المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}، - أطايب الزهر شرح نواقض الإسلام العشر

[خالد المشيقح]

فهرس الكتاب

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌مقدمة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}،

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} ، وأشهد أنَّ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، إلهًا أحدًا، فردًا صمدًا، لا شريك له في إلهيته، كما لا شريك له في ربوبيته، ولا شبيه له في ذاته، ولا في أفعاله، ولا في صفاته.

وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، ما أكرمَه عبدًا وسيدًا، القائل:{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 20 - 22]، صلَّى اللهُ وسلَّم عليه أبدًا أبدًا، وعلى آله وأصحابه وأتباعه سرمدًا، صلاةً وسلامًا دائمين إلى أنْ يُبعث الناس غدًا، أما بعد:

لقد أنعم اللهُ عز وجل على عبادِه نعمًا كثيرة، وأسبغ عليهم تلك النعم ظاهرةً وباطنةً، فالحمدُ لله على سابغِ نِعمه، وجزيلِ عطائه، وكريم فضلِه، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]. وسبيلُ دوامِ هذه النعم هو شكرُها، وصرفُها في مرضات الله جلَّ وعلا {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].

ومِنْ أعظمِ ما يشكرُ العبدُ به ربَّه جلَّ وعلا على تلك النعم، توحيدُه سبحانه وتعالى، وإفرادُه بالعبودية، والإيمانُ به، وبما جاءت به رسلُه؛ فإنَّ القيام بهذا موجبٌ لزيادة النِّعم، وتواتُرِ المِنَنِ، وانْدفاعِ النقم والمِحن، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96].

ص: 5

إنَّ توحيدَ الله سبحانه وتعالى وإفرادَه بالعبادة هو الغايةُ التي مِنْ أجلِها خُلِق الجنُ والإنس، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وهو حقُّ الله على عبادِه، «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»

(1)

.

وما أجمل ما قال العلامةُ ابنُ القيم رحمه الله في بيان أهمية التوحيد وكلمتِه: «وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» : كلمةٌ قامت بها الأرضُ والسماواتُ، وخُلِقتْ لأجلها جميعُ المخلوقات، وبها أرسلَ اللهُ تعالى رسلَه، وأنزلَ كتبَه، وشرعَ شرائِعَه، ولأجلها نُصِبَت الموازينُ، ووُضِعَت الدَّواوينُ، وقام سوقُ الجنَّةِ والنارِ، وبها انقسمت الخليقةُ إلى المؤمنينَ والكفار، والأبرارِ والفجارِ، فهي منشأُ الخلْقِ والأمرِ، والثوابِ والعقابِ، وهي الحقُ الذي خُلِقت له الخليقةُ، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ، وعليها يقعُ الثوابُ والعِقابُ، وعليها نُصِبت القبلةُ، وعليها أُسِّسَت الملةُ، ولأجلها جُرِّدت سيوفُ الجهاد، وهي حقُّ الله على جميعِ العِباد، فهي كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دار السلام، وعنها يُسأَلُ الأولون والآخرون، فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يُسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ا. هـ.

(2)

ولأهمية التوحيد، وضرورة بيانه للناس، وقيامًا بواجب النُّصح للأمة؛ ألَّفَ أهلُ العلم الكتبَ، وكتبوا الرسائل، وصنَّفوا المصنفات، في بيان التوحيد والعقيدة الصحيحة، وكذا في بيان نقيضِه الشِّرك والتحذيرِ منه، ومِن وسائلِه ومظاهره.

ومِن تلك الكتابات المنتشرة، والرسائل المشتهرة في هذا الباب رسالةٌ موجزةٌ لطيفة، قليلةُ المبنى، غزيرةُ المعنى، حوَت علمًا كثيرًا على الرغم مِنْ قلة عباراتها، وسهولةِ ألفاظها. كاتبُها عالمٌ جليل، وشيخُ كبير، وإمامٌ عَلمٌ في الدعوة إلى

(1)

رواه البخاري في كتاب اللباس، باب إرداف الرجل خلف الرجل، رقم (5967)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة، رقم (30)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

(2)

زاد المعاد (1/ 36).

ص: 6

توحيد الله عز وجل وإفرادِه بالعبادة، والتخلُّص من الشرك ومظاهره

إنها رسالة: نواقضُ الإسلام؛ لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب رحمه الله وتأتي أهمية مثل هذه الرسالةِ مِنْ أهمية موضوعهِا الذي تتناوله، إذ إنها تتعلقُ بأفضل العلوم وأشرفِها، ألا وهو «توحيد الله جلَّ وعلا» ، وإفرادِه بالعباده، وتنزيهه تعالى وتقدَّس عن كلِّ عيبٍ ونقص.

نعم .. إنَّ هذه الرسالة جاءت في بيان أهمية التوحيد ببيان نقيضِه، والتحذيرِ منه، ومِن مظاهره، ووسائلِه، والتأكيدِ على ضرورة صيانته مِنْ أيِّ شائبة مِنْ شوائب الشِّرك؛ حتى يأتي العبدُ ربَّه جلَّ وعلا بقلب سليم مِنْ شوائب الشِّرك وأدران البدعة.

ومما يؤكدُ أهمية هذه الرسالة النافعة: «ضرورةُ معرفةِ الشِّرك، ومظاهرِه» ، حتى يتسنى للعبد تجنبُّها، والحذرُ منها. وهذا الأمر معرفةُ الشَّر لاجتنابه هو منهجُ العقلاء في كل زمان وآن، فهُم يسعون في معرفة ما ينفعُهم في دينهم ودنياهم لإتيانه والتزامِه، ومعرفةِ ما يضرُّهم ويؤذيهم لاجتنابه والابتعاد عنه. ويدل لهذا المعنى قولُ حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنه: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي

(1)

. قال الشاعرُ:

عرفتُ الشرَّ لا للشرِّ

ولكنْ لتوقِّيه

ومَنْ لا يَعرفِ الشَّرَّ

مِنْ النَّاسِ يقعْ فيه

(2)

وثمة أمرٍ آخرٍ يجعلُ الحاجةَ لدراسة التوحيد، وبيانِ فضله، والتحذيرِ من الشرك ووسائلِه: ألا وهو ظهورُ وانتشارُ تلك الدعوى الباطلة، والمقولةِ الداحضة،

(1)

رواه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة، رقم (3606)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، رقم (1847)، وللبخاري عنه رضي الله عنه: تعلَّمَ أصحابي الخيرَ، وتعلمتُ الشَّرَ، رقم (3607).

(2)

البيتان لأبي فراس الحمداني، في ديوانه (369).

ص: 7

بأنَّه لا حاجة للحديث في التوحيد، وبيانِه، وعن الشركِ ووسائله؛ لأننا في مجتمعات إسلامية، نشأت على التوحيد، والعقيدة الصحيحة، فما الحاجة لإثقال كاهل المسلمين بالحديث عن أمرٍ تقرَّر عندهم، واستقر في قلوبِهم، والتحذيرِ مِنْ أمرٍ هم بمنأى عنه؟! زعموا.

ويتلخصُ الجواب على هذه الشبهة في جملةِ أمور، منها:

1 -

تتأكد دعوةُ الناس إلى التوحيد، وتصفية العقيدة، وإخلاص العبادة لله جلَّ وعلا؛ لتعريف النَّاس بمقصدهم الأسمى في الدنيا، والهدفِ الذي مِنْ أجله أتوا لهذه الحياة، إنَّه «عبادةُ الله وحده، وإخلاصُ الدِّين له» ، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]

(1)

.

2 -

تفشيِّ مظاهر الشِّرك في أرجاء مختلفة من ديار المسلمين وبلادِهم، فضلًا عن غيرها من بلاد المشركين، بصورٍ عديدةٍ، وأساليب شتى. ومن ذلك:

أ- انتشارُ القباب والمشاهد على قبور الأولياء والصالحين وغيرهم، وهذا منتشرٌ شائع في كثيرٍ مِنْ بلاد الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ب- شدُّ الرِّحال إلى تلك المشاهدِ، ومساجدِ الأولياء والصالحين، وقبورِهم، والطوافُ حولها، والصَّلاةُ عندها.

ج- دعاءُ هؤلاء الصالحين مِنْ دون الله عز وجل، والتوسلُ بهم، وصرْفُ ما لا يجوزُ صرْفُه لهم مِنْ العبادةِ، كالذبحِ والنَّذرِ لهم، والخوفِ والوجلِ مِنهم، واعتقادِ نفعِهم وضرِّهم،

إلى غير ذلك من العبادات القلبية والبدنية والمالية التي لا يجوز صرْفها بحالٍ لغير الله جلَّ وعلا.

د- تعظيمُ بعض الجهال لهؤلاء المقبوريين، سواء أولياء أو صالحين، أو غير

ص: 8

ذلك، فيلتزمون أقوالَهم، ويصدرون عن آرائِهم وكلامِهم وفِعالِهم، بل ويُقدِّمونها على الكتابِ والسُّنة، فإذا قيل لأحدهم قال اللهُ، أو قال رسولُه، تراه متلكئا مُجادلا، أما إذا قيل له: قال الولي، أو صاحبُ القبر، لم يتردد في اتِّباع قوله، وتنفيذ كلامه، والله المستعان.

هـ- اتخاذُ الصُّور لهؤلاء المقبوريين، سواء أولياء أو صالحين، وتعليقُها، والتماسُ البركة منها. وهذا مِنْ أخطر وسائل الشرك، وأعظمها ضررًا، إذ لا يلبث أن يتحول هذا التعظيم لهؤلاء المقبورين بعد اتخاذ التصاوير لهم إلى عبادتهم، أو صرف شيء من العبادة لهم من دون الله عز وجل. ولنعتبر بحال قومِ نوح عليه السلام، وما حدث منهم، فما بدأ الشركُ يظهر فيهم، ويدخلُ عليهم إلا من هذا الباب.

ويدل لهذا ما رواه البخاريُّ عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَأ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلَاعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ؛ عُبِدَتْ»

(1)

.

3 -

ومما يؤكدُ أهمية دراسة التوحيد وتعليمِه، والتحذير مِنْ الشِّرك ووسائلِه ومظاهرِه: إخبارُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن وقوعِه في هذه الأمة، وخاصةً في أخر الزمان، ولاسيما زمن غُربة الدِّين، ومِنْ ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ

(2)

نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ،

(1)

رواه البخاري في كتاب التفسير، باب {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ} [نوح: 23]، رقم (4920).

(2)

الأليات: الأعجاز، جمع أليَة، والمراد: يضطربن من الطواف حول ذي الخلصة، أي يكفرون ويعودون لعبادة الأصنام وتعظيمها دوس: قبيلة باليمن. [شرح مسلم للنووي (18/ 33)].

ص: 9

وَذُو الْخَلَصَةَ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»

(1)

.

وعن ثوبان رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِى بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِى الأَوْثَانَ»

(2)

.

وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى»

(3)

.

4 -

القيامُ بتعليم الناس التوحيدَ، وتحذيرُهم مِنْ الشِّرك ووسائلِه، فيه سيرٌ على سبيلِ القرآنِ والسُّنة، والتزامٌ لصراطهما في الدَّعوةِ إلى الله جلَّ وعلا، فنصوصُ الكتابِ والسُّنة واضحةٌ في الدَّعوة إلى التوحيد، وبيانِ أهميته، وبيان الجزاءِ الذي أعدَّه اللهُ لأهله، وحُسنِ عاقبتهم، وكذا في التحذيرِ مِنْ الشَّرك، وبيان الوعيدِ عليه، وسوءِ عاقبةِ أهله، فيكاد يكون القرآن كلُّه وكذا السُّنة في بيان هذا كلِّه.

5 -

في الدَّعوة إلى التوحيد، والتحذير مِنْ الشِّرك، اتِّباعُ سبيل الأنبياءِ والمرسلين، واقتفاءُ أثر الدُّعاةِ والمُصلِحين.

وإنك يرحمك الله حين تتأمل قصصَ الأنبياء والمرسلين في القرآن تجدْ أنَّ أولَ ما يدعونَ أقوامَهم إليه هو توحيدُ الله عز وجل، وإفرادُه بالعبادة، كما ذكر الله عز وجل في كتابه على لسان أنبيائه ورسله؛ فهذا نوح عليه السلام يدعو قومَه لتوحيد الله ربِّ العالمين، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وهذا هود عليه السلام:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65]، وهذا صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا

(1)

رواه البخاري في كتاب الفتن، باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان، رقم (7116)، ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة، رقم (2906).

(2)

رواه أبو داود في كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها، رقم (4252)، والترمذي في كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون، برقم (2219)، قال الشيخ الألباني:«صحيح» .

(3)

رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوسٌ ذا الخلصة، برقم (2907).

ص: 10

قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73]، وهذا شعيب عليه السلام:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85]، وهذا عيسى عليه السلام:{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 72]، وهذا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول:{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [الجن: 20]، وهكذا جميعُ الأنبياء والمرسلين، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].

مما سبق بيانُه، نخلُص إلى أهمية الدعوة إلى التوحيد، وتصحيح العقيدة، وأنَّه سبيل الأنبياء والمرسلين، وهو غاية خلقِ الجن والإنس أجمعين.

ومن هنا تأت الحاجةُ لدراسة مثل هذه الرسائل، وتتأكد الحاجة إلى التعرُّضِ إليها بالشرح والبيان مِنْ قِبَلِ أهل العلم لتبسيطها للناس، وتقريب معانيها، وإيضاح مُبهماتها، وتوضيحِ مسائلها.

فدونك أيها القارئُ الكريمُ شرحٌ مُيسَّر لهذه الرسالة المباركة نواقضُ الإسلام لفضيلة الشيخ الدكتور: خالد بن علي المشيقح وفقه الله، ألقاه ضمن الدورة العلمية (بناء) المقامة بجامع الزهراء، بمحافظة البكيرية، بمنطقة القصيم.

وهو شرحٌ نفيسٌ حقًا، جاء بعباراتٍ سهلة، وأسلوبٍ ماتع، وعرْضٍ رائع، وأسلوبٍ علمي رصين، قد حوى فوائدَ جمةً، وتعليقاتٍ نفيسةً.

عملي في هذه الرسالة:

يتلخصُ عملي المتواضع في هذه الرسالة المباركة في الأمور التالية:

1 -

تفريغُ النَّص مِنْ الأشرطة، ومراجعتُه مرتين، ومقابلةُ المكتوبِ على الورقِ بالتسجيل الصوتي.

2 -

عزو الآيات القرآنية، وإدراجُها بخط المصحف، وجعلتُ العزو بين معقوفين [] في ثنايا الشرح بذكر السُّورة ثم رقم الآية/ الآيات.

ص: 11

3 -

تخريج الأحاديث، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما؛ اكتفيتُ بذلك وعزوتُه إليهما دون غيرهما، وإن كان الحديثُ في غير الصحيحين ذكرتُه، ونقلتُ حُكمَ أهل العلم عليه، لاسيما أحكام العلامة المُحدِّث الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقد اعتنيت بضبط متن الأحاديث ضبطًا تامًا وفقَ المثبت في الأصول المطبوعة، ويأتي التخريج بذكر الكتاب والباب، ثم رقم الحديث، وذكرتُ اسمَ الصحابي راوي الحديث في حالِ لم يذكره الشَّارح.

4 -

ضبط المتن، ومقابلته على مخطوطين ومطبوعين، وإثبات الفروق بينها، ومنهجي في هذا: إثبات المتفق عليه بين الأصول أو أغلبها

(1)

، وأما ما انفردت به نسخةٌ، فإني أشير إلى ذلك الفرق في الحاشية.

وإليك وصفٌ موجزٌ للمصادر التي قمت بضبط نصِّ المتن وِفْقها:

أ- مصورة مخطوط جامعة الملك سعود: وهي نسخةٌ حسنة، جاءت في صفحة واحدة، خطها معتاد واضح، ضمن مجموع مِنْ كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب عُنْوِنَ له ب «ستة مواضع من السيرة» مكوَّن مِنْ سبع صفحات، نسخها محمد بن عبد الرحمن الشويعر رحمه الله، سنة 1322 هـ. وقد أشرت إليها بالرمز (س)

(2)

.

ب- مصورة مخطوط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية: وهي نسخةٌ جيدة، جاءت في صفحتين، خطها معتاد، برقم: 2938/ 10/ ف، عليها تاريخ نَسْخِها سنة 1325 هـ، ولم يُذكر اسمُ النَّاسخ. وقد أشرت إليها

(1)

تلْحظ وفقك الله لطاعته أنَّ المطبوعين متوافقان غالبًا، وإنما الفرق بينهما وبين المخطوطين في ألفاظ يسيرة على نحو ما هو مذكور فى المتن، (ص: 25).

(2)

تنويه: هذا المخطوط متوفر على الشبكة العنكبوتية، ضمن خدمة مقدمة من جامعة الملك سعود رحمه الله تهدف لخدمة الباحثين، وتوفير آلية للحصول على المخطوطات النادرة بطريقة سهلة وميسرة. وإليك رابطها على الشبكة:[makhtota.ksu.edu.sa/makhtota/2594/6].

ص: 12

بالرمز (ف)

(1)

.

ج- مطبوع: [الدرر السنية في الكتب النجدية]: وهو كتابٌ يجمع رسائل وكتابات علماء نجد الأعلام مِنْ عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصر جامعِه الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله، وهو من الكُتب الموثوقة التي جمعت تآليفَ علماء الدعوة، لاسيما الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقد أشرت إليه بالرمز (د)

(2)

.

د- مطبوع: [مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب]: وهو بمثابة موسوعة علمية، حوَت جُلَّ مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وتشتمل على ثلاثة عشر مجلدًا، شاملة لكل تراث الشيخ، وقد اعتنت بإخراج هذا السِّفرُ المبارك جامعةُ الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد أشرت إليه بالرمز (م)

(3)

.

تنويه: لقد اعتمدت المطبوعين الأخيرين في مقابلة النَّص؛ لكونهما احتويا الرسالةَ موضوع الدراسة في ثناياهما، كما أنهما مِنْ أهم المصادر الحالية لمؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، علاوة على ذلك فإنَّه من خلال التتبع والنظر في المطبوعات المُتداولة للرسالة، تبيَّن لي أنَّ كلها أو أكثرها جاء موافقا لهذين المطبوعين، ولم أجد فيما وقفتُ عليه مِنْ مطبوعٍ مَنْ أشارَ لمخطوطٍ للرسالة، أو أثبتَ فروقًا تراها بإذن الله عند مطالعتك للمتن، وإني لأرجو أن يكون لهذا العمل المتواضع قصَبَ السَّبق في بيان ذلك، وإثباتِ تلك الفروق بين المخطوط والمطبوع.

(1)

يجدُر بي في هذا المقام الإشادة ب (مركز الملك فيصل رحمه الله للبحوث والدراسات الإسلامية) على تعاونِه الكريم بتوفير هذا المخطوط، ومِن ثمَّ إرسالها إليَّ، فجزاهم الله خيرًا على ما يُقدِّمون مِنْ جهدٍ مشكور في خدمة العلم والدِّين.

(2)

تجد متن رسالة (نواقض الإسلام) في الجزء الثاني من هذا الكتاب، (صفحتي 361، 362).

(3)

تجد متن هذه الرسالة في الجزء الأول، (صفحات: 385 - 387).

ص: 13

5 -

ضبطُ ما قد يُشكِل على القارئ الكريم مِنْ الشرح، وإيضاحُ وتعريفُ ما غمض وأبهم مِنْ كلمات غريبة أو عبارات غامضة، بالرجوع لكتب اللغة، وغيرها، وقد اعتنيتُ بعلامات الترقيم وفق المنهج المتَّبع قدْر وُسْعي.

6 -

عزو الآثار إلى قائليها، وتوثيقُ النقول التي ذكرها الشارحُ وفقه الله مِنْ مصادرها مِنْ كتب أهل العلم، ولم أدخر جهدًا في ذلك قدر السَّعة، وعند ذِكر المصادر أكتفي بالإشارة إلى واحدٍ، أو اثنين على الأكثر؛ خشية الإطالة.

7 -

قدَّمتُ للرسالةِ بمقدمةٍ تعريفيةٍ بموضوعها، وأهميتها، وبيانِ منهج العناية بها.

8 -

قمتُ بعمل ترجمة موجزة للمؤلف رحمه الله، وهي مُثبتةٌ في أول الرسالةِ، وقبل المتن. أما ما ورد في ثنايا الشرح مِنْ أعلام، فلم أترجم لهم خشية الإطالة، وللراغب مراجعةُ المعاجم وكتب التراجم، فسيجدُها ثمَّ.

9 -

عرضُ العمل بعد إتمامه على الشَّارح، فضيلةِ الشيخ: خالد بن علي المشيقح وفقه الله لمراجعته، وتصويبه، وقد تفضَّلَ الشيخُ مشكورًا بمراجعتِه، والتقديمِ له.

10 -

ذكرتُ في مواضعَ عديدة فوائدَ ونكتًا بديعة مِنْ كلام أهل العلم، وذلك فيما يتصل بالشرح.

11 -

وضعتُ عناوينَ جانبية لتساعدَ القارئ على فهم المرادِ مِنْ هذا الكلام، وهي بمثابة خلاصة للفقرة التي أمامها.

12 -

إذا كان لي مِنْ تعليقٍ على قِلَّةٍ، أثبتُّه في الحاشية، مُصدِّرًا إياه بكلمة «قلت» .

13 -

ذَيَّلْتُ الرسالةَ بقائمةِ المراجع التي اعتمدتها في عملي، وقائمةِ فهارس للموضوعات فحسب.

ص: 14

وختامًا، إني لأشكرُ الله العليَّ الكبيرَ على ما منَّ به عليَّ، وشرفني به مِنْ خدمة لهذه الرسالة المباركة، وهذا الشرح الماتع، وإني لأسألُه جلَّ وعلا أن يرزقني الإخلاصَ في القولِ والعمل، وأنْ يجعلَ هذا العملَ في ميزان حسنات مؤلفِه وشارحِه ومَن اعتنى به، وأن ينفعَ به قارئَه والنَّاظرَ فيه وعمومَ المسلمين، وأنْ يُجازي مَنْ ينشرُه ويساهم في توزيعِه خيًرا.

فيا قارئًا لهذه الرسالةِ، لِتَذكُرْ مؤلفهَا وشارحَها ومَن اعتنى بها بدعوةٍ صالحةٍ بظهرِ غَيب، وانشر جزاك الله خيرًا ما وقفتَ عليه في هذا العمل مِنْ خير، وغُضَّ الطرفَ عن غير ذلك، وجُدْ بالصفح، وابذل النصح، وإني لك لممتنٌ شاكر.

إنْ تجِد عَيبًا فسُدَّ الخلَلا

واظفَرْ بنفعٍ، ثم خَلِّ الزَّللا

وَحسبي أنِّي قد بذلتُ طاقتي

جَلَّ مَنْ لا عَيْبَ فيه وعَلا

{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]. اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وكلِّ مَنْ له حقٌّ علينا، وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، ربنا توفَّنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين. اللهم نسألك إيمانًا خالِصًا، وعملا صالِحا، ونعوذُ بك مِنْ الشركِ، ووسائله، ومِن مفسدات الإسلام ونواقضه.

وصلى اللهُ وسلَّم وبارك على عبدِه ورسولِه، نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعنَّا معهم، بفضلِه ورحمته، إنَّه جوادٌ كريم، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

وكتبه: أبو عبد الله

محمد بن السَّيد بن سليمان الغنَّام

صبيحة الأحد الخامس مِنْ جمادى الثانية 1432 هـ

البكيرية القصيم

ص: 15

‌ترجمة موجزة

(1)

لشيخ الإسلام: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

(1115 - 1206 هـ)

عاش الشيخُ محمدُ بن عبد الوهاب رحمه الله في القرن الثاني عشر، وأوائل القرن الثالث عشر الهجري، وقد لمع نجمُه، وسما قدْرُه، ونالَ شهرةً واسعةً، ومكانةً عالية.

وهذه جوانبُ يسيرةٌ مختصرة مِنْ حياة هذا الإمامِ الشهير، والمصلحِ الديني الكبير،، رحمه الله، وطيَّب ثراه، وجعل الجنة مثواه.

‌أولاً: اسمه ونسبه ومولده:

هو: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي. ولد رحمه الله في بلدة (العيينة) من بلاد نجد سنة خمس عشرة ومائةٍ وألفٍ مِنْ الهجرة.

‌ثانيًا: نشأته وطلبُه للعلم:

نشأ الشيخُ رحمه الله ببلدة (العيينة) في بيئةٍ متدينةٍ مُحافظةٍ، وفي بيت علمٍ كبير، فقرأ القرآنَ حتى حفظه وأتقنه قبل بلوغه العشر، ثم اشتغل بطلب العلم، ورحل رحمه الله إلى مكة، ثم رحل إلى المدينة النبوية، وتردد على علمائهما، وأخذ

(1)

للشيخُ المجدد (محمد بن عبد الوهاب) رحمه الله تراجمُ عديدة، قد استفاض الكثيرُ مِنْ أهل العلم وأصحاب التراجم بذكر جوانبها، وسرد تفاصيلها، ولا غرو فصاحبها علَمٌ كبيرٌ، وطودٌ أشم؛ ولذا فقد قصدت الإيجاز والاختصار، ورُمْتُ الإقلال والاقتصار، على أهم معالم تلك السيرة العطرة، والحياة الحافلة بالعلم والجهاد والدعوة. وقد استقيتُ تلك الترجمة من جملةٍ مِنْ المصادر، مِنْ أهمها:

• علماء نجد خلال ستة قرون، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، (1/ 125 - 168).

• مشاهير علماء نجد وغيرهم، للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، (ص: 20 - 42).

• الأعلام، لخير الدين الزركلي، (6/ 257).

• معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (10/ 269).

ص: 17

عنهم، ثم رحل بعد ذلك إلى البصرة؛ للاستزادة مِنْ العلم، وقرأ على علمائها في التفسير، والحديث وشروحه، وعلوم العربية، وغير ذلك، وبعد عودته إلى نجد أخذ يُطالع كتبَ التفسير، والحديث، والأصول، وكتبِ شيخ الإسلام ابنِ تيمية، وتلميذِه ابن القيم رحمهما الله وغيرهما؛ مما أهَّله أنْ يكون عالما متبحِرا، وإمامًا مُتبصِّرًا.

‌ثالثًا: شيوخه وتلامذته:

طلب الشيخ رحمه الله العلمَ على ثلةٍ مِنْ اهل العلم، منهم والده الشيخ عبد الوهاب بن سليمان، والشيخ المُحدِّث محمد حياة السندي المدني، والشيخ محمد المجموعي البصري، وغيرهم كثير.

وقد أخذ عنه العلمَ عددٌ كثيرٌ مِنْ طلبة العلم، منهم: أبناؤه الأربعة (عبدُ الله، وحسن، وعلي، وإبراهيم)، وحفيدُه الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وغيرهم خلقٌ كثير، ممن تولَّوا مناصبَ القضاء والإفتاء والتدريس، وقاموا بواجبِ العلم، ونشْرِ دعوة الإسلام والتوحيد في زمانهم رحمهم الله جميعًا.

‌رابعًا: دعوته:

دعا الشيخُ إلى توحيدِ الله بالعمل والعبادة، وإفرادِه بالقصد والإرادة، فجدَّد ما انْدرس مِنْ أصول الملة، وقواعدِ الدين، ودعا إلى مذهبِ السَّلف الصالح، والأئمة السابقين، وما كانوا عليه في باب معرفة الله وصفاته؛ مِنْ الإثبات ونفي التشبيه، وعدم التكييف والتعطيل.

‌خامسًا: مؤلفاته:

لقد خلَّف الشيخُ رحمه الله آثارًا وتصانيفَ ومؤلفاتٍ كثيرةً في التوحيد والفقه والسيرة وغيرها، تدل على غزارة علمه وفقهه، ومن تلك المؤلفات: (كتاب

ص: 18

التوحيد

(1)

، وكتاب كشف الشبهات، وكتاب الكبائر، وكتاب فضل الإسلام، ومسائل الجاهلية، وكتاب آداب المشي إلى الصلاة،

) وغيرها كثير، بالإضافة لجملةٍ مِنْ المختصرات لكتب أهل العلم، منها: (مختصر السيرة النبوية، ومختصر زاد المعاد، ومختصر الإنصاف والشرح الكبير،

).

‌سادسًا: عقيدة الشيخ:

عقيدةُ الشيخِ رحمه الله هي عقيدةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابه السابقين، والتابعين لهم بإحسان، وعقيدة أئمة الهدى: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وسائر أهل السنن وأهل الفقه رحمهم الله جميعًا.

‌سابعًا: وفاته:

توفى رحمه الله في (الدِّرعية) في ذي القعدة سنة ألف ومائتين وست من الهجرة [1206] عن واحد وتسعين عامًا، بعد حياة حافلةٍ، قضاها في تحصيل العلم ونشْرِه، والقيام بدعوة الإسلام الصحيح والتوحيد، فرحمَه اللهُ رحمةً واسعةً، وجعل ما قدَّم في ميزان حسناته.

(1)

وهو أشهر ما كتب رحمه الله، وقد أثنى عليه جموع أهل العلم منذ كُتِب وحتى يومنا هذا، حتى قيل:«إنَّه لم يُعلَم له نظيرٌ في الوجود» ، وتلقاه الناس بالقبول، والعلماء بالشرح والتعليق والإيضاح والتدريس، وطلبة العلم بالحفظ والدراسة. ومن أهم شروحه: تيسير العزيز الحميد، لحفيده الشيخ سليمان بن عبد الله، وفتح المجيد، للشيخ عبد الرحمن بن حسن، وغير ذلك كثير.

ص: 19

‌مخطوط الرسالة

مخطوط جامعة الملك سعود (س)

ص: 20

مخطوط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية (ف)

الصفحة الأولى

ص: 21

مخطوط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية (ف)

الصفحة الثانية

ص: 22

‌متن رسالة: نواقض الإسلام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(1)

قَالَ الشيخُ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: اعْلَمْ أنَّ نَواقِضَ الإِسْلامِ عَشَرةُ نَواقِضَ

(2)

:

الأوَّلُ: الشِّركُ في عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له، والدَّليلُ قولُه تعالى

(3)

: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وقَالَ تعَالَى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]

(4)

، ومِنْه: الذَّبحُ لغيرِ اللهِ، كَمَنْ يذْبحُ للجِنِّ أوْ للقَبَابِ

(5)

.

الثاني: مَنْ جَعلَ بينَه وبينَ اللهِ وسائطَ؛ يدعُوهم، ويسألهُم الشَّفاعةَ، ويتوكلُ عليهِم؛ كَفرَ إجمَاعًا.

الثالث: مَنْ لمْ يُكفِّر المشْركِينَ، أو شَكَّ في كفْرِهِم، أو صحَّحَ مذهبَهم؛ كَفَرَ إجمَاعًا

(6)

.

الرابع: مَنِ اعتقَدَ أنَّ غَيرَ هَدْي النَّبي صلى الله عليه وسلم أكْملُ مِنْ هَديِه، أوْ أنَّ حُكمَ غيرِه

(1)

في (س) بزيادة: «وبه نستعين» .

(2)

في (س) و (ف): «قال الشيخُ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: مِنْ أعظمِ نواقضِ الإسلام عشرة» . وفي (س): «محمد ابن عبد الوهاب» ، بزيادة ألف، ولعلَّه مِنْ النُّساخ، والصواب حذفها حين تأتي (ابن) بين عَلَمَين.

(3)

المثبت كما في (س) و (ف)، وفي المطبوع (د) و (ج):«قال اللهُ تعالى» .

قلتُ: والذي تميلُ النفسُ إلى ثبوته عن الشيخِ المُثبتُ في المتن والموافق للمخطوط؛ وذلك لأنَّه يوافق أسلوبَ الشيخِ رحمه الله وطريقتَه عند ذِكر الأدلة مِنْ القرآن الكريم، ويتضح هذا جليًا في رسالتي (الأصول الثلاثة والقواعد الأربع)، والله أعلم.

(4)

وهذه الآية غير موجودة في (س) و (ف)، وإنما هي زيادة من المطبوع (د) و (ج).

(5)

المثبت كما في (س) و (ف)، وفي المطبوع (د) و (ج):«أوْ للقَبرِ» .

(6)

في المطبوع (د) و (م) بدون: «إِجْمَاعًا» .

ص: 23

أحْسنُ مِنْ حُكمِه، كَالذينَ يُفضِّلونَ

(1)

حُكْمَ الطَّاغُوتِ

(2)

على حُكْمِه؛ فهو كَافِرٌ.

الخامس: مَنْ أبْغضَ شَيئًا ممَّا جاءَ به الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، ولوْ عَمِلَ به؛ كَفَرَ

(3)

إجْماعًا، والدَّليلُ قولُه تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} 3) [محمد: 9].

السادس: مَنِ استَهزأَ بشيءٍ مِنْ دِينِ الله، أوْ ثَوابِه

(4)

، أوْ عِقَابِه؛ كَفَرَ، والدَّلِيلُ قولُه تعَالى:{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}

(5)

.

السابع: السِّحْرُ؛ ومِنْه الصَّرفُ والعَطْف، فمَنْ فعلَه، أو رَضِيَ به؛ كَفَرَ، والدَّلِيلُ قولُه تعَالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102].

الثامن: مُظاهرةُ المشْركينَ، ومُعاوَنتُهم على المسْلِمينَ، والدَّلِيلُ قولُه تعَالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

التاسع: مَنِ اعتقدَ أنَّ بعضَ النَّاسِ

(6)

لا يَجِبُ عَليْهِ اتِّبَاعُه صلى الله عليه وسلم، وَأنَّه 6) يسَعُه الخروجُ مِنْ شريعتِه كَما وَسِعَ الخَضِرَ الخرُوجُ مِنْ شَرِيعَةِ موسى عليْهِمَا

(7)

السَّلامُ فهو كافرٌ.

(1)

كذا في (س)، و (ف)، و (د):«كَالذينَ يُفضِّلونَ» ، أما في (م):«كالذِي يُفضِّلُ» .

(2)

هكذا في (س)، و (ف)، أما في المطبوع (د) و (م):«الطَّواغيت» ، وفي (س):«الطَّاغوة» ، هكذا رسمها الناسخ يرحمه الله، والصَّواب:«الطَّاغوت» .

(3)

قوله: «إجْماعًا، والدَّليلُ قولُه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}» [محمد: 9]، زيادة في المخطوط (س) و (ف) فقط دون المطبوع (د) و (م).

(4)

«دِينِ اللهِ، أوْ ثَوابِه» ، هكذا في (س)، و (ف)، و (د)، أما في (م):«دِينِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، أوْ ثَوابِ اللهِ» .

(5)

في المخطوط: (س)، و (ف): اقتصر على الجزء من الآية [66]: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، أما في المطبوع:(د)، و (م) {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66].

(6)

زيادة في المخطوط (س)، و (ف) فقط، أما ما في المطبوع (د)، و (م): «مَنِ اعتقدَ أنَّ بعضَ النَّاسِ يسَعُه الخروجُ عن شريعةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم

» الخ.

(7)

هكذا في (س)، و (ف)، أما في المطبوع (د)، و (م):«عليه السلام» .

ص: 24

العاشر: الإِعرَاضُ عن دِينِ اللهِ

(1)

، لا يتعلمُه ولا يعملُ به، والدَّليلُ قولُه تعَالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22].

ولا

(2)

فرقَ في جميعِ

(3)

هذه النَّواقضِ بينَ الهازِلِ والجَادِّ، والخائِفِ، إلا المُكْرَه، وكلُّها مِنْ أعظمِ ما يكونُ خطرًا، ومِنْ

(4)

أكثرِ ما يَكونُ وقوعًا.

فينْبغي للمسلمِ أنْ يحذرَها، ويخافَ مِنهَا على نفسِه، نعوذُ باللهِ مِنْ مُوجِبَاتِ

(5)

غضَبِه وأليمِ عقَابِه،

(6)

وصلَّى اللهُ على محمدٍ، وعَلى آلهِ وصحْبِه وسلَّم 6).

(7)

* * *

(1)

في (م) فقط: بزيادة «تعَالى» .

(2)

في المخطوط (س)، و (ف):«فَلا» .

(3)

في المخطوط (س)، و (ف): بدون «جَميع» .

(4)

في (د): بدون «مِنْ» .

(5)

في (س): «مُوجبَاة» ، هكذا، والصَّواب ما أثبتُّه.

(6)

اختلفت النسخ في هذه العبارة، في (س): بزيادة «تسْليمًا كَثيرًا، آمين» ، وفي (ف):«وصحْبه والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتِك وإحسانِك، يا أرحم الرَّاحمين، آمين آمين، يارب العالمين، 13 ش سن 1335 ة» ، وفي (د): بدونها كاملة، وفي (م):«وصلى اللهُ على خيرِ خلقِه محمدٍ وآله وصحْبِه وسلَّم» .

قلت: قوله في (ف): «13 ش» ، أظنها اختصارًا لتاريخ نسخها، يعني 13 من شهر (شعبان أو شوال)، والله أعلم.

(7)

فائدة: جمَعَ العلَّامةُ شرف الدِّين موسى بن أحمد الحجاوي رحمه الله (ت 968 هـ)، أكثرَ هذه النواقض في كتابه الماتع «الإقناع لطالب الانتفاع» ، في «باب حكم المرتد» ، (4/ 285 - 291)، وسيتم الإشارةُ إلى موضعِ كلِّ ناقضٍ من الكتاب في أثناء شرحِه، بإذن الله تعالى.

ص: 25

بسم الله الرحمن الرحيم

‌خطبة الحاجة

إنَّ الحمدَ لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذُ بالله مِنْ شرور أنفسنا، ومِن سيِّئات أعمالنا. مَنْ يهدِه الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضللْ فلا هادي له. وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

أما بعد:

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

الرسالة التي بين أيدينا رسالةٌ عظيمة، اشتملت على عشرةِ نواقضَ مِنْ نواقض الإسلام، وهذه النواقض التي خصَّها شيخُ الإسلام محمدُ بن عبد الوهاب رحمه الله دون غيرها، خصَّها بمزِّية، وسنُبين ذلك بإذن الله تعالى.

‌تعريف بالرسالة وأهميتها

فهذه الرسالة مهمة جدًا، ودراستُها ومُدراستُها، ومعرفةُ هذه النواقض وخصوصًا في وقتنا هذا مهمٌ جدًا. ولا شك أنَّ أغلى ما يملكه الإنسانُ في هذه

ص: 27

الحياة هو دينُه دينُ الإسلام، فهو أعظمُ نعمة أنعمها الله عز وجل على المسلمين، وكونُ المسلم يعرف ما يُخِلُّ بهذا الدين العظيم مِنْ أصله، أو ما يُخِلُّ بكمالِه، هذا مهمٌ جدًا، ولذلك فإنَّ حذيفة رضي الله عنه كان يسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الشَّر؛ مخافةَ أن يقع فيه

(1)

.

وكونُ المسلمِ يتعلم هذه النواقض، ويدرُسُها، حتى يكون على بينةٍ من أمره، ويكون ملمًا بما يخدشُ التوحيد، وينقصُ دينَه وإسلامَه، ولهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو إمام الحنفاء سأل ربه أن يقيه عبادة الأصنام، قال:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]

(2)

، ولم يقل عليه الصلاة والسلام: ربِّ لا تجعلني أعبدُ الأصنامَ، بل قال: يا ربِّ، اجعلني في جانبٍ، وعبادةَ الأصنام في جانبٍ آخر، فهو سأل اللهَ جل وعلا أنْ يقيَه الشركَ، ووسائلَه

(3)

.

‌خوف الأنبياء والصالحين من الوقوع في الشرك أو وسائله

فهو عليه الصلاة والسلام لم يسأل اللهَ عز وجل الوقايةَ من الشرك وحده فقط، بل سأل اللهَ عز وجل أن يقِيَه الشركَ ووسائله، وذرائعه، ومِن دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم الاستعاذةُ من الشرك

(4)

.

والشيخُ رحمه الله تعالى في كتابه العظيم (كتاب التوحيد) بوَّب بابًا مستقلًا؛ قال: «بابُ الخوفِ مِنْ الشِّرك» ، وذكرَ ما يتعلق بذلك من أدلةٍ من كتاب الله، وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

(1)

سبق تخريجه، (ص: 7).

(2)

قال العلامة السَّعدي رحمه الله: أي: اجعلني وإياهم جانبًا بعيدًا عن عبادتها، والإلمام بها، (تيسير الكريم الرحمن 2/ 852).

(3)

قال إبراهيمُ التيمي رحمه الله: مَنْ يأمنُ مِنْ البلاءِ بعد خليلِ اللهِ إبراهيم، (تفسير الطبري 6/ 4826).

(4)

فكان بأبي هو وأمي يدعو حين يُصبح وحين يُمسي: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ» رواه أبو داود: (5090)، وأحمد:(20430). وقد كان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابه رضي الله عنه الاستعاذةَ من الشرك، خفيِّه وظاهره، ففي الأدب المفرد (716) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟» ، قَالَ:«قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ» ، قال الشيخ الألباني:«صحيح» .

ص: 28

وسنتناول هذه الرسالة (نواقض الإسلام)

(1)

بالشرح في هذه الدروس بإذن الله تعالى.

* * *

(1)

قال الشيخُ عبد الرحمن البراك حفظه الله حول تسمية الرسالة ب (نواقض الإسلام): «والشيخُ له تعبيرات جميلة ودقيقة، فتسميته رسالته ب (نواقض الإسلام) تُشابه ما في أبواب الفقه، (نواقض الوضوء) التي تُبطل الطهارة، فالإسلام فيه طُهر من جهة أنَّه عَقدٌ بين العبد وربه، فإذا شهِدَ الإنسانُ الشهادتين فقد عَقدَ مع ربه أن يُوحّده، وأن يعبدَه، وأنْ يتَّبعَ رسولَه صلى الله عليه وسلم، وهذا أعظم العقود، وأسباب الرِّدة نقضٌ لهذا العقد، فكما أنَّ نواقضَ الوضوءِ مُفسدات تُبطل الطهارة، كذلك هذه النواقض تُبطل الإسلامَ الذي يتضمن الطهارةَ الحقيقيةَ المعنويةَ، فالتوحيد والإيمان طُهْرٌ؛ ولهذا سمَّى الله المشركينَ نجَس، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، والمؤمنُ قال فيه الرسولُ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» . ا. هـ. (شرح نواقض الإسلام، ص 13).

قلت: ولعل المعنى الذي ذكره الشيخُ أعلاه هو ما قصده المؤلفُ رحمه الله، ويشهدُ لذلك ما ذكره في مقدمة رسالة (القواعد الأربع)، حيث قال:«فإذا دخل الشِّركُ في العبادة فسدَت، كالحدَث إذا دخل في الطهارة» .

ص: 29

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [1]

[1]

افتتح المؤلف رحمه الله تعالى كتابه بالبسملة؛ اقتداءً بكتاب الله عز وجل، فإنه مُفتتحٌ بالبسملة، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح كتبَه

(1)

بالبسملة.

‌سبب الافتتاح بالبسملة، وبيان معناها

* «بِسْمِ» : الباء: حرف جر، و «اسم» اسم مجرور، والجار والمجرور لهما متعلق، متعلقهما فعلٌ محذوف، وهذا الفعل المحذوف يُقدَّرُ بما يُناسب المقام، وقُدِّر المتعلق فعلا؛ لأن الأصلَ في العملِ الأفعالُ، وقُدِّر مناسبًا؛ لأنه أدلُّ على المراد.

(2)

فإذا قلت: «بِسْمِ اللَّهِ» عند القراءة، فيكون التقدير:«بسم الله أقرأ» ، وإذا أردت أنْ تذبح، قلت:«بِسْمِ اللَّهِ» ، فالتقدير:«بسم الله أذبح» ، وهكذا.

فنقول: متعلق الجار والمجرور فعلٌ محذوف، وهذا الفعل يُقدَّر بما يناسب المقام

(3)

.

* و (الله): أصلها الإله، وحذفت الهمزة، وأُضغِمت اللام في اللام، فقيل:«الله» . ومعنى هذا الاسم العظيم: «ذو الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين» .

(1)

أي: كُتبه صلى الله عليه وسلم للملوك والأمراء، يدعوهم إلى الإيمان بالله عز وجل، والدخول في الإسلام، واتِّباعِه صلى الله عليه وسلم، ومِن ذلك كتابُه إلى هرقل عظيم الروم [البخاري:(7)]، وكتبُه إلى كسرى، والنجاشي، والمقوقس ملك مصر، وغيرهم. وينظر: زاد المعاد (3/ 600 - 609) ففيه مزيد بيان.

وكذا، كتابُه صلى الله عليه وسلم لقريشٍ في صُلح الحديبية، فقد روى الشيخان قولَه صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: اكْتُبْ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعني في أول كتابه، [البخاري:(2731)، مسلم:(1784)].

وقد حكى القرآنُ عن سليمان عليه الصلاة والسلام أنَّه بدأ كتابَه إلى بلقيس يدعوها للإسلام بالبسملة، فقال:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30].

(2)

ويُقدَّر الفعلُ كذلك متأخرًا، وأما كونه متأخرًا؛ فلِدَلالته على الاختصاص، ولأنه أَدْخلُ فى التعظيم، وأوْفقُ للوجود؛ ولأن أهمَ ما يُبدأ به ذكرُ الله تعالى، [فتح المجيد، (ص: 8)].

(3)

كونُ تقدير الفعل مناسبًا، معناه: حسب حال المتكلم، فقول القارئ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، تقديرُه: بسم الله أقرأ، وهو أفضل مِنْ تقديره (بسم الله أبدأ)، أي: بسم الله أبدأ قراءتي.

قال شيخُ الإسلام رحمه الله: «والأول أحسن؛ لأنَّ الفعلَ كلَّه مفعولٌ باسم الله، ليس مجرد ابتدائه، كما أظهر المضمر في قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]» ا. هـ. رسالة العبودية، (ص: 139 (.

ص: 30

قال المؤلف [2] رحمه الله تعالى: «اعْلَمْ أنَّ نَواقِضَ الإِسْلامِ [3]،» :

وهذا اسم خاصٌ بالله عز وجل، وهو أعرف المعارف، ولهذا بقية أسماء الله عز وجل ترجع إلى هذا الاسم، فنقول:«الرَّحمن مِنْ أسماء الله» ، ولا نقول:«اللهُ مِنْ أسماء الرَّحمن» .

«الرَّحمن» : معناه: «ذو الرَّحمة الواسعة» ، وهو أيضًا مِنْ أسماء الله الخاصة به.

«الرَّحيم» : معناه: «ذو الرَّحمة الواصلة» ، فالله عز وجل المُوصِلُ رحمتَه مَنْ يشاء مِنْ عباده.

[2]

لم يكتب المؤلف رحمه الله مقدمةً لرسالته، ومثله أيضًا كتاب التوحيد، وقد ذكر العلماء رحمهم الله العذرَ في ذلك أنَّ مثلَ هذه الرسائل مبناها على الاختصار، وأنَّ عنوانها يُترجم عما يريده الشيخ رحمه الله تعالى في ثنايا هذه الرسالة.

فلم يكتب شيئًا من المقدمات لأمرين:

‌أسباب عدم وضع مقدمة لهذه الرسالة

الأمر الأول: أنَّ هذه الرسالة مبنية على الاختصار.

والأمر الثاني: أنَّ عنوانَها يُترجم عمَّا في ثناياها من وسائل وبحوث.

[3]

قوله: «اعْلَمْ» : فعلُ أمر، مبني على السكون، مِنْ العِلم، والعِلمُ: هو حكم الذهن الجازم المطابق للواقع؛ وقيل: هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا.

المراد ب (نواقض الإسلام)

قوله: «نَواقِض» : جمع ناقض، والنقض: هو حل المبرم وإفساده

(1)

، من نقضت الشيء إذا أفسدته، فنواقض الإسلام: الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تزيل الإسلام وتفسده.

(1)

نقضَ الشيء نقضًا؛ أفسدَه بعد إحكامه، يُقال: نقضَ البناءَ: هدمَه، المعجم الوسيط، (ص: 947).

ص: 31

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌تعريف الإسلام

قوله: «الإِسْلامِ» : هو كما عرَّفه شيخُ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بأنه: «الاستسلامُ لله بالتوحيدِ، والانقيادُ له بالطاعةِ، والبراءةُ مِنْ الشرك وأهلِه»

(1)

.

‌الفرق بين الإسلام والإيمان

والفرق بين الإسلام والإيمان:

أنهما لفظان إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فإذا أُطلِقَ الإسلامُ، فيُرادُ به الدِّينَ كلَّه، فيشمل الأعمالَ الظاهرة والباطنةَ.

وإذا قيل الإسلام والإيمان: فالمرادُ بالإسلامِ (الأعمالُ الظاهرةُ)، والإيمانُ (الأعمالُ الباطنةُ)، وذلك كما في حديث جبريل الطويل

(2)

.

ومعرفة نواقض الإسلام مهم لأمور:

‌ضرورة معرفة (نواقض الإسلام)

1 -

ما ورد عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي

(3)

.

2 -

عِظمُ شأنِ التوحيد، وأنَّه أعظمُ الواجباتِ، وخَطرُ الشركِ، وعظيمُ وِزْرِه.

3 -

انتشارُ كثيرٍ مِنْ البدعِ والشركيات التي تُخِل بالإسلام مِنْ أصلِه، أو بكمالِه، أو تقدحُ فيه.

4 -

وجودُ بعض الدَّعواتِ الضالةِ التي تُخِلُّ بالإسلامِ مِنْ أصلِه، أو بكمالِه.

(1)

رسالة الأصول الثلاثة، في الدرر السنية (1/ 129).

(2)

أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل، رقم (50)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، رقم (8)، من حديث عمر رضي الله عنه، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رقم (9، 10). والأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة،

إلخ، وأما الأعمال الباطنة كالإيمان بالله وملائكته، إلخ.

(3)

تقدم تخريجه (ص: 7).

ص: 32

عَشَرةُ نَواقِضَ [4]

[4]

قولُ المؤلف رحمه الله تعالى: «عَشَرةُ نَواقِضَ» :

‌أسباب الاقتصار على هذه النواقض العشرة دون غيرها

هناك نواقضُ كثيرة، غيرَ هذه العشرةِ التي خصَّها الشيخُ رحِمه اللهُ تعالى، ولكنَّه خصَّ هذه العشرةَ لأمرين:

1 -

الأمر الأول: أنَّ هذه العشرة يُجمِعُ العلماءُ رحمهم الله تعالى على أنها مِنْ نواقض الإسلام.

2 -

الأمر الثاني: أن نواقضَ الإسلام في الجملة كثيرٌ منها يرجِع إلى هذه الأمورِ العشرةِ، فهي تعتبر كالأصول.

* * *

ص: 33

‌الناقض الأول

الأوَّلُ: «الشِّركُ في عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له، والدَّليلُ قولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]» .

* قوله: الأوَّلُ: «الشِّركُ في عبادةِ اللهِ

»:

‌أهمية البدء بهذا الناقض

بدأ المؤلف رحمه الله بالشرك؛ لأن الشركَ أعظمُ الذنوب على الإطلاق، حيث إنه الذنبُ الوحيدُ الذي نفى اللهُ سبحانه وتعالى مغفرتَه، كما أنه يُحبط الأعمالَ الصالحة جميعًا، ويُوجِب لصاحبِه الخلودَ في النار عياذًا بالله؛ لِمَا ذكرَ المؤلفُ مِنْ الأدلةِ على ذلك؛ ولقوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]، وقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَقِىَ الله لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارِ» رواه مسلم

(1)

.

* والشِّرك لغة: يطلق على معانٍ منها: النصيب، والشريك

(2)

.

‌قسما [الشِّرك]

والشِّرك ينقسم إلى قسمين:

• الأول: الشرك الأكبر.

• الثاني: الشرك الأصغر.

(1)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة

، رقم (93).

(2)

يُنظر: المعجم الوسيط، (ص: 480)، قال في الصِّحاح، (14/ 1593 - 1594): والشِرْكُ أيضًا: الكفرُ. وقد أَشْرَكَ فلان بالله، فهو مُشْرِكٌ ومُشْرِكِيٌّ، بمعنىً واحد.

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌تعريف [الشِّرك الأكبر]

* الأول: الشِّرك الأكبر: وعُرِّف بتعاريف، أحسنُها: أنه: «تسويةُ غيرِ اللهِ بالله فيما هو من خصائص الله»

(1)

.

قال اللهُ تعالى: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 - 98]

(2)

، وقال تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]، بمعنى: أنهم يسوُّون به غيره

(3)

، وقال تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«الأندادُ الشِّركُ» ، رواه ابن أبي حاتم بسند حسن

(4)

.

‌تعريف [الشِّرك الأصغر]

* الثاني: الشِّركُ الأصغر: وعُرِّف بتعاريفَ، أحسنُها: «ما كان وسيلةً وذريعةً للشِّركِ الأكبر مِنْ الأفعال والأقوال والاعتقادات، وجاء تسميتُه في النَّصِ شركًا، ولم

(1)

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: فإنَّ حدَّ الشِّرك الأكبر، وتفسيرَه الذي يجمعُ أنواعَه وأفرادَه:(أنْ يصرفَ العبدُ نوعًا مِنْ أفراد العبادة لغير الله)، فكل اعتقادٍ، أو قولٍ، أو عملٍ، ثبت أنه مأمورٌ به من الشارع، فصرْفُه لله وحده توحيدٌ وإيمانٌ وإخلاصٌ، وصرْفُه لغيره شركٌ وكفرٌ. فعليك بهذا الضابط للشِّرك الأكبرِ الذي لا يشذُّ عنه شيءٌ. ا. هـ. [القول السديد شرح كتاب التوحيد، (ص: 121)].

(2)

قال الإمامُ القرطبي رحمه الله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: في العبادة، [الجامع لأحكام القرآن (13/ 116)]. وقال الإمام البغوي رحمه الله:{إِذْ نُسَوِّيكُمْ} نعدِلُكم، {بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فنعبدُكم، (معالم التنزيل 3/ 364).

قال العلامةُ السعدي رحمه الله: وهم لم يسوُّوهم برب العالمين إلا في العبادة، لا في الخلق؛ بدليل قولهم:{بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، إنهم مُقرُّون أنَّ اللهَ ربُ العالمين كلِّهم؛ الذين مِنْ جُملتِهم أصنامُهم وأوثَانُهم، [تيسير الكريم الرحمن (3/ 1223)].

(3)

قال الإمامُ ابنُ جرير الطبري رحمه الله: يجْعلونَ لهُ شَرِيكًا في عِبادتِهم إيَّاه، فيَعبدُونَ معه الآلهةَ والأنْدادَ والأصْنامَ والأوْثانَ، وليس مِنها شيءٌ شَرَكَهُ في خَلَقِ شيءٍ مِنْ ذلكَ

، يُقالُ مِنْ مُساواةِ الشَّيءِ بالشَّيءِ: عَدَلْتُ هذا بِهذا، إذَا سَاوَيْتَهُ بِهِ عَدْلًا، [تفسير الطبري (9/ 146 - 147)].

وقال العلامةُ السعدي رحمه الله: أي يعْدِلون به سواه، يسوُّونهم به في العبادة والتعظيم، مع أنَّهم لم يُساووا اللهَ في شيءٍ مِنْ الكمال، وهم فقراءُ، عاجزونَ، ناقصونَ مِنْ كل وجه، [تيسير الكريم الرحمن (1/ 460)].

(4)

تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (1/ 62).

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يصل إلى حدِّ الشِّرك الأكبر»

(1)

.

والدليلُ ما ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ» ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: «الرِّيَاءُ»

(2)

.

الأحكام المترتبة على [الشِّرك الأكبر]

* مسألة:‌

‌ حكم الشرك الأكبر:

في الدنيا: تثبت له أحكامُ الكفار في الدنيا من: «امتناعِ المناكحة، وحرمةِ الذبائح عدا أهل الكتاب، وانقطاعِ التوارثِ، وحِلِّ الاسترقاقِ بالنسبة للحربي، وعدمِ الصلاةِ عليه وقبْرِه

(3)

في مقابرِ المسلمين،

»، وغير ذلك مِنْ أحكامِ الدُّنيا الكثيرة.

والأحكام الأخروية: فإنَّ اللهَ حرَّم الجنة على كلِّ كافر، ومأواه النار خالدًا فيها أبدًا، ولا تنالهم شفاعةُ الشافعين، ولا يدخلون تحتَ حكمِ المشيئةِ الإلهية المتعلقةِ بالمغفرة، إلى غير ذلك.

وأما الشرك الأصغر فيفارق الأكبَر في جميع ما مضى، عدا المسألة الأخيرة، وهي:

هل [الشِّرك الأصغر] داخلٌ تحت المشيئة؟

* مسألة:‌

‌ هل يدخل الشرك الأصغر داخل تحت المشيئة؟

على قولين:

(1)

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: «حدُّ الشرك الأصغر هو: كلُّ وسيلةٍ وذريعةٍ يتطرق منها إلى الشرك الأكبر؛ من الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة» ا. هـ[القول السديد شرح كتاب التوحيد، (ص: 121)].

(2)

رواه أحمد في [المسند (39/ 39 - 40)، رقم (23630)] عن محمود بن لبيد، والطبراني في الكبير (4301) عنه عن رافع بن خديج ت، وصحَّحه الشيخ الألباني في [الصحيحة، برقم (951)]، وقال: و هذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات. وروى البيهقي في الشُّعب (6426)، والحاكم في المستدرك (8007)، وصحَّحه، ووافقه الذهبي، عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: كُنَّا نعدُّ الرِّيَاء في زَمَنِ النَّبي غ الشِّركَ الأصْغرَ.

(3)

أي: دفنُه وموارتُه الثرى، وهي مصدر «قبَرَ، يقبُرُ، ويقبِرُ» ، وقَبَرَ الميتَ قبْرًا: دفَنَه، وهي غير القَبْر وهو موضعُ الدَّفن.

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌القول الأول: [الشركُ الأصغر] غير داخل تحت المشيئة

• القول الأول: إن الشرك الأصغر ليس داخلًا تحت المشيئة، فإن الإنسان إذا مات عليه لابد أن يُعذب، وليس ككبائر الذنوب.

قال بهذا القول: الشيخ عبد الرحمن بن حسن

(1)

، والشيخ عبد الله أبابطين، وصدِّيق حسن خان، ومال إليه الشيخُ عبد الرحمن بن قاسم

(2)

، وهو قول شيخِ الإسلام ابنِ تيمية

(3)

، رحمهم الله أجمعين.

واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} ، فقالوا: بأنَّ {إِنَّ} ، وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فيكون التقدير:«إنَّ لا يغفرُ إِشْراكًا به» ، وإشراكٌ هذه نكرةٌ في سياق النَّفي فتُفيد العموم، فتعم الشِّركين، الشِّركَ الأكبرَ والشِّركَ الأصغرَ، ولقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72].

‌القول الثاني: [الشركُ الأصغر] داخل تحت المشيئة

• القول الثاني: إنَّ الشركَ الأصغرَ داخل تحت المشيئة، ككبائر الذنوب، وهو ظاهر قول ابن القيم

(4)

، والشيخ عبد الرحمن السعدي

(5)

رحمهما الله تعالى.

واستدلوا: بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]، والذي لا يغفره اللهُ الشِّركُ الأكبرُ، وما دون ذلك يدخل فيه الشركُ الأصغرُ، والمراد بقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، المراد به الشِّركُ الأكبرُ، بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ

(1)

ينظر: فتح المجيد، (ص: 105).

(2)

ينظر: حاشية كتاب التوحيد، (ص: 24).

(3)

ينظر: الرد على البكري، (ص: 301).

(4)

ينظر: كتاب الصلاة، (ص: 95 - 96)، وإغاثة اللهفان (1/ 100).

(5)

ينظر: القول السديد شرح كتاب التوحيد، (ص: 83).

ص: 38

«ومِنْه: الذَّبحُ لغيرِ اللهِ، [1]

»

الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

وبالإجماع أن العمل لا يحبط مع الشرك الأصغر، وإنما يحبط مع الشرك الأكبر، فكذلك تحريم الجنة إنما يكون خاصا بالشرك الأكبر، وهذا هو القول الأقرب، لكن يجب على المسلم أن يخافَ على نفسه الشرك، فإبراهيم؛ خاف على نفسِه الشركَ، وهو إمامُ الحنفاء، ففي دعائه قال:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، أي: اجعلني في جانبٍ، وعبادةَ الأصنامِ في جانب، فسألَ اللَه البُعدَ عن الشركِ ووسائلِه.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ»

(1)

، فمن تمامِ التوحيدِ أنْ يخافَ المسلمُ على نفسِه الشركَ، وأن يكون دائمًا وأبدًا معلِّقًا قلبَه باللهِ عز وجل.

[1]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: «ومِنْه: الذَّبحُ لغيرِ اللهِ،

»

* قوله: «ومِنْه: الذَّبحُ لغيرِ اللهِ

»:

‌علة التنصيص على الذَّبح

أي: مِنْ الشرك الأكبر، الذي هو ناقض من نواقض الإسلام:«الذبح لغير الله عز وجل» ، وإنما نصَّ المؤلف رحمه الله على هذه العبادة «الذبح» ؛ لكثرة الذبح لغير الله، وما يحصلُ حولَ الأضرحة والقبور، ونحو ذلك.

‌أقسام الذَّبح

والذبح ينقسم إلى أقسام:

‌1 - الذَّبح التعبدي، وأنواعه

القسم الأول: الذبح التعبدي: الذي هو عبادة، وهو الذبحُ لله سبحانه وتعالى، وهو:«إراقةُ الدَّم تقربًا لله سبحانه وتعالى» ، ويدخل في ذلك: [ذبحُ الأضاحي، ذبحُ الهدَايا

(2)

، ذبحُ النُّذور، ذبحُ العقِيقة]، وهذا النَّوع مِنْ الذبح يُؤجرُ عليه العبد.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

الهَدايا: أي الهدْي، وهو ما يُهدى إلى الكعبة مِنْ بهيمة الأنعام في الحج؛ ليُذبَح بمكةَ تقربًا إلى الله تعالى.

ص: 39

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌2 - الذَّبح الشركي

القسم الثاني:

الذَّبح الشِّركي: الذبح لغير الله عز وجل تقربًا، وهذا «شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام» ، كالذبح لميتٍ، أو قبرٍ، أو وليٍ، أو الجنِ، ونحو ذلك.

‌3 - الذَّبح البدعي

القسم الثالث:

الذبح البدعي: وهو أن يتقربَ لله عز وجل بالذبح في غير المواضع التي ورد أن الذبحَ فيها قربة، أو يتقربَ لله عز وجل بغير الجنس الذي ورد به الشرع، كأن يُضحّي بدجاجة، تقربًا لله عز وجل، أو يُضحّي في غير وقت الأضحية، أو يتعبد لله عز وجل بالذبح عند قبر، أو عند مكان يعتقد فيه البركة، فهذا من الذبح المحرم، وهو «ذبح بدعي» .

‌4 - الذَّبح الذي يكون عادة

القسم الرابع:

الذبح لغير الله عز وجل ليس على سبيل التقرب، وإنما للكرم والضيافة، فهذا مأمور به في الشرع، أو يذبح لأجل أنْ يبيعَ، أو أنْ يذبحَ لأجل أنْ يأكل، ونحو ذلك.

وهنا مسألة تكلم عليها العلماء رحمهم الله، وهي:

مسألة: الذبحُ لغير الله عند قدوم كبيرٍ أو سلطانٍ أو حاكمٍ، ونحوه، فما حكم ذلك؟

هذا ينقسم إلى أقسام:

1 -

إذا ذبح لهذا القادم تقربًا له: فهذا من «الشرك الأكبر» .

2 -

أن يذبح لله عز وجل عند قدومه: فهذا «ذبح بدعي» .

3 -

أن يكون مِنْ عادةِ القومِ إظهارُ الإكرام بالذبحِ عند استقبال الضيف: «فلا بأس» .

ص: 40

«كَمَنْ يذْبحُ للجِنِّ أوْ للقِبَاب» [2]

[2]

قال المؤلف رحمه الله: «كَمَنْ يذْبحُ للجِنِّ أوْ للقِبَاب» :

‌أمثلة للذَّبح الشِّركي

«يذْبحُ للجِنِّ» : كما سيأتي إن شاء الله في السَّحرة، والكهنة

(1)

؛ الذين يذبحون للجن.

«يذْبحُ للقِبَاب» : كأهلِ الخرافةِ، وأهل التصوف؛ الذين يذبحون للأضرحة والقبور،

الخ.

* * *

ص: 41

‌الناقض الثاني

الثاني: «مَنْ جَعلَ بينَه وبينَ اللهِ وسائطَ؛ يدعُوهُم، ويسألهُم الشَّفاعةَ، ويتَوكَّلُ عليهِم؛ كَفرَ إجمَاعًا»

(1)

.

هذا الناقض داخلٌ في الناقضِ الأولِ، وإنما أفردَه المؤلفُ رحمه الله لأهميتِه وكثرةِ وقوعِه.

‌معنى هذا الناقض

* قوله: «مَنْ جَعلَ بينَه وبينَ اللهِ وسائطَ» : يعني: شفعاء، والوسائط جمع «واسِطة»

(2)

، وهو ما يُصار إليه للتَّوسُط في جَلبِ نفعٍ، أو دفعِ ضُرٍ.

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله: «فمن جعل الملائكةَ والأنبياءَ وسائطَ، يدعوهم ويتوكلُ عليهم، ويسألُهم جلبَ المنافعِ ودفعَ المضار، مثل أنْ يسألَهم غفرانَ الذنوبِ، وهدايةَ القلوبِ، وتفريجَ الكروبِ، وسدَّ الفاقاتِ، فهو كافر بإجماع المسلمين»

(3)

.

وقال أيضًا: «مَنْ أثبتَ وسائطَ بين اللهِ وبين خلقِه، كالوسائطِ التي تكون بين الملوكِ والرَّعيةِ، فهو مشركٌ، بل هذا دِينُ المشركين عُبَّادِ الأوثان،

»

(4)

.

* قوله: «يدعُوهم، ويسألهُم الشَّفاعةَ»

أي: يدعو هؤلاء الوسائط دعاءَ عبادةٍ، كأصحابِ القبور، وأصحابِ الأضرحة، الذين يذهبون إلى هذه القبور، وهذه الأضرحة،

الخ.

قال اللهُ سبحانه وتعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ

(1)

ينظر هذا الناقض: في الفتاوى الكبرى (5/ 535)، والإقناع لطالب الانتفاع (4/ 285).

(2)

الواسطة: ما يتوصل به إلى الشيء، المعجم الوسيط، (ص: 1031).

(3)

مجموع الفتاوى (1/ 124).

(4)

المصدر السابق (1/ 134 - 135).

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 106 - 107].

‌الدعاء هو العبادة

والدعاءُ عبادةٌ مِنْ أجلِّ العبادات، ويدل لذلك قولُ الله عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وفي السُّننِ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»

(1)

، فالدعاءُ عبادةٌ، وصرْفُ هذه العبادة لغير الله عز وجل شركٌ، ودعاءُ المخلوق قد يكون شركًا، وقد لا يكون شركًا، وعلى هذا لكي يتضح الدعاءُ الذي يكون شركًا، والدعاءُ الذي لا يكون شركًا.

ودعاء المسألة قد يكون «عبادة» كما في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وقد يكون «غير عبادة» كما في قوله تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، وقوله تعالى:{تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61].

‌أقسام الدعاء

* دعاء غير الله عز وجل ينقسم إلى أقسام:

‌1 - دعاء الحي فيما لا يقدر عليه إلا الله

الأول: دعاء المخلوق في أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله، مثل: أن يطلبَ مِنْ أحدٍ إنزالَ الغيث، أو إجراءَ السحاب، أو رزقَ الولد، ونحو ذلك، فهذا «شرك أكبر» ؛ لأنه جعله مساويًا لله عز وجل في شيء من خصائص الربوبية.

الثاني: دعاء المخلوق الحي في أمرٍ يقدِر عليه، فهذا ليس شركًا، قال رسول الله

(1)

رواه أحمد: (18432)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء، برقم:(1479)، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، برقم:(3372)، من حديث النعمان بن بشير، وصحَّحه الألباني.

ص: 43

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌2 - دعاء المخلوق الحي فيما يقدر عليه

عليه الصلاة والسلام: «مَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ»

(1)

، «وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ»

(2)

، إلخ، كأن تقولَ للمخلوق الحي:«أعطني هذا الماء» ، «أعطني هذا الكأس» ،

الخ، فهذا «ليس شركًا» .

‌3 - دعاء المخلوق بذلٍ ورغبة

الثالث: أن يسأل غيرَ الله عز وجل بكمالِ الذُّلِ والحبِّ والرَّغبةِ والرَّهبةِ، فهذا «شركٌ أكبر» ؛ إذ كمالُ الذُّلِ والحبِّ والرَّغبةِ والرَّهبةِ عباداتٌ، يجب أن تكون خالصةً لله سبحانه وتعالى، فلا تكون إلا له جلَّ وعلا.

‌4 - دعاء الغائبين

الرابع: أن يكون المدعو بعيدًا عن الداعي، كأن يقول:«يا بدوي فرِّج كربتي، اشفِ مريضي» ، «يا جيلاني» ، «يا علي» ، «يا حسين» ،

الخ، فهذا «شركٌ أكبر» ؛ لأنَّ اتساعَ السَّمع لسماع البعيد خاصٌ بالله سبحانه، وهو جلَّ وعلا الذي يسمعُ السرَّ والنَّجوى، {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77]؛ ولأنه يعتقد في مثل هذا المدعو أنه يعلم الغيب، وأن له تصرفًا في الكون، وعليه فدعاءُ الأولياء الغائبين لتفريج الكروب، وقضاء الحاجات، هذا «شركٌ أكبر» .

‌5 - دعاء غير الله، واعتقاد استقلالهم بالأمور

الخامس: أن يدعو غير الله، مع اعتقاد أنه يستقلُّ في إيجادِ المطلوب مِنْ دون الله عز وجل فهذا «شركٌ أكبر» .

‌6 - دعاء الأموات وسؤالهم

السادس: دعاءُ الأموات بتفريج كربة أو قضاءِ حاجةٍ، ونحو ذلك، فهذا «شركٌ أكبر» ؛ لأنَّه صَرْفُ خصيصةٍ مِنْ خصائصِ الخالق للمخلوق، ولأنَّ الميتَ لا يمكن أن يقوم بمثل هذا، فدعاؤه إياه يدل على أنه يعتقد أن له تصرفًا في الكون.

السابع: الدعاءُ بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره، فهذا مِنْ الدعاء البدعي، الذي

(1)

رواه أحمد: (5365)، وأبو داود في كتاب الزكاة، باب عطية من سأل بالله عز وجل، رقم (1672)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصحَّحه الشيخ الألباني.

(2)

رواه مسلم في كتاب السلام، من حقِّ المسلمِ للمسلم ردُّ السلام، رقم (2162)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 44

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌7 - الدعاء البدعي

يتضمن شيئًا من التوسلات التي لم ترِد في الكتابِ ولا في السُّنة، وهذا «دعاءٌ بدعيٌّ» .

أما إذا أراد الإنسانُ أن يتوسلَ، فعليه بالتوسلات الشرعية، بأن يتوسلَ بأسماءِ الله الحسنى، وصفاتِه العلا

(1)

، وأنْ يتوسلَ بأعمالِه الصالحة

(2)

، ونحو ذلك مِنْ التوسلات الشرعية.

* مسألة: طلب الحي من الميت أن يدعو له عند الله:

‌حكم طلب الحي الدعاء من الميت

ذهب بعض أهل العلم إلى كونه «شركًا أكبر» ، كالشيخ عبد الرحمن ابن حسن في كتاب «كشف ما ألقاه إبليس» ، وابنه عبد اللطيف في كتاب «مصباح الظلام» ، وذهب آخرون إلى بدعيته، وعدم كونه شركًا أكبر

(3)

.

* مسألة في:‌

‌ الاستغاثة والنذر.

‌الفرق بين الاستغاثة والدعاء

الاستغاثة: هي «طلب الغوث، وهو إزالة الشِّدة»

(4)

، والدعاءُ أعمَّ من الاستغاثة؛ لأن الدعاءَ لما فيه مكروب، وما ليس فيه مكروب، أما الاستغاثةُ فتختص بما كان فيه مكروب.

والاستغاثة عبادة، كما في قوله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9]، والاستغاثة بالمخلوق الحي فيما يقدر عليه من الأمور جائزة بغير خلاف.

(1)

كما في الحديث الذي رواه أحمد (23041)، وابن ماجه (3857) وغيرهما: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ،

» الحديثَ، ونحو ذلك من التوسل بأسماء الله وصفاته.

(2)

كما في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة الغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالٍ صالحةٍ عمِلوها، ففرَّج الله عنهم ما هم فيهم، فخرجوامن الغار يمشون. رواه البخاري (2215)، ومسلم (2743)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(3)

ينظر ما يأتي عند قول المؤلف رحمه الله: «ويسألُهم الشفاعةَ» .

(4)

ينظر: المعجم الوسيط، (ص: 665).

ص: 45

«ويسْألُهم الشَّفاعةَ» [1]

ومن الاستغاثة ما هو شرك، ومنها ما ليس بشرك، فالأقسام السابقة في الدعاء تأتي هنا.

‌تعريف النذر لغة واصطلاحا

النذر: في اللغة «الإيجاب»

(1)

.

وفي الاصطلاح: «إيجابُ مُكَلَّفٍ على نفسِه عبادةً غيرِ واجبةٍ» .

والنذر لغير الله مِنْ أنواع الشرك؛ لأنَّ النذرَ عبادةٌ لا تكون إلا لله، بدليل قوله تعالى

(2)

: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، فاللهُ عز وجل أثنى على الموفين بالنذر، وجعله مِنْ أسبابِ دخول الجنة، ولا يكون سببًا لدخول الجنة إلا وهو عبادةٌ، وصرْفُ العبادة لغير الله «شركٌ» ، مثل أن يقول: لفلانٍ عليَّ نذرٌ، أو لهذا القبر عليَّ نذرٌ

الخ.

[1]

قوله رحمه الله: «ويسْألُهم الشَّفاعةَ» :

‌تعريف الشفاعة لغة واصطلاحا

الشفاعة لغةً: شفعت الشيء إذا ضممته إلى الفرد.

وفي الاصطلاح: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

‌أنواع الشفاعة

وللشفاعة أنواع

(3)

:

1 -

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف

* النوع الأول: الشفاعةُ لأهل الموقف حتى يُقضى بينهم، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل في الصحيحين

(4)

، وكذا حديث أنس رضي الله عنه المتفق

(1)

ينظر: المصدر السابق، (ص: 912).

(2)

وقوله تعالى عن مريم عليها السلام: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26]، وعن أمها قولَها:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي} [آل عمران: 35].

(3)

ينظر: تهذيب سنن أبي داود (5/ 2269)، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (العقيدة الواسطية) في مبحث الشفاعة.

(4)

رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: 25]، رقم (3340)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (194).

ص: 46

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عليه

(1)

، وهذه الشفاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم.

2 -

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوها

* النوع الثاني: شفاعتُه صلى الله عليه وسلم في أهلِ الجنةِ أنْ يدخلوها، والدليلُ ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِى الْجَنَّةِ، وَأَنَا أَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعًا»

(2)

.

3 -

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب

* النوع الثالث: شفاعةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في عمِّه أبي طالب أنْ يُخفَّف عنه العذابُ، ففي الصحيحين عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَىْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ، وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ، هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»

(3)

.

4 -

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيمَن لا حساب عليه في دخول الجنة من الباب الأيمن

* النوع الرابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول مَنْ لا حساب عليه الجنةَ من الباب الأيمن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ

فذكر الحديثَ إلى أن قال فيُقال: «يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ»

(4)

، والظاهر أنها خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

.

(1)

رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (6565)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (193).

(2)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أولُ الناس يشفع في الجنة،

»، رقم (196).

(3)

رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب، رقم (3883)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، والتخفيف عنه بسببه، رقم (209).

ولهما: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما ذُكِر عنده عمُه أبو طالب: «لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَيُجْعَلُ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِى مِنْهُ دِمَاغُهُ» . [البخاري (3885)، مسلم (210)]

(4)

رواه البخاري في كتاب التفسير، باب قوله تعالى:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3]، رقم (4712)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب حديث الشفاعة، رقم (194).

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى (14/ 399 - 400).

ص: 47

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌5 - الشفاعة في المستحقين للنار ألا يدخلوها

* النوع الخامس: الشفاعة في المستحقين للنار أن لا يدخلوها، ويُستدل له بما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

»

(1)

، ووجه الدلالة: أنَّ ما شفعوا فيه لم يُذكَر، فيدخل فيهم هؤلاء، وقد يدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ»

(2)

.

وجه الدلالة: أنَّ هذا الحديثَ عامٌ، يدخل فيه كلُّ رجلٍ صلَّى عليه هذا العددُ، بهذه الصفة، ويدخل في هذا العموم مَنْ استوجبَ النارَ فلم يدخلها؛ لشفاعةِ هؤلاءِ المؤمنين فيه.

‌6 - الشفاعة لمن دخل النار أن يخرج منها

* النوع السادس: الشفاعةُ لمن دخلَ النارَ أن يخرجَ منها، لما روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ»

(3)

، والأحاديث في هذا كثيرة.

‌المعتزلة والخوارج ينكرون الشفاعة، والرد عليهم

وهذه الشفاعةُ تكون للنبي صلى الله عليه وسلم، وغيرِه مِنْ الأنبياءِ، والملائكةِ والمؤمنين، وهذه الشفاعةُ والتي قبلها، يُنكرها المعتزلةُ والخوارجُ، بناءً على مذهبهم أنَّ فاعلَ الكبيرةِ مُخلَّدٌ في النارِ، فلا تنفعه الشفاعة. ونرد عليهم بما يأتي:

1 -

أنَّ ذلك مخالفٌ للمتواتر مِنْ الأحاديثِ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23]، رقم (7439)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم (183).

(2)

رواه مسلم في كتاب الجنائز، باب مَنْ صلى عليه أربعون شفعوا فيه، رقم (948).

(3)

رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم (6566).

ص: 48

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

2 -

أنَّه مخالفٌ لإجماعِ السَّلف.

‌شرطا الشفاعة

ويشترط لهذه الشفاعة شرطان:

‌إِذن الله للشافع

الأول: إِذنُ الله في الشفاعةِ، لقوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} .

‌رضا الله عن الشافع والمشفوع له

الثاني: رضا اللهِ عن الشافعِ والمشفوعِ له، لقوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28]، فأما الكافرُ فلا شفاعةَ له، لقوله تعالى:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]، أي لو فُرِضَ أنَّ أحدًا شفعَ لهم، لم تنفعْهم الشفاعةُ.

‌7 - الشفاعة في رفع منزلة أهل الجنة

* النوع السابع: الشفاعةُ في رفعِ منزلةِ أهل الجنة، قال الإمام ابنُ القيم

(1)

رحمه الله: وقد يُستدَل عليه بدعاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، وقوله: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِى الْمَهْدِيِّينَ،

»، الحديثَ، رواه مسلم

(2)

، وما استُدلَّ به على النوع الخامس يُستدل به على هذا النوع.

‌حكم طلب الشفاعة من الأولياء والموات عند الله عز وجل

-

* مسألة: طلبُ الشفاعةِ مِنْ الأولياءِ والأموات عند اللهِ عز وجل:

فيه خلاف:

‌الرأي الأول: أنه شرك أكبر

الرأي الأول: ذهب بعض العلماء إلى أنه «شركٌ أكبر» ؛ لأنَّ الأصلَ في الأمواتِ أنهم لا يسمعون نداءَ مَنْ ناداهُم، ولا يستجيبون دُعاءَ مَنْ دعاهم، قال تعالى:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13 - 14]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي

(1)

تهذيب سنن أبي داود (5/ 2270).

(2)

رواه مسلم في كتاب الجنائز، باب في إغماض الميت، والدعاء له إذا حُضِر، رقم (920).

ص: 49

«ويتوكلُ عليهِم» [2]

الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، قال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5 - 6].

قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ

»

(1)

.

‌الرأي الثاني: أنه بدعة، وليس شركا

الرأي الثاني: أنَّ هذا ليس شركًا، وأنه مِنْ قبيل البِدع، وهو قولُ شيخِ الإسلام ابنِ تيمية رحمه الله، وهو الصواب، إذ إنه وسيلةٌ إلى الشركِ الأكبرِ؛ لأنه لم يتضمن صرفَ نوعٍ مِنْ أنواعِ العبادةِ لغير الله، وإنما مجردُ سؤالِهم أنِ يشفعوا لهم عند اللهِ عز وجل، وهذا هو رأي الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله

‌تعريف التوكل لغة واصطلاحا

[2]

قوله رحمه الله: «ويتوكلُ عليهِم» :

• التَّوكل لغة: «الاعتماد» .

• واصطلاحًا: «صدق الاعتمادُ على الله عز وجل في جلب النَّفعِ، ودفعِ الضُّر، مع فِعل الأسباب»

(2)

.

‌التوكل عبادة، لا يجوز صرفُها لغير الله

والتَّوكل: عبادةٌ قلبيةٌ مِنْ أجلِّ العبادات، وصرفها لغير الله عز وجل:«شِركٌ أكبرٌ» ، قال تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، فجعل اللهُ سبحانه وتعالى التوكلَ شرطًا في الإيمان، وقولُه عز وجل:{وَعَلَى اللَّهِ} تقديمُ الجار والمجرور يدلُ على الحصر، أي: اجعلوا توكلكم خاصًا بالله سبحانه وتعالى {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .

(1)

رواه مسلم في كتاب الوصايا، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم (1631)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

ينظر: جامع العلوم والحكم، (ص: 812).

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84]، فجعل توحيدَ اللهِ بالتوكلِ «شرطًا في الإيمان» في الآية الأولى، و «شرطًا في الإسلامِ» في الآية الثانية.

‌أقسام التوكل

* والتَّوكلُ له أقسام:

‌1 - التوكل الشرعي

الأول: أنِ يتوكلَ على اللهِ عز وجل دون سواه، في جلبِ المنافع، ودرءِ المفاسد في أمور الدِّين والدنيا، مع فعل الأسباب، وهذا هو «التوكلُ الشرعيُّ» .

واتخاذ السبب لا يقدح في التوكل، لكن لا يتعلقِ القلبُ بالسببِ؛ لأنَّ التفاتَ القلوب إلى الأسباب، ونسيانَ المُسبِّب، وهو اللهُ سبحانه وتعالى، شركٌ في التوحيد.

‌2 - التوكل الشركي

الثاني: «التوكلُ الشركيُّ» : وهو أن يتوكلَ على المخلوق فيما لا يقدرُ عليه إلا اللهُ عز وجل مثل: حصولِ الولد، ونزولِ الغيث، ومغفرةِ الذنوب، وشفاءِ المريض دون فعلِ الأسبابِ، فهذا «شِركٌ أكبرٌ» .

ومن «التوكلِ الشركيِّ» أن يتوكلَ على أصحابِ القبورِ في تفريجِ الكروب، وقضاء الحاجات، فهذا «شِركٌ أكبرٌ» ؛ لأنَّ كونه يتوكل عليهم، ويعتمد عليهم في ذلك، ويجعلهم مساويين لله عز وجل في شيء من خصائصه، وفي القدرة على الفعل، دون مباشرة السبب، كما أنَّه يعتقد أنَّ لهم تصرفًا خفيًا في الكون، والأمواتُ لا يمكن أن يقوموا بمثل هذا؛ لأنَّهم لا يستطيعون مباشرة الأسباب، قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22].

‌3 - التوكل على المخلوق فيما يقدر عليه

الثالث: أنْ يتوكل على المخلوق فيما أقدرَه اللهُ عليه، كالذي يتوكلُ على السلطان في الرزق، أو يتوكلُ على الطبيبِ في الشفاء، وكالذي يتوكلُ على الأسباب، فهذا «شركٌ أصغرٌ» ؛ لأنَّ كونَ الإنسانِ يتوكلُ على هذا الشخص فيما يقدر عليه، جعَلَه أكثرَ مِنْ السببِ، والتفاتُ القلوبِ إلى الأسبابِ شِركٌ في التوحيد، إذ إنَّ

ص: 51

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإنسانَ يُعلِّق قلبَه في السببِ، وينسى المسبِّب، وهو اللهُ عز وجل، فإذا كان التَّوكلُ في أمرٍ لا يقدر عليه المخلوق، فهذا «شركٌ أكبرٌ» .

‌الوكالة ليست من التوكل المنهي عنه

وأما الوكالة

(1)

: فهي «إنابةُ الغيرِ في ما تدخلُه النيابةُ» ، وهذا جائزٌ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم وكَّلَ عروةَ بن الجعد رضي الله عنه أن يشتري له أضحية

(2)

، وهي ليست داخلةٌ في أقسامِ التَّوكل.

* * *

(1)

(الوِكَالة) بفتح الواو، وكسرها لغة:«التفويض، يُقال: وكَّله في الأمر: فوَّضه إليه» [تاج العروس (31/ 97)]، وشرعا:«استنابة جائز التصرف مثلَه فيما تدخله النيابة» [الإقناع (2/ 419)]، وقيل:«تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته» [حاشية الجمل (5/ 283)].

(2)

أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب، رقم (3642).

ص: 52

‌الناقض الثالث

الثالث: «مَنْ لمْ يُكفِّر المشْركِينَ، أو شَكَّ في كفْرِهِم، أو صحَّحَ مذهبَهم؛ كَفَرَ إجمَاعًا»

(1)

.

‌ثلاث مسائل في هذا الناقض

هذا هو الناقض الثالث مِنْ نواقضِ الإسلامِ، وقد اشتمل على ثلاث مسائل:

الأولى: «مَنْ لمْ يُكفِّر المشْركِينَ» : يعني إذا اعتقدوا أنَّ المشركين ليسوا كفارًا، أو اعتقد أنَّ اليهود ليسوا كفارًا، أو أنَّ النصارى ليسوا كفارًا، أو أنَّ البوذيين أوالدَّهريين أو نحو ذلك ليسوا كفارًا.

الثانية: «أو شَكَّ في كفْرِهِم» : أي شكَّ في كفرِ النصارى، أو شكَّ في كُفرِ اليهود، أو في كُفرِ البوذيين، ونحو ذلك،

إلخ.

الثالثة: «أو صحَّحَ مذهبَهم» : مثلًا، صحَّح مذهبَ الرأسمالية، أو صحَّحَ مذهبَ الشيوعية، أو نحو ذلك مِنْ هذه المذاهبِ الباطلة، وهذا أعظم.

فمقتضى كلمة {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أنْ يُكفَرَ بكلِّ ما يُعبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256]، فلابدَّ مِنْ الكفرِ بالطاغوتِ، ولا شك أنَّ اليهوديةَ والنصرانيةَ، وكلَّ ما سِوى دينِ الإسلام طاغوتٌ يجبُ الكفرُ به.

‌أدلة تكفير مَنْ لم يُكفِّر المشركين أو شكَّ في كفرهم، من القرآن الكريم

وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، فحصرَ الدِّين كلَّه بالإسلامِ، ويقول وتعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، وقال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} [الممتحنة: 4]، فالشاهد قولُه تعالى:{كَفَرْنَا بِكُمْ} .

(1)

ذكر العلامة الحجاوي هذا الناقض في كتاب الإقناع (4/ 286)، حيث يقول: «فمَن لم يكفِّر مَنْ دانَ بغير الإسلام، كالنصارى، أو شكَّ في كفرِهم، أو صحَّح مذهبَهم،

فهو كافر».

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1]، وقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72]، وقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73]، فَنصَّ اللهُ سبحانه وتعالى على كفرهم، وأنهم أصحابُ النار، فيجب على المسلمِ أنْ يعتقدَ بأنَّ هؤلاء كفَّار، وأنهم مِنْ أصحابِ النار.

وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ»

(1)

.

وفي صحيح مسلم قولُه صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، يَهُودِىٌّ، وَلَا نَصْرَانِىٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ، إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»

(2)

.

‌أقوال أهل العلم في كُفْر مَنْ شك في كُفْرِ اليهود والنصارى وغيرهم

وقد ذكر الشيخُ محمدُ بنُ عبد الوهاب رحمه الله صفةَ الكفرِ بالطاغوتِ، فقال:«أن تعتقدَ بطلانِ عبادةِ غير اللهِ، وتتركَها، وتكفِّرَ أهلَها، وتعاديَهم»

(3)

، وعلى هذا الذين لا يُكفِّرون اليهودَ أو النصارى، أو يشُكُّون في كفرِهم، أو يُصححِّون مذهبَهم، وأنَّ أديانَهم صحيحةٌ، وأنهم مِنْ أهلِ الجنةِ، فهذا كلُّه «رِدّّةٌ وكُفرٌ» .

وقد نقل شيخُ الإسلام

(4)

ابنُ تيمية رحمه الله الإجماعَ على أنَّ مَنْ شكَّ في كُفرِ اليهودِ والنصارى أنَّه كافرٌ، وبهذا نعرِف خطورةَ القولِ أنَّ اليهودَ والنصارى

(1)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله

، رقم (23)، من حديث أبي مالك عن أبيه.

(2)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، رقم (153)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

الدرر السنية (1/ 161).

(4)

ينظر: جامع الرسائل (1/ 203 - 204)، ومجموع الفتاوى (2/ 368)، و (12/ 496).

ص: 54

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إخوانٌ لنا، وأنهم مسلمون، وهذا رِدّّة؛ لأنه تكذيبٌ للكتابِ والسُّنةِ والإجماعِ، وتقدَّمت الأدلةُ عليه.

‌بطلان دعوى تقارب الأديان، والملة الإبراهمية

ونعرف أيضًا خطورةَ الدَّعوةِ إلى توحيدِ الأديانِ، كالدعوةِ إلى توحيدِ الإسلامِ واليهوديةِ والنصرانيةِ تحت مسمى «الملة الإبراهيمية»

(1)

، وهذه الدعوى باطلةٌ؛ لأنَّه لا بمكن أنْ يكون هناك إلا «الإسلام» ، فلا يمكن أنْ يكون هناك دينٌ خليطٌ مِنْ الإسلامِ واليهوديةِ والنصرانيةِ، أو دعوةٌ إلى تقاربِ الأديان، ويُقرِّب بين الإسلامِ واليهوديةِ والنصرانيةِ، واللهُ تعالى يقول:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

وقد ذكر العلماء أنَّ الكفارَ على مرتبتينِ:

‌1 - كفار مُجمَعٌ على كفرِهم

• الأولى: مَنْ أجمع المسلمون على كُفرِهم، ممن ليس مِنْ أهلِ القبلةِ، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والوثنيين، فهؤلاء يجبُ تكفيرُهم، بل لا يجوز الشَّكُ في كفرِهم، وشيخُ الإسلامِ

ابنُ تيمية رحمه الله نقل الإجماعَ على أنَّ مَنْ شَكَّ في كُفرِ اليهود والنصارى

(1)

وحدة الأديان: هي دعوة ماسونية، تنادي بالتوفيق بين الإسلام والنصرانية واليهودية، و تُعرف ب (الدعوة إلى الإيمان الإبراهيمي)، وتحت مُسمى (حوار الأديان، أو وحدة الأديان)، وتزعم أنَّ هناك قواعد مشتركة بين الإسلام والنصرانية، وبدأت هذه الدعوى مِنْ جانب النصارى، وتبنتها الصهيونية العالمية، وتقوم بتمويلها المنظمات الصهيونية في أمريكا وإسرائيل، ومن أهم مؤلفات أصحاب هذه الدعوة:(نحن جميعًا أبناء إبراهيم). ا. هـ ملخصًا من الموسوعة الميسرة في المذاهب والأحزاب المعاصرة، (2/ 1165 - 1168).

وفي جوابٍ حول هذه الدعوة في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 281): إنَّ الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع. ا. هـ

ص: 55

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنه «كافرٌ» ؛ لأنَّ اللهَ كفَّرَ اليهودَ والنصارى، كما تقدم.

‌2 - مَنْ لم يُحكَم بكفرِهم

• الثانية: مَنْ يدَّعي الإسلامَ، وقام به مُكفِّرٌ، اختلف العلماءُ فيه: هل هو مِنْ المكفِّرات، أو لا، كتارك الصلاة؟، فمَن توقَّف في تكفيرِهم، ولم يُكفِّرهم، «لا يُحكم بكفرِه» .

* * *

ص: 56

‌الناقض الرابع

الرابع: «مَنِ اعتقَدَ أنَّ غَيرَ هَدْي النَّبي صلى الله عليه وسلم أكْملُ مِنْ هَديِه، أوْ أنَّ حُكمَ غيرِه أحْسنُ مِنْ حُكمِه، كَالذينَ يُفضِّلونَ حُكْمَ الطَّاغُوتِ على حُكْمِه؛ فهو كَافِرٌ»

(1)

.

* قوله: «مَنِ اعتقَدَ أنَّ غَيرَ هَدْي النَّبي صلى الله عليه وسلم أكْملُ مِنْ هَديِه،

»:

الهدي: هو الطريقة والسيرة

(2)

، فيدخل في ذلك جميعُ الدِّين الذي بلَّغه صلى الله عليه وسلم عن الله جلَّ وعلا، ومِن ذلك الأحكامُ، فالهدي أعمُّ، والحُكْم أخصُّ، فهديُه صلى الله عليه وسلم أكملُ الهدي؛ لأنه وحيٌ مِنْ الله تعالى.

والدليلُ على أنَّه مِنْ الوحي: قولُه تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4]، وقولُه تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، وقولُه سبحانه:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 1 - 2].

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ»

(3)

، وقال صلى الله عليه وسلم:«أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ»

(4)

، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لما رأى في يدِ عمر رضي الله عنه شيئًا مِنْ التوراةِ، غضِب

(5)

.

(1)

ذكر العلامةُ الحجاوي رحمه الله هذا الناقضَ في كتاب الإقناع (4/ 288) حيث قال: «مَنْ اعتقد أنَّ غيرَ هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكملُ مِنْ هديِه؛ فهو كافر» .

(2)

ينظر: القاموس المحيط، (ص: 1345)، وقال في لسان العرب، (15/ 57):«إنّ أحسنَ الهدْيِ هَدْيُ محمد: أي أحسنَ الطريق، والهِداية، والطريقة، والنحو، والهيئة» .

(3)

رواه مسلم في كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم (867)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

رواه أحمد في المسند، رقم (2107)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعلَّقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم في كتاب الإيمان، باب الدِّين يسر.

(5)

رواه أحمد في المسند، رقم (15195)، وحسَّنه الألباني في الإرواء (6/ 34)، رقم (1589).

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌معنى هذا النَّاقض

ومعنى هذا الناقض: أنْ يعتقدَ أنَّ هدْيَ غيرِ النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالعبادات، أو فيما يتعلق بالمعاملات، أو فيما يتعلق بالأنكحة، أو الحدودِ، أو القصاص، أحسنُ مِنْ هدْي النبي صلى الله عليه وسلم، أو يعتقدَ بأنه مساوٍ لهدْي النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا:«كفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملة» .

‌قسما الاعتقاد في هدي النبي

صلى الله عليه وسلم

* والاعتقاد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين:

1 -

هدْي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأحسن من هدي غيره

• القسم الأول: أنْ يعتقدَ أنَّ هديَ النبي صلى الله عليه وسلم هو أكملُ الهدي وأحسنُه، وهذا هو الواجبُ، الذي يجب على المسلمِ أنْ يعتقدَه.

2 -

الاعتقاد بأن هدْي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل، أو مساو لهديه صلى الله عليه وسلم أو مثله

• القسم الثاني: أنْ يعتقد أنَّ هدْي غيرِ النبي صلى الله عليه وسلم أكملُ، وأحسنُ، وأفضلُ مِنْ هدْي النبي صلى الله عليه وسلم، أو مساوٍ له أو مثلُه، سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات أو في الأخلاق أو السلوكيات، أو اللباس، أو الحدود، أو القصاص .. الخ، نقول بأنَّ هذا «كفرٌ أكبر، مُخرج من الملة» ؛ لأنه مُكذِّبٌ للقرآن والسُّنة، وإجماعِ المسلمين.

قال اللهُ عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، {أَقْوَمُ}: أفْعلُ تفضيل، واللهُ تعالى يقول:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، فلا أحدَ أحسنُ حكمًا مِنْ الله عز وجل، أو مما جاءت به شريعةُ الإسلام، ففي صحيح مسلم قولُه صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ»

(1)

.

* قوله رحمه الله: «أوْ أنَّ حُكمَ غيرِه أحْسنُ مِنْ حُكمِه،

»:

حُكم التحاكم إلى غير شرع الله، وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم

أي: إذا اعتقدَ أنَّ التحاكمَ إلى غيرِ ما جاء في كتابِ الله عز وجل، وغيرِ سُنة النبي صلى الله عليه وسلم، أحسنُ مِنْ حُكمِ النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وإنْ لم يعملْ، «كَفَر» ، والدليلُ قولُه تعالى:

(1)

تقدَّم تخريجه (ص: 57).

ص: 58

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60]، إلى أن قال:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، فالآية اشتملت على ثلاثةِ أمورٍ حتى يؤمنوا:

1 -

أنْ يكونَ المرجعُ في التحاكمِ «الكتابُ والسُّنةُ» .

2 -

أن لا يجدوا في أنفسِهم بغضًا أو كراهيةً لما قضى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

3 -

أن يُسلِّموا تسليمًا كاملًا لحُكمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

‌أقسام التحاكم إلى غير شرع الله، وسُنة نبيه

صلى الله عليه وسلم

وبهذا نعرف خطرَ تحكيمِ القوانينِ الوضعيةِ الموجودةِ اليومَ في بعض البلدان الإسلامية.

والذين يُحكِّمون القوانينَ، وينبذون أحكامَ الشرعِ، أمرُهم لا يخلو مما يلي:

‌1 - جحود حُكم الله تعالى: «كُفرٌ»

1 -

أن يجحد الحاكمُ حكمَ اللهِ سبحانه وتعالى، ومعنى الجحود أن يُكذِّبَ ويُنكرَ أنَّ هذا حُكمُ اللهِ عز وجل، وهذا «كفرٌ» بالاتفاق، قال تعالى:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].

‌2 - استحلال الحُكم بغير ما أنزل الله: «كُفرٌ»

2 -

أن يُجوِّزَ الحاكمُ الحكمَ بغير ما أنزل اللهُ سبحانه وتعالى، أو أنْ يعتقد أنَّ التحاكم إلى غير القرآن والسُّنة جائزٌ ولا بأس به، فهذا هو الاستحلالُ، وهو «كفرٌ» بالاتفاق، قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقال تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37]، فالنسيءُ

(1)

(1)

قال العلامةُ السعدي رحمه الله: النسيء: هو ما كان أهلُ الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم، وكان مِنْ جملة بدَعِهم الباطلة، أنهم لما رأوا احتياجَهم للقتالِ في بعض أوقات الأشهر الحرم، رأوا بآرائهم الفاسدة أن يحافظوا على عِدةِ الأشهر الحُرمِ، التي حرَّم اللهُ القتالَ فيها، وأنْ يؤخِّروا بعضَ الأشهرِ الحُرم، أو يُقدِّموه، ويجعلوا مكانَه مِنْ أشهر الحِلِّ ما أرادوا، فإذا جعلوه مكانه، أحلُّوا القتالَ فيه، وجعلوا الشهَر الحلالَ حرامًا، فهذا كما أخبر اللّه عنهم أنه زيادةٌ في كفرِهم وضلالِهم؛ لما فيه مِنْ المحاذير، منها: أنهم قلبوا الدِّين، فجعلوا الحلالَ حرامًا، والحرامَ حلالًا. ا. هـ (تيسير الكريم الرحمن 2/ 651 - 652).

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تحليلُ ما حرَّم اللهُ، فمن أحلَّ ما حرَّم اللهُ، وهو عالمٌ بأن الله حرَّمَه، فهو «كَافرٌ» بذلك الفعل.

قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، فاللَّه حَكَمَ على أنَّ مَنْ أطاعَ أولياءَ الشيطان في تحليلِ ما حرَّم اللهُ، أنه «مُشركٌ» ، وأكدَ ذلك ب «إنَّ» المؤكِّدة.

‌3 - تسوية حُكم غير الله بحكمه جل وعلا: «كُفرٌ»

3 -

أنْ يُسوِّي الحاكمُ حكمَ غيرِ اللهِ بحكمِ اللهِ جل جلاله، كأن يعتقدَ أنَّ التحاكمَ إلى غيرِ القرآن والسُّنةِ مِنْ هذه القوانين الوضعية مساوٍ للتحاكمِ لما جاء في القرآنِ والسُّنةِ، فهذا «كُفرٌ، مُخرِجٌ عن الملة» ، قال تعالى:{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: 74]، وقال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقال تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].

‌4 - تفضيل حُكم غير الله على حكمه جل وعلا: «كُفرٌ»

4 -

أن يفضلَ حكمَ غيرِ اللهِ على حكمِ اللهِ، أو أنْ يعتقد أنَّ التحاكمَ إلى غير القرآن والسُّنة أفضلُ وأصلحُ للناس، وأنَّ الناسَ لا يُصلِحُهم في هذا الزمن إلا ما يتعلق بتلك القوانين البشرية الوضعية، فهذا «كُفرٌ، مُخرِجٌ عن الملة» ، قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وهذه الآيات الكريمة دالة على تفرُّدِ الرَّبِ تعالى وتقدَّس بالكمال، وتنْزيهه عن مماثلةِ المخلوقين في الذاتِ والصفاتِ والأفعالِ، والحُكمِ بين الناس فيما يتنازعون فيه.

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌5 - الحُكم بغير ما أنزل الله تعالى شهوة وهوى

5 -

أن يحكم بغير ما أنزل اللهُ عز وجل هوىً وشهوةً، مع اعتقادِ وجوبِ الحُكمِ بما أنزل اللهُ سبحانه وتعالى، وأنَّ غيرَه لا يساويه ولا يفضُله، وهذا على قسمين:

• الأول: أن يكون ذلك في أفرادِ المسائل، فهذا «ليس كفرًا» بالاتفاق.

• الثاني: أن يكون ذلك عامًا، بأن يضع قوانينَ لنفسِه، أو يتبنى قوانينَ وُضِعت قبلَه، ففيه قولان لأهل العلم:

‌القول الأول وأدلته

* القول الأول: أنه «كفرٌ، مخرجٌ مِنْ الملة»

(1)

، واستدلوا بأدلةٍ منها:

• قولُه تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

• وقولُه تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

• وقولُه تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].

• وقولُه تعالى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].

• وقولُه تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31].

• وقولُ ابنِ عباس رضي الله عنهما في تفسير قولِه تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، قال:«هِيَ بِهِ كُفْرٌ»

(2)

.

‌القول الثاني وأدلته

* القول الثاني: أنه «فسقٌ، وليس كفرًا» ، واستدلوا ب:

• ما رواه عبدُ الله بنُ الزبير رضي الله عنهما أنَّ رجلًا مِنْ الأنصار خاصمَ الزبيرَ رضي الله عنه عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في شراجِ الحرةَ

، وفيه أنَّ الأنصاريَّ غضِبَ، وقال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:

(1)

ينظر: رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله [(تحكيم القوانين) في الدرر السنية (16/ 215)]، وتعليل القول بأنَّه «كفرٌ، مخرجٌ مِنْ الملة» ؛ لاعتقادِه جوازِ ما عُلِمَ بالنصوصِ الصحيحةِ الصريحةِ القاطعةِ تحريمُه.

(2)

تفسير الطبري (8/ 465).

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

«أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ» ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ

الحديثَ.

فقال الزبيرُ: وَاللهِ، إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِى ذَلِكَ:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]

(1)

.

وجه الدلالة: أنَّ الأنصاريَّ لم يرضَ بحُكمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ووَجدَ في نفسِه حرجًا، ولم يكفر بذلك.

• ما رواه الشيخان مِنْ حديثِ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ، قَالَ:«وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ؟» ، ثمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ:«لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» ،

الحديثَ

(2)

.

وجه الدلالة: أنَّ هذا الرجلَ اعترضَ على حُكمِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يرضَ به، ويُسلِّم، ووجد في نفسِه حرجًا، ولم يُكفِّره الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وامتنعَ عن قتلِه خشيةَ أن يكونَ مُصليًا، ولو كان واقعًا في أمرٍ كُفريٍّ، لم تنفعْه صلاتُه؛ لأنَّ الشركَ والكفرَ الأكبرَ يُحبطانِ الأعمالَ.

• ما روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِئَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْطِي قُرَيْشًا

(1)

رواه البخاري في كتاب التفسير، باب:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]، رقم (4585)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، رقم (2357).

(2)

رواه البخاري في كتاب المغازي، باب بعْثِ علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع، رقم (4351)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، رقم (1064).

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ،

الحديثَ

(1)

.

قوله رحمه الله: «كَالذينَ يُفضِّلونَ حُكْمَ الطَّاغُوتِ على حُكْمِه،

»:

‌تعريف الطاغوت

الطَّاغوت: مشتق مِنْ الطغيان، وهو مجاوزة الحد

(2)

.

وعرَّفه الإمامُ ابنُ القيم رحمه الله: بأنه «كلُّ ما تجاوز به العبدُ حدَّه، مِنْ معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مطاعٍ»

(3)

.

ومُرادُه رحمه الله مَنْ كان راضيًا بذلك

(4)

، أو يقال: هو طاغوتٌ باعتبارِ عابدِه، وتابعِه، ومُطيعِه؛ لأنه تجاوزَ به حدَّه، حيث نزَّلَه فوق منزلتِه التي جعلَها اللهُ له، فتكون عبادتُه لهذا المعبودِ، واتباعُه لمتبوعِه، وطاعتُه لِمُطاعِه، طغيانًا؛ لمجاوزتِه الحدَّ بذلك، فالمتبوعُ مثلُ السَّحرةِ، وعلماء السوء، والمعبودُ مثلُ الأصنامِ، والمطاعُ مثلُ الأمراءِ الخارجين عن طاعة اللهِ عز وجل. فإذا اتخذهم أربابًا، يُحِلُّ ما حرَّمَ اللهُ مِنْ أجلِ تحليلِهم له، ويُحرِّمُ ما أحلَّ اللهُ مِنْ أجلِ تحريمِهم له، فهؤلاء طواغيتٌ، والفاعلُ تابعٌ

(1)

رواه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم

، رقم (3147)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، رقم (1059).

(2)

قال في لسان العرب (8/ 160): «الطُّغيان والطُّغوان لغة فيه، وطَغَى يَطْغى طَغْيًا، ويَطْغُو طُغْيانًا، جاوَزَ القَدْرَ، وارتفع، وغَلا في الكُفْرِ» ا. هـ.

والطاغوتُ: ما عُبِدَ من دون الله عز وجل، وكلُّ رأْسٍ في الضلالِ طاغوتٌ، وقيل: الطاغوتُ الأَصْنامُ، وقيل: الشيطانُ، وقيل: الكَهَنةُ، وقيل: مَرَدةُ أَهل الكتاب، [لسان العرب (8/ 210 - 211)].

(3)

إعلام الموقعين (2/ 92).

(4)

قولُ: «مَنْ كان راضيًا بذلك» : قيدٌ مهمٌ؛ لأنَّ هناك مَنْ عُبِدَ مِنْ دون الله تعالى وتقدَّس بغير رضائه، مع عدم محبتِه لذلك، بل ثبتَ تبرؤه من هذا الشرك، ومِن هؤلاء المتبوعين، ومن هؤلاء: عيسى عليه الصلاة والسلام، فقد عبدَه طوائفُ من النَّصارى، وغالَوْا فيه، حتى صيَّروه إلها، أو ابنَ الإله، أو شريكًا للإله، وهو صلى الله عليه وسلم يتبرأ من ذلك كلِّه، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 116 - 117].

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

للطاغوتِ

(1)

.

* * *

ص: 64

‌الناقض الخامس

الخامس: «مَنْ أبْغضَ شَيئًا ممَّا جاءَ به الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، ولوْ عَمِلَ به؛ كَفَرَ إجْماعًا، والدَّليلُ قولُه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}»

(1)

.

هذا هو الناقض الخامس مِنْ نواقض الإسلام، التي ذكرها الشيخ رحمه الله.

* قوله رحمه الله: «مَنْ أبْغضَ شَيئًا

»:

نقل العلامةُ شرف الدِّين موسى الحجاوي

(2)

رحمه الله الاتفاقَ على أنَّ مَنْ أبغضَ شيئًا مما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به، فهذا «يَكْفُر» ، وهو نوعٌ مِنْ أنواعِ النفاقِ الاعتقادي الذي يَكفُر صاحِبُه، ويخلد في النَّار، ويكون في الدَّرْكِ الأسفلِ منها، سواء كان بغضُه في شيءٍ مِنْ الأقوالِ، أو الأفعالِ، أو مِنْ الواجباتِ، أو مِنْ المستحباتِ، أو مِنْ الأوامرِ، أو مِنْ النواهي.

والدليلُ قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 8 - 9]، ولا يكون إحباطُ العملِ إلا بالكفرِ والشركِ، واللهُ عز وجل يقول:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، وقال سبحانه:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28].

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: «فمِن النفاق ماهو أكبرُ، يكون صاحبُه في الدَّركِ الأسفل من النار، كنفاقِ عبدِ الله بنِ أُبَي وغيره، بأنْ يُظهِرَ تكذيبَ الرسولِ، أو جحودَ بعضِ ما جاء به، أو بغضَه، أو عدمَ اعتقادِ وجوبِ اتِّباعِه، أو

(1)

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (5/ 535): «والمرتدُ مَنْ كان مبغِضًا للرسول، ولِمَا جاء به» .

(2)

الإقناع لطالب الانتفاع (4/ 285).

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المَسَرَّةَ بانخفاضِ دينِه، أو المُسَاءةِ بظهورِ دينِه، ونحو ذلك، مما لا يكون صاحبُه إلا عدوًا للهِ ورسولِه»

(1)

.

‌أنواع النفاق الاعتقادي

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «فأما النفاقُ الاعتقادي فهو ستةُ أنواعٍ: تكذيبُ الرَّسولِ، أو تكذيبُ بعضِ ما جاء به الرسولُ، أو بغضُ الرَّسولِ، أو بغضُ ما جاء به الرسولُ، أو المَسرَّةُ بانخفاضِ دِين الرَّسولِ، أو الكراهيةُ بانتصارِ دِينِ الرسولِ، فهذه السِّتُّ صاحبُها مِنْ أهلِ الدَّركِ الأسفلِ مِنْ النَّارِ»

(2)

.

* وكراهة بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين:

‌بُغضُ شيءٍ مما جاء في الكتاب أو السُّنة لذاته: (كُفرٌ مُخرجٌ مِنْ الملة)

الأول: أن يبغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع اعتقاد أن ما جاء به وشرعه ليس فيه فلاح ولا نجاة، هذا «كفرٌ، مُخرجٌ مِنْ الملة» ، ودليلُ ذلك ما أورده المؤلفُ مِنْ قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9]، ولا يكون حبوط العمل، إلا مع الكفر الناقضِ للإسلام، والمخرجِ من الملة، إذ أنَّ الكفرَ الأصغَر لا يحبط معه العمل.

‌بُغضُ شيءٍ مما جاء في الكتاب أو السُّنة لا لذاته: (فسقٌ)

الثاني: أن يبغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مع اعتقاد أنه الحق والصواب فهذا ليس المقصود هنا، بل هذا «فِسْقٌ» ، ونوعٌ مِنْ اتبِّاع الهوى.

‌ضابط البغض الكفري

وضابط البغض الكفري: أنَّ مَنْ أبغض شيئًا وكرِهَه؛ لأنه مِنْ دِين الله فهو كَافرٌ بالإجماع، أما مَنْ كرهه لغير ذلك فليس كافرًا، وعلامةُ الكره غير الكفري: أنَّ هذا الكره موجودٌ، سواء عَلِم أنَّ الشريعةَ جاءت به أو لا، وذلك يعود إما إلى مشقة، أو غير ذلك من الطبع المجرد.

(1)

مجموع الفتاوى (28/ 434).

(2)

ينظر: مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (12/ 8).

ص: 66

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وعلى هذا من يبغض الحجاب أو يبغض تحريم الزنا أو الخمر أو إعفاء اللحية أو غير ذلك من الأشياء التي جاء بها الشرع لكونه من الدين فهذا كفر حتى ولو عمل به. وكذا من أبغض عدم اختلاط الرجال مع النساء لكونه من الدين، والشرع جاء بعدم الاختلاط حتى في الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»

(1)

، وكذا مَنْ أبغض تحريمَ حلقِ اللحى؛ لكونه مِنْ الدين، فنقول: إنَّ «هذا رِدَّةٌ» ، نسأل اللهَ العافية.

‌الواجب على المسلم هو التصديق والتسليم بكل ما جاء في الكتاب والسُّنة

والواجب على المسلم أنْ يرضى بما جاء في كتاب الله، وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فالواجب على المسلم أنْ يقول:{وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285].

* * *

(1)

رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، وإقامتها، وفضل الأول فالأول، رقم (440)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 67

‌الناقض السادس

السادس: «مَنِ استَهزأَ بشيءٍ مِنْ دِينِ الله، أوْ ثَوابِه، أوْ عِقَابِه؛ كَفَرَ، والدَّلِيلُ قولُه تعَالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}» .

(1)

* قوله رحمه الله: «مَنِ استَهزأَ بشيءٍ

»:

الاستهزاء من الشيء: السخرية منه

(2)

.

* قوله: «مِنْ دِينِ الله» : هذا يشملُ كلَّ دِين الله؛ لأنَّ المفردَ المضافَ يَعُمُّ فيشملُ الواجباتِ، والمستحباتِ، والمكروهاتِ، والمنهيات، فإذا استهزأ بالواجبات كالصلاةِ، أو المستحباتِ كسُنن الصلاة، أو المحرَّمات كتحريم الزنا أو الخمر، أو المكروهات ككراهةِ السفرِ منفردًا، أو كراهةِ أكل الثوم أو البصل، أو نحوه؛ فإنه «يَكفُر» .

الاستهزاء بشيءٍ من ثوابِ الله أو عقابه، أو شيء مِنْ دِين الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم:(كُفرٌ مُخرجٌ مِنْ الملة)

* قوله: «أوْ ثَوابِه» : أي: استهزأ بشيء من ثواب الله عز وجل، وما رُتب على ذلك من أجور، كثوابِ صلاةِ الجماعةِ، والصَّدقةِ، ونحوه.

* قوله: «أوْ عِقَابِه» : كعقاب شارب الخمر أو نحوه؛ فهذا «كفرٌ، مُخرِجٌ من الملة» .

والدليلُ قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66].

(1)

قال العلامةُ الحجاوي رحمه الله في الإقناع لطالب الانتفاع، (4/ 285 - 286):«مَنْ استهزأ بالله، أو رُسلِه، أو أتى بقولٍ أو فِعلٍ صريحٍ في الاستهزاءِ بالدِّينِ، أو سخِرَ بوعدِ اللهِ، أو بوعيده، فهو كافر» ا. هـ. مختصرًا.

(2)

«الاستهزاء: هو السخرية، وهو حملُ الأقوالِ والأفعالِ على الهزلِ واللعبِ، لا على الجِدِّ والحقيقةِ

، فمَن تكلَّم بالأقوالِ التي جعل الشارعُ لها حقائقَ ومقاصدَ، مثل كلمةِ الإيمانِ

، وهو لا يريدُ بها حقائقَها المقوَّمَةَ لها، ولا مقاصدَها التي جُعِلَت هذه الألفاظُ محصلةً لها

، فهو مستهزئٌ بآياتِ الله» ا. هـ. مختصرًا من الفتاوى الكبرى (6/ 22 - 23).

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌سببُ نزول الاستهزاء

وجاء في تفسير ابن جرير

(1)

وابن أبي حاتم

(2)

عن عبدِ الله بنِ عمر رضي الله عنهما في سبب نزولِ هذه الآية أنَّ رجلًا في غزوة تبوك قال: «ما رأينا مثل قُرَّآئنا هؤلاء

(3)

، أرغبَ بُطونًا، ولا أكذبَ ألسُنًا، ولا أجبنَ عند اللقاءِ»، فوصفوهم بالجبن والكذب وكثرة الأكل، فقال عوفُ بن مالكٍ رضي الله عنه: كذبتَ، ولكنك منافقٌ، لأخبرنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوفٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرَه، فوجد القرآنَ قد سبقَه، فجاء الرَّجلُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتحلَ، وركبَ ناقتَه، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنما نخوضُ ونلعبُ ونتحدثُ حديثَ الرَّكْبِ، نقطعُ به الطريقَ، فيقول له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:{أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]»

(4)

.

‌الاستهزاء بالدين من صفات المنافقين

والاستهزاء بالدِّين من صفات المنافقين كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 29 - 33]، فقولُه تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} يعني: يغمزُ بعضُهم بعضًا بالاستهزاء، وقولُه تعالى:{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} يتفكهون بالاستهزاءِ بهم.

‌حكم الاستهزاء بالدِّين وأهلِه

قال الشيخُ سليمانُ بن عبدِ الله رحمه الله: «أجمعَ العلماءُ على كُفْرِ مَنْ استهزأ باللهِ، أو كتابِه، أو برسولِه، أو بدينِه، ولو هازلًا، لم يقصد حقيقةَ الاستهزاءِ، إجماعًا»

(5)

.

(1)

تفسير الطبري (11/ 543 - 545).

(2)

تفسير ابن أبي حاتم (6/ 1829).

(3)

يعنون: النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه.

(4)

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى 7/ 273): «دلَّ على أنَّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أنَّ ذلك ليس بكفرٍ، فبيَّن أنَّ الاستهزاءَ باللهِ وآياتِه ورسولِه كُفرٌ، يَكفرُ به صاحبُه بعد إيمانه» .

(5)

تيسير العزيز الحميد (2/ 1226).

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال الشيخُ السعديُّ رحمه الله: «الاستهزاءُ باللهِ ورسولِه كفرٌ، مُخرِج عَنْ الدِّين

(1)

؛ لأنَّ أصلَ الدِّين مبنيٌ على تعظيمِ اللهِ، وتعظيمِ دينِه ورُسلِه، والاستهزاءُ بشيءٍ مِنْ ذلك منافٍ لهذا الأصلٍ، ومناقضٌ له أشدَّ المناقضةِ

(2)

»

(3)

.

وبهذا نعرفُ خطرَ ما يحصلُ في الصحفِ مِنْ الاستهزاءِ ببعضِ شعائرِ الإسلامِ، فتجد بعضَ الكُتّاب والرَّسَّامين يستهزئُ باللحيةِ، أو الثوبِ القصيرِ، أو الحجابِ، فهذا «كُفرٌ، ورِدَّةٌ عن دِينِ الإسلامِ» .

‌نوعا الاستهزاء

وقد ذكر العلماءُ رحمهم الله أنَّ الاستهزاءَ ينقسم إلى قسمين:

‌استهزاء صريح

• الأول: استهزاءٌ صريحٌ: مثل ما تقدَّم مِنْ حديث ابن عمر رضي الله عنهما «ما رأينا مثل قُرَّآئنا هؤلاء، أرغبَ بُطونًا، ولا أكذبَ ألسُنًا، ولا أجبنَ عند اللقاءِ» .

‌استهزاء غير صريح

• الثاني: استهزاءٌ غيرُ صريح: وهذا كثيرٌ جدًا مثل: أن يشيرَ بيده، أو يغمزَ بعينه، كما قال تعالى:{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} ، أو بالكتاباتِ، أو بالرسومِ، فكلُّ ما دلَّ على الاستهزاءِ فهو «كفرٌ ورِدَّة» ، نسأل الله العافية.

‌قسما الاستهزاء بالعلماء

* مسألة: ينقسم الاستهزاءُ بالعلماء والصالحين إلى قسمين:

‌استهزاء بأشخاصهم «مُحرَّمٌ»

1 -

الاستهزاء بأشخاصهم كمن يستهزئ بأوصافهم الخلقية أو الخُلقية، وهذا «محرَّمٌ»؛ لقولِه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].

(1)

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (7/ 557): «ومَن استهزأ باللهِ، وآياتِه، ورسولِه، فهو كافرٌ، باطنًا، وظاهرًا» .

(2)

قال الشيخُ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «وهل يجتمعُ الايمانُ باللهِ، وكتابِه، ورسولِه، والاستهزاءُ بذلك في قلبٍ؟!» ، تيسير العزيز الحميد (2/ 1226).

(3)

تيسير الكريم الرحمن (2/ 665).

ص: 70

‌استهزاء بهم لكونهم علماء «كُفرٌ»

2 -

الاستهزاءُ بالعلماء لكونهم علماء، ومِن أجْلِ ما هُمْ عليه مِنْ العلمِ الشرعي، فهذا «كُفْرٌ» ؛ لأنه استهزاءٌ بدِينِ اللهِ تعالى، وكذا الاستهزاءُ بأهلِ الصلاح مِنْ أجْلِ استقامتهم على الدِّين، واتِّباعِهم للسُّنةِ، فالاستهزاءُ ها هنا متوجه إلى الدِّين والسُّنةِ.

‌واجب المسلم تجاه مَنْ يستهزئون بدين الله، وحُكم مَنْ يُجالسهم، ويرضى بصنيعهم

* مسألة: يجبُ على المسلمِ أنْ ينكرَ بشدةٍ على المستهزئينَ بدِين اللهِ، وما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وأن لا يُجالسُهم؛ لئلا يكونَ منهم، كما قال تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140].

فمَن سمعَ آياتِ الله يُكفَرُ بها، ويُستهْزَئُ بها، وهو جالسٌ معهم، مع رِضاه بالجلوس معهم، «فهو مثلُهم في الإثْمِ والكُفرِ» .

* * *

ص: 71

‌الناقض السابع

السابع: «السِّحْرُ؛ ومِنْه الصَّرفُ والعَطْف، فمَنْ فعلَه، أو رَضِيَ به؛ كَفَرَ، والدَّلِيلُ قولُه تعَالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}» .

* السِّحرُ تحته مسائل:

‌تعريف السِّحر لغة واصطلاحا

‌1 - المسألة الأولى: تعريف السِّحر:

* السِّحرُ في اللغة: ما لَطُفَ، وخفِي سببُه

(1)

.

* أما في الاصطلاح

(2)

:

الأول: عُقدٌ ورُقى، أي قراءاتٌ ورُقى وطلاسمُ، يتوصَّل بها السَّاحرُ إلى استخدامِ الشياطين فيما يريد به مِنْ ضررِ المسحورِ.

الثاني: أدويةٌ وعقاقيرٌ تُؤثرُ في بَدنِ المسْحورِ وعقلِه وإرادتِه؛ فتجده ينصرفُ ويميلُ، وهو ما يسمى ب «الصَّرفِ والعَطفِ» .

هل للسِّحر حقيقة؟

‌2 - المسألة الثانية: هل للسِّحرِ حقيقةٌ، أم أنه مجردُ تخييل؟

الرأي الأول: أنَّ للسِّحرِ حقيقةً

(3)

، وهو مذهبُ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، ويدل

(1)

قال في لسان العرب (6/ 176): «وكلُّ ما لَطُفَ مَأخذُه، ودَقَّ؛ فهو سِحْرٌ» . ا. هـ، وقال الخليل في العين (3/ 135):«السِّحر: كلُّ ما كان من الشيطان فيه مَعُونة» .

(2)

يُنظر: تفسير ابن كثير (1/ 371)، والمغني (12/ 299).

(3)

قال الإمام القرطبي رحمه الله: «ذهب أهل السُّنة إلى أنَّ السحر ثابت وله حقيقة. وذهب عامة المعتزلة إلى أن السِّحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام» . ا. هـ. (تفسير القرطبي 2/ 276).

قلت: ومما يدل على أنَّ للسحر حقيقةً ما رواه الشيخان مِنْ حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً؛ لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ، وَلَا سِحْرٌ» ، [البخاري، (5769)، مسلم، (2047)].

ونقل هذا المذهب أنَّ للسِّحر حقيقة القرافي في (الفروق 4/ 254)، والنووي في (المجموع 19/ 240)، وقال في (روضة الطالبين 7/ 198):«والصحيح أنَّ له أي: السِّحر حقيقة، كما قدمناه، وبه قطع الجمهورُ، وعليه عامةُ العلماء، ويدل عليه الكتابُ والسُّنةُ الصحيحةُ المشهورة» .

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لذلك أدلةٌ منها:

• قولُه تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]، فالاستعاذةُ مِنْ السِّحرِ تدل على أنَّ له حقيقة

(1)

.

• وأيضًا قولُه تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]، والتعلُّم لا يكون إلا لشيءٍ له حقيقةٌ، والنبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ؛ حتى إنه ليُخيَّل إليه أنَّه فَعلَ الشيءَ، وهو لم يفعله

(2)

.

‌مذهب المعتزلة أن السِّحر مجرد تخييل

الرأي الثاني: أنَّ السِّحرَ ليس له حقيقةٌ، وإنما هو مجردُ تخييلٍ فقط، وهذا هو مَذهبُ المعتزلةِ

(3)

ومَن قال بقولِهم، واستدلوا بقولِه تعالى:{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]، وبقولِه تعالى:{فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف: 116]، وهو يدل على أنَّهم خيَّلوا لأعينِ الناظرين أمرًا لا حقيقةَ له.

‌القول الراجح

والصواب ما عليه أهل السُّنةِ والجماعةِ أنَّ السِّحرَ له حقيقةٌ وتأثيرٌ، وأنه يُمرِضُ، وربما يقتل، ومنه أيضا ما هو تخييلٌ فقط، فيُخيَّلُ للناظرِ أنه دَخل النارَ، أو ضربَ نفسَه بالسِّكينِ، ونحو ذلك، وبهذا تجتمع الأدلة.

مسألة: هل يقلبُ السحرُ الأعيانَ؟

الجواب: إنه لا يقدِرُ السَّاحرُ على قَلْبِ الأعيانِ والحقائقِ، فإنَّ هذا لا يقْدِرُ

(1)

قال في (المغني 12/ 199): «ولولا أن السحر له حقيقة لما أمرَ اللهُ تعالى بالاستعاذة منه» ، يعني في قوله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4].

(2)

رواه البخاري في كتاب الطب، باب السحر، رقم (5766)، ومسلم في كتاب السلام، باب السحر، رقم (2189)، مِنْ حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

«ذهب المعتزلة إلى أنَّ السِّحر مجرد تخييل، وليس له حقيقة، ووافقهم على ذلك قليلٌ مِنْ أهل العلم، منهم: أبو جعفر الاستراباذي مِنْ الشافعية، وأبو جعفر الرازي مِنْ الحنفية، وابنُ حزم الظاهري» ا. هـ. مُختصرا مِنْ كتاب: عالم السِّحر والشعوذة، (ص: 90).

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عليه إلا اللهُ عز وجل، فلا يَقْدِر على قَلْبِ الحَجرِ ذهبًا، والترابِ حديدًا، ونحو ذلك؛ لأنَّ هذا مِنْ خصائصِ اللهِ عز وجل، ولو كان ذلك ممكنًا، لكان السَّحرةُ أغنى الناسِ، وكانوا ملوك العالم.

‌حكم السحر

‌3 - المسألة الثالثة: حكمُ السّاحرِ، هل يكفر، أم لا؟

للعلماء في هذا رأيان:

‌القول الأول: الساحر يكفر

* الرأي الأول: أنَّ الساحرَ يكفُر، وقال بهذا كثيرٌ مِنْ أهلِ العِلم، وهو الذي مشى عليه المؤلفُ رحمه الله، وهو قول الأئمة أبي حنيفة، ومالك، وأحمد رحمهم الله، والدليلُ قولُه تعالى:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102]، فهذا يدل على أنَّ «السَّاحرَ يكْفرُ» ؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ هؤلاء الشياطين لا يخدمون السَّحرةَ، إلا عن طريق الكُفرِ بالله عز وجل، فهذا الجنيُّ لا يخدِمُ السَّاحرَ إلا إذا ذبحَ للجني، أو ذبحَ للقبرِ، أو إذا سبَّ اللهَ عز وجل، أو سبَّ رسولَه صلى الله عليه وسلم، أو استغاثَ بغير اللهِ عز وجل، أو أهانَ القرآنَ الكريمَ،

الخ.

‌القول الثاني: فيه تفصيل

* الرأي الثاني: للإمامِ الشافعي

(1)

رحمه الله، وفيه تفصيلٌ:

يقال للساحر: «صِفْ لنا سِحْرك» ، فإنْ وصفَ ما يُوجِبُ الكفرَ، كَفَرَ، وإلا فَلا؛ لما وَرَدَ عن عائشة رضي الله عنها أنها لم تقتل جارية لها سحرتها، رواه عبد الرزاق

(2)

، والبيهقي

(3)

، وابن حزم

(4)

، بسندٍ صحيحٍ

(5)

، فعدمُ قتلِها يدلُ على عدمِ كُفرِها، ولأنَّ الأصلَ بقاءُ الإسلامِ.

(1)

يُنظر: الأم (2/ 107)، وقرره النووي في شرح مسلم (14/ 176)، وروضة الطالبين (7/ 198).

(2)

المصنف، رقم (18749)، (18750)، والإمام أحمد في المسند، رقم (24126).

(3)

السنن الكبرى (8/ 237)، رقم (16507).

(4)

رواه في المحلى (11/ 395) مِنْ طريق عبد الرزاق عن مالك به.

(5)

صحَّح إسنادَه الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله في التلخيص (4/ 77).

ص: 74

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌قسما السحر

وعلى هذا فالسِّحرُ ينقسم إلى قسمين:

السحرُ بالاستعانة بالشياطين

• الأول: ما هو كُفرٌ: وهو ما كان بواسطة الشياطين

(1)

، لأنَّ الساحرَ يتقرَّبُ للشياطين بما يريدون مِنْ الكفر غالبًا.

‌السحرُ بالأدوية والعقاقير

• الثاني: ما هو من كبائر الذنوب: وهو ما كان بواسطةِ العقاقيرِ والأدويةِ

(2)

.

4 -

‌ المسألة الرابعة: عقوبةُ السّاحرِ.

‌هل يُقتل الساحر، أم لا؟

نقول بأنَّ مسألةَ كُفر السَّاحرِ تختلف عن مسألةِ قتلِه، وللعلماء في عقوبةِ الساحرِ رأيان:

‌الرأي الأول: «يُقتل الساحر» وأدلته

• الرأي الأول: عند الإمامِ مالك، والإمامِ أحمد «أنه يُقتَل»

(3)

، ودليلُهم في ذلك:

ما ورد عن جندب رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ»

(4)

،

(1)

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: «السِّحر مِنْ أسباب الشِّرك؛ لأنَّه لا يُتوصل إليه إلا بعبادة الجن، والاستغاثة بهم، والتَّقرب إليهم بذبحٍ أو نذرٍ أو سجودٍ أو غير ذلك، فلهذا حَكَم العلماءُ على السَّحرة بأنهم كفَّار» ، [فتاوى نور على الدرب (3/ 292)].

(2)

قال في الإقناع (4/ 300)، والشرح الكبير مع الإنصاف (27/ 188):«فأما الذي يَسْحَر بأدويةٍ، وتدخينٍ، وسَقْي شيءٍ لا يضرُّ؛ فإنه لا يَكْفُر، ولا يُقتَل» ، وزاد في الإنصاف:«هذا المذهب» .

(3)

قال في المغني (12/ 302)، والشرح الكبير (27/ 185 - 186): «وحدُّ الساحرِ القتلُ، رُوِي ذلك عن عمر، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله

، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول أبي حنيفة، ومالك» ا. هـ. مختصرًا.

(4)

رواه الترمذي في كتاب الحدود، باب ما جاء في حد الساحر، رقم (1460)، والحاكم في المستدرك رقم:(8137)، والدارقطني في الحدود والديات، رقم (3251)، وعبد الرزاق في باب حدِّ الساحر، رقم:(18752).

ومِن الأدلة على ذلك: ما رواه الطبراني في [الكبير (1704)]، وعبد الرزاق في [المصنف (18746)]، والبيهقي في [الكبرى (16501)]: أَنَّ سَاحِرًا كَانَ يَلْعَبُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بن عُقْبَةَ .. ؛ فَقَامَ جُنْدُبٌ إِلَى السَّيْفِ، فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:{أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3].

ص: 75

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لكنه ضعيف

(1)

.

* وكذلك حديث بَجَالَة رحمه الله قال: جَاءنَا كِتابُ عمرَ رضي الله عنه قبلَ موتِه بسنةٍ، «اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ» ؛ فقتلْنا ثلاثَ سَوَاحِرَ

(2)

، وجاء عن حفصةَ زوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أنَّها قتلَتْ جَارِيةً لها سحرتْها

(3)

، وهذا هو الصواب.

‌الرأي الثاني: «لا يُقتل الساحر»

• الرأي الثاني: أنه «لا يُقتَل

(4)

، إلا إذا عمِلَ عملًا يبلغُ به الكفرَ بسحْرِه».

والصواب: أنه «يقتل مطلقًا» ، سواء كان سِحره كفرًا لاستعانته بالشياطين، أو كان سِحره من كبائرِ الذنوبِ، باستعمالِه الأدوية والعقاقير؛ وذلك لِعظم شرِه وفسادِه في الأرض.

(1)

قال أبو عيسى الترمذي في السنن: «هذا الحديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يُضعَّف في الحديث، وإسماعيل بن مسلم العبدي» ، وقال في [علل الترمذي الكبير، (ص: 237)]: «سألتُ محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديثِ، فقال: هذا لا شيء، وإنما رواه إسماعيلُ بن مسلم، وضعَّف إسماعيلَ بنَ مسلم المكيِّ جدًا» ، وضعَّفه الشيخ الألباني، في [الضعيفة، (1446)، وتعليقه على سنن الترمذي، (1460)].

(2)

رواه أحمد: رقم (1657)، وأبو داود في كتاب الخراج، باب أخذ الجزية من المجوس، رقم (3043)، وعبد الرزاق: رقم (18746)، وابنُ أبي شيبة: رقم (29585)، والشافعي في [مسنده، رقم (290)].

(3)

رواه مالك في [الموطأ، باب ما جاء في الغيلة والسحر، رقم (1562)]، ورواه البيهقي في [الكبرى:(16499)]، وصحَّحه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في (كتاب التوحيد باب ما جاء في السحر) بقوله: «وصحَّ عن حفصة

».

(4)

ويُستدلُ لهذا بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن مدبَّرة لها سحرتها استعجالًا لعتقها؛ فباعتها عائشة، ولم تقتلها. واحتج مَنْ قال: بأنه إنْ كان سحرُه لم يبلغ به الكُفرَ لا يُقتَل بحديثِ ابن مسعودِ المتفق عليه «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث:

» الحديث.

قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: «والأظهر عندي أن الساحر الذي لم يبلغ به سحرُه الكفرَ، ولم يقتل به إنسانا، أنه لا يُقتَل؛ لدلالة النصوصِ القطعيةِ، والإجماعِ على عصمةِ دماء المسلمين عامة، إلا بدليلٍ واضح، وقتْلُ الساحرِ، الذي لم يكفر بسحرِه، لم يثبت فيه شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دمِ مسلمِ، مِنْ غيرِ دليلٍ صحيحٍ من كتاب أو سُنةٍ مرفوعةٍ، غيرُ ظاهرٍ عندي، والعلم عند الله تعالى، مع أنَّ القولَ بقتلِه مطلقًا قويٌّ جدً؛ الفعلِ الصحابةِ له مِنْ غيرِ نكيرٍ» . ا. هـ من (أضواء البيان 4/ 576).

ص: 76

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌أقسام إتيان السحرة، وحكم كل منها

5 -

‌ المسألة الخامسة: حكمُ إتيان السَّحرة والكهنة.

إتيانُ السَّحرةِ ينقسم إلى خمسةِ أقسام:

‌1 - سؤالُهم وتصديقُهم في الغيب المطلق

* القسم الأول: أنْ يأتي هؤلاء السَّحرة، ويسألَهم، ويصدقَهم في الغيب المطلق، فإذا صدَّقهم في الغيبِ المطلقِ، فهذا «كفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملة» ؛ لأنَّه صرفَ شيئًا مِنْ خصائصِ الربوبيةِ لغير الله عز وجل، والغيب المطلق لا يعلمه إلا الله جلَّ وعلا.

ويدل لذلك قولُ اللهِ عز وجل: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65]، وقولُه تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59].

‌2 - سؤالُهم وتصديقُهم في الغيب النسبي، واعتقاد أنهم يستقلون بذلك

* القسم الثاني: أنْ يسألَهم ويصدقَهم في الغيبِ النسبي يعني الغيبَ بالنسبة لمكانٍ أو بالنسبة لزمانٍ، وهو يعتقد أنَّهم يستقِلُّون بذلك، وأنَّ الشياطين لا تخبرهم. ومثال ذلك أنْ يسألَهم عن الضالة، أو يسألَهم عن الضائع، أو يسألَهم عن مكان السِّحر، أو يسألَهم عن المرضِ، أوعن سببه، ونحو ذلك، فهذا غيبٌ نسبيٌّ محصور، وليس غيبًا مطلقًا.

فإذا اعتقد أنهم يستقلون بذلك، وأنَّ الشياطين لا تخبرهم؛ فهذا «شركٌ أكبر» ؛ لماذا؟! لأنه صرَفَ شيئًا مِنْ خصائص الخالقِ جلَّ وعلا للمخلوق، كما أنَّ الغيبَ سواء كان مطلقًا أو نسبيًا مِنْ خصائص اللهِ عز وجل.

‌3 - سؤالُهم وتصديقُهم في الغيب النسبي، واعتقاد أنَّ الشياطين تخبرهم

* القسم الثالث: أنَّ يأتيَهم ويسألَهم ويصدقَهم في الغيبِ النسبيِ، مع اعتقاد أنَّ الشياطين تخبرهم، بمعنى أنْ يأتي السَّاحرَ، فيخبرَه عن وقوع شيءٍ في مكانِ كذا، أو زمان كذا، وهو يعتقدُ أن الشيطانَ أخبرَ الساحرَ بهذا،.

وهذا ما عليه أكثرُ المسلمين ممن يذهبون إلى السَّحرة والكهنة، ويسألونهم عن المريضِ، وسببِ المرض، وعن مكان السِّحرِ، ونحو ذلك.

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فهم يسألونهم عن غيبٍ نسبي، ويعتقدون أنَّ هؤلاء السحرةِ يستعينون بالشياطين، وأنهم لا يستقلون بذلك، فهذا «شركٌ أصغر» ، وفيه عقوبتان، كما دلَّت السُّنةُ المُطهَّرة:

العقوبة الأولى: أنه شرك أصغر؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»

(1)

، يعني: الكفرَ الأصغرَ.

العقوبة الثانية: أنَّ صلاتَه لا تُقبلُ مدةَ أربعين يومًا؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»

(2)

، بمعنى أنه لا يُثابُ عليها، لكنها مُسقطةٌ للطلبِ، ومُبرئةٌ للذمة.

‌4 - إتيانُ السحرة فقط، لا يسألهم ولا يصدقهم

* القسم الرابع: أن يأتي السحرةَ والكهنةَ إتيانًا مجردًا فقط بدون سؤال، مجرد أنْ يأتَيهم، أو أنْ يسألَهم، ولا يصدقُهم، فهذا «مُحرَّم، ولا يجوز» ، ويدل لذلك حديث معاوية بن الحكم السُّلَمي رضي الله عنه في صحيح مسلم، قال: قلت: يا رسول الله، إِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قال:«فَلَا تَأْتِهِمْ»

(3)

؛ فهذا «محرمٌ»

(4)

، سدًا للذرائع،

(1)

أخرجه أحمد في مسنده (9536)، والحاكم في المستدرك (15)، وقال:«هذا حديث صحيح على شرطهما» ، وأصحاب السنن إلا النسائي: أبو داود (3904)، و الترمذي:(135)، وابن ماجه (639) وصحَّحه الشيخُ الألباني، كلهم مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:«مَنْ أَتَى حَائِضًا، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» .

(2)

رواه أحمد: (16638)، ولفظُه:«مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» ، بدل «لَيلةً» ، ومسلم في كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم (2230)، ولفظه: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ،

» الحديثَ، كلاهما من حديث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلا ة، رقم:(537).

(4)

قال الإمامُ النووي رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث: «إنما نُهِي عن اتيانِ الكُهان؛ لأنهم يتكلمون في مُغيَّباتٍ، قد يُصادِف بعضَها الأصابة، فيُخافُ الفتنةُ على الإنسانِ بسبب ذلك؛ لأنهم يُلبِّسون على النَّاس كثيرًا مِنْ أمرِ الشرائعِ، وقد تظاهرت الأحاديثُ الصحيحةُ بالنهي عن إتيانِ الكُهان وتصديقِهم فيما يقولون» . ا. هـ من [شرح مسلم (5/ 22)).

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولِما فيه مِنْ تكثيرِ سوادهم، ومِن تشجعيهم على مثل هذا العمل.

‌حكم الاتصال بقنوات ومواقع السحر والشعوذة

وبهذا نعرف خطورةَ ما يوجد اليوم في القنوات الفضائية، ومواقع الشبكة العالمية، مِنْ قنواتِ ومواقعِ الشعوذة والدَّجل، وعليه فلا يجوز الاتصالُ على هؤلاء، ولا الجلوسُ إليهم، ولا الاستماعُ لهم، بِغَض النظر عن سؤالِهم، وتصديقِهم، لأنَّ هذا كلُّه «مُحرَّمٌ، ولا يجوز» .

‌5 - إتيانُ السحرة للإنكار عليهم، وبيانِ كذبِهم

* القسم الخامس: أنْ يأتيهم لأجل امتحانِهم، والإنكارِ عليهم، وتبين كذبِهم ودجلِهم، وكشفِ زيْفِهم، فهذا «مشروعٌ» ، ولا بأس به، وهو داخلٌ في الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر، وقد أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ صيادٍ

(1)

، وسألَه، وأنكرَ عليه، مع عِلمِه بأنَّ ابنَ صيَّاد

(2)

دجَّالٌ مِنْ الدجاجلة.

‌مسألة في قبول توبة الساحر

6 -

‌ المسألة السادسة: هل تُقبَلُ توبةُ السَّاحِر؟

على قولين

(3)

لأهل العلم:

القول الأول: «أنَّ توبةَ السَّاحرِ غيرُ مقبولةٍ» ، وهو المشهور مِنْ مذهبِ الإمامِ

(1)

رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي، رقم (3055)، ومسلم في كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد، رقم (2930)، كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

قال الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله: «قال القرطبي: كان ابن صياد على طريقةِ الكهنةِ، يخبرُ بالخبرِ، فيصحُّ تارةً، ويفسدُ أخرى، فشاع ذلك، ولم ينزِلْ في شأنِه وحيٌ، فأراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم سلوكَ طريقةٍ يختبرُ حالَه بها، أي: فهو السببُ في انطلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه» . ا. هـ من (فتح الباري 6/ 208).

وقال الإمامُ النووي رحمه الله: «قال الخطابى: وأما امتحانُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بما خبَّأه له مِنْ آيةِ الدخان، فلأنَّه كان يبْلغُه ما يدَّعيه مِنْ الكهانةِ، ويتعاطاه مِنْ الكلام في الغيب؛ فامتحنَه، ليعلمَ حقيقةَ حالِه، ويُظهِر إبطالَ حالِه للصحابة، وأنه كاهنٌ ساحرٌ، يأتيه الشيطان فيُلقى على لسانِه ما يُلقيه الشياطينُ إلى الكهنة، فامتحنَه باضمارِ قولِ الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]» ا. هـ. من (شرح مسلم 18/ 48).

(3)

قال الموفَّق رحمه الله: «هاتان الروايتان في ثبوت حكم التوبة في الدنيا من سقوط القتل ونحوه، فأما فيما بينه وبين الله تعالى وسقوط عقوبة الدار الآخرة عنه فيصِح» . ا. هـ. (المغني 12/ 303).

ص: 79

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌القول الأول: توبة الساحر غيرُ مقبولة

أحمد

(1)

، وعلى هذا لو ادَّعى التوبةَ والرجوعَ إلى الله عز وجل، فتوبتُه غيرُ مقبولة، وحينئذٍ يُعامَلُ على الظاهر، وتُقامُ عليه العقوبةُ فيُقتَلُ، وأما الباطنُ، فهذا بينه وبينَ اللهِ تعالى، فإن كان صادقًا في توبتِه، فلعلَّ اللهَ أنْ يعفو عنه، وإنْ كان كاذبًا، فأمرُه ظاهرٌ.

واستدلوا على ذلك بأنَّ ادِّعاءَ التوبةِ مِنْ السَّاحر غيرُ ظاهرٍ؛ لأنَّ هذا أمرٌ خفيٌ لا يكاد يُعلَم، فكونه يدَّعي التوبةَ ربما يكون كاذِبًا في ذلك

(2)

، وتَعامُلُه بالسِّحرِ يدل على سوء باطنته، وفسادِ عقيدته.

‌القول الثاني: توبة الساحر مقبولة

القولُ الثاني: «أنَّ توبةَ السَّاحرِ مقبولةٌ» ، وهو الروايةُ الثانيةُ في مذهبِ الإمام أحمد رحمه الله، وذهب إليه بعضُ أهلُ العلم بأنَّ توبتَه مقبولة؛ لعموم أدلة التوبة من الكتاب والسُّنة، منها:

أدلة القول الثاني من الكتاب والسُّنة

• قولُ اللهِ عز وجل: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

وقولُه سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38].

• وقولُه جلَّ وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وقولُه سبحانه:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

• ومن الأحاديث الواردة في ذلك، قولُه صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِاءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِاءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ

(1)

ينظر: (المقنع 27/ 133)، و (المغني 12/ 303).

(2)

«لأنَّ السِّحر معنىً في قلبه، لا يزول بالتوبة، فيُشبه مَنْ لم يتب» ، ذكره في (المغني 12/ 303).

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مِنْ مَغْرِبِهَا»

(1)

.

• وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عز وجل يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ، مَا لَمْ يُغَرْغِرْ»

(2)

، والأدلةُ على ذلك كثيرة

(3)

.

والأقرب في هذه المسألة أنْ يُقال: أنَّ «توبةَ السَّاحر مقبولةٌ» ، لكن بشرط أنْ تقومَ القرائن على صدقِ توبتِه، وصلاحِ عقيدِته، وتحسُّن باطنتِه، فإذا قامت القرائنُ على ذلك، نقول: بأنَّ «توبتَه مقبولة» .

‌مسألة: حلُّ السِّحر

7 -

‌ المسألة السابعة: حلُّ السِّحرِ عن المسحور

(4)

.

ينقسمُ حَلُّ السِّحرِ عن المسحور إلى قسمين:

* الأول: حَلُّ السِّحرِ بالقرآنِ، والأدعيةِ، والقراءاتِ المباحةِ، فهذا «جائزٌ، ولا بأسَ به» ؛ لعمومات الأدلةِ الدَّالةِ على الرقيةِ، كقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَا بَأْسَ بِالرُّقَى، مَا لَمْ

(1)

رواه مسلم في كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة، برقم (2759)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

ومن الأحاديث الواردة في قبول التوبة عموما مهما تعاظم ذنب صاحبه: حديثُ الرجل الذي قتل تسعةً وتسعين نفسًا، [البخاري:(3470)، مسلم:(2766)].

(2)

رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، رقم (3537)، وقال:«حديث حسن غريب» ، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، رقم (4253)، وحسَّنه الشيخ الألباني.

(3)

قلت: ومِن أدلةِ قبولِ توبةِ السَّاحرِ ما جاءَ في قصةِ سحرةِ فرعون، وتوبتِهم لما رأوا الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، فخروا سُجدًا، وقالوا:{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73]، قال ابنُ عباس رضي الله عنهما:«كَانُوا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَحَرَةً، وَفَى آخِرِ النَّهَارِ شُهَدَاءَ» ، [تفسير الطبري (10/ 364)].

قال الإمام البيهقي رحمه الله: «وكفاك بسحرةِ فرعونَ وقصتِهم فى كتابِ اللهِ عز وجل في قبولِ توبةِ السَّاحر» ا. هـ. من (السنن الكبرى 8/ 235).

(4)

ويسمى ذلك ب «النُّشرة» ، قال العلَّامةُ ابنُ القيم رحمه الله:«والنُّشرةُ حَلُّ السِّحرِ عن المسْحورِ، وهي نوعان: حَلُّ سِحرٍ بسِحرٍ مثلِه، وهو الذي مِنْ عملِ الشيطانِ، فإنَّ السِّحرَ مِنْ عملِه، فيتقربُ اليه النَّاشِرُ والمنتَشِرُ بما يُحِبُّ، فيُبطِلُ عملَه عن المسحورِ. والثاني: النُّشرةُ بالرُّقيةِ والتعوذاتِ والدَّعواتِ والأدويةِ المباحةِ، فهذا جائز، بل مستحب» . ا. هـ من (إعلام الموقعين 6/ 558).

ص: 81

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌حلُّ السِّحر بالقرآن والأدعية والأذكار المباحة

تَكُنْ شِرْكًا»

(1)

، وقولِه صلى الله عليه وسلم:«لَا رُقْيَةَ إلَّا مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ»

(2)

، وقولِه صلى الله عليه وسلم لابنِ عَابِسٍ الجُهنِي رضي الله عنه:«أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُونَ؟» قُلْتُ: بَلَى يا رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:«{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}»

(3)

، وكالمأثورِ عنه صلى الله عليه وسلم في رُقيةِ المريضِ: «رَبَّنَا اللهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ،

»

(4)

.

‌حلُّ السِّحر بسحر مثله، وحكمه

* الثاني: حَلُّ السِّحرِ عن المسحورِ بسحرٍ مثلِه، وهذا اختلف فيه السَّلفُ على ثلاثة أقوال:

‌القول الأول: جواز النشرة، وأدلته

• القول الأول: أنه «جَائزٌ» ، علَّقَه الإمامُ البخاريُّ رحمه الله في صحيحِه جازمًا عن قتادة أنه قال:«قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ، أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ، أَيُحَلُّ عَنْهُ، أَوْ يُنَشَّرُ؟ قال: لَاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإِصْلَاحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ، فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ»

(5)

، حملَ بعضُ العلماءِ كلامَ سعيدٍ على النُّشرةِ المباحةِ بالأدعيةِ والقراءاتِ.

واستدلوا بما ورَدَ عن عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما سَحرَه لبيدُ بنُ الأعصمِ اليهودي: «فَهَلاَّ تَنَشَّرْتَ؟» ، أخرجه البخاري

(6)

.

(1)

رواه مسلم في كتاب الطب، باب لا بأس بالرقى، ما لم يكن فيه شرك، رقم (2200) من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه.

(2)

رواه البخاري في كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، رقم (5705)، موقوفًا من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنهما، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (220) موقوفًا من حديث بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه، ورواه أبو داود في كتاب الطب، باب ما جاء فى الرقى، رقم (3884)، والترمذي في كتاب الطب، باب ما جاء في الرخصة في ذلك، رقم (557)، وغيرهما مرفوعًا مِنْ حديثه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

رواه أحمد: (15448)، والنسائي في أول كتاب الاستعاذة، رقم (5432)، وصحَّحه الشيخُ الألباني.

(4)

رواه أبو داود في كتاب الطب، باب كيف الرقى، رقم (3367)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وحسَّنه شيخُ الإسلام ابنُ تيمية في (العقيدة الواسطية، ضمن مجموع الفتاوى 3/ 139)، وضعَّفه الشيخُ الألباني.

(5)

أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب هل يستَخرِجُ السِّحرَ؟

(6)

أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر؟ رقم (5765).

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولأنَّ المنهيَّ عنه هو الضَّارُّ؛ لقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102].

‌القول الثاني: عدم جواز النشرة، وأدلته

• القول الثاني: أنه «لا يجوز مطلقًا» ، وقال به الحسنُ البصري، وسليمانُ بنُ عبد الله صاحب «تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد»

(1)

، وقال الشيخُ محمد بن إبراهيم رحمه الله:«أفيُعمَلُ الكفرُ لكي تحيا بذلك نفوسٌ مريضةٌ؟»

(2)

.

واستدلوا بالعمومات: مثل حديث «مَنْ أَتَى عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»

(3)

، وكذلك حديث «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»

(4)

، ولحديث جابر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«النَّشْرَة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»

(5)

رواه أحمد وغيره.

وكذلك استدلوا بالعمومات الدَّالة على النهي عن التداوي بالمحرَّمات.

• القول الثالث: أنَّ هذا «جائز عند الضرورة» ، وقال به عطاء واستدلوا بقوله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، وقال اللهُ عز وجل عن الكفرِ {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، فإذا كان هذا في الكُفر، فغيرُه كذلك.

‌تعريف الصرف والعطف

* قولُه رحمه الله: «ومِنْه الصَّرفُ والعَطْف» .

الصَّرفُ: صَرْفُ الرَّجلِ عما يهواه؛ كصرفِه مثلًا عن محبةِ زوجتِه إلى بُغضِها.

(1)

ينظر: تيسير العزيز الحميد (2/ 848 - 849).

(2)

ينظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 165).

(3)

تقدم تخرجه.

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

رواه عبد الرزاق: (19762)، ومن طريقه أحمد في مسنده:(14135)، ومِن طريقِه أبو داود في كتاب الطب، باب في النشرة، رقم (3868)، وصحَّحه الألباني.

ص: 83

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل: هو إيقاعُ البُّغضِ بين المتحابين، سواءً كانا زوجينِ أو غيرِ زوجينِ بحيث ينصرفُ أحدهما عن الآخر.

العَطْف: عَطفُ الرَّجلِ عما لا يهواه إلى محبتِه والتعلُّقِ به.

وقيل: إيقاعُ المحبةِ بين المتباعدين، سواءً كانا زوجين أو غير زوجين، بحيث ينعطفُ أحدهما على الآخر.

* * *

ص: 84

‌الناقض الثامن

الثامن: «مُظاهرةُ المشْركينَ، ومُعاوَنتُهم على المسْلِمينَ، والدَّلِيلُ قولُه تعَالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}» .

‌معنى هذا الناقض

* قوله رحمه الله: «مُظاهرةُ المشْركينَ

»:

تعني: مناصرتُهم، ومعاونتُهم على المسلمين، فهذا مِنْ نواقض الإسلامِ، والدليلُ ما استدل به المؤلفُ رحمه الله تعالى

(1)

.

‌قسما مظاهرة المشركين

مظاهرةُ المشركين تنقسمُ إلى قسمين:

1 -

القسم الأول: مناصرة المشركين على المسلمين، محبةً لهم وبغضًا للمسلمين، ومِن باب أوْلى محبةً لدينهم، ورغبةً في ظهورهم على المسلمين، فهذا «كفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملة» .

وعليه، فإذا كانت المناصرة محبةً لهؤلاء وبُغضًا للمسلمين، ومِن باب أوْلى إذا كان هذا حبًا لدينهم، فإنَّ هذا «كفرٌ، مُخرجٌ مِنْ الملة» ، ويدل لذلك قول الله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ، فجعله اللهُ عز وجل بعضًا منهم، مما يدل على أنه خرج مِنْ دِين الإسلام.

2 -

القسم الثاني: ألا يكون ذلك حبًا للمشركين، وبُغضًا للمسلمين، وإنما حمَله على ذلك مصالحُ دنيوية كما قال بعضُ العلماء، أو كونِه مُكرهًا، فنقول بأنَّ هذا «ليس كُفرًا» ، فلم يحمله على ذلك بُغضُه للمسلمين، ولا حبُّه للمشركين، وليس رغبةً في ظهور أهل الكفر على أهل الإسلام، ولا حبًا لدينهم، ونحو ذلك، وإنما حمله على ذلك مصالح شخصية، أو مصالح دنيوية، ونحو ذلك، فهذا «ليس كُفرًا» .

(1)

الآية (51) من سورة (المائدة).

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويدل لذلك قصةُ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

(1)

، فإنه كتبَ إلى المشركين لما سمع بخروج النبي صلى الله عليه وسلم، إليهم في فتح مكة، ومع ذلك لم يحكم عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالكفرِ عندما جاءَه الوحيُ بما فعلَ حاطبُ رضي الله عنه

(2)

.

ويدل لذلك أيضًا ما نُقل الإجماع عليه، فالعلماء كالطحاوي

(3)

وغيرِه ينقلون الإجماعَ على أنَّ الجاسوس المسلمَ لا يَكْفر، وإنَّ كانت عقوبتُه القتلَ، يعني لو أنَّ مسلمًا تجسَّسَ على المسلمين لصالح الكفار، فالعلماءُ ينقلون الإجماعَ أنه لا يَكفُر، وبهذا تتبين لنا هذه المسألة.

وسُئِل الشيخُ عبدُ الله بنُ عبد اللطيف رحمه الله تعالى عن الفرق بين الموالاة

(1)

روى البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، برقم (3007)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب مِنْ فضائل أهل بدر رضي الله عنه، برقم (2494) حديثَ عليٍّ رضي الله عنه، وفيه: بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنا، والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضةَ خاخ، فإنَّ بها ظعينةً ومعها كتابٌ، فخذوه منها، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب، فقلنا: لتُخرِجنَّ الكتابَ، أو لنُلقين الثيابَ، فأخرجته مِنْ عقاصها، فأتينا به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: مِنْ حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ مِنْ المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا حاطبُ، ما هذا؟» قال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ، إني كنت أمرًا مُلصقًا في قريش، ولم أكن مِنْ أنفُسِها، وكان مَنْ معك مِنْ المهاجرين لهم قرابات بمكة؛ يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك مِنْ النسب فيهم أنْ أتخذَ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلتُ كفرًا، ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلام.

فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لقد صَدقَكُم، قال عمر: يا رسول الله، دعني أضْرِب عنقَ هذا المنافق. قال: إنَّه قد شهِدَ بدرًا، وما يدريك لعلَّ اللهَ أنْ يكونَ قد اطَّلعَ على أهلِ بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرتُ لكم.

(2)

دلَّ اعتذارُ حاطب رضي الله عنه عما فعل بالغرض الدنيوي، ونفيُه عن نفسِه الرضى بالكفر والرِّدة عن نفسه، وقبولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قولَه واعتذارَه، وعدمُ إقرارِه صلى الله عليه وسلم لعُمرَ رضي الله عنه على حُكمِه بالنفاق لحاطبٍ رضي الله عنه فضلا عن إجابتِه إلى قتلِه؛ دليلٌ على أنَّ مُظاهرةِ الكفار لمجرد غرضٍ دنيوي ليست لذاتها كُفرًا. [مناط الكفر بموالاة الكفار، (ص 100 - 101)، مختصرا بتصرفٍ يسير]

(3)

قال الحافظُ ابن حجر رحمه الله: نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يُباح دمُه، فتح الباري (12/ 387).

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والتولي؟

(1)

‌حكم التَّولي

فقال: «التَّولي: «كُفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملَّةِ» ، وهو كالذَّبِّ عنهم، وإعانتِهم بالمالِ والبدنِ والرأي»

(2)

.

‌الفرق بين الولاء والتَّولي

* واختلف أهلُ العلم هل هناك فرقٌ بين الولاء والتَّولي؟

على قولين:

• القول الأول: أنهما بمعنىً واحد، وهو قولُ جمْعٍ مِنْ المفسرين.

• القول الثاني: أنَّ بينهما فرقًا، فالولاءُ أعمُّ مِنْ التولي، والتَّولي «كُفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملَّةِ» ، وهو ظاهرُ قولِ ابن جريرٍ، وشيخِ الإسلام ابنِ تيمية رحمهما الله؛ لأنَّ الآيات فرَّقت بين وعيدِ الولاءِ، ووعيدِ التَّولي، فالأولُ جاء فيه مطلقُ النَّهي

(3)

، والثاني جاء فيه وعيدٌ زائدٌ على أنَّه منهم

(4)

.

* أما فيما يتعلق بالولاء، فموالاة الكفار لها صورٌ كثيرة، منها ما هو كُفرٌ، ومنها

(1)

قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله نظمًافي الفرق بين الموالاة والتولي:

وأصلُ بَلاءِ القومِ حيثُ تورَّطُوا

هو الجهلُ في حُكمِ الموالاةِ عن زَللْ

فمَا فرَّقُوا بين التَّولِّي وحُكْمِه

وبينَ المُوالاةِ التي هي في العمَلْ

أخفُّ، ومنها ما يُكفِّر فعلُه

ومنها يكونُ دونَ ذلك في الخَلَلْ

ينظر: ديوان: عقود الجواهر المنضدة الحسان، (ص: 213).

(2)

الدرر السنية (8/ 422).

(3)

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 144]، وقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51]، وقال جلَّ وعلا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23]، وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].

(4)

قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51].

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‌من صور موالاة الكفار

ما هو فِسقٌ، ومن صور تلك الموالاة للكفار:

أ- محبة الكفار: وهي «محرمةٌ، لا تجوز» ، وإنْ كان الدافعُ لمحبتهم هو الإعجابُ بدينهم، وما هُمْ عليه مِنْ الشِّركِ بالله عز وجل والكفرِ والفِسقِ،

الخ، فتكون هذه المحبةُ «خروجًا عن دين الإسلام» .

أما إذا لم يكن ذلك، وإنما هي مجردُ محبةٍ لهؤلاء الكفار، فنقول بأنَّ هذا «محرمٌ، ولا يجوز» ، لأنَّ الواجبَ على المسلم أنْ يبغض هؤلاء الكفار، كما قال الله عز وجل:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4] الآيةَ.

‌حُكم محبةِ المشركين حبًا لدينهم، وما هُمْ عليه مِنْ الكفر

ويُستثنى مِنْ ذلك ما يتعلق بالمحبةِ الطبيعيةِ، فإنه لا يُلام عليها الإنسانُ، مثلًا: أحبَّ المسلمُ كافِرًا، ووصلَه وأحسنَ إليه؛ لكونه ابنًا له، أو لكونه زوجة أو أمًّا

(1)

، أو لحُسن خلقه،

الخ.

أما إذا أحبه لذاته، فهذا «مُحرَّم، لا يجوز» ، وإنْ أحبَّه لدينه، وما هو عليه مِنْ الكفرِ والشركِ بالله عز وجل، فنقول بأنَّ هذا «كفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملة» .

* و‌

‌من صور موالاة المشركين:

ب- اتخاذُهم بطانةً مِنْ دونِ المسلمين:

(1)

روى البخاري في الأدب، باب صلة الوالد المشرك، برقم (5978)، ومسلم في الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين .. ولو كانوا مشركين، برقم (1003)، كلاهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أتتْنِي أمِّي راغِبةً في عهدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسألْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: آصِلُهَا؟ قال: «نعم» ، وفي رواية: قَدِمَتْ أمِّي وهي مُشرِكةٌ.

قال الإمامُ النووي رحمه الله: وفيه جوازُ صلةِ القريبِ المشرك، (شرح مسلم 7/ 89).

ص: 88

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118]، يعني: مِنْ غيركم، فكوْنهم يُتخذونَ بطانةً، يعني: موضعَ سِرٍ يؤْتمنون عليه، نقول بأنَّ هذا مِنْ «الموالاة المحرمة؛ التي لا تجوز»

(1)

، والواجبُ ترْكُ ذلك.

‌لا يحوز التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم

ج- التَّشبهُ بهم فيما هو مِنْ خصائصهم، سواء كان ذلك في العادات، أو في الأخلاق، والسلوكيات: فهذا «مُحرَّم، ولا يجوز» ، وفي مسند أحمد يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»

(2)

.

أما فيما يتعلق بالتَّشبهِ، فإذا كان هذا مِنْ خصائصِ الكفار، بمعنى أنهم يختصون بهذا الشيء، فهو مِنْ «التَّشبه المحرَّم» ، أما إذا لم يكن مِنْ خصائصهم

(3)

، وإنما انتشر بين المسلمين، فإنَّ هذا لا يدخلُ في التشبه بهم، ما لم يتضمن محذورًا شرعيًا.

‌حكم بدء غير المسلمين بالسلام

د- بُداءتهم بالسَّلام:

قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِى

(1)

ويدل لذلك ما رواه مسلم [رقم: (1817)]، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قِبل بدر، فلما كان بحرَّة الوبرة أدركه رجلٌ قد كان يُذكر منه جرأةٌ ونجدةٌ ففرحِ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوْه، فلما أدركه قال لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: جئتُ لأتبعكَ، وأصيبُ معك، قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«تؤمِنُ باللهِ ورسولِه؟» ، قال: لا، قال:«فارجع، فلن أستعين بمشرك» ، الحديثَ.

(2)

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: رواه أحمد: (5114)، وأبو داود في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة، برقم (4031)، قال الشيخ الألباني:«حسن صحيح» .

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: «وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]» .

وقال أيضًا: «فقد يُحمل هذا على التشبه المطلق؛ فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريمَ أبعاضَ ذلك، وقد يُحمل على أنه منِهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفرا، أو معصية، أو شعارا لها، كان حكمه كذلك» ، [اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 270 - 271)].

(3)

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: «فهذا ليس فيه محذور المشابهة، ولكن قد يفوت فيه منفعة المخالفة، فتتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي» ، [اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 553)].

ص: 89

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ»

(1)

الحديثَ.

فبداءتهم بالسَّلامِ «مُحرَّمةٌ، ولا تجوز» ، لأنَّ السَّلامَ دعاءٌ له بالسَّلامةِ والحفظِ، وهو لا يستحقُ ذلك، وقرر شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله أنَّه لا بأسَ أنْ يُبدَأ ب: كيف أصبحت؟، وكيف أمسيت؟، وأهلًا وسهلًا، ومرحبًا؛ لأنَّ هذا لا يتضمنُ الدُّعاءَ لهم بالسَّلامةِ والحِفظِ

(2)

.

‌تهنئة الكفار بأعيادهم: محرمة، لا تجوز

هـ- تهنئتهم بما يتعلق بمناسبتهم الدينية:

نقول بأنَّ هذا «مُحرَّمٌ، ولا يجوز» ، كأعيادِ الميلادِ عند النصارى الكريسماس وغير ذلك، بل يُخشى على صاحبه مِنْ الكفر؛ لأنَّ هذا رضًا بهذا الدِّين.

أما التهنئة فيما يتعلق بالمناسبات الدنيوية، كما لو حصل له رِبحُ تجارة، أو قدومُ غائب، أو نيْلُ وظيفة، أو نحو ذلك، فهذا «يجوز» في حالتين:

1 -

الحالة الأولى: إذا كان ذلك على سبيل المكافأة، بمعنى أنه يُهنئ المسلمين في مثل هذه الأمور، فهذا «يجوز» على سبيل المكافأة.

2 -

الحالة الثانية: إذا كان يترتب عليه مصلحةٌ شرعيةٌ، كتأليفِهم ودعوتِهم إلى الإسلام، فنقول بأنَّ هذا مشروع، ويدل لذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كافأ اليهوديَّ الذي كان يخدمه، لما مرِضَ، عَادَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم

(3)

.

(1)

رواه مسلم في كتاب السَّلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم، برقم (2167)، مِنْ حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 241)، قال في الفروع (10/ 336):«وجوَّزه شيخُنا» يعني شيخَ الإسلام ابنَ تيمية رحمه الله، وكذا في الإنصاف (10/ 453).

وفي الشرح الكبير (10/ 453 - 454) وغيره، عن أبي داود قلت لأبي عبد الله يعني الإمام أحمد:«تكره أن يقولَ الرجلُ للذمي: كيف أصبحت؟ أو كيف حالك؟ أو كيف أنت؟ أو نحو هذا؟ قال: نعم، هذا عندي أكثر مِنْ السَّلام» .

(3)

روى البخاري [في كتاب المرضى، باب عيادة المشرك، برقم (5657)]، عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ غلامًا ليهود كان يخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فمرِض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقال:«أسْلِم» ، فأسْلَم.

ص: 90

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

* كذلك أيضًا مِنْ صور موالاتهم المحرمة

(1)

:

‌حكم الخدمة الذاتية للكفار

و- جعلُهم رؤساءَ على المسلمين، وخدمتُهم الخدمةَ الذاتية:

كأنْ يخدمهم في غسل ملابسهم، وطبخ طعامهم، وتنظيف بيوتهم، فنقول بأنَّ هذا «لا يجوز» ، وكذلك جعلهم رؤساءَ على المسلمين في الأعمال، فنقول بأنَّ هذا «لا يجوز»؛ لقول الله عز وجل:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]، والإسلامُ يعلو، ولا يُعلى عليه.

ز- تركُهم يُظهِرون شعائرَ دينهم، مِنْ شُرب الخمر، أو أكْل الخنزير، أو ضرْب النَّاقوس، ونحو ذلك.

‌صور لا تدخل في موالاة الكفار

* وهناك صور لا تدخل في موالاة الكفار، ومن ذلك:

1 -

التهنئة فيما يتعلق بمناسباتهم الدنيوية كما تقدَّم.

‌حالات الإهداء وعيادة غير المسلمين، وحكمها

2 -

ما يتعلق بعيادتِهم، والإهداءِ إليهم، أي زيارتُهم إذا مرِضُوا، ومبادلتُهم الهدايا، ونحو ذلك، نقول بأنَّ هذا كما سلف يجوز في حالتين:

= الحالة الأولى: إذا كان هذا عن طريق المكافأة، بمعنى أنهم أهْدوا إلى المسلمين، فلا بأس بأنَّ يُهدَى لهم، ويدل لذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قَبِل هدايا المشركين، وقبِلَ هديةَ اليهوديةِ في الشَّاةِ المصْلِية

(2)

، وكما أسلفنا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، عادَ الغلامَ اليهوديَّ الذي

(1)

ومن مظاهر موالاتهم أيضًا: («الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين»، و «السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس»، و «التأريخ بتأريخهم، خصوصا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم»، و «مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد»، و «التسمي بأسمائهم»، و «الاستغفار لهم والترحم عليهم»). ا. هـ. مختصرا مِنْ كتاب الإرشاد إلى تصحيح الاعتقاد، والرَّدُ على أهل الشِّرك والإلحاد، (ص: 424 - 430).

(2)

روى البخاري في كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، برقم (2617)، ومسلم في كتاب السلام، باب السُّم، رقم (2190)، عن أنسٍ رضي الله عنه قال:«أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا» ، وعند البخاري (4249) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ» .

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كان يخدمُه، على سبيل المكافأة.

الحالة الثانية: إذا كان فيه مصلحةٌ شرعيةٌ تترتب على هذه الهدية، كتأليفهم على الإسلام، ودعوتهم إليه، فإنَّ هذا «جائزٌ، ولا بأسَ به» ، ويدل لذلك أنَّ عمر رضي الله عنه كسا أخًا له مشركًا حُلَّة

(1)

.

‌حالات ردِّ السلام على غير المسلمين

* أما بالنسبة لمِا يتعلق بالسَّلام عليهم، فلا يبدأهم المسلمُ بالسلام، لكن فيما يتعلق بردِّ السِّلام عليهم، فهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 -

القسم الأول: أنْ يلْحنوا في السَّلام، فإنك تقول:«وعليكم» ، كما جاء في الصحيح أنَّ اليهودَ كانوا إذا جاءوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يقولون:«السَّامُ عَلَيْكُمْ» ، يقصدون بذلك الموتَ، فيُجيبهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله:«وعليْكُم»

(2)

.

(1)

قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في تلك الحُلة: «فأرسلَ بها عمرُ إلى أخٍ له مِنْ أهلِ مكةَ قبْل أنْ يُسْلِم» ، رواه البخاري في كتاب الهبة، في باب الهديةِ للمشركين، رقم (2619)، ومسلم في كتاب اللباس، في باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، رقم (2068)، وفيه: فكساها عمرُ أخًا له مشركًا بمكة.

(2)

رواه البخاري في كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، رقم (6024)، ومسلم في كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، رقم (2165). من حديث عائشة رضي الله عنها.

وعند مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اليهودَ إذا سلَّمُوا عليكم يقولُ أحدُهم: السَّامُ عليكُم، فقُل: عَلَيْكَ» ، رقم (2164).

فائدة: قال الإمام ابنُ دقيق العيد رحمه الله: «ظاهره يقتضي أنَّ العلةَ في هذا الرَّد قولهم: «السَّامُ عليكُم» ، إما على سبيل التحقق، وإما على سبيل الظن مِنْ السامع؛ لشدة عداوتهم للمسلمين. فلو تحقق السَّامع أنَّه قال:«السَّلامُ عليكُم» ، مِنْ غير شك، فهل يُقال: إنه لا يمتنع الردُّ بالسلام الحقيقي كما يردُّ على المسلم، أو يُقال بظاهر الأمر، وحصر جوابهم في:«وعليْكُم» ؟

ويترجح الثاني بظاهر اللفظ، ويترجح الأول بالنظر إلى المعنى، فإنَّ (الفاء) في قوله صلى الله عليه وسلم:«فقُل: عَلَيْكَ» تقتضي التعليل، وأنَّ علةَ هذا القول: أنهم يقولون: «السَّامُ عليكُم» ، إذا دلَّ اللفظ على التعليل، فعند تحقق السَّلام زالتِ العلة، والحكمُ يزولُ بزوالِ علته، والله اعلم. ا. هـ (شرح الإلمام 2/ 296).

ص: 92

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

2 -

القسم الثاني: إذا سلَّموا تسليمًا صريحًا، دون أنْ يلحنوا، فالمكافأةُ أنْ تردَّ عليهم ردًا صريحًا، فإذا قال:«السَّلام عليكم» ، فالمكافأةُ أنْ تقولَ:«وعليكم السَّلام»

(1)

.

3 -

القسم الثالث: فيما يتعلق ببقية ألفاظ التحايا، «أهلًا وسهلًا» ، و «مرحبًا» ، ونحو ذلك، فكما أسلفنا أنَّ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيمية

(2)

رحمه الله قال بأنَّه لا بأس أنْ يُبدأ اليهودُ والنصارى بهذه الألفاظ، ونحو ذلك؛ لأنها لا تتضمنُ الدُّعاءَ لهم بالحفظِ والسَّلامةِ والكلاءة، ونحو ذلك.

‌حقوق غير المسلمين

ومما يجب لغير المسلمين:

* العدْل معهم في المعاملات في البيع والشراء، ولا يجوز أنْ يُغشُّوا، أو يُبخسوا حقوقهم؛ لِقول الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ»

(3)

، ولأنَّ اللهَ جل وعلا أمرَ بالقِسطِ إليهم:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

* وكذلك أيضًا فيما يتعلق بحقوقِهم الماليةِ، فهي كلُّها ثابتةٌ لهم، كحقِّ

(1)

لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]. قال العلامةُ ابنُ القيم رحمه الله: «واختلفوا (أي: أهل العلم من السَّلف والخلف) في وجوب الرد عليهم، فالجمهورُ على وجوبه، وهو الصوابُ، وقالت طائفة: لا يجبُ الردُّ عليهم، كما لا يجبُ على أهل البدع وأوْلى، والصواب الأول، والفرق أنَّا مأمورون بهجر أهلِ البدع تعزيرًا لهم، وتحذيرًا منهم، بخلاف أهل الذِّمة» ا. هـ. (زاد المعاد 2/ 389).

(2)

ينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 241).

(3)

رواه البخاري في كتاب المظالم والغصب، باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم، رقم (2448)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (19).

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشُّفعةِ، وحقِّ الخيار (خيارِ الشرط، وخيارِ البيع)

، الخ، فكلُّ هذه الحقوقِ ثابتةٌ لهم.

* كذلك أيضًا مِنْ حقوقهم «دعوتُهم إلى الإسلام» ، وترغيبُهم فيه، ويدل لذلك عموم أدلة الدعوة، كقوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125].

‌الاعتداء على غير المسلمين: لا يجوز

* ويجب «الوفاءُ لهم بعهدهم» ، ولا يجوز الاعتداءُ على المعَاهَدِين منهم في أبدانِهم، أو أعراضِهم، أو أموالِهم، فإنَّ هذا «مُحرَّمٌ، ولا يجوز» ، مالم تخش منهم خيانة لقولِه تعالى:{فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7]، فإنْ خاف منهم خيانةً، نبذَ إليهم عهدَهم، وأخبرَهم أنه لا عهدَ بينه وبينهم، ولقولِه تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]، وترْكُ هذا التَّعدي لا يكون مِنَ الموالاة المنهي عنها.

* * *

ص: 94

‌الناقض التاسع

التاسع: «مَنِ اعتقدَ أنَّ بعضَ النَّاسِ لا يَجِبُ عَليْهِ اتِّبَاعُه صلى الله عليه وسلم، وَأنَّه يسَعُه الخروجُ مِنْ شريعتِه كَما وَسِعَ الخَضِرَ الخرُوجُ مِنْ شَرِيعَةِ موسى عليهما السلام فهو كافرٌ»

(1)

.

* قوله رحمه الله: «مَنِ اعتقدَ أنَّ بعضَ النَّاسِ لا يَجِبُ عَليْهِ اتِّبَاعُه صلى الله عليه وسلم،

»:

‌معنى هذا الناقض

أي: مَنْ اعتقد أنَّ أحدًا مِنْ الناس يسعُه الخروجُ عن شريعةِ محمد صلى الله عليه وسلم، أي في بعضِ التكاليفِ

(2)

، أو كلِّها، لا يُكلَّف بها؛ فهذا «كُفرٌ، ورِدَّةٌ» ؛ لأنَّ هذا متضمنٌ لتكذيبِ قولِه تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]، وتكذيبِ قولِ النبي صلى الله عليه وسلم:«كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»

(3)

.

وتكذيبِ قولِه صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، يَهُودِىٌّ، وَلَا نَصْرَانِىٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ، إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»

(4)

.

(1)

ذكر العلامة الحجاوي رحمه الله هذا الناقض في (كتاب الإقناع، 4/ 287 - 288)، حيث يقول: «مَنْ اعتقد أنَّ لأحدٍ طريقًا إلى الله مِنْ غيرِ متابعةِ محمد صلى الله عليه وسلم، أو لا يجبُ عليه اتِّباعُه، وأنَّ له أو لغيرِه خروجًا عن اتباعِه، وأَخْذِ ما بُعِث به، أو قال: أنا محتاجٌ إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم في علمِ الظاهرِ دون عِلمِ الباطن، أو في عِلمِ الشريعةِ دون عِلمِ الحقيقةِ، أو قال: إنَّ مِنْ الأولياء مَنْ يسَعُه الخروجُ عن شريعتِه، كما وَسِع الخَضِرَ الخروجُ عن شريعة موسى،

فهو كافرٌ».

(2)

وهذا موجود اليوم من بعض أهل البدع، كأهل التصوف، أو أهل الرَّفْض، يعتقدون أنَّ أئمتَهم وأولياءَهم وصلوا إلى مرتبةٍ تسقطُ عنهم بسببها بعضُ التكاليف، أوتسقطُ عنهم بعضُ الواجبات، أو تُباح لهم بعضُ المحرمات.

(3)

رواه البخاري في كتاب التيمم، باب التيمم، رقم (335)، ومسلم في أول كتاب المساجد، رقم (521)، وفيه:«وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ» ، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته، رقم (153)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 95

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فمن اعتقد أنه يسعُه الخروجُ عن شريعته صلى الله عليه وسلم، مثلًا: كأن يعتقدَ أن تسقطَ عنه بعض التكاليف، أو أنه لا يجبُ عليه أنْ يأتمرَ ببعض الأوامر، أو ينتهي عن بعض النواهي، فهذا «كُفرٌ ورِدَّةٌ» .

وبهذا نعرفُ خطأَ ما يقع فيه أربابُ الصوفيةِ والخرافيةِ والباطنيةِ مِنْ اعتقادِهم أنَّ أولياءَهم ورؤساءَهم بلَغوا درجةً سقطتْ عنهم بسببها بعضُ التكاليفِ، مثلًا: لا تجب عليهم الصلاةُ، والزكاةُ،

الخ، فاعتقادهم بذلك «رِدَّةٌ عن دِينِ الإسلام» .

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إلَّا مَنْ أَبَى» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ:«مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»

(1)

.

ومن المعلومِ أنَّ الشريعةَ للجميع، والناسَ سواسية في دِين اللهِ عز وجل، والميزانَ بين اللهِ وبين الخلقِ:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، فهذا هو الميزانُ، فليس هناك ميزانُ حسبٍ ولا نسبٍ، أو مالٍ أو جاهٍ،

إلخ.

والناسُ سواسيةٌ في دين الله عز وجل، وفي أحكامِ اللهِ الشرعيةِ الدينيةِ، ليس هناك أحدٌ له شيء مِنْ الخصائصِ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، هو الذي اختصَ ببعض الأحكام، فما عدا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو كان أفضلَ الخلقِ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هذه الأمة كالخلفاءِ الراشدينَ، والصحابةِ المهديين رضي الله عنهم أجمعين، لا يختصونَ بشيء مِنْ الخصائص، فمَن دونهم مِنْ باب أوْلى.

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «

فإن من هؤلاء من يظن أن من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية كما ساغ للخضرِ الخروجَ عن متابعةِ

(1)

رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الإقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (7280).

ص: 96

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موسى، وأنه قد يكون للولي في المكاشفةِ والمخاطبةِ ما يستغني به عن متابعةِ الرسلِ في عمومِ أحوالِه أو بعضِها، وكثيرٌ منهم يُفضِّل الوليَّ في زعمِه، إما مطلقًا، وإما مِنْ بعض الوجوه على النبيِّ زاعمين أنَّ في قصةِ الخضرِ حُجةً لهم، وكلُّ هذه المقالات مِنْ أعظمِ الجهالاتِ والضلالاتِ، بل مِنْ أعظمِ أنواعِ النفاقِ والإلحادِ والكفرِ»

(1)

.

هل يصح الاحتجاج بقصة الخضر مع موسى عليه السلام، على جواز الخروج عن شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟

وقال رحمه الله: «

ومن احتج في ذلك بقصة موسى مع الخضر كان غالطًا من وجهين:

أحدهما: أن موسى لم يكن مبعوثًا إلى الخضر، ولا كان على الخضر اتباعه، فإنَّ موسى كان مبعوثًا إلى بني إسرائيل، وأما محمدٌ صلى الله عليه وسلم فرسالته عامَّة لجميع الثقلينِ الجنِّ والإنسِ.

الثاني: أنَّ ما فعله الخضرُ لم يكن مخالفًا لشريعةِ موسى؛، وموسى لم يكن عَلِمَ الأسبابَ التي تبيح ذلك، فلما بيَّنها له، وافقَه على ذلك»

(2)

.

ولهذا قال الخضرُ لموسى عليه السلام: «يَا مُوسَى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَهُ لَا تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَكَهُ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ»

(3)

.

‌هل يختص أحدٌ من هذه الأمة بشيء من الأحكام الشرعية؟

وكما أسلفنا أنَّ الناسَ فيما يتعلق بأقضيةِ اللهِ الشرعيةِ الدينيةِ كلَّهم سواء، ولا يختص أحدٌ بالأحكامِ الشرعيةِ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وما ورَد في تخصيصِ بعض الصحابة رضي الله عنهم ببعضِ الأحكامِ الشرعية كما في قصةِ أبي بردة رضي الله عنه، وما جاء في قصةِ سالم

(1)

مجموع الفتاوى (11/ 422).

(2)

المصدر السابق (11/ 263 - 264).

(3)

رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديثُ الخضر مع موسى عليهما السلام، رقم (3401)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب مِنْ فضائل الخضر عليه السلام، رقم (2380)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مولى أبي حذيفة رضي الله عنه

(1)

فهل هذه خصوصيةٌ عينية، أم أنها خصوصيةٌ وصفية؟

يرى جمهورُ أهل العلم أنها خصوصية عينية

(2)

، بينما شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله يقول بأنها ليست خصوصيةً عينيةً، وإنما هي خصوصيةُ وصفٍ وحالٍ، بمعنى أنَّ مَنْ كانت حَالُه كحال سالمٍ مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، وتربَّى عند هؤلاء الناس، وشقَّ عليهم، فإنه يأخذُ حكمَه، ومَن كانت حالُه كحالِ أبي بردة رضي الله عنه، جهِلَ وتقدَّم وذبَح قبل الصلاة، وعنده عناقٌ، فإنه يأخذُ حكْمَه، وعليه فإنَّ قولَه صلى الله عليه وسلم:«وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»

(3)

، ليس خصوصيةَ عينٍ، وإنما هي خصوصيةُ وصفٍ.

وعليه فمَن كانت حالُه وصِفتُه كحالِ أبي بردة، أو سالمٍ رضي الله عنهما، فإنَّه يأخذُ حُكمَه، إذ أنَّ الشريعة لا تتنَزلُ لأفرادِ الناس، وإنما نزلت لعمومِ الناسِ، في كلِّ زمان، وفي كلِّ مكان، ولا تنزلُ لشخصٍ بعينِه سوى النبي صلى الله عليه وسلم.

* * *

(1)

روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنَّ سالمًا مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت تعني سهلة بنت سهيل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّ سالمًا قد بلَغ ما يبْلُغ الرجالُ، وعقَل ماعَقَلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظنُّ أنَّ في نفْسِ أبي حذيفة مِنْ ذلك شيئا. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«أرضعيه تحْرُمي عليه، ويذهبُ الذي في نفْس أبي حذيفة» ، فرجَعتْ فقالت: إني قد أرضعتُه؛ فذهب الذي في نفْس أبي حذيفة، (في كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير، رقم (1453).

(2)

وذلك لما رواه مسلم عن أم سلمة زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول: أبَى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أنْ يُدخِلن عليهنَّ أحدًا بتلك الرضاعة، وقلنَ لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخلٍ علينا أحدٌ بهذه الرَّضاعة، ولا رائينا، (1454)، وغير ذلك من الأدلة.

(3)

عن البراء رضي الله عنه قال: ذبح أبو بردة قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أبدِلهَا» ، قال: ليس عندي إلا جذَعةٌ هي خيرٌ مِنْ مُسنَّة، قال:«اجعلها مكانها، ولن تَجزِي عن أحد بعدك» ، أخرجه البخاري في الأضاحي، باب قولِ النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة:«ضح بالجذع من المعز، ولن تجزي عن أحد بعدك» ، (5563)، ومسلم في الأضاحي، باب وقتها (1961).

ص: 98

‌الناقض العاشر

العاشر: «الإِعرَاضُ عَنْ دِينِ اللهِ، لا يتعَلَّمُه ولا يعْملُ به، والدَّليلُ قولُه تعَالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}» .

‌قسما الإعراض عن دِين الله، وحكمهما

* قوله رحمه الله: «الإِعرَاضُ عن دِينِ اللهِ،

»:

ينقسم الإعراضُ عن دينِ الله إلى قسمين:

‌القسم الأول: الإعراض عن أصل الدين

• الأول: الإعراضُ عن أصلِ الدِّين: الذي يكون به مسلمًا، أو يكون شرطًا في الإسلام، يكون الإخلالُ به إخلالًا في الدِّين، لا يتعلمُه، ولا يعملُ به، فهذا «كُفرٌ، مُخرِجٌ مِنْ الملَّةِ» ، والدليلُ قولُه تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22].

فمثلًا: يُعرِضُ عن التوحيدِ، وعن تعلُّمِه، والعملِ به، أو يُعرِضُ عما يكون الإخلالُ به إخلالًا بالدِّين؛ كالصلاةِ، فيُعرِض عنها، لا يتعلُمها، ولا يعرِفُ شروطَها وأركانَها.

وذكر الإمامُ ابنُ القيم رحمه الله أنَّ الكفرَ الأكبرَ خمسةُ أقسام، منها «كفرُ الإعراضِ» ، حيث قال:«وأما كفرُ الإعراضِ: فأنْ يُعرِض بسمعِه وقلبِه عن الرَّسولِ، لا يُصدِّقه ولا يُكذِّبه، ولا يُواليه ولا يُعاديه، ولا يُصغي إلى ما جاء به ألبتة»

(1)

.

وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله عن قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 47 - 48]: «فنفَى الإيمانَ عمَّن تولَّى

(1)

مدارج السالكين (1/ 285).

ص: 99

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عن العملِ، وإنْ كان قد أتى بالقولِ»

(1)

.

وقال الإمامُ ابن القيم رحمه الله: «إنَّ العذابَ يُستَحَقُّ بشيئين، أحدهما: الإعراضُ عن الحجة، وعدمُ إرادةِ العلم بها، وبموجبها»

(2)

.

‌القسم الثاني: الإعراض عن أبعض فروع الدين

• الثاني: الإعراضُ عن بعض تفاريع الدِّين: كأن يُعرِض عمَّا لا يكون شرطًا في الدخولِ في الإسلام، أو يكون الإخلالُ به لا يكون إخلالًا في الدِّين، فهو لا يُعرِض عن أصلِ الدِّين الذي يكون به مُسلِمًا، فهذا «ليس بكفر» ، مثلا: يُعرِض عن تعلُّمِ أحكامِ المواريث، أو أحكامِ السُّننِ والتطوعاتِ، وأحكامِ الوترِ، ونحو ذلك.

ومِن المعلوم أنَّه يجبُ على المسلمِ أنْ يتعلمَ مثل هذه الأمور؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لا يُعبَد إلا على بصيرةٍ، وقد ذمَّ اللهُ عز وجل الذين يعبدونه على جهالة، قال تعالى:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، لكنَّ كونه يتركُ التعلُّمَ، فهذا «ليس كفرًا» .

فمثلًا: يجب عليه أنْ يتعلمَ مِنْ أحكامِ البيعِ والشراءِ ما تصِح به معاملته، ويجب عليه أنْ يتعلمَ مِنْ أحكام الصيام ما يَصِح به صيامُه، لكن لا نقولُ بأنه إذا تركَ هذا بأنَّه كَفَر، لكن نقول بأنه «تركَ واجبًا» .

ومِن المعلوم ما هو على سبيلِ فرضِ الكفاية، نحو تعلُّمِ أحكامِ المواريث، فهذا على سبيل فرضِ الكفاية، إذا قام به البعضُ، سقطَ عن الباقين، وتعلُّمُه مِنْ باب المشروع والفضيلة، وتعلُّمِ الأشياءِ الغير الواجبة، كتعلُّمِ أحكام صلاة الضحى، والوتر، ونحو ذلك، فنقول بأنَّ هذا مِنْ المشروعِ، والفضيلةِ، والمستحَب.

(1)

مجموع الفتاوى (7/ 142).

(2)

طريق الهجرتين وباب السعادتين، (ص: 901).

ص: 100

«ولا فرقَ في جميعِ هذه النَّواقضِ بينَ الهازِلِ والجَادِّ، والخائِفِ، إلا المُكْرَه» .

وعليه يتلخصُ لنا متى يكون الإعراضُ عن دِين الله عز وجل «كُفرًا» ، ومتى «لا يكون كُفرًا» .

‌هل يُفرَّق في الإتيان بهذه النواقض بين الجاد والهازل، والخائف؟!

* قوله رحمه الله: «الجَادّ» : هو الذي قصدَ الفعلَ أو اللفظَ، ظاهرًا وباطنًا.

* قوله رحمه الله: «الهازِل» : هو الذي قصدَ الفعلَ أو اللفظَ، ظاهرًا لا باطنًا.

فلا فرْقَ بينهما، وتقدَّم أنَّ مِنْ النَّواقض أنْ يُستهزَأ بشيءٍ مما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو ثوابِه، أو عقابِه، والدليلُ قولُه تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66].

* قوله رحمه الله: «الخَائِف» : المرادُ به: خوفُ المالِ والجاه.

قال الشيخُ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في «كشف الشبهات» : «ولكن عليك بفهمِ آيتين مِنْ كتابِ الله.

• أولاهما: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، فإذا تحققتَ أنَّ بعضَ الصحابة الذين غزوا الرومَ مع الرسولِ صلى الله عليه وسلم كفروا بسببِ كلمةٍ قالوها على وجهِ المزح واللعب، تبيَّن لك أنَّ الذي يتكلمُ بالكفرِ، أو يعمل به، خوفًا مِنْ نقصِ مالٍ أو جاهٍ، أو مُداراةً لأحدٍ، أعظمُ ممن تكلَّم بكلمةٍ يمزح بها.

• والآية الثانية: قولُه تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، فلم يعذرِ اللهُ مِنْ هؤلاء إلا مَنْ أُكرِه مع كونِ قلبِه مطمئنًا بالإيمان»

(1)

.

* * *

(1)

مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (1/ 180).

ص: 101

‌من المسائل المتعلقة بالتكفير

مذهبُ أهل السُّنةِ والجماعةِ «التفريقُ بين تكفيرِ المطلَق، وبين تكفيرِ المُعيَّن» ، وبعد دراسةِ هذه النواقضَ، والقولِ بأنَّ هذا كُفر، لكنَّ الحكمَ على شخصٍ بعينِه بأنه كافِرٌ، فهذا تكفيرُ المعيَّن، والذي يُصار فيه إلى أهلِ العلم، وينبغي فيه أنْ تتوفرَ شروطُه، أي لابد أنْ تتوفر شروط التكفير.

‌شروط تكفير المعين

وقد ذكر العلماءُ رحمهم الله شروطَ التكفير:

أنْ يكون مكلَّفًا، وأنْ يكون بالغًا، عاقلًا، وعلى هذا إذا أَتى الصبيُّ بما يقتضي خروجَه مِنْ دينِ الإسلام، فهل نحكمُ عليه بالرِّدة؟ أو لا نحكمُ عليه بالرِّدة؟

‌مسألة في رِدة الصبي

إنْ كان غير مميِّز، لا يُحكَم عليه بالرِّدةِ.

أما إنْ كان مميِّزًا، فهل يُحكم عليه بالرِّدِة أم لا؟

المشهورُ من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنَّ «رِدتَه صحيحةٌ» ، قالوا كما يصِح إسلامُه، فكذلك تصِح رِدَّتُه.

والرأي الثاني: أنَّ «رِدَّته غيرُ صحيحة» ، لأنه مرفوعٌ عنه القلم

(1)

.

فيُشترَطُ: «البلوغُ» ، و «العقلُ» ، ويُشترَطُ أيضًا «الذُّكْرُ» ، وعلى هذا لو كان ناسيًا وخرج منه الكفرُ نسيانًا؛ فلا شيءَ عليه. وكذلك أيضًا يُشترَطُ «العِلمُ» ، فعلى هذا لو كان جاهلًا؛ فإنه لا يَكْفر، لقول الله عز وجل:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقال سبحانه:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].

(1)

روى أحمد: (956)، وأبو داود وغيرهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» ، كتاب الحدود، باب فى المجنون يسرق، أو يصيب حدا، برقم (4403).

ص: 102

وكذلك أيضًا يُشترط «القصدُ» ، وعلى هذا لو مخطئًا، وحصل منه خطأ، فهذا لاشيء عليه، لقول الله عز وجل:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5].

كذلك أيضًا يُشترط «الاختيارُ» ، وعلى هذا إذا أُكْرِه فإنه لا تقع منه الرِّدة، لقول الله عز وجل:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].

‌موانع تكفير المعين

فلابد من توفر هذه الشروط، بل لابد مِنْ انتفاء الموانعِ في تكفير المُعيَّن، وأهمُّها:«الجهل، الخطأ، الإكراه، التأويل» ، وهذه مِنْ أوْسع الموانع.

ويدل عليه قصةُ أسامة بن زيد رضي الله عنه

(1)

، فإنه قتلَ رجلًا لما رفعَ عليه السيفَ، قال: أشهد أنْ لا إله إلا الله، ثم ذُكِر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ؟» ، فقال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذًا

(2)

، قال صلى الله عليه وسلم:«أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل أسامةَ رضي الله عنه؛ لأنه كان بفعله متأولًا.

ومثل ذلك قصةُ خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جَذِيمةِ، وفيها قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:

(1)

روى البخاري في كتاب المغازي، باب بعْثِ النبي أسامةَ بن زيد إلى الحُرقات من جُهينة، (4269)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، (96)، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَةِ، فصبَّحْنا القَومَ فهزمنَاهُم، ولَحِقْتُ أنا ورجلٌ مِنْ الأنصارِ رجلًا مِنهم، فلمَّا غَشِينَاهُ، قال:«لَا إلهَ إلَّا اللَهُ» ، فكفَّ الأنصاريُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَال:«يا أسامةُ، أقتَلتَهُ بعْد ما قال: لَا إلهَ إلَّا اللَهُ» ، قُلتُ: كان مُتعَوِّذا، فما زال يُكرِّرُها، حتى تَمنَّيتُ أنِّي لم أكُن أسلمتُ قبلَ ذلكَ اليومِ.

(2)

في لفظ لمسلم: قال أسامةُ رضي الله عنه: يا رسولَ الله، إنما قالَهَا خوفًا مِنْ السلاحِ، قال صلى الله عليه وسلم:«أفلا شققْتَ عنْ قلْبِه، حتى تعلمَ أقالَها أم لا؟» .

ص: 103

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ»

(1)

، ولم يعاقبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان متأولًا

(2)

.

• مسألة: فيما يتعلق بأصول الدين، هل يُشترط العِلمُ، أم لا يُشترط؟

أي: هل يُعذر أولئك الذين يأتون الأضرحة، ويتعلقون بها، ويذبحون لها، ويدعونها،

إلخ، فهذه الأشياء تُعتبر من الأمور الظاهرة، فهل يُعذرون فيها، أم لا يُعذرون؟

‌مسألة في العذر بالجهل

هذه المسألة فيها خلافٌ كثير، يتلخَّص في قولين لأهل العلم:

* الأول: وعليه أكثرُ أئمة الدعوة النجدية، يرون بأنه «لا يُعذر بالجهل» ، فيما يتعلق بالأمورِ الظاهرة، فهؤلاء الذين يأتونَ الأضرحةَ والقبورَ معددونَ في المشركين، لا تحِلُّ ذبائِحُهم، ولا يُناكَحون،

الخ.

ويستدلون على هذا بأدلةٍ كثيرة، منها:

قولُ اللهِ عز وجل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165]، وقد قامت الحجةُ بإرسالِ الرُّسل، فلا يُعذَرونَ فيما يُتعلق بالأمور الظاهرة.

وأيضًا قولُ الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقد جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبيَّنَ، وقامت الحجةُ، والقرآنُ واضحٌ في هذه الأمورِ الظاهرةِ.

(1)

رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في كتاب المغازي، باب بعْثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خالدَ بنَ الوليد إلى بني جَذِيمَة، برقم (4339)، وفيه: بعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد إلى بني جَذِيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يُحسِنوا أنْ يقولوا: أسلَمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالدٌ يقْتلُ مِنهم ويأْسِر، ودفعَ إلى كلِّ رجلٍ منَّا أسيرَه

الحديثَ.

(2)

قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله: «وحاصلُه أنَّ خالدَ بن الوليد غزا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قومًا، فقالوا: صبأْنا، وأرادوا أسلمْنا، فلم يقبل خالدٌ ذلك منهم، وقتلَهم بناءٌ على ظاهر اللفظ، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك فأنكره، فدل على أنه يُكتفى مِنْ كلِّ قومٍ بما يُعرَف مِنْ لغتهم، وقد عذَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد في اجتهادِه؛ ولذلك لم يَقُد منه» . ا. هـ (فتح الباري 6/ 330).

«قال الخطابي: الحكمة في تبرُّئِه صلى الله عليه وسلم مِنْ فِعل خالدٍ مع كوْنه لم يعاقبه على ذلك لكونِه مجتهدا» ، فتح الباري (13/ 225).

ص: 104

ويستدلون كذلك بقولِ الله عز وجل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22].

* الثاني: بأنَّ هؤلاء «يُعذَرون بالجهل» ، واستدلوا على ذلك بأدلةٍ كثيرة، منها:

حديثُ أبي واقدٍ الليثي رضي الله عنه

(1)

، وفيه قولُ الصحابةِ رضي الله عنهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَا رَسُولَ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ» ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم الشركَ، لمَّا خرجوا مِنْ حنين، ومرُّوا بسِدْرةٍ للمشركين، يعكفونَ عليها، وينطون بها أسلحتَهم، فقالوا هذه المقالة.

واستدلوا كذلك بقول الحواريين لعيسى عليه الصلاة والسلام: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 112]، فهذا شكٌ منهم في قُدرةِ اللهِ عز وجل

(2)

.

واستدلوا كذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصةِ الرَّجلِ الذي أوصى أهله، وكان لم يعملْ خيرًا قط، وفيه: «إِذَا أَنَا مُتُّ، فَأَحْرِقُونِي، ثمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي؛ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا،

»

(3)

الحديثَ، فهذا شَكٌّ في قُدرةِ اللهِ عز وجل. واستدلوا أيضًا بحديثِ عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبيِّ

(1)

رواه أحمد: (21897)، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، رقم (2180)، وصحَّحه الشيخُ الألباني.

(2)

قال الإمامُ ابنُ جرير الطبري رحمه الله: «قال عيسى للحواريين القائلين له: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} راقبوا اللهَ أيها القوم، وخافوا أنْ يَنزلَ بكم مِنْ الله عقوبةٌ على قولِكم هذا، فإنَّ اللهَ لا يعجزُه شيءٌ أراده، وفي شَكِّكم في قُدرةِ اللهِ على إنزالِ مائدةٍ مِنْ السماءِ كُفرٌ به، فاتقوا الله أن يُنزِلَ بكم نقمتَه» ، تفسير الطبري (9/ 122).

ومِن المفسرين مَنْ قال بأنَّ سؤالَهم ليس شكًّا منهم في قدرةِ الله تعالى، وإنما هو مسألةٌ وعرضٌ واقتراح، ووجَّه بعضُهم أنَّ المرادَ مِنْ قولِهم هذا: يا عيسى، هل تستطيع أن تسألَ ربك؟ ينظر: تفسير الطبري (5/ 287، و 9/ 117)، وتفسير السعدي (1/ 457)، وغيرهما.

(3)

رواه البخاري واللفظ له في كتاب أحاديث الأنبياء، باب، رقم (3481)، ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه، رقم (2756).

ص: 105

صلى الله عليه وسلم: «مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ؟، نَعَمْ»

(1)

.

‌فائدة في العذر بالجهل في مسائل العقيدة:

تتلخص هذه الفائدة فيما يلي:

1 -

أنَّ العذرَ بالجهلِ ثابتٌ في كلِّ ما يَدِين به العبدُ ربَّه، حتى تُقامُ عليه الحجةُ، لا فرْق بين مسألة وأخرى، فإذا قامت عليه الحجةُ فهو مُؤاخذ.

2 -

أنَّ بلوغَ الحُجة وفهمُها شرطٌ في قيامِها، وقيامُ الحُجةِ يختلفُ باختلافِ الأزمنةِ والأمكنةِ والأشخاصِ.

3 -

أنَّ عدمَ قيامِ الحُجةِ لا يُغيِّرُ الأسماءَ الشرعيةَ، فيُسمى ما سمَّاه الشارعُ كُفرًا أو فِسقًا باسمه الشرعي.

4 -

أنَّ الحكمَ على شخصٍ بكفرٍ أو غيرهِ لابدَّ فيه مِنْ توفُّرِ الشروطِ وانتفاءِ الموانع.

5 -

أنَّ ضابطَ ما يُعفى عنه مِنْ الجهلِ هو ما يَشقُّ الاحترازُ عنه عادةً، بحيث لا يُمكِن دفعُه، ولهذا الجهلُ صورٌ أهمُّها:

حداثة العهد بالإسلام، ومنها النشوء ببادية بعيدة لم ينتشر فيها العلم ولا أسبابه، ومنها البقاء في دار الحرب لأسباب مشروعة، ومنها النشوء ببيئة يغلب عليها البدعة والضلالة، ومنها الأحكام التي لا يعلمها إلا أهل العلم، ومنها الجهل الناشئ عن الشبهات التي يعذر بها.

6 -

أنَّ الجهلَ إذا توفرت أسبابه الشرعية، وخلا عن التفريط، ثم أوقع في الخطأ من غير إرادة مشاقة الله ورسوله فإنه يكون عذرًا.

7 -

أنَّ الإقرارَ المجملَ بالتوحيد، وبالبراءة المجملة مِنْ الشرك قد قامت بهما بالنطق بالشهادتين.

(1)

رواه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهله، رقم (974).

ص: 106

«وكلُّها مِنْ أعظمِ ما يكونُ خطرًا، ومِنْ أكثرِ ما يَكونُ وقوعًا» .

‌خطورة هذه النواقض، وضرورة التحذير من الوقوع فيها

* قولُه رحمه الله: «وكلُّها مِنْ أعظمِ ما يكونُ خطرًا» : صدَقَ رحمه الله؛ لأنها تهدِمُ العقيدةَ كلَّها.

* قولُه رحمه الله: «أكثرِ ما يَكونُ وقوعًا» : وهذا ظاهرٌ في حالِ كثيرٍ مِنْ الناس اليوم، فحرِيٌّ بطالبِ العلمِ أن يحفظَها، ويشرحَها، ويُعلِّمَها للناس؛ لكي يحذروها، فإنَّ أغلى ما يملكُه المسلمُ في هذه الحياة هي «عقيدتُه» ، فإذا ذهبتِ العقيدةُ، خسِرَ الدنيا والآخرةَ، نسألُ اللهَ العافيةَ.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين يا ذا الجلال والإكرام اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا واجعله حجة لنا لا حجة علينا.

وصلى اللهُ وسلَّم على نبينا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين

* * *

ص: 107

‌ثبت بالمراجع

1 -

الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد، تأليف الشيخ د. صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان، ط. الثالثة، نشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض 1430 هـ

2 -

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تأليف الشيخ العلامة: محمد ناصر الدين الألباني، ط. الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت 1405 هـ

3 -

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، للشيخ المحقق: محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي إشراف الشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد، ط. الأولى، دار عالم الفوائد مكة المكرمة 1426 هـ

4 -

إعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، قرأه وقدم له وعلَّق عليه: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. الأولى، دار ابن الجوزي، الرياض 1423 هـ.

5 -

إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عزير شمس، وخرَّج أحاديث: مصطفى بن سعيد إيتيم، ط. الأولى، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة 1432 هـ.

6 -

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تأليف شيخ الإسلام: أحمد ابن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق وتعليق د. ناصر عبد الكريم العقل، ط. الثانية، دار أشبيليا، الرياض 1419 هـ.

7 -

الإقناع لطالب الانتفاع، تأليف: شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى أبو النجا الحجاوي، تحقيق د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، ط. الثانية، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية 1419 هـ.

ص: 108

8 -

تفسير القرآن العظيم مسندًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، تأليف الإمام الحافظ: أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق: أسعد محمد الطيب، ط. الأولى، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة 1417 هـ.

9 -

تفسير القرآن العظيم، تأليف الإمام الحافظ: إسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق: سامي بن محمد السلامة، ط. الثانية، دار طيبة 1420 هـ.

10 -

تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، تأليف الحافظ: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، اعتنى به: أبو عاصم حسن بن عباس بن قطب، ط. الأولى، مؤسسة قرطبة، القاهرة 1416 هـ.

11 -

تهذيب السنن، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، حققه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه: د. إسماعيل بن غازي مرحبا، ط. الأولى، مكتبة المعارف، الرياض 1428 هـ.

12 -

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، تأليف الشيخ: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، تحقيق: أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي، ط. الثانية، دار الصميعي، الرياض 1429 هـ

13 -

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، اعتنى به: سعد بن فواز الصميل، ط. الثانية، دار ابن الجوزي 1430 هـ.

14 -

جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد عبد الرزاق البكري، وآخرون، ط. الثالثة، دار السلام، القاهرة 1429 هـ.

15 -

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، تأليف الإمام الحافظ: أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي الشهير بابن رجب الحنبلي، تحقيق الشيخ: طارق بن عوض الله بن محمد، ط. الثامنة، دار ابن الجوزي، الرياض 1430 هـ.

16 -

الجامع لأحكام القرآن، تأليف الإمام: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي،

ص: 109

تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط. الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت 1427 هـ

17 -

الجامع لشعب الإيمان، تأليف الإمام الحافظ: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، أبي بكر البيهقي، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد حامد، ط. الأولى، مكتبة الرشد، الرياض 1423 هـ.

18 -

حاشية كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، بقلم الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط. الخامسة، 1424 هـ، (بدون ذكر دار النشر).

19 -

الدرر السنية في الكتب النجدية، جمع الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط. السادسة، 1417 هـ، (بدون ذكر دار النشر).

20 -

ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان، شعر العلامة: سليمان بن سحمان، أشرف على تصحيحه وضبطه: عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، ط. منشورات مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية.

21 -

زاد المعاد فى هدي خير العباد، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، وشعيب الأرنؤوط، ط. الرابعة، مؤسسة الرسالة 1425 هـ.

22 -

سنن ابن ماجه، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه العلامة المحدث: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. الثانية، مكتبة المعارف الرياض 1429 هـ.

23 -

سنن أبي داود، حكم على أحاديثه وآثاره، وعلق عليه العلامة المحدث: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. الثانية، مكتبة المعارف الرياض 1427 هـ.

24 -

سنن الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه العلامة المحدث: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. الثانية، مكتبة المعارف الرياض 1429 هـ.

ص: 110

25 -

السنن الكبرى، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: محمد بن عبد القادر عطا، ط. الثالثة، دار الكتب العلمية، بيروت 1424 هـ

26 -

سنن النسائي، حكم على أحاديثه وآثاره، وعلق عليه العلامة المحدث: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، ط. الثانية، مكتبة المعارف الرياض 1429 هـ.

27 -

شرح الإلمام بأحاديث الأحكام، تأليف الإمام: تقي الدين محمد بن علي بن وهب القشيري، المشهور بابن دقيق العيد، حققه وعلق عليه: محمد خلوف العبد الله، ط. الأولى، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية 1429 هـ.

28 -

الشرح الكبير، تأليف الفقيه المحقق: شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، وهو مطبوع مع المقنع والإنصاف، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية 1419 هـ.

29 -

شرح صحيح مسلم، تأليف الإمام: يحيى بن شرف النووي، ط. المصرية بالأزهر، 1347 هـ

30 -

شرح نواقض الإسلام، شرحه الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر البراك، راجعه: عبد الرحمن بن صالح السديس، ط. الأولى، دار التدمرية، الرياض 1431 هـ.

31 -

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف: إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط. الرابعة، دار العلم للملايين، بيروت 1990 م.

32 -

صحيح البخاري، اعتنى به: أبو عبد الله عبد السلام بن محمد بن عمر علوش، ط. الثانية، مكتبة الرشد 1427 هـ

33 -

صحيح مسلم، اعتنى به: ياسر حسن، وعز الدين ضلي، وعماد الطيار، ط. الأولى، مؤسسة الرسالة 1430 هـ

34 -

طريق الهجرتين وباب السعادتين، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي، وخرَّج أحاديث: زائد بن أحمد النشيري، ط. الأولى،

ص: 111

دار عالم الفوائد، مكة المكرمة 1429 هـ.

35 -

عالم السحر والشعوذة، تأليف الدكتور: عمر بن سليمان الأشقر، ط. الرابعة، دار النفائس، الأردن 1422 هـ.

36 -

العبودية، تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، تحقيق: على حسن عبد الحميد، ط. الخامسة، دار المغني، الرياض 1430 هـ.

37 -

الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام أحمد بن عبد السلام بن تيمية، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، ط. الأولى، دار الكتب العلمية 1408 هـ.

38 -

فتاوى اللجنة الدائمة، تأليف: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، طبع ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، ط. الأولى، الرياض 1426 هـ.

39 -

فتاوى نور على الدرب، للشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ترتيب وإشراف: د. محمد بن سعد الشويعر، ط. الأولى، نشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض 1428 هـ.

40 -

فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ط. الأولى، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة 1399 هـ

41 -

فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف الحافظ: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ط. الأولى، دار السلام، الرياض 1421 هـ.

42 -

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، تأليف الشيخ: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ط. دار الصميعي، الرياض 1430 هـ.

43 -

الفروق، للإمام أبي العباس أحمد بن إدريس المصري القرافي، قدم له وعلق عليه: عمر حسن القيام، ط. الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت 1429 هـ.

44 -

القاموس المحيط، تأليف: محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، تحقيق: مكتب تحقيق التراث بؤسسة الرسالة، ط. الثامنة، مؤسسة الرسالة، بيروت 1426 هـ.

ص: 112

45 -

القول السديد شرح كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، تأليف العلامة: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: صبري بن سلامة شاهين، ط. الأولى، دار الثبات، الرياض 1425 هـ.

46 -

كتاب الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: علي محمد، وعادل أحمد، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت 1422 هـ.

47 -

كتاب الصلاة، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: عدنان بن صفا خان البخاري، ط. الأولى، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة 1431 هـ.

48 -

كتاب العين، تأليف: الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، ط. دار ومكتبة الهلال، القاهرة.

49 -

لسان العرب لابن منظور، ضبط نصوصه وعلق حواشيه: د. خالد رشيد القاضي، ط. دار الأخيار، الرياض 1427 هـ.

50 -

مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، أعدها وراجعها: مجموعة من العلماء، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض.

51 -

المجموع شرح المهذب، للإمام أبي زكريا بن شرف النووي، حققه الشيخ: محمد نجيب المطيعي، ط. الثانية، دار عالم الكتب، الرياض 1427 هـ.

52 -

مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وولده محمد، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط. 1425 هـ.

53 -

المحلى، للإمام علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، تحقيق المحدث العلامة: أحمد محمد شاكر، ط. المنيرية، القاهرة 1347 هـ.

54 -

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تأليف الحافظ: محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، ضبط وتحقيق: رضوان جامع رضوان، ط. الأولى، مؤسسة المختار، القاهرة 1422 هـ.

55 -

المستدرك على الصحيحين، للإمام: محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، ط. الثانية،

ص: 113

دار المعرفة، بيروت 1427 هـ.

56 -

المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمعه ورتبه: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ط. الأولى، 1418 هـ (بدون ذكر دار النشر).

57 -

مسند الإمام أحمد، تحقيق الشيخ: شعيب الأرنؤوط وآخرون، ط. الثانية، مؤسسة الرسالة 1429 هـ.

58 -

مصنف عبد الرزاق، للإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، ط. الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت 1403 هـ.

59 -

معالم التنزيل، تأليف الإمام: محيي السنة، أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: محمد عبد الله النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان مسلم الحرش، ط. الثالثة، دار طيبة، الرياض 1431 هـ.

60 -

المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط. الرابعة، مكتبة الشروق الدولية 1425 هـ.

61 -

المغني، تأليف: الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، ود. عبد الفتاح محمد الحلو، ط. السادسة، دار عالم الكتب، الرياض 1428 هـ.

62 -

مناط الكفر بموالاة الكفار، تأليف: د. عبد الله بن محمد القرني، ط. الأولى، دار الدراسات العلمية، مكة المكرمة 1429 هـ.

63 -

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حماد الجهني، ط. الخامسة، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض 1424 هـ.

64 -

موطأ الإمام مالك بن أنس، تحقيق: كلال حسن علي، ط. الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت 1430 هـ.

* * *

ص: 114