الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: العرف:
العرف هو: الشيء المعروف المألوف المستحسن الذي تتلقاه العقول السليمة بالقبول ومنه قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ويفهم من هذا التعريف أنه لا يتحقق وجود العرف في أمر من الأمور إلا إذا كان مطردًا بين الناس في المكان الجاري فيه أو غالبًا بحيث يكون معظم أهل هذا المكان يرعونه ويجرون على وفقه كتعارف الناس اليوم مثلًا في بلاد الشام على أن المهر الذي يسمى للمرأة في عقد النكاح يكون ثلثاه معجلًا وثلثه مؤجلًا إلى ما بعد الوفاة أو الطلاق، فيجب أن يتحقق في تكوين العرف اعتقاد مشترك بين الجمهور وهذا لا يكون إلا في حالة الاطراد أو الغلبة على الأقل وإلا كان تصرفًا فرديًّا لا عرفًا.
وإذا كان العرف والعادات إلى اليوم تعد في نظر الحقوقيين مصدرًا من أهم المصادر للقوانين الوضعية ذاتها، فيستمد منه واضعوها كثيرًا من الأحكام المتعارفة، ويبرزونها في صورة نصوص قانونية يُزَال بها الغموض والإبهام الذي لا يجليه العرف في بعض الحالات، فإن الشريعة الإسلامية كذلك جاءت فأقرت كثيرًا من التصرفات والحقوق المتعارفة بين العرب قبل الإسلام وهذبت كثيرًا ونهت عن كثير من تلك التصرفات، كما أتت بأحكام جديدة استوعبت بها تنظيم الحقوق والالتزامات بين الناس في حياتهم الاجتماعية على أساس وفاء الحاجة والمصلحة والتوجيه إلى أفضل الحلول والنظم لأن الشرائع الإلهية إنما تبغي بأحكامها المدنية تنظيم مصالح البشر وحقوقهم فتقر من عرف الناس ما تراه محققًا لغايتها وملائمًا لأسسها وأساليبها.
ومعظم العلماء يستدلون على مكانة العرف الفقهية في بناء الأحكام الشرعية بأثر قد روى عن عبد الله بن مسعود وهو من كبار فقهاء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» ، والاجتهادات الفقهية في الإسلام متفقة على اعتبار العرف وإن كان بينها شيء من التفاوت في حدوده ومداه، وقد أقام الفقهاء -وخاصة منهم رجال المذهب الحنفي- كبير وزن للعرف في ثبوت الحقوق وانتهائها بين الناس في نواحي شتى من المعاملات وضروب التصرفات، واعتبروا العرف والعادة أصلًا هامًّا ومصدرًا عظيمًا واسعًا تثبت الأحكام الحقوقية بين الناس على مقتضاه في كل ما لا يصادم نصًّا تشريعيًّا خاصًّا يمنعه فالعرف دليل شرعي كاف في ثبوت الأحكام الإلزامية والالتزامات التفصيلية بين الناس حيث لا دليل سواه بل إنه يترك به القياس إذا عارضه لأن القياس المخالف في نتيجته للعرف الجاري يؤدي إلى حرج فيكون ترك الحكم القياسي والعمل بمقتضى العرف هو من قبيل الاستحسان المقدم على القياس، أما إذا عارض العرف نصًّا تشريعيًّا آمرًا بخلاف الأمر المتعارف عليه كتعارف الناس في بعض الأوقات على تناول بعض المحرمات كالخمور وأكل الربا
فعرفهم مردود عليهم لأن اعتباره إهمال لنصوص قاطعة، واتباع للهوى وإبطال للشرائع.