المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"الخلاصة" المعروفة بـ "‌ ‌الألفية "، فقد سارت بذكرها الركبان، وتبارى - ألفية ابن مالك منهجها وشروحها - ٦٥ - ٦٦

[غريب عبد المجيد نافع]

الفصل: "الخلاصة" المعروفة بـ "‌ ‌الألفية "، فقد سارت بذكرها الركبان، وتبارى

"الخلاصة" المعروفة بـ "‌

‌الألفية

"، فقد سارت بذكرها الركبان، وتبارى العلماء على مرّ العصور في شرحها، أو اختصارها، أو محاكاتها، أو نقدها1.

و"الألفية": منظومة علمية تعليمية، اختصرها من منظومته الكبرى "الكافية الشافية"، وجعلها في أرجوزة لطيفة، جمعت خلاصة النحو، وأغلب مباحث الصرف، في إيجاز محكم، مع الإشارة أحياناً إلى مذاهب العلماء، وبيان ما يختاره من آراء.

ألا ترى إلى قوله في بيان حركة نون المثنى، وما جُمعَ على حَدِّه

ونُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ التحق

فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ

ونُونُ مَا ثنِّيَ وآْلمُلْحَقِ بِهْ

بِعَكْسِ ذَاكَ اسْتَعْمَلُوهُ فآنْتَبِهْ 2

أو إلى قوله في أحوال انفصال الضمير واتصاله:

وفي اخْتِيَارٍ لا يجيء المُنْفَصِلْ

إِذَا تَأتَّى أنْ يَجِيءَ المُّتَّصِلْ

صِلْ أو افصل هَاء "سَلْنيِه"وَمَا

أشْبَهَهُ في "كُنْتُهُ" الْخُلْفُ انْتَمَى

كَذَاكَ خِلْتَنِيهِ وَاتِّصَالا

أخْتَارُ غَيْري اخْتَارَ الانفصالا 3

أو إلى قوله في حكم "أنِ" المخففة:

وإنْ تُخَفَّفْ "أنَّ"فاسْمُهَا اسْتَكَنّ

وَالْخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً منْ بَعْدِ "أنْ"

وَإِنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلمْ يَكُنْ دُعَا

وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا

فَالأحْسَنُ الْفَصْلُ بِ "قَدْ" أو نَفْيٍ أو

تَنْفِيسٍ أو"لَوْ"وَقَلِيلٌ ذِكْرُ"لَوْ" 4

1نفح الطيب ج2 ص 222- 233، والأعلام ج6 ص 233، ومعجم المؤلفين ج1 ص 234، وطبقات الشافعية للأسنوي ج اص 166، وج2 ص 165، وتاريخ الإِسلام للذهبي، الجزء الأخير، وحدائق الأنام لابن عبد الرازق الدمشقي ص 204- 205، ودائرة المعارف الإسلامية ج1 ص 272، 274، وهدية العارفين ج 6 ص130، والخضري على ابن عقيل ج اص 7، وابن حمدون على المكودى ج1 ص 9ـ10والصبان على الأشموني ج اص 7-8، ومقدمة الألفية ص135، طبعة مكتبة طيبة بالمدينة المنورة، وفهرس المؤلفين بالظاهرية، والوافي ج3 ص 359، والفوات ج 2 ص 452، وغاية النهايةج2 ص 180، وبغية الوعاة ص 53.

2 الألفية ص 22.

3 الألفية ص 26.

4 الألفية ص 36.

ص: 185

وقد اشْتَهَرت "الخلاصة" بين الناس باسم "الألفية"؛ لأن عددها ألفُ بيت من الرجز التام.

وتسمية "الألفية": مأخوذة من قوله في أولها:

وأسْتَعِنُ الله في ألْفِيَّهْ

مَقَاصدُ النحْوِ بهَا مَحْوِيَّهْ 1

وتسمية (الخلاصة) : مأخوذة من قوله في أخرها.

أحْصَى مِنَ الكافية الخلاصة

كمَا اقتضَى غِنىً بِلَا خَصَاصهْ 2

و"الألفية" تسير وفق منهج تربوي، تسعى فيه الأحكام الإفرادية أمام الأحكام التركيبية، وتتصدر الجملة الاسمية فيه الجملة الفعلية، مع تقديم المرفوعات على المنصوبات، والمنصوبات على المجرورات.

فقد تناول ابن مالك في المقدمة الكلام وما يتألف منه، وأتبعه بالمعرب والمبني، والنكرة والمعرفة، ثم تكلم عن المبتدأ والخبر، والنواسخ، متمما الحديث عن المرفوعات بالحديث عن الفاعل ونائبه.

ولما كان "اشتغال العامل عن المعمول" جامعاً للمرفوعات والمنصوبات، وجوباً، أو رجحاناً، أو تسويةً- أتى به بين نائب الفاعل والمفعول به - إلا أنه ترجم المفعول به في باب "تعدى الفعلِ ولزومه"، وأردفه بالحديث عن "التنازع في العمل"؛ لأنه مرتبط بالمفعول به ارتباطا وثيقاً، ثم تحدث عن بقية المفاعيل؛ فذكر"المفعول المطلق، والمفعول لأجله، والمفعول فيه، والمفعول معه"، وختم الحديث عن الفضلات بما يشبهها؛ فذكر "الإستثناء، والحال، والتمييز".

ولما فرغ من المنصوبات تناول المجروراتِ بشيء من التفصيل؛ فبدأ بحروف الجر، وأنواعها ومعانيها، وأحكامها، وثنى بالإضافة، مبينا أنواعها، وأحوالها، وأحكامها، مفرداً "المضاف إلى ياء المتكلم " بفصل خاص، لاختلاف أحكامه باختلاف أنواعه.

ولأدنى ملابسة، يتحدث ابن مالك عن "إعمال المصدر، واسم الفاعل" بعد حديثه عن الإضافة، ثم يُتْبعهما بالحديث عن "أبنية المصادر، وأسماء الفاعلين والمفعولين"، مجملا القول في صياغة "الصفة المشبهة باسم الفاعل" وعملها.

1 الألفية ص19.

2الألفية ص 111.

ص: 186

وقبل أن يتحدث الناظم عن التوابع، يتحدث عن "التعجب، وأفعال المدح والذم! واسم التفضيل"، ثم يتناول النداء الحقيقي والمجازى، وأحكامهما في دقة تامة، وإحكام عجيب.

والاختصاص يشبه النداء في نصبه وبنائه على الضم، وفي الارتباط بالحاضر مع إفادة التوكيد؛ ومن ثمة يذكره بعد آخر مبحث من مباحث المنادى، وهو الترخيم، ثم يتحدث عن التحذير والإغراء للشبه بينهما وبين الاختصاص في إضمار العامل.

ولم يكتف ابن مالك بما أجمله في المقدمات من الحديث عن "اسم الفعل، ونون التوكيد، والممنوع من الصرف، والفعل المعرب"؛ بل عاد، فعقد لما أجمله أولاً أبواباً مستقلة، فصّل فيها القول إلى حدٍّ ما، فتكلم عن "أسماء الأفعال" وما يشبهها من "أسماء الأصوات"، ثم تناول "مالا ينصرف" بشيء من التفصيل، وأسهب القول في أحوال الفعل المضارع، فتناوله في بابي "إعراب الفعل، وعوامل الجزم"، متمما الحديث عن أدوات الشرط بعقده فصْلاً عن "لو" وآخر عن "أمّا، ولولا، ولوما".

وقبل أن ينتهي ابن مالك من الأحكام النحويّة، يضع نظاماً للتطبيق عليها فيعقد باباً في "الإخبار بالذي والألف واللام"، ثم يختتم حديثه عن النحو بـ"العدد، وكناياته"، مشيرًا في النهاية إلى " الحكاية" ب "أيٍّ، ومَن" الاستفهاميتين.

وأما "الصرف" فقد أغفل قدراً كبيراً من "تصريف الأفعال"، فضلاً عن التقاء الساكنين وتخفيف الهمزة؛ فلم يتحدث عن "الجامد والمتصرف"، ولا عن "الصحيح والمعتل"، ولا عن "إسناد الأفعال إلى الضمائر"؛ اعتماداً على منظومته "لاميّة الأفعال". ولنجاح ابن مالك في منهجه بحرصه على تيسير العربية، لغة القرآن، أقبل العلماء والمتعلمون على ألفيته - من بين كتبه بنوع خاص - إقبالاً منقطع النظير، وعكف عليها المتخصصون في جميع الأزمان والأمصار، يدرسونها، ويعلقون عليها نظماً أو نثراً بالعربية وبغيرها، حتى طُويت مصنّفات من قبله من أئمة النحو، ولم ينتفع من جاء بعده بمحاكاته، أو الانتقاص منه. ولو لم يشر في ألفيته إلى ألفية الإِمام العلاّمة زين الدين يحي بن عبد النور الزواوي الجزائري المعروف ب "ابن معطى" المتوفى سنة 627 هـ " ذكره الناسُ، ولا عرفوه 1.

1 مقدمة تحقيق شرح ابن عقيل للشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، جـ 1 ص5 ـ 6.

ص: 187

فابن معطى، لم ينتفع في منظومته "الدُّرَّة الألفية في علم العربية" بسبقه الزمني، ولا بتقدمه المنهجي، على الرغم من إقرار ابن مالك بفضله، واعترافه بعلمه.

وأبو حيان النحوي، المتوفي سنة 745 هـ، لم ينتفع بمنظومته "نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب" على الرغم من حملته الضارية على ابن مالك، وألفَيته 1.

وجلال الدين السيوطى المتوفي سنة 911 هـ، لم ينتفع بقوله في مطلع ألفيته:

أقول بعد الحمد والسلام

على النبيِّ أفِصح الأنامِ

النَّحُو خَيْرُ ما به المرء عُنِي

إذْ ليس علمٌ عنه حقَّا يغتني

وهذه ألفيةٌ فيها حَوَتْ

أصولَه، ونفعَ طُلَاب نَوَتْ

فائقةً ألفيّة ابْنِ مالِك

لكونها واضحة المسالك

وجَمْعِها من الأصول ما خلتْ

عنه، وضَبْطِ مُرسَلات أهمِلتْ

ترتيبُها لم يَحْو غيري صنْعهْ

مقدماتٌ، ثم كُتْبٌ سبْعَهْ

وأسأل الله وفاء الملتَزمْ

فيها مع النفع، وحُسْنَ المختتمْ 2

ولم يكتف العلماء بقراءة الألفية، أو التعليق عليها وإنما نظروا في بعض الأمهات المخالفة لمنهجها، فأعادوا ترتيبها على نظامها، كما فعل الشيخ أحمد بن عبد الفتاح الملوي المتوفى سنة 181 هـ في كتابه "الأنوار البهيّة، في ترتيب الرضي على الألفية"3.

ولجأ بعض المحققين في العصر الحاضر، إلى وضع فهارس لكتب القوم على نظام الألفية؛ تيسيرًا لفهمها، كما فعل الأستاذ الشيخ محمد عبد الخالق عُضيمة، المتوفى سنة 1404 هـ في تحقيقه لكتاب "المقتضب" الذي ألفه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، المتوفى سنة 285 هـ، ونشره في أربعة أجزاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر سنة 1388 هـ فقد رتب الشيخ عضيمة فهرس الموضوعات ترتيب ابن مالك في الألفية لشهرته، وأخرجه في 225 صفحة من القطع الكبير، وألحقه بالجزء الرابع.

وزاد من أهمية الألفية في ميدان الدراسات اللغوية- إحكام صياغتها، وخِفة لفظها، ودقة أفكارها، وسرعة جوابها، وسداد منهجها، فضلاً عن إخلاص صاحبها؛ ألا ترى إلى

1 نفح الطيب للمقري، ج 2 ص 229- 231.

2المطالع السعيدة في شرح الدرة الفريدة للسيوطي، بتحقيق الدكتور نبهان ياسين حسين جـ1ص 35ـ36، وص 79 ـ 81.

3 المكتبة الأزهرية بالقاهرة، وبها نسخة في 634 ورقة.

ص: 188

قوله في بيان مجيء الحال من المضاف إليه:

وَلَا تُجِزْ حَالا مِن المضاف لَهْ

إِلا إذَا اقْتَضى المضاف عَمَلَهْ

أوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أضِيفَا

أوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلا تَحِيفَا1

أو إلى قوله في كيفية العطف على ضمير الرفع المتصل:

وَإن عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصلْ

عَطَفْتَ، فَافْصِلْ بِالضَّمِير المُنْفَصِلْ

أو فَاصِلٍ مَّا، وَبِلَا فَصْلٍ يَرِدْ

في الْنَّظْمِ فَاِشياً وَضَعْفَهُ اعْتَقِدْ 2

أو إلى قوله في تذكير العدد وتأنيثه، مع بيان تمييزه:

ثلاثَةً بِالتَّاء قُلْ لِلْعَشَرَهْ

في عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ

في الضدِّ جَرِّدْ وَالمُمَيِّزَ اجْرُرِ

جَمْعاً بِلفْظِ قلَّةٍ في الأكْثرِ

وَمِائَةً وَاْلألْفَ لِلْفَرد أضفْ

ومِائَةٌ بِالْجَمْعِ نَزْرًا قَدْ رُدِفْ3

أو إلى قوله في ضبط أوزان ألف التأنيث المقصورة والممدودة:

وَألِفُ الْتَّأنِيثِ ذَاتُ قَصْرِ

وَذَاتُ مَدٍّ نَحْوُ أنْثَى الْغُرِّ

والاشْتِهَارُ في مَبَاني الأولَى

يُبْدِيهِ وَزْنُ "أرَبَى وَالطُّولَى"

وَ"مَرَطَى" وَوَزْن "فَعْلَى" جَمْعا

أوْ مَصْدَراً أو صِفَةً"شَبْعَى"

وَكـ "حُبَارَى سُمَّهى سِبَطْرَى

ذكْرَى وَحِثيثى مَعَ آلْكُفُرّى "

كَذَاكَ "خُلَّيْطَى مَعَ الشّقَّارَى

واْعْزُ لِغَيْرِ هذِهِ آسْتنْدَاراَ"

لمِدِّها " فعْلاء أفْعِلاء

مُثلَّثَ الْعَين وَفَعْلَلَاء"

ثُمَّ "فِعَالا فُعْلُلَا فَاعُولَا

وَفَاعِلاء فِعْلِيَا مَفْعُولَا

1 الألفية ص50.

2 الألفية ص70.

3 الألفية ص 86-87.

ص: 189

ومُطْلَقَ العين " فَعَالا" وَكَذَا

مُطْلَقَ فَاء "فَعَلَاءُ" أخذا 1

وذاعت شهرة الألفية في الأوساط العلمية الدولية؛ فنشرها بالعربية، ومعها ترجمة بالفرنسية المستشرق الفرنسي البارون أنطوان إيزاك سلفستر دى ساسى، المتوفى سنة 1252هـ (1838م) ، وطبعت في باريس سنة 1834م، وفى القسطنطينية سنة 1887م2.

ونُشرت موسوعة ب "الخلاصة" في النحو، ومعها شروح وتعليقات باللغة الفرنسية للمستشرق الفرنسي جوجويه، A) Goguyet) . وطبعت بالمطبعة الأدبية ببيروت سنة 1888م في 353صفحة 3.

وترجمها إلى الألمانية، مع نشرها بالعربية المستشرق الألماني فردريخ ديتر يشي ((Friedrich.Dietrici) المتوفى سنة 1903م، وطبعت في برلين سنة 1852م 4.

ونشرها بالعربية مع ترجمة بالإيطالية المستشرق الإيطالي فيتو (Vitt، Enrico) قنصل إيطاليا في بيروت سابقا والمتوفى سنة 1954م، وطبعت في بيروت سنة 1898م 5.

وإلى العدد القادم مع الحلقة الثانية إن شاء الله تعالى

1 الألفية ص 90.

2 المستشرقون للأستاذ نجيب العقيقي، ج1 ص182، دار المعارف بمصر سنة 1964م ـ الطبعة الثالثة.

ومعجم المطبوعات العربية حتى 1339 هـ (1919م) للأستاذ يوسف إليان سركيس بمصر 1346 هـ (1928م)234.

3 المستشرقون جـ 1 ص202. ومعجم المطبوعات ص 897، والمستشرقون جـ 2 ص716.

4 الأعلام للزركلي جـ 2ص145، ومعجم المطبوعات ص 897، والمستشرقون جـ 2 ص 716.

5 المستشرقون جـ 2 ص 716، ومعجم المطبوعات ص 234.

ص: 190