المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة الصلاة في الدار المغصوبة] - الفوائد الأصولية - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢٤

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌[مسألة الصلاة في الدار المغصوبة]

ويوضح لك هذا: أنّ الحجة على عدم حُجيّة اللقب إنّما هي، أنّه أي الّلقب إنما يُذْكَر ليصحّ الكلام، إذ لو حُذِفَ لَمَا أمكن تصحيح الكلام المقصود، بخلاف مفهوم الصّفة، فإنّه ظاهر أنّه يصح الكلام بدونه، فإذا حذف «زيد» من قولك:«على زيد زكاة» ، لم يصح الكلام بخلاف حذف «سائمة» من قوله:«في سائمة الغنم زكاة» .

ولذلك شرطوا في حُجيّة مفهوم الصّفة، أن لا يظهر لذكره فائدة غير نفي حكم غيره.

ولا شكّ أنّه لو أراد حذف لفظ (تربة) من قوله: «وجعلت تربتها طهورًا» لصحَّ الكلام بقوله: وجعلت طهورًا.

فانظر أي فائدة لذكر لفظ (تربة)؟ وهل هو إلاّ عبث بحت إن لم يكن لبيان أنّ التربة هي المختصة

(1)

.

* * * *

[مسألة الصلاة في الدار المغصوبة]

الحمد لله.

أهم ما استدلَّ به الأصوليون على صحة الصلاة في الدار المغصوبة أمران: الإجماع والنظر.

فأما النظر فمثَّلوه بالعبد إذا أمره سيِّدُه بالخياطة ونهاه عن دخول الدار،

(1)

مجموع [4715].

ص: 304

فدخل الدار وخاط فيها. قالوا: فإنه لا خلاف أن العبد قد فعل ما أمره به سيِّده من الخياطة، وإن كان قد عصاه في دخول الدار.

وأقول: إن هذا الإلزام مغالطة لوضوح الفرق؛ فإن المأمور به في المثال ــ وهي الخياطة ــ ليست كالمأمور به في صورة المسألة، وهي الصلاة. وذلك أننا نعلم أن السيد إنما أمر عبدَه بالخياطة لتحصيل مطلوبه، وهو خياطة الثوب، وقد حصل تامًّا بلا نقص حتى لو لم يقصد العبد امتثال أمره، وإنما قصد التمرُّن على الخياطة مثلًا، أو مباهاة خائطٍ آخر أو غير ذلك.

وليس الصلاة كذلك؛ فإن حصول صورة أفعالها لا يستلزم حصولها، فلو صلَّى الرجل بنيَّة حكاية مُصلٍّ آخر على سبيل السخرية منه، أو يقصد الحركات الرياضية = لم يُعد مصلِّيًا.

والحاصل أن الخياطة مصلحة محسوسة محدودة. والمفروض في المثال أنها وقعت تامَّةً كاملة من كلِّ وجه.

وأما الصلاة فإنما هي عبادة، الغالب فيها أمر معنوي، وهو الطاعة، ولا يُحكم بتمامها إلا إذا وُجد هذا المعنى أيضًا. ووجود هذا المعنى هو المنازَع فيه.

وأما الإجماع فقالوا: إن الغصب لم يزل معروفًا في الأمَّة، ولم يُنقل عن أحد من السلف أنه كان يأمر الغاصبين بقضاء الصلوات التي صلَّوها في الأمكنة المغصوبة.

وأجيب عنه بأن الإمام أحمد بن حنبل يرى بطلان الصلاة ويمتنع أن يجهل هذا الإجماع.

ص: 305

ورُدَّ بأنه لا يرى الحجَّة إلا إجماعَ الصحابة، ولا يحتجُّ بالإجماع ما لم يثبت بالنقل الثابت عن كلِّ فرد من المعتبرين في الإجماع.

وأقول: ما حكوه عنه من مذهبه في الإجماع هو جواب عن الإجماع، أعني أن مِنْ شَرْط الإجماع النقلَ عن جميع المعتبرين، ولم يوجد. بل شَرَط جماعة ــ منهم الغزالي ــ أن يكون النقل متواترًا عن كلِّ واحد.

وأما قولهم: لو كان خلافٌ لنُقل، فكلام ضعيف لا يخفى ضعفه على أحد، ثمَّ لعله نُقل ثم اندرس.

وألزم الغزاليُّ الإمامَ أحمدَ (مستصفى ج 1 ص 79) أن لا تحلَّ امرأة لزوجها وفي ذمَّته دانق ظلم، ولا يصح بيعه ولا صلاته ولا تصرُّفاته، ولا يحصل التحليل بوطءِ مَن هذا حاله؛ لأنه عصى بترك ردِّ المظلمة، ولم يتركها إلا بتزويجه وبيعه وصلاته وتصرفاته، فيؤدّي إلى تحريم أكثر النساء وفوات أكثر الأملاك، وهو خرق للإجماع قطعًا وذلك لا سبيل إليه.

أقول: قوله: ولم يتركها إلا بتزويجه

إلخ، لا يخفى ما فيه؛ فإن الاشتغال بالتزوُّج والبيع والصلاة والتصرُّفات غير داخل في ترك رد الدانق بحيث يُسمَّى تركًا، بخلاف أفعال الصلاة؛ فإنها من استعمال الدار المغصوبة بحيث تسمَّى استعمالًا. فلصاحب الدار أن يقول للغاصب: لماذا تصلِّي في بيتي؟ ولا يأتي نظير هذا في ظلم الدانق. نعم، له

(1)

أن يقول له: لماذا تصلِّي قبل أن تردَّ إليَّ دانقي، ولكن ليس هذا نظير ذاك

(2)

.

(1)

في الأصل: «نعم، له أن له» .

(2)

مجموع [4716].

ص: 306