المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة المعتني بالكتاب - القواعد في توحيد العبادة - المقدمة

[محمد بن عبد الله باجسير]

الفصل: ‌مقدمة المعتني بالكتاب

- هـ -

‌مُقَدِّمَةُ المُعتَني باِلكِتَاب

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102].

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: فإن علم التوحيد أشرف العلوم وأفضلها، وأرفعها مكانة وأجلها لتعلقه بذات الباري سبحانه، وتضمنه معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله والعلم بما أنزل من كتبه وأرسل من رسله، ولتأكيد أهميته وعُلوّ شأنه، ونُبل غايته وعظيم منزلته، خلق من أجله الخلق وأجرى عليهم الرزق كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)

ص: 5

- و -

مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

واتفقت كلمة جميع المرسلين عليهم الصلاة والتسليم على الدعوة إليه ونصرته والجهاد في سبيله، كما في قوله سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25]، وقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} [الزخرف: 45]. فأمرُ توحيده تعالى إذًا: الدلالة على أمره ونهيه، ومعرفة وعده ووعيده، وإقامة دينه وشرعه، لذا وُضعت من أجله الدواوين، ونُصِبت بشأنه الموازين، وكان الثواب والعقاب، والجزاء والحساب، وافتراق العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير.

ولما كان "من المِحَال أن تَسْتَقِلّ العقول البشرية بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل اقتضت حكمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به مُعَرِّفِين وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها، وأن الخوف والرجاء والمحبة والطاعة والعبودية تابعة لمعرفة المرجو المخوف المحبوب المطاع المعبود"

(1)

.

ثلَاث عشرةَ سَنَةً في مكة والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو إليه، ويغرس جذوره في أعماق النفوس، ويبني أُسُسَهُ ودعائمه في سويداء القلوب، ويثبت أَركانه في الوجدان؛ حتى اتضحت سبيله للسالكين، وبانت معالمه للراغبين، فأَظهر الله الحق وأَزهق الباطل، وأَضاءت القلوبَ أَنوارُ التوحيد الخالص، فَجلتْه من أَوضار الشرك، وصقلته من أَدران التنديد.

(1)

مقدمة الصواعق المرسلة للإمام ابن القيم رحمه الله: (1/ 5).

ص: 6

- ز -

بقيت العقيدة على صفائها ونقائها وطهرها؛ حتى إذا قضى الله أمرًا كان مفعولًا، ودخل في دين الله من لم يتشرَّب قلبه التوحيد الخالص، حدث في النَّاس الخلل، وتفرَّقت بهم السُّبل، وراجت المذاهب المنحرفة، والأفكار الهدَّامة، وأَطلَّت الفتن برأسها، وفشت البدع ببؤسها، حتى إذا زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا، قيَّض الله من أَئمَّة الهدى، ومصابيح الدجى من يعيد النَّاس إلى مشكاة النبوة وقلعة الإيمان، ويكشف لهم زيوف الباطل، ويدحض شُبَه المبطلين، ويردَّهم إلى منهج السَّلف الصَّالح.

إنَّ المتبصِّر في تاريخ الأُمَّة الإسلاميَّة؛ ليرى أن عزَّتها وعلوَّها وغلبتها ودينونة الأُمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأَثر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسيرها على منهج السَّلف الصَّالح، واجتماعها على أَئمَّتها، وعدم منازعتهم في ذلك، وأَنَّ ذلها وضعفها وانخذالها، وتسلط الأُمم عليها مرتبط بانتشار البدع والمحدثات في الدِّين، واتخاذ الأَنداد والشركاء مع الله، وظهور الفِرَق الضالَّة، ونزع يد الطاعة، والخروج على الأَئمَّة.

إنَّ الانحرافات العقدية، والحيدة عن منهج السَّلف الصَّالح، والانخداع بزخرف قول أرباب المذاهب المنحرفة هو الذي فرق الأُمَّة، وأَضعف قوتها، وكسر شوكتها، والواقع شاهد على ذلك، ولا مخرج لها من ذلك إلَّا بالرجوع إلى ما كان عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمَّة الهدى، فلن يصلح آخر هذه الأُمَّة إلَّا بما صلح به أَولها.

ومن هنا تأتي أهمية العناية بهذا الأمر، وتربية الناشئة عليه وتصحيح المسار إليه حتى لا تتشعب بها السُبل فتضل في متاهات الأهواء والفتن. وقد وفق الله عددًا من مشايخنا وعلمائنا ونفرًا من طلبة العلم المخلصين إلى الاهتمام بهذا الموضوع العظيم، تقريرًا واستدلالًا،

ص: 7

- ح -

وتأصيلًا وتقعيدًا، وتأليفًا وإبطالًا لما يُضادُّه، ويُناقِضه ويُعارضُه من شُبَهِ أَهْلِ الضَّلالِ والانحرافِ في هذا الباب.

وكان منهم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله باجسير في كتابه الماتع "القواعد في توحيد العبادة وما يضاده من الشرك عند أهل السُّنَّة والجماعة -جمعًا ودراسة-".

وفّقه الله وبارك في علمه وعمله وأهله وذريته، وهو كتاب نفيس فيه تأصيل بديع وتوجيهات رصينة لا يستغنى عنه طلاب العلم ولا يشبع منه العلماء.

كما أسأله جلّت عظمته أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، مقربًا إليه نافعًا لعباده إنه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى عفو ربه ورحمته

عَبدُ الجَبَّار بن عَبدُ العظيم بن محَمَّد آلَ مَاجِد

غَفرَ الله لَه وَلوَالدَيْه ولجميع المُسلمِينَ

Email: a.j.majid@hotmail.com

ص: 8