الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القناعة في ما يحسن الإحاطة من أشراط الساعة
تأليف
الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (المتوفى 902 هـ)
تحقيق
د. محمد بن عبد الوهاب العقيل
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
جَميْع الحقُوق مَحفُوظَة
الطَبْعةُ الأولى
1422 هـ - 2002 م
مَكتَبةُ أضوَاءِ السَّلف - لصَاحبَها علي الحربي
الرياض - ص ب: 121892 - الرمز: 11711 - ت: 2321045
تطلب منشوراتنا من:
مَكْتَبةُ الإمَام البخَاري - مصر - الإسماعيلية - ت: 343743/ 064
القناعة فِي مَا يحسن الْإِحَاطَة من أشرَاطِ السَّاعةَ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدّمَة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أما بعد: فإن الإيمان باليوم الآخر أحد أُصول الإيمان وأركانه كما قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177].
فالحصول على البر لا يتحقق إلا بالإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك فإن للإيمان باليوم الآخر أثرًا عظيمًا على الإنسان في الدنيا والآخرة.
فإن الإيمان باليوم الآخر والإكثار من ذكره والتصديق الجازم بوقوعه يزيد إيمان الإنسان ويجعله مِن المتقين الذين قال الله عز وجل عنهم: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1 - 5].
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد رتب حصول التقوى والفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة على الإيمان بما ذكره سبحانه وتعالى من الأمور المغيبة في هذه الآيات. واليوم الآخر من جملة الغيب الذي يجب علينا الإيمان به لكن الله سبحانه وتعالى خصه بالذكر لبيان أهميته وبيان أثر الإيمان به على الإنسان في الدنيا والآخرة.
وكلما ازداد الإنسان يقينًا باليوم الآخر زاد الأثر الصالح عليه في حب الأعمال الصالحة والإبتعاد عن الأعمال السيئة والإستعداد لهذا اليوم العظيم بما يحبه الله عز وجل وهذا من أعظم آثار الإيمان باليوم الآخر على الإنسان كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37: 41].
ولأهمية الإيمان باليوم الآخر فقد ذكره الله عز وجل في القرآن كثيرًا وأقام الدليل عليه ونوَّع الأدلة فيه وبسطها وربطها بالفطرة والعقل ورد على المنكرين بأنواع من الأدلة والأمثلة وأمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقسم به على وقوع اليوم الآخر تأكيدًا له كما قال سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7].
والنصوص الدالة على هذا كثيرة جدًّا وليس المقصود هنا التوسع في ذلك وإنما المقصود بيان أهمية الإيمان باليوم الآخر وأثر الإيمان على الإنسان.
ولما كان اليوم الآخر من الأمور الغيبية أعان الله سبحانه وتعالى خلقه على الإيمان به بأمور كثيرة، ومن ذلك ربط هذا الغيب بالأمور المحسوسة، فإن الغيب إذا ربط بالأمور المحسوسة سهل الإيمان به على الإنسان، ومن هذه الأمور المحسوسة التي تعين على الإيمان باليوم الآخر: أشراط الساعة أو كما تسمى مقدمات اليوم الآخر، وأهمية معرفة هذه الأشراط والأمارات تظهر من أهمية
الإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك ذكر العلماء أن الإيمان بأشراط الساعة من الإيمان بالساعة، ويدل على هذا قوله تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18].
والحديث عن أشراط الساعة مهم، ولا سيما إذا ابتعد الناس عن تذكر الآخرة واشتغلوا بالدنيا وملذاتها، فإن في أشراط الساعة المحسوسة ولا سيما التي ظهرت ورآها الناس بأعينهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ما يعيد الناس إلى ربهم ويوقظهم من غفلتهم.
ولقد يسر الله عز وجل فحصلت على كتاب متوسط الحجم يبحث في هذا الموضوع المهم - أعني: أشراط الساعة - بطريقة مختصرة مفيدة غير مخلة ألا وهو كتاب "القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة" للحافظ شمس الدين محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي رحمه الله المتوفى سنة (902 هـ).
والسخاوي من رجال الحديث الذين برزوا في التأليف والتصنيف ومعرفة الصحيح من الضعيف في القرن التاسع الهجري؛ وكان لذلك أثر واضح في إخراج هذا الكتاب وربطه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة الأحاديث التي ذكرها في هذا الكتاب مع اختصاره، فإنَّه لسعة اطلاعه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ طريقة موجزة في إيراد الأحاديث، وهي طريقة فريدة وإن كانت متعبة جدًّا للمحقق بعده، فإنَّه رحمه الله يورد حديثًا واحدًا ثمَّ يفرع عليه ويدخل ضمنه أحاديث كثيرة جدًّا مقتصًرا على محلّ الشاهد، وفي ذلك اختصار شديد للكتاب؛ فخرج الكتاب لذلك متضمنًا لأكثر أشراط الساعة إن لم يكن لكل أشراط الساعة مع وجازته واختصاره.
فلما رأيت ذلك استعنت بالله على تحقيقه وإخراجه بصورة مرضية - إن شاء الله - مع اعترافي بالتقصير والعجز، ولكني حسبي أني قد بذلت وسعي في سبيل إخراج هذا الكتاب بصورة صحيحة مساعدة على الإستفادة منه - إن شاء الله -
وأشكر الله على ذلك أولًا وآخرًا، وأسأله أن يكون خالصًا لوجهه الكريم، كما أشكر بعد شكر الله عز وجل كل من ساعدني من إخواني في تصوير المخطوطات ومقابلة النسخ ونحو ذلك، وجزاهم الله عني خير الجزاء والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه راجي عفو ربه الجليل
د/ محمد بن عبد الوهاب العقيل
عضو هيئة التدريس بالجامعة الإِسلامية
بالمدينة النبوية
خطة البحث
ومنهجي فيه
أما خطة البحث فهي كما يلي: جعلت هذا البحث من قسمين:
القسم الأول: القسم الدراسي.
القسم الثاني: النص المحقق.
وجعلت في آخره فهارس متنوعة تسهيلًا للفائدة.
* القسم الأول: القسم الدراسي:
ويحتوي على بابين:
الباب الأول: ترجمة المؤلف:
ويحتوي على ثلاثة فصول:
* الفصل الأول: عصر المؤلف:
ويحتوي على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الحالة السياسة.
المبحث الثاني: الحالة الإجتماعية.
المبحث الثالث: الحالة العلمية والدينية.
* الفصل الثاني: سيرة المؤلف الشخصية:
ويحتوي على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: اسمه ونسبته وكنيته ولقبه.
المبحث الثاني: مولده ونشأته وحياته.
المبحث الثالث: وفاته.
* الفصل الثالث: سيرة المؤلف العلمية:
ويحتوي على ستة مباحث:
المبحث الأول: طلبه للعلم.
المبحث الثاني: رحلاته.
المبحث الثالث: مشايخه وتلاميذه.
المبحث الرابع: مؤلفاته.
المبحث الخامس: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
المبحث السادس: مذهبه وعقيدته.
* الباب الثاني: دراسة الكتاب:
ويحتوي على فصلين:
* الفصل الأول: التعريف بالكتاب:
ويحتوي على مبحثين.
المبحث الأول: اسم الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلف.
المبحث الثاني: التعريف بنسخ الكتاب الخطية.
* الفصل الثاني: موضوع الكتاب والكتب المؤلفة فيه:
ويحتوي على ستة مباحث:
المبحث الأول: موضوع الكتاب وبيان منهج المؤلف.
المبحث الثاني: الكتب المؤلفة في هذا الموضوع.
المبحث الثالث: تعريف أشراط الساعة لغة وشرعًا.
المبحث الرابع: الحكمة من إخفاء وقت الساعة.
المبحث الخامس: الرد على من زعم معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بوقت الساعة.
المبحث السادس: أقسام أشراط الساعة.
* القسم الثاني: النص المحقق.
* الفهارس العامة:
1 -
فهرس الآيات القرآنية.
2 -
فهرس الأحاديث النبوية.
3 -
فهرس الأعلام المترجم لهم.
4 -
فهرس الأماكن والمواضع.
5 -
فهرس المراجع.
6 -
فهرس الموضوعات.
* * *
أما
منهجي في هذا الكتاب
فإن الدراسة التي قمت بها عن المؤلف والكتاب دراسة موجزة لكنها - إن شاء الله - كافية في التعريف بالمؤلف ومعرفة عصره وكيف أثر عليه ذلك العصر.
وكذلك عرفت بالكتاب وموضوعه بما يناسب المقام إن شاء الله.
أما القسم الثاني وهو النص المحقق فإن عملي فيه يتلخص فيما يلي:
1 -
قمت بنسخ الكتاب متخذًا نسخة برلين الغربية أصلًا للكتاب.
2 -
قمت بالمقابلة بين النسخ وأثبت الفروق بينها في الحاشية مع الإجتهاد في الترجيح عند الخلاف.
3 -
إذا نقص شيء من المخطوط الأصل أزيده من النسخ الأخرى أو من المصادر الأصلية للكتاب وأنبه على ذلك في الحاشية.
4 -
استعملت في الكتاب الخط المعاصر.
5 -
عزوت الآيات الواردة في الكتاب إلى مواضعها في القرآن.
6 -
خرَّجت الأحاديث الواردة فإن كانت في "الصحيحين" أو أحدهما اكتفيت بذلك، وإن كانت خارجها حاولت أن أذكر من خرجها حسب الطاقة.
7 -
ذكرت درجة الحديث من كلام العلماء المعتمدين في هذا الشأن.
8 -
ترجمت الأعلام الوارد ذكرهم ترجمة موجزة.
9 -
قمت بشرح الألفاظ الغريبة الوارد ذكرها في الكتاب.
10 -
عرفت بالبلدان والمواضع الوارد ذكرها في الكتاب.
11 -
قمت بذكر الأدلة على بعض الأشراط التي ذكرها المصنف في هذا الكتاب مما لم يذكر له دليلًا في المتن.
12 -
علقت على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق.
13 -
وضعت بعض الفهارس المساعدة كما هو مذكور في خطة البحث.
14 -
قمت بترقيم القسم الدراسي ترقيمًا خاصًّا به وترقيم القسم المحقق ترقيمًا خاصًّا به تمييزًا له عن القسم الدراسي.
وأخيرًا أشكر الله عز وجل على نعمه العظيمة، وأسأله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به من قرأه من إخواني المسلمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحابته أجمعين.
* * *
القسم الدراسي
ويحتوي على بابين:
* الباب الأول: ترجمة المؤلف.
* الباب الثاني: دراسة الكتاب.
الباب الأول ترجمة المؤلف
ويحتوي على ثلاثة فصول:
* الفصل الأول: عصر المؤلف.
* الفصل الثاني: سيرة المؤلف الشخصية.
* الفصل الثالث: سيرة المؤلف العلمية.
الفصل الأول عصر المؤلف
*
المبحث الأول: الحالة السياسية:
عاش المؤلف رحمه الله في القرن التاسع الهجري، وكما هو معلوم فإن العصور الإِسلامية بعد سقوط بغداد كانت عصور تمزق وانقسامات سياسية وعرقية، ففي كل بلد خليفة وفي كل مصر دولة.
قال ابن حجر رحمه الله: (دخلت - أي: سنة 801 هـ - وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظاهر أبو سعيد برقوق، وسلطان الروم أبو يزيد بن عثمان، وسلطان اليمن من نواحي تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد، وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزيدي الحسني علي بن صلاح، وسلطان المغرب الأوسط أبو سعيد عثمان المزيني، وسلطان المغرب الأقصى ابن الأحمر، وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان المعروف باللنك، وصاحب بغداد أحمد بن أويس، وأمير مكة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني، وبالمدينة ثابت بن نعير، والخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن المعتضد بالله أبي بكر، ويدعى أمير المؤمنين، ونازعه في هذا الإسم الإمام الزيدي وبعض ملوك المغرب وصاحب اليمن، لكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العباسي أحد الخلفاء ببغداد، وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسني، وبحلب أرغون شاه، وبطرابلس آقبغا الجمالي، وبحماة يونس القلمطاي، وبصفد شهاب الدين بن الشيخ علي، وبغزة طيفور
(1)
.
(1)
"إنباء الغمر بأبناء العمر": (4/ 2).
وهذا التمزق وهذا التفرق من أعظم أسباب ضعف المسلمين حتى تسلط عليهم الأعداء من التتار والمغول والصليبيين. ولا حول ولا قوة إلا الله.
أما مصر، البلد الذي ولد فيه المؤلف وعاش، فقد انتقلت إليه الخلافة العباسية بسبب مبايعة الظاهر بيبرس أحد حكام المماليك له، ولكن سلطة الخليفة كانت اسمية فقط؛ إذ أن المماليك نصبوا الخليفة لتقوية مركزهم وسلطتهم أمام العامة، أما السلطة الحقيقية فكانت بيد المماليك.
وقد وُلد المصنف في الثلث الأول من عمر دولة المماليك الجراكسة الذين حكموا مصر من عام (784 - 923 هـ)
(1)
.
وقد يسمون المماليك البرجية نسبة إلى أبراج القلعة التي كانوا يسكنون بها تميزًا لهم عن المماليك البحرية الذين كانوا يقيمون في جزيرة الروضة
(2)
.
قال ابن العماد فيها - أي: في سنة 784 هـ: (كان ابتداء دولة الجراكسة، فإنه خلع الصالح القلاووني وتسلط برقوق ولقب بالظاهر، وهو أول من تسلط من الجراكسة).
وقد أثنى عليه ابن العماد ووصفه بأنه أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة، وقد حكم قرابة سبع عشرة سنة وتوفي عام 801 هـ
(3)
.
ثم تتابع المماليك بعده بالحكم وأكثر ما يكون استيلاؤهم على الحكم بخلع بعضهم بعضًا، وقد يصحب ذلك فتن وثورات داخلية واضطرابات، فتنتهك الحرمات، وتسلب الأموال، ويعتدى على الأعراض، وتداهم البيوت، إما من أجل التفتيش عن أسير هارب، وإما للإنتقام من الموالين للعهد السابق، فتحرق
(1)
"شذرات الذهب": (8/ 15).
(2)
"حسن المحاضرة": (2/ 24)، "صفحات من تاريخ مصر في عصر السيوطي":(ص 231).
(3)
"شذرات الذهب": (6/ 282)، (7/ 6).
البيوت وتصادر الأموال ويهجم على الآمنين في الليل والنهار، وقد يضطر الناس إلى ملازمة بيوتهم أيامًا كثيرة خوفًا على أنفسهم بسبب الإضطراب وانتشار القلاقل وكثرة المناوشات بين فرق المتخاصمين
(1)
.
وقد عاصر السخاوي رحمه الله حكم السلطان أبي سعيد جقمق الذي تولى الحكم عام 842 هـ واستمر في الحكم إلى أن مات سنة 857 هـ. وترجم له في كتابه "الضوء اللامع" ترجمة حسنة وأثنى عليه بقوله: (كان ملكًا عدلًا ديِّنًا كثير الصلاة والصوم والعبادة، عفيفًا عن المنكرات والقاذورات، لا تضبط عنه في ذلك زلة ولا تحفظ له هفوة، متقشفًا بحيث لم يمش على سنن الملوك في كثير من ملبسه، وهيئته، وجلوسه، وحركاته، وأفعاله، متواضعًا، يقوم للفقهاء والصالحين إذا دخلوا عليه ويبالغ في تقريبهم وعدم ارتفاعه في الجلوس بحضرتهم، ذا إلمام بالعلم واستحضار في الجملة لكثرة تردده للعلماء في حال إمرته ورغبته في الإستفادة منهم).
قال: (وقد اجتمعت به مرارًا، وأهديت إليه بعد وفاة شيخنا بعض المصنفات، وأنعم هو علي بما ألهمه الله به، وصار يكثر من الترحم على شيخنا والتأسف عليه، بل سماه أمير المؤمنين، وطالت مدة ولايته قرابة خمس عشرة سنة، وتوفي عام 857 هـ)
(2)
.
وقد تولى بعده ابنه عثمان بن جقمق، وقد أثنى عليه السخاوي ووصفه بحبه للعلم وأهله، وصرف أوقاته للطاعات، لكنه لم يلبث إلا يسيرًا حيث خلع
(3)
بعد حوادث عدة. وتولى بعده السلطان الأشرف أينال، وقد ترجم له السخاوي رحمه الله ووصفه ببعض الصفات السيئة وكأنه لم يكن كسلفه في العلم الشرعي،
(1)
"السيوطي النحوي": (ص 23).
(2)
"الضوء اللامع": (3/ 72 - 74) باختصار، "شذرات الذهب":(7/ 291).
(3)
"الضوء اللامع": (5/ 127).
ولذلك تضرر العلماء والفقهاء في زمنه، وانقطع عنهم ما كان يصلهم من سلفه مما يعينهم على طلب العلم ونشره
(1)
.
ثم تولى بعده ابنه أبو الفتح أحمد بن أينال العلائي، ولم تستمر مدة حكمه سوى خمسة أشهر تقريبًا ثم خلع
(2)
، ثم تولى مكانه الظاهر خشقدم وهكذا كلما تملك أحد المماليك ثار عليه جماعة منهم حتى تولى الأشرف قايتباي عام 872 هـ، وتعد فترته أطول فترة حكم مملوكي فقد دام حكمه تسعًا وعشرين سنة، وقد ترجمه السخاوي في "الضوء اللامع" بترجمة عظيمة وأثنى عليه كثيرًا ووصفه بصفات جميلة كثيرة واتصل به وقرأ عليه بعض تصانيفه وأهدى إليه بعضها وألف بعضها بناءً على سؤال منه
(3)
، ومات عام 901 هـ
(4)
.
هذا موجز لأهم الأحداث السياسية التي عاصرها السخاوي رحمه الله، والمتدبر فيها يرى أن السخاوي عاصر سلطانين من أفضل سلاطين دولة المماليك.
الأول: السلطان الظاهر أبي سعيد جقمق، الذي حكم قرابة خمس عشرة سنة كما مر معنا، ويظهر أنه من أفضل سلاطين المماليك مع محبة للعلم وأهله.
الثاني: السلطان الأشرف قايتباي، والذي أثنى عليه كما مر السخاوي في ترجمته، بل قال: وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له ولا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصلة
(5)
.
وتعد الفترة التي حكم فيها أطول فترة حكمها سلطان من سلاطين المماليك فقد دام حكمه تسعًا وعشرين سنة وهو عصر هادئ بالجملة مع ما حصل فيه من
(1)
"الضوء اللامع": (2/ 329).
(2)
"شذرات الذهب": (7/ 305).
(3)
"الضوء اللامع": (6/ 201 - 211) باختصار.
(4)
"شذرات الذهب": (8/ 8).
(5)
"الضوء اللامع": (6/ 210).
ثورات داخلية وخارجية، وقد أثر هذا الهدوء على العلم وأهله، حيث أحب السلاطين علماء ذلك الزمان وقربوهم، فلعل هذا من أسباب تلك النهضة العلمية التي ظهرت في ذلك العصر والله أعلم.
ولم تمض سنين طويلة بعد وفاة السخاوي حتى سقط آخر سلطان من سلاطين المماليك على يد السلطان العثماني سليم الأول الذي دخل القاهرة مسقطًا للخلافة العباسية ودولة المماليك عام 923 هـ.
*
المبحث الثاني: الحالة الإجتماعية:
إن المتدبر لأحوال المسلمين في العصور المتأخرة التي سقطت فيها بغداد عاصمة الخلافة الإِسلامية في وقتها وما تلاها من سنين سقطت فيها دولة الأندلس وما بعدها يجد أن الضعف العام في شتى مجالات الحياة قد ظهر بقوة في جميع البلاد الإِسلامية بين العام والخاص.
والحياة الإجتماعية في مصر في زمن السخاوي، أي: في بداية القرن التاسع الهجري أصابها ما أصاب غيرها من بلدان العالم الإِسلامي إلا أن وجود دولة المماليك وجعلهم القاهرة عاصمة لهم كان له بعض الأثر في إصلاح بعض الأحوال المعيشية لسكان مصر ولا سيما في زمن بعض السلاطين الذين ذكر عنهم الصلاح والعبادة. وكان المجتمع المصري في ذلك الزمان يقوم على نظام الطبقية الإجتماعية التي قسمت أهل مصر إلى سبعة أقسام.
1 -
المماليك: وهم حكام البلاد ومماليكهم من العسكر الذين سيطروا على البلاد وأهلها، وقد كانوا يعيشون في عزلة تامة عن أهل مصر ولهم تربيتهم الخاصة التي يحرصون أن تكون جيدة وعلى يد أفضل المعلمين والقراء وأساتذة العلوم، وفرسان الحرب، وهؤلاء المماليك هم الذين يضعون السلطان منهم ويخلعونه ويضعون غيره.
2 -
الفقهاء وأهل العلم: ويدخل تحتهم مشايخ الطرق الصوفية، وكانت لهم مكانة عند كثير من سلاطين المماليك وعند عامة الناس.
3 -
التجار: وقد نشطت حركة التجارة في مصر أيام دولة المماليك، وحملت البضائع منها وإليها، فأثرى تجارها مما رفع مكانتهم عند السلاطين والعامة وجعلهم طبقة متميزة عن سائر الطبقات ولا سيما وقت حاجة السلاطين للمال.
4 -
متوسطة الحال من السوقة وأرباب المهن.
5 -
الفلاحون.
6 -
ذوو الحاجة والمسكنة.
7 -
أهل الذمة: والمراد بهم اليهود والنصارى الذين كانوا في مصر أيام دولة المماليك، وكانوا يعيشون في تلك البلاد عيشة عادية وإن حدث منهم في بعض الأوقات اضطرابات سرعان ما تخمد وترجع الأمور إلى ما كانت عليه
(1)
.
وإن الباحث ليعجب من ذلك العصر - على كثرة علمائه وكثرة مدارسه وصلاح بعض سلاطينه - يعجب إذا تدبر أحوال أهله الإجتماعية وما انتشر عندهم من انحلال خلقي وأمراض أخلاقية شنيعة حتى أعلن الناس بالمعاصي الكبار وأقيمت لذلك النوادي الفاسدة، وقد يتدخل السلطان أحيانًا لإغلاق بعضها وحبس أهل الفساد، ولكن الخرق كان قد اتسع على الراقع والعياذ بالله. وقد شغف أهل تلك البلاد بالأعياد والإحتفالات والإجتماعات مما سهل كثيرًا من أمور الفساد وسهل خروج النساء من بيوتهن، وكان لذلك أثر في انتشار ما لا يجوز من الأمور
(2)
.
(1)
انظر: "إغاثة الأُمة" للمقريزي: ص 82)، و"الخطط" له كذلك:(3/ 349)، "الحياة الإجتماعية في عصر سلاطين المماليك":(ص 11).
(2)
"الحياة الإجتماعية في عصر سلاطين المماليك": (ص 225 - 235)، "الأيوبيون والمماليك في مصر والشام":(ص 349 - 350).
أما الأحوال الإقتصادية فإنها كانت غير مستقرة وهي مرتبطة بصلاح السلطان ومدة حكمه، وقد أصاب البلاد فترات من الغلاء العام كما حدث ذلك في سنة 892 هـ
(1)
.
وكذلك وقع في ذلك الزمان بعض الأوبئة العامة كالطاعون الذي حدث في القاهرة سنة 848 هـ بحيث كان يخرج باليوم الواحد ما يزيد على الألف.
وفي سنة 897 هـ وقع طاعون عام لم يسمع بمثله حتى قيل: إن ربع أهل الأرض ماتوا به
(2)
.
هذه أهم مظاهر الحياة الإجتماعية في ذلك العصر، ولعل ما أصاب أهل مصر في ذلك الزمان لم يكن خاصًّا، بل هو عام في شتى الأقاليم الإِسلامية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
*
المبحث الثالث: الحالة العلمية والدينية:
كانت مصر في أيام المماليك تعتبر دولة إسلامية قوية بالنسبة لجاراتها، ولذلك فقد قصدها العلماء وطلاب العلم من كل مكان، وقد كان لتشجيع بعض سلاطين المماليك للعلم وأهله دور هام في النهضة العلمية التي حصلت في مصر في ذلك الزمان، فقد سقطت بغداد ولم يعد للدولة العباسية وجود إلا في مصر وهو وجود اسمي فقط، والعلم يتبع عادة المراكز القوية؛ ولذلك رحل العلماء وطلاب العلم إلى مصر معلمين ومتعلمين، وقد اعتنى السلاطين ببناء المدارس وأجروا الأوقاف عليها وعينوا المعلمين وأجروا لهم الرواتب ولذلك نشطت حركة التعليم والتأليف في ذلك العصر، وشهد ذلك العصر علماء أجلاء أمثال ابن حجر
(1)
"شذرات الذهب": (7/ 261).
(2)
"شذرات الذهب": (7/ 261، 359).
والسخاوي والسيوطي، وظهرت مؤلفات عظيمة لهؤلاء الأئمة وغيرهم ولا سيما في علوم الحديث من جمع وتصنيف وفهرسة وزوائد ونحوها.
لكن هذا العصر كغيره من العصور لم يخل من بعض الأخطاء الخاصة والعامة التي ورثها علماء ذلك الزمان عن سلفهم واستحكمت فيهم بسبب التقليد والدعوة إلى نبذ الإجتهاد وإغلاق بابه وإيجاب كل شيخ على تلاميذه الأخذ بأقواله وتحذيره لهم من أخذ أقوال علماء غيره ولا سيما من أقرانه، وقد نقل ابن حجر رحمه الله عن بعض علماء عصره وصفًا لحال بعض العلماء في ذلك الزمان حيث قال:
إن الدروس بمصرنا في عصرنا
…
طبعت على غلط وفرط عياط
ومباحث لا تنتهي لنهاية
…
جدلًا ونقل ظاهر الأغلاط
ومدرس يبدي مباحث كلها
…
نشأت عن التخليط والأخلاط
ومحدث قد صار غاية علمه
…
أجزاء يرويها عن الدمياطي
والفاضل النحرير فيهم دأبه
…
قول أرسطا طاليس أو بقراط
وعلوم دين الله نادت جهرة
…
هذا زمان فيه طي بساطي
(1)
وأهم سمات ذلك العصر العلمية والدينية:
1 -
انتشار المدارس والعناية بها، وإنشاء المكتبات فيها، ووقف الأموال عليها من أجل استمرارها.
2 -
كثرة المؤلفات العلمية الضخمة، ولا سيما في علم الحديث والرجال.
3 -
انتشار الطرق الصوفية عند العام والخاص حتى عند علماء ذلك العصر، وقد بنيت لهؤلاء الصوفية الزوايا ووقفت عليهم الأوقاف، واعتقد الناس بهؤلاء المجانين أنهم أولياء، وأنهم يعلمون الغيب، وأن لهم تصرفًا في الكون، وأن من دخل الطريقة هدي، ومن لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه. ولا تستغرب
(1)
"الدر الكامنة": (2/ 72).
إذا قرأت ترجمة أحد المشهورين في ذلك العصر فوجدت أنه قد بايع على طريقة صوفية ولبس الخرقة على يد الشيخ فلان، فهذا أمر عام في ذلك الزمان.
4 -
انتشار العقيدة الأشعرية في ذلك العصر، حتى اشتهر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة، أما عقيدة السلف فهي عندهم عقيدة المجسمة، ولا يجوز تعليمها ولا تعلمها، ومن علمها أو تعلمها أدب وعوقب.
5 -
المبالغة في إحياء الإحتفالات البدعية باسم الدين كالمولد ورأس السنة الهجرية، وعاشوراء، وليلة الإسراء والمعراج، ونحوها من الأعياد البدعية.
6 -
الحرص على التمذهب لأحد المذاهب الأربعة، ولذلك تعدد القضاة، فلكل مذهب قاض ولكل مذهب مفتي مع حرص السلاطين على رفع أتباع المذهب الشافعي لأنه مذهبهم
(1)
.
قال الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله: (ومن يقرأ مؤلفات السخاوي يرى فيها صورة العصر الذي عاش فيه، فيعرف أنه كان عصر تقليد عميق، وجمود عتيق على الموروث عن الآباء والمشايخ
…
ولذلك فلم يكن من المستغرب أن تروج عندهم وثنيات الموالد والأعياد التي أوحاها شياطين الإنس لعبادة الموتى من دون الله باسم الإِسلام، ولا من العجب أن تعظم وتقدس في نفوسهم القباب والمقاصير والمشاهد ومشيدوها، فيثنى عليهم أطيب الثناء، فكان من ثمرات ذلك ولابد أن تموت عقيدة التوحيد الإِسلامية من - أكثر - القلوب فتموت القلوب بموتها وأن تشيع الخرافات وتتحكم البدع المحدثات ولا حول ولا قوة إلا بالله)
(2)
.
(1)
"المجتمع المصري في عهد سلاطين المماليك": (ص 176)، "الخطط" للمقريزي:(3/ 306)، "الأيوبيون والمماليك في مصر والشام":(ص 353 - 354).
(2)
"التحفة اللطيفة": (1/ 12 - 13) باختصار.
وقد عقد الشيخ رحمه الله مقارنة بين ما قام به شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله من دعوة إلى التوحيد الخالص وبين علماء ذلك العصر، وبَيَّنَ فضل دعوة شيخ الإِسلام رحمه الله وتلاميذه على دعوة علماء عصر السخاوي وطريقهم، وهو كما قال رحمه الله. وكم يتعجب الإنسان من بعض أخطاء هؤلاء العلماء الأجلاء مع عنايتهم الفائقة بالحديث وعلومه، وكيف مرت البدع الشنيعة في كتبهم بلا نكير، ولكن إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، ونسأله سبحانه أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
* * *
الفصل الثاني سيرة المؤلف الشخصية
*
المبحث الأول: اسمه ونسبته وكنيته ولقبه
(1)
:
هو الشيخ الحافظ، الرحالة، المحدث، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد، الملقب شمس الدين، أبو الخير وأبو عبد الله بن الزين، - أو الجلال - أبي الفضل وأبي محمد السخاوي.
ينسب إلى سخا، بلدة في جنوب غرب مصر، وربما يقال له: ابن البارد شهرة لجده بين أُناس مخصوصين، ولذا لم يشتهر بها أبوه بين الجمهور ولا هو بل يكرهها، ولا يذكره بها إلا من احتقره.
ويقال له كذلك: البهائي، نسبة إلى الحارة التي وُلد بها في القاهرة، وتسمى حارة بهاء الدين، وتقع بالدرب المجاور لمدرسة الشيخ البلقيني.
ويكنى بأبي الخير، وأبي عبد الله ويلقب (شمس الدين).
(1)
مصادر ترجمته:
"الضوء اللامع لأهل القرن التاسع": (8/ 2 - 32)، "التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة":(3/ 630)، "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع":(2/ 184 - 187)، "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة":(1/ 53 - 54)، "شذرات الذهب في أخبار من ذهب":(8/ 15 - 17)، "كشف الظنون":(2/ 12، وغيرها)، "معجم المؤلفين":(10/ 150)، "الأعلام":(6/ 194 - 195)، "التاج المكلل":(ص 439).
*
المبحث الثاني: مولده ونشأته وحياته:
وُلد السخاوي في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، في حارة بهاء الدين علو الدرب المجاور لمدرسة الشيخ البلقيني محل أبيه وجده.
ثم تحول حين دخل في الرابعة مع أبويه لبيت اشتراه أبوه مجاور لسكن شيخه الحافظ ابن حجر.
وقد نشأ السخاوي رحمه الله نشأة صالحة، وكان اهتمام أبيه به كبيرًا، فقد حرص على تحفيظه القرآن وهو في سن مبكرة، وكان يختار له المدرسين وينقله من شيخ إلى شيخ يطلب له - والله أعلم - أفضلهم، فبسبب حرص والده عليه بعد توفيق الله حصل له هذا العلم الوفير.
وقد لازم شيخه ابن حجر ملازمة تامة ولم ينفك عن ملازمته ولا عدل عنه بملازمة غيره من علماء الفنون خوفًا على فقده، ولا ارتحل إلى الأماكن النائية بل ولا حج إلا بعد وفاته، وأول مرة حج فيها سنة 870 هـ مع عياله وأكبر إخوته ووالديه، ثم رجع إلى القاهرة.
وحج مرة أخرى في سنة خمس وثمانين وثمانمائة وجاور سنة ست ثم سنة سبع وأقام منها ثلاثة أشهر بالمدينة.
ثم حج الثالثة في سنة 892 هـ وجاور سنة ثلاث ثم سنة أربع.
ثم حج الرابعة في سنة ست وتسعين وثمانمائة وجاور إلى سنة ثمان، فتوجه إلى المدينة النبوية، فأقام بها أشهًرا وصام رمضان بها ثم عاد في شوالها إلى مكة وأقام بها مدة ثم رجع إلى المدينة فأقام بها حتى توفي رحمه الله
(1)
.
(1)
"الضوء اللامع": (7/ 2، 14)، "شذرات الذهب":(7/ 15 - 16).
*
المبحث الثالث: وفاته:
بعد حياة مليئة بالدراسة والتعلم والرحلات والتأليف، توفي السخاوي رحمه الله في المدينة النبوية في يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان سنة اثنتين وتسعمائة للهجرة وصلي عليه بعد صلاة صبح يوم الإثنين، ودُفن بالبقيع رحمه الله رحمة واسعة
(1)
.
وقد اتفقت المصادر التي ذكرت وفاته أنه مات في سنة 902 هـ سوى ما ذكره الغزي قال: (رأيت بخط بعض أهل العلم أن السخاوي توفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة. قال: وهو خطأ فإني رأيت بخط السخاوي على كتاب "توالي التأسيس بمعاني ابن إدريس الشافعي" للحافظ ابن حجر أنه قرأه عليه في مجالس آخرها يوم الجمعة ثامن شهر المحرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة. ورأيت بخطه أيضًا على الكتاب المذكور أنه قرأ عليه أيضًا بالمدرسة المذكورة في مجالس آخرها يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الأول سنة تسعمائة.
قال: ثم رأيت ابن طولون ذكر في "تاريخه" أنه توفي بمكة وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعمائة.
قال: ثم رأيت النعيمي ذكر في "عنوانه" أنه توفي بالمدينة وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعمائة والله أعلم أيهما أصح)
(2)
.
* * *
(1)
"شذرات الذهب": (7/ 17).
(2)
"الكواكب السائرة": (1/ 54).
الفصل الثالث سيرة المؤلف العلمية
*
المبحث الأول: طلبه للعلم:
إن المطالع لسيرة السخاوي رحمه الله يجد اهتمام والده به واضحًا منذ طفولته، فقد أدخله الكتَّاب، ثم صار ينقله من شيخ إلى شيخ، فإنه لما تعلم مبادئ القراءة في المكتب - الكتَّاب - نقله أبوه إلى مدرس آخر، فقرأ عليه القرآن حتى أتمه وهو صغير ولم تذكر المصادر في أي سنة حفظ القرآن إلا أن حرص والده عليه وذكاءه يدلان على أنه حفظه في سن مبكرة، ثم تدرب على الإمامة فصلى بالناس التراويح في رمضان فيما يسمونه بمصر الزوايا، وهذا يدل على أنه صلى بهم وهو صغير؛ لأن الزاوية ليست مسجدًا كما هو معلوم، فكأنه أراد ضبط حفظه فصلى في هذه الزاوية التراويح بالناس. ثم بعد هذا انتقل إلى شيخ آخر فقرأ عليه التجويد وضبط عليه القرآن وهو الشيخ محمد بن أحمد النحريري، فلما أتم حفظ القرآن وجوده بدأ بحفظ كثير من المتون.
فحفظ "عمدة الأحكام"، و"ألفية العراقي"، و"شرح نخبة الفكر"، وغالب "الشاطبية".
ولزم البرهان بن خضر أحد علماء العربية في زمانه، فقرأ عليه غالب "شرح الألفية" لابن عقيل، وسمع الكثير من توضيحها لابن هشام، وأملى عليه عدة كراريس من مقدمة العربية.
وقرأ كذلك على الحناوي النحوي "مقدمة الدرة المضية" في النحو، وقرأ الفقه
على كثير من علماء بلده في ذلك الزمان منهم العلم صالح البلقيني، وأخذ الفرائض والحساب والميقات وغيرها عن الشهاب ابن المجد، وأخذ عن غير هؤلاء كثير مما ذكره هو عن نفسه في ترجمته في "الضوء اللامع".
وكان في أثناء ذلك قد تعرف على الحافظ ابن حجر رحمه الله وعمره ثمان سنوات، وكان أبوه يأخذه للإستماع ليلًا من ابن حجر، فسمع منه حديثًا كثيرًا، ثم لما حصَّل ما حصَّل من العلوم من المشايخ انقطع بكليته للحافظ ابن حجر ولازمه ملازمة تامة وداوم الملازمة لشيخه حتى حمل عنه علمًا جمًّا واختص به كثيرًا، بحيث كان من أكثر الآخذين عنه وأعانه على ذلك قرب منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلا النادر وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء. وقد علم شيخه ابن حجر رحمه الله شدة حرصه على الأخذ منه فكان يرسل خلفه أحيانًا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة. وهكذا نجد حياة السخاوي رحمه الله مليئة بطلب العلم والحرص على الأخذ من العلماء مما أثر ذلك على شخصيته العلمية القوية وعلى كثرة تأليفه
(1)
.
*
المبحث الثاني: رحلاته:
مع كثرة ما حصله السخاوي رحمه الله في بلده من السماعات على العلماء في شتى الفنون إلا أنه حرص على الإستفادة من العلماء الموجودين في العالم الإِسلامي في ذلك الوقت ولذلك رحل كثيرًا للسماع منهم. وأول رحلاته كانت إلى المدن المصرية خارج القاهرة فسافر إلى منوف ودمياط وفيشا الصغرى وبلبيس والمنصورة والمحلة ورشيد والإسكندرية، وغيرها من مدن مصر، فأخذ عن نحو خمسين من العلماء والمسندين في تلك البلاد.
(1)
ملخصه من ترجمته لنفسه في "الضوء اللامع": (7/ 2)، و"شذرات الذهب":(7/ 15)، و"الكواكب السائرة":(1/ 54).
ولما مات شيخه وخرج إلى الحج لم يفته الأخذ عن علماء تلك الديار فأخذ عن علماء ينبع وجدة والطور ومكة والمدينة، ثم ارتحل إلى حلب فسمع وروى، ورحل كذلك إلى غزة والمجدل والرملة وإلى بيت المقدس ونابلس ودمشق وبعلبك وحمص وحماة والمعرة وجبرين وطرابلس والمزة وداريا. ويبلغ عدد من سمع منهم في هذه الرحلات نحو مائة نفس، ويزيد عدد البلدان والأماكن التي سمع فيها على الثمانين. وفي هذه البلدان أملى كثيرًا من مؤلفاته ورواها عنه العلماء وأجازهم وأجازوه واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة بمصر وغيرها الشيء الكثير. ولم تذكر المصادر أنه رحل إلى العراق أو بلاد فارس والهند أو ما وراء النهر أو بلاد المغرب أو غيرها من بلاد العالم الإِسلامي، والسبب والله أعلم أن تلك البلاد خارجة عن حكم دولة المماليك، أو لبعد تلك البلاد، أو لعدم أمن الطريق بسبب الفتن الكثيرة التي حصلت في العالم الإِسلامي بسبب حروب التتار والمغول والصليبيين ومحاولة الدولة العثمانية التوسع في العالم الإِسلامي والله أعلم
(1)
.
*
المبحث الثالث: مشايخه وتلاميذه:
سمع السخاوي رحمه الله من عدد كبير جدًّا من المشايخ، فقد سمع في مصر عن نحو أربعمائة شيخ، وسمع في رحلاته من نحو مائة شيخ إلا أن أعظم من أخذ عنه من مشايخه ابن حجر رحمه الله.
قال الشوكاني: (وقد غلبت عليه محبة شيخه الحافظ ابن حجر فصار لا يخرج عن غالب أقواله كما غلبت على ابن القيم محبة شيخه ابن تيمية، وعلى الهيثمي محبة شيخه العراقي)
(2)
.
(1)
"الضوء اللامع": (7/ 8 - 9).
(2)
"البدر الطالع": (2/ 87).
وقد علق صديق حسن خان رحمه الله على ذلك بقوله: (وعليَّ محبة شيخي العلامة الشوكاني رحمه الله
(1)
.
وسأورد في هذا المبحث إن شاء الله أبرز شيوخه:
1 -
الحافظ ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي بن محمد، شهاب الدين، المصري، الشافعي. وُلد بمصر سنة 774 هـ، ونشأ بها يتيمًا، وحفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وتفقه على الأنياسي والبلقيني ولازمهما مدة، واشتغل بالعلم وحصَّل، وارتحل إلى الشام والحجاز فأخذ عن جماعة، ثم اقتصر على الحديث وصنف كثيرًا. انتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأجمعها، فلم يكن في عصره حافظ سواه. وشهد له أعيان شيوخه بالحفظ، وزادت تصانيفه التي معظمها في فنون الحديث على مائة وخمسين تصنيفًا، ورزق فيها القبول فلا تكاد تجد بيت طالب علم إلا وهي فيه قديمًا وحديثًا ولا سيما كتابه العظيم "فتح الباري في شرح صحيح البخاري".
قال الشوكاني: (قال ابن حجر: لست راضيًا عن شيء من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الأمر، ثم لم يتهيأ لي من يحررها معي سوى شرح البخاري ومقدمته، و"المشتبه"، و"التهذيب"، و"لسان الميزان").
توفي رحمه الله في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة 852 هـ بالقاهرة
(2)
.
(1)
"التاج المكلل": (ص 440).
(2)
مصادر ترجمته:
"الضوء اللامع": (2/ 35)، "ذيل طبقات الحفاظ" للسيوطي:(ص 380)، "شذرات الذهب":(7/ 270)، "البدر الطالع":(1/ 87)، "التاج المكلل":(ص 362)، "فهرس الفهارس والأثبات":(2/ 989، وغيرها).
وقد لازم السخاوي رحمه الله شيخه ملازمة تامة وانقطع إليه وقرأ عليه المصطلح بتمامه وسمع جل كتبه، كـ "الألفية" و"شرحها" مرارًا، و"علوم الحديث" لابن الصلاح، وأكثر تصانيفه في الرجال وغيرها كـ "التقريب"، و"التهذيب"، و"تعجيل المنفعة"، و"اللسان"، و"مشتبه النسبة"، و"تخريج الرافعي"، و"تلخيص مسند الفردوس"، و"المقدمة"، وغالب "فتح الباري" ونحوها، وقرأ بنفسه "النخبة وشرحها"، و"القول المسدد"، و"بلوغ المرام"، و"ديوان شعره"، وأذن له في الإقراء والإفادة والتصنيف، وصلَّى به إمامًا التراويح في بعض ليالي رمضان، ولزمه إلى أن مات رحمه الله
(1)
.
2 -
أحمد بن يعقوب بن أحمد الأطفيحي، القاهري، الأزهري، الشافعي، ويعرف بابن يعقوب.
وُلد سنة 790 هـ بالقاهرة، ونشأ بها، فحفظ القرآن وعدة كتب عرضها على البلقيني وغيره من علماء زمانه. ومن محفوظاته "تقريب الأسانيد" للعراقي. ومن شيوخه العراقي، والهيثمي، والتنوخي، وابن الذهبي، وابن العلائي، وغيرهم. وتزوج زينب ابنة شيخه العراقي. أثنى عليه السخاوي كثيرًا في "الضوء اللامع". توفي سنة 856 هـ
(2)
.
3 -
أسعد بن محمد بن محمد بن المنجا التنوخي، الدمشقي، الحنبلي، يُعرف بابن المنجا.
وُلد بدمشق قبل الثمانمائة بيسير، حفظ القرآن في صغره و"الخرقي"، و"ألفية ابن مالك". تفقه بابن مفلح، وناب في القضاء بدمشق.
(1)
"الضوء اللامع": (7/ 6) باختصار. وقد نوقشت أخيرًا في الجامعة الإِسلامية رسالة في عقيدة الحافظ ابن حجر رحمه الله فراجعها فإنها مهمة.
(2)
"المصدر السابق": (2/ 245).
قال السخاوي: كان خيرًا متواضعًا، محبًّا للحديث وأهله، مرضي السيرة، عريقًا في المذهب. قال العليمي: كان من أهل الفضل ورواة الحديث الشريف، وهو من بيت مشهور بالعلماء. توفي سنة 871 هـ
(1)
.
4 -
محمد بن أحمد بن عماد الدين بن يوسف الأفقهسي، القاهري، الشافعي، يُعرف بابن العماد.
وُلد أول رمضان سنة 789 هـ. تتلمذ على البلقيني والتنوخي والسراج والكوفي وابن الإمام الذهبي والعراقي. له مؤلفات منها: "تنوير الدياجير بمعرفة أحكام المحاجير". توفي سنة 768 هـ
(2)
.
أما تلاميذه فهم ولا شك كثير فقد سمع منه الناس في مصر والشام ومكة والمدينة وغيرها، ومن هؤلاء:
1 -
علي بن يس بن محمد الداراني، الطرابلسي، الحنفي، نزيل القاهرة.
وُلد بطرابلس، وتحول منها إلى دمشق وهو دون البلوغ، فحفظ القرآن ثم عاد إلى بلده، ثم ارتحل إلى القاهرة فحفظ "الآجرومية" وغيرها، ولازم الغزي وأبا الخير بن الرومي وأجاز له السخاوي في كراستين وعظمه وأذن له في التدريس والإفادة. مات سنة 942 هـ
(3)
.
2 -
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الدمشقي، الصالحين، الشافعي، يُعرف بابن المعتمد.
وُلد سنة 843 هـ بصالحية دمشق، ونشأ بها وحفظ القرآن و"المنهاج" و"ألفية النحو"، وتفقه بالبدر ابن قاضي شهبة، والنجم ابن قاضي عجلون ولازمه.
(1)
"المصدر السابق": (2/ 279)، "شذرات الذهب":(3/ 312).
(2)
"الضوء اللامع": (7/ 34 - 35).
(3)
"المصدر السابق": (6/ 49 - 50)، "شذرات الذهب":(7/ 246 - 247).
قال السخاوي: (استجازني لنفسه ولبنيه)
(1)
.
3 -
محمد بن أحمد بن علي النشرتي الأصل، القاهري، الشافعي.
وُلد عام 821 هـ، حفظ القرآن وجوده على بعض القراء، وحفظ "العمدة" و"التنبيه" وغيرها، واشتغل في الميقات والحساب والعربية ونحوهما. لازم السخاوي وقرأ عليه الكثير من مصنفاته. توفي سنة 881 هـ
(2)
.
*
المبحث الرابع: مؤلفاته:
ابتدأ السخاوي رحمه الله التأليف في سن مبكرة قبل أن يكمل العشرين من عمره؛ لأن زمانه كان زمن تأليف وتصنيف، وزادت مؤلفاته على أربعمائة مجلد، ذكر أكثرها في كتابه "الضوء اللامع" وهي في فنون شتى، ولكن يغلب عليها علم الحديث وما يتعلق به، وهذا والله أعلم من آثار ملازمته لشيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله، وسأكتفي هنا بذكر أهم المؤلفات ومن أراد الزيادة فعليه بمراجعة مصادر ترجمته.
1 -
"الضوء اللامع لأهل القرن التاسع":
وهو كتاب عظيم النفع، ترجم فيه لأعيان القرن التاسع، ومن المعلوم أن الكتب في تراجم أهل ذلك العصر ومن بعده قليلة جدًّا، فنفع الله به في معرفة أحوال أهل ذلك الزمان، وقد أثنى عليه العلماء كثيرًا، وقد ترجم فيه لنفسه ترجمة استفاد منها كل من جاء بعده ممن أراد ترجمته.
قال الشوكاني رحمه الله: ولو لم يكن لصاحب الترجمة من التصانيف إلا "الضوء اللامع" لكان أعظم دليل على إمامته، فإنه ترجم فيه أهل الديار الإِسلامية
(1)
"الضوء اللامع": (7/ 123 - 125).
(2)
"المصدر السابق": (7/ 8 - 9).
وسرد في ترجمة كل أحد محفوظاته ومقرؤاته وشيوخه ومصنفاته وأحواله ومولده ووفاته على نمط حسن وأسلوب لطيف ينبهر له من لديه معرفة بهذا الشأن ويتعجب من إحاطته بذلك وسعة دائرته في الإطلاع على أحوال الناس. وقد فضل الشوكاني هذا الكتاب على كتاب "الدر الكامنة" لشيخ السخاوي
(1)
.
وقد طبع الكتاب في ثمانية أجزاء.
2 -
"التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة":
وهو كتاب ترجم فيه المصنف لأهل المدينة ومن سكنها من غير أهلها بشرط أن تكون مدة إقامته سنة فأكثر ويكون قد درس فيها أو حدث وقال في مقدمته لهذا الكتاب: أتيت بما اشتمل عليه هذا الكتاب على حروف المعجم، تسهيلًا للكشف للإستفادة منه والإنتخاب، مراعيًا في ذلك الترتيب في الآباء، والأجداد، وبقية الأنساب، ثم أردف الأسماء بالكنى وبالأنساب ونحوها، مما يقرب المراجعة لمن به اعتنى، ثم بالنساء، اقتداء بمن مضى من الأئمة. وأثبتنا كل هذا بعد الإبتداء بسيرة نبوية مختصرة نافعة مفيدة معتبرة.
ثم أردفنا بإشارة مختصرة جدًّا تشتمل على ما اشتمل عليه المسجد الشريف من أبنية ونحوها، وما في المدينة من مساجد وآبار
(2)
اهـ.
وقد استفاد في كتابه هذا من كتاب قرينه السمهودي "وفاء الوفاء" وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه هذا.
وقد طبع هذا الكتاب في ثلاث مجلدات، وفيه حكايات وأخبار تحتاج إلى تعليق لمخالفتها العقيدة الصحيحة.
(1)
"البدر الطالع": (2/ 186 - 187).
(2)
"التحفة اللطيفة": (1/ 20 - 21) باختصار.
3 -
"فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي":
وهو كتاب شرح فيه المصنف منظومة الزين العراقي المتوفى سنة 806 هـ في الحديث. وقد حظي هذا الشرح بعناية العلماء وثنائهم وصار متداولًا لدى المشتغلين بالسنة النبوية الشريفة تدريسًا وتأليفًا، وهو أحد المراجع الدراسية لطلبة كلية الحديث في الجامعة الإِسلامية بالمدينة النبوية، وقد طبع الكتاب مرارًا.
4 -
"المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة":
وهو كتاب جامع، وفيه من الصناعة الحديثية ما ليس في غيره. قال ابن العماد الحنبلي:(وهو أجمع من كتاب السيوطي المسمى بـ "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" وفي كل واحد منهما ما ليس في الآخر)
(1)
.
وفي هذا الكتاب قرابة (1500) حديث من الأحاديث المشتهرة.
قال في مقدمة هذا الكتاب: (وبعد؛ فهذا كتاب رغب إلي فيه بعض الأئمة الأنجاب، أُبين فيه بالعزو والحكم المعتبر ما على الألسنة اشتهر، مما يظن إجمالًا أنه من الخبر، ولا يهتدي لمعرفته إلا جهابذة الأثر، وقد لا يكون فيه شيء مرفوع، وإنما هو في الموقوف أو المقطوع، وربما لم أقف له على أصل أصلًا، فلا أبت فيه بفصل قولًا
…
" إلى آخر كلامه في ذلك.
وقد طبع الكتاب مرارًا واختصره غير واحد من العلماء منهم الزرقاني وهو مطبوع كذلك.
5 -
"القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع":
وهو كتاب رتبه مؤلفه على مقدمة وخمسة أبواب، جمع فيها الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك وهو في الحقيقة يحتاج إلى تحقيق
(1)
"شذرات الذهب": (8/ 16).
لبيان ما فيه من بعض الأحاديث الضعيفة، وإن كان السخاوي بيَّن غالبًا درجة الحديث، وفيه كذلك حكايات وأخبار تحتاج إلى دراسة، ولا يخلو من بعض الأخطاء الشائعة في ذلك العصر. وقد طبع الكتاب مرارًا.
وللسخاوي رحمه الله غير هذه الكتب التي ذكرها في ترجمته، وقد طبع بعضها وليس هذا موضع بسطها.
*
المبحث الخامس: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
إن ما خلَّفه السخاوي رحمه الله من كتب علمية دليل على علو مكانته العلمية بالنسبة لعلماء عصره، ولقد كانت له منزلة عالية عند علماء عصره وسلاطينهم كما سبق ذكر ذلك في الحالة السياسية. وكانت كذلك له مكانة خاصة حتى عند شيوخه كالحافظ ابن حجر رحمه الله، فقد أثنى عليه فقال:(وأمثل جماعتي).
وقال ابن العماد: (وانتهى إليه علم الجرح والتعديل)
(1)
.
وقال الغزي: (الإمام، العالم، العلامة، المسند، الحافظ، المتقن)
(2)
.
وفي ترجمته لنفسه نقل كثيرًا من ثناء العلماء عليه
(3)
.
وقال تلميذه جار الله بن فهد عقب ترجمة شيخه لنفسه: (إن شيخنا صاحب الترجمة حقيق بما ذكره لنفسه من الأوصاف الحسنة، ولقد - والله العظيم - لم أر في الحفاظ المتأخرين مثله، ويعلم ذلك كل من اطلع على مؤلفاته أو شاهده وهو عارف بفنه منصف في تراجمه
…
ولا أعلم الآن من يعرف علوم الحديث مثله، ولا أكثر تصنيفًا ولا أحسن. وكذلك أخذها عنه علماء الآفاق من المشايخ والطلبة والرفاق، وله اليد الطولي في المعرفة بأسماء الرجال، وأحوال الرواة، والجرح
(1)
"شذرات الذهب": (8/ 15).
(2)
"الكواكب السائرة": (1/ 53).
(3)
"الضوء اللامع": (8/ 19 - 31).
والتعديل، وإليه يشار في ذلك. ولقد قال بعض العلماء لم يأت بعد الحافظ الذهبي مثله سلك هذا المذهب، وبعده مات فن الحديث، وأسف الناس على فقده ولم يخلف بعده مثله)
(1)
.
وقد وقعت بينه وبين بعض معاصريه وأشهرهم السيوطي منافسة وردود، وتكلم كل واحد منهما في الآخر، فأصاب من وجه وأخطأ من وجه، والله يغفر لهما. وعلى أي حالٍ فقد أجاد كل منهما في علوم شتى وإن كان عندهما نقص واضح في علم أصول الدين لقلة هذا العلم وأهله في ذلك الزمان
(2)
، والله أعلم.
*
المبحث السادس: مذهبه وعقيدته:
انتشر في مصر أيام السخاوي رحمه الله المذهب الشافعي في الفقه، وكان من أهم العوامل على انتشاره اعتناق سلاطين البلاد المذهب الشافعي، وتقديمهم علماء الشافعية على غيرهم. وقد ذكر المصنف رحمه الله عن نفسه أنه شافعي المذهب، وهكذا ذكر كل من ترجم له، كالشوكاني، والغزي، وغيرهما. ولكنه - والله أعلم - لم يكن من المتعصبين للمذهب، وإن كان كغيره في ذلك الزمان لا يرى الإجتهاد سائغًا، ولكن دراسة الحديث ولا سيما على شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله قد أثرت عليه فربما رجح بعض الأقوال المخالفة لمذهب الشافعية.
أما معتقده، فإن المعتقد السائد في تلك البلاد في ذلك العصر هو معتقد المتكلمين الأشاعرة، وهو وإن درس هذه العقيدة إلا أنه لم يكن من الجامدين عليها، بل إنه قد يخالفها ويعمل بما صح من الأحاديث في المسألة أسوة بشيخه ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري"، وهذا كله ببركة الحديث الشريف.
(1)
"البدر الطالع": (2/ 185 - 186).
(2)
"المصدر السابق": (1/ 328 - 334).
ولذلك ذكر عن نفسه في ترجمته أنه قرأ على مشايخه كتاب "الإيمان" لابن منده، و"الإيمان" لابن أبي شيبة، و"ذم الكلام" للهروي، و"شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي. وهذا يدل دلالة واضحة على أن مذهبه كمذهب بعض من سبقه من متكلمة أهل الحديث، وليس من المتكلمة الجامدين على علم الكلام الذين لا يقيمون وزنًا للحديث الشريف.
وقد ذكر عن نفسه في الترجمة أنه قد لبس الخرقة الصوفية، وأنه أحد أبناء الصوفية. وهذا دليل على تأثره بالصوفية وتعظيمه لهم، شأنه شأن علماء عصره إلا من رحم الله.
وفي الحقيقة إن الحديث عن معتقد السخاوي رحمه الله يحتاج إلى بحث واسع، ولعل الله أن ييسر فأفرد له دراسة خاصة عن عقيدته إن شاء الله تعالى
(1)
.
* * *
(1)
"الضوء اللامع": (8/ 3 - 18).
وقد علمت بعد طبع هذا البحث أن رسالة علمية سجلت في الجامعة الإِسلامية تبحث في شخصية السخاوي من الناحية الحديثية، فلعل الباحث يتعرض لذلك إن شاء الله.
الباب الثاني دراسة الكتاب
ويحتوي على فصلين:
* الفصل الأول: التعريف بالكتاب.
* الفصل الثاني: موضوع الكتاب والكتب المؤلفة فيه.
الفصل الأول التعريف بالكتاب
*
المبحث الأول: اسم الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلف:
اتفقت النسخ الثلاث المعتمدة في تحقيق الكتاب على اسم الكتاب وهو "القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة". وقد اتفقت هذه النسخ على نسبة الكتاب للمؤلف.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله في ترجمته لنفسه في "الضوء اللامع" كتابه هذا ضمن مؤلفاته وسماه "القناعة مما تحسن الإحاطة به من أشراط الساعة"
(1)
.
أما في "كشف الظنون" فإنه سماه "القناعة فيما تحسن إليه الحاجة من أشراط الساعة"
(2)
.
وكذلك ذكره في "هدية العارفين"
(3)
.
وقد نسب الكتاب في هذين النسختين للسخاوي رحمه الله.
وقد اخترت الإسم المكتوب على المخطوط اسمًا لهذا الكتاب، ولا سيما أن بعضها نقل من نسخة كتبت في عصر المؤلف، ولعل ما خالف ذلك الإسم قد وقع فيه تصحيف والله أعلم.
(1)
"الضوء اللامع": (8/ 18).
(2)
"كشف الظنون": (2/ 1356).
(3)
"هدية العارفين": (2/ 221).
*
المبحث الثاني: التعريف بنسخ الكتاب الخطية:
وجدت من نسخ هذا الكتاب ولله الحمد نسختين خطيتين كاملتين، ونسخة مطبوعة على نسخة خطية ثالثة، فتحصل من ذلك ثلاث نسخ خطية ولله الحمد مما كان له دور كبير في إخراج النص بشكل صحيح إن شاء الله. وإليك وصف هذه النسخ:
النسخة الأولى: نسخة مكتبة برلين الغربية وصورتها موجودة في مكتبة المخطوطات في الجامعة الإِسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (1803).
وتقع هذه النسخة في (16) لوحة، أي: ما يعادل (33) صفحة من الحجم الكبير.
وعدد الأسطر في كل صفحة (25) سطرًا تقريبًا، وعدد كلمات السطر الواحد (17) كلمة تقريبًا.
وقد كتبت هذه النسخة بخط واضح وفيها بعض المقابلات والتصحيحات على الهامش، وقد صورت بشكل جيد، فظهرت هذه التصحيحات واضحة مما جعل لهذه النسخة أهمية في إخراج النص بصورة جيدة، ولذلك اعتمدتها أصلًا في التحقيق ورمزت لها "الأصل". وجاء في الصفحة الأخيرة من هذه النسخة أنها علقت من نسخة تاريخها أواخر شهر صفر سنة تسع وتسعين وثمانمائة بمكة المكرمة - أي: في حياة المؤلف -.
وكان الفراغ من كتابتها يوم الثلاثاء رابع عشر رمضان المعظم من شهور سنة ألف ومائة وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، على يد الفقير عمر بن عمر البدراوي الشافعي الأزهري.
النسخة الثانية: نسخة مكتبة أسعد أفندي، ضمن المكتبات الموجودة في المكتبة السليمانية تركيا، وقد رمزت لها بالحرف "أ".
وتقع هذه النسخة في (22) لوحة، أي: ما يعادل (44) صفحة، وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة (21) سطرًا تقريبًا، وعدد كلمات السطر الواحد (14) كلمة تقريبًا.
وقد كتبت بخط لا بأس به لكنه غير مرتب مما أدى إلى تداخل الكلمات أحيانًا. وقد كتبت رؤوس المسائل بخط ملون مما تسبب في اختفاء كثير من الكلمات عند التصوير، ولذلك فضلت النسخة الأولى عليها مع تقدم هذه النسخة. وتوجد في هذه النسخة بعض التصحيحات في الحواشي لكنها غير كاملة بسبب سوء التصوير. مع وجود بعض السقط فيها كما ستراه في أثناء الكتاب.
وقد جاء في الصفحة الأخيرة من هذه النسخة: وكتبه لنفسه ولمن شاء من بعده الراجي عفو ربه الغني محمد بن الحاج يونس بن خجا الغشني المالكي، وفرغ من كتابته في يوم الأربعاء عاشر شهر ربيع الأول من شهور سنة ثلاث بعد الألف. وهي نسخة متقدمة جدًّا كتبت بعد وفاة المؤلف بإحدى عشرة سنة تقريبًا.
النسخة الثالثة: نسخة مطبوعة بتحقيق مجدي فتحي السيد إبراهيم، والناشر مكتبة القرآن بالقاهرة بدون تاريخ، ولكن كتب عليها أنها أودعت عام (1987 م). وقد رمزت لها بالحرف "ط".
وقد اعتمد المحقق على نسخة خطية في دار الكتب المصرية رقم (305) وعلى ميكروفيلم رقم (15905) تحت رمز حديث تيمور، وعدد صفحات هذا المخطوط (46) وتحتوي كل صفحة على (21) سطرًا تقريبًا. وقال المحقق في وصفها:(وهي مخطوطة جيدة الخط بها علامات إعرابية للتوضيح) اهـ.
وقد حصلت على رقم هذه المخطوطة ومكان وجودها من الفهارس الموجودة في الجامعة الإِسلامية، وكنت حريصًا على إحضارها ولكني لما وجدت أن الكتاب قد طبع بردت همتي واكتفيت بهذا المطبوع.
وقد قام المحقق بعمل ما يلزم لإخراج هذا الكتاب ولكنه اعتمد على نسخة واحدة وهي حسب المقابلة مع النسخ الأخرى نسخة فيها نقص كثير وسقط (وقد وصل السقط في بعض المواضع إلى ثلاثة أسطر)، وطمس، فلذلك حصل هذا في المطبوعة المعتمد عليها كما سيتضح ذلك في أثناء الكتاب.
أما التحقيق فهو قليل جدًّا، وخلا من التعليقات المطلوبة لإيضاح بعض المسائل، إضافة إلى كثير من التصحيفات التي لم ينبه عليها المحقق، واكتفى كذلك بتخريج بعض الأحاديث ولم يستدل لأكثر الأشراط التي ذكرها المؤلف في أثناء كتابه، ولذلك كان الكتاب بحاجة إلى تحقيق علمي ولا سيما بعد حصولي على بقية النسخ المخطوطة ولله الحمد.
وبعد الإنتهاء من تحقيق الكتاب وقبل إخراجه خرجت للكتاب طبعة ثانية بتحقيق عصام الحرستاني ورفيقه، وقد صدرت عام (1418 هـ) وقد اعتمد محقق هذا الكتاب على النسخة المطبوعة سابقة الذكر، ولم يعتمد على نسخة مخطوطة أبدًا ولذلك وافقه في أخطائه جميعها، وكذلك تبعه في سقطه إلا أنه أضاف بعض التخريجات لكنه لم يحقق الكتاب تحقيقًا علميًّا على نسخ أصلية ولذلك جاء عمله مبتورًا ناقصًا والله أعلم.
* * *
الفصل الثاني موضوع الكتاب والكتب المؤلفة فيه
*
المبحث الأول: موضوع الكتاب ومنهج المؤلف فيه:
يتحدث الكتاب عن موضوع مهم من مواضيع العقيدة، ألا وهو أشراط الساعة وعلاماتها الصغرى والكبرى.
وقد كتب المؤلف كتابه بناءً على طلب من بعض فضلاء بلده كما جاء في مقدمة الكتاب.
ولما كانت أمور الغيب لا تعلم إلا عن طريق النقل اعتمد المؤلف رحمه الله على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في الإحتجاج لما أورده من علامات للساعة. وقد كان يورد الحديث في الباب ثم يبدأ بذكر الروايات الواردة عند كل جملة، ولذلك أدخل كثيرًا من الأحاديث بعضها في بعض، وزاد من صعوبة إخراج هذه الأحاديث أنه ربما ذكر الحديث من وسطه أو آخره، أو ربما ذكره بالمعنى أو برواية ليست مشهورة من طرق هذا الحديث، وذلك كله يجعل البحث عن الرواية صعبًا، ولكن الله أعان بفضله ويسر وخرجت ولله الحمد أكثر هذه الروايات. وقد كان رحمه الله يعلق على بعض المواضع، وأكثر تعاليقه إنما ينقلها من كلام شيخه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ويسميه، وربما نقلها عنه بدون نسبتها إليه.
وأكثر رحمه الله في آخر الكتاب من ذكر الروايات الضعيفة التي لو تركها لكان أولى. كما أكثر من ذكر الأشراط الصغرى، وكان ربما كرر الشرط مرة أو مرتين،
وكأنه والله أعلم يأتي ببعض الأحاديث الطوال فيذكر ما فيها من دون ذكر لأصلها، وإذا انتهى من حديث ذكر الآخر؛ ولذلك تكرر ذكره لبعض الأشراط مرارًا.
ومن أهم تعاليقه التي ذكرها رده رحمه الله على من زعم أن باستطاعته معرفة وقت الساعة بواسطة علم الحروف. وقال: إن ذلك مما حجبه الله عن الأنبياء فكيف بمن هو دونهم؟ ! وهذا كلام عظيم من السخاوي نستأنس به في الرد على من زعم علم النبي صلى الله عليه وسلم لوقت الساعة. وسيأتي لذلك مزيد بيان إن شاء الله في المباحث التالية.
وقد يظن الناظر في الكتاب لأول وهلة أنه إنما يتحدث عن أشراط الساعة الخمسة الكبرى وهي الدجال، ونزول عيسى، والدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها. ولكنه إذا أمعن النظر يجد أنه لم يترك علامة من علامات الساعة ولا شرطًا من أشراطها الصغرى والكبرى إلا ذكره تقريبًا، وهذا يدل على أن الكتاب شامل لكل أشراط الساعة مع اختصاره ووجازته.
*
المبحث الثاني: الكتب المؤلفة في هذا الموضوع:
إن موضوع الكتاب موضوع مهم وهو موضوع كما يقال: خصب، أي: أن النصوص الشرعية فيه كثيرة جدًّا فالقرآن مليء بذكر اليوم الآخر وذكر مقدماته وكذلك السنة مليئة بذكر الساعة وأشراطها ولذلك كثرت المؤلفات فيه وأكثرها تعتمد في ذلك الأحاديث الواردة في هذا الباب.
وقد تنوعت أسماء الكتب المؤلفة في هذا الباب، فبعضهم سمى كتابه: كتاب الفتن، وبعضهم: الفتن والملاحم، وبعضهم: أشراط الساعة، وبعض العلماء أفرد بعض الأشراط بالتأليف كمن تحدث عن نزول المسيح فقط أو المهدي أو الدجال.
ومن أهم هذه الكتب:
1 -
"الفتن" لنعيم بن حماد المروزي، أبو عبد الله الخزاعي المتوفى سنة 228 هـ، وقد طبع الكتاب بتحقيق سمير الزهيري.
2 -
"السنن الواردة في الفتن وغوائلها" لأبي عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني التوفى سنة 444 هـ وقد حقق في الجامعة الإسلامية في رسالة علمية أعدها رضاء الله بن محمد المباركفوري وقد طبع وصدر عام 1416 هـ.
3 -
"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" من تأليف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي صاحب التفسير، توفي سنة 671 هـ، وهو كتاب جمع كثيرًا من أشراط الساعة وأمور الآخرة والبعث وما بعده وما في الموقف من أهوال وما في النار من أغلال أعاذنا الله منها، وما في الجنة من نعيم مقيم جعلنا الله من أهلها. لكن مؤلفه صاغه بطريقة الوعظ والترغيب والترهيب ولم يحرص على صحة الأحاديث الواردة فيه، ويقوم الآن أحد طلبة الجامعة الإسلامية بتحقيقه أعانه الله عليه.
4 -
"النهاية في الفتن والملاحم" لأبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ، وهو كتاب مشهور جدًّا ومطبوع عدة طبعات.
5 -
"الإشاعة لأشراط الساعة" لمحمد البرزنجي، توفي سنة 1103 هـ، وقد ذكر في هذا الكتاب أحاديث كثيرة في هذا الموضوع ورتبه ترتيبًا جيدًا إلا أنه مطبوع طبعة سيئة جدًّا مع ما فيه من الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة مما يجعل الفائدة منه قليلة ما لم يحقق حتى يعلم صحيحه من سقيمه.
6 -
"الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة" لصديق حسن خان المتوفى سنة 1307 هـ، وهو كتاب مختصر وقد طبع.
7 -
"إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" من تأليف الشيخ
حمود بن عبد الله التويجري، وهو كتاب مفيد جدًّا تضمن كثيرًا من الأحاديث مع بعض الحكم عليها والتعليق على بعضها والرد على المخالف فيها، وقد طبع الطبعة الثانية 1414 هـ، إلا أن مؤلفه اكتفى بعزو الحديث لمصدره من غير ذكر للجزء والصفحة ومن غير توسع في بيان درجته مما يجعله بحاجة لمن يكمل ما فيه من نقص.
8 -
"أشراط الساعة" ليوسف بن عبد الله الوابل، وهو رسالة علمية التزم صاحبه فيه ألا يذكر شرطًا من أشراط الساعة إلا بدليل عليه من الكتاب أو السنة والتزم كذلك ألا يحتج من السنة إلا بحديث صحيح أو حسن وهو كتاب مفيد بالجملة مع الإختصار، وقد طبع مرارًا.
9 -
كتاب "فقد جاء في أشراطها" لمحمد عطية محمد علي، وهو كتاب نافع جدًّا مع اختصار في تخريج الأحاديث، وهو مطبوع.
ومن الكتب التي ذكرت بعض الشروط على وجه التفصيل.
10 -
كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" لمحمد أنور شاه الكشميري الهندي المتوفى سنة 1352 هـ، ورتبه تلميذه محمد شفيع مفتي باكستان في زمانه وهو كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث والآثار المتعلقة بنزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام لكنه جمع فيه كثيرًا من الأحاديث الضعيفة ولم يبين درجتها وعزوه ناقص في أغلب المواضع.
11 -
"عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر" لشيخنا عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله - وهو كتاب نافع جدًّا في بابه في بيان الأدلة على خروج المهدي آخر الزمان والرد على المخالفين، وهو مطبوع.
هذه أهم الكتب المؤلفة في هذا الباب ومن تتبع الفهارس وجد غيرها كثيرًا مما لا يزال مخطوطًا أو ذكره علماء التراجم ولا يعرف مكانه.
*
المبحث الثالث: تعريف أشراط الساعة لغة وشرعًا:
معنى الأشراط لغة: الأشراط لغة جمع شَرَطٍ بفتحتين، العلامة، مثل سبب وأسباب. ومنه أشراط الساعة، أي: علامتها
(1)
.
وقال ابن الأثير: (الأشراط: العلامات، واحدها شَرَط بالتحريك، وبه سميت شَرط السلطان لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها)
(2)
.
وقال في "القاموس": (الشرط بالتحريك: العلامة، جمعه أشراط
…
وأول الشيء)
(3)
.
فتحصل أن الشرط في اللغة علامة الشيء المتقدمة عليه والدالة عليه.
ومما يدل على ذلك تسمية هذه الأشراط في السنة أمارات كما في حديث جبريل المشهور: "قال: فأخبرني ما أماراتها"
(4)
.
قال في "القاموس": (الأمارة الموعد والوقت والعلم)
(5)
.
وقال في "اللسان": (وكل علامة تعد فهي أمارة، وتقول هي أمارة ما بيني وبينك، أي: علامة، وأنشد:
إذا طلعت شمس النهار فإنها
…
أمارة تسليمي عليك فسلمي
(6)
وأما أشراط الساعة شرعًا: هي العلامات الدالة على قيام الساعة وعلى قرب وقوعها ممن أدركها.
(1)
"المصباح المنير": (ص 309).
(2)
"النهاية": (2/ 460).
(3)
"القاموس": (ص 869).
(4)
"صحيح مسلم": (رقم 8) كتاب الإيمان.
(5)
"القاموس": (ص 439).
(6)
"اللسان": (4/ 32).
ويدخل تحت هذا كل ما أخبر الله به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من حوادث وأمور وفتن عامة وخاصة تكون بين يدي الساعة.
*
المبحث الرابع: الحكمة من إخفاء وقت الساعة:
علم الساعة مما استأثر الله سبحانه وتعالى به لنفسه، فمنعه جميع خلقه، فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وفي ذلك من الحكم العظيمة التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
وقد دلت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة على اختصاص الله عز وجل بعلم الساعة كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}
(1)
.
وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}
(2)
.
وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
(3)
.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدًّا.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله بعض الحكم من إخفاء الله علم الساعة عن خلقه.
فمنها بيان عظمة الله عز وجل، وأنه لا يساويه أحد في علمه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.
ومنها الرد على من زعم قدرته على معرفة وقت الساعة بواسطة الحساب أو نحو ذلك بأن علمها قد حجب على الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين فكيف بمن دونهم.
(1)
سورة لقمان، الآية:34.
(2)
سورة فصلت، الآية:47.
(3)
سورة الزخرف، الآية:85.
ومنها أن في إخفاء وقتها رحمة للعباد حتى يستعدوا لها ويتأهبوا بالعمل الصالح والتوبة النصوح، كما أن إخفاء وقت الموت وهو الساعة الصغرى أصلح للعباد حتى يستعدوا له بالعمل الصالح.
ومنها أن في ذلك امتحان لإيمان الناس بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وينبني على ذلك الأجر العظيم لمن آمن باليوم الآخر وإيمانه به مؤثر على عمله في الدنيا.
هذا بعض ما ذكره العلماء وهو ولا شك ليس كل الحكم، وإنما بعضها والله أعلم
(1)
.
*
المبحث الخامس: الرد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم وقت قيام الساعة:
لقد دلت النصوص الكثيرة على اختصاص الله عز وجل بعلم الساعة، وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من ادعاء علمها كما قال تعالى:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}
(2)
.
قال ابن كثير رحمه الله: (يقول تعالى مخبرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا علم له بالساعة، وإن سأله الناس عن ذلك، وأرشده إلى أن يرد علمها إلى الله عز وجل كما قال له في سورة الأعراف: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} فاستمر الحال في رد علمها إلى الذي يقيمها)
(3)
.
وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
(1)
انظر: "لوامع الأنوار البهية": (2/ 66).
(2)
سورة الأحزاب، الآية:63.
(3)
"تفسير ابن كثير": (4/ 419).
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
(1)
.
قال ابن جرير رحمه الله: (يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد: قل يا محمد لسائليك عن الساعة أيان مرساها {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع لنفسي ولا دفع ضر يحل بها عنها إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك بأن يقويني عليه ويعينني ولو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد {لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} يقول: لأعددت الكثير من الخير)
(2)
.
وقال ابن كثير رحمه الله: (أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى، فإنه هو الذي يجليها لوقتها، أي: يعلم جلية أمرها ومتى تكون على التحديد لا يعلم ذلك إلا هو تعالى، ولهذا قال: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض)
(3)
.
وقال القرطبي رحمه الله: (أي: لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيرًا ولا أدفع عنها شرًّا فكيف أملك علم الساعة)
(4)
.
وقد دلت السنة كذلك على إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بعدم علمه بوقت الساعة كما في حديث جبريل المشهور: "قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل"
(5)
.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في
(1)
سورة الأعراف، الآيتان: 187 - 188.
(2)
"تفسير ابن جرير": (9/ 142).
(3)
"تفسير ابن كثير": (2/ 271).
(4)
"تفسير القرطبي": (7/ 336).
(5)
رواه البخاري ومسلم.
غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفسي بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله"
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث جبريل المشهور: "خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} "
(2)
الحديث.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة وهي دالة على اختصاص الله عز وجل بعلم الساعة، وترد على من زعم أن غير الله يعلم الغيب، فما دام أن الله قد حجب علم الساعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فغيره ممن هو دونه من باب أولى.
وبهذا يتضح فساد عقائد بعض الناس الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وإن من علومه علم اللوح والقلم، وهو قول باطل مصادم للنصوص السابقة من الكتاب والسنة، وإنما بنوا عقائدهم هذه على أوهام وظنون فاسدة.
*
المبحث السادس: أقسام أشراط الساعة:
قسم العلماء أشراط الساعة بثلاثة اعتبارات:
الإعتبار الأول: خروج الأشراط.
الإعتبار الثاني: مكان وقوع الأشراط.
الإعتبار الثالث: في نفس الشرط من حيث كونه مما اعتاده الناس أم لا.
* الإعتبار الأول: زمان خروج الأشراط:
قسم العلماء الأشراط باعتبار زمان خروجها إلى ثلاثة أقسام:
(1)
رواه البخاري: (13/ 361 - الفتح).
(2)
رواه البخاري: (1/ 114 - الفتح)، ومسلم:(1/ 39، رقم 9).
القسم الأول: أشراط ظهرت قبل زماننا وثبت ظهورها بالكتاب والسنة أو بتواتر الخبر الصحيح عمن سلف.
مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وموته وتمني رؤيته، وفتح بيت المقدس، واقتتال الفئتين العظيمتين من المؤمنين، وكثرة الهرج، وظهور الترك، ونار الحجاز، وتطاول الناس في البنيان، ونحو ذلك مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ووقع كما أخبر.
القسم الثاني: وقعت مبادؤه أو ظهر الكثير منه ولم يستحكم بعد، بل لا تزال تظهر وتزيد وتكثر. ومن هذا القسم تقارب الزمان، وإلقاء الشح، وتضييع الأمانة، وتوسيد الأمر إلى غير أهله، وخروج الكذابين الدجالين كل يزعم أنه نبي من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وكثرة الزلازل والتباهي بالمساجد، ونحو ذلك مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ووقع بعضه ولا يزال يقع حتى اليوم
(1)
.
القسم الثالث: العلامات العظام والأشراط الجسام التي تعقبها الساعة والتي لم يقع منها شيء حتى الآن، ومنها الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، والدابة، وخروج الشمس من مغربها، والنار التي تسوق الناس إلى المحشر ونحو ذلك.
* الإعتبار الثاني: مكان وقوع الأشراط:
قسم العلماء أشراط الساعة باعتبار مكان وقوعها إلى قسمين: سماوية وأرضية:
الأول: الأشراط العلوية المتعلقة بالأجرام السماوية، ومنها انشقاق القمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها انتفاخ الأهلة بحيث يرى الهلال لليلة فيقال: هو ابن ليلتين، ومنها طلوع الشمس من مغربها.
(1)
انظر: "فتح الباري": (13/ 83 - 84)، "لوامع الأنوار البهية":(2/ 66 - 70).
الثاني: الأشراط الأرضية، وهي ما عدا الأشراط السماوية، وهي كثيرة جدًّا.
* الإعتبار الثالث: في نفس الشرط من حيث كونه مما اعتاده الناس أم لا:
قال القرطبي رحمه الله: (علامات الساعة على قسمين: ما يكون من النوع المعتاد وغيره)
(1)
.
وذكر من النوع المعتاد ما جاء في حديث جبريل المشهور.
ومن غير المعتاد طلوع الشمس من مغربها فتلك مقاربة لها أو وضايقة.
وبهذا التقسيم يمكن الجمع بين الأحاديث الواردة في أشراط الساعة وفي أول الآيات وآخرها خروجًا والله أعلم.
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: (وأما خروج الدابة بشكل غريب غير مألوف ثم مخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية)
(2)
.
والله أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
* * *
(1)
"فتح الباري": (1/ 121).
(2)
"شرح العقيدة الطحاوية": (ص 594).