الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغربية
للمرحوم الشريف السيد محمد عابدين تغمده الله برحمته واسكنه فسيح جناته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده * وصلى الله على من لا نبي بعده * وآله الطاهرين وصحابته اجمعين (وبعد) فيقول فقير رحمة ربه * واسير وصمة ذنبه محمد امين بن عمر عابدين قد عن لى الكلام على بعض الفاظ شاع استعمالها بين العلماء * وهي مما فى اعرابه أو معناه اشكال أو خفاء * بعبارات تحل العقال * وتوضح المقال (وسميتها الفوائد العجيبة * في اعراب الكلمات الغريبة)
(فأقول) والله المستعان * وعليه التكلان
(منها) قولهم هلم جرا فهلم بمعى تعال وهو مركب من هاء التنبيه ومن لم أي ضم نفسك الينا واستعمل استعمال البسيط يستوى فيه الواحد والجمع والتذكير والتأنيث عند الحجازيين كذا في القاموس وسبقه إلى ذكره صاحب الصحاح وتبعه السفاني فقالا تقول كان ذلك عام كذا وهلم جرا إلى اليوم انتهى ولا يخفى عدم جريان ما قاله في القاموس في مثل هذا وتوقف الجمال ابن هشام في كون هذا التركيب عربيا محضا وساق وجوه توقفه في رسالة له واجاب عن ذكره في الصحاح ونحوه وذكر ما للعلماء في اعرابه ومعناه وما يرد عليه ثم قال فلنذكر ماظهر لنا في توجيه هذا اللفظ بتقدير كونه عربيا فنقول هلم هذه هي القاصرة التي بمعنى أئت وتعال إلا ان فيها تجوزين (أحدهما) انه ليس المراد بالأتيان هنا المجئ الحسى بل الاستمرار على الشيء والمداومة عليه كما تقول امش على هذا الأمر وسر على هذا المنوال ومنه قوله تعالى (وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم) المراد بالانطلاق ليس الذهاب الحسى بل انطلاق الالسنة بالكلام ولهذا اعربوا ان تفسيرية وهى انما تأتى بعد جملة فيها معنى القول كقوله تعالى (فاوحينا إليه ان اصنع الفلك) والمراد بالمشى ليس المشى على الاقدام بل الاستمرار والدوام أي دوموا على عبادة اصنامكم واحبسوا انفسكم على ذلك (الثاني) انه ليس المراد الطلب حقيقة وإنما المراد الخبر وعبر عنه بصيغة الطلب كما في قوله تعالى (ولنحمل خطاياكم فليمدد له الرحمن مدا) وجرا مصدر جره يجره إذا سحبه ولكن ليس المراد الجر الحسى بل المراد التعميم كما استعمل السحب بهذا المعنى الا ترى انه يقال هذا الحكم منسحب على كذا أي شامل له فإذا قيل كان ذلك عام كذا وهلم جرا فكأنه قيل واستمر ذلك في بقية الاعوام استمرارا أو استمر مستمرا على الحال المؤكدة وذلك ماش في جميع الصور وهذا هو الذي يفهمه الناس من هذا الكلام وبهذا التأويل ارتفع اشكال العطف فإن هلم ح خبر واشكال التزام افراد الضمير إذ فاعل هل هذه مفرد ابدا
كما تقول واستمر ذلك أو واستمر ما ذكرته (ومنها) قولهم ومن ثم وهى في الأصل موضوعة للمكان البعيد وإذا وقعت في عباراتهم يقولون ومن هناك أو من هنا أي من اجل ذلك كان كذا فإذا فسروها بهناك ففيه تجوز من جهة واحدة وهى استعمالها في المكان المجازى وإذا فسروها بهنا ففيه تجوزان (الأول) وكونها في القريب ولكن الجمع بين تفسيرها بهنا القريب وبين قولهم أي من اجل ذلك كما وقع للعلامة الجلال المحلى في شرحه على جمع الجوامع فيه منافاة لان ذلك من اشارات البعيد اللهم إلا ان يقال استعمل هنا في البعيد مجازا وذلك في القريب كذلك أو يقال كما قال بعضهم اشار اولا بهنا إلى قرب المشار إليه لقرب محله وما فهم منه (وثانيا) بذلك إلى بعده باعتبار ان المعنى غير مدرك حسا فكأنه بعيد) وفي شرح التسهيل للدماميني ما نصه وانظر في قول العلماء ومن ثم كان كذا هل معناه معنى هنالك أي التي للبعد أو معنى هنا التي للقرب والظاهر هو الثاني انتهى * ثم مما ينبغي التأمل في علاقة هذا المجاز وفي قرينته ويمكن ان تجعل العلاقة المشابهة فإن المعنى محل للفكر وحده إليه بملاحظته المرة بعد الأخرى كما ان المكان محل للجسم والتردد إليه باثباته المرة بعد الأخرى أو الإشارة للالفاظ فأنها محل للمعنى كما ان المكان محل المجسم والقرينة استحالة كون المعنى أو الالفاظ مكانا حقيقيا وقال بعضهم في قول ابن الحاجب ومن ثم اختلف في رحمن قوله ومن ثم الإشارة إلى المكان الاعتباري كأنه شبه الاختلاف المذكور في شرط تأثير الألف والنون انه انتفاء فعلانة أو وجود فعلى بالمكان في ان كلا منهما منشأ أمر إذا المكان منشاء النباتات والاختلاف المذكور منشأ اختلاف اخر وهو الاختلاف في صرف رحمن فجعل الاختلاف المذكور من افراد المكان ادعاء ثم شبه المكان الاعتبارى بالمكان الحقيقى لاشتراكهما في المكانية فذكر اللفظ الموضوع للمكان انتهى (ومنها) قولهم أيضا هو مصدر آض يئيض واصل آض ايض كباع تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت الفا واصل يئيض ييئض بزنة يفعل نقلت حركة الياء إلى الهمزة واما اعرابه فذكر ابن هشام في رسالة تعرض فيها للمسئلة ان جماعة توهموا ان منصوب على الحال من ضمير قال وإن التقدير وقال أيضا أي راجعا إلى القول وهذا لا يحسن تقديره إلا إذا كان هذا القول صدر من القائل بعد صدور القول السابق له وليس ذلك بشرط بل تقول قلت اليوم كذا وقلته امس أيضا وكتبت اليوم وكتبت امس أيضا قال والذي يظهر لى انه مفعول مطلق حذف عامله أو حال حذف عاملها وضاحبها أي ارجع إلى الاخبار رجوعا ولا اقتصر على ما قدمت أو اخبر راجعا فهذا هو
الذي يستمر في جميع المواضع ومما يونسك بان العامل محذوف انك تقول عنده مال وايضا علم فلا يكون قبلها ما يصلح للعمل فيها فلابد حينئذ من التقدير واعلم انها انما تستعمل في شيئين بينهما توافق ويغنى كل منهما عن الآخر فلا يجوز جاء زيد أيضا ولا جاء زيد ومضى عمرو أيضا ولا اختصم زيد وعمرو أيضا انتهى ملخصا (ومنها) قولهم اللهم إلا ان يكون كذا و نحوه اقول أصله يا الله حذف حرف الندا وعوض عنه الميم للتعظيم والتفخيم ولا تدخل عليها يا فلا يقال يا اللهم إلا شذوذا في الشعر كما قال ابن مالك
والاكثر للهم بالتعويض
…
وشذيا اللهم في قريض
ثم الشائع استعمالها في الدعاء ولذا قال بعض السلف اللهم مجمع الدعاء وقال بعضهم الميم في قول اللهم فيه تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى واوضحه بعضهم بان الميم تكون علامة المجمع لانك تقول عليه للواحد وعليهم للمجمع فصارت الميم في هذا الموضع بمنزلة الواو الدالة على الجمع في قولك ضربوا وقاموا فلما كانت كذلك زيدت في اخر اسم الله تعالى لتشعر وتؤذن بان هذا الاسم قد اجتمعت فيه أسماء الله تعالى كلها فإذا قال الداعى اللهم فكأنه قال يا الله الذي له الأسماء الحسنى قال ولاستغراقه أيضا لجميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته لا يجوز ان يوصف لأنها قد اجتمعت فيه وهو حجة لما قال سيبويه في منعه وصفه انتهى ثم انهم قد يأتون بها قبل الاستثناء إذا كان الاستثناء نادرا غريبا كأنهم لندوره استظهروا بالله في اثبات وجوده قال بعض الفضلا وهو كثير في كلام الفصحاء كما قال المطرزى نبه على ذلك الطبي في سورة المدثر وفى الكشف بعد كلام واما نحو قولهم اللهم إلا ان يكون كذا فالغرض ان المستثنى مستعان بالله تعالى في تحقيقه تنبيها على ندرته وانه لم يأت بالاستثناء الا بعد التفويض لله تعالى انتهى وذكر العلامة المحقق صدر الشريعة في اوائل كتابه التوضيح شرح التنقيح ان الاستثناء المذكور مفرغ من اعم الظروف لان المصادر قد تقع ظروفا نحو آتيك طلوع الفجر أي وقت طلوعه واوضح ذلك العلامة بدر الدين الدمامينى في شرحه على المغنى عند الكلام على عسى عند قول المغنى ولكن يكون الاضمار في يقوم في عسى اللهم إلا ان تقدر العاملين تنازعا زيدا فقال الاستثناء في كلام المصنف مفرغ من الظرف والتقدير ولكن يكون الاضمار في يقوم لا في عسى كل وقت إلا وقت ان تقدر العاملين تنازعا ووقع التفريغ في الإيجاب لاستقامة المعنى نحو قرأت إلا يوم كذا ثم حذف الظرف بعد الاوانيب المصدر عنه كما في اجيئك يوم قدوم الحاج واللهم معترض وانظر موقعها
هنا فقد وقع في النهاية انها تستعمل على ثلاثة انحاء احدها ان يراد بها النداء المحض كقولك اللهم ارحمنا الثاني ان يذكره المجيب تمكينا الجواب في نفس السامع يقول لك القائل اقام زيد فتقول انت اللهم لا والثالث ان يستعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور كقولك انا لا ازورك اللهم إذا لم تدعنى الا ترى ان وقوع الزيادة مقرونة بعدم الدعاء قليل انتهى وظاهره ان المعنى الأول والثانى لا يأتيان هنا وفي تأتى الثالث في هذا المحل نظر انتهى كلام الدماميني لعل وجه النظر ان قول ابن الأثير في النهاية الا ترى الخ يفيد انه لا بد ان يكون ما بعدها نادرا في نفسه وقد يقال لا يلزم ذلك بقرينة قوله يستعمل دليلا على الندرة الخ فأفاد انها تدل على ان ما بعدها نادر بالنظر لى ما قبلها وإن كان في نفسه غير نادر فليتأمل (ثم اعلم) ان قوله ووقع التفريغ في الإيجاب فيه نظر لان قول المغنى وكون الاضمار في يكون لا في عسى الخ معناه لا يكون الاضمار في عسى في وقت من الاوقات إلا في كذا فالوقت المقدر نكرة في سياق النفي فالاستثناء بعدها استثناء من المنفى كما في قولك لا يأتينا زيد إلا يوم كذا نعم قد يعبرون بنحو قولك هذا ضعيف إلا إذا حمل على كذا فهو استثناء مفرغ في الاثبات صورة ولكنه في المعنى نفى لان معنى ضعيف انه لا يعتمد عليه مثلا وقال في المغنى آخر الكتاب في اول الباب الثامن ما نصه السادسة وقوع الاستثناء المفرغ في الإيجاب نحو (وإن كانت لكبيرة إلا على الخاشعين ويأبى الله إلا ان يتم نوره) لما كان المعنى وانها لا تسهل إلا على الخاشعين ولا يريد الله إلا ان يتم نوره انتهى (ومنها) قولهم لابد من كذا أي لا مفارقة وقد يفسر بوجب وذلك لأن أصله في الاثبات بدا لامر فرق وتبدد تفرق وجاءت الخيل بدادا أي متفرقة فإذا نفى التفرق والمفارقة بين شيئين حصل تلازم بينهما دائما فصار أحدهما واجبا للآخرون ومن ثم فسروه بوجب وبد اسم مبنى على الفتح مع لا النافية لانه اسمها والخبر محذوف أي لنا أو نحوه وقد يصرح به وذكر الفنرى في حواشي المطول ان الجار والمجرور متعلق المننى اعنى بد على قول البغداديين حيث اجازوا لاطالع جبلا بترك تنوين الاسم المطول اجراء له مجرى المضاف والبصريون أوجبوا في مثله تنوين الاسم وجعلوا متعلق الظرف فيما بنى الاسم فيه على الفتح كما فيما نحن فيه محذوفا هو خبر المبتدأ أي لا بد ثابت لها وقوله من كذا خبر مبتدأ محذوف أي اليد المنفى من كذا وهذه الجملة الاسمية التبنية لا محل لها من الأعراب لأنها جملة مستأنفة لفظا ويجوز ان يكون من كذا متعلقا بما دل عليها لابداى لايد من كذا وقد أشار الشريف في أواخر بيان المفتاح إلى ان الظرف في مثله خبر للاحيث قال في قوله لا تلقى لاشارته ان لاشارته ليس معمولا للتلقى
وإلا لوجب كصبه على التشبيه بالمضاف بل هو خبر لا فتأمل وقس على ما ذكر نظائر هذا التركيب انتهى (أقول) هذا ظاهر فيما إذا قيل لا بد من كذا اما إذا قيل لابد لكذا من كذا فالخبر هو الظرف الأول إلا أن يقال من تعدد الأخبار تأمل ثم قوله ويجوز أن يكون متعلقا بما دل عليه لا بد أي لا بد من كذا فيه نظر إذ لا فرق بين هذا المقدر والمذكور فلا حاجة إلى تقدير هذا ووقع في بعض العبارات لابد وأن يكون واستعمله السعد في كتبه أيضًا وقال الفنرى أن الواو مريدة في الخبر وقال بعض المحشين هذه الواو للصوق أي لزيادة لصوق لا بالخبر انتهى وفيه بحث فإن الكون المنسبك من أن والفعل لا يصلح أن يكون خبرا هنا فإن قبل حذف الجار بعد أن وإن مطرد قلنا إذا قدر الجار يكون لغوا متعلقا بقوله بد والخبر محذوف كما مر على أن صاحب المغني لا يثبت واو اللصوق كما ذكره بعض الفضلاء ورجح أن الواو هنا زائدة وهى التي دخولها في الكلام كخروجها ورأيت في بعض الهوامش أنه روى عن أبي سعيد السيرافي في كتاب سيبويه أنه قال تجيء الواو بمعنى من فإن ثبت ذلك يكون جل الواو هنا عليه أولى من دعوى زيادتها فليراجع (ومنها) قولهم هو كذا لغة أو اصطلاحا قال ابن الحاجب أنه منصوب على المفعولية المطلقة وأنه من المصدر المؤكد لغيره صرح به في أماليه وفيه نظر من وجهين الأول أن اللغة ليست اسما للحدث والثانى أنها لو كانت مصدرا مؤكدا لغيره لكانت إنما كانت تأتى بعد الجملة فإنه لا يجوز أن يتقدم ولا يتوسط فلا يقال حقا زيد ابنى ولا زيد حقا ابنى وإن كان الزجاج يجيز ذلك (فإن قلت) هل يجوز أن يكون مفعولا لأجله أو منصوبا على نزع الخافض أو تمييزا (قلت) لا يجوز الأول لأن المنصوص على التعليل لا يكون إلا مصدرا ولا الثاني لوجهين الأول أن إسقاط الخافض سماعى واستعمال مثل هذا التركيب مستمر شائع في كلام العلماء الثاني أنهم التزموا في مثل هذه الألفاظ التنكير ولو كانت على إسقاط الخافض لبقيت على تعريفها الذي كان مع وجود الخافض كما بقى التعريف في قوله (تمرون الديار ولم تعوجوا) وأصله تمرون على الديار وبالديار ولا الثالث لأن التمييز أما تفسير للمفرد كرطل زيتا أو تفسير للنسبة كطاب زيد نفسا وهذا ليس شيئا منهما أما أنه ليس تفسيرا لمفرد فلأنه لم يتقدم منهم وضعا فيميز وإما أنه ليس تفسيرا للنسبة فلأنه لم يتقدم نسبة (فإن قلت) يمكن أنه من تمييز النسبة بأن يقدر مضاف أي تفسيرها لغة فيكون من باب أعجبني طيبه أبا (قلت) تمييز النسبة الواقعة بين المتضايفين لا تكون إلا فاعلا في المعنى ثم قد تكون مع ذلك فاعلا في الصناعة باعتبار الأصل فيكون محولا عن المضاف
نحو أعجبنى طيب زيدا با إذا كان المراد الثناء على أبي زيد وقد لا يكون كذلك فيكون صالحا لدخول من تحو لله دره فارسا وويحه رجلا فإن الدر بمعنى الخير وويح بمعنى الهلاك ونسبتهما إلى الرجل كنسبة الفعل إلى فاعله وتعلق التفسير بالكلمة إنما هو تعلق الفعل بالمفعول لا بالفاعل (فإن قلت) ما وجه نصبه (قلت) الظاهر أن يكون حالا على تقدير مضاف من المحدود ومضافين من المنصوب والأصل تفسيرها موضوع أهل اللغة ثم حذف المتضايفان على حد حذفيهما في قوله تعالى (فقبضت قبضة من أثر الرسول) أي أثر حافر فرس الرسول ولما أنيب الثالث عما هو الحال بالحقيقة التزم تنكيره لنيابته عن لازم التنكير ولك أن تقول الأصل موضوع اللغة بتقدير مضاف واحد ونسبة الوضع إلى اللغة مجاز وهذا أحسن الوجوه كذا حرره بعض المحققين وهو خلاصة ما ذكره ابن هشام في رسالته الموضوعة في هذه المسئلة ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه بها (ومنها) قولهم هو أكثر من أن يحصى ونحو قولهم زيد أعقل من أن يكذب وهو من مشكل التراكيب فإن ظاهره تفضيل الشيء في الأكثرية على الإحصاء وتفضيل زيد في العقل على الكذب وهذا لا معنى له ونظائره كثيرة مشهورة وقل من يتنبه لإشكالها وقد جله بعضهم على أن أن المصدرية بمعنى الذي ورده في المغني في الجهة الثالثة من الباب الخامس من الكتاب بأنه لا يعرف قائل به ووجهه بتوجيهين نظر في كل منهما الدماميني في شرحه عليه ونقل عن الرضى وجها استحسنه فقال قال الرضى وأما نحو قولهم أنا أكبر من أشعر وأنت أعظم من أن تقول كذا فليس المقصود تفضيل المتكلم على الشعر والمخاطب على القول بل المراد بعدهما عن الشعر والقول وأفعل التفضيل يفيد بعد الفاضل من المفضول وتجاوزه عنه فمن في مثله ليست تفضيلية بل هي مثلها في قولك بنت منه تعلقت بأفعل التفضيل بمعنى متجاوز وباين بلا تفضيل فمعنى أنت أعز على من أن أضربك أي باين من أن أضربك من فرط عزتك على وإنما جاز ذلك لأن من التفضيلية متعلقة بأفعل التفضيل بقريب من هذا المعنى ألا ترى أنك إذا قلت زيد أفضل من عمرو فمعناه متجاوز في الفضل عن مرتبته فمن فيما تحن فيه كالتفضيلية إلا في معنى التفضيل قال ولا مزيد عليه في الحسن (ومنها) قولهم سواء كان كذا أم كذا فسواء اسم بمعنى الاستواء يوصف به كما يوصف بالمصادر ومنه قوله تعالى (إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) وهو هنا خبر والفعل بعده أعنى كان كذا الخ في تأويل المصدر مبتدأ كما صرح بمثله الزمخشري في قوله تعالى
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} والتقدير كونه كذا وكونه كذا سيان * وسواء لا يثنى ولا يجمع على الصحيح ثم الجملة إما استئناف أو حال بلا واو أو اعتراض بقى هنا شبهة وهى أن أم لاحد المتعدد والتسوية إنما تكون بين المتعدد لا بين أحده فالصواب الواو بدل أم أو لفظ أم بمعنى الواو وكون أم بمعنى الواو غير معهود وقد أشار الرضى إلى تصحيح التركيب بما ملخصه أن سواء في مثله خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ثم الجملة الاسمية دالة على جواب الشرط المقدران لم تذكر الهمزة بعد سواء صريحا كما في مثالنا أو الهمزة وأم مجردتان عن معنى الاستفهام مستعملتان للشرط بمعنى أن و و بعلاقة أن أن والهمزة يستعملان فيما لم يتعين حصوله عند المتكلم وأم وأولا حد الشيئين اوالا شيأ والتقدير إن كان كذا أو كذا فالأمر أن سواء والشبهة إنما ترد إذا جعل سواء خبرا مقدما وما بعده مبتدا كذا في حواشى المطول لحسن جلبي الفنرى وما عزاه إلى الرضى ذكره الدماميني عن السيرافي أيضًا وفي حواشي الكشاف للسيد الشريف وحكى بعض المحققين عن أبى على أن الفعلين مع الحرفين في تأويل اسمين بينهما واو العطف لأن ما بعد كلمتى الاستفهام في مثل قولك قمت أم قعدت متساويان في علم المستقيم فإذا قيل سواء على أقمت أم قعدت فقد أقيمتا مع ما بعدهما مقام المستويين وهما قيامك وقعودك كما أقسم لفظ النداء مقام الاختصاص في أنا أفعل كذا أيها الرجل بجامع الاختصاص ثم ذكر ما حققه الرضى وما استدل به عليه ومنه قوله ويرشدك إلى أن سواء ساد مسد جواب الشرط لا خبر مقدم أن معنى سواء على أقمت أم قعدت ولا أبالى أقمت أم قعدت واحد في الحقيقة ولا أبالي ليس خبرا للمبتدأ بل المعنى أن قمت أم قعدت فلا أبالي بهما انتهى وقد يأتون بأو بدل أم وفي شرح القطر للعلامة الفاكهى من باب العطف لا يعطف بأو بعد همزة التسوية للتنافى بينهما لأن أو تقضى أحد الشيئين أو الأشياء والتسوية تقتضى شيئين لا أحدهما فإن لم توجد الهمزة جاز العطف بها نص عليه السيرافي في شرح الكتاب نحو سواء على قمت أو قعدت ومنه قول الفقهاء سواء كان كذا أو كذا وقرأة ابن محيصن أو لم تنذرهم وأما تخطئة المصنف لهم في ذلك فقد ناقشه فيها الدماميني انتهى وذلك حيث قال في شرحه على المغنى اعلم أن السيرافي قال في شرح الكتاب ما هذا نصه وسواء إذا دخلت بعدها ألف الاستفهام لزمت أم بعدها كقولك سواء على أقمت أم قعدت وإذا كان بعد سواء فعلان بغير استفهام كان عطف أحدهما على الآخر بأو كقولك سواء على قمت أو قعدت انتهى
كلامه وهو نص صريح يقتضى بصحة قول الفقهاء وغيرهم سواء كان كذا أو كذا إلى أن قال وحكى أن أبا على الفارسي قال لا يجوز أو بعد سواء فلا يقال سواء على قمت أو قعدت قال لأنه يكون المعنى سواء على أحدهما ولا يجوز قلت ولعل هذا مستند المصنف في تخطيئة الفقهاء وغيرهم في هذا التركيب وقد رد الرضى كلام الفارسي بما هو مذكور في شرحه للحاجبية فراجعه أن شئت انتهى (ومنها) قولهم في معرض الجواب ونحوه على أنا نقول فيذكرون ذلك حيث يكون ما بعدها قامعا للشبهة وأقوى مما قبلها ويسمون علاوة وترقيا على ما تشعر به على ولكن يقال على من حروف الجر فما معناها هنا وما متعلقها ويظهر المراد مما ذكره في المعنى حيث قال التاسع أي من معاني على أن تكون للاستدارك والإضراب كقولك فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله وقوله:
فوالله لا أنسى قتيلا رزئته
…
بجانب قوسي ما بقيت على الأرض
على أنها تعفو الكلوم وإنما
…
توكل بالأدنى وإن جل ما يمضى
أي على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد
وقوله
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا
…
على أن قرب الدار خير من البعد
ثم قال
على أن قرب الدار ليس بنافع
…
إذا كان من تهواه ليس بذي ود
أبطل بعلى الأولى عموم قوله لم يشف ما بنا فقال على أن فيه شفاء ما ثم أبطل بالثانية قوله على أن قرب الدار خير من البعد وتعلق على مده بما قبلها كتعاق حاشا بما قبلها عند من قال به فإنها أوصلت معناه إلى ما بعدها على وجه الإضراب والإخراج أو هي خبر لمبتدأ محذوف أي والتحقيق على كذا وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب قال ودل على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق ثم جيء بما هو التحقيق فيها انتهى كلام المغنى.
ومنها قولهم كل فرد فرد كقول المطول معرفة كل فرد فرد من جزئيات الأحوال قال المحقق الفترى الأقرب أنه من التأكيد اللفظى وقد يجعل من قبيل وصف الشيء بنفسه قصدا إلى الكمال أو المراد كل فرد منفرد عن الآخر وحاصله معرفة كل فرد على سبيل التفضيل والانفراد دون الاقتران وقد يترك لفظ كل في مثله مع أن العموم مراد كان يقال معرفة فرد فرد والظاهر أن
العموم مستفاد من قرينة المقام فإن النكرة في الإثبات قد تعم ويحتمل أن يحمل على حذف المضاف وهو كل بتلك القرينة.
ومنها قولهم ولا سيما كذا قال المحقق الفترى لا لنفى الجنس وسى مثل مثل وزنا ومعنى اسمها عند الجمهور وأصله سوى اوسيو والواقع بعدها إذا كان معرفا إما مجرورًا على أنه مضاف إليه وما زائدة كما في قوله تعالى (أيما الأجلين قضيت) أو بدل من ما وهى نكرة غير موصوفة أي لا مثل شيء علم البيان * وأما مرفوع خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة أن جعلت ما موصولة أو صفة أن جعلت موصوفة والجر أولى من هذا وفى كان ضمير ما اسمها وخبرها محذوف أي كائنا الشخص الذي هو الوجه لقلة حذف صدر الجملة الواقعة صلة أو صفة صرح به الرضى على أنه يقدم في اطراده لزوم إطلاق ما على ذات من يعقل وهم يأبونه وعلى الوجهين فحركة سى إعراب لأنه مضاف وأما منصوب على تقدير أعنى أو على أنه تمييز أن كان نكرة لأن ما بتقدير التنوين وهو كافة عن الإضافة والفتحة بنائية مثلها في لارجل وقيل على الاستثناء في الوجهين فعدم تجويز النصب إذا كان معرفة وهم من الأندلسي وعلى التقادير خبر لا محذوف عند غير الأخفش أي لا مثل علم البيان موجود من العلوم فإن التحلى بحقائقه أحق بالتقديم من التحلى بحقائق غيره وعنده ما خبر لا ويلزمه قطع سي عن الإضافة من غير عوض قيل وكون خبر لا معرفة وجوابه أنه يقدر مانكرة موصوفة وأما الجواب باحتمال أن يكون قد رجع إلى قول سيبويه في لا رجل قائم من أن ارتفاع الخبر بما كان مرتفعا به لا بلا النافية فلا يفيد فيما نحن فيه كما لا يخفى وقد يحذف منه كلمة لا تخفيفا مع أنها مرادة ولهذا لا يتفاوت المعنى كما في قوله تعالى (تفتؤ تذكر) أي لا تفتؤ لكن ذكر البلبانى في شرح تلخيص الجامع الكبير أن استعمال سيما بلالا لا نظير له في كلام العرب وقد تخفف الياء مع وجود لا وحذفها وقد يقال لا سواء مقام لا سيما * والواو التي تدخل عليها في بعض المواضع كما في قوله * ولا سيما يوما بدارة جلجل اعتراضية ذكره الرضى وقيل حالية وقيل عاطفة ثم عدها من كلمات الاستثناء لكون ما بعدها مخرجا عما قبلها من حيث اولويته بالحكم المتقدم والا فليس فيها حقيقته صرح به الرضى * وقد يحذف ما بعد لاسيما وتنقل من معناها الأصلى إلى معنى خصوصًا فيكون منصوب المحل على أنه مفعول مطلق فإذا قلت زيد شجاع ولا سيما راكبا فراكبا حال من مفعول الفعل المقدر أي وأخصه بزيادة الشجاعة خصوصًا راكبا وكذا في زيد شجاع ولا سيما وهو راكب
والواو التي بعده للحال وقيل عاطفة على مقدر كأنه قيل ولا سيما هو لابس السلاح وهو راكب وعدم مجئ الواو قبله ح كثير إلا أن المجئ أكثر انتهى.
ومنها قولهم فقط كقول صاحب التلخيص والفصاحة يوصف بها الأخيران فقط قال المحقق التفتازانى في المطول وقوله فقط من أسماء الأفعال بمعنى انته وكثيرًا ما يصدر بالفاء تزيينا للفظ وكأنه جزاء شرط محذوف أي إذا وصفت بها الأخيرين فقط أي فاتته عن وصف الأول بها انتهى قال بعض المحشين وقال ابن هشام في حواشى التسهيل لم يسمع منهم إلا مقرونا بالفاء وهي زائدة لازمة عندى وقال الدماميني نقلًا عن ابن السيد في نحو أخذت درهما فقط أخذت درهما فاكتفيت به فجعلها عاطفة قال وهو خير من قول التفتازاني وابن هشام بقى أنه يرد على كلام المطول أن الفاء في جواب الشرط ليس للتزيين بل من حروف المعانى ففيه منافاة ويجاب بأن الشرط المحذوف إنما يعتبر لإصلاح الفاء المذكور للتزيين وليس في المعنى داع إلا اعتبار الشرط المحذوف فذكر الفاء لتزيين اللفظ ففيه تقوية لجانب المعنى لرعاية جانب اللفظ هذا والأظهر أن قوله وكأنه توجيه ثان ثم أنه قدر أداة الشرط المحذوفة إذا وكذا وقع لغيره والحق أنه لا يحذف من أدوات الشرط إلا أن وأورد عليه ابن كمال باشا بعد أن نقل عن المغنى أنها تكون بمعنى حسب حسب كقد واسم فعل بمعنى يكفي أن المناسب للمقام جعلها بمعنى حسب وعلى تقدير جعلها اسم فعل فهى بمعنى يكفي قال فجعلها هنا اسم فعل وأنها بمعنى انته غلط مرتين (ومنها) قولهم كائنا ما كان قال بعض المحققين جعل الفارسى ما في ضربته كائنا ما كان مصدرية وكان صلتها وهما في محل رفع بكائن وكلاهما على التمام أي كائنا كونه وقبل كائن من الناقصة وكان ناقصة أيضًا وما موصولة استعملت لمن يعقل كما في لاسيما زيد وفي كائن ضمير هو اسمها وما خبرها وفى كان ضمير ما اسمها وخبرها محذوف أي كائنا الشخص الذي هو إياه ويجوز كون ما نكرة موصوفة بكان وهى تامة والتقدير لأضربنه كائنا شيئا وجد والمعنى لأضربنه كائنا بصفة الوجود من غير نظر إلى حال دون حال مفردا كان أو مركبا كلا أو جزأ ولعل هذا أولى من الذي قبله انتهى (أقول) ويخطر لي وجه آخر وهو أن ما صلة للمتوكيد وكائنا وكان تامتان والمعنى لأضربنه موجودًا وجد أي أي شخص وجد صغيرًا أو كبيرًا جليلًا أو حقيرًا * ووجه آخر وهو أن تكون ما اسما نكرة صفة لكائنا أو بدلا منه فإذا قلت لأضربن رجلًا كائنا ما كان فالمعنى لأضربن رجلًا موجودًا شخصًا وجد والمعنى على التعميم
كالأولي أي أي شخص وقد خرجوا على هذين الوجهين قوله تعالى (مثلا ما بعوضة) ووقع في عبارة المطول كائنا من كان أنا أو غيرى فقال الفاضل الفنرى كائنا حال ومن موصوفة في محل نصب خبرا لكائنا والعائد محذوف أي كأنه واعترض بامتناع حذف خبر كان نص عليه ابن هشام وصاحب اللباب وغيرهما وأجيب بأنه ههنا سماعي ثبت على خلاف القياس ولو قيل كان تامة وفاعله راجع إلى من لم يحتج إلى ما ذكره وأنا خبر مبتدأ محذوف أي هو أنا أو غيرى أو بدل من من كان على أن يكون من قبيل استعارة الضمير المرفوع للمنصوب كما استعير للمجرور في ما أنا كانت انتهى (ومنها) قولهم بعد اللتيا والتي قال محقق الروم حسن جلبي الفنارى اللتيا تصغير التي على خلاف القياس لأن قياس التصغير أن يضم أول المصغر وهذا أبقى على فتحته الأصلية لكنهم عوضوا عن ضم أوله بزيادة لألف في آخره كما فعلوا ذلك في نظائره من اللذيا وذيا وذياك والمعنى بعد اللحظة الصغيرة والكبيرة التي من فظاعة شأنها كيت وكيت حذفت الصلة إيهاما لقصور العبارة عن الإحاطة يوصف الأمر الذي كنى بهما عنه وفي ذلك من تفخيم أمره ما لا يخفى انتهى وأصله أن العرب تقول ذلك في الأمر الصعب الذي لا يراد فعله والتزموا عدم ذكر صلة لهما لا لفظًا ولا تقديرًا لما مر فليغز ويقال أي موصول وليس له عائد وقد نظم ذلك بعض مشايخ مشايخنا.
يا أيها النحوى ذا العرفان
…
ومن حوى لطائف البيان
ما اسمان موصولان مبنيان
…
ولم يكونا قط يوصلان
(ومنها) قولهم أولًا وبالذات قال الفنرى في حواشي المطول أولًا منصوب على الطرفية معنى قبل وهو ح منصرف لا وصفية له ولذا دخله التنوين مع أنه افعل التفضيل في الأصل بدليل الأولى والأوائل كالفضلى والأفاضل وهذا معنى ما قال في الصحاح إذا جعلته صفة لم تصرفه تقول لقيته عاما أول وإذا لم تجعله صفة صرفته تقول لقيته عاما أولًا معناه في الأول أول من هذا العام وفى الثاني قبل هذا العام والباء في الذات بمعنى في وهو معطوف على أولًا أي في ذات المعنى بلا واسطة (ومنها) قولهم وهذا الشيء لا محالة كذا وهى مصدر ميمى بمعنى التحول من حال إلى كذا بمعنى تحول إليه وخبر لا محذوف أي لا محالة موجود والجملة معترضة بين اسم أن وخبرها مفيدة تأكيد الحكم (ومنها) قولهم لا أفعله البتة وهى مصدر من البت بمعنى القطع وفي القاموس لا أفعله البتة وبتة لكل أمر لا رجعة فيه انتهى والمشهور على الألسنة أن همزتها
همزة قطع وبه صرح الإمام الكرماني في شرح البخارى ورده الحافظ ابن حجر في شرحه فتح البارى بما حاصله أنه لم ير أحد من أهل اللغة صرح بذلك ونازعه البدر العينى في شرحه أيضًا بأن عدم رؤيته واطلاعه على التصريح بذلك لا ينافي وجوده قلت القياس يقتضى ما قاله الحافظ فإنه من المصادر الثلاثية وهمزاتها همزة وصل ومنازعة العينى لا تثبت المدعى نعم قد يقال من حسن الظن بالإمام الكرماني أنه لا يقول ذلك من رأيه مع مخالفته لقياسه على نظائره فلوك وقوفه على ما ثبت في ذلك لما قاله وصرح بعض الفضلاء بأن المشهور كونها همزة قطع وأنه مما خالف القياس وهو يؤيد ما قاله الكرماني والله تعالى أعلم بحقيقة الحال ثم رأيت في الشرح الكبير للعلامة الدماميني على المغنى عند قوله في باب الهمزة ولو كان على الاستفهام الحقيقى لم يكن مدحا البتة ما نصه هي بمعنى القول المقطوع به قال الرضى وكان اللام فيها في الأصل للعهد أي القطعة المعلومة التي لا تعدد فيها فالتقدير هنا أجزم بهذا الأمر وهو أنه لو كان على حقيقة الاستفهام لم يكن مدحًا قطعة واحدة والمعنى أنه ليس فيه تردد بحيث أجزم به ثم يبدو لي ثم أجزم به مرة أخرى ليكون قطعتين أو أكثر بل هو قطعة واحدة لا شيء فيها للنظر فالبتة بمعنى القطعة ونصبها نصب المصادر انتهى وفى هذا إشارة ظاهرة إلى أن الهمزة همزة وصل بل كلام الرضى كالصريح في ذلك اللهم إلا أن يكون ذلك بناء على ما هو القياس فلا ينافي ما قدمناه من أن قطع همزتها مما خالف القياس ثم رأيت التصريح بذلك في تصريح الشيخ خالدا زهرى في بحث المعرفة حيث قال البتة بقطع الهمزة سماعا قاله شارح اللباب والقياس وصلها انتهى بحروفه فليتأمل (ومنها) قولهم فضلا كقولك فلان لا يملك درهما فضلا عن دينار ومعناه أنه لا يملك درهما ولا دينار أو أن عدم ملكه للدينار أولى من عدم للدرهم وكأنه قال لا يملك درهما فكيف يملك دينارًا وانتصابه على وجهين محكيين عن الفارسى أحدهما أن يكون مصدرًا بفعل محذوف وذلك الفعل نعت للنكرة والثانى أن يكون حالًا من معمول الفعل المذكور وهو درهما وإنما ساغ مجيء الحال منه مع كونه نكرة للمسوغ وهو وقوع النكرة في سياق النفى والنفى يخرج النكرة من حيز الإبهام إلى حيز العموم وضعف الوصف فإنه متى امتنع الوصف بالحال أو ضعف ساغ مجيئها من النكرة فالأول كقوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} فإن الجملة المقرونة بالواو لا تكون صفة خلافًا للمزمخشرى والثاني كقولهم مررت بماء
قعدة رجل فإن الوصف بالمصدر خارج عن القياس وإنما لم يجز الفارسي في فضلًا كونه صفة الدرهم لأنه رآه منصوبًا أبدًا سواء كان ما قبله منصوبًا أم مرفوعًا أو مخفوضا وزعم أبو حيان أن ذلك لأنه لا يوصف بالمصدر إلا إذا أريدت المبالغة لكثرة وقوع ذلك الحدث من صاحبه وليس ذلك بمراد هنا وأما القول بأنه يوصف بالمصدر على تأويله بالمشتق أو على تقدير المضاف فليس قول المحققين فهذا منتهى القول في توجيه إعراب الفارسى وأما تنزيله على المعنى المراد فعسر وقد خرج على أنه من باب قوله على لاحب لا يهتدى بمناره ولم يذكر أبو حيان سوى ذلك وقال قد يسلطون النفى على المحكوم عليه بانتفاء صفته فيقولون ما قام رجل عاقل فيقوم فإنه لا يريد إثبات منار للطريق وينفى الاهتداء عنه إنما يريد نفى المنار فتنتفى الهداية وعلى هذا خرج فما تنفعهم شفاعة الشافعين أي لا شافع لهم فتنفعهم شفاعته وعلى هذا يتخرج المثال المذكور أي لا يملك درهما فيفضل عن دينار له وإذا انتفى ملكه للدرهم كان انتفاء ملكه للدينار أولى وفيه أن فضلًا مقيد للدرهم أو معمول للمقيد على الإعرابين السابقين فلو قدر النفى مسلطا على القيد اقتضى مفهومه خلاف المرد وهو أنه يملك الدرهم ولكنه لا يملك الدينار ولما امتنع هذا تعين الحمل على الوجه المرجوح وهو تسليط النفى على المقيد وهو الدرهم فينتفي الدينار لأن الذي لا يملك الأقل لا يملك الأكثر فإن المراد بالدرهم ما يساويه من النقود لا الدرهم العرفى * والذي ظهر لى في توجيه هذا الكلام أن يقال أنه في الأصل جملتان مستقلتان ولكن الجملة الثانية دخلها حذف كثير وتغيير حصل الإشكال بسببه وتوجيه ذلك أن يكون هذا الكلام في اللفظ أو في التقدير جوابًا لمستخبر قال لا يملك فلان دينارًا أوردا على مخبر قال فلان يملك دينارًا فقيل في الجواب فلان لا يملك درهما ثم استؤنف كلام آخر ولك في تقديره وجهان أحدهما أن يقدر أخبرك بهذا زيادة عن الإخبار عن دينار استفهمت عنه أو زيادة عن دينار أخبرت بملكه له ثم حذفت جملة أخبرك بهذا وبنى معمولها وهو فضلًا كما قالوا حينئذ الآن بتقدير كان ذلك ح واسمع الآن فحذفوا الجملتين وأبقوا من كل منهما معمولها ثم حذف مجرور عن وجار الدينار وأدخلت عن الأول على الدينار كما قالوا ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل من زيد والأصل منه في عين زيد ثم حذف مجرور من وهو الضمير وجار العين وهو في ودخلت من على العين * والثانى أن يقدر فضل انتفاء الدرهم عن فلان فضلًا عن انتفاء الدينار عنه ومعنى ذلك أن يكون حالة هذا المذكور في الفقر معروفة عند الناس والفقير أنما ينفى عنه
في العادة ملك الأشياء الحقيرة لأملك الأموال الكثيره فوقوع نفى ملك الدرهم عنه في الوجود فاضل عن وقوع نفى الدينار عنه أي أكثر منه يقال فضل عنه وعليه بمعنى زاد وفضلا على التقدير الأول حال وعلى الثاني مصدر وهما الوجهان اللذان ذكرهما الفارسى لكن توجيه الإعرابين مخالف لما ذكر ولعل من لم يقو أنه بتجويزات العرب في كلامها يقدح فيما ذكرت بكثرة الحذف وهو كما قيل (إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا • فلا رأى للمحتاج إلا ركوبها) وقد بينت في التوجيه أن مثل هذا الحذف والتجوز واقع في كلامهم هذا خلاصة ما ذكره ابن هشام الأنصاري في رسالته وقد قرر الإعراب والمعنى المراد السيد الشريف قدس سره في حواشي الكشاف على غير ما مر فقال هو مصدر يتوسط بين أدنى وأعلى للتنبيه ينفى الأدنى واستبعاده عن الوقوع على نفى الأعلى واستحالته أي عده محالا عرفا فيقع بعد نفى إما صريح كقولك فلان لا يعطى الدرهم فضلًا عن الدينار تريدان إعطاء الدرهم منفى ومستبعد فكيف يتصور منه إعطاء الدينار وأما ضمنى كقوله وتقاصر الهمم الخ يريد أن هممهم تقاصرت عن بلوغ أدنى عدد هذا العلم وصار منفيا مستبعدا عنهم فكيف ترقى إلى ما ذكر وهو مصدر قولك فضل عن المال كذا إذا ذهب أكثره وبقى أقله ولما اشتمل على معنى الذهاب والبقاء ومعنى الكثرة والقلة ظهر هناك توجيهان * فمنهم من نظر إلى معنى الذهاب والبقاء فقال تقدير الكلام فضل عدم إعطاء الدرهم عن إعطاء الدينار أي ذهب إعطاء الدينار بالمرة وبقى عدم إعطاء الدرهم فالباقى هو نفى الأدنى المذكور قبل فضلًا والذاهب هو نفس الأعلى المذكور بعده * وعلى هذا التوجيه يفوت شيآن من أصل الاستعمال الأول كون الباقى من جنس الذاهب إذ ليس انتفاء الأدنى من جنس الأعلى الثاني كون الباقى أقل من الذاهب إذ لا معنى لكون انتفى الأدنى أقل من جنس الأعلى (فإن قلت) يرد عليه أن المفهوم من فضلا ح أن ما بعده ذاهب منتف بتمامه وأما أنه أدخل في الانتفاء وأقوى فيه مما نفى قبله كما هو المقصود فلا (قلت) قد يفهم ذلك من كونه أعلى وأدنى لأن الأعلى أولى بالانتفاء من الأدنى ومنهم من نظر إلى القلة والكثرة فقال التقدير في المثال فضل عدم إعطاء الدرهم عن عدم إعطاء الدينار أي العدم الأول قليل بالقياس إلى العدم الثاني فإن الأول عدم ممكن مستبعد وقوعه والثانى عدم مستحيل فهو أكثر قوة وأرسخ من الأول * وعلى هذا التوجيه يفوت من أصل الاستعمال معنى الذهاب والبقاء ويلزم أن لا يكون كلمة عن صلة له بحسب معناه المراد بل بحسب أصله ويحتاج إلى تقدير النفي فيما بعد فضلًا * وههنا توجيه ثالث مبنى على اعتبار ورود
النفى على الأدنى بعد توسط فضلًا بينه وبين الأعلى كأنه قيل يعطى الدرهم فضلًا عن الدينار أي فضل إعطاء الدرهم عن إعطاء الدينار على معنى ذهب إعطاء الدينار وبقى من جنسه بقية هي إعطاء الدرهم ثم أورد النفى على البقية وإذا انتفى بقية الشيء كان ما عداها أقدم منها في الانتفاء ويرجع حاصل المعنى إلى أن إعطاء الدينار انتفى أولًا ثم تبعه في الانتفاء إعطاء الدرهم انتهى ملخصًا ثم ذكر بعد ما مر ما نصه قال رحمه الله تعالى لزم حذف ناصب فضلًا لجريه مجرى تتمة الأول بمنزلة لاسيما ولا محل لذلك المحذوف من الأعراب البتة ورد به على من زعم أنه حال ولا يلتبس عليك أن فاعل ذلك المحذوف هو الأدنى على الوجه الأخير ونفيه على الوجهين الأولين انتهى وعدم صحة كونه حالًا على المعنى الذي قرره ظاهر وكذا عدم كون الجملة صفة بخلاف ذلك كله على المعنى الذي قرره ابن هشام كما لا يخفى على ذوى الأفهام (ومنها) قولهم وهذا بخلاف كذا والظاهر أن الخير خلاف والباء زائدة فيه كقوله تعالى (وجزاء سيئة بمثلها) أو الخلاف اسم مصدر خالف أي وهذا ملتبس بمخالفة كذا (ومنها) قولهم وليس هذا كما زعمه فلان صوابا ونظائره ومثله قول المطول وليس كما توهمه كثير من الناس مبنيا قال محشيه الفاضل السيلكوتى أي ليس مبنيا بناء مثل ما توهمه كثير من الناس أو في موقع الحال من ضمير مبنيا أي ليس مبنيا حال كونه مماثلا لما توهمه كثير على ما قاله صاحب المغنى في قوله تعالى (كما بدأنا أول خلق نعيده) والقول بأنه خبر ليس ومبنيا بدل منه أو خبر بعد خبر تكلف (ومنها) قولهم قالوا عن آخرهم ومثله قول الكشاف وقد عجزوا عن آخرهم قال السيد الشريف قدس سره عن آخرهم صفة مصدر محذوف أي عجزا صادرا عن آخرهم وهو عبارة عن الشمول فإن العجز إذا صدر عن الآخر فقد صدر أولًا عن الأول وقيل عجزا متجاوزا عن آخرهم فيدل على شموله إياهم وتجاوزه عنهم فهو أبلغ من أن يقال عجزوا كلهم ورد بأن التجاوز بمعنى التعدى والمجاوزة يتعدى بنفسه والذي يتعدى بعن معناه العفو وقيل عجزا صادرا عن آخرهم إلى أولهم ورد بأن مقابل إلى هو من لاعن انتهى (ومنها) قولهم وناهيك بكذا كقول الكشاف وناهيك بتسوية سيبويه دلالة قاطعة قال السيد الشريف قدس سره أي حسبك وكافيك بتسويته وهو اسم فاعل من النهى كأنه ينهاك عن تطلب دليل سواه يقال زيد ناهيك من رجل أي هو ينهاك عن غيره يجده وغنائه ودلالة قاطعة نصب على التمييز من ناهيك انتهى وعليه فالباء مزيدة في الفاعل (ومنها) قوله يجوز كذا خلافًا لفلان ووجهه الجمال ابن هشام
في بعض مصنفاته فقال قد يقال يجوز فيه وجهان أحدهما أن يكون مصدرًا كما أن قولك يجوز كذا اتفاقا أو إجماعا بتقدير اتفقوا على ذلك اتفاقا وأجمعوا عليه إجماعًا ويشكل على هذا أن فعله المقدر إما اختلفوا أو خالفوا أو خالفت فإن كان اختلفوا أشكل عليه أمران أحدهما أن مصدر اختلف إنما هو الاختلاف لا الخلاف والثانى أن ذلك يأبى أن يقول بعده لفلان وإن كان خالفوا أو خالفت أشكل عليه أن خالف لا يتعدى باللام بل بنفسه وقد يختار هذا القسم ويجاب عن هذا الاعتراض بأن يقال قدر اللام مثلها في سقيا له أي متعلقة بمحذوف تقديره أعني له أو أرادنى له ألا ترى أنه لا يتعلق بسقيا لأن سقى يتعدى بنفسه والوجه الثاني أن يكون حالًا والتقدير أقول ذلك خلافًا لفلان أو مخالفا له وحذف القول كثير جدا حتى قال أبو على هو من باب حدث البحر ولا حرج ودل على هذا العامل أن كل حكم ذكره المصنفون فهم قائلون به وكان القول مقدر قبل كل مسئلة وهذه العلة قريبة من العلة التي ذكرها لاختصاصهم الظروف بالتوسع فيها وذلك أنهم قالوا أن الظروف منزلة من الأشياء منزلة انفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها والله تعالى أعلم (ومنها) قولهم في التاريخ كان كذا عام كذا قال العلامة الدماميني في أول شرحه الكبير على المغنى عند قوله وقد كنت في عام تسعة وأربعين وسبعمائة كذا ما نصه كثيرًا ما يقع هذا التركيب وهو مشكل وذلك أن المراد من قولك وقع كذا في عام أربعين هو الواقع بعد تسعة وثلاثين وتقرير الإضافة فيه باعتبار هذا المعنى غير ظاهر إذ ليست فيه إلا بمعنى اللام ضرورة أن المضاف إليه ليس جنسا للمضاف ولا ظرفا له فيكون معنى نسبة العام إلى الأربعين كونه جزأ منها كما في يد زيد وهذا لا يؤدى المعنى المقصود إذ يصدق بعام ما منها سواء كان الأخير أو غيره وهو خلاف الغرض ويمكن أن يقال قرينة الحال معينة لأن المراد الأخير وذلك لأن فائدة التاريخ ضبط الحادثة المؤرخة بتعين زمانها ولو كان المراد ما يعطيه ظاهر اللفظ من كون العام المؤرخ به واحدًا من أربعين بحيث يصدق على أي عام فرض لم يكن لتخصيص الأربعين مثلًا معنى يحصل به كمال التمييز للمقصود ولكن قرينة إرادة الضبط بتعين الوقت تقتضى أن يكون هذا العام هو مكمل مدة الأربعين أو يقال حذف مضاف لهذه القرينة والتقدير في عام آخر أربعين والإضافة بيانية أي في عام هو آخر أربعين فتأمله انتهى (أقول) يظهر لى أنه لا حاجة إلى تقدير المضاف بعد جعل الإضافة بيانية فإن الأربعين كما يطلق على مجموعها يطلق على الآخر منها وهكذا غيرها من الإعداد بدليل أنك تقول هذا واحد هذا اثنان
هذا ثلاثة الخ فتطلق الاثنين على الثاني والثلاثة على الثالث كما تطلق على مجموع الاثنين ومجموع الثلاثة فتأمل وهذا ما وجد بخط المرحوم سيدنا المؤلف من هذه الفوئد الحسان أسكنه الله فسيح الجنان وكان رحمه الله تعالى سودها ولم تصححا وأبقى كثيرًا من البياض في الأوراق وبين الأسطر فنقلت ما وجدته والحمد لله
وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين