المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم وآله - المثل العليا في الإسلام - ضمن «محاضرات الشنقيطي»

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم وآله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

"المُثُلُ العُلْيا في الإسلام"

‌تعريف العنوان:

اعلم أولًا أن المُثُل -بضمتين- جمع مثال، وهو من جموع الكثرة المطردة. قال في "الخلاصة".

وفُعُلُ الاسم رباعي بمد

قد زيد قبل لام اعلالًا فقد

ما لم يضاعف في الأعم ذو الألف .. إلخ.

والمثال يُطلق لغةً على عدة معان منها: القصاص، المقدار، وصفة الشيء، والقالب الذي يقدر عليه مثله كالمثل في الأخيرين وهما المراد هنا.

والعليا: تأنيث الأعلى وهو ما له فضل على غيره في العلو مع مشاركته له في ذلك، ووجه كون المنعوت جمعًا والنعت مفردًا مع أن النعت الحقيقي أعني غير السببي يلزم مطابقته للمنعوت إفرادًا وجمعًا وتثنية وتذكيرًا وتأنيثًا هو ما تقرر في النحو من أن الجمع المكسر بنوعيه والسالم من جموع التأنيث كلها يجوز إجراؤها مجرى الواحدة المؤنثة التي هي غير حقيقة التأنيث قال في "الخلاصة":

والتاء مع جمع سوى السالم من

مُذَكَّر كالتاء مع احدى اللبن

ص: 127

وقال بذلك بعض الكوفيين أيضًا في الجمع المذكر السالم، وعليه قول الزمخشري:

لا أبالي بجمعهم

كل جمع مؤنث

والتأنيث بالألف كالتأنيث بالتاء الساكنة في الأفعال المتحركة في الأسماء قال في "الخلاصة":

علامة التأنيث تاء وألف

فنعت الجمع المفرد في "المثل العليا" كقوله تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه / 18] وقوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)} [طه / 23] وقوله: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} [طه / 51] وقوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف / 180] وقوله: {لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} [الأنعام / 19] ونحو ذلك. والمَثَل -بفتحتين أيضًا- يطلق على الصفة، ويطلق على الشيء الذي يُضرب لشيء مثلًا فيُجْعل مثله.

وإذا علمتَ ذلك فاعلم أن المثل العليا التي تضمنها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالتقسيم الأول إنما هي قسمان:

قسم منها: وهو القسم الأعلى الذي لا يُماثل إنما هو لله جل وعلا وحده، كما بين ذلك بقوله:{وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)} [النحل / 60]. قال ابن جرير رحمه الله: يقول: ولله المثل الأعلى، وهو الأفضل والأطيب والأحسن والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره.

والتحقيق: أن المثل الأعلى المذكور شامل للتوحيد، والإذعان

ص: 128

له جل وعلا بأنه لا إله غيره ولما هو متصف به من صفات الكمال والجلال مما لا شبيه له ولا نظير، كما قال تعالى:{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال} [النحل / 74] وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 4]، وقوله:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى / 11]. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} [يونس / 104 - 157]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَو اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)} [الحج / 73]. {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)} [العنكبوت: 41].

فهذه الآيات وأمثالها الكثيرة في القرآن مما يوضح المثل الأعلى الذي هو الله جل وعلا وحده.

والقسم الثاني: من المثل العليا في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وينقسم بالاستقراء إلى ثلاث أقسام:

الأول منها: المثل العليا في التشريع بحيث يكون النظام التشريعي جاريًا على أكمل الوجوه وأحسنها.

ص: 129