المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الصيام - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ٩

[أحمد البنا الساعاتي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ كتاب الصيام

-[كلام العلماء فى فوائد الصدقة الجارية - والحكمة فى جعل‌

‌ كتاب الصيام

بعد الزكاة]-

((9) كتاب الصيام (*))

(1)

باب ما جاف فى فصل الصيام مطلقا

(1)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّ

هو المتسبب فيها، فان الولد من كسبه وكذلك العلم الذى خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهى الوقف، وكذلك غرس الشجر والبنيان وإقامة الحق، أما الذى مات مرابطا فيقال ان هذه خصوصية خصه الله بها (ويستفاد من أحاديث الباب أيضًا) فصيلة الزواج لرجاء ولد صالح (وفيها أيضًا) دلالة لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه وبيان فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه والترغيب من توريثه بالتعليم والتصنيف والأيضاح والتأليف؛ وأنه ينبغى أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع (وفيها) أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت وكذلك الصدقة وهما مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدين، وقد ذكر بعض أصحاب الأصول من المحدثين فى كتبهم. باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت ضمن أبواب صدقة التطوع ولكنى ذكرته فى آخر كتاب الجنائز وترجمت له بباب وصول ثواب القرب المهداة إلى الميت صحيفة 97 من الجزء الثامن، لأن مناسبته - هناك أكثر - والله ولى التوفيق وهو الهادى إلى أقوم طريق

(1)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وابن

_________

(*) هذا هو الركن الرابع من أركان الاسلام المذكورة فى حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ بنى الاسلام على خمس. على أن يوحَّد الله. وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام رمضان، والحج، فقال رجل الحج وصيام رمضان قال لا. صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الشيخان والامام أحمد وغيرهم وهذا لفظ مسلم (فان قيل) جاء عند البخارى والامام أحمد وفى بعض روايات مسلم تقديم الحج على الصيام (قلت) قد أجاب عن ذلك الحافظ رحمه الله بأن الرواية التى فيها تقديم الحج على الصيام مروية بالمعنى. لأن الراوى لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس أو حضر ذلك ثم نسيه ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم على الوجهين ونسيى أحدهما عند رده على الرجل اهـ وقد سلكت فى ترتيب كتابى هذا ترتيب حديث ابن عمر المتقدم ذكره فابتدأت بكتاب التوحيد. ثم الصلاة. ثم الزكاة. ثم الصيام. ثم لحج. وسيأتى بعد هذا إن شاء الله، وقد سلك هذا المسلك (*)

ص: 207

-[معنى الصيام لغة واصلاحا]-

عمل ابن آدم له (1) إلَّا الصِّيام فإنَّه لى وأنا أجزى به (2) والصِّيام جنةٌ، وإذا

بكر قالا أنا ابن جريج أخبرنى عطاء عن أبى صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم - الحديث" (غريبه) (1) أى له فيه حظ ومدخل لاطلاع الناس عليه فهو يتعجل به ثوابا من الناس ويحوز به حظا من الدنيا "إلا الصيام فانه لى" أى خالصًا لى لا يعلم ثوابه المترتب عليه غيرى، وقد اختلف العلماء فى معنى قوله "إلا الصيام فانه لى مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل سبب اضافته الى الله عز وجل انه لم يعبد أحد غير الله تعالى به" فلم يعظم الكفار فى عصر من الأعصار معبودًا لهم بالصيام وان كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك، وقيل لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرهما من العبادات الظاهرة، وقيل لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ. قاله الخطابى، قال وقيل ان الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة وان كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شئ، وقيل معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته، وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل هى اضافة تشريف كقوله تعالى {ناقة الله} مع أن العالم كله لله تعالى وفى هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث عليه (2) فيه بيان لكثرة ثوابه، لأن الكريم اذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضت عظمته وسعته العطاء "وقوله والصيام جنة" بضم الجيم أى سترة ومانع من الرفث والآثام ومانع أيضا

_________

(*) مسلم والترمذي وأبو داود فى بعض النسخ، وذكر النسائى وابن ماجه الصيام بعد الصلاة لأن كلا منهما عبادة بدنية، وأخره البخارى عن الحج لان للحج اشتراكما مع الزكاة فى العبادة المالية "ولكل وجهة هو موليها"(والصيام) ويقال الصوم أيضا مصدران لصام (معناه فى اللغة) الأمساك، قال تعالى حكاية عن مريم عليها السلام {إنى نذرت للرحمن صوما} أى صمتا وسكوتا، وكان مشروعا عندهم، الا ترى إلى قولها {فلن أكلم اليوم انسيا} وقال النابغة الذبيانى.

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

أى قائمة على غير علف قاله الجوهرى، وقال ابن فارس ممسكة عن المسير؛ وفى المحيط وغيره ممسكة عن الاعتلاف وصام. النهار إذا قام قيام الظهيرة وقال صام النهار وهجرا، يعنى قام قائم الظهيرة. وقال أبو عبيد كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير صائم، والصوم ركود الربح، والصوم البيعة، والصوم ذرق الحمام. وسلخ النعامة، والصوم إسم شجر، وفي المحيط صام (*)

ص: 208

-[ما يقول الصائم لمن سابَّه أو شاتمه]-

كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث (1) يومئذٍ ولا يصخب (وفى روايةٍ ولا يجهل بدل ولا بصخب) فإن شاتمه أحدٌ (2) أو قاتله فليقل إنِّى امرؤٌ صائمٌ مرَّتين (3) والَّذى

من النار ومنه المجنّ وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم عن العيون، والجنان لاستتارها بورق الأشجار، وإنما كان الصوم جنة من النار لأنه امساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات كما فى الحديث الصحيح "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"(وقال ابن الأثير) معنى كونه جنة أى يقى صاحبه ما يؤذيه من الشهوات (وقال القاضى عياض) معناه يستر من الآثام أو من النار أو بجميع ذلك، وبالأخير قطع النووى والله أعلم (1) بتثليث الفاء وآخره مثلثه أى لا يفحش فى الكلام (ولا يصخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة المفتوحة؛ ويجوز إبدال الصاد سينا كما جاء فى رواية عند مسلم أى لا يصيح ولا يخاصم (وفى رواية ولا يجهل) أى لا يفعل شيئًا من أفعال الجاهلية كالسفه والسخرية. (وقال القرطبى) لا يفهم من هذا أن غير الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم (2) لفظ البخارى "وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائم مرتين"(ولفظ مسلم)"إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفص ولا يجهل فان امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إنى صائم إنى صائم" ومعنى شاتمه أى شتمه متعرضا لمشاتمته، ومعنى قاتله نازعه ودافعه وفى رواية (فان سابه أحد أو قاتله) زاد سعيد بن منصور من طريق سهيل (فان سابه أحد أو ماراه) يعنى جادله، وفى رواية أبى قرة من طريق سهيل عن أبيه (وإن شتمه إنسان فلا يكلمه) وفى رواية ابن خزيمة من طريق عجلان عن أبى هريرة (فان شاتمك أحد فقل انى صائم وان كنت قائمًا فاجلس) وفى رواية الترمذى (وان جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل اني صائم) قال الحافظ العراقى اختلف العلماء فى هذا على ثلاثة أقوال (أحدها) أن يقول ذلك بلسانه انى صائم حتى يعلم من يجهل أنه معتصم بالصيام عن اللغو والرفث والجهل (والثانى) أن يقول ذلك لنفسه أى واذا كنت صائما فلا ينبغى أن أخدش صومى بالجهل ونحوه فيزجر نفسه بذلك (قلت) قال النووى فى المجموع كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنًا اهـ (والقول الثالث) التفرقة بين صيام الفرض والنفل، فيقول ذلك بلسانه فى الفرض ويقول لنفسه فى التطوع اهـ (قال العينى) فان قلت قاتله أو شاتمه من باب المفاعلة وهى المشاركة بين الاثنين، والصائم مأمور بالكف عن ذلك (قلت) لا يمكن حمله على أصل الباب ولكنه قد يجيئ بمعنى فعل يعنى لنسبة الفعل الى الفاعل لا غير، كقولك سافرت بمعنى نسبت السفر الى المسافر، وكما فى قولهم عافاه الله وفلان عالج الأمر ويؤيد هذا رواية سهيل عن أبيه (وان شتمه انسان فلا يكلمه) اهـ (3) اتفقت الروايات كلها على أنه

-------

(*) صوما وصياما واصطام ورجل صائم اهـ (وأما فى الشرع) فالصوم هو الامساك عن (*)

ص: 209

-[ريح فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك]-

نفس محمَّدٍ بيده (1) لخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك (2) وللصَّائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربَّه عز وجل فرح بصيامه (3)(وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه (4) وفيه) يقول الله عزَّ

يقول إني صائم فمنهم من ذكرها مرتين ومنهم من اقتصر على واحدة (1) أقسم على ذلك تأكيدًا "وقوله لخلوف" بضم المعجمة واللام وسكون الواو. وبعدها فاء (قال القاضى عياض) هذه الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء (قال الخطابى) وهو خطأ وحكى القابسى الوجهين. وبالغ النووى فى شرح المهذب فقال لا يجوز فتح الخاء، واحتج غيره لذلك بأن المصادر التى جاءت على فعول بفتح أوله قليلة، ذكرها سيبويه وغيره وليس هذا منها، واتفقوا على أن المراد به تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام "وفى قوله فم الصائم" رد على من قال لا تثبت الميم فى الفم عند الأضافة الا فى ضرورة الشعر لثبوته فى هذا الحديث الصحيح وغيره (2) قال المازرى هذا مجاز واستعارة، لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذى له طبائع تميل الى شئ فتستطيبه، وتنفر من شئ فتستقذره، والله تعالى متقدس عن ذلك. لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا. فاستعير ذلك فى الصوم لتقريبه من الله تعالى (قال القاضى عياض) وقيل يجازيه الله تعالى به فى الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك. وقيل يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك. وقيل رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وان كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه (قال النووى) والأصح ما قاله الداودى من المقارنة، وقاله من قال من أصحابنا إن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب اليه فى الجمع والأعياد ومجالس الحديث وسائر مجامع الخير اهـ (3) قال العلماء أما فرحته عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها، وأما فرحته عند لقاء ربه فيما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك (وقوله اذا أفطر فرح بفطره) يشعر بأن فرحه لزوال الجوع والعطش حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح من طبيعة الانسان، وكل انسان بحسبه لاختلاف مقامات الناس فى ذلك (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا محمد عن موسى

_________

(*) شهوتي البطن والفرج يوما كاملا من طلوع الفجر الثانى إلى غروب الشمس بنية مخصوصة، (وقال ابن العربى) وقع لاصوم فى عرف الشرع عن إمساك مخصوص فى زمن مخصوص مع النية (*

ص: 210

-[الصائم يوفى أجره بلا عد ولا حساب]-

وجلَّ كلُّ عمل ابن آدم له إلَّا الصِّيام فهو لى وأنا أجزى به، إنَّما يترك طعامه وشرابه من أجلى (1) فصيامه لى وأنا أجزى به، كلُّ حسنةٍ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ إلَّا الصِّيام فهو لى وأنا أجزى به

(2)

قر عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال قال رسول الله

ابن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل كل عمل ابن آدم له الحديث (1) أى خوفا منى وامتثالا لأمرى (قال الحافظ) وقد يفهم من الأتيان بصيغة الحصر فى قوله انما يترك الخ التنبيه على الجهة التى بها يستحق الصائم ذلك وهو الاخلاص الخاص به، حتى لو كان ترك ذلك لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور، لكن المدار فى هذه الاشياء على الداعى القوى الذى يدور معه الفعل وجودًا وعدما، ولا شك أن من لم يعرض فى خاطره شهوة شئ من الأشياء طول نهاره الى أن أفطر ليس هو فى الفضل كمن عرض له ذلك فجاهد نفسه فى تركه اهـ، (وقوله فصيامه لى) أى من بين سائر الأعمال ليس للصائم فيه حظ، أو هو سر بينى وبين عبدى يفعله خالصا لوجهى (وفى الموطأ فالصيام) بفاء السببية أى بسبب كونه لى انه يترك شهوته لأجلى أو أن فيه صفة الصمدانية وهى التنزيه عن الغذاء (وأنا أجزى به) يعنى صاحبه وقد علم علم أن الكريم إذا تولى الأعطاه بنفسه كان فى ذلك إشارة الى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه، ففيه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب، ولما أفاد سعة الجزاء وفخامته لتوليه بنفسه دفع توهم أنه له غاية ينتهى اليها كغيره من الأعمال بقوله (كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف الا الصيام فهو لى وأنا أجزى به) أى بلا عدد ولا حساب، وأعاد قوله وأنا أجزى به فى آخر الكلام تأكيدًا، وهذا كقوله تعالى {إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب} والصابرون الصائمون فى أكثر الأقوال لانهم يصِّبرون أنفسهم عن الشهوات (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم.).

(2)

"قر" عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله قال قرأت على أبي

_________

(*) وقال ابن قدامة هو الامساك من طلوع الفجر الثانى إلى غروب الشمس، روى ذلك عن على رضى الله عنه أنه لما صلى الفجر قال الآن حين تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، وعن ابن مسعود نحوه والله أعلم

ص: 211

-[للصائم فرحتان - فرحة عند إفطاره - وفرحة يوم القيامة]-

صلى الله عليه وسلم إنَّ الله عز وجل جعل حسنة ابن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ إلَّا الصَّوم، والصَّوم لى وأنا أجزى به، وللصَّائم فرحتان، فرحةٌ عند إفطاره وفرحةٌ يوم القيامة، ولخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك

(3)

عن أبى هريرة وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله، وفيه إنَّ للصَّائم فرحتين، إذا أفطر فرح، وإذا لقى الله فجزاه فرح

(4)

عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والَّذى نفس محمَّدٍ بيده لخلوف فم الصَِّّائم أطيب عند الله من ريح المسك

(5)

عن سعيد بن أبى هندٍ أنَّ مطرِّفًا رجلٌ من بنى عامر بن صعصعة حدَّثه أنَّ عثمان بن أبى العاص الثَّقفى رضى الله عنه دعا له بلبنٍ ليسقيه

حدثكم عمرو بن مجمع أبو المنذر الكندى انا ابراهيم الهدرى عن أبى الأحوص عن عبد الله ابن مسعود الحديث (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار باختصار والطبر إني فى الكبير وزاد عن النبى صلى الله عليه وسلم (اذا كان يوم صوم أحدجكم فلا يرفص ولا يجهل فان جهل عليه جاهل فليقل إنى صائم) وله أسانيد عن دالطبرانى وبعض طرقه رجالها رجال الصحيح وفى اسناد أحمد. عمرو بن مجمع. وهو ضعيف اهـ (قلت) هذا الحديث مما قرأه عبد الله على أبيه ولذا رمزت له بهذه العلامة (قر) فتنبه

(3)

عن أبى هريرة وأبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن فضيل ثنا ضرار وهو أبو سنان عن أبي صالح عن أبى هريرة وأبى سعيد قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله يقول إن الصوم لى وأنا أجزى به، ان للصائم فرحتين اذا أفطر فرح واذا لقى الله فجزاه فرح، والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

(4)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أنا جعفر بن برد عن أم سالم الراسبية قالت سمعت عائشة تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث (تخريجه) أخرجه النسائى بأطول من هذا وسنده جيد

(5)

عن سعيد بن أبي هند (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا هاشم

ص: 212

-[الصيام يقي صاحبه من النار - ودخول الصائمين الجنة من باب الريان]-

قال مطرِّفٌ إنِّى صائمٌ، فقال عثمان سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقو الصِّيام جنَّةٌ من النَّار كجنَّة أحدكم من القتال

(6)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال قال ربُّنا هزَّ وجلَّ الصِّيام جنَّةٌ يستحنُّ بها العبد من النَّار وهو لى وأنا أجزى به

(7)

وعن سهل بن سعد رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال إنَّ للجنَّة بابًا يقال له الرَّيَّان (1) قال يقال يوم القيام أين الصَّائمون هلمُّوا إلى الرَّيَّان، فإذا دخل آخرهم (2) أغلق ذلك الباب (وعنه من طريقٍ ثانٍ (3) بنحوه وفيه)

قال ثنا ليث حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن سعيد بن أبى هند الحديث (غريبه)(1) أى وقاية من النا كما يتقى أحدكم سلاح العدو فى القتال بالملابس الحديدية كالدرع والبيضة ونحوهما (2) ليس هذا آخر الحديث (وبقيته) وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيامٌ حسنٌ ثلاثة أيام من الشهر (تخريجه)(نس. جه. حب) وسنده جيد

(6)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير عن جابر الحديث (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه أحمد باسناده جيد والبيهقى

(7)

عن سهل بن سعد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أحمد ابن عبد الملك ثنا حماد بن زيد عن أبى حازم عن سهل بن سعد (تخريجه)(1) الكلام على أبواب الجنة تقدم مستوفى فى شرح الحديث الأول، فى باب فضل الصدقه فى سبيل الله من كتاب الزكاة صحيفة 168 رقم 216 وذكرنا هناك أن أبواب الجنة ليست محصورة فى الثمانية المعلومة، بل لها أبواب أخر ذكر منها هناك باب الريان، والريان نقيض العطشان، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، فانه مستق من الرىّ، وهو مناسب لحال الصائمين لانهم بتعطيشهم أنفسهم فى الدنيا يدخلون من باب الريان ليأمنوا من العطش (2) وقع فى رواية عند مسلم (فاذا دخل أولهم) قال القاضى عياض وغيره وهو وهم، والصواب آخرهم (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا بن المفضل ثنا عبد الرحمن

ص: 213

-[لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة - وباب الصائمين يقال له الريان]-

فإذا دخلوه أغلق فلم يدخل منه غيرهم (1)

(8)

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلِّ أهل عملٍ بابٌ من أبواب الجنَّة يدعون بذلك العمل (2) ولأهل الصِّيام بابٌ يدعون منه يقال له الرَّيَّان (3) فقال أبو بكرٍ يا رسول الله هل أحدٌ يدعى من تلك الأبواب كلِّها؟ (4) قال نعم. وأنا أرجوا أن تكون منهم يا أبا بكرٍ

ابن إسحاق عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للجنة بابا يدعى الريان يقال يوم القيامة أين الصائمون فا 1 ادخلوه أغلق فلم يدخل منه غيرهم، قال فلقيت أبا حازم فسألته فحدثنى به غير أنى لحديث عبد الرحمن أحفظ (1) كرر نفى دخول غيرهم منه تأكيدًا (وأما قوله فلم يدخل) فهو معطوف على أغلق أى لم يدخل منه غير من دخل، وفيه فضيلة الصيام وكرامة الصائمين وما لهم من المنزلة العليا عن دالله عز وجل (تخريجه)(ق. نس. مذ. خز. ش) وزاد الترمذى "ومن دخله لم يظمأ أبدا" وزاد ابن خزيمة "من دخل شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا" ونحوه للنسائى والأسماعيلى من طريق عبد العزيز ابن حازم عن أبيه لكنه وقفه (قال الحافظ) وهو مرفوع قطعًا لأن مثله لا مجال للرأى فيه

(8)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أنا محمد بم عمرو عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة الحديث" (غريبه) (2) فيه دلالة على أن للجنة أكثر من ثمانية أبواب، لأن الأعمال اكثر من ذلك العدد، ويمكن ان يقال الأبواب الرئيسية ثمانية يدعى من احدها كل من اشتهر بعمل من الأعمال المهمة كالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك، فمن أدى فرائض الصلاة قى أوقاتها مثلا وأكثر من نوافلها وكان يؤدى الزكاة، ولكنه لا يتصدق تطوعا إلا يسيرا، فهذا يدعى من باب الصلاة، ومن كما يؤدى الزكاة المفروضة ويتصدق كثيرا تطوعا مع أداء الصلاة المفروضة ولكنه مقصر فى النوافل، فهذا يدعى من باب الزكاة وهكذا (3) فى تخصيص باب الصيام بالذكر دلالة على فضل الصيام والصائمين (4) يعنى والله أعلم هل يوجد أحد يحافظ على جميع الأعمال فرضها ونفلها حتى يدعى من تلك الأبواب جميعها؟ قال نعم. وأنا أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر، ومعلوم أن رجاء النبى صلى الله عليه وسلم من ربه واقع بلا شك بل وقع صريحا فى حديث ابن عباس عند ابن حبان بلفظ "قال أجل. وانت هو يا أبا بكر" ففى هذا منقبة عظيمة لأبى بكر رضى الله عنه، وفيه أن أعمال البر قل أن تجتمع جميعها لشخص واحد

ص: 214

-[فضل الصيام فى سبيل الله - وفضل الصوم مطلقا]-

(9)

عن أبي سعيدٍ الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لا يصوم عبدٌ يومًا فى سبيل الله (1) إلَّا باعد الله بذلك اليوم النَّار عن وجهه سبعين خريفًا (2)

(10)

عن أبى أمامة (3) رضى الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت مرنى بعملٍ يدخلنى الجنَّة، قال عليك بالصَّوم فانَّه لا عدل (4) له، ثمَّ أتيته الثَّانية، فقال عليك بالصِّيام (5)

على السواء، فمن حاز هذه المزية يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، ولعله باب العمل الذى يكون أغلب عليه والله تعالى أعلم (تخريجه)(طب. ش) وصححه الحافظ

(9)

عن أبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير ثنا سفيان عن سمين عن النعمان بن أبى عياش الزرقى عن أبى سعيد - الحديث" (غريبه)(1) هذا محمول على من لا يتضرر به ولا يفوِّت به حقا ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه، والا فيتعين الفطر، فان صام فلا ثواب له (2) الخريف السنة، والمراد سبعين سنة (تخريجه)(ق. نس. مذ)

(10)

عن أبى أمامة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا شعبة ثنا محمد بن أبى يعقوب قال سمعت أبا نصر يحدث عن رجاء بن حيوة عن أبى أمامة - الحديث" (غريبه) (3) هو أبو أمامة الباهلى اسمه الصُّدى بن عجلان ابن عمرو بن وهب الباهلى الصحابى رضى الله عنه (4) بكسر العين المهملة أى لا مثل له كما صرح بذلك فى رواية أخرى (5) فى قوله صلى الله عليه وسلم لأبى أمامة فى المرة الثانية "عليك بالصيام" دلالة على أنه لم يجد له أفضل منه، وهذا لا ينافى ما ثبت فى أحاديث أخرى من أن النبى صلى الله عليه وسلم أجاب بعض السائلين فى مثل هذا بأعمال أخرى غير الصيام، لأنه صلى الله عليه وسلم كالطبيب يصف لكل إنسان من الدواء ما يناسب حاله (تخريجه) (نس. خز. ك) وصححه (وفى رواية للنسائى) قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله مرنى بأمر ينفعنى الله به، قال عليك بالصيام فانه لا مثل له (رواه ابن حبان فى صحيحه) بلفظ "قلت يا رسول الله دلنى على عمل أدخل به الجنة، قال عليك بالصوم فانه لا مثل له، قال وكان

ص: 215

-[الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة]-

(11)

عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصِّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول، الصِّيام أى ربِّ منعته الطَّعام والشَّهوات بالنَّهار فشفِّعنى فيه، ويقول القرآن منعته النَّوم باللَّيل فشفعنى فيه، قال فيشفَّعان (1)

(12)

عن أمِّ عمارة (2) بنت كعبٍ (الأنصاريَّة) رضى الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعت له بطعامٍ فقال لها كلى فقال إنِّى صائمةٌ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ الصَّائم إذا أكل عنده (3) صلَّت عليه الملائكة حتَّى يفرغوا

أبو أمامة لا يرى فى بيته الدخان نهارا إلا إذا نزل بهم ضيف

(11)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا موسى بن داود ثنا ابن لهيعة عن حى بن عبد الله عن أبى عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله ابن عمرو - الحديث" (غريبه)(1) بضم أوله وتشديد الفاء أى يشفعهما الله فيه، أى يقبل شفاعتهما ويدخله الجنة، وهذا القول يحتمل الحقيقة بأن يجسد ثوابهما ويخلق فيه النطق، ويحتمل المجاز والتمثيل والله أعلم (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجاله محتج بهم فى الصحيح، ورواه ابن أبى الدنيا فى كتاب الجوع وغيره باسناد حسن، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم اهـ

(12)

عن ام عمارة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم بن القاسم قال ثنا شعبة عن حبيب الأنصارى قال سمعت مولاة لنا يقال لها ليلى تحدث عن جدته أم عمارة بنت كعب أن النبى صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(2) اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارية النجارية والدة عبد الله وحبيب ابنى زيد بن عاصم، قال أبو عمر شهدت بيعة العقبة، وشهدت احدا مع زوجها وولدها منه فى قول ابن إسحاق، وشهدت بيعة الرضوان، ثم شهدت قتال مسيلمة باليمامة وجرحت يومئذ اثنتى عشرة جراحة وقطعت يدها، وقتل ولدها حبيب، روت عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث، روى عنها ابنها عباد بن تميم بن زيد. والحارث بن عبد الله بن كعب. وعكرمة. وليلى مولاة لهم، كذا فى الأصابة للحافظ وطوّل فى ترجمتها بما يدل على فضلها وشجاعتها، وقد اقتصرت فى ترجمتها على هذا المقدار رضى الله عنها (3) أى إذا أكل المفطرون وهو حاضر (صلت

ص: 216

-[الصائم إذا أكل عنده فواطر صلت عليه الملائكة]-

ربَّما قال حتَّى يقضوا أكلهم

(13)

عن حبيب بن زيدٍ عن مولاته ليلى عن عمَّته (1) أمِّ عمارة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها قال وثاب (2) إليها رجالٌ من قومها، قال فقدَّمت إليهم تمرًا فأكلوا فتنحَّى رجلٌ منهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ما شأنه؟ فقال إنِّى صائمٌ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أما إنَّه ما من صائمٍ يأكل عنده فواطر إلَّا صلَّت عليه الملائكة حتَّى يقوموا

(14)

عن عامر بن مسعودٍ الجمحى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّوم فى الشِّتاء الغنيمة الباردة (4)

عليه الملائكة) أى استغفرت له بسبب صبره على الجوع مع وجود الأكل لا سيما اذا مالت نفسه اليه واشتد صومه عليه (تخريجه)(نس جه مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح

(13)

عن حبيب بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود بن عامر قال ثنا شريك عن حبيب بن زيد - الحديث" (غريبه) (1) المراد بالمولاة هنا المعتقة بفتح التاء المثناة أى معتوقته (2) هذا يخالف ما تقدم فى سند الحديث السابق حيث قال "سمعت مولاة لنا يقال لها ليلى تحدث عن جدته أم عمارة" والظاهر أن ما هنا وهم فيه بعض الرواة والصواب جدته، قال الترمذى عقب ايراد الحديث. وأم عمارة هى جدة حبيب ابن زيد الأنصارى اهـ ولعله يريد بذلك دفع هذا الوهم والله أعلم (3) أى رجع الى بيتها رجال من قومها، يقال ثاب يثوب ثوبا ويؤوبا إذا رجع، ومنه قيل للمكان الذى يرجع اليه الناس مثابة. قال تعالى {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} (تخريجه)(نس. جه. مذ) وسنده جيد

(14)

عن عامر بن مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن سفيان عن أبى اسحاق عن نمير بن عريب عن عامر بن مسعود - الحديث" (غريبه)(4) أى الحاصلة بلا مشقة، وذلك لأنهم كانوا فى بلاد شديدة الحر جدا والبرد عندهم من أكبر النعم، فالصوم فى الشتاء غنيمة باردة لكل من يسكن البلاد الحارة، فينبغى للأنسان أن يكثر من صيام التطوع فى الشتاء لقصر يومه وعدم الحر فيه، وشبهه بالغنيمة الباردة بجامع أن كلا منهما حصول نفع بلا مشقة (تخريجه)(عل. طب. هق) ورواه أيضًا (طب. هب

ص: 217

-[زوائد الباب فى فضل الصيام والصائمين]-

.....

وابن عدي) عن أنس بن مالك، ورواه أيضًا ابن عدى والبيهقى عن جابر، وحديث الباب حسّنه الحافظ السيوطى (زوائد الباب) عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت بلى يا رسول الله. قال الصوم جنة. والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، رواه الترمذى ضمن حديث طويل وصححه (وعن أبى هريرة) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغزوا تغنموا. وصوموا تصحوا. وسافروا تستغنوا. أورده المنذرى وقال رواه الطبرانى فى الأوسط ورواته ثقات (وعنه أيضًا) لو أن رجلا صام يوما تطوعا ثم أعطى ملء الأرض ذهبًا لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب، رواه أبو يعلى والطبرانى ورواته ثقات الا ليث بن أبى سليم، قاله المنذرى (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سرية فى البحر فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع فى ليلة مظلمة إذا هاتف فوقهم يهتف يا أهل السفينة قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه، فقال أبو موسى أخبرنا إن كنت مخبرًا، قال إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له فى يوم صائف سقاه الله يوم العطش، أورده المنذرى وقال رواه البزار باسناد حسن ان شاء الله، قال ورواه ابن أبى الدنيا من حديث لقيط عن أبي بردة عن أبى موسى بنحوه إلا أنه قال فيه قال (إن الله قضى على نفسه أن من عطّش نفسه لله فى يوم حار كان حقًا على الله أن يرويه يوم القيامة) قال فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذى يكاد الأنسان ينسلخ فيه حرا فيصومه (الشراع) بكسر الشين المعجمة هو قلع السفينة الذى يصفقه الريح فتمشى (وعن أبي هريرة) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل شئ زكاة، وزكاة الجسد الصوم، والصيام نصف الصبر (رواه ابن ماجه) وجاء عند الامام أحمد (الصوم نصف الصبر) من حديث طويل عن رجل من بنى سليم سيأتى بتمامه وشرحه فى باب ما جاء فى فضل سبحان الله والحمد لله من كتاب الاذكار (وعن أبى الدرداء) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما فى سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض (طب. طس) باسناد حسن (وعن أبي هريرة) رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام يوما فى سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفًا رواه النسائي باسناد حسن، والترمذى من رواية ابن لهيعة وقال حديث غريب، ورواه ابن ماجه من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثى وبقية الاسناد ثقات (وعن عمرو ابن عبسة) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما فى سبيل الله بعدت عنه النار مسير مائة عام، رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط باسناد لا بأس به، قال الحافظ المنذرى بعد إيراد هذه الأحاديث الثلاثة وغيرها، وقد ذهب طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت فى فضل الصوم في

ص: 218

-[من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه]-

(2)

باب فضل صيام رمضان وقيامه

(15)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا (1) غفر له ما تقدَّم من ذنبه (2)

الجهاد وبوب على هذا الترمذى وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل الصوم فى سبيل الله إذا كان خالصا لوجه الله تعالى اهـ (وعن قيس بن يزيد الجهنى) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما تطوعا غرست له شجرة فى الجنة ثمرها أصغر من الرمان وأضخم من التفاح، وعذوبته كعذوبة الشهد. وحلاوته كحلاوة العسل، يطعم الله منه الصائم يوم القيامة، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير وفيه يحيى بن يزيد الأهوازى، قال الذهبى لا يعرف (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الصوم يزيل اللحم ويبعد من حر السعير؛ إن لله مائدة عليها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا يقعد عليها إلا الصائمون" أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه عبد المجيد بن كثير الحرانى ولم أجد من ترجمته (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل الصيام مطلقًا سواء أكان فرضا أم نفلا، وعلى فضل الصائمين أيضًا. وأن فضل الصوم كبير جدًا لا يعلمه إلا الله عز وجل. بخلاف الأعمال الأخرى وذلك باتفاق العلماء، وقد بينا فى شرح كل حديث ما يختص به بمالا يحتاج معه إلى مزيد والله الموفق

(15)

عن أبى هريرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن فضيل ثنا يحيى يعنى ابن سعيد عن أبى سلمة عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه)(1) قال الخطابى قوله إيمانا واحتسابا أى نية وعزيمة، وهو أن يصومه على التصديق والرغبة فى ثوابه طيبة به نفسه غير كاره ولا مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه لكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب (وقال البغوى) قوله احتسابا أى طلبا لوجه الله تعالى وثوابه، يقال فلان يحتسب الأخبار ويتحسبها أى يتطلبها (2) ظاهر الحديث غفران الصغائر والكبائر وفضل الله واسع، لكن المشهور من مذاهب العلماء فى هذا الحديث وأمثاله كحديث غفران الخطايا بالوضوء وبصوم يوم عرفه ويوم عاشوراء ونحوه أن المراد غفران الذنوب الصغائر فقط كما فى حديث الوضوء - ما لم يؤت - كبيرة - ما اجتنبت الكبائر - وقال النووى فى التخصيص نظر، لكن أجمعوا على أن الكبائر لا تسقط إلا بالتوبة أو بالحد اهـ (فان قيل) قد ثبت فى الصحيح هذا الحديث فى قيام رمضان والآخر فى صيامه والآخر فى قيام ليلة القدر والآخر فى صوم عرفة أنه كفارة سنتين، وفى عاشوراء أنه كفارة سنة. والآخر رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما - والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما - والجمعه الى الجمعة كفارة لما بينهما -

ص: 219

-[الترغيب في قيام رمضان وفضله]-

(زاد في روايةٍ وما تأخَّر)(1)

(16)

وعنه أيضًا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغِّب فى قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمةٍ (2) فيقول من قام رمضان (3) إيمانًا واحتسابًا غفر له

من وافق تأمينه تامين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، ونحو ذلك فكيف الجمع بينها؟ (أجيب) بأن المراد أن كل واحدة من هذه الخصال صالحة لتكفير الصغائر، فان صادفها كفرتها، وإن لم يصادفها فان كان صاحبها سليما من الصغائر لكونه صغيرا غير مكلف أو موقفا لم يعمل صغيرة أو عملها وتاب أو فعلها وعقبها بحسنة أذهبتها كما قال تعالى {إن الحسنات يذهبن السيئات} فهذا يكتب له بها حسنات ويرفع له بها درجات (وقال بعض العلماء) ويرجى أن يخفف بعض الكبيرة أو الكبائر والله أعلم (1) هذه الزيادة رواها الأمام أحمد من طريق أخرى فقال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة، قال حماد وثاب عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (تخريجه)(ق والأربعة وغيرهم) بدون الزيادة (قال الحافظ المنذرى) ورواه أحمد بالزيادة بعد ذكر الصوم باسناد حسن إلا أن حمادا شك فى وصله أو ارساله، قال وفى رواية للنسائي عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من صام رمضان ايمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" قال وفى حديث قتيبة (وما تأخر) قال الحافظ المنذرى انفرد بهذه الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان وهو ثقة ثبت واسناده على شرط الصحيح اهـ

(16)

وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر وعبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه)(1) فيه التصريح بعدم وجوب القيام، وقد فسره بقوله من قام الخ فانه يقتضى الندب دون الأيجاب، واصرح منه قوله فى حديث عبد الرحمن بن عوف الآتى فى باب الأحوال التى عرضت للصيام (وسننت قيامه) بعد قوله (إن الله عز وجل فرض صيام رمضان)(2) قال الحافظ أى قام لياليه مصليا، والمراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام كما فى التهجد سواء، وذكر النووى أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعنى أنه يحصل بها المطلوب من القيام، لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها، وأغرب الكرمانى فقال اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح، وتقدم الكلام على قيام رمضان فى أبواب صلاة التراويح فى أول الجزء الخامس فارجع اليه (وقوله إيمانا واحتسابا) تقدم الكلام عليه فى شرح الحديث السابق وقال النووى معنى ايمانًا تصديقا بانه حق معتقدًا فضيلته (ومعنى احتسابا) أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك

ص: 220

-[فضل قيام رمضان وقيام ليلة القدر]-

ما تقدَّم من ذنبه (1)(وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه (2) وفيه) ولم يكن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم جمع النَّاس على القيام

(17)

عن أبى سلمة أنَّ أبا هريرة أخبره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر (3) إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه

(18)

عن أبى سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه قال سمعت رسول الله

مما يخالف الأخلاص (1) قال الحافظ زاد قتيبة عن سفيان عند النسائى وما تأخر، قال ووردت هذه الزيادة من طريق أبى سلمة من وجه آخر أخرجها أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وعن ثابت عن الحسن كلاهما عن النبى صلى الله عليه وسلم (قلت يشير إلى الزياده المتقدمة فى الحديث السابق وقد ذكرت حديثها بسنده ولفظه فى الشرح) قال وقد ورد فى غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب عدة أحاديث جمعتها فى كتاب مفرد اهـ باختصار (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل بن عمر ثنا ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال "سمعت وسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب الناس فى قيام رمضان ويقول من قامه ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ولم يكن رسول الله جمع الناس على القيام" أى لم يكن هو الذى جمعهم على القيام بل اجتمعوا من أنفسهم، وقصة اجتماعهم تقدمت فى أبواب التراويح فى أول الجزء الخامس (تخريجه)(ق. الأربعة)

(17)

عن أبي سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى قال ثنا شيبان عن يحيى قال أخبرنى أبو سلمه أن أبا هريرة - الحديث" (غريبه)(3) يحصل قيام ليلة القدر باى نوع من أنواع العبادة كصلاة وقراءة قرآن وذكر ونحو ذلك ويجمع ذلك كله فهى أفضل، لا سيما ولفظ القيام يشعر بذلك (وقد اختلف) فى المراد بالقدر الذى أضيفت إليه الليلة فقيل هو التعظيم لقوله تعالى {وما قدر الله حق قدره} والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها ولما يقع فيها من نزول الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذى يحييها يكون ذا قدر، وقيل غير ذلك وسيأتى عند الكلام عليها فى بابها إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. والثلاثة. وغيرهم)

(18)

عن أبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا علي بن

ص: 221

-[تكفير الذنوب ومضاعفة الأجر لمن راعى حدود الصيام فى رمضان]-

صلى الله عليه وسلم يقول من صام رمضان وعرف حدوده (1) وتحفَّظ ممَّا كان ينبغي له أن يتحفَّظ فيه كفر ما قبله (2)

(19)

عن ثوبان (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان فشهرٌ بعشرةٍ أشهرٍ (3) وصيام ستَّة أيَّامٍ بعد الفطر (4) فذلك تمام صيام السَّنة

(20)

عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لقي الله لا يشرك به شيئًا يصلِّى الخمس ويصوم رمضان غفر

إسحاق أنا عبد الله يعنى ابن مبارك أنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن قريط أن عطاء بن يسار حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(1) أى بأن يصومه راغبًا فى الثواب خائفًا من العقاب مخلصًا لوجه الله تعالى (ومعنى التحفظ) أى يجتنب اللغو والرفص والمخاصمة والغيبة والنظر الى ما يثير شهوتى البطن والفرج ونحو ذلك (2) أى من الذنوب الصغائر كما تقدم والله أعلم (تخريجه)(حب. هق) وسنده جيد

(19)

عن ثوبان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الحكم بن نافع ثنا ابن عياش عن يحيى بن الحارث النمارى عن أبى أسماء الرحبى عن ثوبان - الحديث" (غريبه) (3) اى باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها (4) أى من شوال اى باعتبار الحسنة بعشر أمثالها كما مر، فيكون الشهر بعشرة أشهر والستة أيام بشهرين فكأنه صام العام كله (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه ابن ماجه والنسائى ولفظه "جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة" (وابن خزيمة) فى صحيحه ولفظه وهو رواية النسائى قال "صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة" (وابن حبان فى صحيحه) ولفظه "من صام رمضان وستًا من شوال فقد صام السنة" رواه أحمد والبزار والطبرانى من حديث جابر بن عبد الله اهـ (قلت) حديث جابر المشار اليه فى باب صيام ست من شوال من أبواب صيام التطوع إن شاء ألله تعالى

(20)

عن معاذ بن جبل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا زهير بن محمد ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل - الحديث"

ص: 222

-[ما جاء في صيام رمضان وشوال والأربعاء والخميس والجمعة]-

له (1) قلت أفلا أبشِّرهم يا رسول الله، قال دعهم يعملوا (2)

(21)

عن عكرمة بن خالد قال حدَّثنى عريفٌ (3) من عرفاء قريشٍ حدَّثنى أبى أنَّه سمع من فلقٍ (4) فى رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان وشوَّالًا والأربعاء والخميس والجمعة دخل الجنَّة

(غريبه)(1) أي إن لم يكن مرتكبا كبيرة، فان كان مرتكبًا فهو فى خطر المشيئة إن شاء الله عذبه بذنبه، وإن شاء عفا عنه بفضله؛ هذا مذهب السلف (2) أى لا تخبرهم لئلا يتركوا العمل ويتكلوا على ذلك (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد بهذا اللفظ وسنده جيد ومعناه فى الصحيحين

(21)

عن عكرمة بن خالد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد وعفان قالا ثنا ثابت قال عفان بن زيد أبو زيد ثنا هلال بن خباب عن عكرمة بن خالد - الحديث" (غريبه) (3) العريف هو القيم بأمر القبيلة أو الجماعة من الناس يلى أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم (4) بسكون اللام هو الشق. والمعنى أنه سمع هذا الحديث من شق فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبالغة فى أنه لم يسمعه من غيره بل سمعه منه مباشرة (تخريجه) لم أقف عليه بذكر رمضان وشوال لغير الأمما أحمد، وفى إسناده رجل لم يسم وهو العريف فلا يحتج به، وقد وردت أحاديث فى صوم الأربعاء والخميس والجمعة بدون ذكر رمضان وشوال منها (عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله له بيتا فى الجنة يرى ظاهره من باطنه وباطنه من ظاهره، أورده الحافظ المنذرى بصيغة التمريض وقال رواه الطبرانى فى الأوسط، ورواه فى الكبير من حديث أبى أمامة (ومنها) ما رواه البيهقى بسنده عن أيوب بن نهيك مولى سعد بن أبى وقاص عن عطاء عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من صام يوم الأربعاء والخميس والجمعة وتصدق بما قلَّ أو كثر غفر الله له ذنوبه وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال أيوب بن نهيك وحدثنى محمد بن على بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس انه كان يستحب أن يصوم الأربعاء والخميس والجمعة، ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بصومهن وأن يتصدق بما قلَّ أو كثر فان لله الفضل الكثير، رواه البيهقى، وفى إسناده عبد الله بن واقد، قال البيهقى غير قوى وثقه بعض الحفاظ وضعفه بعضهم، قال ورواه يحيى البابلى عن أيوب بن نهيك عن محمد بن قيس عن أبي حازم عن

ص: 223

-[فضل صوم رمضان وثلاثة أيام من كل شهر - وزوائد الباب - وأحكامه]-

(22)

عن عبد الله بن الشِّخِّير عن الأعرابى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صوم شهر الصَّبر (1) وثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ يذهبن وحر الصَّدر (2)

ابن عمرو، البابلتى ضعيف، قال وروى فى صوم الأربعاء والخميس والجمعة من أوجه أخر أضعف من هذا عن أنس اهـ كلام البيهقى

(22)

(عن عبد الله بن الشخير) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بسنده وشرحه فى الباب الأول من أبواب الأمان والصلح من كتاب الجهاد ان شاء الله تعالى (غريبه)(1) يعنى شهر رمضان وسمى شهر الصبر، لأن الصائم يحبس نفسه عن شهواتها، وحبس النفس عما تشتهى هو معنى الصبر، وسيأتى الكلام على صوم الثلاثة الأيام وبيانها فى بابها من أبواب صيام التطوع ان شاء الله (2) وحر الصدر بفتح الواو والحاء المهملة بعدهما راء، هو غشه وحقده ووساوسه (تخريجه) أورده الحافظ المنذرى عن ابن عباس، وقال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، قال ورواه أحمد وابن حبان فى صحيحه والبيهقى. الثلاثة من حديث الأعرابى ولم يسموه، ورواه البزار أيضا من حديث على (زوائد الباب)(عن أبى سعيد الخدرى) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شهر رمضان شهر أمتى، يمرض مريضهم فيعودونه، فاذا صام مسلم لم يكذب ولم يغتب وفطره طيب. سعى الى العتمات. محافظًا على فرائضه. خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها، أورده المنذرى بصيغة التمريض وقال رواه أبو الشيخ (وعن عمرو بن مرة الجهنى) رضى الله عنه قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ان شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فمن أنا؟ قال من الصديقين والشهداء، أورده المنذرى وقال رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما واللفظ لابن حبان (وروى البيهقى) قال أخبرنا أبو محمد ابن يوسف ثنا أبو الطيب المظفر بن سهل الخليلى ثنا اسحاق بن أيوب بن حبان الواسطى عن أبيه قال سمعت رجلا سأل سفيان بن عيينة فقال يا أبا محمد فيما يرويه النبى صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل "مل عمل ابن آدم له إلا الصوم فانه لى وأنا أجزى به" فقال ابن عيينة هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده ويؤدى ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى الا الصوم، فيتحمل الله عنه ما بقى عليه من الظالم ويدخله بالصوم الجنة (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل صيام شهرس رمضان وانه مكفر جميع الذنوب الصغاير، وقد تقدم فى شرح كل حديث من أحاديث الباب ما يناسبه من الأحكام والله الموفق

ص: 224

-[مذاهب العلماء في قولهم جاء رمضان ونحوه من غير ذكر الشهر وجواز ذلك]-

(5)

باب ما جاء فى فضل شهر رمضان والعمل فيه

(23)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال لمَّا حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم رمضان (1) شهرٌ مباركٌ افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنَّة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه الشَّياطين (2) فيه ليلةٌ

(23) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل ثنا أيوب عن أبى قلابة عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه) (1) قال النووى رحمه الله فيه دليل للمذهب الصحيح المختار الذى ذهب اليه البخارى والمحققون أنه يجوز أن يقال رمضان من غير ذكر الشهر بلا كراهة وفى هذه المسألة ثلاثة مذاهب (قالت طائفة) لا يقال رمضان على انفراده بحال وإنما يقال شهر رمضان، هذا قول أصحاب مالك، وزعم هؤلاء أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى فلا يطلق على غيره إلا بقيد (وقال أكثر أصحابنا) وابن الباقلانى ان كان هناك قرينة تصرفه الى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره، قالوا فيقال صمنا رمضان قمنا رمضان، ورمضان أفضل الأشهر، ويندب طلب ليلة القدر فى أواخر رمان وأشباه ذلك ولا كراهة فى هذا كله، وانما يكره أن يقال جاء رمضان. ودخل رمضان. وأحضر رمضان. وأحب رمضان ونحو ذلك (والمذهب الثالث) مذهب البخارى والمحققين أنه لا كراهة فى إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة، وهذا المذهب هو الصواب، والمذهبان الأولان فاسدان لأن الكراهة إنما تثبت بنهى الشرع ولم يثبت فيه نهى، وقولهم إنه اسم من أسماء الله تعالى ليس بصحيح ولم يصح فيه شئ وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطاق الا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة؛ وهذا الحديث المذكور فى الباب صريح فى الرد على المذهبين، ولهذا الحديث نظائر كثيرة فى الصحيح فى اطلاق رمضان على الشهر من غير ذكر الشهر. والله أعلم اهـ (2) فى رواية عند مسلم إذا جاء رمضان فتّحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب النار وصفّدت الشياطين، وله فى أخرى "إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين، وكلها بمعنى واحد والخلاف فى اللفظ فقط (قال القاضى عياض) رحمه الله يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته، ويكون التصفيد ليمنعوا من ايذاء المؤمنين والتهويش عليهم، قال ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون اشارة الى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل اغواؤهم وإيذاؤهم

ص: 225

-[كلام العلماء فى تصفيد الشياطين فى رمضان]-

خيرٌ من ألف شهرٍ (1) من حرم خيرها فقد حرم

فيصيرون كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء، ولناس دون ناس، ويؤيد هذه الرواية الثانية "فتحت أبواب الرحمة" وجاء فى حديث آخر صفدت مردة الشياطين، (قال القاضى) ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات فى هذا الشهر التى لا تقع فى غيره عموما كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات، وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها، وكذل تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات (ومعنى صفدت) غللت والصفد بفتح الفاء الغل بضم الغين وهو معنى سلسلت فى الرواية الأخرى اهـ كلام القاضى (وقال القرطبى رحمه الله فى معنى قوله صلى الله عليه وسلم وتغل فيه الشياطين أنها انما تغل عن الصائمين الصوم الذى حوفظ على شروطه وروعيت آدابه. أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم. والمقصود تقليل الشروو منهم فيه، وهذا أمر محسوس فان وقوع ذلك فيه أقل من غيره. اذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شرور ولا معصية، لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الأنسية اهـ (1) هى ليلة القدر ومعنى أنها خير من ألف شهر ان الحسنة فيها أفضل من ألف حسنة فى غيرها، ولذلك قال من حرم خيرها فقد حرم. يعنى من خير كثير، وسيأتى الكلام على ليلة القدر مستوفى فى بابها ان شاء الله (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه النسائى والبيهقى وكلاهما عن أبى قلابة عن أبى هريرة ولم يسمع منه فيما أعلم (قلت جاء معناه فى رواية مسلم ما عدا القدر المختص بليلة القدر وهو ثابت بالقرآن) قال قال الحليمى وتصفيد الشياطين فى شهر رمضان يحتمل أن يكون المراد أيامه خاصة (قلت الظاهر أنه يعنى مدى وجود النبى صلى الله عليه وسلم بدليل ما يفهم من قوله فى الاحتمال الثانى الآتى) قال وأراد الشياطين التى هي مسترقة السمع، ألا تراه قال مردة الشياطين، لأن شهر رمضان كان وقتًا لنزول القرآن الى السماء الدنيا وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال "وحفظا من كل شيطان مارد" فزيدوا التصفيد فى شهر رمضان مبالغة فى الحفظ والله أعلم (ويحتمل) أن يكون المراد أيامه وبعده، والمعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس الى ما كانوا يخلصون اليه فى غيره لاشتغال المسلمين بالصيام الذى فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن وسائر العبادات اهـ

ص: 226

-[كلام العلماء في فتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار فى رمضان هل مجاز أو حقيقة]-

(24)

عن عرفجة (1) قال كنت عند عتبة بن فرقد (2) وهو يحدِّث عن رمضان قال فدخل علينا رجلٌ من أصحاب محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فلما رآه عتبة هابه فسكت (3) قال فحدِّث عن رمضان، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى رمضان تغلق أبواب النَّار وتفتح فيه أبواب الجنَّة (4) وتصفَّد فيه الشَّياطين، قال وينادى فيه ملكٌ (5) يا باغى الخير أبشر، ويا باغى الشَّرِّ أقصر، حتَّى ينقضي رمضان

(24) عن عرفجة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبيدة بن حميد أبو عبد الرحمن حدثنى عطاء بن السائب عن عرفجة - الحديث (غريبه)(1) هو ابن عبد الله الثقفى (2) قال فى الاصابة عتبة بن فرقد بن يربوع السلمى صحابي له حديث عداده فى الكوفيين. وعنه قيس بن أبى حازم (3) لم يذكر اسم الصحابى الذى دخل على عتبة، والظاهر أنه كان يمتاز عن عتبة إما بكبر سنه. أو غزارة علمه. أو قدم صحبته. ولذا هابه عتبة عندما رآه وسكت، وهذا من حسن الأدب ومكارم الأخلاق (4) قال بعض العلماء إنما تفتح أبواب الجنة ليعظم الرجاء ويكثر العمل وتتعلق بها الهمم ويتشوق اليها الصابرون، وتغلق أبواب النار لتخزى الشياطين ونقل المعاصى ويصد بالحسنات فى وجوه السيئات، وقال بعضهم إن معنى قوله فتحت أبواب الجنة كثرت الطاعات وغلقت أبواب النار وانقطعت المعاصى أو قلت، وحمل ذكر الأبواب فى الوجهين على سبيل المجاز والتمثيل (قال الأمام أبو بكر بن العربى) رحمه الله وهذا مجاز جائز لا يقطع الحقيقة ولا يعارضها، وكلا المعنيين صحيحان موجودان والحمد لله اهـ "وقوله وتصفد" بضم أوله وفتح الصاد المهملة بعدها فاء ثقيلة مفتوحة. أى شدت بالأصفاد وهى الأغلال، وهو بمعنى سلسلت فى بعض الروايات (5)(إن قيل) ما فائدة هذا النداء وهو غير مسموع (فالجواب) أنه قد علم الناس بهذا النداء بأخبار الصادق وبه يحصل المطلوب بأن يتذكر الناس كل ليلة بأنها ليلة المناداة فيتعظ بها "وقوله يا باغى الخير أقبل "معناه يا طالب الخير أقبل على فعل الخير فهذا أوانك فانك تعطى الجزيل بالعمل القليل، أو معناه يا طالب الخير المعرض عنا وعن طاعتنا أقبل الينا وعلى عبادتنا فان الخير كله تحت قدرتنا "ويا باغى الشر أقصر" بفتح الهمزة وكسر الصاد المهملة أى ما مريد المعصية أمسك عن المعاصى وارجع الى الله، فهذا أوان قبول النبوة وزمان استعددا المغفرة، قال فى االمرقاة ولعل طاعة المطيعين وتوبة المذنبين ورجوع المقصرين فى رمضان من أثر النداءين ونتيجة اقبال الله تعالى على الطالبين، ولهذا

ص: 227

-[مدارسة جبريل القرآن مع النبى صلى الله عليه وسلم فى رمضان]-

(25)

عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النَّاس (1) وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقى جبريل (2) وكان جبريل يلقاه فى كلِّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه (3) القرآن، قال فلرسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أجود بالخير من الرِّيح المرسلة (4)

ترى أكثر المسلمين صائمين حتى الصغار والجوار بل غالبهم الذين يتركون الصلاة يكونون حينئذ مصلين مع أن الصوم أصعب من الصلاة، وهو يوجب ضعف البدن الذى يقتضى الكسل عن العبادة وكثرة النوم عادة، ومع ذلك ترى المساجد معمورة وباحياء الليل مغمورة والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله (تخريجه)(لك. نس) وسنده جيد، وله شاهد من حديث أبى هريرة عند (مذ. جه. خز. حب. هق. ك) وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة (قلت) وأقره الذهبى

(26)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عتاب ثنا عبد الله قال أنا يونس عن الزهرى قال حدثنى عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس الخ (غريبه)(1) فيه احتراس بليغ لئلا يخيل مما يتلوه أن الأجودية خاصة منه فيه فاثبت له الأجودية المطلقة أولا ث معطف عليها ما ينبئ بمضاعفتها فى شهر فيضان النعم (2) أى لأن فى ملاقاته زيادة ترقية فى مقاماته لأنه يهبط عليه عليه الصلاة والسلام بالعلوم ويتابع إمداد الكرامة عليه فيجد فى ذلك المقام ما يبعث على زيادة الجود والسخاء، فينعم على عبدا الله تعالى بما أنعم به عليه، ويحسن اليهم بتعليم جاهلهم واطعام جائعهم كما أحسن الله اليه، شكرًا للمنعم على ما آتاه وأولاه؛ وأيضًا فان رمضان موسم الخيرات، لأن نعم الله سبحانه على عباده تربو فيه على غيره، وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على متابعة سنة الله تبارك وتعالى فى عباده (3) التدارس أن يقرأ بعض القوم مع بعض شيئًا أو يعلِّم بعضهم بعضًا ويبحثون فى معناه، أو فى تصحيح ألفاظه وحسن قراءته، والظاهر أن جبريل عليه السلام كان يسمع القرآن من النبى صلى الله عليه وسلم ويقرئه إياه ليزدادا حفظا واتقانا (4) أى التى يرسلها الله عز وجل بشرايين يدى رحمته، وآثرهما بالذكر احتراسا من غيرها كالريح العقيم والصرصر العاتية وأشار الى استمرار هبوبها مدة ارسالها وعموم نفعها وأنها آتية بالغيث الذى تحيا به الأرض بعد موتها، لذلك وقع التشبيه بها وشتان بين الأثرين والله أعلم (تخريجه)(ق. نس مذ) في الشمائل

ص: 228

-[تزيين الجنة في كل يوم من رمضان واستنفار الملائكة للصالحين حتى يفطروا]-

(26)

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أعطيت أمَّتى خمس خصالٍ فى رمضان لم تعطها أمَّةٌ قبلهم، (1) خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتَّى يفطروا، ويزيِّن الله عز وجل كلَّ يومٍ جنَّته ثمَّ يقول يوشك عبادي الصَّالحون أن يلقوا عنهم المؤنة (2) والأذى ويصيروا إليك، ويصفَّد فيه مردة الشَّياطين (3) فلا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون فى غيره (4) ويغفر لهم فى آخر ليلةٍ، قيل يا رسول الله أهى ليلة القدر؟ قال لا ولكن العامل إنَّما يوفَّى أجره إذا قضي عمله (5)

(26) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا هشام ابن أبى هشام عن محمد بن الأسود عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه) (1) يعنى أن هذه الخصال من خصائص هذه الأمة أى أمة الأجابة (2) أى ثقل النفقة على الأولاد ومشقة السعى للارتزاق فى الدنيا، وفى المؤنة لغات. إحداها على فعولة لفتح الفاء وبهمزة مضمومة والجمع مئونات على لفظها، ومأنت القوم أمأنهم مهموز بفتحتين (واللغة الثانية) مؤنة بهمزة ساكنة قال الشاعر * أميرنا مؤنته خفيفة * والجمع مؤن مثل غرفة وغرف (والثالثة) مونة بالواو والجمع مون مثل سورة وسور. يقال منها مانه يمونه من باب قال - كذا فى المصباح "وقوله والأذى" أى وما يلاقونه من الأذى فى الدنيا وهو كل شئ يؤلم الأنسان ويتأذى منه "وقوله ويصيروا اليك" أى يرجعوا اليك بعد الموت، وفيه تبشير للصالحين بدخول الجنة جزاء بما كانوا يعملون فى الدنيا من الأعمال الصالحة (3) تقدم معنى التصفيد وهو الشد بالأغلال "ومردة الشياطين" جمع مارد كفجرة وفاجر وهو المتجرد للشر، ومنه الأمرد لتجرده من الشعر، وهو حجة للقائلين بأن الذى يصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم (4) أى فلا يتمكنوا فى رمضان من بث الشرور والفساد بين الناس كما كانوا يتمكنون منه فى غير رمضان "وقوله فى آخر ليلة" يعنى من رمضان (5) يعنى أن هذه المغفرة هى أجر عملهم فى رمضان علاوة على ما ينالهم من فضل ليلة القدر، وفيه دلالة على أنه لا ينال هذه المغفرة إلا الصائمون المحافظون على حدود الله، أما غير الصائمين فلا نصيب لهم فى شئ من ذلك إلا الخزى والخذلان فى الدنيا والآخرة، نعوذ بالله من ذلك (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد

ص: 229

-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من دخل عليه رمضان ثم انقضى قبل أن يغفر له]-

(27)

وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم رغم أنف (1) رجلٍ دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يغفر له (2)

(28)

ز عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

والبزار وفيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف (قلت) هشام بن زياد الذى أشار اليه الهيثمى يقال له هشام بن أبى هشام أيضا كما فى سند الحديث عند الأمام (قال الحافظ) فى التقريب هشام بن زياد بن أبى يزيد، وهو هشام بن أبى هشام أبو المقدم، ويقال له أيضا هشام بن أبى الوليد المدنى متروك اهـ، وأخرجه أيضا البيهقى وأبو الشيخ ابن حبان فى كتاب الثواب وأشار المنذرى إلى ضعفه، وأخرجه أيضا محمد بن نصر المروزى، وفى الباب عن جابر عند البيهقى فى الشعب (قال المنذرى) واسناده مقارب أصح مما قبله

(27)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ربعى بن ابرهيم قال أبى وهو أخو اسماعيل بن ابراهيم يعنى ابن علية قال أبى وكان يفضل على أخيه عن عبد الرحمن بن اسحاق عن سعيد عن أبى سعيد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىَّ. ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة، قال ربعى ولا أعلمه إلا قال أو أحدهما (غريبه)(1) قال أهل اللغة معناه ذلك وقيل كره وخزى، وهو بكسر الغين المعجمة وفتحها وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها، وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل، وقيل الرغم كل ما أصاب الأنف بما يؤذيه "وقوله فانسلخ" يعنى انقضت أيامه وانتهى قبل أن يغفر له، والمعنى أن صيام رمضان والعمل الصالح فيه سبب لدخول الجنة، فمن لم يصل رمضان وقصّر فى طاعة الله عز وجل فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه، يعنى أذله وأخزاه (2) ليس هذا آخر الحديث وقد تقدم جميعه مع الندس فى الشرح واقتصرت فى المتن على الجزء المختص برمضان لمناسبة الباب، وسيأتى الجزء المختص بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى كتاب الأذكار فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم والمختص بالوالدين فى باب بر الوالدين من كتاب البر والصلة، وسيأتى بطوله فى باب الثلاثيات من كتاب الأدب والمواعظ والحكم (تخريجه)(ت. ك) وسنده جيد، وأخرج مسلم منه الجزء المختص بالوالدين فى كتاب البر والصلة

(28)

"ز" عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبيد الله بن عمر عن زائدة بن أبى الرقاد عن زياد النميرى عن أنس بن مالك رضى الله عنه - الحديث"

ص: 230

-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لرجب وشعبان ورمضان بالبركة]-

دخل رجبٌ قال اللَّهمَّ بارك لنا فى رجبٍ وشعبان وبارك لنا فى رمضان وكان يقول ليلة الجمعة غرَّاء (2) ويومها أزهر

(29)

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) ما أتى على المسلمين شهرٌ خيرٌ لهم من رمضان، ولا أتى على المنافقين شهرٌ شرٌّ لهم من رمضان، وذلك لما يعدُّ المؤمنون فيه من القوَّة للعبادة (4) وما يعدُّ فيه المنافقون من غفلات النَّاس وعوراتهم (5) هو غنمٌ

(غريبه)(1) دعاء النبى صلى الله عليه وسلم بالبركة فى هذه الأشهر الثلاثة يدل على فضلها. وفى تخصيص رمضان بالدعاء منفردا وعدم عطفه على رجب وشعبان دلالة على زيادة فضله (2) أى مشرقة "ويومها أزهر" أى مضيئ؛ كذا جاء مفسرا فى بعض الأحاديث (قال المناوى) وقدم الليلة لسبقها فى الوجود، ووصفها بالغراء لكثرة نزول الملائكة فيها الى الأرض لأنهم أنوار، واليوم بالأزهر لأنه أفضل أيام الأسبوع (تخريجه) أورده الهيثمى وعزاه للبزار والطبرانى فى الأوسط عن أنس مرفوعا بلفظ "كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان، قال الهيثمى وفيه زائدة بن أبى الرقاد وفيه كلام وقد وثق (قلت) وفى حديث الباب زياد النميرى أيضا ضعيف، وأورده الحافظ السيوطى فى الجامع الصغير وعزاه للبيهقى فى شعب الأيمان وابن عساكر، وأشار الى ضعفه، وله طرق أخرى يقوى بعضها بعضا. والله أعلم

(29)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو بكر الحنفى قال ثنا كثير بن زيد عن عمرو بن تميم عن أبيه عن أبى هريرة - الحديث" (غريبه) (3) يقسم أبو هريرة بما أقسم به النبى صلى الله عليه وسلم أنه ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان الخ (4) أى ما يقويهم عليها فى رمضان كادّخار القوت وما ينفقه على عياله فيه، وقد فسره بذلك فى الطريق الثانية بقوله "وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة للعبادة من النفقة، أى لأن اشتغالهم بالعبادة فيه يمنعهم من تحصيل المعاش أو يقلل منه؟ فقيام الليل يستدعى النوم بالنهار، والاعتكاف يستدعى عدم الخروج من المسجد، وفى هذا تعطيل لأسباب المعاش فهم يحصلون القوت وما يلزم لأولادهم فى رمضان قبل حلوله ليتفرغوا فيه للعبادة والأقبال على الله عز وجل واجتناء ثمرة هذا الموسم، فهو خير لهم لما اكتسبوه فيه من الأجر العظيم والغفران العميم (5) يعني أن

ص: 231

-[رمضان خير للمسلمين وشر للمنافقين]-

للمؤمن يغتنمه الفاجر (1)(وعنه من طريقٍ ثانٍ)(2) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلَّكم (3) شهركم هذا بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مرَّ بالمؤمنين شهرٌ خيرٌ لهم منه، ولا بالمنافقين شهرٌ شرٌّ لهم منه، إنَّ الله عز وجل ليكتب أجره (4) ونوافله من قبل أن يدخله، ويكتب إصره وشقاءه من قبل أن يدخله، وذلك أنَّ المؤمن يعدُّ فيه القوَّة للعبادة من النَّفقة؛ ويعدُّ المنافق اتِّباع غفلة النَّاس واتِّباع عوراتهم، فهو غنمٌ للمؤمن يغتنمه الفاجر

المنافقين يستعدون فى شهر رمضان للأيذاء بالمسلمين فى دنياهم وتتبع عوراتهم أثناء غفلتهم عن الدنيا وانقطاعهم الى الله عز وجل، فكأن ذلك غنيمة اغتنموها فى نظرهم، ولكنها فى الحقيقة شر لهم لو كانوا يعلمون ما أعده الله لهم فى الآخرة من العذاب المقيم وحرمانهم من فضله العميم. نعوذ بالله من ذلك (1) فى رواية للبيهقى "ونقمة للفاجر" بدل "يغتنمه الفاجر" وله فى رواية أخرى يغتنمه كما هنا، وكل هذه الروايات من طريق كثير بن زيد عن عمرو بن تميم عن أبيه عن أبي هريرة "ومعنى نقمة للفاجر" ان الله عز وجل ينتقم منه ويذيقه العذاب الأليم بسوء فعله وإيذائه المسلمين وتتبع عوراتهم فيكون نقمة له. وأما المسلم فرمضان غنيمة له بما اكتسبه من صيام أيامه وقيام لياليه والانقطاع الى الله بالعبادة فيه، والله تعالى لا يضيع عمل عامل بل يجازيه فى الجنة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا أحرمنا الله منها آمين (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابراهيم ثنا ابن مبارك عن كثير بن زيد حدثنى عمرو بن تميم عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (3) أى أشرف عليكم وقرب منكم (4) الأصر بكسر الهمزة وسكون الصاد الأثم والعقوبة والذنب، والمعنى أن الله عز وجل يكتب أجر الطائعين فى رمضان وعقوبة العاصين فيه قبل حلوله، لانه عز وجل يكتب أجر الطائعين فى رمضان وعقوبة العاصين فيه قبل حلوله، لانه عز وجل يعلم ما كان وما يكون (تخريجه)(هق. طس. خز) وأورده المنذرى وقال رواه ابن خزيمة فى صحيحه وغيره (قلت) سكت عنه المنذرى ولم يتكلم فيه بشئ، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط عن تميم مولة ابن رمانة ولم اجد من ترجمه (زوائد الباب)(عن سلمان الفارسى رضى الله عنه) قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر من شعبان قال يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير

ص: 232

-[زوائد الباب فيما ورد فى فضل شهر رمضان]-

.....

من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام لله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدَّى فريضة فيا سواء، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فى رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شاء. قالوا بارسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى الله هذا الثواب لمن فطّر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن (1) وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار. فاستكثروا فيه من أربع خصال. خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم. فشهادة أن لا اله الا الله وتستغفرونه. وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وله وتعوذون به من النار، ومن سقى صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، رواه ابن خزيمة فى صحيحه ثم قال أن صح الخبر: ورواه من طريق البيهقى. ورواه أبو الشيخ ابن حبان فى الثواب باختصار عنهما قاله المنذرى رحمه الله (وعن ابن عباس رضى الله عنهما) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الجنة لتبخر من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان. فاذا كانت أول ليلة، من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة فتصفق ورق أشجار الجفان وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة فينادين هل من خاطب إلى الله فيزوجه؟ ثم يقلن الحور العين يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية ثم يقول هذه أول ليلة من شهر رمضان. فتحت أبواب الجنة للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ويقول الله عز وجل يا رضوان افتح أبواب الجنان. ويا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة أحمد صلى الله عليه وسلم، ويا جبرائيل أهبط إلى الأرض فاصفد مردة الشياطين وغلهم بالأغلال ثم اقذفهم فى البحار حتى لا يفسدوا على امة محمد حبببى صلى الله عليه وسلم صيامهم، قال ويقول الله عز وجل فى كل ليلة من شهر رمضان لمناد ينادى ثلاث مرات. هل من سائل فاعطيه سؤله؟ هل من تائب فاتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ من يقرض الملياء غير العدوم، والوفى غير الظلوم، قال ولله عز وجل فى كل يوم من شهر رمضان عند الأفطار الف الف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار، فاذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله فى ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره، وإذا كانت ليلة القدر يأمر الله

-------

(1)

المذقة الشربة من اللبن الممذوق أى المخلوط بالماء

ص: 233

-[زوائد الباب فيما ورد فى فضل شهر رمضان]-

.....

عز وجل جبرائيل عليه السلام فيهبط فى كبكبة من الملائكة ومعهم لواء أخضر فيركز اللواء على ظهر الكعبة، وله مائة جناح منها جناحان لا ينشرها إلا فى تلك الليلة، فينشرها فى تلك الليلة فيجاوز المشرق إلى المغرب، فيحث جبرائيل عليه السلام الملائكة فى هذه الليلة فيسلمون على كل قام وقاعد ومصل وذاكر ويصافحونه ويؤمنون على دعائه حتى مطلع الفجر، فاذا طلع الفجر ينادى جبرائيل عليه السلام معاشر الملائكة الرحيل الرحيل، فيقولون يا جبرائيل فما صنع الله فى حوائج المؤمنين من أمة أحمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول نظر الله اليهم فى هذه الليلة فعفا عنهم إلا أربعة. فقلنا يا رسول الله من هم؟ قال رجل مدمن خمر. وعاق لوالديه. وقاطع رحم. ومشاحن، قلنا يا رسول الله ما المشاحن؟ قال هو المصارم. فاذا كانت ليلة الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة. فاذا كانت غداة الفطر بعث الله عز وجل الملائكة فى كل بلد فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمع من خلق الله عز وجل. إلا الجن والأنس فيقولون يا أمة محمد أخرجوا إلى رب كريم يعطى الجزيل ويعفو عن العظيم، فاذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل للملائكة ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة إلا هنا وسيدنا جزاؤه أن توفيه أجره، قال فيقول فانى أشهدكم يا ملائكتى أنى قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضاى ومغفرتى، ويقول يا عبادي سلوني فو عزتي وجلالى لاتسألونى اليوم شيئًا فى جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، فوعزتي لاسترن عليكم عثراتكم ما راقبتمونى، وعزتي وجلالى لاأخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود. انصرفوا مغفورًا لكم، قد أرضيتمونى ورضيت عنكم، فتفرح الملائكة وتستبشر بما يعطى الله عز وجل هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان (رواه أبو الشيخ ابن حبان) فى كتاب الثواب والبيهقى واللفظ له، وليس في اسناده من أجمع على ضعفه (وعن أبي سعيد اظدري الخدرى) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان، وليس عبد مؤمن يصلى فى ليلة فيها إلا كتب الله له ألفًا وخمسمائة حسنة بكل سجدة، وبنى له بيتا فى الجنة من ياقوتة حمراء لها ستون ألف باب. لكل باب منها قصر من ذهب موشح ياقوتة حمراء، فاذا صام أول يوم من رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان واستغفر له كل يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة الى أن توارى بالحجاب، وكان له بكل سجدة يسجدها فى شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب فى ظلها خمسمائة عام، رواه البيهقى وقال قد روينا فى الأحاديث المشهورة ما يدل على هذا أو لبعض معناه. كذا قال رحمه الله (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان أول ليلة من شهر

ص: 234

-[زوائد الباب فيما ورد فى فضل شهر رمضان]-

.....

رمضان نظر الله الى خلقه، واذا نظر الله الى عبد لم يعذبه أبدا، ولله فى كل يوم ألف ألف عتيق كانت ليلة الفطر ارتجت الملائكة وتجلى الجبار تعالى بنوره مما أنه لا يصفه الواصفون فيقول للملائكة وهم فى عيدهم من الغد يا معشر الملائكة يوحى اليهم ما جزاء الأجير اذا وفى عمله؟ تقول الملائكة يوفى أجره، فيقول الله تعالى أشهدكم أني قد غفرت لهم، أورده المنذري بصيغة التمريض وقال رواه الأصبهاني (وعن عبادة بن الصامت) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما وحضر رمضان أتاكم رمضأن شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا فان الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل، أورده المنذري وقال رواه الطبراني ورواته ثقات إلا أن محمد بن قيس لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب واحد الشهر كله، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب الشهر كله، وغلت عتاة الجن، ونادي مناد من السماء كل ليلة الى انفجار الصبح يا باغي الخير يمم وأبشر يا باغي الشر أقصر وأبصر. هل من مستغفر يغفر له تائب؟ هل من تائب يتوب عليه؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من سائل يعطي سؤله؟ ولله عز وجل عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون الفا، فاذا كان يوم الفطر أعتق الله مثل ما أعتق فى جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفا ستين ألفا، رواه البيهقى وهو حديث حسن لا بأس به فى المتابعات، وفى اسناده ناشب بن عمرو الشيباني وثق وتكلم فيه الدارقطني و (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يستقبلكم وتستقبلونه ثلاث مرات؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله وحي نزل؟ قال لا. قال عدو حضر؟ قال لا. قال فماذا؟ قال ان الله يغفر فى أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة وأشار بيده اليها، لجعل رجل بين يديه يهز رأسه ويقول بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان ضاق به صدرك؟ قال لا. ولكن ذكرت المنافق، فةال ان المنافقين هم الكافرون. وليس للكافرين فى ذلك شاء، رواه ابن خزيمة فى صحيحه والبيهقى وسنده جيد و (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول الى الحول المقبل، فاذا كان أول يوم من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة، ويجئ الحور العين يقلن يا رب اجعل لنا من عبادك أزواجا تقربهم أعيينا وتقرّ أعينهم بنا، أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط

ص: 235

-[بقية زوائد الباب فى فضل شهر رمضان والعمل فيه]-

(4)

باب وعيد من تهاون بصيام رمضان والعمل فيه

(30)

عن زياد بن نعيم الحضرميِّ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعٌ فرضهنَّ الله فى الإسلام (1) فمن جاء بثلاثٍ لم يغنين عنه

باختصار وفيه الوليد بن الوليد القلانسى وثقه أبو حاتم وضعفه جماعة (وعن أبى مسعود الغفارى) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقد أهل شهر رمضان لو يعلم العباد ما فى شهر رمضان لتمنى العباد أن يكون شهر رمضان سنة، فقال رجل من خزاعة يا رسول الله حدثنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجنه لتزين لشهر رمضان من رأس الحول الى رأس الحول حتى اذا كان أول ليلة هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق الجنة فنظرت الحور العين الى ذلك فقلن يا رب اجعل لنا من عبادك فى هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم وتقر اعينهم بنا؛ وما من عبد صام شهر رمضان الا زوجه الله زوجة فى كل يوم من الحور العين فى خيمة من درة مجوفة مما بعث الله به الحور العين المقصورات فى الخيام، على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى، ويعطى سبعون لونا من الطيب ليس منهن لون يشبه الآخر، وكل امرأة منهن على مرير من ياقوت موشح بالدر، على سبعين فراشًا بطائنها من استبرق، وفوق السبعين فراشًا سبعون أريكة، ولكل امرأة منهن سبعون وصيفًا لخدمتها وسبعون للقيها زوجها مع كل وصيف صحفة من ذهب فيها لون من الطعام يجد لآخره من اللذة مثل الذى لأوله، ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوتة حمراء عليه سواران من ذهب موشح بالياقوت الأحمر؛ هذا لكل يوم صامه من شهر رمضان سوى ما عمل من الحسنات. أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه المباح بن بصطام وهو ضعيف اهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل شهر رمضان وأنه من أفضل الشهور فرض الله صومه على الأمة المحمدية وخصه بليلة القدر التى حازت كل مزيه، قال تعالى {ليلة القدر خير من ألف شهر} يضاعف، الله فيه أجر العاملين. ويغفر للصائمين. وقد تقدم فى الشرح ما يغنى عن الأعادة، نسأل الله الحسنى وزيادة.

(30)

عن زياد بن نعيم الحضرمي (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة بن سعيد قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن المغيرة بن أبي بردة عن زياد بن نعيم الحضرمي - الحديث" (غريبه) (1) أي أربع خصال فرضهن الله على كل مسلم، وهذه الخصال هى أربعة أركان من أركان الأسلام الخمسة المذكورة فى حديث "بنى الأسلام على خمس" والركن الخامس النطق بالشهادتين ولم يذكره مع هذه الأركان لأنه قال "فرضهن الله فى الأسلام" يعنى على كل مسلم، والأنسان لا يكون

ص: 236

-[وعيد من تهاون بصيام رمضان والعمل فيه]-

شيئًا (1) حتّى يأتى بهنَّ جميعًا، الصَّلاة. والزَّكاة. وصيام رمضان. وحجُّ البيت

مسلما إلا إذا نطق بالشهادتين أولا فهو مذكور معنى (1) أى لم يغن الثلاثة عن الواحد المتروك لأنه ركن مستقل يثاب على فعل ويعاقب على تركه، فمن أتى بالصلاة مثلا وترك الزكاة بعد وجوبها عليه أثيب على فعل الصلاة وعوقب علي وك الزكاة، ومن أتي بهما ورك الصيام أثيب عليهما وعوقب على ترك الصيام، ومن أتى بالثلاثه وكان مستطيعا وكان مستطيعا وترك لحج أثيب على الثلاثة وعوقب على ترك الحج، ومن أتى بها جميعها كان من المفلحين الناجين، ولذا قال صلى الله عليه وسلم فى حديث ضمام بن ثعلبة رضى الله عنه وقد ذكر له هذه الأركان (لئن صدق ليدخلنَّ الجنة) وكان ضمام قال (والله لا أزيد عليهن شيئا ولا أنقص منهن شيئا) فمن ترك الصيام وفعل باق الأركان لا تغنى عنه شيئًا بل لابد من عقابه على تركه إلا إذا عفا الله عنه، وهذا موضع الدلالة من الحديث (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد وهو مرسل لأن زياد بن نعيم ليس صحابيا وفى اسناده ابن لهيعة، وله شاهد من حديث عمارة بن حزم رضى الله عنه عند الطبرانى فى الكبير مرفوعا وفى اسناده ابن لهيعة أيضا وقد ضعفوه، وله شواهد أخرى صحيحة تعضده (زوائد الباب) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال حماد بن زيد (أحد الرواة) ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال عرى الاسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الأسلام. من ترك واحدة منهن فهو بها كافر. حلال الدم. شهادة أن لا إله الا الله. والصلاة المكتوبة. وصوم رمضان، رواه أبو يعلى باسناد حسن، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد عن عمرو بن مالك النكرى عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعا وقال فيه "من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يقبل منه صرف ولاعدل، وقد حل دمه وماله"(وعن أبى هريرة رضى الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله وان صامه رواه الترمذى واللفظ له وأبو داود والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة فى صحيحه والبيهقى كلهم من رواية ابن المطوس، وقيل أبى المطوس عن أبيه عن أبى هريرة، وذكره البخارى تعليقا غير مجزوم فقال ويذكر عن أبى هريرة رفعه (من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صوم الدهر وان صامه) وقال الترمذي لا نعرفه الا من هذا الوجه، وسمعت محمدا يعني البخاري يقول أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث اهـ وقال البخارى أيضا لا أدري سمع أبوه من أبى هريره أم لا؟ وقال (ابن حبان) لا يجوز الاحتجاج بما انفرد

ص: 237

-[العمرّى والرقبى لمن أعطيها (بضم الهمزة وكسر الطاء) ولورثته من بعده]-

أعطى أمه حديقة (1) من نخل حياتها فماتت فجاء اخوته فقالوا نحن فيه شرع (2) سواء فأبى فاختصموا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقسمها بينهم ميراثَا (3). (عن سليمان بن يسار)(4) أن أميرًا كان بالمدينة يقال له طارق (5) قضى بالعمرى للوارث على قول جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (6)(عن زيد بن ثابت)(7) أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل العمرى (وفى لفظ قضى بالعمرى) للوارث (8)(حدّثنا عبد الرازق)(9) ومحمد بن بكر قالا أنبأنا جريج أخبرنى ابن شهاب الزهرى عن حديث أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله الانصارى أخبرنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أيما رجل أعمر رجلًا عمرى له ولعقبه فقال قد أعطيتكما وعقبك ما بقى منكم أحد فانما هى (10) قال ابن بكر لمن اعطاها وقال عبد الرازق (11) لمن أعطيها وأنها لا ترجع إلى صاحبها (12) من أجل أنه أعطاها عطاء وقعت فيه المواريث (13)(كتاب الوقف (14)) (باب مشروعية الوقف وفضله ووقف المشاع والمنقول). (عن أبى هريرة)(15) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا مات

حميد بن قيس الأعرج عن محمد بن ابراهيم عن جابر بن عبد الله أن رجلًا من الأنصار اعطى امه الخ (غريبه)(1) تقدم تفسير الحديقة وهى البستان يكون عليه الحائط، فعليه بمعنى مفعولة لأن الحائط احدق بها أى أحاط ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان غير حائط (2) بفتح الشين المعجمة والراء (وقوله سواء) تفسير لشرع أى سواء ومثل ذلك فى القاموس (3) أى على سبيل الميراث وهو حجة الجمهور فى عدم رجوع العطية إلى صاحبها الأول وان شرط ذلك (تخريجه)(د هق) وسكت عنه أبو داود والمنذرى، وقال ابن رسلان فى شرح السين ما لفظه وهذا الحديث رواه احمد ورجاله رجال الصحيح اهـ ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين فى حياته وورثته من بعده. (4)(سنده) حدّثنا سفيان عن عمرو عن سليمان بن يسار الخ (غريبه)(5) هو طارق بن عمرو المكى الأموى امير المدينة لعبد الملك بن مروان (6) يعنى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث جابر المتقدم (فانه من أعمر عمرى فهى للذى أعمرها حيًا أو ميتًا ولعقبه)(تخريجه)(م هق). (7)(سنده) حدّثنا سفيان عن عمرو عن طاوس سعن حجر المدرى عن زيد بن ثابت الخ (غريبه)(8) أى لوارث المعمر بفتح الميم الثانية مبنى للمفعول (تخريجه)(بس جه هق) ورجاله ثقات (9)(حدّثنا عبد الرازق الخ)(غريبه)(10) أى العمرى (قال ابن بكر) يعنى فى روايته (لمن أعطاها) بضم الهمزة مبنى للمفعول (11) يعنى فى روايته (لمن أعطيها) بضم الهمزة وكسر المهملة وفتح التحتية مبنى للمفعول أيضًا والمعنى واحد (12) أى لا تصير إلى الذى أعطاها (بفتح الهمزة)(13) هذا التعليل مدرج فى الحديث من قول أبى سلمة كما صرح بذلك فى رواية لمسلم (تخريجه)(م نس هق)(كتاب الوقف)(14) هو فى اللغة الحبس يقال وقفت كذا بدون ألف على اللغة الفصحى اى حبسته، وفى الشريعة حبس الملك فى سبيل الله تعالى للفقراء وأبناء السبيل يصرف عليهم منافعه ويبقى أصله على مبك الواقف، وألفاظه وقفت وحبست وسبلت وأبدّت هذه صرائح ألفاظه، وأما كنايته فقوله تصدقت: واختلف فى حرّمت فقيل صريح وقيل غير صريح (باب). (15) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء فى الصدقة الجارية من كتاب الزكاة رقم 148 صحيفة 204 من الجزء

ص: 238

-[تنبيه وإيقاظ للغافلين عن فضل رمضان المغترين بالملاهى]-

(5)

باب الأحوال التي عرضت للصيام ووجوب صيام رمضان ومبدأ فرضه

(31)

عن معاذ بن جبلٍ رضى الله عنه قال أحيلت الصَّلاة ثلاثة أحوالٍ، وأحيل الصِّيام ثلاثة أحوالٍ، فأمَّا أحوال الصَّلاة فانَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهو يسلِّى سبعة عشرة شهرًا إلى بيت المقدس (الحديث)(1) قال وأمَّا أحوال الصِّيام فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كلِّ شهرٍ ثلاثة أيَّامٍ (2)

في المدن الكبيرة كمصر والأسكندرية بالقطر المصرى يفطر فى رمضان جهارا فى الشوارع والأسواق ولا يجد من ينهاه، وإذا نهاه انسان قل أن يسلم من أذاه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ونجد بعض المطاعم والمقاهى فى هذه المدن مفتحة الأبواب للمفطرين نهارا جهارا. أما فى الليل فترى محلات الفجور وحانات الخمور كذلك محلات الملاهى والقمار يؤمها جميع الأشرار فى ليالى رمضان المباركة التى هى جديرة بالقيام والتوبة من جميع الآثام، فلو علم هؤلاء المساكين ما فى قيام رمضان من الخير والبركات. ونزول الرحمات. لرجعوا إلى الله تائبين، وعلى ما فرطوا نادمين، ولكن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، نعم نرى المساجد مملوءة بالناس فى رمضان أكثر من غيره، ولكنهم قليلون بالنسبة لمن يؤمون محلات الفساد التى تستعد لذلك فى رمضان أكثر من غيره، فالعاقل من خالف نفسه وهواه. وتاب الى رشده وتاب الى الله. واستعد فى رمضان أكثر من غيره لعبادة الله. وأكثر من الصدقة على الفقراء والمساكين. واعتصم بحبل الله القوى المتين، فمن فعل ذلك فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، وحاز الفضائل كلها، وكان من حزب الله "ألا إن حزب الله هم المفلحون"

(31)

عن معاذ بن جبل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا المسعودي ويزيد بن هارون أخبرنا المسعودي قال أبو النضر في حديثه حدثني عمرو ابن مرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ بن جبل - الحديث" (غريبه)(1) تقدم ما يختص بالصلاة منه فى باب الأحوال التى عرضت للصلاة فى الجزء الثانى صحيفة 235 رقم 83 من كتاب الصلاة (2) يعني من حين قدومه المدينة إلى أن فرض الصيام وكانت هذه المدة سبعة عشر شهرا كما بين ذلك يزيد بن هارون أحد رجال السند فى روايته.

وقد ثبت عن السند الشيخين والأمام أحمد وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل المدينة يوم الاثنين

ص: 239

-[الدليل على وجوب الصيام من كتاب الله عز وجل]-

وقال يزيد فصام سبعة عشر شهرًا من ربيع الأول إلى رمضان (1) من كلِّ شهرٍ ثلاثة أيامٍ (2) وصام يوم عاشوراء (3) ثمَّ إنَّ الله عز وجل فرض عليه الصِّيام (4) فأنزل الله عز وجل {يا أيُّها الَّذين آمنوا كتب عليكم الصِّيام كما كتب على الَّذين من قبلكم} (إلى هذه الآية) وعلى الَّذين يطيقونه فديةٌ طعام

من شهر ربيع الأول. قيل لثنتى عشرة منه. وقيل ثمان، وذلك فى شهر أيلول (1) يعني إلى أن زل فرض صيام رمضان وكان ذلك فى السنة الثانية من الهجرة، روى الواقدى عن عائشة وابن عمر وأبي سعيد الحدرى قالوا زل فرض شهر رمضان بعد ما حولت القبلة الى الكعبة بشهر فى شعبان (2) قيل من كل عشرة أيام يوما، وقد روى أن الصيام فرض علينا أولا كما كان عليه الأم قبلنا من كل شهر ثلاثة أيام عن معاذ وابن مسعود وابن عباس وعطاء وقتادة والضحاك بن مزاحم، وزاد لم يزل هذا مشروعا من زمان نوح الى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان (3) روى الشيخان والأمام أحمد عن عائشة رضى الله عنها قالت كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه، فلما فرض رمضان قال من شاء صامه ومن شاء تركه، يستفاد منه أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر الناس بصيام يوم عاشوراء إلا بعد قدومه المدينة واختلف فى صومه هل كان فرضا أم تفلا، فذهب قوم إلى أنه كان فرضا، فلما فرض صوم رمضان نسخ افتراضه وبقي مستحبًا. وذهب آخرون الى أنه كان نفلا مؤكدا، فلما فرض صوم رمضان خفف فى أمره، وقد ورد فى صوم عاشوراء أحاديث كثيرة ستأتي في بابها من أبواب صيام التطوع (قال الحافظ) ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبًا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك (4) أى صيام رمضان، وكان ذلك فى شعبان فى السنة الثانية من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه المدينة صلى الله عليه وسلم (5) أى فرضه الله عليكم كما فرضه على الأمم الذين من قبلكم من لدن آدم الى عهدكم فالصوم عبادة قديمة فرضها الله على جميع الأمم المتقدمة، وعلى هذا فالتشبيه فى أصل الوجوب لا فى قدر الواجب. قيل وكان الصوم على آدم عليه الصلاة والسلام أيام البيض، وصوم عاشوراء على قوم موسى. وكان على كل أمة صوم، والتشبيه لا يقتضى التسوية من كل وجه كما فى قوله صلى الله عليه وسلم انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، وهذا تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئى بالمرئى، وقيل هذا التشبيه فى الاصل والقدر والوقت جميعًا، وكان على الأولين

ص: 240

-[الحال الثانية من احوال الصيام وكلام المفسرين فيمن كتب عليه الصيام قبلنا]-

مسكين) قال فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينًا فأجزأ ذلك عنه (1) * قال ثمَّ إنَّ الله عز وجل أنزل الآية الأخرى {شهر رمضان الَّذى أنزل فيه القرآن} "على قوله"{فمن شهد منكم الشَّهر فليصمه} قال فأثبت الله صيامه على المقيم الصَّحيح. ورخَّص فيه للمريض والمسافر. وثبت الإطعام للكبير الَّذي

صوم رمضان لكنهم زادوا فى العدد ونقلوا من أيام الحر إلى أيام الاعتدال، وعن الشعبى أن النصاري فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا لخولوه إلى الفصل (يعنى فصل الر بيع) وذللك أنهم ربما صاموه فى القيظ فعدوا ثلاثين يوما، تم جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة فى أنفسهم وصاموا قبل الثلاثين يوما، وبعدها يوما، ثم لم يزل الاخر يستن بسنة القرن الذى قبله حتى صارت إلى خمسين، فذلك قوله {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} (وأخرج الطبرى بسنده الى السدى قال {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} أما الذين من قبلنا فلنصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد علي النصاري صيام رمضان وجعل يتقلّب عليهم فى الشتاء والصيف، فما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا الصيام فى الفصل بين الشتاء والصيف. وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا، فجعلوا صيامهم خمسين، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبى قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر (وفى تفسير ابن أبى حاتم عن الحسن) قال والله لقد كتب الله الصيام على كل أمة خلت كما كتبه علينا شهرا كاملا (وفى تفسير القرطبى) عن قتادة كتب الله تعالى على قوم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام صيام رمضان فغيروا وزاد أحبارهم عشرة أيام أخرى، ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفي أن يزيد فى صومهم عشرة أيام أخرى، ففعل فصار صوم النصارى خمسين يوما، فصعب عليهم فى الحر فنقلوه إلى الربيع، قال واختار هذا القول النحاس وأسند فيه حديثًا يدل علي صحته اهـ (1) روي البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه لما نزلت {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر يفتدى حتى نزلت الآية التى بعدها فنسخها، وروي أيضًا من حديت عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال هى منسوخة، وقال السدى عن مرة عن عبد الله قال لما زلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} قال يقول وعلى الذين يطيقونه أى يتجشمونه. قال عبد الله فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا (فمن تطوع) يقول أطم مسكينًا آخر فهو خير له {وأن تصوموا

ص: 241

-[الحال الثالثة من أحوال الصيام. وقصة صرمة بن قيس]-

لا يستطيع الصِّيام فهذان حالان (1) * قال وكانوا يأكلون ويشربون (2) ويأتون النِّساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، قال ثمَّ إنَّ رجلًا من الأنصار يقال له صرمة (3) ظلَّ يعمل صائمًا حتَّى أمسى فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء ثمَّ نام فلم يأكل ولم يشرب حتَّي أصبح فأصبح صائمًا، قال فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدًا شديدًا، قال مالى أراك قد جهدت جهدًا شديدًا؟ قال يا رسول الله إنِّى عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسى وأصبحت حين أصبحت

خير لكم) فكانوا كذلك حتى نسختها (فن شهد منكم الشهر فليصمه) قلت وهذه هي الحال الأولى من أحوال الصيام أعنى من قوله تعالى - ياأيها الذين آمنوا كتب عليك الصيام - إلى قوله - فدية طعام مسكين) وهى تفيد فرض الصيام مع جواز الفطر والأطعام (1) قد علمت الحال الأولى مما تقدم، (أما الحال الثانية) فتؤخذ من قوله عز وجل {شهر رمضان - إلى قوله ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر} وهى تفيد وجوب الصيام حتما على المقيم الصحيح. والرخصة للمريض والمسافر. وبقى حكم الأطعام للكبير الذى لا يستطيع الصيام (روى البخارى فى صحيحه بسنده عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطيقوه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبير ة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا، وهكذا روي غير واحد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه. وهذا يؤيد مافى حديث الباب من قول معاذه وثبت الأطعام للكبير الذى لا يستطيع الصيام" وهذا القول أرجح من القول بالنسخ (2) هذا شروع فى ذكره (الحال الثالثة من أحوال الصيام)(3) اختلف فى اسمه اختلافا كثيرًا فى روايات متعددة ذكرها الحافظ فى الأصابة، ثم قال فان حمل هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع لذلك وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات الى واحد، فانه قيل فيه صرمة بن قيس؛ وصرمة بن مالك. وصرمة بن أنس، وقيل فيه قيس بن صرمة. وأبو قيس بن صرمة، وأبو قيس بن عمرو، فيمكن أن يقال إن كان إسمه صرمة بن قيس فمن قال فيه قيس بن صرمة قلبه وإنما اسمه صرمة وكنيتة أبو قيس أو العكس، وأما أبوه فاسمه قيس أوصرمة على ما تقرر من القلب وكنيته أبو أنس، ومن قال فيه أنس حذف أداة الكنية، ومن قال فيه ابن مالك نسبه إلى جد له والعلم عند الله اهـ (4) الجهد بالضم الوسع والطاقة. وبالفتح المشقة. وقيل المبالغه والغاية. وقيل هما الغتان

ص: 242

-[سبب نزول قوله تعالى - أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية]-

صائمًا، قال وكان عمر قد أصاب من النِّساء من جاريةٍ أو من حرةٍ بعد ما نام وأتى النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فذكر ذلك له فأنزل الله عز وجل {أحلَّ لكم ليلة الصِّيام الرَّفث إلى نسائكم (1) إلى قوله عز وجل

في الوسع ر الطاقة. فاما فى المشقة والغاية فالفتح لا غير والمراد هنا غاية المشقة (1) كان السبب فى نزول هذه الآية ما ذكر فى حديث معاذ، مارواه البخارى وغيره عن البراء بن عازب قال كان أمحاب النبى صلى الله عليه وسلم اذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر لم يأكل الى مثلها وأنّ قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما وكان يومه ذلك يعمل فى أرضه فلما حضر الأفطار أتى امرأته فقال هل عندك طعام؟ قالت لا. ولكن أنطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت خيبة لك، أنمت؟ فلما انتصف النهار غشى عليه فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم - الى قوله وكلوا - واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ففرحوا بها فرحا شديدًا، وللبخارى أيضا فى التفسير من طريق أبى اسحاق سمعت البراء قال لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأ نزل الله {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسك فتاب عليكم وعفا عنكم} وقال على بن أبى طلحة (عن ابن عباس) قال كان المسلمون فى شهر رمضان اذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام الى مثلها من القابلة، ثم ان اناسا من المسلمين أصابوا من النساء والطعام فى شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن - الآية} وكذا روى العوفى عن ابن عباس، وقال موسى بن عقبة عن كريب (عن ابن عباس) قال ان الناس كانوا قبل أن ينزل فى الصوم ما نزل فيهم يأكلون ويشربون ويحل لهم شأن النساء، فاذا نام أحدهم لم يطعم ولم يشرب ولا يأتى أهله حتى يفطر من القابلة، فبلغنا أن عمر بن الخلطاب رضى الله عنه بعد ما نام ووجب عليه الصوم وقع على أهله، ثم جاء الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أشكو الى الله واليك الذى صنعت، قال وما صنعت؟ قال إنى سوَّلت لى نفسى فوقعت على أهلى بعد ما نمت وأنا أريد الصوم، فزعموا أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال ما كنت خليقًا أن تفعل؛ فنزل الكتاب {أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم} (والرفث) هنا معناه مجامعة النساء

ص: 243

-[فضل قيام رمضان - وأنه سنة]-

ثم أتموا الصيام إلى الليل (1).

(32)

عن النضر بن شيبان قال لقيت أبا سلمة بن عبد الرحمن (يعني ابن عوف) قلت حدثني عن شيء شمعته من أبيك سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، قال نعم حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم قال إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه (2) فمن صامه وقامة احتسابًا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه (3).

(1) يعني إلى ابتداء دخول الليل وهو يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكمًا شرعيًا كما عند الشيخين والأمام أحمد وسيأتي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم "إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم"(وعن سهل بن سعد الساعدي) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا بزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) رواه الشيخان وللإمام أحمد مثله من حديث أبي ذر وسيأتي (تخريجه)(د: هق) وهو مرسل صحيح الإسناد فإن ابن أبي ليلي لم يدرك معاذا، وذكر البخاري الحال الثانية منه تعليقًا في صحيحة بصيغة الجزم فيكون صحيحًا كما تقررت قاعدته وهذا لفظه (قال وقال ابن نمير حديثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم محكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها وأن تصوموا خير لكم فأمروا بالصوم) وحديث الباب أخرجه أيضًا عبد بن حميد في التفسير عن عمرو بن عوف عن هشيم، وأخرجه الطبراني من حديث ابن إدريس كذلك، وأخرجه ابن شاهين أيضًا من طريق المسعودي عن عمرو بن أبي ليلي عن معاذ بن جبل قال أحيل الصوم ثلاثة أحوال فذكر الحديث وحيث قد تعددت طرقه فهو حجة.

(32)

عن النضر بن شيبان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا القاسم بن الفضل ثنا النضر بن شيبان- الحديث" (غريبة)

(2)

هذا صريح في أن صيام رمضان فرض وقيامه سنة وقوله "وسنن" بصيغة المتكلم ولفظ النسائي (وسننت لكم قيامه) أي ندبت لكم، وإنما قال لكم لأنه نفع محض لا ضرر فيه أصلاً فمن فعل نال أجرًا عظيمًا، ومن ترك فلا آثم عليه. (3) أي طهر من الذنوب كطهارته يوم ولدته أمه لا كخروجه منها يوم ولدته أمه، إذ لا ذنب عليه في ذلك اليوم حتى يخرج منه، ثم ظاهره الشمول للكبائر، والتخصيص في مثله بعيد، وفضل الله واسع (تخريجه) (نس

ص: 244

-[حكمة مشروعية الصوم - وكلام العلماء في وجوبه بالكتاب والسنة والأجماع]-

(33)

عن عوف بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله ما الصوم؟ قال فرض مجزي.

جه) وفي إسناده النضر بن شيبان وهو ضعيف، وقال النسائي هذا الحديث خطأ. والصواب حديث أبي سلم عن أبي هريرة اهـ (قلت) حديث أبي هريرة المشار إليه تقدم في باب فضل صيام رمضان وقيامه صحيفة 219 رقم 16 بلفظ (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه، الشيخان والأربعة وغيرهم.

(33)

عن عوف بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كامل ثنا حماد بن سلمة عن معبد بن هلال حدثني رجل في مسجد دمشق عن عوف بن مالك -الحديث" (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفي إسناده رجل لم يسم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الصيام للأمة المحمدية وللأمم السابقة من لدن آدم إلى رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أما صوم رمضان فهو فرض واجب على كل مسلم عاقل بالغ ذكر أم أنثى، وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} إلى قوله تعالى: {فمن منكم الشهر فليصمه) وأما السنة فما في أحاديث الباب وحديث بنى الإسلام على خمس وغيره كثير جدًا، وهو أحد أركان الإسلام الخمس، وأجمعت الأمة على ذلك فلم يخالف فيه أحد، فمن جحد فرض صيامه فهو كافر؛ (وحكمة مشروعيته) تقليل الأكل والشرب لسكون النفس وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح في العين واللسان والأذن والفرج، (فبالصوم) ترجع النفس عن الاسترسال في اللذات والشهوات البهيمية وتسمو بروح الإخلاص والقوة الملكية المتحلية بالفضائل، (وبالصوم) يتخلق المؤمن في بعض آنائه بخلق من أخلاق المهيمن جل وعلا وهو الصمدية، ويتشبه على قدر الإمكان بالملائكة المقربين من الله تعالى في الصفات المنزهين عن جميع الشهوات في الكف عنها والخلو منها (وبالصوم) يتعود الإنسان على الصبر والثبات على المكاره، فإن الصائم يكلف نفسه البعد عن مشياتها من الأكل والشرب ومباشرة النساء، ويذودها عن ذلك بعزم قوى وصبر حسن (وبالصوم) يتذكر العبد ما هو عليه من الذلة والمسكنة لأنه يشعر أثناء صومه بحاجته إلى يسير الطعام وقليل الشراب والمحتاج إلى الشيء ذليل به (وبالصوم) يحصل المحافظة على النفس من الوقوع في الآثام (وبالصوم) حث الأغنياء على مساعدة الفقراء والقيام بما يذود عنهم عائل الجوع وغائل

ص: 245

-[كلام العلماء في الصيام المشروع قبل فرض رمضان]-

.....

الصدى (وبالصوم) إيقاد الفكرة وإنقاذ البصيرة (يروى أن لقمان) قال لابنه وهو يعظه. يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة، وصفاء القلب ورقة المدرك بهما لذة المناجاة والتأثر بالذكر (وبالصوم) تستريح المعدة من التخمة لأن المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، فإذا استراحت من ذلك مدة شهر استعادت نشاطها وهضمها، وفي هذا العصر عصر تقدم الطب لجأ الأطباء على اختلاف أديلهم في مداواة بعض المرضي إلى صيام المسلمين فوجدوا أن ذلك أعظم دواء لمرض الباطن (قال الزرقاني) شرع الصيام لفوائد- أعظمها. كسر النفس. وقهر الشيطان، فالشبع نهر في النفس برده الشيطان، والجوع نهر في الروح ترده الملائكة (ومنها) أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه باقداره على ما منع منه كثير من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح فإنه بامتناعه في ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع ذلك على الإطلاق فيوجب ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع ذلك على الإطلاق فيوجب ذلك شكر نعمة الله عليه بالغني ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك اهـ (أما الصيام المشروع قبل فرض رمضان) فقد اختلف السلف فيه هل كان فرضًا أو نفلَا" فذهب الجمهور وهو المشهور عند الشافعية أنه لم يجب قط صوم قبل صوم رمضان، وفي وجه وهو قول الحنفية أول ما فرض صيام عاشوراء نزل رمضان نسخ، ومن أدلة الجمهور حديث معاوية ابن أبي سفيان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم. فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر. رواه البخاري والإمام أحمد وسيأتي في باب صيام يوم عاشوراء، قال الحافظ قد استدل به على أنه لم يكن (يعني صوم يوم عاشوراء) فرضا قط ولا دلالة فيه لاحتمال أنه يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه اهـ (وذهب الحنفية) إلى أن أول ما فرض صيام عاشوراء. ثم ثلاثة أيام من كل شهر. من كل عشرة أيام يومًا. ثم نسخ ذلك بصوم رمضان بحيث يمسك في كل يوم وليلة من صلاة العشاء إلى غروب الشمس، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} واستدلوا بحديث معاذ الطويل المذكور في الباب وبما رواه نافع عن ابن عمر قال "صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه" وبحديث عائشة رضي الله عنها أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء فليصمه ومن شاء أفطر، وراهما البخاري والإمام أحمد وسيأتيان أيضًا، واستنتج الحافظ من مجموع الأحاديث أن صوم يوم عاشوراء كان واجبًا قبل افتراض صوم رمضان، وستأتي جميع الأحاديث المشار إليها في أبواب ما ورد في يوم عاشوراء إن شاء الله تعالى والله الموفق

ص: 246

-[ثبوت شهر رمضان برؤية عدلين للهلال أو عدل على الخلاف في ذلك]-

(6)

باب ثبوت الشهر برؤية الهلال في الصوم والفطر أو إكمال العدة ثلاثين أن كان غيم

(34)

عن قيس بن طلق عن أبيه (1) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم إن الله عز وجل جعل هذه الأهلة (2) مواقيت للناس، صوموا (3) لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم (4) عليكم فأتموا العدة.

(34) عن قيس بن طلق (سنده) حدثنا عبد الله ثنا أبي ثنا إسحاق بن عيسي أنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه- الحديث" (غريبة) (1) هو طلق بن على بن المنذر الحنفي السحيمي بمهملتين مصغرًا يكني أبا على، مشهور له صحبة ووفادة ورواية، روى عنه ابنه قيس وابنته خلدة وعبد الله بن بدر وعبد الرحمن بن على بن شيبان (2) جمع هلال مثل رداء وأردية، سمى هلالا لأن الناس يرفعون أصواتهم بالذكر عند رؤيته، من قولهم استهل الصبي إذا صرخ حين يولد، وأهل القوم بالحج (وقوله مواقيت) جمع ميقات، أي جعلها الله كذلك ليعلم الناس أوقات الحج والعمرة والصوم والأفطار وآجال الديون وعدد النساء وغيرها (3) أي بيتوا فيه الصيام أو صوموا إذا دخل وقت الصوم وهو من فجر الغد وقوله لرؤيته) أي لرؤية الهلال واللام فيه للتوقيت كهى في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} أي وقت دلوكها، وقال ابن مالك وابن هشام بمعنى بعد، أي بعد زوالها وبعد رؤية الهلال اهـ قال النووي والمراد رؤية بعض المسلمين. ولا يشترط رؤية كل إنسان. بل يكفي جميع الناس رؤية عدلين وكذا عدل على الأصحز هذا في الصوم. وأما في الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل اهـ (وقوله وأفطروا لرؤيته) أي رؤية هلال شوال وليس المراد الأفطار من وقت الرؤية حتى يلزم أن يفطر قبل الغروب إذا رأى الهلال في ذلك الوقت، كما أنه ليس المراد الصوم من وقت الرؤية؛ بل المراد الإفطار والصوم على الوجه المشروع وهو في الصوم من فجر الليلة التي رأى فيها هلال رمضان وفي الإفطار بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان سواء رأى الهلال قبل غروب شمس ذلك اليوم أو بعد الغروب (4) بضم الغين المعجمة وفنج الميم المشددة أي فإن حال بينكم وبينه غيم أو سحاب كما صرح بذلك في رواية عكرمة عن ابن عباس وستأتي في الفصل الأول من هذا الباب بلفظ (فأن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين) "وقوله في حديث الباب فأتموا العدة" أي عدة شعبان ثلاثين يومًا عند إرادة الصوم. وعدة رمضان ثلاثين عند إرادة الفطر إذا لم ير الهلال بسبب غيم ونحوه (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه محمد بن جابر اليماني وهو صدوق

ص: 247

-[إذا لم يرا هلال مرضان وجب تكميل شعبان ثلاثين يوما]-

(35)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطر والرؤيته فإن غم (1) عليكم الشهر (2) فأكملوا العدة ثلاثين

(36)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله

(37)

عن أبي البخري (3) قال أهللنا هلال رمضان ونحن بذات عرق (4) قال فأرسلنا رجلاً إلى ابن عباس يسأله قال هاشم فقال ابن عباس رضي الله

ولكنه ضاعت كتبه وقبل التلقين (قلت) تؤيده الأحاديث الآتية بعده

(35)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي بن سعيد الأموي قال ثنا الحجاج عن عطاء عن أبي هريرة- الحديث" (غريبة)(1) لفظ البخاري (فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)(ولفظ مسلم) فإن غميي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين، وقد جاءت هذه الكلمة بلغات متعددة، يقال غم بضم الغين وتشديد الميم مفتوحة وأغمى بضم الهزة وسكون الغين وكسر الميم بعدها ياء مفتوحة وعمي وغمىِ بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما ويقال غبي بفتح الغين وكسر الباء وكلها صحيحة، وقد غامت الصماء وغيمت وأغامت وتغيمت وأغمت قاله النووي (2) أي هلال الشهر حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه، والمراد بالشه هنا رمضان أو شوال (تخريجه)(ق. نس).

(36)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا زكريا ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا. وإذا رأيتموه فأفطروا. فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يومًا (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.

(37)

عن أبي البختري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر وهاشم قالا ثنا شعبه عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا البختري- الحديث (غريبة)

(3)

بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ساكنة اسمه سعيد بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت (4) هو منزل معروف من منازل الحاج يحرم أهل العراق بالحج منه، سمى به لأنه فيه عرقًا وهو الجبل الصغير، وقيل العرق من الأرض سبخة تنبت الطرفاء. والعراق في اللغة شاطئ النهر والبحر، وبه سمى الصقع لأنه على شاطئ الفرات ودجلة (نه)(وقوله قال هاشم) يعني في روايته وهو أحد الراوبين اللذين روى عنهما الإمام

ص: 248

-[النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين]-

عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم إن الله قد مد رؤيته قال هاشم لرؤيته (1) فإن أغمى عليكم فأكملوا العدة.

(38)

عن ابن عباس رضي الله عنهما عجبت ممن يتقدم الشهر (2) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوموا تروه (3) أو قال صوموا لرؤيته

(39)

عن ربعي بن حراش عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقدموا (5) الشهر حتى تكملوا العدة أو تروا

أحمد هذا الحديث وكذا يقال فيما يأتي (1) في رواية لمسلم إن الله مده للرؤية، وله في أخرى (إن الله قد أمده لرؤيه) قال القاضي عياض قال بعضهم الوجه أن يكون أمده بالتشديد من الآمداد، ومده من الامتداد، قال القاضي والصواب عندي بقاء الرواية على وجهها، ومعناه أطال مدته إلى الرؤية، يقال منه مدوا أمد قال الله تعالى {وإخوانهم يمدونهم في الغي} قوي بالوجهين أي يطيلون لهم، قال وقد يكون أمده من المدة التي جعلت له، قال صاحب الأفعال أمددتكما أي أعطيتكما اهـ (وفي التقيح) قوله مده لرؤيته أي أطال مدته إلى الرؤية أي أطال مدة شعبان إلى زمان رؤية هلال رمضان، والضمير في مده راجع إلى شعبان اهـ (وقوله أغمى) بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة. ومثل ذلك عند مسلم وهي بمعنى غم أي حال بينكم وبين رؤيته غيم ونقدم الكلام في ذلك (تخريجه)(م. قط)

(38)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عمرو عن محمد بن حنين عن ابن عباس الحديث (غريبة)(2) أي بصيام يوم أو يومين كما صرح بذلك في رواية أبي داود (3) أي حتى تروا هلال رمضان (وقوله أو قال صوموا لرؤيته) أو للشك من الراوي (تخريجه)(د. نس. فع. هق) بألفاظ مختلفة وسنده جيد

(39)

عن ربعي بن حراش (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش- الحديث" (غريبه) (4) في رواية لأبي داود "عن حذيفة" بدل قوله هنا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الأمام أحمد. وسيأتي الكلام رمضان بصيام لقصد الاحتياط له لما فيه من التشبه بالنصارى فيما رادوه عن ما افترض عليهم برأيهم فلا تصوموا

ص: 249

-[بيان أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين]-

الهلال وصوموا ولا تفطروا حتى تكلموا العدة أو تروا الهلال

(40)

عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الشهر تسع وعشرون (1) فلا تصوموا حتى تروه (2) ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا (3) له

حتى تروا هلال رمضان وتكلموا عدة شعبان ثلاثين يومًا، وإذا صمم رمضان فلا تفطروا حتى تروا هلال شوال أو تكملوا عدة رمضان ثلاثين يومًا (تخريجه)(د. نس. قط) وقال أبو داود ود عقب هذا الحديث رواه سفيان وغيره عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم حذيفة اهـ قال المنذري والحديث أخرجه النسائي مسندًا ومرسلا وقال لا أعلم أحدًا من أصحاب منصور قال في هذا الحديث عن حذيفة غير جرير. يعني ابن عبد الحميد اهـ (وقال البيهقي) وصله جرير عن منصور فذكر حذيفة فيه وهو ثقة حجة، وروي له الثوري وجماعة عن منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) الحديث صحيح على كل حال لأن جهالة الصحابي لا تضر ورواته ثقات محتج بهم والله أعلم.

(40)

عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل أنا أيوب عن نافع ابن عمر- الحديث" (غريبه)(1) ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه، بل قد يكون ثلاثين، والمعني أن الشهر يكون تسعًا وعشرين، أو اللام للعهد. والمراد شهر بعينه ويؤيد الأول ما سيأتي في حديث يحيي بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابن عمر من قال عائشة ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشهر يكون تسعًا وعشرين) ومثله من حديث أم سلمة عند مسلم مرفوعًا (إن الشهر يكون تسعا وعشرين) ويؤيد الثاني قول ابن مسعود (صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين) أخرجه أبو داود والترمذي، ومثله عن ابن مسعود وعائشة عند الأمام أحمد بإسناد جيد (2) يعني هلال رمضان وليس المراد تعليق الصوم بالرؤية من كل أحد، بل المراد بذلك إما واحد على رأى الجمهور أو اثنان على رأي غيرهم، وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام إن شاء الله تعالى {وقوله ولا تفطروا حتى تروه) يعني هلال شوال (3) قال أهل اللغة يقال قدرت الشيء أقدره واقدره بكسر الدال وضمها وقدرته واقدرته كلها بمعني واحد وهي من التقدير (قال الخطابي) ومنه قول الله تعلى (فقدرنا فنعم القادرون) اهـ ومعناه عند الشافعية والحنفية والمالكية وجمهور السلف والخلف فاقدر واله تمام الثلاثين يومًا (وقالت طائفة) من العلماء ضيقو اله وقدروه تحت السحاب، وممن قال بهذا الأمام أحمد وغيره ممن يجوز صوم يوم ليلة الغيم عن رمضان وسيأتي الكلام على

ص: 250

-[إستحباب رؤية القمر ليلة الثلاثين من شعبان - ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم فاقدرو اله]-

قال نافع فكان عبد الله (يعنى ابن عمر رضى الله عنهما) إذا مضي من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رؤى فذاك (1) وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قتر (2) أصبح مفطرًا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائمًا (3)

(41)

عن يحيي بن عبد الرحمن بن حاطبٍ قال قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون (4) وصفق بيديه مرتين، ثم صفق الثالثة وقبض إبهامه (5)(وفي روايةٍ فذكروا ذلك لعائشة)

ذلك إن شاء الله تعالى (وقالت طائفة) منهم ابن سريج ومطرف بن عبد الله وابن قتيبة إن معناه قدروه بحساب المنازل (قال الحافظ) قال ابن عبد البر لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا. ولا كما نقله ابن العربي عن ابن سريج أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وقوله فأكملوا العدة خطاب للعامة. لأنه كما قال ابن العربي أيضا يستلزم اختلاف وجوب رمضان فيجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد، قال وهذا بعيد النبلاء أهـ واحتج الجمهور بالروايات المتقدمة (فأكملوا العدة ثلاثين) وهو تفسير لا قدروا له، ولهذا لم يجتمعا في رواية، بل تارة يذكر هذا وتارة يذكر هذا، ويؤكده ما في رواية عند مسلم فاقدروا له ثلاثين (قال المازري) حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له على أن المراد إكمال عدة ثلاثين كما فسره في حديث آخر. قالوا ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم والله أعلم (1) يعنى أصبح صائما (2) القتر بفتح القاف والتاء الفوقية وبعدها راء هو الغبرة على ما في القاموس (3) بستفاد منه أن ابن عمر رضى الله عنهما كان يقول بصوم يوم الشك. وسيأتى الكلام على ذلك إن شاء الله (تخريجه)(م. وغيره.) إلى قوله فادروا له وانفرد الأمام أحمد بهذه الزيادة

(41)

عن يحيي بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا يزيد أنا محمد عن يحيي بن عبد الرحمن بن حاطب - الحديث" (غريبه)(4) قال ابن العربي قوله الشهر تسع وعشرون إلخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعًا وعشرين وهو أقله، ويكون ثلاثين وهو أكثره، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا. ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وإنهاء باستهلاله أهـ

(5)

أي جمع كفيه بعضهما لبعض مفتوحة الأصابع مرتين، ومعلوم أن عدد أصابع اليدين

ص: 251

-[سبب قوله صلى الله عليه وسلم إن الشهر يكون تسعا وعشرين وقصة ذلك]-

فقالت عائشة رضى الله عنها غفر الله لأبي عبد الرحمن إنه وهل (1) إنما هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا، فنزل لتسعٍ وعشرين، فقالوا يا رسول الله إنك نزلت لتسعٍ وعشرين، فقال إن الشهر يكون تسعًا وعشرين

(42)

عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا أمة أمية

عشرة فالمرتان بعشرين، وفي المرة الثالثة قبض إبهام إحدى يديه إشارة إلى أنها ليست داخلة في العدد. فيكون العدد تسعًا وعشرين، وقد جمع صلى الله عليه وسلم بذلك بين القول والإشارة للاهتمام بالأمر وتفهيمه للسامعين، وهكذا ينبغي للمعلم أن يعد وسائل التفهيم لمن يعلمه حتى ينتفع بعلمه (1) هذه الجملة من قوله "فذكروا ذلك لعائشة إلى قوله إنه وهل" لم أقف عليها لغير الأمام أحمد، والظاهر أن عائشة رضى الله عنها بلغها أن ابن عمر فهم من قوله صلى الله عليه وسلم "الشهر تسع وعشرون" أن كل شهر يكون تسعًا وعشرين، ولهذا قالت غفر الله لأبي عبد الرحمن تعنى ابن عمر رضي الله عنهما لما تعلمه فيه من تمسكه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، وحملت ما بغلها عنه على أنه وهل في فهم الحديث أي ذهب وهمه إلى ما بلغها، يقال وهل إلى الشيء بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمه إليه، ويجوز أن يكون بمعنى سها وغلط، يقال منه وهل في الشيء وعن الشيء بالكسر يوهل وهلا بالتحريك ثم ذكرت عائشة رضى الله عنها الحديث مع سببه لتدفع به ما بلغها عن ابن عمر، وفيه التصريح بأن الشهر يكون تسعا وعشرين (أي في بعض الأحيان) لا أن كل شهر تسع وعشرون وقد يكون المبلغ أخطأ في فهم قول ابن عمر، فبلغها ذلك خطأ وهو الغالب، لأن حرص ابن عمر رضى الله عنهما على فهم الحديث والعمل به ينافى ذلك. لاسيما وقد جاء في حديثه الآتى بعد هذا ما يفهم منه أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين وتارة يكون ثلاثين، فالخطأ ممن بلغ عائشة لا من ابن عمر. والله أعلم، وسبب هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أنهن اجتمعن حوله يطلبن منه النفقة بما ليس عنده ولا يقدر عليه، فأقسم أن يعتزلهن شهرا. وسيأتى ذلك في تفسير قوله تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها الآية - في سورة الأحزاب من كتاب التفسير، وقد جاء حديث "الشهر تسع وعشرون" من عدة طرق عن كثير من الصحابة ستأتي جميعها في كتاب الأيلاء إن شاء الله تعالى وسيأتى قريبًا طرف منه في باب ما جاء خاصا بنقص الشهر (تخريجه)(ق. د. نس هق) بدون ذكر قصة عائشة. وأخرجها الشيخان وغيرهما حديثا مستقلا.

(42)

عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا محمد بن جعفر

ص: 252

-[جواز الاستدلال بالإشارة والعمل بمقتضاها]-

لا نكتب ولا نحسب (1) الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة (2) والشهر هكذا وهكذا وهكذا؛ يعنى تمام ثلاثين

فصل منه فيما جاء خاصا بإكمال شعبان ثلاثين يوما إذا غم على هلال رمضان

(43)

عن عكرمة قال سمعت ابن عباسٍ رضى الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين (3) ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً (4) قال حاتم

ثنا شعبة عن الأسود بن قيس سمعت سعيد بن عمرو بن سعيد يحدث أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال إنا أمة أمية لا نكتب - الحديث" (غريبه) (1) قال العلماء أمية باقون على ما ولدتنا عليه أمهاتنا لم نتعلم الكتابة ولا الحساب. ومنه قوله تعالى (النبي الأمي) وقيل هو نسبة إلى الأم وصفتها. لأن هذه صفة النساء غالبا "وقوله ولا نحسب" بضم السين المهملة من باب قتل من الحسب بمعنى الأحصاء، يقال حسبت المال حسبا أحصيته عددا. وفي قوله "لا نكتب ولا نحسب" بيان لكونهم أمية. وهذا بالنظر للغالب وإلا فقد كان فيهم من يكتب ويحسب. وقيل المراد بالحساب حساب النجوم وتسييرها، وهذا أيضا لم يكونوا يعرفونه إلا النذر اليسير والله أعلم (2) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بيديه الكريمتين ثلاث مرات ناشرًا أصابعه إلا في المرة والثالثة فإنه قبض أصبعه الأبهام إشارة إلى أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين "وقوله والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين" معناه أنه صلى الله عليه وسلم فعل كما تقدم إلا في المرة الثالثة فإنه لم يقبض من أصابعه شيئًا إشارة إلى أن الشهر قد يكون ثلاثين. وحاصله أن الاعتبار بالهلال فقد يكون تاما ثلاثين. وقد يكون ناقصا تسعا وعشرين. وقد لا يرى الهلال فيجب إكمال العدة ثلاثين، قال العلماء وقد يقع النقص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع في أكثر من أربعة، وفي هذا الحديث جواز الإشارة المفهمة في مثل هذا. قاله النووي (تخريجه)(ق. د. نس)

(43)

عن عكرمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي أنا حاتم بن أبى صغيرة عن سماك بن حرب عن عكرمة - الحديث" (غريبه)(3) أي فكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما كما فسره بذلك حاتم أحد رجال السند (4) قال العلماء معنى

ص: 253

-[الحث على الاعتناء برؤية هلال شعبان استعداداً لرؤية هلال رمضان]-

يعني عدة شعبان (وعنه من طريقٍ ثانٍ (1) مثله وفيه) فإن حال دونه غيابة (2) فأكملوا العدة (3) والشهر تسع وعشرون يعنى أنه ناقص

(44)

عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان مالا يتحفظ من غيره (4) ثم يصوم برؤية

ذلك أنكم لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان، والحكمة فيه التقوى بالفطر ليكون في رمضان ذا قوة ونشاط، وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وقيل لأن الحكم علق بالرؤية، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم هذا هو المعتمد "وقوله قال حاتم" هو حاتم بن أبي صغيرة بكسر الغين المعجمة أحد رجال السند (قال الحافظ في التقريب) هو أبو يونس البصرى، وأبو صغيرة اسمه مسلم، وهو جده لأمه. وقيل زوج أمه، ثقة من السادسة أهـ (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال دونه غيابة إلخ (2) كسحابة وزنا ومعنى وهي كل شيء غيبه عنك، وفي رواية أبي داود (غمامة) وهي السحاب. وفي الطريق الأولى (فإن حال بينكم وبينه سحاب) قال في القاموس وغيابة كل شيء ما سترك منه (3) أي عدة شعبان كما فسره بذلك حاتم في الطريق الأولى، وقوله والشهر تسع وعشرون، يعنى أنه قد يكون تسعا وشعرين لا أنه يكون دائما كذلك (تخريجه)(د. مذ. حب. خزك) وقال الترمذي حديث ابن عباس حسن صحيح، وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي، وقال أبو داود عقب هذا الحديث. ورواه حاتم بن أبى صغيرة وشعبة والحسن بن صالح عن سماك بمعناه لم يقولوا ثم أفطروا، قال أبو داود وهو حاتم بن مسلم بن أبى صغيرة وأبو صغيرة زوج أمه أهـ

(44)

عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عبد الرحمن عن معاوية عن عبد الله بن أبي قيس قال سمعت عائشة تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث" (غريبه)(4) أي يتحرى رؤية هلال شعبان وعد أيامه محافظة على صوم رمضان تحريا لا يتحراه في غيره من الأشهر التي لا يتعلق بها أمر شرعي كالحج ونحوه (وقوله ثم يصوم برؤية رمضان) يعني برؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان فإن رآه أصبح صائما.

ص: 254

-[إعتماد الصيام والفطر على رؤية الهلال فإن لم بر غدوا ثلاثين يوما]-

رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يومًا ثم صام

فصل منه فيما جاء خاصا بإكمال رمضان ثلاثين يوما إذا غم على هلال شوال

(45)

عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم قال إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم (1) فصوموا ثلاثين يومًا

(46)

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم مثله إلا أنه قال فعدوا ثلاثين يومًا

(47)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقدموا الشهر بيومٍ ولا يومين (2) إلا أن يوافق أحدكم صومًا كان يصومه، صوموا

وإن حال دون رؤيته غيم أكمل شعبان ثلاثين يوما (تخريجه)(د. ك. قط) وقال إسناده صحيح وصححه أيضا الحافظ

(45)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه)(1) يعنى هلال شوال (تخريجه)(م. نس. جه)

(4)

وعن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا زكريا ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط. ورجال أحمد رجال الصحيح

(47)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي يعني ابن سعيد عن محمد بن عمرو قال ثنى أبو سلمة عن أبي هريرة - الحديث" (غريبه)(2) قال النووي فيه التصريح بالنهى عن استقبال رمضان بصوم يوم أو يومين لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله. فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام، هذا هو الصحيح في مذهبنا لهذا الحديث. وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره (إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان) فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له فإن كانت عادته صوم يوم الاثنين ونحوه فصادف فصامه تطوعا بنية ذلك جاز لهذا الحديث وسواء في النهي عندنا لمن لم يصادف

ص: 255

-[النهي عن صيام يوم أو يومين قبل رمضان]-

لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يومًا، ثم أفطروا

فصل منه فيما جاء في استقبال رمضان بيوم أو يومين وحكم صوم يوم الشك

(48)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقدموا بين يدى رمضان بيومٍ ولا يومين إلا رجلاً كان يصوم صومًا فليصمه.

(49)

عن عبد الله بن أبي موسى قال سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (ورضي عنها) عن اليوم الذي يختلف فيه من رمضان (1) فقالت لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إلى من أن أفطر يومًا من رمضان، قال فخرجت فسألت ابن عمر وأبا هريرة فكل واحدٍ منهما قال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بذاك منا

عادته ولا وصله يوم الشك وغيره. فيوم الشك داخل في النهي، وفيه مذاهب للسلف فيمن صامه تطوعا، وأوجب صومه عن رمضان أحمد وجماعة بشرط أن يكون هناك غيم والله أعلم أهـ (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(48)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عمرو بن الهيثم ثنا هشام عن يحيي عن أبي سلمة عن أبي هريرة - الحديث" تقدم شرحه في الذي قبله (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(49)

عن عبد الله بن أبي موسى، صوابه عبد الله بن أبي قيس كما سيأتي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الله بن أبي موسى - الحديث" وفي آخره "قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله" سمعت أبي يقول يزيد بن خمير صالح الحديث، قال أبي عبد الله بن أبي موسى هو خطأ. أخطأ فيه شعبة، هو عبد الله بن أبي قيس (غريبه)(1) هو يوم الثلاثين من شعبان المسمى بيوم الشك إذا حال دون رؤية الهلال من ليلته غيم أو نحوه. فالجمهور على عدم صومه وتكميل شعبان ثلاثين يوما. وذهبت عائشة وبعض الصحابة وآخرون إلى صومه احتياطا لرمضان وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام (تخريجه) أخرجه أيضا سعيد بن منصور في سننه. وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح أهـ (قلت) وهو طرف من حديث طويل ذكر بعضه في الجزء الرابع صحيفة 210 رقم 960 من كتاب الصلاة وسيأتي

ص: 256

-[زوائد الباب في ثبوت الشهر برؤية الهلال - وفي النهي عن صوم يوم الشك]-

.....

جميعه تاما في الفصل الحادة عشر في فتاوى السيدة عائشة رضي الله عنها من ترجمتها في باب ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (زوائد الباب)(عن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. فإن غم عليكم فأكملوا العدة، قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الشهر هكذا وهكذا وهكذا" رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه عمران بن داود القطان، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام (وعن مسروق والبراء بن عازب) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين وقال بيده الشهر هكذا وهكذا، يعنى تسعا وعشرين (طب)(وعن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رمضان فصم رمضان ثلاثين إلا أن ترى الهلال قبل ذلك (طب) وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه جماعة (وعن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقدموا يعنى شهر رمضان. صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين (طب طس) وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ولكنه ثقة (وعن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه قال الصيام من رؤية الهلال إلى رؤيته، فإن خفى عليكم فثلاثين يوما (طب) ورجاله رجال الصحيح، أورد هذه الأحاديث الحافظ الهيثمي وتكلم عليها جرحا وتعديلا وتخريجا (وعن أبي إسحاق) عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتى بشاة فتنحى بعض القوم، فقال عمار من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (د. نس. جه. خز. حب. مى. مذ) وقال حديث حسن صحيح - وأخرجه أيضًا الدارقطني وقال إسناده حسن صحيح وروائه كلهم ثقات أهـ. وأخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح على شرطهما - وذكره البخاري تعليقًا في باب إذا رأيتم الهلال فصوموا (وعن محمد ابن كعب) قال دخلت على أنس بن مالك عند العصر يوم يشكون فيه من رمضان وأنا أريد أن أسلم عليه، فدعا بطعام فأكل فقلت هذا الذي تصنع سنة؟ قال نعم، أورده الهيثمي وقال روى له الترمذي حديثا في الفطر إذا أراد السفر. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح (وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام ثلاثة أيام، تعجيل يوم قبل الرؤية - والفطر - والأضحى - أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير وفيه سعيد بن سلمة وثقة ابن حبان وقال يخطئ وضعفه جماعة (وعن مسروق) قال دخلت على عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان فقالت يا جارية خوضى له سويقا، فقلت إني صائم، فقالت تقدمت الشهر؟ فقلت. ولكني صمت شعبان كله فوافق ذلك هذا اليوم، فقالت إن ناسًا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (يا أيها

ص: 257

-[كلام العلماء في أحكام أحاديث الباب - وتفسيرهم قوله صلى الله عليه وسلم "فاقدروا له"]-

.....

الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله) رواه الطبراني في الأوسط وفيه حبان بن رقيدة وهو مجهول. قاله الهيثمي (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة مسائل (منها) الأمر بصوم رمضان عند رؤية هلاله سواء أكان شعبان تاما أو ناقصًا، والفطر منه عند رؤية هلال شوال سواء أكان رمضان تاما أم ناقصا، والتام ثلاثون يوما والناقص تسعة وعشرون، يدل على ذلك حديث طلق بن علي وأبي هريرة وابن عباس بلفظ (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته - الحديث) وفي حديث لأبي هريرة أيضًا (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا) وقد جاء في أحاديث الباب عن ابن عباس وغيره النهي عن صوم رمضان قبل رؤية هلاله إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يوما، والنهي عن الفطر قبل رؤية هلال شوال إذا لم يكمل رمضان ثلاثين يوما، وجاء أيضًا في حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ "لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له" وظاهره إيجاب الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلاً أو نهارًا وكذلك الفطر من رمضان، لكنه محمول على اليوم المستقبل في الصوم والفطر (وبعض العلماء) فرق بين ما قبل الزوال أو بعده، وخالف الشيعة الإجماع فأوجبوه مطلقًا، وقوله في حديث ابن عمر (لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه) ظاهر في النهي في ابتداء صوم رمضان قبل رؤية الهلال فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها، ولو وقع الاقتصار على هذه الجملة لكفى ذلك لمن تمسك به، لكن اللفظ الذي رواه أكثر الرواة أوقع للمخالف شبهة وهو قوله (فإن غم عليكم فاقدروا له) فاحتمل أن يكون المراد التفرقة بين الصحو والغيم فيكون التعليق على الرؤية متعلقًا بالصحو، وأما الغيم فله حكم آخر، ويحتمل أن لا تفرقة ويكون الثاني مؤكدًا للأول (وقد اختلف العلماء) في تفسير قوله فاقدروا له * (فذهبت الحنفية والمالكية والشافعية) وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه فاقدروا له تمام العدد ثلاثين يوما، أي انظروا في أول الشهر واحسبوا تمام ثلاثين يوما، وما ذهب إليه الجمهور يوافق معنى اللفظ لغة (قال أهل اللغة) يقال قدرت الشيء بالتخفيف أقدره بضم الدال وكسرها وقدرته بالتشديد وأقدرته بهمزة أوله وكلها بمعنى واحد وهو التقدير، قال الخطابي ومنه قوله تعالى (فقدرنا فنعم القادرون) ويدل لذلك قوله في رواية لمسلم فاقدروا ثلاثين، وفي رواية فأتموا العدة ثلاثين يوما، وفي رواية فعدوا ثلاثين يوما، وأولى ما فسر الحديث بالحديث (وذهب آخرون) إلى أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له، ضيقوا له وقدروه تحت السحاب، ومن قال بهذا أوجب الصيام من الغد ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان في محل الهلال ما يمنع رؤية من غيم وغيره (وهذا مذهب ابن عمر) راوى الحديث وفيه قال نافع فكان عبد الله (يعنى ابن عمر) إذا مضى من شعبان

ص: 258

-[كلام العلماء في ثبوت الشهر بحساب المنجمين إذا لم ير الهلال - والجمهور على خلافه]-

.....

تسع وعشرون يبعث من ينظر، فإن رؤى فذاك، وإن لم ير ولم يخل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما، رواه الأمام أحمد، وأبو داود وزاد "قال وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب"(قال الخطابي) يريد أنه كان يفعل هذا الصنيع في شهر شعبان احتياطا للصوم، ولا يأخذ بهذا الحساب في شهر رمضان ولا يفطر إلا مع الناس أهـ. وقد تبع ابن عمر على هذا المذهب * (الأمام) * أحمد في المشهور عنه (وقال ابن عبد البر) لم يتابع ابن عمر على تأويله ذلك فيما علمت إلا طاوس وأحمد بن حنبل، وروي عن أسماء بنت أبي بكر مثله، وعن عائشة نحوه أهـ (وذهبت فرقة ثالثة) إلى أن معنى الحديث قدروه بحساب المنازل، حكاه النووي في شرح مسلم عن ابن سريج وجماعة منهم مطرف بن عبد الله وابن قتيبة وآخرون (وقال ابن عبد البر) روى عن مطرف وليس بصحيح عنه، ولو صح ما وجب إتباعه عليه لشذوذه فيه ولمخالفة الحجة له، ثم حكى عن ابن قتيبة مثله، وقال ليس هذا من شأن ابن قتيبة ولا هو ممن يعرج عليه في مثل هذا الباب أهـ. وبالغ ابن العربي في العارضة في إنكاره مقاله ابن سريج هذه (قال المازري) عن الجمهور لا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم، وحكى ابن العربي عن ابن سريج أن قوله "فاقدروا" خطاب لمن خصه الله بهذا العلم "وقوله فأكملوا العدة" خطاب للعامة (قال ابن لعربي) فكأن وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر، وعلى آخرين بحساب العدد، إن هذا لبعيد عن النبلاء (وقال ابن الصلاح) في مشكل الوسيط معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلة وهي غير المعرفة بالحساب على ما أشعر به كلام الغزالي في الدرس، فالحساب أمر دقيق يختص بمعرفته الآحاد، والمعرفة بالمنازل تدرك بأمر محسوس يدركه من يراقب النجوم، وهذا هو الذي أراد ابن سريج وقال به في حق العارف بها في خاصة نفسه (ونقل الرويائي) عنه أنه لم يقل بوجوب ذلك عليه، وإنما قال بجوازه، وهو اختيار القفال وأبي الطيب، وأما أبو إسحاق فقد نقل في المهذب عن ابن سريج لزوم الصوم في هذه الصورة، وإذا جمعت بين مسألتى الحاسب والمنجم ونظرت فيهما بالنسبة إلى أنفسهما وإل غيرهما، وبالنسبة إلى الجواز والوجوب، حصل لك من ذلك في مذهب الشافعي رحمه الله أوجه، جمعها النووي في شرح المهذب ملخصة بعد بسطها (أصحها) لا يلزم الحاسب ولا المنجم ولا غيرهما بذلك، ولكن يجوز لهما دون غيرهما ولا يجزيهما عن فرضهما (والثاني) يجوز لهما ويجزيهما (والثالث) يجوز للحاسب ويجزيه ولا يجوز للمنجم (والرابع) يجوز لهما ويجوز لغيرهما

ص: 259

-[كلام العلماء في المنجم هل يلزمه الصوم بعلمه إذا لم ير الهلال أم لا؟]-

.....

تقليدهما (والخامس) يجوز لهما ولغيرهما تقليد الحاسب دون المنجم، وأهمل النووي من الأوجه وجوب الصوم وقد حكاه حين بسط الكلام قبل ذلك، فحكى عن صاحب المهذب أنه قال إذا غم الهلال وعرف رجل بالحساب ومنازل القمر أنه من رمضان فوجهان (قال ابن سريج) يلزمه الصوم لأنه عرف الشهر بدليل فأشبه من عرفه بالبينة، وقال غيره لا يصوم لأنا لم نتعبد إلا بالرؤية (قال النووي) ووافق صاحب المهذب على هذه العبارة جماعة، ثم حكى عن صاحب البيان أنه قال قال ابن الصباغ إما بالحساب فلا يلزمه بلا خلاف بين أصحابنا، وذكر صاحب المهذب أن الوجهين في الوجوب، ثم حكى عن الرافعي أنه قال لا يجب بما يقتضيه حساب المنجم عليه ولا على غيره الصوم (قال الروياني) وكذا من عرف منازل القمر لا يلزمه الصوم به على أصح الوجهين، قال وأما الجواز فتكلم على ذلك (وحكى ابن الصلاح عن الجمهور) منع الحاسب والمنجم من الصوم في حق أنفسهما على خلاف ما صححه النووي في شرح المهذب، وللمسألة نظير مذكور في الصلاة وهو ما لو علم المنجم دخول الوقت بالحساب فالمذهب أنه يعمل به بنفسه ولا يعمل به غيره كما في التحقيق للنووي تبعًا لصاحب البيان، ومعنى العمل به على طريق الجواز كما في الصيام والله أعلم، ورجح ابن دقيق العيد في شرح العمدة وجوب الصوم على الحاسب في الصورة المذكورة، فقال وأما ما دل عليه الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم، فهذا يقتضى الوجوب لوجود السبب الشرعي، قال وليس حقيقة الرؤية تشترط في اللزوم، لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة أو الاجتهاد بالأمارات أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم وإن لم ير الهلال ولا أخبره من رآه (قال الحافظ العراقي رحمه الله في شرح الترمذي المحبوس في المطمورة معذور فوجب عليه الاجتهاد في دخول الوقت، ويجب عليه العمل بما أدى إليه اجتهاده، فإن تبين خطؤه بيقين أعاد، وحصول الغيم في المطالع أمر معتاد، والسبب الشرعي للوجوب إنما هو الرؤية لا علم ذلك بالحساب لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب - الحديث" أهـ (قلت) الحديث المشار إليه رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم، وتقدم في أحاديث الباب وهو حجة للجمهور القائلين بعدم اعتبار الحساب والتنجيم في الحكم بإثبات الشهر وعدمه، لأن في قوله صلى الله عليه وسلم لا نكتب ولا نحسب وقوله بعده الشهر هكذا وهكذا إشعارا بعدم التعويل على الحساب (قال الحافظ) والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضا إلا النذر اليسير فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم

ص: 260

-[مذاهب العلماء في صيام يوم أو يومين قبل رمضان والصيام في النصف الثاني من شعبان]-

.....

من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا، ويوضحه قوله في الحديث الآخر (فأكملوا العدة ثلاثين) ولم يقل فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوى فيه المكلفون فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم (وقد ذهب قوم) إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك وهم الروافض. ونقل عن بعض الفقهاء موافقتهم. قال الباحي وإجماع السلف الصالح حجة عليهم (وقال ابن بزيزة) وهو مذهب باطل فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنها حدس وتخمين ليس فيها قطع ولا ظن غالب مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل أفاده الحافظ، وقد ظهر مما أوضحنا صحة مذهب الجمهور في تعلق الحكم بالرؤية في ثبوت الصوم والفطر دون غيرها (وبه قال الأئمة الأربعة) وجمهور العلماء من السلف والخلف والله أعلم (وفي أحاديث الباب أيضا) النهى عن صوم يوم أو يومين من آخر شعبان لما في حديث ابن عباس "ولا تستقبلوا الشهر استقبالا" ولما في حديث أبي هريرة "لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوما فليصمه" قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان (قال الترمذي) لما أخرج هذا الحديث. العلم على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان بمعنى رمضان أهـ وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك، وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من شعبان، واستدلوا بحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" أخرجه أصحاب السنن والأمام أحمد وصححه ابن حبان وغيره، وسيأتي في باب الصوم في شعبان من أبواب صيام التطوع (وقال الروياني) من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب (يعني حديث أبي هريرة المتقدم) ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر "يعني حديث العلاء"(وقال جمهور العلماء) يجوز الصوم تطوعا في النصف الثاني ولو لمن لم يعتده ولم يصله بالنصف الأول منه، ولا يكره إلا صوم يوم الشك، وقالوا إن حديث العلاء ضعيف، قال الإمام أحمد وابن معين إنه منكر (قال الحافظ) قال بعض أئمتنا يجوز بلا كراهة الصوم بعد النصف مطلقًا تمسكا بأن الحديث غير ثابت أو محمول على من يخاف الضعف بالصوم. ورده المحققون بما تقرر أن الحديث ثابت بل صحيح وبأنه مطنة الضعف ومانيط بالمظنة لا يشترط فيه تحققها أهـ (وقد جمع الطحاوي) بين حديث العلاء وبين حديث لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين الدال بمفهومه أن صيام ما بعد النصف غير مكروه إلا في آخر الشهر بأنه محمول على من يضعفه الصوم، وحديث النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يصوم ذلك احتياطا لرمضان؛ قال الحافظ وهو جمع حسن

ص: 261

-[تعريف يوم الشك - ومذاهب العلماء في صومه وعدمه]-

.....

اهـ (قلت) أما من كان له عادة فلا كراهة في صومهما كما يؤخذ من قوله في الحديث (إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه) فلا يجوز صوم النفل المطلق الذي لم تجر العادة به والله أعلم (وقد اختلف العلماء) في النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين فقيل هي القوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط، وفيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو؟؟؟ بصوم ثلاثة أيام أم أربعة أيام جاز (وقيل) الحكمة خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر، لأنه يجوز لمن له عادة كما تقدم (وقيل) لأن الحكم معلق بالرؤية. فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، وهذا هو المعتمد. ولا يرد عليه صوم من اعتاد ذلك. لأنه قد أذن له فيه وليس من الاستقبال في شيء، ويلحق به القضاء والنذر لوجوبهما. قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظنى أفاده الحافظ (وفي حديث عمار بن ياسر المذكور في الزوائد) مع أحاديث الباب المصرحة بالنهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين دلالة على المنع من صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث برؤيته أو شهد بها من لا يثبت بقوله، فإن لم يتحدث برؤيته أحد فليس يوم الشك ولو كانت السماء مغيمة (وذلك عند الشافعية، وقالت المالكية) هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مغيمة، وإلى المنع من صومه ذهب الأمامان (مالك والشافعي والجمهور) قاله النووي، وحكى الحافظ في الفتح عن الأمامين (مالك وأبي حنيفة) أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك، قال ابن الجوزي في التحقيق (ولأحمد في هذه المسألة) وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال (أحدها) يجب صومه على أنه من رمضان (وثانيها) لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة (ثالثها) المرجع إلى رأى الأمام في الصوم والفطر (وذهب جماعة من الصحابة) إلى صومه، منهم علي وعائشة وعمر وابن عمر وأنس ابن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم، وجماعة من التابعين منهم مجاهد وطاوس وسالم بن عبد الله وميمون بن مهران ومطرف بن الشخير وبكر بن عبد الله المزني وأبو عثمان النهدي (قال الشوكاني) وقال جماعة من أهل البيت باستحبابه، وقد ادعى المؤيد بالله أنه أجمع على استحباب صومه أهل البيت، وهكذا قال الأمير الحسين في الشفا والمهدي في البحر، وقد أسند لابن القيم في الهدى الرواية عن الصحابة المتقدم ذكرهم القائلين بصومه، وحكى القول بصومه عن جميع من تقدم ذكرهم من الصحابة والتابعين، قال (وهو مذهب إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل) أهـ (قلت) أورد الحافظ ابن القيم في الهدى آثارًا كثيرة عن الصحابة المتقدم ذكرهم

ص: 262

-[كلام الحافظ ابن القيم في توجيه ما ذهب إليه جماعة من الصحابة من صوم يوم الشك]-

.....

تدل على قولهم بصيامه (ثم أجاب عن ذلك بقوله ليس فيما ذكر عنهم أثر صالح صريح في وجوب صومه حتى يكون فعلهم مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما غاية المنقول عنهم صومه احتياطا، وقد صرح أنس بأنه إنما صامه كراهة للخلاف على الأمراء، ولهذا قال الأمام أحمد في رواية (الناس تبع للأمام في صومه وإفطاره) والنصوص التي حكيناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله، وقوله إنما تدل على أنه لا يجب صوم يوم الأغمام ولا تدل على تحريمه، فمن أفطره أخذ بالجواز، ومن صامه أخذ بالاحتياط (ثم قال رحمه الله ويدل على أنهم إنما صاموه استحبابا وتحريا ما روى عنهم من فطره بيانا للجواز، فهذا ابن عمر قال حنبل في مسائله حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي قال سمعت ابن عمر يقول لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، قال احنبل وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد قال أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال سألوا ابن عمر قالوا نسبق قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء؟ فقال أف أف صوموا مع الجماعة فقد صح عن ابن عمر أنه قال "لا ينقد من الشهر منكم أحد" وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "صوموا لرؤية الهلال وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين" كذلك قال على بن أبي طالب رضى الله عنه إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة (وقال ابن مسعود) رضى الله عنه فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، فهذه الآثار إن قدر أنها معارضة لتلك الآثار التي رويت عنهم في الصوم فهذه أولى لموافقتها النصوص المرفوعة لفظا ومعنى، وإن قدر أنها لا تعارض بينها، فها هنا طريقان من الجمع (أحدهما) حملها على غير صورة الإغمام أو على الأغمام في آخر الشهر كما فعله الموجبون للصوم (والثاني) حمل آثار الصوم عنهم على التحرى والاحتياط استحبابا لا وجوبا؛ وهذه الطريقة أقرب إلى موافقة النصوص وقواعد الشرع، وفيها السلامة من التفريق بين يومين متساويين في الشك فيجعل أحدهما يوم شك والثاني يوم يقين مع حصول الشك فيه قطعا، أو تكليف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعا مع شكه هل هو منه أم لا تكليف بما لا يطاق وتفريق بين المتماثلين والله أعلم أهـ (قال الشوكاني) واستدل المجوزون لصومه بأدلة (منها) ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه، وأجيب عنه بأن مرادها أنه كان يصوم شعبان كله لما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي (قلت والأمام أحمد وسيأتي في صوم شعبان) من حديثها قالت ما رأيته يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وهو غير محل النزاع، لأن ذلك جائز عند المانعين من صوم يوم الشك لما في الحديث الصحيح المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وسلم "إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه"

ص: 263

-[ذكر من كره صوم يوم الشك من الصحابة رضى الله عنهم]-

(7)

باب من يكتفي بشهادته برؤية الهلال في الصوم والفطر

(50)

عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه (1) فقال ألا إني قد جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم، ألا وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها (2) فإن غم عليكم فأتموا

وأيضا قد تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا العام له ولهم، لأنه يكون فعله مخصصا له من العموم (ومنها) ما أخرجه الشافعي عن علي عليه السلام قال "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من رمضان" وأجيب بأن ذلك من رواية فاطمة بنت الحسين عن علي وهي لم تدركه. فالرواية منقطعة، ولو سلم الاتصال فليس ذلك بنافع، لأن لفظ الرواية أن رجلا شهد عند علي على رؤية الهلال فصام وأمر الناس أن يصوموا، ثم قال لأن أصوم إلخ. فالصوم لقيام شهادة واحدة عنده لا لكونه يوم شك، وأيضا الاحتجاج بذلك على فرض أنه عليه السلام استحب صوم يوم الشك من غير نظر إلى شهادة الشاهد إنما يكون حجة على من قال بأن قوله حجة، على أنه قد روى عنه القول بكراهة صومه، حكى ذلك عنه صاحب الهدى (قال ابن عبد البر) وممن روى عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك * (والحاصل) * أن الصحابة مختلفون في ذلك، وليس قول بعضهم بحجة على أحد، والحجة ما جاءنا عن الشارع، وقد عرفته أهـ (قلت) وأثر عائشة المذكور في آخر أحاديث الباب يدل على جواز صوم يوم الشك وهو محمول على الجواز تحريا واحتياطا، كما حكى ذلك الحافظ ابن القيم رحمه الله عن بعض الصحابة رضى الله عنهم والله أعلم

(50)

عن عبد الرحمن بن زيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا يحيي ابن زكريا قال أنا حجاج عن حسين بن الحارث الجدلى قال خطب عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يشك فيه - الحديث" (غريبه)(1) هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال وتقدم تعريفه في أحكام الباب السابق (2) انسكوا بضم السين المهملة من نسك وبابه نصر، ومعناه التقرب إلى الله تعالى بالصوم في رمضان، والأفطار في أول شوال

ص: 264

-[ثبوت رؤية هلال شوال بشهادة رجلين]-

ثلاثين يوماً وإن شهد شاهد إن مسلمان (1) فصومووا وأفطروا

(51)

عن ربعي بن حراشٍ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أصبح الناس لتمام ثلاثين يومًا (2) فجاء أعرابيان فشهدا أنهما أهلاه بالأمس عشيًة (3) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا (4)

(52)

عن أبي عمير بن أنسٍ (5) حدثني عمومة لي من الأنصار من

وبالأضحية وأعمال الحج في وقتها. قال في النهاية النسك الطاعة والعبادة وكل ما تقر به إلى الله تعالى، والنسك ما آمرت به الشريعة أهـ (1) فيه دلالة على أنها لا تقبل شهادة الكافر في الصيام والأفطار بل تشترط العدالة كما في بعض الأحاديث (واستدل به أيضا) على اشتراط العدد في شهادة الصوم والأفطار وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام (تخريجه)(نس) وذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا، وإسناده لا بأس به على اختلاف فيه، ولم يذكر في رواية النسائي (مسلمان)

(51)

عن ربعي بن حراش (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدى قال ثنا سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش - الحديث" (غريبه)(2) لفظ أبي داود (اختلف الناس في آخر يوم من رمضان) أي ترددوا ليلة الثلاثين من رمضان في أن غدًا منه أو من شوال لكونهم لم يروا الهلال في تلك الليلة، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم صائما كما جاء في رواية عند الدارقطني (وقوله فجاء أعرابيان فشهدا الخ) الظاهر أن شهادتهما كانت بعد الزوال من يوم الثلاثين من رمضان آخر النهار كما يستفاد ذلك من حديث أبي عمير الآتى بعد هذا، ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر ولم يأمرهم بصلاة العيد في ذلك اليوم بل أخرهم لليوم التالي لأن آخر وقتها الزوال، والشهادة لم تقع إلا بعده (وفي رواية أبي داود فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله) أي أقسما بالله أنهما (أهلاه) أي رأيا الهلال بالأمس، يقال أهللت الهلال إذا أبصرته (3) العشية ما بين الزوال والغروب، والظاهر أنهما رأياه قبيل الغروب والله أعلم (4) زاد أبو داود في رواية (وإن يغدوا إلى مصلاهم) ومثلها للإمام أحمد من حديث أبي عمير الآتى، أي يخرجوا لصلاة العيد في صباح اليوم التالي (تخريجه)(د. نس. قط) وقال إسناده حسن ثابت

(52)

عن أبي عمير بن أنس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا هشيم أنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس - الحديث" (غريبه)(5) ويقال أبو عميرة

ص: 265

-[حجة من قال بثبوت رؤية هلال شوال وبشهادة رجل واحد]-

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غم علينا هلال شوالٍ فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب (1) من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد

(53)

"قط" عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أن عمومًة له شهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم على رؤية الهلال (2) فأمر الناس أن يفطروا وأن يخرجوا لعيدهم من الغد

(54)

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كنت مع عمر رضى الله عنه فأتاه رجل فقال إني رأيت الهلال هلال شوالٍ، فقال عمر رضي الله عنه

أيضا هو ابن أنس بن مالك الأنصارى، قيل اسمه عبد الله ثقة من الرابعة، قيل كان أكبر ولد أنس بن مالك. كذا في التقريب "وقوله عمومة" جمع عم كالخؤولة جمع خال (1) الركب جمع راكب أي جماعة ركبانا "وقوله من آخر النهار" أي يوم الثلاثين من رمضان "وقوله لعيدهم" أي لصلاة العيد من اليوم التالي، لأن الركب جاء بعد فوات وقتها، ويستفاد منه أنه إذا فات وقت صلاة العيد أول يوم صليت في اليوم الثاني (تخريجه)(د. نس. جه. حب. طح. قط) وقال إسناده حسن، وأخرجه أيضا البيهقي وحسنه، قال والصحابة كلهم عدول سموا أو لم يسموا

(53)

"قط" عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثني سعيد بن عامر عن شعبة عن قتادة عن أنس - الحديث" (غريبه)(2) أي هلال شوال (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح إلا أن البزار قال الصواب أنه مرسل أهـ (قلت) هذا الحديث من زوائد الحافظ أبي بكر القطيعي على مسند الإمام أحمد ولذا رمزت له في أوله بقاف وطاء هكذا (قط) كما هو مبين في مقدمة الكتاب في الجزء الأول فتنبه

(54)

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنبأنا إسرائيل بن يونس عن عبد الأعلى الثعلبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - الحديث"

ص: 266

-[زوائد الباب فيمن يكتفى بشهادته في إثبات الصوم والفطر]-

يا أيها الناس أفطروا (1)

(غريبه)(1) ليس هذا آخر الحديث (وبقيته - ثم قام إلى عس فيه ماء فتوضأ ومسح على خفيه. فقال الرجل والله يا أمير المؤممنين ما أتيتك إلا لأسألك عن هذا، أفرأيت غيرك فعله؟ فقال نعم خيرصا منى وخير الأمة، رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فعل مثل الذي فعلت وعله جبه شامية ضيقة الكمين فأدخل يده من تحت الجبة ثم صلى عمر المغرب) وقد اقتصرت منه على القدر المناسب للترجمة، وبقيته تقدم نحوها عن كثير من الصحابة في أبواب المسح على الخفين (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار وفيه عبد الأعلى الثعلبي، قال النسائي ليس بالقوى ويكتب حديثه وضعفه الأئمة (زوائد الباب) عن أبي مالك الأشجعي عن حسين بن الحارث الجدلي من جديلة تيس أن أمير مكة خطب ثم قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، فسألت الحسين بن الحارث من أمير مكة؟ فقال لا أدري. ثم لقيني بعد فقال هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله منى وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأومأ بيده إلى رجل. قال الحسين. فقلت لشيخ إلى جنبى من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال هذا عبد الله بن عمر وصدق. كان أعلم بالله منه. فقال بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والدارقطني وقال إسناده متصل صحيح (وعن عكرمة عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال يعني رمضان فقال أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال نعم قال أتشهد أن محمد رسول الله؟ قال نعم. قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا (د. نس. جه. مذ. قط. ك. هق. مى)(وعن عكرمة) أنهم شكوا في هلال رمضان مرة فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا فجاء أعرابي من الحرة فشهد أنه رأى الهلال، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتشهد أن لا إلا الله وأني رسول الله؟ قال نعم، وشهد أنه رأى الهلال؟ فأمر بلالا فنادى في الناس أن يقوموا وأن يصوموا (أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني) مرسلا والحاكم مسندا (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه (د. مى. حب. هق. ك) وقال صحيح على شرط مسلم وصححه أيضًا بن حبان وابن حزم (وعن عبد الملك ابن ميسرة) قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم فجاء رجل إلى واليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزها وقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان وكان

ص: 267

-[مذاهب العلماء فيمن تقبل شهادته في إثبات الصوم]-

.....

رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجيز شهادة في الإفطار إلا شهادة رجلين" أورده الهيثمي وقال هو في السنن باختصار عن هذا، رواه الطبراني في الأوسط وفيه حفص بن عمرو الأيلي وهو ضعيف (وعن ابن مسعود) قال أصبح الناس صياما لتمام ثلاثين فجاء رجلان فشهدا أنهما رأيا الهلال بالأمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأفطروا، رواه الهيثمي وقال أورده الطبراني في الكبير، وقال لم يقل في هذا الحديث عن أبي مسعود إلا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قلت وهو ثقة أهـ (الأحكام) أعلم أنه جاء في هذا الباب عشرة أحاديث وأثر، (منها أربعة أحاديث والأثر) جاءت في المسند، وهي حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو يدل على اعتبار شاهدين مسلمين في إثبات الصوم والفطر من رمضان، وحديث ربعي ابن حراش، وحديث أبي عمير، وحديث أنس بن مالك، وهي تدل على اعتبار شاهدين في الفطر من رمضان، ثم الأثر المروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو يدل على اعتبار شاهد واحد في الفطر، ومع كونه أثرا فهو ضعيف (ومنها ستة أحاديث) جاءت في الزوائد (أولها) حديث أمير مكة وهو يدل على اعتبار شاهدين في إثبات الصوم (وثانيها) حديث عكرمة عن ابن عباس مرفوط (وثالثها) حديث عكرمة مرسلا (ورابعها) حديث ابن عمر (وخامسها) حديث عبد الملك بن ميسرة، وهي تدل على اعتبار شاهد واحد في الصوم (وسادسها) حديث أبى مسعود وهو يدل على اعتبار شاهدين في الفطر أيضًا (لهذا اختلف العلماء) في إثبات الصوم والفطر هل يكتفى فيهما بشاهد واحد أم لابد من اثنين؟ ونتكلم أولا على اختلافهم في إثبات الصوم فنقول (ذهب جمهور العلماء) إلى القول بقبول شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان مستدلين بحديث ابن عباس وحديث ابن عمر وحديث عبد الملك بن ميسرة المذكورة في الزوائد (قال الترمذي بعد ذكر حديث ابن عباس) والعلم على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم قالوا تقبل شهادة رجل واحد في الصيام وبه يقول (ابن المبارك والشافعي وأحمد وأهل الكوفة) أهـ (قلت) ما حكاه الترمذي عن الإمام الشافعي هو أشهر قوليه عند أصحابه وأصحهما، وسيأتي ذكر القول الثاني (وذهب الأئمة مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي) في أحد قوليه والهادوية أنه لا يقبل الواحد بل يعتبر اثنان، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا، وبحديث أمير مكة وفيه "فإن لم نره وشهد شاهداً عدل الحديث" وظاهرهما اعتبار شاهدين، وتأولوا أدلة الأولين باحتمال أن يكون قد شهد عند النبي صلى الله عليه وسلم غيرهما (وأجاب الأولون) بأن التصريح بالاثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواجد بالمفهوم، وأدلتهم مصرحة بالواحد وهي تدل على قبوله بالمنطوق، ودلالة المنطوق أرجح، وأما التأويل بالاحتمال المذكور فتعسف وتجويز لو صح اعتبار مثله لكان مفضيا إلى طرح أكثر

ص: 268

-[مذاهب العلماء فيمن تقبل شهادته في إثبات الفطر من رمضان]-

.....

الشريعة (قال الشوكاني) وحكى في البحر عن (الصادق وأبي حنيفة) وأحد قولي المؤيد بالله أنه يقبل الواحد في الغيم لاحتمال الهلال عن غيره لا الصحو فلا يقبل إلا جماعة لبعد خفائه (واختلف العلماء) أيضا في شهادة إثبات الفطر من رمضان برؤية هلال شوال هل يكتفي بشهادة واحد أو لابد من اثنين؟ (فذهب الجمهور والأئمة الأربعة) إلى أنه لابد من شهادة شاهدين في هلال شوال محتجين بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وحديث ربعي بن حراش وحديث أبي عمير وحديث أنس وكلها في المسند (قال النووي) لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل أهـ (قلت) لم أقف على ما يؤيده في أحاديث الباب إلا الأثر المروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر رضي الله عنه أمر الناس بالفطر لشهادة رجل أنه رأى هلال شوال. وهو ضعيف لا تقوم به حجة، والظاهر أنه جعل الخروج من الشهر كالدخول فيه، يثبت بشهادة رجل واحد لا فرق بينهما في ذلك، والجمهور إنما فرقوا بين هلال الفطر وهلال الصوم للتهمة التي تعرض للناس في هلال الفطر ولا تعرض في هلال الصوم، والاحتياط في العبادة يقضى وأن لا يخرج منها إلا بيقين، وخبر الواحد لا يفيده والله أعلم (قال الإمام) ابن رشد في بداية المجتهد ومذهب أبي بكر بن المنذر هو مذهب أبي ثور وأحسبه هو مذهب أهل الظاهر، وقد احتج أبو بكر بن المنذر لهذا بانعقاد الإجماع على وجوب الفطر والأمساك عن الأكل بقول واحد، فوجب أن يكون الأمر كذلك في دخول الشهر وخروجه إذ كلاهما علامة تفصل زمان الفطر من زمان الصوم أهـ (واختلفوا أيضًا) في شهادة العدل هل تقبل منه سواء أكان ذكراً أم أنثى حرًا أم عبدا أم لابد من الذكورة والحرية (فذهب الحنفية) إلى جواز شهادة العدل ولو عبدا أو أنثى في ثبوت رمضان إذا كان بالسماء غيم ونحوه، ولا يشترط لفظ الشهادة بخلاف هلال شوال فلابد أن يكون بشهادة عدلين حرين أو حر وحرتين بلفظ الشهادة (وقال الأمامان الشافعي وأحمد) يكفى في هلال رمضان مطلقا رؤية عدل واحد. قال الأمام أحمد ولو عبدا أو امرأة (وهو قول للشافعية) ومعتمد مذهبهم أنه لابد أن يكون حرًا ذكرًا بلفظ الشهادة ولا يثبت هلال غيره كشوال إلا بشهادة عدلين حرين عندهما (قال النووي) ومحل الخلاف ما لم يحكم بشهادة الواحد حاكم يراه وإلا وجب الصوم ولم ينقض الحكم إجماعا (وذهبت الماليكة) إلى أنه يشترط في ثبوت هلال رمضان رؤية عدلين ذكرين حرين بالغين أو يراه جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا يشترط في هذه الصورة أن يكونوا كلهم ذكورا أحرارا عدولا (واتفقوا) على وجوب الصوم على المنفرد برؤية

ص: 269

-[مذاهب العلماء فيمن انفرد برؤية الهلال ولم يعمل بقوله هل يجب عليه الصوم أم لا]-

(7)

باب إذا رؤي الهلال في بلد دون غيره

(هل يلزم بقية البلاد الصوم أم لا؟)

(55)

عن كريب (1) أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل (2) على رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني (3) عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتموه؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة، فقال أنت رأيته؟ قلت نعم. ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت أو لا تكتفى برؤية معاوية وصيامه؟ فقال لا. هكذا أمر النبي

هلال رمضان وعلى وجوب الأفطار على المنفرد برؤية هلال شوال وإن لم يثبت ذلك بقوله (وهو قول الأئمة الأربعة) في هلال رمضان (واختلفوا) في الأفطار برؤية هلال شوال وحده (فقال الثلاثة) لا يفطر بل يستمر صائمًا احتياطا للصوم (وقال الشافعية) وهو قول للمالكية يلزمه الفطر عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "ولا تفطروا حتى تروه" ولكن يخفيه لئلا يتهم (وذهب عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهويه) إلى أنه لا يصوم برؤيته وحده (وعن الأمام أحمد) رحمه الله أنه لا يصوم إلا في جماعة الناس. وروى نحوه عن الحسن وابن سيرين رحمهما الله والله سبحانه وتعالى أعلم

(55)

عن كريب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي حدثني سليمان بن داود الهاشمي ثنا إسماعيل يعني ابن جعفر قال أخبرني محمد يعني ابن أبي حرملة عن كريب - الحديث" (غريبه) (1) هو مولى عبد الله بن عباس. وأم الفضل اسمها لبابة بتخفيف الموحدة بنت الحارث بن حزن؛ بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون. الهلالية أم الفضل بن العباس وزوج العباس بن عبد المطلب. أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن حيان ماتت بعد العباس في خلافة عثمان رضى الله عنها (2) بالبناء للمفعول أي رؤى هلاله (3) أي سأله عن حاله كيف كان في السفر وعن حال أهل الشام ونحو ذلك مما جرت به العادة في مثل هذا، ثم جاء ذكر رمضان فسأله عن رؤية الهلال بقوله "متى رأيتموه إلخ"

ص: 270

-[مذاهب العلماء في رؤية الهلال بجهة هل تسرى على من لم يره في جهة أخرى]-

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (1)

(1) ظاهره أي أمرنا أن لا نعمل برؤية أهل بلد آخر (تخريجه)(م. والثلاثة. وغيرهم)(الأحكام) احتج بحديث كريب هذا من قال إنه لا يلزم أهل بلد رؤية أهل بلد آخر، ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في المراد بقوله "هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم" فقال بعضهم يشير إلى قوله في الحديث (فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإكمال الشهر ثلاثين يوما إن لم يروا الهلال، وقال بعضهم أمرنا أن لا نعمل برؤية أهل بلد آخر، وقال الشيخ تقى الدين في شرح العمدة ويمكن أنه أراد بذلك هذا الحديث العام يعني قوله صلى الله عليه وسلم (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه) لا حديثا خاصًا بهذه المسألة، قال وهو الأقرب عندي أهـ وقد حكى ابن المنذر هذا المذهب (يعني عدم العمل برؤية أهل بلد آخر) عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق بن راهوية وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكاه الماوردي وجهًا في مذهب الشافعي (وقال آخرون) إذا رؤى ببلدة لزم أهل جميع البلاد الصوم وهو مذهب الأئمة (مالك وأبي حنيفة وأحمد والليث بن سعد) وحكاه ابن المنذر عن أكثر الفقهاء، وبه (قال بعض الشافعية) فإنهم قالوا إن تقاربت البلدان فحكمهما حكم البلد الواحد، وإن تباعدتا فوجهان. أصحهما عند الشيخ أبي حامد والشيخ أبي إسحاق والغزالي والأكثرين أنه لا يجب الصوم على أهل البلد الآخر، والثاني الوجوب، وإليه ذهب القاضي أبو الطيب والروياني، وقال أنه ظهر المذهب واختاره جميع أصحابنا، وحكاه البغوى عن الشافعي نفسه، وعلى الأول ففي ضبط البعد أوجه (أحدها) وبه قطع العراقيون والصيدلاني وغيرهم أن التباعد أن تختلف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان، والتقارب أن لا تختلف كبغداد والكوفة والرى وقزوين؛ وصححه النووي في الروضة والمنهاج وشرح المهذب (والثاني) أن التباعد مسافة القصر، وبهذا قطع إمام الحرمين وادعى الاتفاق عليه، والغزالي والبغوي وصححه الرافعي في شرحه الصغير والمحرر، والنووي في شرح مسلم (والثالث) اعتباره باتحاد الأقاليم واختلافه، وحكى السرخسى وجها آخر إن كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض يلزمهم دون غيرهم (وقال ابن الماجشون) من المالكية إن ثبت بأمر شائع لزم البعيد، وإن ثبت عند الحاكم بشهادة شاهدين كسائر الأحكام لم يلزم من خرج من ولايته إلا أن يكون أمير المؤمنين فيلزم القضاء جماعتهم إذا كتب بما عنده من شهادة أو رؤية إلى من لا يثبت عنده، حكاه ابن شاش في الجواهر أهـ. (وقال الشوكاني) واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده

ص: 271

-[مذاهب العلماء في أنه هل يعتبر، اختلاف المطالع في رؤية الهلال]-

.....

الذي فهم عنه الناس، والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين. والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ "لا تصوموا حتى تروا الهلال. ولا تفطروا حتى تروه. فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وهذا لا يختلف بأهل ناحية على جهة الانفراد؛ بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم، ولو سلم توجه الإشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدا بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع، وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة، ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك عالم أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها، وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل، ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوما. أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوما لوروده على خلاف القياس. ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمعنى لفظه حتى تنظر في عمومه وخصوصه، إنما جاءنا بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد. ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم. فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الألحاق به، فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم، ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا نعقلها، ولو سلم صحة الألحاق وتخصيص العموم به فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر، وأما في أقل من ذلك فلا، وهذا ظاهر. فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية، (والذي ينبغي اعتماده) هو ما ذهب إليه المالكة وجماعة من الزيدية واختاره المهدي منهم، وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها، ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الأجماع، قال لأنهم قد أجمعوا على أنه لا ترعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس، وذلك لأن الاجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة أهـ (قلت) يريد بالجماعة (أبا حنيفة ومالكا وأحمد بن حنبل) رحمهم الله والله أعلم

ص: 272

-[سبب قوله صلى الله عليه وسلم تم الشهر تسعا وعشرين]-

(9)

باب ما جاء خاصا ينقص الشهر مع قوله صلى الله عليه وسلم شهران لا ينقصان

(56)

عن ابن عباس رضى الله عنهما أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم فقال تم الشهر تسعًا وعشرين (1)

(57)

عن إسحاق بن سعيدٍ عن أبيه قال قيل لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين رؤى هذا الشهر لتسع وعشرين، قالت وما يعجبكم (2) من ذاك؟ لما صمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمت ثلاثين

(58)

عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال ما صمت (3) مع رسول الله

(56) عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عمرو بن الهيثم ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الحكم عن ابن عباس - الحديث" (غريبة)(1) سبب هذا الحديث جاء مصرحا به في رواية أخرى من حديث ابن عباس أيضا عند الأمام أحمد قال هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا، فلما مضى تسع وعشرون أتاه جبريل فقال فقد برت يمينك وقد تم الشهر، وستأتي هذه الرواية في كتاب الأيلاء إن شاء الله تعالى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد.

(57)

عن إسحاق بن سعيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم ابن القاسم قال ثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه - الحديث" (غريبه) (2) بفتح العين المهملة وكسر الجيم المشددة، من التعجب وهو انفعال النفس لزيادة وصف في المتعجب منه، والمعنى وأي شيء في هذا تتعجبون منه "وقولها لما صمت" اللام واقعة في جواب قسم مقدر وما مصدرية أو موصولة، والمعنى والله لصومي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان تسعا وعشرين أكثر من صومي له ثلاثين مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو للذي صمته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ أي فلا تتعجبوا من ذلك (تخريجه)(هق. قط) وقال إسناده صحيح حسن (قلت) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح

(58)

عن ابن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المنذر ثنا عيسى بن دينار الخزاعى قال حدثني أبي أنه سمع عمرو بن الحارث الخزاعي يقول سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول ما صمت إلخ (غريبه)(3) هكذا وقع في

ص: 273

-[تفسير قوله صلى الله عليه وسلم شهران لا ينقصان]-

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمت معه ثلاثين

(59)

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شهران لا ينقصان (1) في كل واحدٍ منهما عيد، رمضان. وذو الحجة (2)

هذه الرواية عند الأمام أحمد ومثلها عند الترمذي "ما صمت" بدون لام قبل الميم. ووقع في رواية أبي داود باللام كما في رواية عائشة عند الإمام أحمد وتقدم الكلام على ذلك (قال أبو الطيب السندي) في شرح الترمذي كلمة "ما" تحتمل أن تكون في الموضعين موصولة والعائد محذوف، والتقدير ما صمته حال كونه تسعا وعشرين أكثر مما صمته حال كونه ثلاثين، فيكون تسعا وعشرين وكذلك ثلاثين حالا من ضمير المفعول المحذوف الراجع إلى رمضان المراد بالموصول؛ وعلى التقديرين قوله أكثر مرفوع على الخبرية (والحاصل) أن الأشهر الناقصة أكثر من الوافية، وأما القول بأن كلمة "ما" الأولى نافية وعلى هذا التقدير يكون قوله أكثر منصوبا ويكون الحاصل أن الناقص ما كان غالبا على الوافي فبعيد، ويؤيد هذا البعد ما قاله الشيخ ابن حجر (يعني الحافظ بن حجر العسقلاني) قال بعض الحفاظ صام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، منها رمضانان فقط ثلاثون (وقال النووي) وقد يقع النقص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة، ولا يقع أكثر من أربعة أهـ كلام السندي باختصار (تخريجه)(د. مذ. هق. قط) وسكت عنه أبو داود والمنذرى. فهو صالح للاحتجاج به

(59)

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال سمعت خالد الحذاء يحدث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة - الحديث" (غريبه) (1) جاء في معنى ذلك أقوال كثيرة للعلماء سنذكرها في الأحكام، وقال النووي الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المترتب عليهما وإن نقص عددهما "يعني في الأيام" (2) إطلاق شهر العيد على ذي الحجة ظاهر. وعلى رمضان من ضروب المجاز لعلاقة المجاورة (تخريجه)(ق. د. مذ. جه. هق. طح)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين وهذا حق لا شك فيه والواقع يؤيده، بل الغالب أن يكون تسعًا وعشرين أكثر من كونه ثلاثين كما في أحاديث الباب، أما قوله صلى الله عليه وسلم شهران لا ينقصان فليس المراد منه نقص الأيام، بل المراد والله أعلم لا ينقصان في أحر العبادة المشروعة فيهما بسبب نقصهما في الأيام بل الأجر فيهما واحد سواء نقصًا

ص: 274

-[كلام العلماء في نقص الشهر ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم شهران لا ينقصان]-

(10)

باب وجوب النية في الصوم من الليل

(وحكم من وجب عليه الصوم في أثناء الشهر أو اليوم)

(60)

عن حفصة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

أم كملا، فلا منافاة بين هذا الحديث وبين الأحاديث التي ثبت فيها نقص الأيام، وللعلماء في ذلك أقوال (قال الترمذي) رحمه الله بعد إيراد هذا الحديث بلفظ "شهرًا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة" حاكيا عن الأمام أحمد أنه قال معنى هذا الحديث "شهرًا عيد لا ينقصان" يقول لا ينقصان معًا في سنة واحدة، شهر رمضان وذو الحجة، إن نقص أحدهما تم الآخر، (وقال إسحاق) معناه لا ينقصان يقول وإن كان تسعًا وعشرين فهو تمام غير نقصان، وعلى مذهب إسحاق يكون ينقص الشهران معًا في سنة واحدة انهى كلام الترمذي، ومعناه على ما ذهب إليه الأمام أحمد رحمه الله إن جاء أحد الشهرين تسعا وعشرين جاء الآخر ثلاثين، وعلى ما ذهب إليه إسحاق بن راهويه رحمه الله إن كان تسعا وعشرين فهو تمام غير نقصان أي فهو تام في الفضيلة غير ناقص مع جواز نقصانهما في الأيام معا في سنة واحدة، (وفي صحيح البخاري) وقال أبو الحسن كان إسحاق بن راهويه يقول لا ينقصان في الفضيلة إن كان تسعة وعشرين أو ثلاثين أهـ. (وذكر ابن حبان) لهذا الحديث معنيين أحدهما ما قال إسحاق والآخر أنهما في الفضل سواء لقوله في الحديث الآخر "ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة"(وقيل) معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة (وقيل) معناه لا ينقصان في الأحكام، وبهذا جزم البيقهي وقبله الطحاوي فقال معنى لا ينقصان أي الأحكام فيهما وإن كانا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين (وقيل) معناه لا ينقصان في نفس الأمر، لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع، وهذا أشار إليه ابن حبان أيضًا وهو بعيد (وقيل) معناه لا ينقصان معًا في سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب وإن ندر وقوع ذلك، وهذا أعدل مما تقدم، لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كل منهما تسعًا وعشرين، هذا تلخيص ما قاله الحافظ (وقال النووي) رحمه الله الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المترتب عليهما وإن نقص عددهما (وقيل) معناه لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة غالبا (وقيل) لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان لأن فيه المناسك حكاه الخطابي وهو ضعيف، والأول هو الصواب المعتمد، ومعناه "أن قوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وقوله "من قام رمضان إيمانا واحتسابا" وغير ذلك؛ فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص أهـ والله أعلم

(60)

عن حفصة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى قال

ص: 275

-[حجة القائلين بوجوب نية الصوم من الليل في الفرض والنفل]-

قال من لم يجمع (1) الصيام مع الفجر فلا صيام له

ثنا ابن لهيعة ثنا عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب عن سالم عن حفصة - الحديث" (غريبه) (1) بضم أوله من أجمع يجمع إجماعا، والأجماع معناه إحكام النية والعزيمة، يقال أجمعت الرأى وأزمعته وعزمت عليه، بمعنى أن من لم يصمم العزم على الصوم مع أول ظهور الفجر أو قبله فلا صيام له، وإنما قلنا أو قبله لما ورد عند أبي داود والترمذي بلفظ "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" وظاهره التعارض مع لفظ حديث الباب، ولا معارضة، لأن الجمع ممكن يحمل رواية قبل الفجر على عدم ظهوره جليا، أي قبل ظهوره ظهورًا واضحا، وحمل رواية مع الفجر على ابتداء ظهوره، ويؤيد هذا التأويل قوله عز وجل "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" فقد أباح لنا الأكل والشرب ونحوهما حتى يظهر ابتداء الفجر، وهذا غاية وقت النية، وليس المراد أنها لا تصح إلا في هذا الوقت، بل المراد أنها لا تصح بعده وتصح من أول الليل وإن كان يأكل ويشرب ويطأ النساء إلى ابتداء ظهور الفجر، وظاهر هذا الحديث أن من لم تقع منه النية في هذا الوقت أعنى من أول الليل إلى ابتداء ظهور الفجر لا يصح صومه سواء أكان فرضا أم نفلا، وفي ذلك خلاف بين الأئمة سيأتي تفصيله في الأحكام إن شاء الله تعالى (تخريجه)(الأربعة. قط. خز. حب) وصححاه مرفوعا (قال الحافظ) في التلخيص واختلف الأئمة في رفعه ووقفه، فقال ابن أبي حاتم عن أبيه لا أدرى أيهما أصح، يعني رواية يحيي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم. أو رواية إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بغير واسطة الزهري لكن الوقف أشبه؛ وقال أبو داود لا يصح رفعه، وقال الترمذي الموقوف أصح، ونقل في العلل عن البخاري أنه قال هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب والصحيح عن ابن عمر موقوف، وقال النسائي الصواب عندي موقوف ولم صح رفعه، وقال أحمد ماله عندي ذلك الإسناد، وقال الحاكم في الأربعين صحيح على شرط الشيخين، وقال في المستدرك صحيح على شرط البخاري، وقال البيهقي رواته ثقات إلا إنه روى موقوفًا؛ وقال الخطابي أسنده عبد الله بن أبي بكر والزيادة من الثقة مقبوله، وقال ابن حزم الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة، وقال الدارقطني كلهم ثقات أهـ كلام الحافظ في التلخيص (قال الشوكاني) وقد تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح أن الرفع من الثقة زيادة مقبولة وإنما قال ابن حزم إن الاختلاف يزيد الخبر قوة لأن من رواه مرفوعا فقد رواه موقوفا باعتبار الطرق أهـ والله أعلم

ص: 276

-[حجة القائلين بجواز النية في صوم النفل نهارًا]-

(61)

عن عائشة بنت طلحة (1) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم (2) فيقول أصبح عندكم شيء تطعمو نيه؟ فتقول لا، ما أصبح عندنا شيء كذاك، فيقول إني صائم، ثم جاءها بعد ذلك (وفي رواية ثم جاء يومًا آخر) فقالت أهديت لنا هدية فخبأناها لك، قال ما هي؟ قالت حيس (3) قال قد أصبحت صائمًا فأكل (4)

(62)

عن خالد بن ذكوان قال سألت الربيع (5) بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها عن صوم عاشوراء فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء من أصبح منكم صائمًا؟ قال قالوا منا الصائم ومنا المفطر، قال فأتموا بقية يومكم وأرسلوا إلى من حول المدينة فليتموا بقية يومهم (وعنه

(61) عن عائشة بنت طلحة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيي عن طلحة بن يحيي قال حدثني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين - الحديث" (غريبه) (1) قال الحافظ في التقريب عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أم عمران كانت فائقة الجمال وهي ثقة من الثالثة أهـ (2) يعني نفلا (3) بفتح الحاء المهملة وسكون الياء التحتية. تمر مخلوط بسمن وأقط. وقيل طعام يتخذ من الزبد والتمر والأقط، وقد يبدل الأقط بالدقيق والزبد والسمن. وقد يبدل السمن بالزيت، قاله القارئ (4) زاد النسائي بعد قوله (فأكل) فعجبت منه فقلت يا رسول الله دخلت علي وأنت صائم ثم أكلت حيسا، قال نعم يا عائشة. إنما منزلة من صام في غير رمضان أو غير قضاء رمضان أو في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة ماله فجاد منها بما شاء فأمضاه وبخل منها بما بقى فأمسكه، وفي رواية أخرى للنسائي أيضا فأكل منه ثم قال "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" (تخريجه)(م. والأربعة. هق. قط)

(62)

عن خالد بن ذكوان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن عاصم قال أنا خالد بن ذكوان - الحديث" (غريبه)(5) بتشديد الياء مصغرا. ومعوذ بضم أوله وفتح العين المهملة وبكسر الواو المشددة، وهو ابن عون ويعرف بابن عفراء

ص: 277

-[من وجب عليه الصوم في أثناء اليوم فليصم بقية اليوم]-

من طريقٍ ثانٍ) (1) قال حدثني ربيع بنت معوذٍ قالت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم في قري الأنصار قال من كان منكم صائمًا فليتم صومه ومن كان أكل فليصم (2) بقية عشية يومه

(63)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

(64)

عن عبد الرحمن أبي المنهال بن مسلمة الخزاعي عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم قال لأسلم (3) صوموا اليوم قالوا إنا

(1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا خالد بن ذكوان قال حدثني ربيع بنت معوذ الحديث (2) في رواية لمسلم من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل (وله في أخرى) كرواية حديث الباب (قال النووي) ومعنى الروايتين أن من كان نوى الصوم فليتم صومه، ومن كان لم ينو الصوم ولم يأكل أو أكل فليمسك بقية يومه حرمة لليوم كما لو أصبح يوم الشك مفطرًا ثم ثبت أنه من رمضان يجب إمساك بقية يومه حرمة لليوم أهـ (تخريجه)(ق. وغيرهما) زاد الشيخان في رواية عندهما "فكنا بعد ذلك نصومه ونصوممه صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه"(وفي لفظ مسلم) ونضع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم (قال البخاري) وقال عمر لنشوان في رمضان ويلك وصبياننا صيام وضربه (العهن) أي الصوف يل هو المصبوغ منه (نشوان) بفتح النون وسكون المعجمة كسكران وزنا ومعنى وجمعه نشاوى كسكارى، قال ابن خالويه سكر الرجل فانتشى وثمل بمعنى

(63)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو جعفر ثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه حبيب بن عبد الله عن شبيل عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم صائما يوم عاشوراء، فقال لأصحابه من كان أصبح منكم صائمًا فليتم صومه ومن كان أصاب من غداء أهله فليتم بقية يومه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه حبيب بن عبد الله الأزدي لم يرو عنه غير ابنه

(64)

عن عبد الرحمن أبي المنهال (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد وحجاج قالا ثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن المنهال أو ابن مسلمة عن عمه قال حجاج عن عبد الرحمن أبي المنهال - الحديث" (غريبه)(3) إسم قبيلة من

ص: 278

-[زوائد الباب وفيها أن وفد ثقيف أسلموا في رمضان ثم صاموا بقية الشهر]-

قد أكلنا قال صوموا بقية يومكم (1) يعني يوم عاشوراء

قبائل مختلفة (وقوله صوموا اليوم) يعني يوم عاشوراء كما سيأتي في آخر الحديث (1) يعني أمسكوا عن الفطر بقية اليوم واقضوه بعد كما صرح بذلك في رواية لأبي داود، وقد احتج به من قال إن صيام يوم عاشوراء كان واجبا، قال الخطابي أمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء للاستحباب وليس بأيجاب لأن لأوقات الطاعات أذمة ترعى ولا تهمل فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرشدهم إلى ما فيه الفضل والحظ لئلا يغفلوه عند مصادفتهم وقته أهـ بتصرف (تخريجه)(د. نس. مذ. طح) وسنده جيد وأخرج نحوه البخاري والبيهقي والدرامي والأمام أحمد أيضًا، وسيأتي في باب فضل يوم عاشوراء وتأكد صومه عن سلمة بن الأكوع "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من أسلم أن يؤذن في الناس يوم عاشوراء من كان صائما فليتم صومه ومن كان أكل فلا يأكل شيئا وليتم صومه"(زوائد الباب) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يبت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له، رواه البيهقي وقال قال أبو الحسن الدارقطني تفرد به عبد الله بن عباد عن المفضل بهذا الإسناد وكلهم ثقات (قلت) قال الذهبي في ميزان الاعتدال عبد الله بن عابد البصري نزل مصر وحدث عن مفضل بن فضالة ضعيف، قال ابن حبان روى عنه أبو الزنباع روح نسخة موضوعة أهـ وذكره ابن حبان في الضعفاء (وعن ميمونة بنت سعد) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أجمع الصيام من الليل فليصم، ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم، رواه الدارقطني وفي إسناده الواقدي (وعن نافع) أن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كان يقول لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر (وعن ابن شهاب عن عائةش وحفصة) رضي الله عنهما بمثل ذلك، رواهما الإمام مالك في الموطأ وعن سفيان بن عبد الله بن ربيعة) قال حدثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام ثقيف قال وقدموا عليه في رمضان وضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقى عليهم من الشهر، رواه ابن ماجة وسنده حسن (وفي صحيح البخاري) تعليقا وقالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول عندكم طعام. فإن قلنا لا قال فإني صائم يومي هذا وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم (قال الحافظ عن أثر أبي الدرداء) وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أم الدرداء قالت كان أبو الدرداء يغدونا أحيانا ضحى فيسأل الغداء فربما لم يوافقه عندنا فيقول إذًا أنا صائم؛ وذكر الحافظ له طرقا أخرى عند عبد الرزاق قال (وأما أثر أبي طلحة) فوصله عبد الرزاق من طريق قتادة وابن أبي شيبة من طريق حميد كلاهما عن أنس، ولفظ قتادة أن أبا طلحة كان يأتي أهله

ص: 279

-[مذاهب الأئمة في تبييت نية الصيام من الليل]-

.....

فيقول هل من غداء فإن قالوا لا صام يومه ذلك، قال قتادة وكان معاذ بن جبل يفعله، ولفظ حميد نحوه، وزاد وإن كان عندهم أفطر ولم يذكر قصة معاذ (وأما أثر أبي هريرة) فوصله البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن حمزة (1) عن يحيي عن سعيد بن المسيب قال رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول عندكم شيء؟ فإن قالوا لا قال فأنا صائم، ورواه عبد الرزاق بسند آخر فيه انقطاع أن أبا هريرة وأبا طلحة فذكر معناه (وأما أثر ابن عباس) فوصله الطحاوي من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يصبح حتى يظهر، ثم يقول والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم ولأصومن يومي هذا (وأما أثر حذيفة) فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن عبيدة عن عبد الرحمن السامي قال قال حذيفة "من بدا له الصيام بعدما تزول الشمس فليصم" وفي رواية ابن أبي شيبة أن حذيفة بدا له في الصوم بعد ما زالت الشمس فصام أهـ (الأحكام) حديث حفصة الأول من أحاديث الباب مع حديثي عائشة وميمونة بنت سعد وأثر ابن عمر المذكورة في الزوائد تدل على وجوب تبييت نية الصوم وإيقاعها في أي جزء من الليل، وظاهرها سواء أكان الصوم فرضا أم نقلا (قال الشوكاني) وقد ذهب إلى ذلك ابن عمر وجابر بن يزيد من الصحابة؛ والناصر والمؤيد بالله ومالك والليث وابن أبي ذئب ولم يفرقوا بين الفرض والنفل، وقال أبو طلحة (وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل) والهادي والقاسم إنه لا يجب التبييت في التطوع، ويروى عن عائشة أنها تصح النية بعد الزوال، وروى عن علي عليه السلام والناصر (وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي) أنها لا تصح النية بعد الزوال (وقالت الهادوية وروى عن علي وابن مسعود والنخعي) أنه لا يجب التبييت إلا في صوم القضاء والنذر المطلق والكفارات وأن وقت النية في غير هذه (يعني المذكورات من القضاء والنذر المطلق والكفارات) من غروب شمس اليوم الأول إلى بقيةٍ من نهار اليوم الذي صامه (وقد استدل القائلون بإنه لا يجب التبييت) بحديث سلمة بن الأكوع والربيع عند الشيخين (قلت والأمام أحمد أيضا) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس إذ فرض صوم عاشوراء (الأكل من أكل فليمسك ومن لم يأكل فليصم)(وأجيب) بأن خبر حفصة متأخر فهو ناسخ لجوازها في النهار، ولو سلم عدم النسخ فالنية إنما صحت في نهار عاشوراء لكون الرجوع إلى الليل غير مقدور (يعني غير ممكن) والنزاع فيما كان مقدورا، فيخص الجواز بمثل هذه الصورة، أعني من ظهر له وجوب الصيام عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبى يحتلم والكافر يسلم، وكمن انكشف له في النهار أن ذلك اليوم من رمضان،

_________

(1)

قوله عن حمزة - في نسخة عن عمر بن نجيح وفي أخرى عن عثمان بن نجيح

ص: 280

-[مذهب الجمهور عدم وجوب تبييت النية من الليل في صوم التطوع]-

.....

(والحاصل) أن قوله لا صيام نكرة ف سياق النفي فيغم كل صيام ولا يخرج عنه إلا ما قام الدليل على أنه لا يشترط فيه التبييت، والظاهر أن النفي متوجه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الذات، أو متوجه إلى نفي الذات الشرعية فيصلح الحديث للاستدلال به على عدم صحة صوم من لا يبيت النية إلا ما خص كالصورة المتقدمة (يعني من ظهر له وجوب الصيام عليه من النهار كالمجنون الخ) والحديث أيضًا يرد على الزهري وعطاء وزفر لأنهم لم يوجبوا النية في صوم رمضان وهو يدل على وجوبها، ويدل أيضًا على الوجوب حديث "إنما الأعمال بالنيات" والظاهر وجوب تجديدها لكل يوم لأنه عبادة مستقلة مسقطة لفرض وقتها، وقد وهم من قاس أيام رمضان على أعمال الحج باعتبار التعدد للأفعال لأن الحج عمل واحد ولا يتم إلا بفعل ما اعتبره الشارع من المناسك والأخلال بواحد من أركانه يستلزم عدم أجزائه أهـ (وفي حديث عائشة الثاني من أحاديث الباب) دلالة لمن قال إنه لا يجب تبييت النية في صوم التطوع وهم الجمهور، ومنهم الأئمة (أبو حنيفة والشافعي وأحمد) وأجاب عنه الموجبون لتنييتها في الفرض والنفل بأنه صلى الله عليه وسلم قد كان نوى الصيام من الليل وإنما أراد الفطر لما ضعف عن الصوم، وهو محتمل. لاسيما على رواية "فلقد أصبحت صائما" ولو سلم عدم الاحتمال كان غايته تخصيص صوم التطوع من عموم قوله "فلا صيام" وهو ما ذهب إليه الجمهور (وفيه أيضًا) دلالة على أنه يجوز للمتطوع بالصوم أن يفطر ولا يلزمه الاستمرار على الصوم وإن كان أفضل بالاجماع، وظاهره أن من أفطر في التطوع لم يجب عليه القضاء، وإليه ذهب الجمهور (وقال أبو حنيفة ومالك والحسن البصري ومكحول والنخعي) إنه لا يجوز للمتطوع الأفطار ويلزمه القضاء إذا فعل واستدلوا على وجوب القضاء بما وقع في رواية للدارقطني والبيهقي من حديث عائشة بلفظ "واقضى يوما مكانه" ولكنهما قالا هذه الزيادة غير محفوظة، هذا (وحديث الربيع بنت معوذ) الثالث من أحاديث الباب مع زيادته التي رواها الشيخان وذكرناها في تخريج الحديث وهي قول الربيع (فكنا بعد ذلك نصومه ونصومه صبياننا الصغار منهم إلخ) يدل على أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان، وعلى أنه يستحب أمر الصبيان بالصوم للتمرين عليه إذا أطاقوه، وقد قال باستحباب ذلك جماعة من السلف منهم (ابن سيرين والزهري والشافعي) وغيرهم، واختلف الشافعية في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام، فقيل سبع سنين. وقيل عشر (وبه قال الإمام أحمد) وقيل اثنتا عشرة سنة (وبه قال إسحاق) وقال الأوزاعي إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم، والمشهور عن (المالكية) أن الصوم لا يشرع في حق الصبيان، والحديث يرده، لأنه يبعد كل البعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأخرج ابن خزيمة من

ص: 281

-[المذاهب في حكم صوم الصبيان والكافر إذا أسلم في رمضان ومن وجب عليه الصيام]-

.....

حديث رزينة "بفتح الراء وكسر الزاي" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر برضعائه ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل، وقد توقف ابن خزيمة في صحته (قال الحافظ) وإسناده لا بأس به (قال الشوكاني) وهو يرد على القرطبي قوله "لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة" أهـ مع أن الصحيح عند أهل الأصول والحديث أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حكمه الرفع، لأن الظاهر إطلاعه عليه مع توفر دواعيهم إلى سؤالهم إياه عن الأحكام. مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه لأنه إيلام لغير مكلف فلا يكون إلا بدليل "ومذهب الجمهور) أنه لا يجب الصوم على من دون البلوغ، (وذكر الهادي) في الأحكام أنه يجب على الصبي الصوم بالأطاقة لصيام ثلاثة أيام، واحتج لذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله، وهذا الحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وقال أخرجه المرهبي عن ابن عباس ولفظه "تجب الصلاة على الغلام إذا عقل والصوم إذا أطاق. والحدود والشهادة إذا احتلم" وقد حمل المرتضى كلام الهادي على لزوم التأديب، وحمله السادة الهارونيون على أنه يؤمر بذلك تعويدًا وتمرينًا أهـ (وفي حديث سفيان بن عبد الله) المذكور في الزوائد دلالة على وجوب الصيام على من أسلم في رمضان، أي يجب عليه صوم بقية الشهر، ولا أعلم في ذلك خلافا (وفي حديث عبد الرحمن أبي المنهال) الأخير من أحاديث الباب دلالة على أنه يجب الأمساك على من وجب عليه الصوم في أثناء اليوم كالمغمى عليه إذا أفاق والكافر إذا أسلم. والحائض إذا ظهرت. والصبي إذا احتلم. لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصوم بقية اليوم وكان صوم عاشوراء واجبا (وفيه) أنه يجب عليه القضاء لذلك اليوم وغن لم يكن مخاطبا بالصوم في أوله لما في رواية أبي داود "فأتموا بقية يومكن واقضوا" (قال الحافظ) وعلى تقريران لا يثبت هذا الحديث في الأمر بالقضاء فلا يتعين القضا، لأن من لم يدرك اليوم بكماله لا يلزمه القضاء كمن بلغ أو أسلم في أثناء النهار أهـ (وقال صاحب المنتقى) بعد أن ساق حديث الربيع وحديثى سفيان وعبد الرحمن ما لفظه "وهذا حجة في أن صوم عاشوراء كان واجبا وأن الكافر إذا أسلم أو بلغ الصبي في أثناء يومه لزمه إمساكه وقضاؤه، ولا حجة فيه على سقوط تبييت النية لأن صومه إنما لزمه في أثناء اليوم" أهـ والله سبحانه وتعالى أعلم

_________

(تم الجزء التاسع من كتاب الفتح الرباني)

_________

(مع شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني)

ويليه الجزء العاشر وأوله (أبواب الأفطار والسحور وآدابهما وما يتعلق بهما)

نسأل الله الأعانة على التمام

وحسن الختام

آمين

ص: 282