هذا العمل وعمل به (وقال الشافعي) في القديم من منع زكاة ماله اخذت منه وأخذ منه شطر ماله عقوة على منعه واستدل بهذا الحديث منسوخا وقال كان ذلك حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخت، ومذهب عامة الفقهاء أن لا واجب على متلف الشيء أكثر من مثله أو قيمته. والله أعلم أهـ (2) عزمة منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره عزم الله علينا ذلك عزمة (وقال صاحب البدر المنير) عزمة بالرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره ذلك عزمة؛ وكلا الوجهين جائز من حيث العربية، والعزمة في اللغة الجد في الأمر، والمراد به هنا الحق الواجب، وعزمات الله حقوقه وواجباته، وفيه دليل على أن آخذ ذلك واجب مفروض من الأحكام (3) يعني أن الزكاة حق من حقوق الله تعالى ليس لآل محمد فيها نصيب (تخريجه)(د. نس. ك. هق) وقال يحيى بن معين اسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة، وقد اختلف في بهز فقال أبو حاتم لا يحتج به، وروى الحاكم عن الشافعي أنه قال ليس بهز حجة وهذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به كان وكان قال به في القديم ثم رجع

ص: 218

(29)

عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته.

(30)

عن معاذ بن جبيل رضي الله عنه قال بعثني صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أت آخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر، وأمرني أن آخذ

وسئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال ما أدري وجهه، وسئل عن إسناده فقال صالح الإسناد، وقال ابن سعد لولا هذا الحديث لأدخلت بهزا في الثقات، وقال ابن حزم إنه غير مشهور العدالة وقال ابن الطلاع أنه مجهول، وتعقبا بأنه قد وثقه جماعة من الأئمة، وقال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا، وقال الذهبي ما تركه عالم قط، وقد تكلم فيه بأنه كان يلعب الشطرنج، قال ابن القطان وليس ذلك بضائر له فإن استباحته مسألة فقهية مشتهرة (قال الحافظ) وقد استوفيت الكلام فيه في تلخيص التهذيب، وقال البخاري بهز بن حكيم يختلفون فيه، وقال ابن كثير الأكثر لا يحتجون به، وقال الحاكم حديثه صحيح وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث ووثقه، واحتج به الإمام أحمد واسحق والبخاري خارج الصحيح وعلق له فيه، وروى عن أبي داود أنه حجة عنده، والله أعلم

(29)

عن أبي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج عن عمران بن أبي أنس بلغه عنه عن مالك بن أوس بن الحدثان النضري عن أبي ذر - الحديث" (غريبه)(1) المعنى أن كل نوع من هذه الأنواع تجب فيه الزكاة زكاته تكون من جنسه أما مقدار ذلك ونصابه فسيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى وقد تقدم بعضه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي إسناده رواه لم يسم.

(30)

عن معاذ بن جبل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن داوود الهاشمي ثنا أبو بكر يعني ابن عياش ثنا عاصم عن أبي وائل عن معاذ- الحديث" (غريبه)(2) أي محتلم كما فسر بذلك في رواية أبي داود والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ من كل بالغ ذكر من أهل الذمة دينارا جزية إذا لم يسلم، وسيأتي الكلام عليه في باب الجزية من كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (3) العدل بالكسر والفتح المثل، وقيل بالفتح ما عادله من جنسه، وبالكسر ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس (والمعافر) بالعين المهملة بوزن مساجد ممنوع من الصرف لما فيه من صيغة منتهى الجموع، وهو موضع باليمن أوحى

ص: 219

من كل أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعا حوليا، وأمرني فيما سقت السماء العشر وما سقى بالدوالي نصف العشر

من همدان ليمن تنسب إليهم الثياب المعافرية والمعنى أن من لم يتيسر له الدينار فاليدفع ما يساويه من الثياب المعافريقة (1) هكذا في هذه الرواية تقديم الأربعين على الثلاثين، ورواية أبي داود والجمهور تقديم الثلاثين، وسيأتي مثل رواية الجمهور للإمام أحمد في الباب التالي (واسم المسن) بقع على البقرة والشاة إذا مان في السنة الثانية، والاقتصار على المسنة في الحديث يدل على أنه لا يجزئ المسن، ولكنه أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا "وفي كل أربعين مسنة أو مسن" ولفظ "بقرة" الذي في حديث الباب منصوب على التمييز "ومسنة" مفعول لآخذ، والمعنى أمرني أن آخذ مسنة من كل أربعين بقرة وكذلك يقال في الآتي بعده (2) التبيع على مافي القاموس ما كان في أول سنة، وفي النهاية التبيع ولد البقر أول سنة، وفي حديث عمرو بن حزم جذع أو جزعة، والجزع من البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل البقر في الثالثة، وفي رواية أبي داود وغيره تبيعا أو تبيعة أي لا فرق هنا بين الذكر والأنثى، قال الحطابي يشبه أن يكون ذلك لقلة هذا النصاب وانحطاط هذا النوع من الحيوان، فيسوغ لهم إخراج الذكر منه ما دام قليلا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون أهـ وقوله "حوليا" أي حال عليه الحول (3) المراد بذلك المطر أو الثلج أو البرد أو الطل، والمعنى أن ما سقى بدون آلة يؤخذ عشرة في الزكاة إذا بلغ النصاب، وسيأتي الكلام عليه في باب زكاة الزرع والثمار إن شاء الله تعالى (تخريجه)(الأربعة. وغيرهم) وليس لابن ماجة فيه حكم الحالم، وأخرجه أيضا (حب. قط. ك) وصححه ابن حبان والحاكم من رواية أبي وائل عن مسروق عن معاذ، ورواه أبو داود والنسائي من رواية ابي وائل عن معاذ، ورجح الترمذي والدارقطني الرواية المرسلة، ويقال إن مسروقا لم يسمع من معاذ، وقد بالغ ابن حزم في تقرير ذلك، وقال ابن القطان هو على الاحتمال، وينبغي أن يحكم لحديثه بالاتصال على رأي الجمهور، وقال ابن عبد البر التمهيد اسناده متصل صحيح ثابت، ووهم عبد الحق فنقل عنه قال مسروق لم يلق معاذا، وتعقبه ابن القطان بأن أبا عمر إنما قال ذلك في رواية مالك عن حميد ابن قيس عن طاوس عن معاذ، وقد قال الشافعي طاوس عالم بأمر معاذ وإن لم يلقه لكثرة من لقيه ممن أدرك معاذا، وهذا مما لا أعلم من أحد فيه خلافا أهـ (قال الحافظ) في

ص: 220

(5)

باب زكاة البقر وما جاء في الوقصي

(31)

عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا، قال هارون والتبيع الجذع أو الجذعة ومن كل أربعين مسنة قال فعرضوا على أن آخذ

التلخيص، ورواه البزار والدارقطني من طريق ابن عباس بلفظ "لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا وتبيعة جذعا أو جذعة الحديث، لكنه من الطريق بقية المسعودي وهو ضعيف أهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على وجوب الزكاة في جملة أنواع (منها الورق) أي الفضة تجب فيها الزكاة إذا بلغت مائتي درهم فأكثر (ومنها الإبل تجب فيها الزكاة إذا كانت خمسا فأكثر (ومنها الغنم) تجب فيها الزكاة إذا كانت أربعين فأكثر (ومنها البقر) تجب فيها الزكاة إذا كانت ثلاثين فأكثر (ومنا الزرع) تجب الزكاة في أنواع منه إذا بلغ خمسة أوسق فأكثر، وجاء في حديث معاذ رضي الله عنه أخذ دينار عن كل مكلف من الكفار الذين لم يريدوا الإسلام وهو المعروف بالجزية وسيأتي تفصيل أحكام هذه الانواع في الأبواب الآتية كل في بابه إن شاء الله تعالى والله الموفق

(31)

عن معاذ بن جبل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا معاوية عن عمرو وهارون بن معروف قالا ثنا عبد الله بن وهب قال هارون في حديثه قال وقال حيوة عن ابن أبي حبيب، وقال معاوية عن حيوة عن يزيد عن سلمة بن أسامة عن يحيى بن الحكم أن معاذا قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه) (1) هو ابن معروف أحد رجال السند، وقد فسر التبيع هنا بالجذع أو الجذعة وهو من البقر ما كان له سنة ودخل في الثانية (قال النووي) في شرح المهذب. قال المصنف "يعني صاحب المهذب" والأصحاب التبيع ما استكمل سنة ودخل في الثانية، والمسنة ما استكملت سنتين ودخلت في الثالثة، هذا هو الصواب المعروف (للشافعي والأصحاب) وشذ الجرجاني فقال في كتابه التحرير التبيع ماله دون سنة، وقيل ماله سنة، والمسنة لها سنة وقيل سنتان، وكذا قول صاحب الإبانة التبيغ ما استكمل سنة، وقيل الذي يتبع أمه وإن كان له دون سنة (وقال الرافعي) وحكى جماعة أن التبيع له ستة أشهر والمسنة لها سنة وهذا كله غلط ليس معدودا من المذهب والله تعالى أعلم أهـ (2) هي ما استكلمت سنتين ودخلت في الثالثة

ص: 221

من الأربعين، قال هارون ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذاك وقلت لهم حتى اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعين ومن العشرة والمائة مسنتين وتبيعا، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة والمائة مسنتين وتبيعا، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع، قال وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا آخذ فيما بين ذلك، وقال هارون فيما بين ذلك شيئا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعا وزعم أن الأوقاص

على الصحيح (1) لم يثبت أن معاذا رضي الله عنه رجع على المدينة بعد ذهابه إلى اليمن إلا بعد وفاة رسول الله وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الموطأ عن طاوس اليماني أن معاذ بن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا، ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ (2) أي فيما بين الفرضين، وتوضيح ذلك أنه يأخذ تبيعا في الثلاثين فأكثر لغاية تسع وثلاثين، فإذا بلغت الأربعين أخذ مسنة لغاية تسع وخمسين، فإذا بلغت الستين أخذ تبيعين، وهكذا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة (3) يعني إلا أن يبلغ العدد ما يستحق مسنة أو جذعة بالحساب المتقدم ذكره (4) الأوقاص جمع وقص بفتح القاف وإسكانها لغتان أشهرها عند أهل اللغة الفتح؛ والمستعمل منها عند الفقهاء الإسكان، واقتصر الجوهري وغيره من أصحاب الكتب المشهورة في اللغة على الفتح، ويجوز ابدال الصاد سينا مع اسكان القاف، وعلى كل حال فهو ما بين الفريضتين، ويقال له أيضا الشنق (قال صاحب الشامل) وغيره الشنق بفتح الشين المعجمة والنون هو أيضا ما بين الفريضتين أهـ (قال النووي) في شرح المهذب. قال القاضي أكثر أهل اللغة يقولون الوقص والشنق سواء لا فرق بينهما (وقال الأصمعي) الشنق يختص بأوقاص الإبل والوقص يختص بالبقر والغنم، واستعمل الشافعي رضي الله عنه في البويطي الشنق في أوقاص الإبل والبقر والغنم جميعا، ويقال أيضا وقس بالسين المهملة، قال (وقال الشافعي في مختصر المزني، الوقس ما لم يبلغ الفريضة؛ وروى البيهقي عن المسعودي قال الأوقاس

ص: 222

لا فريضة فيها

(32)

حدثنا عبدالله حدثني أبي حدثنا سفيان عن عمرو (بن دينار) عن طاوس أتى معاذ بن جبل رضي الله عنه بوقص البقر والعسل، فقال لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم فيها بشيء، قال سفيان الأوقاص ما دون الثلاثين

(33)

عن أبي عبيدة عن أبيه رضي الله عنه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة البقر إذا بلغ البقر ثلاثين يها تبيع من البقر جذع أو جذعة حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة

ما دون الثلاثين يعني من البقر وما بين الأربعين والستين، فحصل من هذه الجملة أنه يقال وقص بفتح القاف وإسكانها وشنق ووقس بالسين المهملة؛ وأنه يطلق على مالا زكاة فيه سواء كان بين نصابين أو دون النصاب الأول، لكن أكثر استعماله فيما بين النصابين والله تعالى أعلم أهـ (تخريجه)(بز) وفي إسناده عند الإمام أحمد من لم أعرفه، وفي إسناده عند البزار الحسن بن عمارة وهو ضعيف (قال الحافظ) في التلخيص ويدل على ضعفه (يعني الحديث معاذ) ذكره فيه لقدوم معاذ على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقدم إلا بعد موته، وقد أخرج نحو هذه الرواية مالك في الموطأ من طريق طاوس عن معاذ، وليس عنده أن معاذا قدم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بل صرح فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم مات قبل قدومه أهـ (قلت) رواية مالك تقدمت بلفظها في خلال الشرح، وهي تؤيد حديث الباب في الحكم، ويؤيده ايضا حديث معاذ المتقدم في آخر الباب السابق؛ وله شواهد أيضا تعضده والله أعلم.

(32)

حدثنا عبد الله (غريبه)(1) يعني ما دون الثلاثين بقرة ليس فيه زكاة، وهذا بالاتفاق، وأما ما وقص العسل فربما يكون فيما نقص عن عشر قرب، فإذا بلغ عشر قرب ففيها العشر عند القائلين بذلك كما سيأتي في بابه إن شاء الله (تخريجه) أخرجه أيضا الحميدي وسنده جيد

(33)

عن أبي عبيدة عن أبيه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا ابن مسعود وابن سعد ثنا خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه رضي الله عنه (3) قال ابن الهمام البقر من بقر الشيء إذا شق سمى به لأنه يشق الأرض "يعني بالحراثة" وهو اسم

ص: 223

فإذا كثرت البقر ففي كل أربعين من البقر بقرة مسنة

جنس، والتاء في بقرة للوحدة فيقع على الذكر والأنثى لا للتأنيث أهـ (تخريجه)(ش. مذ) من طريق عبد السلام بن حرب عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبدالله ابن مسعود، وقال الترمذي هكذا روى عبد السلام بن حرب عن خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله ابن مسعود، وأبو عبيدة بن عبدالله لم يسمع من أبيه أهـ (وقال النووي) رواه الترمذي وغيره من حديث عبدالله بن مسعود، إلا أن إسناد حديث ابن مسعود ضعيف، قال وروى أيضا من حديث عل رضى الله عنه مرفوعا (قال البيهقي) وأما الأثر الذي يرويه معمر عن الزهري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال في خمس من البقر شاة وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه (قال الزهري) وإذا كانت خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل أربعين بقرة (قال الزهر) وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وفي كل ثلاثين بقرة تبيع وفي كل أربعين بقرة مسنة، أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ثم كان هذا بعد ذلك (قال البيهقي) فهذا حديث موقوف منقطع أهـ ج (زوائد الباب)(عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ في كل ثلاثين من البقر تبيعا أوتبيعة جذعا أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة مسنة، قالوا فالأوقاص قال ما أمرني فيها بشيء وسأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدمت فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله، فقال ليس فيها شيء، قال قال المسعودي، والأوقاص ما بين الثلاثين إلى الأربعين والأربعين إلى الستين، وراه البزار وقال لم يتابع بقية أحد على رفعه إلا الحسن بن عمارة والحسن ضعيف (وعنه أيضا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في البقر العوامل صدقة، ولكن في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسن أو مسنة، رواه الطبراني في الكبير وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في صدقة البقر في كل ثلاثين بقرة جذعة وفي كل أربعين بقرة مسنة (طس) من حديث طويل ذكر فيه صدقة الإبل والبقر والغنم، وقد اقتصرنا منه على الجزء الخاص البقر، وأورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الأوسط عن محمد بن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه ولم اعرفهما وبقية رجاله ثقات (وقد أورد ابن أبي شيبة) رحمه الله في مصنفه من الآثار شيئا كثيرا (فمنها عن علي رضي الله عنه قال إذا بلغت "يعني البقر" ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة حولى، فإذا بلغت اربعين ففيها مسنة ثنية فصاعدا (وعن حماد عن

ص: 224

إبراهيم) قال في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وفي أربعين مسنة. وعن الشعبي مثله (وعن عكرمة بن خالد) قال استعملت على صدقات عك فلقيت أشياخا ممن صدق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختلفوا على، فمنهم من قال اجعلها مثل صدقة الإبل ومنهم من قال في ثلاثين تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وفي أربعين مسنة (وعن مكحول) قال إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، فإذا بلغت اربعين ففيها مسنة (وعن ابن طاوس) عن أبيه مثل ذلك (وعن ابن جريج عن سلمان بن موسى) مثل ذلك (وعن صالح بن دينار) أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد أبي سويد أن تأخذ من كل ثلاثين بقرة بقرة، ومن كل أربعين بقرة بقرة، ولم يزد على ذلك (وعن محمد بن يحيى بن حبان) أن نعيم بن سلامة أخبره وهو الذي كان خاتم عمر بن عبد العزيز في يده أن عمر بن عبد العزيز دعا بصحيفة زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بها إلى معاذ فقال نعم، فقرئت وأنا حاضر فإذا فيها من كل ثلاثين تبيع جذع أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة (وعن محمد بن بكر) عن ابن جريج قال أخبرني عمرو قال كان عثمان بن الزبير بن أبي عوف وغره يأخذون من كل خمسين بقرة بقرة (الأحكام) أحاديث الباب تدل على وجوب الزكاة في البقر وعلى أن في كل ثلاثين من البقر تبيعا، وفي كل أربعين مسنة، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء؛ قال الإمام ابن رشد في كتابه بداية المجتهد (وقالت طائفة) في كل عشر من البقر شاة على ثلاثين ففيها تبيع، وقيل إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، ففيها بقرتان إذا جاوزت ذلك، فإذا بلغت مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة، وهذا عن سعيد بن المسيب، واختلف فقهاء الأمصار فيما بين الأربعين والستين (فذهب مالك والشافعي وأحمد الثوري) وجماعة أن لا شيء فيما زاد على الأربعين حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، ففيها مسنة وتبيع على ثمانين، ففيها مسنتان إلى تسعين، ففيها ثلاثة أتبعة إلى مائة، ففيها تبيعان ومسنة، ثم هكذا ما زاد ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة، وسبب اختلافهم في النصاب أن حديث معاذ غير متفق على صحته، ولذلك لم يخرجه الشيخان، وسبب (اختلاف فقهاء الأمصار في الوقص) أنه جاء في حديث معاذ هذا أنه توقف ي الأوقاص وقال حتى أسأل فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم عليه وجده قد توفى، فلما يرد في ذلك نص طلب حكمه من طريق القياس، فمن قاسها على الإبل والغنم لم ير في الأوقاص شيئا، ومن قال إن الأصل أن في الأوقاص الزكاة غلا ما استثناه الدليل من ذلك وجب ألا يكون عنده في البقر وقص؛ إذ لا دليل هنالك من إجماع ولا غيره أهـ (قلت) الوقص من الأربعين إلى الستين لا زكاة فيه عند جمهور العلماء (وذهبت الحنفية) إلى وجوب الزكاة فيه بقدرها من لمسنة على ظاهر الرواية، ففي الواحدة الزائدة على الأربعين ربع عشر مسنة. وفي الاثنين نصف عشر مسنة، وهكذا إلى

ص: 225

(6)

باب اجتناب كرائم أموال الناس في الزكاة

(وما يجزى من النعم ومن أدى افضل الواجب)

(34)

عن عمارة بن عمر بن حزم عن أبي كعب رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا على يلي وعذرة وجميع بني سعد بن هذيم ابن قضاعة (وفي رواية من قضاعة) قال فصدقتهم حتى مررت بآخر رجل منهم، وكان منزله وبلده من أقرب منازلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قال فلما جمع إلي ماله لم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض بعني فأخبرته أنها صدقته، قال فقال ذاك مالا لبن فيه ولا ظهر وأيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسول الله قط قبلك وما كنت لأقرض الله تبارك

الستين، وحكى الحافظ عن عبد الحق أنه قال ليس في زكاة البقر حديث متفق علي صحته يعني في النصب، وحكى أيضا عن ابن جرير الطبري أنه قال صح الإجماع المتيقن المقطوع به الذي لا اختلفا فيه أن في كل خمسين بقرة بقرة، فوجب الأخذ، بهذا وما دون ذلك مختلف فيه ولا نص في إيجابه، وتعقبه صاحب الإمام بحديث عمرو بن حزم الطويل في الديات وغيرها فإن فيه في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة، وحكى أيضا عن ابن عبد البر أنه قال في الاستذكار لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها أهـ

(34)

عن عمارة بن حزم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن اسحق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عمارة بن عمرو بن حزم - الحديث" (غريبه)(1) هما قبيلتان معروفتان (2) أنث الضمير باعتباره الإبل، أي لم اجد واجبا عليه في إبله غلا ابنة مخاض (3) يعني أن بنت المخاض التي تريد أخذها لا منفعة فيها بلبن ولا ركوب لصغرها، وهي من الإبل ما دخلت في السنة الثانية، وذكر اسم الإشارة العائد على بنت المخاض باعتبار لفظ ما (4) أيم الله من ألفاظ القسم كقولك لعمر الله وعهد الله وهمزتها وصل وقد تقطع (5) يريد أنه ما طلبت منه الزكاة قبل هذا الوقت

ص: 226

وتعالى من مالي مالا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية سمينة فخذها، قال فقلت له ما أنا بآخذ ما لم أومر به، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبلة منك قبلة، وإن رده عليك رده قال فإني فاعل، قال فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقال له يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي؛ وأيم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رسول له قط قبله، فجمعت له مالي فزعم أن علي فيه ابنة مخاض وذلك مالا لبن فيه ولا زهر وقد عرضت عليه ناقة فتية سمينة ليأخذها فأبى على ذلك وقال ها هي هذه قد جئتك بها يا رسول الله رسول الله خذها، قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذي عليك فإن تطوعت بخير قبلناه منك وآجرك الله فيه، قال فها هي ده يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، قال فأمر رسول الله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقبضها ودعى له في ماله بالبركة

(35)

عن سويد بن غفلة رضي الله عنه قال أتانا مصدق رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) رواية أبي داود (فإن قبله منك قبلته وإن رده عليك رددته)(1) يريد أن ما طلبه الساعي من بنت المخاض هو الواجب عليك فإن تبرعت بأجود منها آجرك الله فيه يعنى أنابك الله عليه ،قال فى المصباح أجره الله أجراٌ من باب قتل ومن باب ضرب لغة بنى كعب ، وآجره بالمدلغة ثالثة إذا أثابه (تخريجه)(د) وصححه الحاكم ،وروى نحوه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على مسند أبيه وزاد فيه قال عمارة وقد وليت صدقاتهم في زمن معاوية فأخذت من ذلك الرجل ثلاثين حقه لألف وخمسمائة بعير عليه (قلت) هذا من بركة دعاء النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم

له في ماله لإخلاصه وسخائه وكرمه.

(35)

عن سويد بن غفلة (سنده) حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا هشيم أنبأنا هلال بن خباب قال حدثني ميسرة أبو صالح عن سويد بن غفلة - الحديث"

ص: 227

قال فجلست إليه فسمعته وهو يقول إن في عهدي أن لا آخذ من راضعي لبن ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع وآتاه رجل بناقة كوماء فقال خذها فأبى أن يأخذها.

(36)

عن الصنابحي رضي الله عنه قال رأى رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل

(غريبه)(1) المراد بالعهد هنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين له فيه أحكام الصدقة، ويؤيد ذلك ما جاء في رواية لأبي داود عن سويد بن غفلة قال أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة (2) أي صغير يرضع اللبن، أو المراد ذات لبن بتقدير المضاف، أي ذات راضع لبن، والنهي عن الثاني لأنها من خيار المال، وعلى الأول لأن حق الفقراء في الأوساط، وفي الصغار إخلال بحقهم وفي رواية للنسائي (أن ألا تأخذ راضع لبن" بدون من (ومن) زائدة على الاحتمالين، ويحتمل أن المراد لا تعد الصغار في نصاب الزكاة، وعليه يكون الحديث حجة (لأبي حنيفة ومحمد) في أن الصغار من الإبل والغنم والبقر لا زكاة فيها استقلالا، فلو ملك خمسا وعشرين من الإبل وقد وضعت خمسا وعشرين فصيلا ومات الكبار كلها قبل تمام الحول وتم على الصغار فلا زكاة فيها؛ أما لو بقي من الكبار ولو واحدة فإنها تزكى تبعا للأصل لا قصدا (وعند أبي يوسف) يجب في الصغار واحدة منها إذا تم لها حول (3) تقدم الكلام على هذه الجملة في شرح الحديث الأول من باب ما جاء في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) بفتح الكاف وسكون الواو هي الناقة العظيمة السنام، وهي نوع جيد من الإبل (5) رواية أبي داود (فأبى أن يقبلها) وليس آخر الحديث عنده بل زاد (قال إني أحب أنتأخذ خير إبلي، قال فأبى أن يقبلها، قال فخطم له أخرى دونها، فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دنها فقبلها وقال إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي يغضب) يقول لي عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله" (تخريجه)(د. نس. قط. هق) وفي إسناده هلال بن خباب وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه بعضهم.

(36)

عن الصنابحي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عتاب بن زياد ثنا عبد الله بن مبارك أنا خالد بن سعيد عن قيس بن أبي حازم عن الصنابحي - الحديث" (غريبه)(6) بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الموحدة بعدها حاء مهملة نسبة إلى صنابح بطن من مراد واسمه صنابح بن الأعسر متفق على صحبته. وتقدم

ص: 228

الصدقة ناقة مسنة فغضب وقال ما هذه؟ فقال يا رسول الله إني أرتجعتها بببعيرين من حاشية الصدقة فسكت.

(37)

عن قرة بن دعموص النميري رضي الله عنه قال قدمت المدينة فأتيت رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله الناس فجعلت أريد أدنو منه فلم أستطع، فناديته يا رسول الله استغفر للغلام النميري فقال غفر الله لك، قال وبعث رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن قيس ساعيا، فلما رجع رجع بإبل جلة فقال له رسول الله

لنا بحث في الصنابحيين في شرح حديث عبدالله الصنابحي رقم 187 صحيفة 302 في الباب الاول من أبواب الوضوء من الجزء الأول (1) إنما غضب النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم

لكونها من كرائم الأموال فخشي أن يكون المصدق أخذها من بعض الناس في الصدقة، وقد نهى رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ كرائم الأموال في الصدقة، فقال له المصدق إني أخذتها ببعيرين من حاشية الصدقة (يعني من أقل الأبعار قيمة) أبدلتهما به وما أخذتها من أحد في صدقته، فسكت رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أقره على ذلك، والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه للطبراني في الكبير ولفظه (عن الصنابحي قال أبصر رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم

ناقة حسنة في إبل الصدقة فقال قاتل الله صاحب هذه الناقة، فقال يا رسول الله إني ارتجعتها ببعيرين من حاشية الإبل، قال فنعم إذا" (قال الهيثمي) فيه محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي وهو ضعيف (قلت) رواية الإمام أحمد تعضده.

(37)

عن قرة بن دعموص (سنده) حدثنا عبدالله حدثني ابي ثنا عفان ثنا جرير بن حازم قال جلس إلينا شيخ في مكان أيوب فسمع القوم يتحدثون فقال حدثنا مولاي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما اسمه؟ قلت قرة بن دعموص بن ربيعة بن عوف بن الحارث بن زهير بن قرنع بن الحارث بن نمير بن عامر العامري، ثم النميري، قال البخاري وابن السكن له صحبة، يعد في البصرين، وقال ابن الكلبي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني هلال يدعوهم إلى الإسلام فقتلوه أهـ (3) أي عظيمة وهي الكبار من الإبل وقيل هي المسان منها، وقيل هو ما بين الثني إلى البازل، والثني من الإبل ما دخل في السنةالسادسة، والبازل

ص: 229

صلى الله عليه وسلم أتيت هلال بن عامر وعامر بن ربيعة فأخذت جلة أموالهم، قال يا رسول الله إني سمعتك تذكر الغزو فأحببت أن آتيك بإبل تركبها وتحمل عليها، فقال والله للذي تركت أحب إلي من الذي أخذت، أرددها وخذ من حواشي أموالهم صدقاتهم، قال فسمعت المسلمين يسمون تلك الإبل المسان المجاهدات.

(38)

عن مسلم بن شعبة أن علقمة استعمل أباه على عرافة قومه قال مسلم فبعثني إلى مصدقه في طائفة من قومي قال فخرجت حتى آتي شيخا يقال له سعر في شعب من الشعاب، فقلت إن أبي إليك لتعطيني صدقة

ما دخل في السنة التاسعة (1) حواشي الأموال هي صغار كابن المخاض وابن اللبون واحدها حاشية، وحاشية كل شيء جانبه وطرفه، وإنما أمره النبي صلى الله عليه وسلم برد الإبل التي أتى بها لكونها من كرائم الأموال وأنفسها، وفي آخذها في الصدقة عين لأصحابها (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه راو لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.

(38)

عن مسلم بن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا زكريا بن إسحاق قال حدثني عمرو بن أبي سفيان قال حدثني مسلم بن شعبة- الحديث" (غريبه) (2) لفظ أبي داود "استعمل نافع بن علقمة أبي" ولفظ النسائي "استعمل ابن علقمة أبي" فالظاهر أن لفظ (ابن) في رواية الإمام أحمد سقط من الناسخ والله أعلم، والضمير في أباه يعود على مسلم بن شعبة، والمعنى أن ابن علقمة استعمل أبا مسلم بن شعبة، أي جعله رئيسا على قومه ليتولى مصالحهم ويدبر أمورهم ويجمع صدقاتهم (والعرافة) عمل العريف من تدبير أمور القوم وسياستهم (والعريف) القائم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتبين الأمير منه أحوالهم، يقال عرفت على القوم أعرف من باب قتل عرافة بكسر العين فأنا عارف (3) رواية أبي داود "فبعثني أبي في طائفة منهم" والمعنى أن مسلم بن شعبة يقول أرسلني أبي إلى طائفة منهم" أي من قوم أبيه ونسبهم إلى نفسه في رواية الإمام أحمد باعتبار أن قوم أبيه قومه، وأتى بصبغة المضارع في قوله حتى آتى استحضارا للصورة الماضية (4) بفتح السين وسكون العين المهملتين آخره راء مهملة كذا في تهذيب التهذيب، ويقال ابن ديسم "كما صرح به في بعض الأصول" العامري

ص: 230

غنمك فقال أي ابن أخي وأي نحو تأخذون فقلت نأخذ أفضل ما نجد فقال الشيخ إني لفي شعب من هذه الشعاب في غنم لي إذ جاءني رجلان مرتدفان بعيرا، فقالا إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتوتينا صدقة غنمك، قلت وما هي؟ قالا شاة، فعمدت إلى شاة قد علمت مكانها ممتلئة مخضا وشجعا، فأخرجتها إليهما؛ فقالا هذه شافع وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شافعا والشافع التي في بطنها ولدها، قال فقلت فأي شيء تأخذان، قالا عناقا أو

الكناني ويقال الدؤلي، قدم الشام تاجرا في الجاهلية وأسلم، روى عن مصدقين للنبي صلى الله عليه وسلم وعنه ابنه جابر ومسلم بن شعبة؛ قال الدارقطني وابن وابن حبان له صحبة وذكره العسكري في المخضرمين، قاله الحافظ في الإصابة (والشعب) بكسر الشين المعجمة واد بين جبلين، والشعاب بكسر الشين أيضا جمعه (1) أي حرف نداء وابن أخي منادي، وعند أبي داود والنسائي "قال ابن أخي" بحذف حرف نداء وابن أخي منادى، وعند ابي داود والنسائي "قال ابن أخي" بحذف حرف النداء والمعنى يا ابن أخي (2) يعني أي صنف تأخذون (3) لفظ أبي داود "قلت نختار حتى أنا نبين ضروع الغنم" ولفظ النسائي "حتى أنا لنشبر ضروع من رديئها، ومعنى قوله نشبر ضروع الغنم أي نقيسها بالشبر ليتبين حالها من سبرت الشيء من باب قتل قسنه بالشبر (4) أي قصدت إلى شاة سمينة جيدة ممتلئة كثيرة اللبن، والمحض بحاء مهملة وضاد معجمة هو اللبن (5) أي معها ولدها سميت شافعا لأن ولدها قد شفعها فصارت معه زوحا، وقيل هي الحامل التي يتبعها ولد آخر (6) العناق بفتح العين المهملة الأنثى من ولد المعز لم يتم له سنة، والجذع بفتحتين ما ألقى مقدم أسنانه وقد يكون ذلك لسنة أو دونها (قال في المصباح) فالعناق تجذع لسنة وربما أجذعت قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع أجذاعها فهي جذعة، ومن الضأن إذا كان من شابين بجذع لستة أشهر إلى سبعة، وإذا كان من هرمين بفتح فكسر أجذع من ثمانية إلى عشرة أشهر وفي النهاية، وأصل الجذع من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شابا فتيا فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية، وقيل من البقر ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما تمت له سنة، وقيل أقل منها، ومنهم من خالف بعض هذا التقدير أهـ

ص: 231

جذعة أو ثنية قال فأخرج لهما عناقا، قال فقالا ادفعها إلينا فتناولاها وجعلاها معهما على بعيرهما

(1) الثني من الضأن والعز ماله سنة، وفي البقر والجاموس ماله سنتان، ومن الإبل ماله خمس، وهذا مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد، ووافقهما الإمام مالك في الضأن والمعز والإبل، وقال الثني من البقر والجاموس ما دخل في السنة الرابعة ووافقهما الإمام الشافعي في البقر والإبل، وقال الثنى من الضأن والمعز ما دخل في الثالثة كالبقر، قال في النهاية الثنية من الغنم ما دخلت في السنة الثالثة ومن البقر كذلك، قال في النهاية الثنية من الغنم ما دخلت في السنة الثالثة ومن البقر كذلك، ومن الإبل في السادسة والذكر ثنى، وعلى مذهب الإمام أحمد ما دخل من المعز في الثانية ومن البقر في الثالثة أهـ. (تخريجه)(د. نس) وسنده جيد (زوائد الباب)(وعن عبدالله بن معاوية الغاضري) من غاضرة قيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من فعلهن طعم طعم الإيمان من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبه بها نفسه رافدة عليه كل عام، ولا يعطى الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره (د. طب) وجود إسناده (الرافدة) من الرفد وهو الإعانة يقال رفدته أرفده إذا أعنته، أي تعينه نفسه على أداء الزكاة (الدرنة) بفتح الدال المهملة مشددة بعدها راء مكسورة ثم نون وهي الجرباء، قاله الخطابي. وأصل الدرن الوسخ كما في القاموس وغيره (الشرط) بفتح الشين المعجمة والراء. قال أبو عبيد هي صغار المال وشراره (واللئيمة) البخيلة باللبن (وعن سفيان بن عبد الله الثقفي) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال تعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم، وتأخذ الجيدة والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره (لك. فع) ورواه أيضا ابن حزم (السخلة) تطلق على الذكر والأنثى من أولاد الضأن والمعز ساعة تولد والجمع سخال (الأكولة) بفتح الهمزة وضم الكاف العاقر من الشياه والشاة تعزل للأكل هكذا في القاموس، وأما الأكولة بضم الهمزة والكاف فهي قبيحة المأكول وليست مرادة هنا لأن السياق في تعداد الخيار (ولا الربى) بضم الراء وتشديد الباء الموحدة، هي الشاة التي تربى في البيت للبنها (ولا فحل الغنم) إنما منعه من أخذه مع كونه لا يعد من الخيار، لأن المالك يحتاج إليه لينزو على الغنم. والمراد (بالجذعة) في هذا الأثر يعني من الضأن (والثنية) يعني من المعز والله أعلم (غذاء المال) بالغين المعجمة المكسورة بعدها ذال معجمة جمع غذى كغنى السخال (وعن سعيد الأعرج) قال

ص: 232

خرجت أريد الجهاد فلقيت عمر بمكة فقال بادر صاحبك فإذا أوقف الرجل عليكم فنمه فاصدعوها صدعين ثم اختاروا من النصف الآخر (ش)(وعن الحكم) قال كان المصدق يصدع الغنم صدعين ثم فيختار صاحب الغنم خير الصدعين (ش)(وعن سفيان بن حسين) عن الزهري قال إذا جاء المصدق قسمت الغنم أثلاثا. ثلث خيار. وثلث شرار. وثلث أوساط. ويأخذ المصدق من الوسط (ش)(وعن إبراهيم بن ميسرة) عن رجل من ثقيف قال سألت أبا هريرة في أي المال صدقة؟ فقال في الثلث الأوسط، فإذا أتاك المصدق فأخرج له الجذعة والثنية "يعني من الضأن والمعز"(ش)(وعن ابن جريج) قال سمعت ابي وغيره يذكرون أن عمر بن عبد العزيز كتب أن تضم الغنم أثلاثا ثم يختار سيدها ثلثا، ويأخذ المصدق من الثلث الأوسط (ش)(الأحكام) اشتملت أحاديث الباب على جملة أحكام (منها) ما يدل على أنه لا يجوز للمصدق أن يأخذ من خيار الماشية وقد أخرج الشيخان والأمام أحمد وتقدم في أول باب افتراض الزكاة رقم 9 من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن فال له إياك وكرائم أموالهم (ومنها) ما يدل على عدم أخذ الزكاة من الصغار التي ترضع اللبن كما في حديث سويد بن غفلة، أي لا تعد على صاحبها (قال الشوكاني) وطاهره سواء كانت منفردة أو منضمة إلى الكبار، ومن أوجبها فيها عارض هذا بما أخرجه مالك في الموطأ والشافعي وابن حزم أن عمر قال لساعيه سفيان ابن عبد الله الثقفي اعتد عليهم بالسخلة التي يروح بها الراعي على يده ولا تأخذها، قال وهو مبني على جواز التخصيص بمذهب الصحابي والحق خلافه أهـ (قلت) تقدم الخلاف في ذلك في شرح حديث سويد بن غفلة "وقد روى ابن ابي شيبة" في مصنفه عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم؛ وعن يومس عن الحسن قالا يعتد بالسخلة ولا تؤخذ في الصدقة (وعن محمد بن بكر) عن ابن جريج عن عطاء قال قلت له أيعتد بالصغار أولاد الشاء قال نعم (وعن عبد الأعلى) عن معمر عن الزهري قال يعتد بالصغير حتى ما ينتجه أمه (وعن أبي أسامة) عن النهاس بن قهم قال حدثنا الحسن ين قهم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سفيان بن عبد الله على الصدقة، فقال خذ ما بين الغذية والهرمة يعني بالغذية السخلة أهـ (قلت) والهرمة هي الكبيرة التي سقطت أسنانها (ومنها) ما يدل على أن ذات العيب لا تجزيء في الزكاة كالهرمة والدرنة والمريضة ونحو ذلك مما تقدم ذكره في الأحاديث، وإنما بؤخذ من أوساط المال لا من خياره ولا من شراره (منها) ما يدل على جواز قبول المصدق أفضل من الواجب على المالك إذا رضى بذلك عن طيب نفس كما دفع الرجل ناقته السمينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة.

ص: 233

(7)

باب عدم الزكاة في الرقيق والخيل والحمر

(39)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة

(40)

وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر

(41)

عن عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لم يأخذ من الخيل والرقيق صدقة.

(42)

عن حارثة بن مضرب أنه حج مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتاه أشراف أهل الشام فقالوا يا أمير المؤمنين إنا أصبنا رقيقا ودواب

(39) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه)(1) قال ابن رشيد أراد بذلك الجنس في الفرس والعبد لا الفرد الواحد، إذ لا خلاف في ذلك في العبد المنصرف والفرس المعد للركوب، ولا خلاف أيضا أنها لا تؤخذ من الرقاب، وإنما قال بعض الكوفيين تؤخذ منها بالقيمة (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(40)

وعنه أيضا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون بن معروف

حدثنا ابن وهب ثنا مخرمة بن بكير عن أبيه عن عراك بن مالك قال سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر (تخريجه)(م)

(41)

عن عمر بن الخطاب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو اليمان ثنا أبو بكر بن عبد الله عن راشد بن سعد عن عمر بن الخطاب وحذيفة- الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وأورده الهيثمي، وقال رواه أحمد وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف لاختلاطه

(42)

عن حارثة بن مضرب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على يحيى بن سعيد بن زهير قال ثنا أبو اسحاق عن حارثة بن مضرب- الحديث" (غريبه)(2) بضم أوله وفتح ثانية الضاد المعجمة مكسورة هو العبدي

ص: 234

فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها وتكون لنا زكاة، فقال هذا شيء لم يفعله اللذان قبلي ولكن انتظروا حتى اسأل المسلمين (وعنه من طريق ثان) قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر رضي الله عنه فقالوا إنا قد أصبنا أموالا وخيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور، قال ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، واستشار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم علي رضي الله عنه، فقال علي هو حسن إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها من بعدك

(43)

ز عن علي رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمير فيها زكاة؟ فقال ما جاء فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة

الكوفي ثقة (1) يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي اسحق عن حارثة قال جاء ناس- الحديث" (3) يؤخذ من ظاهر كلام علي رضي الله عنه أنه لا يقول بجواز أخذ الزكاة من هذين النوعين، وإنما حسن الأخذ من الجماعة المذكورين لكونهم قد طلبوا من عمر ذلك والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثم وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

(43)

"ز" عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي اسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه الحديث" (غريبه)(4) أي تركت لكم أخذ أركانها وتجاوزت عنه، وهذا لا يقتضي سبق وجوب ثم نسخه (تخريجه)(د. نس. ش) وسنده جيد.

(44)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية قال ثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه)(5) بالذال المعجمة المشددة، والمراد بالفاذة القليلة النظير والجامعة العامة المتناولة لكل خير ومعروف، ومعنى ذلك أنه لم ينزل على فيها نص بعينها، ولكن نزلت هذه الآية العامة، وقد يحتج بهذا من قال

ص: 235

(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره)

لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم، ويجاب بأنه لم يظهر له فيها شيء، ومحل ذلك الأصول (تخريجه) لم أقف على من رواه حديثا مستقلا غير الإمام أحمد، وهو طرف من حديث طويل رواه مسلم والإمام أحمد وتقدم في باب افتراض الزكاة رقم 12 صحيفة 193 وهو حديث صحيح (زوائد الباب)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين زكاة (طب. طس) وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام، لكن رواه النسائي بلفظه من حديث علي بسند جيد (وعن عبد الرحمن بن سمرة) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صدقة في الكسعة والحبهة والنخة، وفسره أبو عمر قال الكسعة الحمير. والجبهة الخيل. والنخة العبيد (طب) وفيه سليمان بن أرقم متروك (وعن سمرة بن جندب) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا برقيق الرجال والمرأة الذين هم تلادة (أي نشأوا عنده وهم غلمته لا يريد بيعهم" فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئا، وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع (طب) وروى أبو داود منه كان يأمرنا أن نخرج الصدقة عن الذي يعد للبيع (طب) وروى أبو داود منه كان يأمرنا أن نخرج الصدقة عن الذي يعد للبيع (طب) وروى أبو داود منه كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع فقط، وفي إسناده ضعف (وعن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخيل السائمة في كل فرس دينار (طس) وفيه الليث بن حماد وغورك وكلاهما ضعيف (وعن ابن أبي خالد) عن شيبان بن عوف قال وكان أدرك الجاهلية قال أمر عمر بن الخطاب الناس بالصدقة؛ فقال الناس يا أمير المؤمنين خيل لنا ورقيق افرض علينا عشرة عشرة؛ فقال أما أنا فلا أفرض ذلك عليكم (ش)(وعن ابن جريج) قال أخبرني عبد الله بن أبي حسين أن ابن شهاب أخبره أن عثمان كان يصدق الخيل، وأن السائب عن أخت تمر أخبره أنه كان يأتي عمر بصدقة خيل (ش)(وعن ابن طاوس) عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ليس في الفرس الغازي في سبيل الله صدقة (ش)(وعن مكحول) قال ليس في الخيل ولا الرقيق صدقة (ش)(وعن مالك) عن عطاء قال ليس في الخيل السائمة صدقة (ش)(وعن عبد الله بن دينار) قال سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال أو في الخيل صدقة؟ (ش)(وعن مبارك عن الحسن) قال ليس في الخيل والبراذين والحمر صدقة (ش)(وعن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم) أنه كان لا يرى في الرقيق إذا كانوا للتجارة صدقة؛ ولكن بقومهم فيؤدي عنهم الزكاة (ش)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على عدم وجوب الزكاة في الرقيق والخيل مطلقا إن كانت الخيل للركوب

ص: 236

والعبد للخدمة وسواء كانت الخيل إناثا أو ذكورا أو ذكورا وإناثا (وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء) وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر والشعبي والنخعي وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز والحاكم والثوري وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحق وأبي ثور وأبي خيثمة وأبي بكر بن أبي شيبة، وحكاه غيره عن عمر بن الخطاب والأوزاعي ومالك والشافعي والليث وداود (وقال حماد بن أبي سبيمان وأبو حنيفة) وزفر زيد بن ثابت تجب الزكاة في الخيل إذا كانت ذكورا وإناثا سائمة وصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأعطى ربع العشر عن كل مائتي درهم خمسة دراهم، وعن كل عشرين دينارا نصف دينار، ويعتبر فيها الحول دون النصاب، ولا نصاب فيها عند أبي حنيفة في المشهور عنه، وقيل نصابها ثلاثة أو خمسة، وأما المذكور الخلص والإناث، الخلص ففيها روايتان عن أبي حنيفة، والراجح عدم وجوبها في الذكر ووجوبها في الإناث، واحتج بما روى أبو يوسف عن غورك الحضرمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخيل السائمة في كل فرس دينار (والجواب) عن حديث غورك أنه ضعيف باتفاق المحدثين (قال الدارقطني) تفرد به غورك هو ضعيف جدا، واتفقوا على تضعيف غورك وهو مجهول، واحتجوا أيضا بالأثر المروي عن عمر رضي الله عنه وبما روى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ من الرأس عشرة، ومن الفرس عشرة، ومن البرذون خمسة، ولأنه حيوان يطلب نماؤه من جهة السوم أشبه بالنعم (قال ابن قدامة في المغنى) أما عمر فإنما أخذ منهم شيئا تبرعوا به وسألوه أخذه وعوضهم عنه برزق عبيدهم، فروى الإمام أحمد بإسناده عن حارثة قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فذكر الأثر المروي عن عمر في أحاديث الباب، ثم قال قال أحمد فكان عمر يأخذ منهم ثم يرزق عبيدهم، فصار حديث عمر حجة عليهم من وجوه (أحدها) قوله ما فعله صاحباي يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ولو كان واجبا لما تركا فعله (والثاني) أن عمر امتنع من أخذها ولا يجوز أن يمتنع من الواجب (الثالث) قول علي هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك، فسمي جزية إن أخذوا بها، وجعل مشروطا بعدم أخذها به فيدل على أن أخذهم لذلك غير جائز (الرابع) استشارة عمر أصحابه في أخذه، ولو كان واجبا لما احتاج إلى الاستشارة (الخامس) أنه لم يشر عليه بأخذه أحد سوى علي بهذا الشرط الذي ذكره، ولو كان واجبا لأشاروا به (والسادس) أن عمر عوضهم عنه رزق عبيدهم، والزكاة لا يؤخذ عنها عوض، ولا يصح قياسها على النعم لأنها يكمل نماؤها وينتفع بدرها ولحمها. ويضحي بجنسها، وتكون هدايا وفدية عن محظورات الإحرام. وتجب الزكاة من عينها. ويعتبر كمال نصابها

ص: 237

(8)

باب زكاة الذهب والفضة

(45)

عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهما وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم (وعنه من

ولا يعتبر قيمتها، والخيل بخلاف ذلك أهـ، ومن جملة ما يرد عليهم حديث علي عند أبي داود والإمام أحمد وسنده حسن، وسيأتي في الباب التالي مرفوعا "قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة" فإن كانت الخيل والرقيق للتجارة ففيها الزكاة عند جمهور العلماء (وقالت الظاهرية) لا تجب الزكاة في الخيل والرقيق مطلقا لا لتجارة ولا لغيرها محتجين بظاهر حديث أبي هريرة "ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة" وأجيب عن ذلك بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث (قال الشوكاني) ولا يخفى أن الإجماع على وجوب زكاة التجارة في الجملة لا يستلزم وجوبها في كل نوع من أنواع المال، لأن مخالفة الظاهرية في وجوبها في الخيل والرقيق الذي هو محل النزاع مما يبطل الاحتجاج عليهم بالإجماع على وجوبها، فالظاهر ما ذهب إليه أهله "يعني أهل الظاهر" والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) دليل على عدم وجوب الزكاة في الحمر إلا إذا كانت للتجارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن زكاتها فلم يذكر أن فيها الزكاة، والبراءة الأصلية مستصحبة، والأحكام التكليفية لا تثبت إلا بدليل، ولم أقف على أحد من أهل العلم، قال بوجوب الزكاة في الحمر لغير تجارة واستغلال والله أعلم بحقيقة الحال.

(45)

عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سريج ابن النعمان ثنا أبو عوانة عن أبي اسحق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه الحديث" (غريبه)(1) أي تركت لكم أخذ زكاتها وتجاوزت عنه (2) قال النووي الرقة بتخفيف القاف وكسر الراء هي الورق وهو كل الفضة، وقيل الدراهم خاصة، وأما قول صاحب البيان (قال أصحابنا) الرقة هي الذهب والفضة فغلط فاحش، ولم يقل أصحابنا ولا أهل اللغة ولا غيرهم إن الرقة تطبق على الذهب بل هي الورق، وأصلها ورقة بكسر الواو كالزنة من الوزن (3) أي إذا بلغ النصاب مائتي درهم فأكثر، أما إذا نقص عن المائتين ولو درهما واحدا فليس فيه زكاة، ولهذا قال وليس في تسعين ومائة شيء، وتقدم مقدار الدرهم في شرح الحديث الأول من باب جامع لأنواع تجب فيها الزكاة رقم 26 صحيفة 215 وسيأتي

ص: 238

طريق ثان) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق وليس فيما دون مائتين زكاة

(46)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا صدقة فيما دون خمس آواق ولا فيما دون خمسة أوسق ولا فيما دون خمس ذود.

(47)

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى

لذلك مزيد بحث في أحكام هذا الباب إن شاء الله (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير ثنا الأعمش عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث" (2) أي مائتي درهم من الفضة (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (د. مذ) وأخرج الطريق الثانية منه (نس) وقال الترمذي روى هذا الحديث الأعمش وأبو عوانة وغيرهما عن أبي اسحاق عن الحارث عن علي، وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث الأعمش وأبو عوانة وغيرهما عن أبي اسحق عن الحارث عن علي، وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث، فقال كلاهما عندي صحيح أهـ. وقد حسن هذا الحديث الحافظ. وقال الدارقطني الصواب وقفه على على

(46)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرازق أنبأنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله - الحديث" (غريبه)(3) تقدم معنى الأوقية وضبطها في شرح الحديث الأول من باب جامع لأنواع تجب فيها الزكاة رقم 26 صحيفة 215 قال الحافظ ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق، والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب (4) أي من التمر ونحوه كما صرح بذلك في رواية ابي سعيد وسيأتي زيادة إيضاح للوسق في زكاة الزرع والثمار (5) يعني من الإبل، وتقدم تفسير الذود وشرحه في شرح حديث أنس في باب ما جاء في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة رقم 25 صحيفة 211 (تخريجه)(م) وروى نحوه الشيخان والإمام أحمد من حديث أبي سعيد وسيأتي في هذا الباب.

(47)

وعن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا أبو النضر ثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس

ص: 239

آله وصحبه وسلم مثله.

(48)

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صدقة فيما دون خمس من الإبل.

(49)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة، قال وفي الرقة ربع العشور، فإذا لم يكن المال إلا تسعين ومائة درهم فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها

فيما دون خمس من الإبل ولا خمس آواق ولا خمسة أوساق صدقة (تخريجه) أورده الهيثمي، وقال رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة لكنه مدلس.

(48)

عن أبي سعيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن اسحق قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه سمع يحيى بن عمارة بن أبي حسن وعباد بن تميم يحدثان أنهما سمعا أبا سعيد الخدري- الحديث" (غريبه)(1) هذا الحديث تقدم نحوه لأبي سعيد في أول باب جامع لأنواع تجب فيها الزكاة وتقدم شرحه هناك (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم).

(49)

(عن أنس بن مالك) هذا طرف من حديث طويل تقدم بطوله وسنده وشرحه في باب ما جاء في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جمع فيه فرائض الصدقة (غريبه)(2) يعني إلا أن يتبرع صاحبها بشيء عن طيب نفس تطوعا لا واجبا عليه (تخريجه)(خ. د. نس)(زوائد الباب)(عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، رواه (د) وصححه (خ) وحسنه الحافظ وفيه الحارث الأعور مختلف فيه (وعن أنس بن مالك) قال فرض محمد صلى الله عليه وسلم في أموال المسلمين في كل أربعين درهما درهما، وفي أموال من لا ذمة له في كل عشرة دراهم درهم؛ أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات

ص: 240

إلا أنه قال تفرد به زنبيج، ورواه جماعة ثقات فوقفوه على عمر بن الخطاب (وعن ابي سعيد الخدري) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس آواق "يعني من فضة" صدقة وكانت تقوم مائتي درهم (ش)(وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في أقل من مائتي درهم شيء (ش)(وعن عاصم عن الحسن) قال كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه فما زاد على المائتين، ففي كل اربعين درهم (وعن مكحول) قال ليس فيما زاد على المائتين شيء حتى يبلغ أربعين درهما (وعن جريج عن عطاء) قال حتى يبلغ أربعين درهما نيفا على المائتين فهي حينئذ ستة دراهم، ثم لا شيء حتى تبلغ ثمانين ومائتي درهم فهي سبعة دراهم، ثم كذلك (ش)(وعن علي رضي الله عنه قال ليس في أقل من مائتي درهم شيء، فما زاد فبالحساب (وعن ابن عمر رضي الله عنهما مثله (وعن إبراهيم النخعي وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز) كذلك (ش).

(ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من الآثار في نصاب الذهب وما يؤخذ منه)

قال رحمه الله حدثنا أبو بكر قال ثنا وكيع عن سفيان عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال ليس في أقل من عشرين دينارا شيء وفي عشرين دينارا نصف دينار. وفي أربعين دينارا دينارا، فما زاد بالحساب (وعن ابن سيرين) مثله، وعن الحسن مثله (وعن الشعبي) قال في عشرين مثقالا نصف مثقال، وفي أربعين مثقالا مثقال (وعن إبراهيم النخعي) قال ليس في اقل من عشرين مثقالا شيء، وفي عشرين نصف مثقال، وفي أربعين مثقالا مثقال (وعن محمد بن أبي بكر) عن ابن جريج قال قال عطاء لا يكون في مال صدقة حتى يبلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، وفي كل أربعة وعشرين دينارا نصف دينار ودرهم (وعن زريق) مولى بني فزارة أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه حين استخلف خذ ممن مر بك من تجار المسلمين فيما يديرون من أموالهم كم كل أربعين دينارا دينارا، فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين، فإذا نقصت ثلث دينار فدعها لا تأخذ منها شيئا، واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول، وخذ ممن مر بك من تجار أهل الذمة فيما يظهرون من أموالهم ويريدون بها التجارات من كل عشرين دينارا دينارا، فما نقص فبحساب ما نقص حتى تبلغ عشرة دنانير، فإذا نقصت ثلث دينار فدعها لا تأخذ منها شيئا، واكتب لهم براءة إلى مثلها من الحول بما تأخذ منهم (وعن عبيدة) قال سألت إبراهيم "يعني النخعي" عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير، قال يزكي من المائة بدرهمين

ص: 241

ونصف، ومن الدنانير برع دينار، وقال سألت الشعبي فقال يحمل الأكثر على الأقل أو قال الأقل على الأكثر، فإذا بلغت فيه الزكاة زكى (وعن عبيد الله بن عيد الله) قالت قلت لكمحول يا أبا عبد الله إن لي سيفا فيه خمسون ومائة درهم فهل على فيه زكاة؟ قال أضف إليه ما كان لك من ذهب وفضة، فإذا بلغ مائتي درهم ذهب وفضة فعليك فيه الزكاة (وعن أشعث عن الحسن) أنه كان يقول إذا كانت له ثلاثون دينارا ومائة درهم كان عليه فيها الصدقة، وكان يرى الدراهم والدنانير عينا كله (الاحكام) أحاديث الباب تدل على وجوب الزكاة في الفشة وهو مجمع عليه (وفيها أيضا) دليل على أن زكاتها ربع العشر، ولا أعلم أحدا خالف في ذلك (وفيها أيضا) دليل على اعتبار النصاب الفضة مائتا درهم إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه قال إن أهل كل بلد يتعاملون بدراهمهم، وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلدان، قيل وبعضهم اعتبر النصاب بالعدد لا بالوزن وهو خارق للإجماع (قال الشوكاني) وهذا البعض الذي أشار إليه هو المريسي، وبه قال المغربي من الظاهرية كما في البحر، وقد قوى كلام هذا المغربي الظاهري (الصنعاني في شرح بلوغ المرام) وقال إنه الظاهر إن لم يمنع منه إجماع، وحكى في البحر عن مالك أنه يغتفر نصف الحبة والحبتين، ولابد أن يكون النصاب خالصا عن الغش كما ذهب إليه الجمهور (وقال المؤيد بالله والإمام يحيى) إنه يغتفر ما دون النصف أهـ (وفيما أوردنا في الزوائد) من الأحاديث والآثار دليل على وجوب الزكاة في الذهب أيضا (وفي الصحيحين) من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، وهذا لفظ مسم (وفيها أيضا) دليل على أن نصاب الذهب عشرون دينارا فيها ربع العشر سواء أكان نصابا كاملا أم زاد زيادة قليلة أم كثيرة، فإذا نقص عن العشرين دينارا فلا شيء فيه، وإلى ذلك ذهب الأئمة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم وأحمد وجماعة فقهاء الأمصار) وقد جاء في بعض الأحاديث والآثار تحديد نصاب الذهب بعشرين دينارا، وفي بعضها بعشرين مثقالا، والتحديد واحد في كليهما، فالدينار مثقال في الوزن (قال في القاموس) في فصل الميم من حرف الكاف الدينار مثقال المثقال، درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم ستة دوانيق، والدانق قيراطان، والقيراط طسوجان، والطسوج حبتان، والحبة سدس ثمن درهم، وهو

ص: 242

جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم أهـ (وقالت طائفة) منهم الحسن بن أبي الحسن البصري، وأكثر أصحاب داود بن علي ليس في الذهب شيء حتى يبلغ صرفها مائتي درهم أو قيمتها، فإذا بلغت ففيها ربع عشرها كان وزن ذلك من الذهب عشرين دينارا أو أقل من ذلك أو أكثر، هذا فيما كان منها دون الأربعين دينارا، فإذا بلغت أربعين دينارا كان الاعتبار بها نفسها لا بالدراهم لا صرفا ولا قيمة (وسبب اختلافهم) في نصاب الذهب أنه لم يثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في نصاب الفضة، وما روى الحسن بن عمارة من حديث على أنه عليه الصلاة والسلام قال "هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار" فليس عند الأكثر مما يجب العمل به لانفراد الحسن بن عمارة به، فمن لم يصح عنده هذا الحديث اعتمد في ذلك على الإجماع وهو اتفاقهم على وجوبها في الأربعين، وأما مالك فاعتمد في ذلك على العمل، ولذلك قال في الموطأ السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة يجب في عشرين دينارا كما تجب في مائتي دينارا كما تجب في مائتي درهم، وأما الذين جعلوا الزكاة فيما دون الأربعين تبعا للدراهم فإنه لما كان عندهم من جنس واحد جعلوا الفضة هي الأصل إذ كان النص قد ثبت فيهافجعلوا الذهب تابعا لها في القيمة لا في الوزن، وذلك فيما دون موضع الإجماع، ولما قيل أيضا إن الرقة اسم يتناول الذهب والفضة، وجاء في بعض الآثار ليس فيما دون خمس أواق من الرقة صدقة (واختلفوا أيضا فيما زاد على النصاب فيها) فذهب الجمهور إلى أن ما زاد على مائتي درهم من الوزن ففيه بحساب ذلك أعني ربع العشر، وممن قال بهذا القول الأئمة (مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وأحمد بن حنبل) وجماعة "وقالت طائفة" من أهل العلم أكثرهم أهل العراق لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما، فإذا بلغتها كان فيها ربع عشرها وذلك درهم، وبهذا القول قال (أبو حنيفة وزفر) وطائفة من أصحابهما "وظاهر أحاديث الباب" أنه لا يكمل نصاب الدراهم بالذهب ولا عكسه حتى لو ملك مائتين إلا درهما، وعشرين مثقالا إلا نصفا أو غيره فلا زكاة في واحد منهما (وبه قال الشافعية وجمهور العلماء) حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك وأحمد وأبي ثور وأبي عبيد (قال ابن منذر) وقال الحسن وقتادة والأوزاعي والثوري (ومالك وأبو حنيفة) وسائر أصحاب الرأي يضم أحدهما الآخر (واختلفوا في كيفية الضم) فقال الأوزاعي يخرج ربع عشر كل وحد، فإذا كانت مائة درهم وعشرة دنانير أخرج ربع عشر كل واحد منهما (وقال الثوري) يضم القليل إلى الكثير (ونقل العبدري عن أبي حنيفة) أنه يضم الذهب إلى

ص: 243

الفضة بالقيمة، فإذا كانت له مائة درهم وله ذهب قيمته مائة درهم وجبت الزكاة، قال وقال (مالك وأبو يوسف وأحمد) يضم أحدهما إلى الآخر بالأجزاء، فإذا كان معه مائة درهم وعشرة دنانير أو خمسون درهما وخمسة عشر دينارا ضم أحدهما إلى الآخر، ولو كان له مائة درهم وخمسة دنانير قيمتها مائة درهم فلا ضم، وحجة القائلين بعدم الضم مطلقا قوله صلى الله عليه وسلم "ليس فيما دون خمس آواق من الورق صدقة"(وفي حديث على المذكور في الزوائد) دليل على أنه بشترط تمام الحول في زكاة النقدين (قال النووي مذهبنا ومذهب مالك وأحمد) والجمهور أنه يشترط في المال الذي تجب الزكاة في عينه ويعتبر فيه الحول كالذهب والفضة والماشية وجود النصاب في جميع الحول، فإن نقص النصاب في لحظة من الحول انقطع الحول، والماشية وجود النصاب في جميع الحول من حين يكمل النصاب (وقال أبو حنيفة) المعتبر وجود النصاب في أول الحول وآخره، ولا يضر نقصه بينهما حتى لو كان معه مائتا درهم فتلفتت كلها في أثناء الحول إلا درهما أو أربعون شاة فتلفت في أثناء الحول إلا شاة ثم ملك في آخر الحول تمام المائتين وتمام الأربعين وجبت زكاة الجميع والله أعلم ج

(فائدة) نقل الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب أقوال بعض من سلف من فطاحل العلماء ومحققيهم في بيان الدرهم والدينار أحببت ذكرها لأهميتها قال رحمه الله

(فصل في بيان حقيقة الدينار والدرهم ومبدأ أمرهما في الإسلام وضبط مقدارهما)

قال الإمام أبو سليمان الخطابي في معالم السنن في أول كتاب البيع في باب "المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة"(1) قال معنى الحديث أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة وزن أهل مكة، وهي دراهم الإسلام المعدلة منها العشرة بسبعة مثاقيل، لأن الدراهم مختلفة الأوزان في البلدان، فمنها البغلي وهو ثمانية دوانيق، والطبري أربعة دوانيق، ومنها الخوارزمي وغيرها من الأنواع، ودراهم الإسلام في جميع البلدان ستة دوانيق وهو وزن أهل مكة الجاري بينهم، وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عددا وقت قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه قول عائشة رضي الله عنها في قصة شراها بريرة إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت، تريد الدراهم، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوزن وجعل العيار وزن أهل مكة، قال واختلفوا في حال الدراهم، فقال بعضهم لم تزل الدراهم على هذا العيار في الجاهلية والإسلام، وإنما غيروا السكك ونقشوها بسكة الإسلام، والأوقية أربعون

(1)(قال النووي) هذا حديث رواه أبو داود والنسائي بأسانيد صحيحة على شرط البخاري ومسلم من رواية ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال أبو داود وروى من رواية ابن عباس رضي الله عنهما ذكره أبو داود في كتاب البيوع والنسائي في الزكاة اهـ ج

ص: 244

درهما، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" وهي مائتا درهم، قال وهذا قول أبي العباس بن سريج (قال أبو عبيد) حدثني رجل من أهل العلم والعناية بأمر الناس ممن يعني بهذا الشأن أن الدراهم كانت في الجاهلية ضربين البغلية السوداء ثمانية دوانيق، والطبرية اربعة، وكانوا يستعملونها متقاصة مائة بغلية ومائة طبرية، فكان في المائتين منها خمسة دراهم زكاة، فلما كان زمن بني أمية قالوا إن ضربنا البغلية ظن الناس أنها التي تعتبر فيها الزكاة فيضر الفقراء، وإن ضربنا الطبرية ضر ارباب الأموال فجمعوا الدرهم البغلي والطبري وجعلوهما درهمين كل درهم ستة دوانيق "وأما الدينار" فكان يحمل إليهم من بلاد الروم؛ فلما أراد عبد الملك بن مروان ضرب الدنانير والدراهم سأل عن أوزان الجاهلية فأجمعوا له على أن المثقال اثنان وعشرون قيراطا إلا حبة بالشامي، وأن عشرة من الدراهم سبعة مثاقيل فضربها كذلك، هذا آخر كلام الخطابي (وقال الماوردي) في الأحكام السلطانية استقر في الإسلام وزن الدراهم ستة دوانيق كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، واختلف في سبب استقرارها على هذا الوزن، فقيل كانت الفرس ثلاثة أوزان. منها درهم على وزن المثقال عشرون قيراطا. ودرهم اثنا عشر. ودرهم عشرة، فلما احتيج في الإسلام إلى تقديره أخذ الوسط من جميع الأوزان الثلاثة، وهو اثنان وأربعون قيراطا فكان أربعة عشر قيراطا من قراريط المثقال (وقيل) إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى الدراهم مختلفة منها البغلي ثمانية دوانيق. والطبري أربعة. والمغربي ثلاثة دوانيق. واليمني دانق واحد، فقال أغلب ما يتعامل الناس به من أعلاها وأدناها. فكان البغلي والطبري، فجمعهما فكانا اثنى عشر دانقا، فأخذ نصفهما فكان ستة دوانيق فجعله دراهم الإسلام (قال واختلف في أول من ضربها في الإسلام عبد الملك بن مروان، قال أبو الزياد أمر عبد الملك بضربها في العراق سنة أربع وسبعين، وقال المدائني بل ضربها في آخر سنة خمس وسبعين، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين (قال) وقيل أول من ضربها مصعب بن الزبير بأمر من أخيه عبد الله بن الزبير سنة سبعين على ضرب الأكاسرة ثم غيرها الحجاج، هذا آخر كلام الماوردي (وقال القاضي عياض) رحمه الله تعالى لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوجب الزكاة في إعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة (قال) وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف، بل كانت مجموعات من ضرب فارس

ص: 245

والروم، وصغارا وكبارا، وقطع فضة غير مضروبة، ولا منقوشة ويمنية ومغربية، فرأو صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف، وأحيانا يستغني فيها الموازين فجمعوا اصغرها وأكبرها وضربوه على وزنهم (قال القاضي) ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة وإلا فكيف كانت تعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد، وهذا كما كانت الأوقية معلومة أربعين درهما، هذا كلام القاضي (وقال الرافعي وغيره) من أصحابنا أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن، وهو أن الدرهم ستة دوانيق، كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا الإسلام، هذا ما ذكره العلماء في ذلك (والصحيح الذي يتعين اعتماده) أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة الوزن معروفة المقدار وهي السابقة إلى الأفهام عند الإطلاق، وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية، ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل أو أكثر من هذا القدر؛ فإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم الدراهم محمول على المفهوم عند الإطلاق، وهو كل درهم ستة دوانيق؛ كل عشرة سبعة مثاقيل، وأجمع أهل العصر الاول فمن بعدهم إلى يومنا على هذا؛ ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين والله تعالى أعلم (وأما مقدار الدرهم والدينار) فقال الحافظ أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي في كتابه الأحكام، قال أبو محمد علي بن أحمد يعني ابن حزم بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فكل اتفق على أن دينار الذهب بمكة وزنه ثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة من حب الشعير وعشر عشر حبة (فالرطل) مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وهو تسعون مثقالا، وقيل مائة وثلاثون درهما، وبه قطع الغزالي والرافعي وهو غريب ضعيف هذا آخر ما نقله الإمام النووي رحمه الله في شرح المهذب (وفي رسالة العلامة الشيخ مصطفى الذهبي) التي حرر فيها الدرهم والمثقال ما نصه، وأما الدرهم المتداول فدرهم شرعي كما امتحن بحب الخردل وبدرهم الملك قايتباي المختوم بختمه ومنه يركب الرطل، وهو بالبغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وبالمصري مائة وأربعة واربعون درهما فيزيد عن البغدادي ثلاثة أخماس خمسة، فالقلتان بالبغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما واربعة أسباع درهم بالدرهم المعروف في زمانه، وما حرره الذهبي موافق أيضا للدرهم المعلوم في زماننا إذ الرطل المصري زنته الآن بمصر مائة وأربعة وأربعون درهما، ولم يثبت أن الدرهم تغير وزنه بعد زمن النووي بوزن آخر إلى عصرنا هذا، فينتج من ذلك أن الدرهم على حاله، ومما يؤيد ذلك أيضا

ص: 246

قول صاحب لسان العرب، وزنة المثقال هذا المتعامل به الآن درهم واحد وثلاثة أسباع درهم على التحرير يوزن به ما اختير وزنه به، وهو بالنسبة إلى رطل مصر الذي يوزن به عشر عشر رطل أهـ. ويستفاد من كلام صاحب اللسان معرفة زنة المثقال بالدراهم، وأن الرطل المصري يبلغ مائة مثقال، وأن مائة المثقال تبلغ مائة وثلاثة وأربعين درهما إلا سبعا بناء على أن الدرهم سبعة أعشار المثقال، وأن مائة المثقال تبلغ مائة وثلاثة وأربعين درهما إلا سبعا بناء على أن الدرهم سبعة أعشار المثقال، فينتج أن الرطل المصري يبلغ من الدراهم ذلك العدد وهو يعين أن الدرهم الحالي المستعمل هو بعينه الدرهم القديم، ولا يضر اعتبار الرطل المصري مائة وأربعة وأربعين درهما، فإن الفرق بين الاعتبارين قليل يمكن حمله على أن تحديد الرطل بمائة مثقال على التقريب حيث كان الفرق دون مثقال واحد (ومما ذكرنا) يعلم مقدار نصاب الزكاة في النقدين بالوزن كما كان في عصر الصحابة والتابعين (أما مقدار النصاب بالعملة المتداولة الآن) فقد ذكر الشيخ المرصفي في كتابه نخبة المقاصد نقلا عن العلامة الذهبي أنه ضبط النصاب بالنقود الموجودة بمصرنا سنة 1256 هـ مع جبر الكسور الدقيقة فبلغ بالبند في خمسه وعشرين ونصفا (وبالمجر) خمسة وعشرين وتمانية اتسعاع (وبالجنيه) المجيدي ثلاثة عشر وربعا (وبالجنيه الإنجليزي) اثنى عشر وثمنا (وبالجنيه المصري) أحد عشر ونصفا وربعا وثمنا (وبالبينتو) الفرنساوي خمسة عشر وخمسي خمس (وبالبريال السنكو) سبعة وعشرين ونصف الثمن (وبالريال أبي مدفع) خمسة وعشرين ونصفا وربعا وقيراطين (وبالريال المجيدي) ثلاثين وثلاثة أخماس (وبالريال أبي مدفع) خمسة وعشرين وثلثين (وبالبشلك) اثنين وثلاثين وربعا أهـ ، ورأيت في بعض الكتب الحسابية أن الريال المصري المستعمل الآن وزنة تسعة دراهم وعياره ثلاثة وثلاثون وثمانمائة من ألف فيكون ما فيه من الفضة الخالصة سبعة دراهم ونصف، وحينئذ فالنصاب منه ستة وعشرون وثلثان على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة الذين يقولون لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا، ويكون النصاب منه اثنان وعشرون ريالا وجزآن من تسعة أجزاء على ما ذهب إليه الحنفية والمالكية الذين يغتفرون الغش اليسير والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل.

(تتمة في زكاة الأوراق المالية (البنكنوت) الجاري بها التعامل الآن)

جاء في كتاب بهجة المشتاق في بيان حكم زكاة الأوراق للعلامة السيد أحمد بك الحسيني تغمده الله برحمته. أن أوراق البنكنوت هي سندات ديون فما كان منها مصرحا فيه بوجوب دفع مبلغه عند الطلب أو إذا لم يذكر وقت الأداء فهو ورق دين لا يشتبه فيه واحد من الناس، وما كان مكتوبا فيه أن صاحب الورقة أودع في خزينة الحكومة

ص: 247

مبلغا، وكان المعروف أن حامل الورقة متى طلب ذلك المبلغ دفع إليه من غير تأخير فكذلك أيضا، وإن كان مذكورا في الورقة أن مبلغها مدفوع أمانة فلا يخرج ذلك عن كون الورقة سند دين لما لا يختلف فيه أحد أن هذه الأمانات تتصرف فيها الحكومة بانواع التصرفات المغيرة لأعيانها وهذا إتلاف لها، فصارت الجكومة ضامنة لتلك الأمانات، وبهذا صارت دينا عليها وصار سند الأمانة في الحقيقة سند دين يأخذه وقت الطلب من بيده هذا السند، وما كان غير مكتوب عليه شيء وهو القليل جدا فمعروف من القوانين الخاصة بتلك الأوراق أن الجكومة التي أصدرت هذه الأوراق تدفع قيمتها من قدم إليها حامل الورقة وطلب قيمتها، فكل هذه الأوراق يما ذكر هي سندات ديون، ولذلك لو بحثنا عن ماهية كلمة (بنك نوت) لوجدناها من الاصطلاح الفرنسي، وقد نص لاروس وهو أكبر وأشهر قاموس للغة الفرنساوية الآن في تعريف أوراق ال بنك حيث قال "ورقة البنك هي ورقة عملة قابلة لدفع قيمتها عينا لدى الإطلاع لحاملها وهي يتعامل بها كما يتعامل بالعملة المعدنية نفسها. غير أنه ينبغي أن تكون مضمونة ليثق الناس بالتعامل بها" أهـ فقوله قابلة لدفع قيمتها عينا لدى الاطلاع لحاملها لم يجعل شكا في أنها سندات ديون، ولا عبرة بما توهمه عبارته من التعامل بها كما يتعامل بالعملة المعدنية، لأن معنى تلك العبارة الناس يأخذونها بدل العملة، ولكن مع ملاحظة أن قيمتها تدفع لحاملها وأنها مضمونة يدفع قيمتها، وهذا صريح في أن تلك الأوراق هي سندات ديون (ثم قال الحسيني رحمه الله بقي أن المعاملة بهذه الأوراق إنما تخرج على قاعدة الحوالة لمن يجيز المعاملة بالمعاطاة من غير اشتراط صيغة، والحوالة كالبيع، فمن يقول بصحة البيع بالمعاطاة يقول بصحة الحوالة بالمعاطاة، وذلك هو مذهب (السادة الحنفية والسادة المالكية والسادة الحنابلة) فإنهم يجيزون المعاملة بالمعاطاة من غير اشتراط صيغة، وهناك قول وجيه في مذهب ÷السادة الشافعية) يجيز المعاملة بالمعاطاة، وأما أسهم الشركات وأوراق الديون المسماة بالبون، فإن المعاملة فيها لا يمكن تخريجها على قاعدة من قواعد الشرع، فإن تعامل أحد فحكمها حكم المقبوض بالعقود الفاسدة على الأصح، ومتى تلف ثمن الأوراق في يد بائعها يكون مثله أو قيمته باقيا على ملك مشتريها على تلك القاعدة وإن كانت من أسهم شركات تجارية ففيها زكاة التجارة وإلا إذا لم تكن أعمالها تجارية كشركة الترمواي والتليفون وما شابههما فلا زكاة إلا على المقبوض من المال منها إن حال عليه الحول، وكذلك يقال في سندات الديون التي يشتريها الأشخاص فمتى اعتبرها الشخص مملوكة له أي أنه مستحق للدين المكتوب في الورقة وجب عليه زكاة الدين كما مر، أما الربا المقبوض فلا يجوز أكله بحال من الأخوال، اللهم إلا أن بكون من مال الحربيين أو كان للشخص حق علىلحكومة بسبب ظلمها وأخذها الأموال

ص: 248

من غير مسوغ شرعي، فيجوز لمن له مثل ذلك الحق أن بأخذ ذلك الربا ويأكله، لكن ليس من حيث أنه ربا، وإنما لأنه من باب الطافر ببعض حقه والله أعلم؛ ثم ذكر رحمه الله (حكم الزكاة في الدين الحال بشرطه وتعجيلها قبل قبض الدين على المذاهب الأربعة) مبتدئا بمذهب (السادة الشافعية) فقال، قال في مختصر المزني قال الشافعي وإن كان له دين يقدر على أخذه فعليه تعجيل زكاته كالوديعة، قال شارحه الماوردي في الحاوي الكبير قد مضت هذه المسألة مرتبة وسنذكرها على غير ذاك الترتيب ليكون التكرار مفيداـ قد مضت هذه المسألة مرتبة وسنذكرها على غير ذاك الترتيب ليكون التكرار مفيدا، اعلم أن قوله (له دين) لا يخلو من أحد الأمرين، إما أن يكون حالا أو مؤجلا "فإن كان مؤجلا" فعلى وجهين (أحدهما) وهو قول أبي اسحق يكون مالكا له، وفي زكاته قولان كالمال المغصوب (والقول الثاني) وهو قول أبي على بن أبي هريرة لا يكون مالكا له ولا زكاة فيه حتى يقبضه ويستأنف حوله "وإن كان الدين حالا"(فعلى ضربين- أحدهما) أن يكون على معسر فلا تلزمه زكاته قبل قبضه؛ فإذا قبضه فهل يزكيه لما مضى أو يستأنف حوله؟ على قولين (والضرب الثاني) أن يكون على موسر، فهذا على صربين (أحدهما) أن يكون جاحدا فلا زكاة عليه قبل قبضه، وبعد قبضه على قولين كالدين على المعسر (والضرب الثاني) أن يكون معترفا (فهذا على ضربين أحدهما) أن يكون مماطلا مدافعا، فلا زكاة فيما عليه كالمال الغائب، فإذا قدم فزكاة ما عليه واجبة لما مضى قولا واحدا وإن لم يقبضه، لأنه قادر على قبضه (والضرب الثاني) أن يكون حاضرا فزكاة ما عليه واجبة قبض أو لم يقبض، لأن هذا كالوديعة بل أحسن حالا منها لأنه في الذمة (فأما ما في ذمة العبد) من مال كتابته أو الحراج المضروب على رقبته فلا زكاة فيه على سيده حتى يقبضه ويستأنف حوله، لأنه ليس بدين لازم والله أعلم بالصواب (وأما مذهب السادة الحنفية) فقد ذكر في فتج القدير أن أبا حنيفة قسم الدين إلى ثلاثة أقسام (قوي) وهو بدل القرض ومال التجارة (ومتوسط) وهو بدل مال ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة وعبد الخدمة ودار السكنى (وضعيف) وهو يدل ما ليس بمال كالمهر والوصية ويدل الخلع والصلح عن عدم العمد والدية وبدل الكتابة والسعاية، فقي القوى تجب الزكاة إذا حال الحول ويتراخى الأداء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم، وكذا فيما زاد فبحسابه (وفي المتوسط) لا تجب مالم يقبض نصابا ويحول الحول عليه بعد القيض (وأما مذهب السادة المالكية) إذا لم يكن الدين ثمن عرض وكان حالا فيزكيه عن كل سنة ولو قبل قبضه (وأما مذهب السادة الحنابلة) فمن له دين على مليء باذل من قرض أو دين عروض تجارة أو ثمن مبيع وحال عليه الحول فكلما قبض شيئا أخرج زكاته لما مضى (وفي الدين على غير ملئ روايتان) الصحيح من

ص: 249

المذهب أنه كالدين على الملئ فيزكيه إذا قبضه لما مضى، إلى هنا انتهى ما نقله العلامة السيد أحمد بك الحسيني رحمه الله.

(وفي كتاب التبيان في زكاة الأئمان) لمعاصرنا العلامة الكبير الصالح الورع الجليل الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي أحد كبار العلماء ووكيل مشيخة الأزهر ومدير المعاهد الدينية سابقا تغمده الله برحمته ما نصه (المطلب الخامس في زكاة الاوراق المالية الجاري يها التعامل الآن) اعلم أنه قد ورد إلينا بتاريخ 11 ربيع الأول سنة 1324 هجرية خطاب من أحد أهالي الفيوم يتضمن السؤال عن حكم زكاتها شرعا "وصورته" إذا وجد عن شخص ورقة بنكنوت قيمتها مائة جنيه مثلا وحال عليها هل تجب فيها الزكاة أو لا؟ فأجبناه إذ ذاك بوجوب الزكاة فيها تخرجا على زكاة الدين عند السادة الشافعية، لأن المزكي في الحقيقة هو المال المضمون بها (وتفصيل الجواب) أن الأوراق المالية الجاري بها التعامل الآن في القطر المصري معتبرة كمستندات ديون على شخص معنوي كما هو الظاهر من التعهد المرقوم عليها وصورته- أتعهد بأن أدفع لدى طلب مبلغ كذا لحامله، تحرر هذا السند بنقتضى الدكريتور المؤرخ في 25 يونيو سنة 1899 - عن البنك الأهلي المصري الإمضاء.

(وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) المطبوع على نفقة وزارة الأوقاف بمصر والذي اشترك في تأليفه علماء المذاهب الأربعة ما نصه - أما الأوراق المالية البنكنوت فهي وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضة فورا، وتقوم مقام الذهب في التعامل فتجب فيها الزكاة متى بلغت قيمتها نصابا ووجدت باقي الشروط المعتبرة في وجوب الزكاة، وقد ذيل هذا الحكم في الكتاب المكور بما يلي (الشافعية) قالوا الورق النقدي وهو المسمى البنكنوت التعامل به في صورة حوالة على البنك بقيمة إلا أنها غير صحيحة شرعا لعدم وجود الإيجاب والقبول لفظا بين المعطي والآخذ، وعلى ذلك فلا تجب الزكاة على مالكه إلا إذا قبض قيمته ذهبا أو فضة ومضى على هذه القيمة حول كامل (الحنابلة) قالوا لا تجب زكاة الورق النقدي إلا إذا صرف ذهبا أو فضة ووجد فيه شروط الزكاة السابقة أهـ من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (قلت) يعلم مما أوردنا في هذه التتمة أن الورق المالي المسمى (بالبنكنوت) تجب فيه الزكاة كزكاة الدين الحال على الموسر الذي يمكنه الدفع، وأما تعليل السادة الشافعية عدم صحة الحوالة بعدم وجود الإيجاب والقبول لفظا بين المعطي والآخذ فغير متفق عليه، فإن الإئمة الثلاثة (أبا حنيفة ومالك وأحمد) رحمهم الله يقولون بصحة الحوالة بالمعاطاة من غير شرط صيغة

ص: 250

وأما قولهم (أعني الشافعية) بعدم وجوب الزكاة في الورق المذكور إلا إذا قبضت قيمته ذهبا أو فضه ومضى على هذه القيمة حول كامل بحجة عدم الإيجاب والقبول بين الآخذوالمعطي، ففي هذا منافاة لما تقتضيه حكمة التشريع وضياع لحق الفقير، لأننا نجد البنوك مكدسة بالأوراق المالية وديعة للموسرين من الناس، وبعضهم يحفظها في خوانة بيته السنين الطوال ولا يصرف منها إلا لحاجته الوقتية، فلو قلنا بعدم الزكاة للعلة التي ذكروها لما وجبت الزكاة على أحد، وهذا غير معقول، فالذي أراه حقا وأدين الله عليه أن حكم الورق المالي كحكم النقدين في الزكاة سواء بسواء، لأنه يتعامل به كالنقدين تماما ولأنه مالكه يمكنه صرفه وقضاء مصالحه به في أي وقت شاء، فمن ملك النصاب من الورق المالي ومكث عنده حولا كاملا وجبت عليه زكاته باعتبار زكاة الفضة، لأن الذهب غير ميسور الآن ولا يمكنه صرف ورقة بقيمتها ذهبا، هذا ما ظهر لي والله أعلم بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل.

ص: 251