المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسئلة في المصطلح من أبي الحسن حفظه الله تعالى - المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح

[مقبل بن هادي الوادعي]

الفصل: ‌أسئلة في المصطلح من أبي الحسن حفظه الله تعالى

‌أسئلة في المصطلح من أبي الحسن حفظه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد:

فهذه عدة أسئلة نطرحها على شيخنا أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى، بحضور إخواننا طلبة العلم. ونسأل الله أن ينفعنا وأياهم، وأن يعلّمنا ما جهلنا.

السؤال1 في كتب المصطلح ذكروا: أن الرجل المشهور بالطلب ولم يثبتْ فيه جرح ولا تعديل، نص بعضهم مثل المزي، والذهبي، وابن القطان، وابن حجر، وغيرهم على قبول روايته، حتى يثبت جرح فيه، وأن أمره محمول على العدالة، وكان هذا منهم مصيّرًا على مذهب ابن عبد البر، في الحديث الذي ذكروه (1)، واعترضه

(1) حديث: ((يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين)) وهو حديث إما مرسل أو معضل، وجاء من حديث أبي أمامة، وعلي ابن أبي طالب، وأبي هريرة، وغيرهم، وكلها ضعيفة لايثبت منها شيء، وليس فيها شيء يقوي المرسل المذكور. قاله العراقي في "التقييد والإيضاح".

ص: 23

ابن الصلاح. بعضهم قال: إن هذا متعين في زمننا، وهذا الذي عليه العمل. فنريد أن نعرف: أن الرجل إذا لم يثبت فيه جرح ولا تعديل لكنه معروف عند أهل العلم، هل حديثه محمول على الاحتجاج به؟ أم ماذا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فالسؤال عن الرجل المحدّث المشهور بالطّلب، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، ذكر صاحب "فتح المغيث" أن الرجل إذا كان مشهورًا بالطلب، ولم يأت فيه جرح ولا تعديل أنّهم يقبلونه، وهكذا الإمام الذهبي رحمه الله تعالى، لكن صاحب "فتح المغيث" مثّل بالإمام مالك رحمه الله تعالى، فالإمام مالك مشهور بالطلب وقد وثّق فإذا حصل من هذا النوع وكان مشهورًا بالطلب وتتلمذ له معاصروه مثل: يحيى بن سعيد القطان، أو يحيى بن معين، أو الأئمة من أمثالهما فيقبل، وإن لم يأت فيه جرح ولا تعديل، لأنه لو كان ضعيفًا لضعّف، والأصل في المسلمين هو العدالة، ولكنه يضاف إلى العدالة الحفظ -لا بد من معرفة الحفظ- إلا أنه لو كان مخلّطًا لصاحوا به، فهذا مستقيم إن شاء الله تعالى، ولا يقدح فيه أنّهم يشترطون العدالة ويشترطون الضبط، لو لم يكن عدلاً لما تتلمذ له،

ص: 24

لا أقول: إنه لو لم يكن عدلاً لما تتلمذ له مثل يحيى وغيره، فإنّهم قد تتلمذوا للعدل ولغيره، فقد قال بعضهم: إننا نسمع الحديث للفائدة ونسمعه للنظر في حال صاحبه، لكن أقول: لو كان مخلطًا أو كان ليس بثقة لصاح به مثل يحيى بن معين، ومثل يحيى بن سعيد القطان، وهكذا الإمام أحمد والبخاري، والله أعلم.

السؤال2 استطراد: بارك الله فيك، المسألة على طرف آخر، فإن ابن الصلاح وغيره من الأئمة الذين تكلموا في المصطلح ذكروا: أن العدالة تثبت إما بالشهرة مثل الذين ذكرتهم -يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل وغيرهم- وإما بالتنصيص على ذلك من واحد من العدول، لكن مسألتنا في جانب آخر: رجل لم يكن مشهورًا عند أئمة الجرح بالتوثيق، لأن مثل الإمام مالك رحمه الله تعالى أمره مستفيض وأمره مشهور بالعدالة، فشهرة هؤلاء أقوى من أن يعدلهم أحد الناس لكن مسألتنا مثل ما قالوا هنا في غير هؤلاء المشاهير، رجل قالوا: إنه (معروف). أو على سبيل المثال قالوا: إنه (حافظ) أو (ضابط).

الجواب: هذا أمر آخر: قالوا (معروف) لا تكفي، (حافظ) أو (ضابط) أو كذا يقبل منهم لأنه مثل أئمة الجرح والتعديل إذا أطلقوا مثل هذه العبارات على المحدث، فلو كان به جرح لصاحوا به مثل: أبي حاتم الرازي، ومثل أبي زرعة، ومن تقدّم ذكرهم،

ص: 25

لو سمعوا عنه ووجدوه مجروحًا، لا يتركونه. فتتلمذهم له، وشهرته، ولا بد أن يكون مشهورًا بالطلب، وتتلمذ له أئمة من أئمة الجرح والتعديل، فلو كان ضعيفًا لصاحوا به.

السؤال3 هل الحديث الذي تلقاه الناس بالقبول يحكم بصحته وإن لم يصح سنده، كما ذكر صاحب "التدريب" عن البخاري رحمه الله تعالى بحديث ((هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته)) قال: لا أعلم له إسنادًا يصح غير أن الناس تلقوه بالقبول؟

الجواب: لا بد من النظر في أسانيده، وقد ذكر هذا الصنعاني في كتابه "توضيح الأفكار" وقد قال ابن عبد البر في بعض الأحاديث مثل حديث:((لايمسّ القرآن إلاّ طاهر)) قال: إن الأمة تلقته بالقبول، وادعى بعضهم في حديث:((اختلاف أمّتي رحمة)) أن الأمة تلقته بالقبول، وهذا ليس بصحيح، لا ذا ولا ذاك، وأما حديث:((هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته)) في ماء البحر فهو وإن لم يصح له سند بمفرده فهو بمجموع طرقه صالح للحجية، وإلا فلا بد من النظر في سنده، وما أكثر الأحاديث التي اشتهرت عند المحدثين، ومع هذا فهم ينظرون إلى أسانيدها، وما أكثر الأحاديث التي يسأل بعضهم بعضًا عن أسانيدها، فلا بد من النظر في السند والنظر في المتن، لا يكون المتن شاذًا ولا يكون معلاً، إلى غير ذلك، ذكر هذا الصنعاني في كتابه "توضيح الأفكار"

ص: 26

ثم رب حديث يكون قد تلقاه طائفة من الناس بالقبول مثل حديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرسل معاذًا إلى اليمن قال: ((بم تقضي فيهم)) قال: بكتاب الله تعالى. قال: ((فإن لم تجد))؟ قال: فبسنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال: ((فإن لم تجد))؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو.

يقولون: إن الفقهاء تلقوه بالقبول، أبومحمد بن حزم رحمه الله يقول: إنه نفق عليهم الحديث وتناقلوه من كتاب إلى كتاب، حتى ظنوه أنه متلقى بالقبول، مع أنه يدور على الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة، وهو مجهول العين. وقد قال البخاري: إن حديثه لايصح. وله طرق أخرى ذكرها الشيخ ناصر الدين الألباني حفطه الله تعالى، ذكره في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وبيّن طرقه، وما فيها من الضعف.

السؤال4 في تعارض الجرح والتعديل ذكر الجمهور أن الجرح مقدم، لأن الجارح لا يكذب المعدلين، ولكن يوافقهم ويقول: اطلعت على ما لم تطلعوا عليه. والحافظ ابن حجر له في ذلك مذهب كما تعلمون: أن الرجل إذا ثبتت له مرتبة سنيّة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي. وأنا ليس سؤالي في الجرح أو التعديل ولكن سؤالي فيما إذا تعارضت مرتبة، كأن يقول في رجل: ثقة، وآخر يقول فيه: صالح الحديث، أو حسن الحديث، أو شيخ، وأحد العلماء يجعله في مرتبة الاحتجاج، وآخر يجعله في مرتبة الاستشهاد، واللذان تعارض كلامهما من أئمة الشأن ليس لأحد منهم فضل على الآخر حتى أرجّح كلامه على الآخر، فلا أدري: هل أبقيه

ص: 27

على مرتبة الثقة ولا أنزله إلى مرتبة الاستشهاد؟ أم ماذا؟

الجواب: مثل هذا الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" يأخذ مرتبة وسطى، ويجعله صدوقًا، وهذا حسن، والمسألة اجتهادية.

السؤال5 رجل وصف بأنه (عابد) أو (مقلّ)، ليس في وصفه إلا هكذا، فهل يعتبر بحديثه، ويستشهد به؟

الجواب: يستشهد به، ولا يحتج به، لأن العبادة تحتاج إلى حفظ، فما أكثر المحدثين العابدين الذين ضعّفوا مثل: أبان بن أبي عياش، وعبد الله بن عمر العمري، وجمع كثير من العباد الذين ضعّفوا، حتى قال يحيى بن سعيد رحمه الله تعالى: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث. أو بهذا المعنى، يقول مسلم: بمعنى أن الكذب يجري على ألسنتهم ولا يتعمدونه. فهذه العبارة لفظة (عابد) أو ما يجري مجراها لا تدل على أنه يقبل الحديث، لأنه يشترط في الحديث أمر آخر وهو: الضبط. والله المستعان.

السؤال6 لو أن أحدنا مثلاً قال: إنه معروف من الصالحين أنّهم مغفلون في الحديث ويفحشون في الخطأ، وقال: إن الذي يوصف بعابد لا أستشهد بحديثه، فكم جرب على عابد أنه لا يحتج بحديثه ولا يستشهد به، ونزله منْزلة المردود، نعم هو عابد في دينه، أما من حيث حفظه فإنه ليس بشيء، لو أن أحد الناس قال: الذي يوصف بعابد لا يحتج به، ولا يستشهد به، بم نجيب عليه؟

ص: 28

الجواب: كم روى عنه؟ نرجع إلى القاعدة: إذا روى عنه اثنان فأكثر، ولم يوثقه معتبر ولم يجرح، يصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال7 ذكرتنا بكم الرواة عنه قالوا: إن الراوي عنه يكون عدلاً، لو أنّ -مثلاً- رجلاً شيخًا، في ترجمته أنه شيخ من مراتب الاستشهاد وليس من مراتب الاحتجاج، وكان من الرواة عنه أناس هم من مراتب الاستشهاد، هل يرفعون جهالته؟

الجواب: الظاهر أن جهالته ترتفع، إلا إذا كان الراوي عنه كذابًا، فربما أن الكذاب يروي عمن لم يوجد ولم يخلق.

السؤال8 وإذا قالوا في الرجل: (يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم)، هل هذا الكلام يفهم منه أنه كذاب أو أنه منكر الحديث؟

الجواب: ينبغي أن ينظر في قائل هذه الكلمة، فإن مثل هذه الكلمة يقولها ابن حبان في بعض الحفاظ الكبار، من رجال البخاري ومسلم، فإذا قالها الإمام أحمد، أو يحيى بن معين، أو من جرى مجراهما، فمثل هؤلاء ينظر فيما قاله غير القائل، ينظر أوثّقه غير القائل؟ أو قال: إنه صدوق غير القائل. أما إذا لم ترد إلا هذه العبارة فهي تعتبر جرحًا، وهي محتملة أنه يكذب، وأنه يهم. محتملة لهذا وهذا، فنحن نتوقف في أمره، لا نحكم عليه بأنه كذاب، ولا نحكم عليه بأنه صالح للشواهد والمتابعات، ولكن

ص: 29

إن وردت عبارات أخرى لبعض أهل العلم يحمل عليها هذا القول، بمعنى أنه يهم، وينظر أذلك الحديث من أوهامه، أم ليس من أوهامه؟ فإذا لم ترد إلا هذه العبارة توقفنا في أمره ولا نحتج به، لكن ربما يصلح للشواهد والمتابعات، وينظر فيمن روى عنه أهم من الثقات الأثبات أم ماذا؟

السؤال9 قولهم في الرجل: (يروي المعضلات) هل المقصود بذلك العجائب والمشكلات، أو الأوابد -كما يقولون-، أم المعضلات بالمعنى الاصطلاحي؟ وإذا كان المقصود المعنى الاصطلاحي فما وجه القدح؟

الجواب: ذلك بمعنى الأوابد، وبمعنى الأمور التي لم تثبت عنهم، لكن هذه العبارة -كما تقدم- ينبغي أن ينظر في قائلها، فيخشى أن تكون من ابن حبان رحمه الله تعالى، فكثيرًا ما يقول: يروي المعضلات عن الأثبات فاستحق الترك. فابن حبان هو شديد التجريح، كما أنه متساهل في توثيق المجهولين، فهو يطلق هذه العبارة على بعض رجال الشيخين، فيتوقف في كلامه، وربما اعترض عليه الحافظ الذهبي وقال: إنه لا يدري ما يخرج من رأسه.

السؤال10 بارك الله فيكم. ومثلها قولهم (يروي المرسلات والمنقطعات والمقطوعات)، ماوجه القدح فيها؟

ص: 30

الجواب: الظاهر أنّهم يعنون بهذا أنه يصل المرسلات، لعلهم يعنون هذا، يصل المرسل ويرفع الموقوف

الخ، هذا بمعنى أنه يخالف الناس في هذا، فإذا كان ثقةً أو قيل فيه: صدوق، بقي علينا أن ننظر في كتاب "ميزان الاعتدال" وفي كتاب "الكامل" لابن عدي، وفي غير هذين الكتابين، أهذا الحديث مما تفرد هو برفعه والناس يروونه موقوفًا، أو تفرد بوصله والناس يروونه مرسلاً؟ فينبغي أن تراجع ترجمته، وإذا قد وثقه العلماء الأثبات -وبعضهم قال هذا-، بقي علينا أن ننظر في ترجمته، أهذا الحديث مما أخطأ فيه؟ فيترك خطؤه، وهكذا إذا قالوا: صدوق يهم، صدوق يخطيء، وهنا أمر أنصح به طلبة العلم وهو: أن يعرضوا ما كتبوه على كتب العلل، فربّ حديث نغترّ به ونقول: إن رجاله رجال الشيخين، ثم بعد هذا نجد أن الحديث معل، وقد حكم عليه بالوضع، وربّ حديث قد حدّثْنا به وهززْنا به رؤوسنا وفي النهاية فإذا الحديث معل، وقد قال أبوحاتم أو الدارقطني رحمهما الله تعالى: إن هذا معل، فالذي أنصح به إخواني في الله أن يعرضوا ما كتبوه على كتب العلل، والحمد لله كتب العلل تغربل الأحاديث غربلة، وقد قال علي بن المديني -وهو كما يقول الحافظ ابن حجر: أعلم أهل عصره بعلل الحديث- يقول: الحديث إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه. والله المستعان.

ص: 31

السؤال11 إذا قال أحد من أئمة الحديث: إن الحديث معلول. فهل لا بد من أن يبين السبب ويظهره لنا كطلبة علم، أو لا يقبل منه هذا القول، أو يقبل منه من غير بيان؟

الجواب: أنا وأنت في هذا الأمر ننظر إلى القائل، فإذا قاله أبوحاتم، أو أبوزرعة، أو البخاري، أو أحمد بن حنبل، أو علي بن المديني، ومن جرى مجراهم، نقبل منه هذا القول، وقد قال أبوزرعة كما في "علوم الحديث للحاكم" ص (113) عند جاء إليه رجل وقال: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة -إذا أردت أن تعرف صدقنا من عدمه، أنحن نقول بتثبت أم نقول بمجرد الظن والتخمين؟ - أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة -يعني محمد بن مسلم بن وارة- وتسأله عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله ثم تميز كلام كل منا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلاف فاعلم أن كلاً منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم. ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم عليه فقال أشهد أن هذا العلم إلهام.

وقد قال عبد الرحمن بن مهدي كما في "العلل" لابن أبي حاتم (ج1 ص10): إن كلامنا في هذا الفن يعتبر كهانة عند الجهال.

وإذا صدر من حافظ من المتأخرين، حتى من الحافظ ابن حجر ففي النفس شيء، لكننا لا نستطيع أن نخطّئه، وقد مرّ بي حديث في

ص: 32

"بلوغ المرام" قال الحافظ: إنه معلول. ونظرت في كلام المتقدمين، فما وجدت كلامًا في تصحيح الحديث ولا تضعيفه، ولا وجدت علةً، فتوقفت فيه.

ففهمنا من هذا، أنه إذا قاله العلماء المتقدمون ولم يختلفوا، أخذنا به عن طيبة نفس واقتناع، وإذا قاله حافظ من معاصري الحافظ ابن حجر نتوقف فيه.

السؤال12 ذكرتم في من قيل فيه: (صدوق يخطئ)، أو (صدوق يهم): أننا نرجع "للميزان" للذهبي أو "الكامل" لابن عدي للنظر، هل هذا الحديث من أوهامه وأخطائه، أم لا؟ وأحيانًا أرجع إلى ترجمة بعض الرواة الذين قيل فيهم هذه المقالة، فأجدهم يقولون: ومن أوهامه، لا يسوقون هذا مساق الحصر، ولكن مساق التمثيل، يمثّلون بأوهامه، ولم يذكروا الحديث الذي بين يدي، لكنهم ما قالوا: إن هذه كل أوهامه، وإنما ذكروها على سبيل المثال، فكيف بالحديث الذي بين يدي؟

الجواب: سؤال حسن، إن كان الحديث من أحاديث الأحكام، فأحاديث الأحكام قد نخلت نخلاً، لأن هناك فقهاء محدثين، مثل الإمام النووي، ومثل الإمام الحافظ ابن حجر، ومثل العراقي، ومثل الزيلعي في "نصب الراية"، ومثل من تقدمهم، كالبيهقي، ومثل الطحاوي، فمثل هذه الأحاديث يتكلمون عليها إذا استدل شافعيّ بالحديث،

ص: 33

والحنفي يعلم به علة، يبيّن أنه معلّ، وهكذا على العكس رجعت إلى كتب الأحكام مثل:"نيل الأوطار" وغيره من الكتب، ومن أحسن المراجع في هذا هو "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، لكن إذا كان الحديث يتعلق بالتفسير، أو بالسير، فأنت تنظر أذكر في أوهامه أم انتقد عليه؟ وإلا حكمت عليه بما يقتضيه ظاهر السند، والله تعالى أعلم.

السؤال13 الشيخ الألباني-حفظه الله تعالى- يحسّن حديث من هذا حاله، فهل يحمل تحسينه على ما ذكرت أنت من التفصيل؟ أم أن هذه قاعدة عنده أن (صدوق يخطئ) حديثه حسن، وذكره غير مرة في كتابه "السلسلة"؟

الجواب: الذي يظهر أن هذه قاعدة عنده، وقد سألناه بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال حفظه الله تعالى: إنّ من مارس أعمالهم في كتب الحديث يرى أنّهم يحسّنون لمحمد بن عمرو بن علقمة ومن جرى مجراه، فالظاهر أن هذه قاعدة عنده وهي قاعدة مقبولة لا غبار عليها، لكن من أحب أن يتثبّت وينظر في ترجمته وفي العلل فهو الأحوط لدينه.

السؤال14 ذكر ابن الوزير رحمه الله تعالى أنّ مدلس تدليس التسوية لا بد أن يصرّح بالتحديث من أول السند إلى آخره، ولا ينفعه أن يصرح بالتحديث بينه وبين شيخه، فماذا تقولون؟

الجواب: هذا هو المعروف، لأن تدليس التسوية هو: إسقاط ضعيف

ص: 34

بين ثقتين، وزاد بعضهم: قد سمع أحدهما من الآخر، فهذا هو المعروف والمعتبر، وهذا هو الذي عليه العمل: أنه إذا وجد مدلس تدليس التسوية مثل: بقية بن الوليد، أو الوليد بن مسلم، فإنه لا بد أن يصرّح بالتحديث في السند كله (1)، لكن ينبغي أن يعلم أنه يحتاج إلى أن تجمع الطرق، فربما لا يصرّح في "صحيح البخاري" ويصرح في "مسند أحمد"، أو يصرّح في "معجم الطبراني".

وقد قيل للوليد بن مسلم -وهو كثير الرواية عن الأوزاعي-: مالك تحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء؟ قال: أجلّه عن أن يروي عنهم، قيل له: إذا حذفت شيوخ الأوزاعي الضعفاء، ضعّف الأوزاعي، وأبى الوليد بن مسلم إلا أن يستمر على ما هو عليه.

فلا بد من التصريح، فمثلاً الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي، والأوزاعي يروي عن الزهري، والزهري يروي عن سعيد بن المسيب، وسعيد بن المسيب يروي عن أبي هريرة، لا بد أن يكون فيه: حدثنا الأوزاعي، أو سمعت، أو ما يؤدي هذا، وهكذا الأوزاعي عن الزهري، حدثنا الزهري والزهري عن سعيد بن المسيب، حدثنا سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

السؤال15 الهيثم بن خارجة لما سأل الوليد بن مسلم في القصة التي

(1) قلت، ثم رأيت الحفاظ يكتفون بتصريح المدلس تدليس التسوية من شيخه وشيخ شيخه، فعملهم هو الصواب أنه يكتفي بتصريحه بالتحديث من شيخه وشيخ شيخه.

ص: 35

ذكرتها قال: أنت إذا فعلت ذلك وحذفت ما بين الأوزاعي والزهري، أو مابين الأوزاعي وغيره من المشايخ، ضعّف الأوزاعي، فلو أن الأوزاعي ثبت لقاؤه للشيخ هذا، ويقينًا تحمل عنه الأوزاعي، ومع ذلك عنعن، فما وجه ضعف الأوزاعي؟ هل وجه ضعفه أن الحديث منكر؟

الجواب: إذا عنعن والراوي عنه الوليد بن مسلم (نعم)، فقط خاف أن يضعّف، وإلا فالأوزاعي قد عرفت إمامته، وعرفت ثقته، فخاف أن الناس يظنون أن الأوزاعي هو الذي وضع هذا الحديث الضعيف، أو هذا الحديث المنكر، فخاف من هذا، والحمد لله لم يحصل -أي لم يضعف الأوزاعي- لأنه قد عرف أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية؟

السؤال16 إذا كان الحديث في "الصحيحين" وقد عنعن المدلس فماذا؟

الجواب: من أهل العلم من يقول: إنه يحمل على السماع، قال ابن دقيق العيد -كما في "فتح المغيث"-: إن في النفس شيئًا. فهو محمول على السماع، لأن مثل الإمام البخاري لا يخفى عليه هذا، وهو الأحوط، حتى لا يتجرأ على تضعيف أحاديث في "الصحيحين"، ما ضعفها أحد من المتقدمين، والله أعلم.

السؤال17 مثل كتب "المستخرجات"، ذكروا أن الذي يخرج كتابًا على كتاب، أنه يجب عليه أن يلتزم بشرط صاحب الكتاب الأول،

ص: 36

ومن هنا تكلّم الحافظ ابن حجر على فوائد "المستخرجات"، فقال: إنّ الرجال الجدد الذين يذكرهم صاحب "المستخرج" لهم حكم العدالة مالم يثبت فيهم جرح أو تعديل، لأن الرجل التزم بشرط الصحيح، فمن هنا قال: يستفاد من "المستخرجات": توثيق الرجال الجدد الذين لم يثبت فيهم جرح ولا تعديل، وحديثهم الذي في غير "المستخرج" محمول على العدالة، لأن صاحب "المستخرج" قد ذكرهم، لكنه قال بعد ذلك: إنه لا يحكم لهم بالعدالة، قال: والسبب في ذلك: أنّ الحافظ منهم، همّه العلو، فكيف الجمع بين الكلام الأول والأخير؟

الجواب: الأخير هو المعتبر، لا بد من نظر في رجال السند من المؤلف إلى أن يلتقي مع من استخرج عليه، فالمعتبر هو الأخير.

السؤال18 قول ابن الصلاح: إن الأمة تلقت "الصحيحين" بالقبول، هل هذا عليه العمل؟ وإذا كان هذا عليه العمل، فهل لي أنا أو لغيري من طلبة العلم إذا اتضح له حديث فيه علة ولم يتكلم عليه الأئمة الأولون هل لي أن أتكلم فيه، لأني سمعت أن بعض الإخوة يضعف حديثًا في البخاري ما ذكره الدارقطني، ولا غيره من الأئمة، فهل هذا الأخ أو الذي يقول هذه المقالة يدفع بأن الأمة تلقت هذين "الصحيحين" بالقبول إلا الأحرف اليسيرة؟ أم يقول الأمر أمر اجتهاد، وأسير كما سار الدارقطني، وأنا صاحب

ص: 37

شوكة وصاحب أهلية

الخ؟

الجواب: الذي يظهر أن "الصحيحين" قد تلقتهما الأمة بالقبول-كما يقول ابن الصلاح- إلا أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ كالدارقطني وغيره، وأنه لا ينبغي أن يفتح الباب لزعزعة الثقة بما في "الصحيحين"، وربّ حديث يكون قد تحقق للعلماء أنه صحيح مثل البخاري، أقصد أن مثل الإمام البخاري، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعلي بن المديني، ومن جرى مجراهم، يعرفون الراوي وما روى عن ذلك الشيخ، وإذا روى حديثًا ليس من حديثه يقولون: هذا ليس من حديث فلان، دليل على أنّهم يحفظون حديث كل محدث، وربما يروون له عن أناس مخصوصين، فهم قد اطلعوا على مالم نطلع عليه، ونحن ما بلغْنا منْزلتهم، والصحيح أنّ مثلنا مثل الذي يعشي-وأنا أتحدث عن نفسي أولاً- فالذي يعشي يمشي في الليل وعنده نور قليل فهو يتخبط، فنحن نفتش الورق ونقرأ ونبحث، فينبغي أن يعلم أنّهم حفاظ، ونحن لسنا بحفاظ، وربما نغترّ بظاهر السند هو كالشمس في نظرنا، وهو معلّ عندهم، وربما يكون في السند ابن لهيعة، وهم يعلمون أنّ هذا الحديث من صحيح حديث ابن لهيعة، فإذا صححه الحافظ الكبير ولم يقدح فيه حافظ معتبر مثله فهو مقبول لأنّهم قد نخلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلاً، ولو كان ضعيفًا لصاحوا به.

السؤال19 بعض الرواة يكون ثقةً إذا روى عن أهل بلد وضعيفًا إذا

ص: 38

روى عن أهل بلد أخرى، مثل: إسماعيل بن عياش في روايته عن الشاميين والحجازيين، ومثل: بقية. والسؤال: إذا روى عن غير أهل هذين البلدين، مثلاً إسماعيل بن عيّاش يروي عن المصريين، ما حكم روايته؟

الجواب: يصلح في الشواهد والمتابعات. إذا روى عن الشاميين تقبل روايته، وإذا روى عن المصريين أو المدنيين يصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال20 إن كان الأئمة قد ضعفوا حديثًا بعينه، ثم جاء المتأخرون فصححوه، وقد ذكر الأئمة في السابق أن له طرقاً بعضها ضعيفة، وبعضها كذا، إلا أن الرجل المتأخر رد هذه العلة، مرةً يرد هذه العلة، ومرةً يقول: أنا بحثت عن الحديث فوجدت له سندًا لم يطلع عليه الحفاظ الأولون، فماذا تقول؟

الجواب: سؤال حسن ومهم جدًا -جزاكم الله خيرًا- العلماء المتقدمون مقدّمون في هذا، لأنّهم كما قلنا قد عرفوا هذه الطرق، ومن الأمثلة على هذا: ما جاء أن الحافظ رحمه الله يقول في حديث المسح على الوجه بعد الدعاء: أنه بمجموع طرقه حسن، والإمام أحمد يقول: إنه حديث لا يثبت، وهكذا إذا حصل من الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى هذا؛ نحن نأخذ بقول المتقدمين ونتوقف في كلام الشيخ ناصر الدين

ص: 39

الألباني، فهناك كتب ما وضعت للتصحيح والتضعيف، وضعت لبيان أحوال الرجال مثل:"الكامل" لابن عدي و"الضعفاء" للعقيلي، وهم وإن تعرضوا للتضعيف، فهي موضوعة لبيان أحوال الرجال، وليست بكتب علل، فنحن الذي تطمئن إليه نفوسنا أننا نأخذ بكلام المتقدمين، لأن الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ما بلغ في الحديث مبلغ الإمام أحمد بن حنبل، ولا مبلغ البخاري، ومن جرى مجراهما. ونحن ما نظن أن المتأخرين يعثرون على مالم يعثر عليه المتقدمون اللهم إلا في النادر، فالقصد أن هذا الحديث إذا ضعفه العلماء المتقدمون الذين هم حفاظ، ويعرفون كم لكل حديث من طريق، فأحسن واحد في هذا الزمن هو الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى، فهو يعتبر باحثًا، ولا يعتبر حافظًا، وقد أعطاه الله من البصيرة في هذا الزمن ما لم يعط غيره، حسبه أن يكون الوحيد في هذا المجال، لكن ما بلغ مبلغ المتقدمين.

السؤال21 الشيخ الألباني-جزاه الله خيرًا- قد يأتي بحديث في نفس هذه المسألة، فإن بحثت في كتب الفقه المتقدمة وجدت الحديث ضعيفًا، ووجدت العمل ليس عليه عند الفقهاء المتقدمين، والشيخ ناصر يصحح الحديث، فيحتج بعض طلبة العلم ويقولون: لماذا تضعّفون هذا والحديث في "صحيح الجامع" للألباني، فيحرج الإنسان، فما تقولون في ذلك؟

ص: 40

الجواب: سؤال حسن أيضًا، الشيخ ناصر الدين الألباني- حفظه الله تعالى- هو عندنا ثقة، فالباحث الذي يستطيع أن يبحث لنفسه فما راء كمن سمع، وليس الخبر كالمعاينة، والذي لا يستطيع أن يبحث وأخذ بقول الشيخ الألباني في التصحيح والتضعيف، فهذا لا شيء عليه إن شاء الله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:{ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (1)} فالشيخ ناصر هو عندنا ثقة، والذي يأخذ بتصحيحه وتضعيفه لا ننكر عليه بحال من الأحوال وإن خالفنا، لكن يبحث وهو الأحوط والأولى، وهو الذي يرجى أن ينفع الله به الإسلام والمسلمين.

أما إذا قال لك قائل: هذا صححه الشيخ ووجدته ليس أهلاً للبحث فاترك صاحبك هذا، ولا تختلف أنت وهو، اتركه وابحث الحديث واعمل بما تراه حقًا، ولست بأول شخص أنت وصاحبك ممن اختلف في تصحيح الحديث وتضعيفه، أو في توثيق الرجل وتضعيفه، ولا ينبغي أن يكون هذا سببًا لفرقة ولا اختلاف ولا تنافر.

ونحن لا نطالب الناس بأن يكونوا كلهم محدثين، فمن أخذ بما صححه الشيخ أو ضعفه، لا نستطيع أن ننكر عليه، ولا نقول شيئًا، حتى وإن خالف ما نرى، سواء

أكان الشيخ أم غيره، كالأخ محمد ابن عبد الوهاب عندنا، وكذلك الأخ أبي الحسن أو غيرهما، القصد أن

(1) الحجرات، الآية:6.

ص: 41

العلماء الأولين اختلفوا في التصحيح والتضعيف، واختلفوا أيضًا في التوثيق والتجريح، فالأمر سهل إن شاء الله في هذا.

السؤال22 بعض الإخوة المصريين الذين يبحثون في علم الحديث يحكم على أحاديث الشيخ الألباني عامةً التي يحسّنها وهي من قبل مضعفة، يقول: الشيخ متساهل في التحسين فماذا تقول؟

الجواب: على العموم نحن لا نستطيع أن نحكم على الشيخ أنه متساهل في التحسين، ولا أنه متساهل في التصحيح، طالب العلم ينبغي أن يبحث، نحن مع الشيخ في هذا الأمر، وفي مواضع لا نأخذ بقول الشيخ، وفي مواضع نرجع بعد سنة أو سنتين إلى قول الشيخ، إذا لم يكن الشخص صاحب هوى من إخوانك المصريين، فلا بأس، وإن قال: إن الشيخ متساهل. لا ينكر عليه، لكن لا نستطيع أن نقول: إن الشيخ حفظه الله متساهل على العموم، لكن كما قلنا هذه مسألة اجتهادية، والباحث متعبّد بما أدى إليه اجتهاده، فالذي يبحث ويأخذ بما أدى إليه اجتهاده، فهذا هو الأحوط لدينه، والذي يأخذ بتحسين الشيخ أو تضعيفه فقد أخذ إن شاء الله بما ينجيه عند الله سبحانه وتعالى.

السؤال23 قولهم في الرجل: (مجروح)، هل هذه فيها تهمة بالكذب وما وثّق؟

الجواب: نتوقف في أمره، أقل حاله أن يكون ضعيفًا.

ص: 42

السؤال24 لأن هذه تجرني إلى كلمة أخرى، الدارقطني رحمه الله تعالى قال: تجنب تدليس ابن جريج، فإنه لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح؟

الجواب: معنى كلامه: أن ابن جريج إذا عنعن توقفت فيه، ولفظة (مجروح) الجرح يتفاوت، فهى محتملة لأن يكون ضعيفًا، أو شيخًا أو يكون أكذب الناس، كل هؤلاء مجروحون، فهي عبارة محتملة، نتوقف فيما عنعن فيه ابن جريج رحمه الله تعالى.

السؤال25 الذي قيل فيه: (مجروح) ولا ندري أهو مجروح من كذب أم من سوء حفظ، وما ذكر فيه إلا هذه العبارة هل يستشهد به؟

الجواب: الظاهر أنه يستشهد به، لو كان كذابًا لقالوا: إنه كذاب.

السؤال26 ذكروا أن: من قيل فيه: (لا بأس به)، فهو من مراتب الاحتجاج في الحديث الحسن وأن من قيل:(صالح الحديث) يستشهد به، فكيف لو جمع عالم من العلماء قال فلان:(صالح لا بأس به)، هل لا بأس به في دينه وصالح في حديثه، بمعنى أن يستشهد به أم ماذا؟

الجواب: الذي يظهر لي أنّهم يحسّنون لمن قيل فيه: (صالح لا بأس به).

السؤال27 ذكر الذهبي تعقيبًا على كلام ابن القطان، أن مجهول الحال الذي لم يوثقه معاصر، أو ينقل توثيقه عن معاصر، وأنا أسأل: هل هناك طريقة أخرى في توثيق الرجل غير قول المعاصر فيه، مثل سبر أحاديثه والنظر هل وافق الثقات أم خالفهم، ولم

ص: 43

يتكلم فيه أحد ممن عاصره، هل عند العلماء أنّهم يجمعون حديثه وينظرون، هل وافق الثقات أم خالفهم، وبهذا يجعلون له حكمًا وإن لم يوثقه معاصر؟

الجواب: نعم هذه هي الطريقة: إن كان معاصرًا نظروا في حديثه وفي أمره، وإذا كان غير معاصر نظروا في حديثه فإذا لم يخالف الثقات علموا أنه حافظ، وقد أتقن حديثه، وقد ذكر هذا مسلم في مقدمة "صحيحه" وذكره غير مسلم رحمه الله تعالى، وذكر المعلمي في "التنكيل عما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" أن يحيى بن معين ربما يوثّق الشخص الذي لم يوثّق، ويستحق أن يكون مجهولاً لأن يحيى ينظر في حديثه فلا يجده مخالفًا للثقات فيوثقه، فهاتان طريقتان في هذا الأمر.

السؤال28 السند الذي فيه انقطاع ظاهر ليس بالإرسال الخفي ولا بالانقطاع الخفي، وجاء من طريق أخرى فيها أيضًا انقطاع، فهل ينجبر الحديث؟

الجواب: الذي يظهر أنه لا ينجبر، لأنه يحتمل أن يكون المحذوف ثقة، وأن يكون كذابًا، وهكذا أيضًا كذاب عن كذاب لا ينجبر، لكن لو تعددت الأحاديث المنقطعات ربما ترتقي إلى الحسن والله أعلم.

السؤال29 أنظر إلى قولهم: هو (مظلم الأمر)، فأجدها غالبًا ما تقال في المجهول وليس بالمشهور، لكن جاء عند ابن عدي في ترجمة سعيد بن ميسرة البصري أبي عمران، قال: هو منكر، وعنده

ص: 44

مناكير، وساق له أحاديث، وقال: هو مظلم الأمر. هل مظلم هنا بمعنى النكارة؟

الجواب: الظاهر أنه بمعنى النكارة، ويحتمل أن المراد لم يتضح لي أمره.

السؤال30 إذا أتى في السند أكثر من مجهول (أي مجهول حال) فهل يصلح في الشواهد والمتابعات؟

الجواب: يصلح في الشواهد والمتابعات، ولو وجد فيه أكثر من مجهول.

السؤال31 الذهبي رحمه الله أحيانًا يذكر في ترجمة الرجل أقوال المتقدمين بالتعديل، ثم يعقّب ذلك بقوله:(لا يعرف) كما في شبيب بن عبد الملك التميمي، قال أبوزرعة: صدوق، وقال أبوحاتم: شيخ بصري ليس به بأس لا أعلم أحدًا حدث عنه غير معتمر بن سليمان -وهو أكبر منه- قال الذهبي: قلت: لا يعرف. فما وجه قول الذهبي وقد وثقه غيره؟

الجواب: نحن نأخذ بأقوال العلماء المتقدمين، وقول الإمام الذهبي في هذا إذا كان لا يعرفه هو فقد عرفه غيره، وكثيرًا ما يتعقب عليه الحافظ ابن حجر.

وقد مرت بي في أيام قريبة قال في ترجمة راو: (لا يعرف) فتعقبه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" فقال: عجبًا، إنه لعجب، قد عرفه يحيى بن معين فكيف يقال فيه:(لا يعرف). فنأخذ بأقوال العلماء المتقدمين.

ص: 45

السؤال32 وفي المقابل أيضًا الحافظ ابن حجر ذكر ترجمة رجل وقال: وقرأت بخط الذهبي أنه صدوق، وترجم له في "التقريب" قال:(مجهول)؟

الجواب: لا بد أن ينظر ماذا قال العلماء المتقدمون وترجع إلى "تهذيب التهذيب" فإذا قال حافظ من الحفاظ المتقدمين الذين هم من معاصري يحيى بن معين: إنه صدوق فيكون صدوقًا، وأما إذا لم يوثّق، ثم يأتي الحافظ الذهبي ويقول: إنه ثقة، أو صدوق فنحن نتوقف في كلام الحافظ الذهبي، وكثيرًا ما يذكر في كتابه "الكاشف" ويقول: فلان وثّق، فنرجع فإذا هو قد اعتمد على توثيق ابن حبان، أو توثيق العجلي، أو توثيقهما، فالمعتبر في هذا هو الرجوع إلى كلام المتقدمين رحمهم الله، أما الإمام الذهبي ففي قوله:(صدوق) أو كذا، فبينه وبين ذلك الرجل مراحل.

السؤال33 بالنسبة لتوثيق العجلي، ذكر الشيخ الألباني حفظه الله تعالى أن العجلي والحاكم متساهلان في التوثيق، ومع ذلك أجد الحافظ ابن حجر إذا لم يكن في ترجمة الرجل إلا قول العجلى:(كوفي ثقة) أو (مدنيّ تابعيّ ثقة) يقول في "التقريب": ثقة، فما وجه تساهل العجلي؟

الجواب: قد عرف بالاستقراء، من تفرده -مع ابن حبان- بتوثيق بعض الرواة الذين لم يوثقهم غيرهما، فهذا عرف بالاستقراء، وإلا فلا أعلم أحدًا من الحفاظ نص على هذا، والذى لا يوثقه إلا العجلي،

ص: 46

والذي يوثقه أحدهما أو كلاهما فقد لا يكون بمنْزلة صدوق، ويصلح في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفع في هذا الشأن فهما متقاربان و"التقريب" محتاج إلى إعادة نظر، فربما يقول فيه: مقبول، وتجد ابن معين قد وثّقه أو على العكس يقول: ثقة، ولا تجد إلا العجلي أو ابن حبان، وقد أعطانا الشيخ محمد الأمين المصري رحمه الله تعالى عشرة عشرة، كل واحد عشرة ممن قيل فيه:(مقبول) فالذي تحصل لي أن "التقريب" يحتاج إلى نظر، ونحن لا نرجع إلى "التقريب" إلا إذا رأينا للعلماء المتقدمين عبارات مختلفة لا نستطيع التوفيق بين عباراتهم، فنرجع إلى "التقريب" ونأخذ عبارة صاحب "التقريب".

السؤال34 ذكروا في مراتب الاستشهاد قولهم: (واه) يقال في الرجل: (واه). قالوا إن هذا يستشهد به، وقالوا:(واهي الحديث) في مراتب الرد، وكثيرًا ما يقول الحافظ الذهبي وغيره: هذا الرجل وهّاه فلان فقال: كذاب. وأحيانًا يقول الحافظ الذهبي أيضًا: فلان واه. ويسوق الترجمة بالترك وبالكذب، فالقول الأخير في قولهم في الرجل (واه) هل هذا يستشهد به؟

الجواب: الذي أعرفه أن من قيل فيه: (واه) لا يصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال35 ابن حبان معروف أنه يوثق المجاهيل، فإن كان الراوي غير

ص: 47

مجهول وقد روى عنه أكثر من واحد، وقال ابن حبان: هذا مستقيم الحديث، أو قال: هذا ثقة، هل نتوقف في توثيقه أم نعتبره؟

الجواب: من أهل العلم كما في "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" من قال فيه: إنه يقبل. وهو اختيار المعلمي، أما (ثقة) فالغالب أنه قد عرف هو نفسه بالتساهل، فيتوقف لأنه قد عرف هو بالتساهل في ثوثيق المجاهيل، فإذا وثّق غير مجهول يقبل منه، أما المجهولون فقد عرف منه التساهل في هذا.

السؤال36 أحيانًا يذكر في كتابه "الثقات" يقول: روى عنه فلان وفلان وفلان وهو مستقيم الحديث، أو يقول: هو في حفظه كالأثبات أو يتقن حديثه، هو نفسه ينص على ثوثيقه، ولذا أجد الحافظ ابن حجر في مثل هذه المقالة يترجم له بالتوثيق أو على حسب مقالة ابن حبان وما وثقه إلا هو، وليس فيه إلا هذه العبارة!

الجواب: الذي يظهر أنه يتوقف في أمره، أما المعلمي في "التنكيل" فيقول: مثل هذا يقبل ويأخذ توثيقه عن ابن حبان.

السؤال37 ابن معين سئل عمن يقول فيه (ضعيف) فقال: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. هل الأمر كذلك إذا قال في الرجل: (يضعفونه)؟

الجواب: الذي يقول فيه: (ضعيف) يكون غير ثقة، والذي يقول فيه:

ص: 48

(يضعفونه) لا يكون غير ثقة، بل يكون ضعيفًا، لأن الأول قوله، والثاني حكاية عن غيره.

السؤال38 هل هناك فرق بين قولهم: فلان (منكر الحديث)، وفلان (يروي الأشياء المنكرة)؟

الجواب: (منكر الحديث) صيغة تقتضي الديمومة، وأما (يروي الأشياء المنكرة)، فهو يحتمل أنه يرويها كغيره من العلماء الذين يجمعون كما قيل:(إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش)، فيحتمل هذا. وينظر أهذا الحديث من مناكيره أم ليس من مناكيره.

السؤال39 قال الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة علي بن المديني: إن الثقة إذا تفرد برواية فهي صحيحة غريبة، أما الصدوق فإذا انفرد فهي منكرة، هل هذا قول صحيح؟

الجواب: من أهل العلم من لا يقبل الصدوق، مثل أبي حاتم رحمه الله تعالى فلعله جرى على مثل ما جرى عليه أبوحاتم. أما ابن الصلاح وكثير من أهل العلم فيعتبرون الصدوق إذا انفرد حسن الحديث، ورب كلمة تنفق على المؤلف من غير أن ينظر فيها ويفحصها مثل: زيادة الثقة، وقد زلت قدم الخطيب في بعض كتبه، وفي "الكفاية" ثم تبعه على هذا ابن الصلاح، فالراجح في هذا أنه يحسّن حديثه.

السؤال40 هل هناك فرق بين قولهم: فلان (سيء الحفظ)، وفلان (رديء الحفظ)، وفلان (يخطئ كثيرًا) أو (كثير الخطأ)، هل

ص: 49

هناك فرق بين هذه العبارات؟

الجواب: الذي يظهر أنّها مترادفة، والله أعلم.

السؤال41 هل قول البخاري في حديث من الأحاديث: (فيه نظر)، معناه: أن هذا الحديث لا يستشهد به، كقوله في الرجل:(فيه نظر)؟

الجواب: الذي يظهر هو هذا، أنه لا يستشهد به، كقوله في الرجل:(فيه نظر).

السؤال42 سئل ابن المبارك عن نوح بن أبي مريم فقال: هو يقول: (لا إله إلا الله)، وسئل ابن معين عن رجل فقال:(هو مسلم)، ففي أي المراتب؟

الجواب: الذي يظهر أن هذا من باب الهروب عن الإجابة، وأمْر نوح بن أبي مريم معروف أنه كذاب، من رؤوس الكذابين، وكذلك قول عبد الله بن المبارك، فالذي يظهر أن الرجل مجروح شديد الجرح، وبعض الأوقات يقتضى المقام أن لا يصرحوا لأمر ما، إما أنه يخاف على نفسه، وإما لأن للمضعف عليه نعمة أو غير ذلك.

السؤال43 الذهبي في ترجمة محمد بن إسحاق بن يسار صاحب "السيرة" قال: إنه (صالح الحديث)، وقال:(حسن الحديث)، وقال:(صالح الحال)، وقال:(صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة)، ثم ذكره مرةً أخرى في ترجمة هشام بن حسان فقال: والجمهور على

ص: 50

أنه لا يحتج به، فماذا تقولون في محمد بن إسحاق، آخر قول فيه؟

الجواب: ابن إسحاق إذا صرح بالتحديث ولم يكن حديثه منكرًا، فيقبل ويحسّن حديثه، وإذا تفرّد بحديث ظاهره النكارة مثل: إثبات صفة الأطيط للعرش، فهذا من طريق ابن إسحاق، والحافظ البيهقي والحافظ الذهبي كلاهما يقدح في الحديث ويقولون: إن ابن إسحاق ليس بعمدة في أحاديث الأحكام، فضلاً عن أحاديث الأسماء بالنكارة لأمر خارج، وإلا فيكون حديثًا مستقلاً ويقبل حديثه إذا صرح بالتحديث.

السؤال44 في ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب القرشي، عن عاصم الأحول، وهلال بن خباب، وثور بن يزيد، وعنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، وأحمد بن سيار وجماعة، قال أبوزرعة:(ليس بشيء)، وقال أحمد:(كان جهميًّا). وقال أبوحاتم: يلينه عندي قدم رجاله)، هل قول أبي حاتم يشير إلى أنه متهم، ويحدث عمن لم يلقه أم ماذا؟

الجواب: هو يعني هذا، أنه يحدث عن أناس لم يلقهم.

السؤال45 قولهم في الرجل: (وثّقوه)، أليس دون قولهم في الرجل:(ثقة)؟ وكذلك (ضعّفوه) و (ضعيف)؟

الجواب: نعم هو كذلك.

ص: 51

السؤال46 العالم إذا سئل عن حديث إما إسنادًا أو متنًا وصححه، هل يكون ذلك ثوثيقًا منه لرواة ذلك الحديث؟ أم أنه يحتمل أنه صححه لقرينة أخرى؟ وقد أردت أن أستقرئ فيها صنيع الحافظ الذهبي فوجدته أحيانًا يعتبر هذا، ويوثق الرجل، وأحيانًا لا يعتبره، وذكرت بعض الأسماء، ففي ترجمة إسماعيل بن سعيد ابن عبد الله بن جبير بن حية، لم يذكر من روى عنه إلا أن أبا حاتم تركه، والترمذي روى له حديثًا واحدًا فصححه، وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال عنه ابن حجر في "التقريب":(صدوق)، هذه الحالة التي اعتبر فيها توثيق الترمذي، وخالف ذلك في جعفر بن أبي ثور، وقد صحح حديثه جماعة: مسلم، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن مندة، والبيهقي وغيرهم، روى عنه أربعة وذكره ابن حبان في "الثقات" ومع ذلك قال: مقبول؟

الجواب: لا بد من نظر في توثيق الراوي: أوثقه معتبر أم لم يوثقه معتبر؟ وبالنسبة للحديث فيحتمل أن يكون صححه لطريق أخرى وتصحيح الحديث لا يدل على أن رجاله ثقات.

السؤال47 قول الحافظ في ترجمة: أحمد بن بكّار أبي ميمونة قال: (صدوق كان له حفظ)، فهل هذا يرفعه إلى درجة ثقة؟

الجواب: يبقى حسن الحديث، ولا يرتفع إلى درجة الثقة، لأن الصدوق له حفظ، ولو لم يكن له حفظ لكان من الضعفاء.

ص: 52

السؤال48 الشافعي رحمه الله تعالى معلوم كلامه في المرسل إذا اعتضد بقرائن، لكن خص ذلك بمرسل كبار التابعين، الذي عليه العمل: هل هو مطلق التابعي، أم أنه كما قال الشافعي رحمه الله تعالى؟

الجواب: الذي يظهر أنه من مطلق المرسل، إلا الذين عرف بأن مراسيلهم شديدة الضعف مثل: قتادة، ويحيى بن أبي كثير، والزهري، والحسن البصري، فمثل هؤلاء عرف أن مراسيلهم شديدة الضعف، لا تصلح في الشواهد ولا المتابعات، أما المرسل وإن كان من أوساط التابعين أو من صغارهم فينطبق عليه، وهذه مسألة اجتهادية، فإن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: مع هذا فليس في رتبة الحديث المتصل.

السؤال49 هل قول البخاري في الرجل: (حديثه ليس بالمعروف) مثل قوله: (منكر الحديث) كما قالوا: إن المنكر عكسه المعروف؟

الجواب: الذي يظهر أنه ليس كقوله: (منكر الحديث)، أما (المعروف) فهو عندهم يقابل (المنكر)، كما أن (المحفوظ) يقابل (الشاذ)، لكن هذه العبارة لا يظهر منها أنّها مثل:(منكر الحديث)، وإلا فما يمنع البخاري رحمه الله تعالى من قول:(منكر الحديث)، وما أكثر ما يقول هذا. فالذي يظهر أنّها أحسن حالاً، والله أعلم.

السؤال50 قالوا: إن الرافضة لا يكتب عنهم ولا كرامة، فكيف بجابر الجعفي، وكان يؤمن بالرجعة؟

الجواب: جابر بن يزيد الجعفي وثقه بعضهم، وهو يعتبر رافضيًّا، وقد

ص: 53

كذبه أبوحنيفة فقال: ما رأيت أكذب منه، وكذبه غير أبي حنيفة، فجابر بن يزيد الجعفي ومن جرى مجراه لا يحتاج إليه، وقد ذكر الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في "الميزان" في ترجمة أبان بن تغلب ذكر: أن الشيعي إذا كان صدوق اللسان فإنه يؤخذ عنه، وأما الرافضة -الذين يسبون أبا بكر وعمر- قال: فلا يحتاج إليهم، قال: على أنني لا أعرف من هذا النوع أحدًا يحتاج إليه، بل الكذب شعارهم والتقية دثارهم، أو بهذا المعنى.

فالرافضة ليس هناك أحد منهم يحتاج إليه، حتى قال الأعمش رحمه الله تعالى: ما كنا نسميهم إلا الكذابين. وذكر نحو هذا شريك ابن عبد الله النخعي، فلعل من روى لجابر يقصد أنه يعتبر بحديثه، فعلى كل فروايته لا تصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال51 قول الحافظ في جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل: (صدوق يكثر عن المجاهيل)، ما حكم ذلك في مراتب الجرح والتعديل؟ ومتى تعد كثرة الرواية عن الضعفاء والمجاهيل قدحًا؟ ولماذا؟

الجواب: ينبغي أن ينظر في شيخه، فإن كان مجهولاً دخلت علينا الريبة من هذا، ثم إن كتاب الحافظ هو تقريب كاسمه، فينبغي أن يرجع إلى "تهذيب التهذيب" و"ميزان الإعتدال" وغيرهما من الكتب التي تتكلم وتبسط الكلام على الراوي، وعلى كل فأنت ترجع إلى شيخه، فإذا وجدته مجهولاً دخلت الريبة علينا، وإذا لم تجده مجهولا فيقبل حديثه ويحسن، والله أعلم.

ص: 54

السؤال52 لم يخصصون هذه المسألة: (يكثر عن المجاهيل)؟

الجواب: إكثاره عن المجاهيل جعل في القلب ريبةً من روايته لكن إذا لم يكن شيخه مجهولاً، وكان ممن يقبل حديثه قبل. والله أعلم.

السؤال53 الإمام أحمد رحمه الله تعالى في ترجمة حجاج بن أرطأة قال: (كان من الحفاظ)، قيل: فلم؟ أليس هو عند الناس بذاك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، لا يكاد له حديث إلا فيه زيادة. فكيف الجمع بين قوله: حافظ وقوله: في حديثه زيادة على حديث الناس، هل يعني أنه مكثر أو معه علم كثير أم أنه حافظ ضابط كما هو معلوم؟

الجواب: ضابط ويأتي بزيادات لا يعتمد عليها، ثم إن حجاج بن أرطأة أيضًا به جرح آخر وهو: أنه ذكر الحافظ في ترجمته في "ميزان الاعتدال" قال: إن فيه تيهًا، وذكر عنه أنه قال: إنّها لا تكمل مروءة الشخص حتى يترك الصلاة مع الجماعة. يقصد أنه بمخالطته للناس لا يهابونه، وهو أيضًا مدلس، فلا يمنع أن يكون حافظًا، وأن يكون مدلسًا، وأن تكون لديه زيادات، فالزيادات التي يزيدها على غيره، ينبغي أن تجتنب حتى ولو زادها على من يماثله، نستفيد هذا من التعبير الذي قاله الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

السؤال54 حسان بن عطية المحاربي كان الأوزاعي يثني عليه جدًا، قال خالد بن نزار: قلت للأوزاعي: حسان بن عطية عمن؟

ص: 55

فقال لي: حسان ما كنا نقول عمن؟ فما معنى كلمة الأوزاعي هنا؟

الجواب: حسان بن عطية هو شامي والأوزاعي شامي، والأوزاعي يعتبر من أعرف الناس بالشاميين، فمعناه أنه واثق برواية حسان بن عطية، ومعناه أيضًا أن حسان بن عطية مهاب، إذا حدثهم لا يستطيعون أن يستفسروا منه، لكن ينبغي أن يستفسر وينبغي أن يعرف مشايخه كغيره من العلماء. القصد أن قول الأوزاعي يفيد أحد أمرين أو الأمرين معًا: وثوقهم برواية حسان أو مهابتهم له، فإن بعض الرواة يكون مهابًا في نفوس الناس.

السؤال55 في مسألة لما ذكروها في قولهم: (حدثني الثقة)، وقال: هذا تعديل للمبهم، تكلم الحافظ ابن حجر وغيره قالوا: إن مالكًا إذا قال: حدثني فلان، أو حدثني الثقة عن فلان فهو يعني به فلانًا، والشافعي إذا قال: حدثني الثقة عن فلان. فهو يعني به فلانًا، الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى قال: هذا كله تخمين، يعنى لايوجد جزم لأن هذه مسألة استقراء تصيب وتخطئ.

الجواب: مسألة (حدثني الثقة)، لا بد أن يبيّن شيخه، والإمام مالك رحمه الله تعالى قد روى عن ضعيفين: عن عبد الكريم بن أبي المخارق وعن عاصم بن عبيد الله، فلا بد كما ذكروا في المصطلح من أن يبين شيخه، ذكره صاحب "فتح المغيث"، الإمام أحمد أيضًا من الذين لا يحدثون إلا عن

ص: 56

ثقات، روى عن عامر بن صالح الزبيري حتى قال الإمام يحيى بن معين عند أن بلغه هذا: جنّ أحمد.

وشعبة من الذين اشتهروا أنّهم لا يحدثون إلا عن ثقات، وفي مرة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة ما حدثتكم إلا عن ثلاثين، وفي رواية: ما حدثتكم إلا عن ثلاثة، فالتوثيق لا بد أن ينظر، ويسمى رجاله.

وهكذا الحسن، فالعلماء سبروا مراسيله فوجدوها شديدة الضعف، لأن الحسن رحمه الله تعالى يأخذ عمن أقبل وأدبر، أو بهذا المعنى، ذكروا: أنه قد يكون ثقةً عنده، ويكون ضعيفًا عند غيره.

السؤال56 الشافعي رحمه الله تعالى إذا قال: (حدثني الثقة)، جاء من بعده الربيع بن سليمان فقال: إذا قال الشافعي: حدثني الثقة فهو يعني يحيى بن حسان التنيسي وهو ثقة. فإذا قال الشافعي: (حدثني الثقة) هل نحملها على هذا مطلقًا؟

الجواب: لا نحمله على هذا، وهم قد اختلفوا، فليس هذا القول متفقًا عليه كما في "فتح المغيث" وفي غيره من المراجع، حتى ولو قال الشافعي ذلك فقد روى الشافعي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن أبي يحيى وقد قال الإمام أحمد فيه: إنه قدري معتزلي رافضي جهمي كل بلاء فيه. وأيضًا الإمام النسائي يقول: الكذابون أربعة: وذكر منهم إبراهيم بن أبي يحيى بالمدينة. فلا بد من التسمية.

السؤال57 الحافظ رحمه الله تعالى في بعض التراجم في "التقريب" لا يذكر أنه

ص: 57

ثقة أو ضعيف، يقول: وثقة فلان، وثقه النسائي، وثقه الدارقطني، وثقه العجلي، أو ضعفه فلان، يعزو الأمر إلى غيره، كأنه في ذلك والله أعلم لا يريد أن يقطع في هذا الأمر بشيء، ماذا ترى في هذا؟

الجواب: ما أرى إلا ما رأيت.

السؤال58 قولهم في الرجل: (ثقة له أوهام)، أو (ثقة يخطئ)، أو (له مناكير)، فإذا لم يتضح لي أي شيوخه يهم فيه أو أي أحاديثه وهم فيها، كنت أظن أنه يحتاج إلى متابع كما في مسألة: صدوق يخطئ، أو صدوق يهم، حتى وقفت على كلام لابن حبان في ترجمة أبي بكر بن عياش في كتابه "الثقات" قال: كان أبوبكر من الحفاظ المتقنين وكان يحيى القطان وابن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر سنه ساء حفظه، فكان يهم إذا روى، والخطأ والوهم شيئان لا يخلو منهما البشر، فلو كثر الخطأ حتى صار غالبًا على صوابه لاستحق مجانبة روايته، فأما هذا فلا يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه، والصواب في أمره، مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه والاحتجاج بما يروي سواءً وافق الثقات أم لا، لأنه دخل في جملة أهل العدالة ومن صحت عدالته لم يستحق الترك ولا الجرح إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح، وهذا حكم كل محدث ثقة صحت

ص: 58

عدالته وتيقن خطؤه، ومثل هذا قاله أيضًا الحافظ الذهبي قال: إذا خالفه غيره فيكون أقوى منه، أما أنه يحتاج إلى متابع فلا، فماذا ترى؟

الجواب: هذا كلام طيب، وذكر الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى في مقدمة "صحيحه" نحو هذا الكلام على حماد بن سلمة، ويقول: ومن الذي لايغلط ومن الذي لا يهم؟ ولو رددنا هذا الضرب لرددنا أحاديث صحابة، حتى ذكر أبا بكر وعمر. وينظر أهذا الحديث من أوهامه التي وهم فيها أم لا، وإلا فيحكم على حديثه بالصحة.

السؤال59 قولهم في الرجل: (ثقة إن شاء الله)، وليس في ترجمته إلا هذه العبارة هل هذا ينْزله إلى صدوق؟

الجواب: لاينْزله، لكن ليس مثل الإطلاق.

السؤال60 قولهم في الرجل: فلان (قاصّ) أو (صاحب سمر)، كنت أظن أنه صاحب حكايات وروايات، أما ضبط الحديث فلا، أو أنه مثلاً قد يأكل بالحديث، حتى إني وجدتّهم قالوا: فلان (قاص)، في ترجمة سلمة بن دينار أبي حازم، وكذا في صالح بن بشير المعروف بالمري، وهو ضعيف الحفظ مشهور بالعبادة، فهل في قولهم: فلان (قاصّ). شيء من ناحية الحفظ؟ أو فيها شيء من ناحية العدالة؟

ص: 59

الجواب: فيها شيء من عدم التثبت، لأن الغالب على القصّاصين أنّهم لا يتثبتون، وإن كان عطاء بن يسار قد لقّب بأنه قاصّ، لكن هو من أثبت الناس، والغالب على القصاصين أنّهم لا يتثبتون، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: ما أحوج الناس إلى قصّاص صدوق. فإذا أطلقوا هذه العبارة وحدها، ولم يزيدوا عليها شيئًا، فهذه توقع الريبة في القلب ولا يعتمد عليه، لأن الأصل في القصاصين عدم التثبت.

السؤال61 معلوم أن ابن حبان يوثّق المجاهيل، والمجاهيل عند العلماء لهم حدّ، فلا ترتفع جهالة العين إلا برواية عدلين، ولا ترتفع جهالة الحال إلا بنص أو شهرة بالطلب كما هو معلوم، غير أني أجد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يقول: صدوق أو مقبول، في راو لم يرو عنه إلا واحد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، فهل يصلح أن يكون وجه ذلك عند الحافظ ابن حجر أن ابن حبان نصّ على قاعدته في التوثيق: أن الرجل إذا لم يجرح، وروى عنه واحد وكان حديثه ليس منكرًا فهذه قاعدته أو الأسس التي بني عليها توثيقه، فالرجل إذا لم يجرح وذكره ابن حبان في "الثقات" وليس حديثه منكرًا، هل القول فيه: إنه مقبول صحيح؟

الجواب: (مقبول) عند الحافظ، يعني بها أنه يحتاج إلى متابع، فإذا قال فيه: إنه مقبول فقول في موضعه، لكن تقدم لنا الكلام على

ص: 60

"التقريب" أنه محتاج إلى إعادة نظر في كثير من التراجم، ونحن لا نرجع إلى "التقريب" إلا عند العجز، وإذا اختلفت عبارات المحدثين ولم نستطع التوفيق بينها، رجعنا إلى "التقريب"، والله المستعان.

السؤال62 الرجل إذا قيل فيه: (صدوق تغير بآخره، هل يحتاج إلى متابع؟ الشيخ الألباني قال في "السلسلة الصحيحة"، يحتج به ما لم يخالف؟ وهل هنا فرق بين قولهم: تغير، وبين قولهم: اختلط؟

الجواب: الذي يظهر هو قول الشيخ الألباني، لأن التغيّر ليس بمنْزلة الإختلاط، ذكر هذا الحافظ الذهبي في ترجمة هشام بن عروة عند أن قال ابن القطّان: إنه تغير أو هكذا اختلط بعد ما نزل إلى العراق. فأنكر عليه وقال: إنه ضعف حفظه -أي هشام- ولم يبلغ إلى حد الاختلاط، ثم قال: وهشام شيخ الإسلام، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطّان. فهذا الذي قاله الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى هو الصواب إن شاء الله، ثم بعد ذلك لا ينبغي أن ننسى ما تقدم لنا: أن أهل العلم قد نخلوا السنة نخلاً خصوصًا ما يتعلق بالأحكام، فينبغي أن يرجع إلى شروح الحديث، وإلى كتب التخاريج مثل "التلخيص الحبير" وغيره، فربما ذكروا أن هذا الحديث مما حدث به بعد تغيره.

السؤال63 قولهم في الراوي: إذا روى عنه ثقة، أو يقولون بعبارة أخرى: إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، فهو مستقيم، ومعلوم من

ص: 61

حال الثقات جميعًا أن الحديث يكون مستقيمًا إذا كان السند كله مستقيم الرجال، فما وجه هذا التخصيص؟

الجواب: الذي يظهر أنه نفسه لا يكون متحريًا، فربما ينفق عليه ما ليس بثابت إذا كان شيخه ضعيفًا أو كذابًا أو مجهولاً، وهكذا إذا روى يمكن أن أصوله صحيحة، لكن المحدث إذا حدث عنه وليس أهلا للرواية -الذي هو الراوي عنه- فربما يحصل تخليط من عدم تحريه هو نفسه، في الأخذ والتحديث.

السؤال64 الرواي إذا قيل فيه: مجهول، راو من الرواة قال أحد علماء الجرح والتعديل فيه: مجهول، وقال آخر: ضعيف، هل نرجع بذلك إلى من روى عنه؟ وإذا كان روى عنه جماعة فالقول قول من قال: ضعيف، أم أنه إذا روى عنه أقل فالقول قول من قال فيه: مجهول، لأن (مجهول) لا يستشهد به، و (ضعيف) يستشهد به، فتعارض القولان، فالمرجع في ذلك إلى من روى عنه أم ماذا؟

الجواب: هذا الذي قال: إنه مجهول قال بحسب علمه، وذاك عرف عنه شيئًا زائدًا، فيصار إلى أنه ضعيف.

السؤال65 من قيل فيه: (صدوق صحيح الكتاب)، وأنا لا أدري هل حدث من كتابه أم من حفظه؟ فهل يحمل على أنه صدوق؟ وإذا علمت أنه حدث من كتابه هل يرتقي إلى مرتبة ثقة؟

ص: 62

الجواب: يحكم على الحديث بأنه حسن في الحالتين، وإذا حدث من غير كتابه فربما ينْزل عن مرتبة الحسن، وهذا يحتاج إلى تنصيص أنه حدث هذا الحديث من غير كتابه، ومثل هذا ينبغي -كما قلنا- الرجوع إلى كتب العلل وشروح الحديث.

السؤال66 في ترجمة سلم بن زرير قال فيه ابن عدي: أحاديثه قليلة، وليس في مقدارها أن يعتبر ضعفها، هل معنى ذلك أنه لقلة حديثه لا يحتمل الضعف الذي فيها كما يحتمل للثقات أصحاب الحديث، لأنه ما من ثقة إلا وتفرد وخالف، ويكون معنى ذلك أنه ليس بالقوي أم ماذا؟

الجواب: الذي يظهر أن معناه أنه ملتبس أمره على الحافظ ابن عدي، لأنه ما استطاع أن يحكم عليه بسبب قلة أحاديثه، والله أعلم، فنحن نتوقف في حديثه.

السؤال67 قولهم في الرجل: (صدوق وسط)، هل معناه أنه من مراتب الاستشهاد؟

الجواب: من مراتب الحسن، و (صدوق) هو وسط بين الثقات والضعفاء، فكلمة (وسط) إن شاء الله من باب التأكيد.

السؤال68 قول ابن المديني في كثير من الرواة أحيانًا في تراجم "التهذيب" يقول: وقال ابن المديني: إنه من الطبقة الثانية، أو الثالثة، من أصحاب نافع. هل أصحاب نافع لهم شرط خاص؟

ص: 63

الجواب: أصحاب نافع، وأصحاب الزهري، وأصحاب قتادة، وأصحاب الحفاظ المشاهير، كلهم طبقات، الطبقة الأولى هى أرفع طبقة، والطبقة الثانية، إلى الطبقة الخامسة والسادسة والسابعة، هكذا أصحاب الزهري، ومن أحسن المراجع الموجودة هى "شرح علل الترمذي" لابن رجب المجلد الثاني، فقد ذكر ابن رجب أصحاب نافع وطبقاتهم، وأصحاب الزهري وطبقاتهم، وأصحاب علقمة وطبقاتهم، حتى طبقات ابن مسعود.

السؤال69 مسألة الطبقات: هل اتفق العلماء على اصطلاح واحد في الطبقات؟

الجواب: ليس متفقًا عليها، حتى في الصحابة أنفسهم منهم، من يجعل البدريين طبقة، والسابقين طبقة، وأهل بيعة الرضوان طبقة، وهكذا، فليس متفقًا عليها، لكن المؤلف يعرف اصطلاحه من مقدمة كتابه.

السؤال70 هل ترتيب الطبقات على حسب العمر أم على حسب التوثيق؟

الجواب: أما طبقات أصحاب الزهري فعلى حسب التوثيق، وكذلك أصحاب نافع وأصحاب قتادة، وغيرهم، أما الطبقات التي سأل عنها أخونا عبد المحسن فعلى حسب العمر، فينبغي أن يعرف هذا. على أنّهم ليست لهم قاعدة مطردة في الطبقات، فمنهم من يجعل الصحابة طبقات،

ص: 64

ومنهم من يجعلهم طبقةً واحدة ولا مشاحة في الإصطلاح.

السؤال71 شعيب بن أيوب بن زريق (صدوق يدلس) كما في "التقريب"، قال فيه أبوداود:(إني لأخاف الله في الرواية عن شعيب)، وأنا أسأل لو أن هذه المقالة بمفردها على أي اتجاه أضعها؟

الجواب: هذه العبارة بمفردها معناها تضعيف الراوي (التي هي عبارة أبي داود) والظاهر أنّها بمنْزلة (متروك) عند أبي داود.

السؤال72 قول أبي حاتم في بعض الرواة: من (عتّق الشيعة)، ماذا يقصد؟

الجواب: يقصد أنه من متشدديهم، كما يقولون:(شيعيّ جلد).

السؤال73 إذا ذكر ابن حبان الرجل في كتابه "الثقات" وذكر من روى عنهم، ومن رووا عنه، وقال:(وهو مستقيم الحديث)، أو قال:(وهو في الحفظ كالأثبات)، هل هذه العبارات يعمل بها كتوثيق؟ وقد وجدت الحافظ في "التقريب" يعمل بها؟

الجواب: وهكذا عبد الرحمن المعلمي في كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، هو أيضًا يعمل بها، والذي يظهر أنه إذا تفرد ابن حبان، أنّ في النفس شيئًا، أما المعلمي فيقول: يكون في النفس شيء فقط إذا ذكر الرجل في كتابه "الثقات" يذكر الرجل فيقول: فلان بن فلان، فيقول العلماء: وذكره ابن حبان في "الثقات"، أما إذا

ص: 65

قال: (مستقيم الحديث)، أو قال:(ثقة)، أو كذا، فهذا يقول: يعض عليه بالنواجذ، ويقول: وهو ليس بدون غيره في هذا. لكن ينظر في هذا.

السؤال74 ابن المديني رحمه الله تعالى قال في طلحة بن أبي سعيد الاسكندراني: (معروف)، فهل لذلك معنى فوق رفع الجهالة؟

الجواب: فيها معنى رفع الجهالة، ويحتمل أن يكون معروفًا ثقة، أو مخلطًا أو معروفًا كذابًا، فالعبارة فيها رفع الجهالة، ولا يرتفع إلى مرتبة الاحتجاج، ويعتبر به.

السؤال75 في ترجمة عبد الله بن داود بن عامر الهمداني، قال ابن عيينة:(ذاك أحد الأحدين)، و (ذاك شيخنا القديم)، ففي أي المراتب قوله الأول؟ أفي معنى: ثقة ثبت، أم في معنى: ثقة؟

الجواب: الظاهر أنّها توثيق، لكن رتبتها الله أعلم.

السؤال76 قولهم في الرجل: (ليس بثقة في حديثه)، هل هو مثل قولهم:(ليس بثقة)؟ وأن (ليس بثقة)، تعني في دينه، و (ليس بثقة في حديثه)، تعني في حفظه؟

الجواب: الذي يظهر أن: (ليس بثقة في حديثه) أنه يدخل عليه الخطأ، وهو لا يدري: كما تقدم لنا أن يحيى بن سعيد القطان يقول: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث.

السؤال77 قولهم في الرجل: (حسن الحديث)، هذه المسألة كنت أردت

ص: 66

أن أستفسر فيها أكثر، فهم قد ذكروا في كتب المصطلح: أن قول العلماء في الرجل: (حسن الحديث)، و (صالح الحديث) أن هذا من مراتب الاستشهاد، وأنت في مقدمة الكلام قلت: إن هذا يحتج به، وأنا أجد كثيرًا من قول أبي حاتم وغيره: فلان (صالح)، قيل: يحتج به؟ قال: لا، يكتب عنه ولا يحتج به. وكذلك غير أبي حاتم؟

الجواب: الذي يظهر لي أن من قيل فيه: (حسن الحديث) يحسّن حديثه، وأما من قيل فيه (صالح)، فيصلح في الشواهد والمتابعات، كما في "تدريب الراوي" وقد تقدم أن أبا حاتم لا يرى الحسن حجة.

السؤال78 عبد الله بن عثمان بن أبي مسلم الخراساني، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال:(يعتبر حديثه إذا روى عن غير الضعفاء)، فلماذا يخصص هذا؟

الجواب: معناه: أنه لا يتحرى في الأخذ.

السؤال79 قولهم في الرجل: (يستضعف)، هل هو في مرتبة (لين الحديث)؟

الجواب: الذي يظهر أنه في مرتبة (لين الحديث)، وكلمة:(يستضعف)، أحسن حالاً من كلمة:(ضعيف). والله أعلم.

السؤال80 أبوداود يشترط أن يروي عن ثقة عنده، كما ذكره الآجري وغيره، هل ذلك في "السنن" خاصة أم في السنن كلها؟ فقد

ص: 67

كنت أظن أنه في "السنن" خاصة، حتى قال الحافظ ابن حجر في ترجمة عبد الله بن محمد بن يحيى الخشاب الرملي:(مقبول)، ولم يوثقه أحد، غير أن أبا داود وجماعة رووا عنه، وقال ابن القطان وغيره:(مجهول الحال)، والرجل روى له أبوداود في "المراسيل"؟

الجواب: أما من حيث الواقع فالذي وجد في "سنن أبي داود" أن فيها روايات عن مجاهيل وعن ضعفاء، بل روى أبوداود في "سننه" حديثًا من أحاديث جابر بن يزيد الجعفي-الظاهر أنه في سجود السهو (1) - وقال: ليس لجابر في كتابي غير هذا، فأبوداود إذا قال بهذا فهو لم يوف بشرطه، فقد قال أبوداود: وما سكتّ عنه فهو صالح. ووجدناه سكت عن أشياء، وجاء الحافظ المنذري وبيّن ضعفها، ثم جاء الحافظ ابن القيم وبيّن ما لم يبينه أبوداود ولا المنذري، ولا يزال المجال مفتوحًا للباحثين في "سنن أبي داود"، وكذلك رواية أبي داود مباشرة عن الشخص لا تكفي، فكم من محدث قيل عنه: إنه لا يروي إلا عن ثقة، ثم تجده قد روى عن ضعيف، وعن مجهول، كما في "الصارم المنكي في الرد على السبكي".

السؤال81 هل يعني أبوداود في كلمته (صالح) أنه صالح للاحتجاج، أم أنه صالح للشواهد والمتابعات؟

الجواب: الظاهر أنه عنى هذا وهذا، فمنه ما هو صالح للحجية ومنه

(1) كتاب "السنن" برقم (1036).

ص: 68

ما هو صالح للشواهد والمتابعات، وقد وجدناه سكت عن أحاديث في "الصحيحين"، وأحاديث تصلح في الشواهد والمتابعات، وأحاديث ضعيفة.

السؤال82 أبوداود إذا وثق مشايخه هل يقبل منه؟

الجواب: أبوداود كغيره، الراوي إذا وثّق شيخه أيقبل منه أم لا يقبل؟ لا يقبل، لأنه يجوز أن يكون ثقةً عنده، وغير ثقة عند غيره، كما ذكر في "فتح المغيث" عن الأئمة رحمهم الله تعالى، ومنهم من قبل هذا. والصحيح أنه لا يقبل.

السؤال83 الإمام العراقي عقد مقارنةً بين قول المحدث: (حدثني الثقة)، وبين قوله:(أنا أشترط أن أروي عن ثقة)، فالحافظ العراقي رجح أن الاشتراط، أرجح من قوله: حدثني الثقة، فتعقبه السخاوي رحمه الله تعالى وقال: أبدًا الصورة الثانية أولى، لسبب وهو احتمال أنه اشترط هذا الشرط مؤخرًا، ولم يتميز لنا مشايخه الأولون من المتأخرين، أو يذهل عن القاعدة، ومن هنا رجح أن من قيل فيه:(حدثني الثقة) أولى من الذي يشترط، والحافظ يترجم لمثل هذه المسائل -خاصة الثانية- بمقبول؟

الجواب: لا أعلم إلا هذا -أي-: أنه مقبول يصلح في الشواهد والمتابعات، ولا يكفي سواءً قال حدثني الثقة، أم قال: أنا لا أروي إلا

ص: 69

عن ثقة، فلا بد من البحث عما قال غيره، لأنه يجوز أن يكون ثقةً عنده، ضعيفًا عند غيره كما تقدم.

السؤال84 إذا قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه في رجل: سألت أبي عنه فقال: (ثقة)، جاء أبوطالب فقال: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: (ضعيف)، هل أرجح رواية ابنه عنه على رواية الآخر لأن ابنه ملازم له، لوجوه الترجيح المعروفة؟ أم أجمع بينهما وأقول: صدوق؟ وأريد أن يكون السؤال أعم من هذا مع بقية العلماء، مثلاً في ابن معين، لو تعارض مثلاً إسحاق بن منصور مع غيره وفلان بن فلان، فإذا كان في هذه المسألة فائدة، فأفدنا بارك الله فيك؟

الجواب: هذه المسألة ذكرها صاحب "فتح المغيث" ويقول: إنّها تحتمل أمرين: إما أن يكون سئل عنه مقرونًا بحافظ كبير فقال: (ليس بشيء)، أي بالنظر إلى ذلك الحافظ الكبير، وإما أن يكون تغير اجتهاده في الشخص، يقول السخاوي: فينبغي أن ينظر في هذا، وذكر أمثلة لهذا، لرواة سئل عنهم يحيى بن معين مقرونين فضعفهم بالنسبة إلى الحافظ الكبير، وسئل عنهم بمفردهم فوثقهم، هذا، وفي غير النسبي، إما أن يكون تغير اجتهاده، وإما أن يكون بالنسبة إلى غيره، ولا بد أن نعرف حال الثاني، نحن الآن نعرف

ص: 70

عبد الله بن أحمد وملازمته لأبيه، فلا بد من معرفة حال الثاني، فقد يكون أوثق ولو لم يلازمه، فالأولى التوقف في هذا الراوي.

السؤال85 ذكروا قاعدة ابن خزيمة وتلميذه ابن حبان في توثيق المجاهيل، وألحق السخاوي رحمه الله تعالى الدارقطني والبزار أنه يوثق الرجل إذا روى عنه اثنان، فهل الترجمة التي ليس فيها إلا توثيق البزار وتوثيق الدارقطني -وهذا أمر رأيته في "التقريب" ولكن لا أذكر صاحب الترجمة- الرجل وثقة الدارقطني، ومع ذلك الحافظ اعتبره وقال عنه:(مقبول)، فأنا كنت قد كتبت في الحاشية قلت: كيف وقد وثقه الدارقطني؟! ثم لما رجعت وقرأت كلام السخاوي جعل الدارقطني ممن يقول بمقالة ابن حبان وابن خزيمة، فماذا ترى؟

الجواب: أما البزار فقد عرف تساهله، وأما الدارقطني فيحتاج إلى دراسة والله أعلم. والحاكم متساهل في تصحيح أحاديث المجهولين فقد ذكر في "المستدرك" بعد حديث أبي هريرة:((من لا يدعو الله يغضب عليه)) قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فإنّ أبا صالح الخوزي، وأبا المليح الفارسي، لم يذكرا بالجرح، إنما هما في عداد المجهولين.

السؤال86 قولهم في الراوي: (ثقة صحيح الكتاب إلا أن في حفظه لينًا)، ثم وقفت على حديث لم أدر أهو من حفظه أم من كتابه، هل يكون مثل:(ثقة له أوهام)، ويحتج به ما لم يخالف أم ماذا؟

ص: 71

الجواب: نتوقف إذا كنا لاندري أحدث به من حفظه، أم حدث به من كتابه، وبعض الرواة يذكرون أنه حدثه من كتابه، وإلا فنتوقف فيه، لكن إذا حدث وصححه غيره من المعتبرين ولم ينتقد فهذ يدل على أنه حدث بهذا الحديث من كتابه، والله أعلم.

السؤال87 في ترجمة عبد الله بن يزيد المخزومي المقرئ، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: ثقة، فقيل له: حجة؟ قال: إذا روى عنه مالك، ويحيى بن أبي كثير، وأسامة فهو حجة، والرجل قد روى عنه غير من ذكر، والسؤال: هل رواية من سماهم أبوحاتم مقدمة عمن دونهم لأنّهم تحملوا عنه زمن الاستقامة؟ غير أنني لم أقف على قول لأحد بأن عبد الله بن يزيد قد اختلط، كونه لم يتكلم فيه أحد باختلاط، والحافظ أبوحاتم يقول: إذا روى عنه فلان وفلان وفلان أحاديثه مستقيمة، ما معنى ذلك؟

الجواب: معناه: أنّهم ينتقون من أحاديثه ما يظهر لهم ثبوته، والله أعلم.

السؤال88 الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أحيانًا إذا روى عن الرجل واحد ثقة أو أكثر، نقول مثلاً: ثلاث ثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات" لم يزد، لم يقل:(مستقيم الحديث) أو نحوه، قال: وذكره ابن حبان في "الثقات"، أحيانًا يترجم لهذا الرجل بـ (مقبول) وأحيانًا يترجم له بـ (مستور) أما إذا روى عنه واحد

ص: 72

فأحيانًا يترجم لمن هذا حاله بـ (مجهول) وأحيانًا يقول: (مقبول)، فأنا من خلال استقرائي للكلام نظرت ووجدت أن الحافظ يقول للرجل الذي روى عنه واحد وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال عنه:(مقبول)، وجدت أن الرجل الذي روى عنه هذا الراوي أنه من المشاهير، ووجدت أن الذي يقول فيه:(مجهول)، أن الرجل عدل وليس من المشاهير -أي الذي روى عنه- ومثلها في الذي يقول في:(مستور) و (مقبول) فالذي يقول فيه: (مستور) الرواة عنه مشاهير؟

الجواب: الحافظ نفسه رحمه الله تعالى -كما تقدم- يحتاج في العبارات إلى تتبع في كتابه "تقريب التهذيب" وقد تتبعنا -كما تقدم- عشرة عشرة من بعض الحروف. ونحن قدر تسعة نفر أو عشرة نفر، وأمر كل واحد منا أن يتتبع عشرة ممن قال فيهم الحافظ:(مقبول) فوجدنا بعضهم يستحق رتبة (ثقة)، وبعضهم يستحق رتبة (صدوق) وبعضهم يستحق (مقبولاً) -على اصطلاح الحافظ- وبعضهم يستحق (مجهول الحال)، فلا بد من رجوع إلى "تهذيب التهذيب" و"ميزان الإعتدال" وغيرهما من كتب الرجال ويحكم عليه بما يستحقه.

السؤال89 أليست رواية المشاهير ترفع من شأن الرجل عن رواية الآخرين، وإن كانوا عدولاً وليسوا بالمشاهير؟

الجواب: ترفع من شأنه، لكن الحافظ في "التقريب" يحتاج إلى تتبع،

ص: 73

فلا يرجع إليه إلا عند العجز.

السؤال90 قولهم في الرجل: (ثقة)، وقولهم في الرجل:(يحتج به)، أرى أن قولهم (ثقة) أعلى من قولهم: يحتج به، لأنّها تخصيص درجة عليا؟

الجواب: تختلف عباراتهم، وقد سئل عبد الرحمن بن مهدي عن أبي خلدة وقد حدث عنه، فقيل له: أكان ثقةً؟ فقال: كان صدوقاً وكان مأمونًا، الثقة شعبة وسفيان. كما في مقدمة "الجرح والتعديل".

والذي يظهر أن الحجة أرفع من ثقة، وينظر في القائل: بعضهم يطلق الثقة على أنزل من حجة.

وأما (يحتج به) فالظاهر أن ما قلته صحيح، أن (الثقة) أرفع من قولهم: يحتج به لأنه قد يحتج بالثقة وقد يحتج بالصدوق.

السؤال91 عند تعارض كلام أهل الجرح والتعديل في رجل، فنرجع إلى الجمع والترجيح، فمثلاً من وجوه الترجيح أن أحد الأئمة يكون له المرجع في الكلام على أهل بلد ما، كابن يونس في أهل مصر والمغرب، كما قال الحافظ في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، والمطلوب منكم -بارك الله فيكم- أن توضحوا لي من كان بهذا السبيل في بقية البلدان؟

الجواب: يقولون: إن بلدي الشخص أعرف به وبحاله، ويقدمونه على غيره، بل الغريب إذا أتى إلى بلد ربما يتزين له المحدث ويحدثه

ص: 74

بأحاديث صحاح، فيحكم عليه من ضمنها، كما ذكروا هذا في بعض من يوثقه يحيى بن معين ويضعفه أهل بلده، ويقولون أهل بلده أعرف به، ربما تزين ليحيى بأحاديث وحدثه بها فوثقه يحيى. ومما أذكره الآن دحيم في أهل الشام.

السؤال92 قال الجريري في عبد الله بن واقد أبي قتادة الحراني قال: (غيره أوثق منه). قال الحافظ: وهذه العبارة يقولها الجريري في الذي يكون شديد الضعف، وأحيانًا أجد غير الجريري يقولها، كما قالها الحربي في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فهل له نفس الحكم أم أنه اصطلاح خاص بالجريري لتصريح الحافظ بذلك؟

الجواب: الذي يظهر أنه اصطلاح خاص بالجريري.

السؤال93 هل هناك فرق بين قولهم: فلان (يعتبر حديثه)، وفلان (يعتبر بحديثه)؟

الجواب: فلان (يعتبر حديثه) أي: ينظر فيه، وفلان (يعتبر بحديثه) أي: يصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال94 في كثير من التراجم أجد أن الحافظ ابن حجر لا يبني على ما يذكره ابن خلفون، وابن شاهين في "الثقات" كبير حكم. يقول: ذكره ابن شاهين في "الثقات"، أو ذكره ابن خلفون في "الثقات"، ومع ذلك إذا جاء يترجم له في "التقريب" مثلاً قال: مقبول، فهل هناك في توثيق هؤلاء شيء؟

ص: 75

الجواب: ابن شاهين أعرف أنه هو نفسه من المتساهلين. وأما ابن خلفون فلا أذكر شيئا، ولكن صنيع الحافظ الذى ذكرته دليل على أنه من المتساهلين.

السؤال95 قولهم في الرجل: (كان طلابة)، كما قال عيسى بن يونس في عبد الرحمن بن مغرا، هل في منْزلة قولهم:(شيخ) أم بمنْزلة قولهم: (صدوق)؟

الجواب: الذى يظهر أنّها أرفع من قولهم: (شيخ)، ومعناها أنه كثير الطلب، ونرجع إلى ما تقدم قبل، أنه إذا اشتهر بالطلب وما جرح فإن حديثه يقبل.

السؤال96 قول يعقوب بن شيبة في عبد العزيز بن رفيْع: (يقوم حديثه مقام الحجة)، الراجح أنه بمنْزلة صدوق فماذا ترون؟

الجواب: الذي يظهر أن هذه العبارة تدل على أن المترجم له ثقة، أو أرفع، وعبد العزيز بن رفيع هو ثقة أو أرفع من ثقة.

السؤال97 عبد المتعال بن طالب الأنصاري وثقه ابن معين وغيره، وذكر ابن عدي في "الكامل" أن عثمان الدارمي سأل ابن معين عن حديث عبد المتعال هذا عن ابن وهب فقال: ليس هذا بشيء، فأجاب الحافظ في "التهذيب" بقوله: وهذا أمر محتمل لا يوجب تضعيف الرجل، وجْه سؤالي: ألا يوجب تضعيفه في هذا الحديث لمّا قال: ليس بشيء؟

ص: 76

الجواب: الذي يظهر أنه يؤخذ قوله كما هو إذا روى عن ابن وهب ضعّف، وإذا روى عن غيره قبل.

السؤال98 ما الفرق بين قولهم: فلان (رحّال)، أو (جوّال)، وبين قولهم:(فلان معروف) هل لفظة (رحّال) أو (جوّال) دلالة على الشهرة بالطلب أما العدالة في الدين فمسكوت عنها، وقولهم:(معروف)، أي أنه معروف في دينه، أما في حديثه فلا يعرف، أم أن الجميع بمعنى؟

الجواب: (رحّال) يكون أشهر، وكذلك (جوال)، وهو يحتاج إلى معرفة العدالة والضبط، و (معروف)، تقدم أنه يصلح في الشواهد والمتابعات إذا لم يوثق. والله أعلم.

السؤال99 الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة "لسان الميزان" أن الذهبي قال -هو عزاه إلى ترجمة أبان بن يزيد العطار، لكن النسخة التي عندنا ليس فيها هذه الكلمة-:(إذا وضعت علامة صح أمام الترجمة دلالة على أن العمل على توثيقه)، لكن يوجد بعض الناس أصلاً وقع فيهم كلام شديد من العلماء: هذا متروك، هذا يسرق الحديث، هذا كذا، فهل يعتمد على كلمة (صح) هذه أن العمل على توثيقه، أم تحتاج إلى بحث؟

الجواب: لا بد من نظر، لأن (صح) فيها اجتهاد الحافظ الذهبي رحمه الله، ثم إن هذه النسخ التي بين أيدينا يدخلها التحريف.

ص: 77

السؤال100 قولهم: فلان (غمزوه)، أو: فلان (مغموز)، هل فيها شيء من الاتّهام؟

الجواب: الذي يظهر أنه سقط حديثه عن الحجيّة، يستشهد به. مثل ما تقدم لنا: إن شهرًا نزكوه، إن شهرًا نزكوه، إن شهرًا نزكوه، أي: تكلموا فيه.

السؤال101 قولهم في الرجل: فلان (محله محل الأعراب)، ما معناه؟

الجواب: معناه أنه ليس من أهل الحديث.

السؤال102 لكن في ترجمة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قالوا: (إسناد أعرابي) فماذا يعنون؟

الجواب: يعنون أن حديثهم ليس بالعمدة، على أنه قد اختلف في هذه السلسلة، فمنهم من يحسّنها. ومنهم من يراها أنزل من الحسن، على أن بهزًا قد توبع على أكثر أحاديثه كما في "المسند" وقد اخترت في "الصحيح المسند" و"الجامع الصحيح" طريقاً إلى هذه الصحيفة من غير طريق بهز.

السؤال103 قول يحيى بن سعيد في الحسن بن صالح بن صالح ابن حي الفقيه قال: (لم يكن بالسّكة)، كان يخرج على الولاة، وقوله أيضًا:(لم يكن بالسّكة مثله)، ما معنى كل منهما، وما الفرق بينهما؟

الجواب: السّكة كلمة تطلق على الطريق وتطلق على العملة، فالظاهر

ص: 78

أنه ما كان خالصًا، لأن به شيئًا من البدعة وهى: الخروج على الأمراء، وأيضًا ترك الجمعة. فمن وثّقه فلصدق لسانه، ومن جرحه فلبدعته. وقوله:(ليس في السكة مثله) أي: ليس يعتمد عليه، والصحيح أنه صدوق اللسان، صاحب بدعة فتقبل روايته التي لم تكن موافقةً لبدعته، وتجتنب بدعته وهو من رجال مسلم.

السؤال104 قولهم في الرجل: فلان (ليس بمحمود)، هل هو في مرتبة الشواهد والمتابعات أم في مرتبة الرد؟

الجواب: الذي يظهر من هذه العبارة أنه يصلح في الشواهد والمتابعات. على أنه قول مبهم، فيحتمل أنه مبتدع ويحتمل أنه سيء الحفظ. والله أعلم.

السؤال105 قول أبي داود في حماد بن يحيى الأبحّ: (يخطئ كما يخطئ الناس)، هل هو بمنْزلة صدوق، ويكون خطؤه محتملاً لروايته الأخرى أو لغير ذلك، ويكون قول أبي داود رافعًا له، أم أنه بمنْزلة (صدوق يخطئ)؟

الجواب: الذي يظهر أن حديثه ما ينْزل عن الحسن، إلا أن يكون الحديث من أخطائه مثل حديث:((مثل أمّتى كمثل المطر لا يدرى أوّلها خير أم آخرها))، فهذا الحديث جاء من حديثه وهو من جملة أوهامه، لكن الحديث له طرق أخرى يرتقى بها إلى الحجية.

السؤال106 في حديث ذكره الحافظ الذهبي في "الميزان" وهو في

ص: 79

الصحيح: ((من عادى لي وليًّا)) الحديث، من طريق خالد بن مخلد القطواني، يقول الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في "النهاية": فهذا حديث غريب جدًا، لولا هيبة "الجامع الصحيح" لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرّجه من عدا البخاري، ولا أظنه في "مسند أحمد"، وقد اختلف في عطاء فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار، فماذا تقولون في هذا الحديث؟

الجواب: الحديث الظاهر أنه صالح للحجيّة، ونقول فيه ما قاله الحافظ الذهبي، وقد ذكر له الحافظ شواهد، وكذلك الشيخ ناصر الدين الألباني.

السؤال107 قول الحاكم وابن أبي زرعة في خلف بن محمد الخيام قالا: (كتبْنا عنه ونبرأ من عهدته، وإنما كتبنا عنه للاعتبار). فهل في قولهم: (نبرأ من عهدته) شيء من الاتّهام؟ أم أنه في مراتب الاستشهاد كما قالوا: وإنما كتبنا عنه للاعتبار؟

الجواب: الذي يظهر أنّهما كتبا عنه وليسا متأكدين من ثقته أو جرحه، ولم يعتمدا عليه، وقد أطلقا مثل هذه العبارة، فقد كان ابن خزيمة يقول في عبّاد بن يعقوب الرواجني: حدثني عبّاد بن يعقوب الصدوق في روايته، المتهم في دينه. ثم ترك الرواية عنه، وكذا القاسم السيّاري كان

ص: 80

يروي عن محمد بن موسى بن حاتم القاشاني ويقول: (أنا أبرأ إلى الله من عهدته)، فالذي يظهر أن معنى كلامهم: نحن لا نعتمد عليه وكتبنا عنه للنظر في حديثه.

السؤال108 في ترجمة الربيع بن حبيب المصرى وثقه أحمد وابن معين وابن المديني. وقال الدارقطني: (لا يترك)، قال الذهبي: فقول الدارقطني ليس بتجريح له. أي ليس فيه تجريح له، ومعلوم أن الرجل -أصلاً- إذا قيل فيه: لا يترك ليس معنى ذلك أنه يكون حجة، فأنا أسأل هل هذه العبارة من الدارقطني تعني (ثقة)، أم أنّها بالمعنى المعروف؟

الجواب: فيها شيء من التجريح وليس تجريحًا مطلقًا -أي عبارة الدارقطني-.

السؤال109 قولهم في الرجل: (ذهب حديثه)، أجدها غالبًا تقال في المتروك أو المتهم، بمعنى: أنّ الراوي إذا كان كذلك تركه الناس، وتركهم له يؤدي إلى ذهاب حديثه، لكن وقفت على قول ابن المديني في روح بن أسلم الباهلي قال:(ذهب حديثه)، وفسره محمد بن عثمان بن أبي شيبة بأنه ضاع، فهل يحمل قول ابن أبي شيبة على ما سبق، وأن سبب ضياعه سكوت الناس عنه؟ أم أنّها ليست عبارة تجريح؟

الجواب: المعنى: أنه ترك حديثه إلا أن يفسر بأنه ضاع.

ص: 81

السؤال110 قولهم في الرجل: (جائز الحديث) أيستشهد به؟

الجواب: الظاهر أنه يصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال111 قولهم: (فلان يستدل به)، كنت أظن أن أقل أحواله (صدوق) حتى قال أحمد بن حنبل في صالح بن أبي الأخضر:(يستدل به، يعتبر به)، قال ذلك جوابًا عن سؤال: أيحتج به؟

الجواب: نخشى أن يكون معناها عند قائلها غير معناها عند الإمام أحمد، وإذا أطلقت فالظاهر أنّها بمعنى يصلح للاستدلال بحديثه، أي يكون مقبولاً وهذا عند غير الإمام أحمد، أما هو فقد فسّر قصده أنه يصلح للاعتبار.

السؤال112 في ترجمة العباس بن الحسن الخضرمي قال أبوعروبة: (كان في رجله خيط)، فما معنى ذلك؟

الجواب: بعض العبارات لا تعد جرحًا، وهذه العبارة لا أعلم معناها، فقد يكون المجيب متشددًا مثل شعبة عندما سئل عن شخص فقال: رأيته يركض على برذون. ومثل حماد بن سلمة إذ ذكر عنده راو، فامتخط فعدّه من رأوه جرحًا، ويجوز أنّ حمادًا امتخط لأن به مخاطًا. ويجوز أن يكون قول أبي عروبة هروبًا من الجواب -أي حاد عن الجواب-.

السؤال113 هل هناك فرق بين قولهم: (فلان لا يحتج به)، وقولهم:(فلان لا يجوز الاحتجاج به)؟ لأن الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قال في

ص: 82

ترجمة علي بن محمد بن عيسى الخياط: واتّهمه ابن يونس فقال: لا يجوز الاحتجاج به. فهل تحمل الثانية على التهمة؟

الجواب: الظاهر من التعبير فقط أن قولهم: لا يجوز الاحتجاج به أبلغ في تضعيفه، وأن قائلها متثبت، أكثر من قولهم:(لا يحتج به)، ولا نستطيع أن نحكم على هذه اللفظة أنّها تؤدي إلى معنى (متهم) لأننا لم نطلع على كلام ابن يونس وهو في "تاريخ مصر"، والله أعلم.

السؤال114 قولهم: (فلان آية من الآيات) أو (فلان آية)، أراهم يطلقونها غالبًا في الحافظ، فهل لها معنًى غير ذلك؟

الجواب: لا أعلم إلا أنّها تدل على تثبته وعلى منْزلتة الرفيعة.

السؤال115 في ترجمة القاسم بن داود البغدادي قالوا عنه: (طير غريب) أو (لا وجود له)، انفرد عنه أبوبكر النقاش ذاك التالف، كذا قال في "الميزان"، فهل معنى (طير غريب) أنه مجهول؟

الجواب: معناه أنه ليس بمعروف، ثم بعد ذلك إما أن يكون ليس بمعروف، أو أنه لا وجود له لأن أبا بكر النقاش هو متكلّم فيه واسمه محمد بن الحسن، وله تفسير اسمه "شفاء الصدور" يقول اللالكائي: ينبغي أن يسمى (شقاء الصدور) بالقاف بدلاً من الفاء -وليس "شفاء الصدور".

السؤال116 في ترجمة محمد بن السائب الكلبي المفسر النساب الأخباري: قال الثوري: اتقوا الكلبي. قالوا: إنك تحدث عنه. فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه. والسؤال هنا: هل رواية

ص: 83

الثوري عنه معتمدة؟ وإذا كانت معتمدة فكيف الجمع بين هذا وبين قولهم: ومن كذب في الرواية مرة فترد رواياته كلها حتى وإن تاب؟

الجواب: الرواية، هم يروون عن الراوي لأحد أمور ثلاثة: إما للاحتجاج به، وإما لبيان حاله وهو تالف، وإما للنظر في حديثه، فرواية الثوري لا تدل على أن الكلبي ثقة أو أنه يجوز الاحتجاج به، والكلبي أيضًا كذاب لا يجوز الاحتجاج به.

السؤال117 يجرنا هذا إلى ما ذكروه في إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس من أنه يكذب -كما في ترجمته من "التهذيب"- ولم يدفع ذلك الحافظ، ولكن حمله على أن ذلك كان في شبيبته، قال: ولعله قد تاب، وهذا يخالف ما ذكرته من أن الذي يكذب في الحديث ترد رواياته كلها، وإن تاب، فكيف الجمع؟

الجواب: أما إسماعيل بن أبي أويس فالظاهر أنه لم يثبت كذبه، وهو ضعيف، والدليل على أنه لم يثبت كذبه أن البخاري -رحمه الله تعالى- انتقى من حديثه. وقد قيل للبخاري: لم رويت عنه؟ قال أخرج إليّ كتابه فانتقيت منه، وكان إسماعيل بن أبي أويس يفتخر ويقول: هذه الأحاديث انتقاها محمد بن إسماعيل البخاري. يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في ترجمته في "الفتح": فعلى هذا لا يحتج بإسماعيل خارج "صحيح البخاري". ولو كان كذابًا ما جاز للبخاري أن ينتقي من أحاديثه، وأما الضعف فهو

ص: 84

ضعيف، والدليل على هذا قول البخاري حيث قيل له: لم رويت عنه؟ فقال: إنني انتقيت من حديثه. وذكرت شيئًا: يقول يحيى بن معين: آل أبي أويس كلهم ضعفاء. فانتقد على يحيى بن معين، حيث إن عبد الحميد بن عبد الله بن أويس أبا بكر هو ثقة، وقد وثّقه يحيى بن معين نفسه، وإسماعيل ضعيف ووالده عبد الله ضعيف، لكنْ أخو إسماعيل عبد الحميد ليس بضعيف بل هو ثقة أو صدوق.

السؤال118 في ترجمة ابن عائذ الدمشقي قال أبوداود: (هو كما شاء الله)، ففي أي المراتب؟

الجواب: هذا تليين فيه، ولكن الله أعلم في أي المراتب.

السؤال119 قولهم في الرجل: (فلان لا يتعمّد الكذب)، وقولهم:(فلان أظرف من أن يكذب)، أرى أن قولهم:(أظرف من أن يكذب) أرفع من قولهم: (لا يتعمّد الكذب)، فماذا ترى؟

الجواب: الأمر كما قلت، (لا يتعمّد الكذب) معناه أن الكذب يجري على لسانه من غير تعمّد. وبسبب ضعفه في الحديث، وعدم إتقانه لعلم الحديث يجري على لسانه الكذب، أما ذلك الآخر الذي هو:(أظرف من أن يكذب) فليس فيه إثبات الكذب عليه.

السؤال120 قولهم: (حدّثونا عنه)، هذه عبارة كثيرًا ما يذكرونها، ومن خلال استقرائي لها وجدتّهم يقولونها في:(المتروك) أو (المتهم).

ص: 85

يقولون: (حدثونا عنه)، والرجل كل الأقوال فيه سيئة؟

الجواب: يستفاد تضعيفه من العبارات الأخرى التي ذكرتها، وأما قولهم:(حدثونا عنه) فهي لا تفيد تضعيفه، ولا توثيقه، بل هي إلى تليين أمره أقرب والله أعلم.

السؤال121 قولهم في الرجل: فلان (كان من الناس)، ما معنى هذا القول؟

الجواب: الظاهر أن هذه من تلك العبارات التي تقدمت، مثل:(رأيت برجله خيطًا) و (هو مسلم)، وسئل عن آخر فقال:(هو مسلم) أو (ممن يقول: لا إله إلا الله)، فالظاهر أن المسئول يحيد، لأنه قد يحتاج في بعض الأوقات إلى الحيدة، قد يسألون عن شخص يخافون من ضرره أو عن شخص يلتبس أمره، أو غير ذلك، فيقولون مثل هذه العبارات، كعبارة الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في أبي حنيفة، يقول:(فقيه مشهور) وهذه عبارة ما ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة "تقريبه"، فما هو إلا من باب الحيدة، لأن الحنفية كان أمرهم قويًّا، فلم يستطع الحافظ أن يتكلم بما يرى أنه الحقّ، وقبل هذا كان الحنفية في الغالب يأخذون القضاء. ويستطيعون أن ينفّذوا ما يريدون. فالحافظ يقول فيه:(فقيه مشهور)، والله المستعان.

ولنا بحمد الله كتاب مطبوع بعنوان "نشر الصحيفة في كلام أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة".

ص: 86

السؤال122 قولهم: (فلان كان من العوام) أو (فلان من العوام) أهي مثل قولهم: (كان من الناس)؟

الجواب: قولهم: (من العوام)، يدل على أنه ليس من أهل العلم، ولا من أهل الضبط.

السؤال123 قولهم: (فلان يأخذ من كل أحد)، وأيضًا:(فلان حاطب ليل)، هل بين هذين القولين فرق؟ وما معنى قول مطين في محمد بن أبي شيبة:(عصا موسى تلقف ما يأفكون)؟

الجواب: الظاهر أنّها بمعنى واحد، وقول مطين في محمد تحمل على الجرح لأنه يتكلم على محمد بن أبي شيبة، ومحمد يتكلم في مطين، ولا يقبل كلامهما في بعضهما لأنه من كلام الأقران.

فائدة حول رواية الأقران:

جرح الأقران أثبت من غيرهم، لأنّهم أعرف بقرنائهم، فهي مقبولة إلا إذا علم أن بينهما تنافسًا وعداوةً سواء لأجل دنيا، أو مناصب، أو خطأ في فهم، ويريد أن يلزم الآخر بخطأ فهمه.

فينبغي أن تعلم هذا ولا تصغ لقول المبتدعة والحزبيين والديمقراطيين: أن كلام الأقران ليس مقبولاً على الإطلاق.

السؤال124 أنا لا أعني قول مطين فيه، هل ثابت فيه أم لا، ولكني أريد أن أعرف معنى الكلمة، التي هي:(عصا موسى، تلقف ما يأفكون)؟

ص: 87

الجواب: معنى الكلمة تؤدي إلى تضعيفه وأنه لا يحتج به وفيها إشارة أيضًا إلى الاتّهام وهي شبيهة بقولهم: (حاطب ليل).

السؤال125 الأخذ عن كل أحد متى يكون في الرجل عيبًا؟ ومعلوم أن الثوري من الذين يأخذون عن كل أحد؟

الجواب: إذا كان لا يميّز يكون عيبًا، والثوري ليس متفقًا عليه أنه كان يأخذ عن كل أحد، بل بعضهم يقول: إنه حتى التدليس لا يكثر منه، وإنه متثبت، فهو يعرف ما يكتب. وعليه فإذا كان الشخص يأخذ عن كل أحد ويعرف ما يكتب فلا يضر هذا، لأنه كما تقدم أن قلنا: إنّهم يكتبون عن الشخص لثلاثة أمور: للاحتجاج بحديثه، ولبيان حاله، وللاستشهاد به.

السؤال126 مسألة زيادة الثقة، أو ما أرسله أحدهم ووصله آخر، فيها بعض الأمور نحتاج إلى تفصيلها، إذا تعارضت الكثرة مع الحفظ فأيهما يرجّح؟ ومنها إذا كان الذي أرسله ثقة، والذي وصله اثنان كل منهما صدوق، هل تقدم الزيادة هنا أم ماذا؟ ومنها: أن الذي أرسل إمام مشهور، لكن الذي وصل إن كان دون الأول في التثبت إلا أن معه قرائن أخرى كملازمته للشيخ أو أنه من أهله، أو أنه صحيح الكتاب وغيرها من المرجحات الأخرى؟

الجواب: زيادة الثقة من الأمور التي اختلف فيها العلماء ولحذاق الحديث فيها مجال واختلاف، من حيث إن منهم من يقبل زيادة الثقة

ص: 88

ويقول: إنه علم ما لم يعلم غيره وحفظ ما لم يحفظ غيره، ومنهم من يردّها، ومنهم من يتوسط فيقبلها إذا لم يخالف من هو أرجح منه، أما إذا خالف من هو أرجح منه فيعد شاذًا، ومن هو أرجح منه سواءً أكان في العدد، أم كان في الضبط، أم غير ذلك، فنأتي بمثال من الأحاديث: حديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان جالسًا في المسْجد فجاء ذلكم الرجل الذي أساء صلاته فقال: السّلام عليك يا رسول الله. قال: ((وعليك السّلام ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ)) هذا الحديث يرويه يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، فجاء آخرون جمع كثير جدًا وخالفوا يحيى فرووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة فلم يذكروا أباه، خالف يحيى جمع كثير، وأراد الدارقطني أن ينتقده ثم هاب أن يوهّم يحيى بن سعيد القطان فقال: لعل الحديث روي على الوجهين.

فهذه المسألة مسألة اجتهادية، تنظر إلى صفات الرواة وإلى ضبطهم وإلى كثرتهم، فلو تعارض صدوق وصدوق، وثقة وثقة، فإذا لم يحصل لك ترجيح حملت الحديث على الوجهين أنه روي هكذا وهكذا، مثلاً: جاء مرسلاً ومتصلاً تحمله على أن الراوي رواه مرسلاً ومتصلاً، والمرسل صحيح، والمتصل صحيح، أو رواه مرفوعًا وموقوفًا، تحمله على هذا وهذا، إذا لم يظهر الترجيح، وإذا تعارض ثقة وصدوق مع ثقة مثلاً: الثقة أرسل، والثقة والصدوق وصلا الحديث، فيرجّح الثقة والصدوق.

بقي علينا لو اختلف ثقة حافظ وثقة وصدوق، يعني: هذا في

ص: 89

جانب، وهذان في جانب، أيهما يرجّح؟ الظاهر أنه يحمل على الوجهين.

والمسألة اجتهادية ليس فيها حكم مطّرد، هكذا يقول الحافظ في مقدمة "الفتح" فإن لحذّاق الحديث نظرات إلى زيادة الثقة، فرب زيادة يقبلونها، ورب زيادة يتوقفون فيها أو يردونها.

السؤال127 الحافظ في بعض التراجم التي يسوقها في "التهذيب" لا يذكر فيها أي قول من التجريح أو التعديل ويترجم لها في "التقريب": صدوق، فهل وقف على أقوال أخرى ولا سيّما أنه يذكر هذا فيمن يشير إليه بتمييز، هل شرطه في التمييز أن يختصر ترجمته في "التهذيب" ووقف على أقوال أخرى في الرجل فذكرها في "التقريب"؟

الجواب: يحمل هذا على أنه اعتمد على توثيق ابن حبان أو رواية، مثلاً الراوي عنه: حريز بن عثمان، أو الراوي عنه مالك ممن قيل إنه لا يروي إلا عن ثقة، فينظر في الرجال الذين رووا عنه، فلعله اعتمد على شيء من هذا.

السؤال128 إذا أرسل إمام حافظ مثل: اختلاف شعبة والثوري وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق في حديث: ((لا نكاح إلاّ بوليّ))، رجّحوا رواية إسرائيل قالوا في ذلك: إن شعبة تحمّل الحديث هو والثوري في مجلس واحد، والقصة تعرفونها، لكني أسأل لو أن شعبة خالف إسرائيل في حديث ما

ص: 90

في أبي إسحاق، شعبة معلوم، وإسرائيل له مزية في أبي إسحاق؟

الجواب: إذا لم يظهر الترجيح حمل الحديث على الوجهين، شعبة حافظ متقن ويتثبت، وأبوإسحاق مدلس، وذاك -إسرائيل- أعلم بحديث جده، فإذا لم يظهر الترجيح حمل الحديث على الوجهين.

الذي أردت أن أقوله: إنّهم لم يرجحوا رواية إسرائيل على سفيان وشعبة، لكون إسرائيل أرجح منهما، رجحوه لترجيحات عدة منها: أن رواية شعبة وسفيان كانت في مجلس واحد، وكانت من باب العرض، هما عرضا على أبي إسحاق: أحدثك أبوبردة كذا وكذا؟ قال: نعم، ومنها أن إسرائيل توبع، تابعه خلق كما ذكره الحاكم -رحمه الله تعالى- في "المستدرك" وكما ذكره الحافظ أيضًا في "النكت على ابن الصلاح".

السؤال129 معلوم أن من قيل فيه: (ضعيف) أن هذا من جهة حفظه، أما دينه فهو صدوق فيه. فكيف إذا قالوا:(فلان صدوق ضعيف الحفظ) هل يكون في منْزلة (ضعيف) أم في منْزلة: (صدوق سيء الحفظ)؟

الجواب: يكون في منْزلة وسطى بين (الصدوق) وبين (الضعيف)، ويصلح في الشواهد والمتابعات.

السؤال130 لو أن رجلاً قيل فيه: ضابط أو حافظ، ذكر السخاوي -رحمه الله تعالى- أن ذلك ليس فيه تعرّض للعدالة، وأننا نحتاح إلى بيان

ص: 91

العدالة، هل معنى ذلك أني لا أحتج بحديث رجل هذا وصفه حتى أبحث عن عدالته أو متابع له، على أن عبد الوهاب بن عبد اللطيف صاحب الحاشية التي على "التقريب" لما ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن الحارث أنه ثقة حافظ، قال المعلق: يطلق الحافظ عند المتأخرين في باب التعديل على الصدوق غالبًا، قال هذا في "التقريب"(ج1 ص41)؟

الجواب: الذي أعرفه أن المعلق ليس من المتمكنين في علم الحديث، فنحن نستريح من قوله، لكنه قد وجد حفاظ وهم متهمون مثل محمد بن حميد الرازي فهو حافظ وقد كذّب، وسليمان بن داود الشاذكوني حافظ وقد كذّب، وأبوالفتح الأزدي محمد بن الحسين حافظ كبير وقد اتّهم -وهو صاحب الكلام في الجرح والتعديل- فلفظة: حافظ لا تؤدي بأنه عدل، وهو الصحيح، فيحتاج في من قيل فيه: حافظ إلى إثبات عدالته، العدالة لا تكفي كما تقدم، والحفظ وحده لا يكفي.

السؤال131 قولهم في الرجل: (فلان ليس كأقوى ما يكون)، ففي أي منْزلة؟

الجواب: الظاهر أنه يكون بمنْزلة (ثقة) أو (صدوق) المهم أنه يقبل حديثه.

السؤال132 الشيخ الألباني حفظه الله تعالى في قولهم في الرجل: فلان (ليس بثقة)، وفلان (ليس بالثقة)، وفلان (ليس بقويّ)،

ص: 92

وفلان (ليس بالقوى)، يفرّق بين هذه العبارات؟

الجواب: نعم هناك فرق بين هذه العبارات، فهي تتفاوت، (ليس بالثقة) أي: الثقة العالي الرفيع، و (ليس بالقوي) كذلك، و (ليس بالثقة) و (ليس بالقوي) أعلى و (ليس بثقة) و (ليس بقويّ) أدنى، والذي يظهر من قولهم:(ليس بالثقة) أنه يكون مردودًا، لكن ليس بمنْزلة (ليس بثقة)، و (ليس بالقوي) و (ليس بقويّ) الظاهر أن كليهما يصلح في الشواهد والمتابعات، لكن (ليس بالقوي) أرفع، فالضعف يتفاوت كما أن التعديل يتفاوت.

السؤال133 قولهم في الرجل: فلان (ثقيل البدن)، يقصدون بذلك العبادة أم ماذا؟

الجواب: الله أعلم.

السؤال134 لو قال البخاري في رجل: (حديثه ليس بالمعروف)، هل يكون بمنْزلة قوله:(منكر الحديث) لأنه قال في ترجمة أيوب بن واقد الكوفي: (حديثه ليس بالمعروف، منكر الحديث)؟

الجواب: هذا مفسّر له، وإلا فالذي يظهر أن:(ليس بالمعروف) أرفع قليلاً من منكر. والله أعلم. (1)

السؤال135 قولهم: فلان (على شرط الصحيح)، يكون من باب ثقة

(1) هذا السؤال والجواب عليه كما في السؤال 48 ص (61).

ص: 93

ثبت أم من باب ثقة؟ لأنه كما هو معلوم في شروط الصحيح مع توثيق رجاله، سلامته من الشذوذ والعلة، والسلامة من الشذوذ والعلة تحتاج إلى مزيد ضبط، فماذا ترون؟

الجواب: الظاهر أنّهم يعنون: أنه ثقة يصح حديثه. والله أعلم.

السؤال136 قولهم في الرجل: فلان (ثقة وليس من الأثبات)، أيكون بمنْزلة صدوق أم دونها؟

الجواب: التوثيق نفسه يتفاوت، فالذي يظهر أنه يصح حديثه لأنه ممكن أن يقال فيه: ثقة ثبت، أو ثقة حافظ، أو أوثق الناس. فيكون هذا في رتبة ثقة وأرفع من صدوق.

السؤال137 قولهم في الرجل: (أحاديثه مستقيمة) أو (مستوية)، وأحيانًا يقولون: فلان (حديثه متماسك)، وفلان (حديثه قائم) فهل بين هذه العبارات من فرق؟

الجواب: الذي يظهر أن مستقيمة تقبل وكذلك مستوية، أما متماسك فهو إلى الضعف أقرب، وكذلك قائم. والله أعلم.

السؤال138 إذا ذكروا إسنادًا وقالوا: وسوّاه فلان، ماذا يعنون؟

الجواب: يقولون: وسوّاه فلان، وجوّده فلان، بمعنى: أن ظاهره قبل أن يرويه به علة، إما من أجل الانقطاع، أو غيره، ثم إنه أزال تلك العلة وهو أيضًا يحتاج إلى نظر، فإذا قالوا: سوّاه فلان وجوّده فلان فهو إلى الريبة أقرب، فينبغي أن تنظر فيه.

ص: 94

السؤال139 إذا أردت أن أبحث عن حديث لأعرف صحته من ضعفه، فنجد الشيخ الألباني في بعض التحقيقات يقول: وقد وقعت على إسناد في المخطوط الفلاني في المكتب الفلاني، فإذا أردت أن أصحح حديثًا أو أبحث عنه وليس في يدي شيء من المخطوطات فكيف أبحث؟

الجواب: تقدم أن قلنا: إذا استطعت أن تقف على المراجع وتقف على الحقيقة بنفسك، فما راء كمن سمع، وليس الخبر كالمعاينة. وإذا لم تستطع نقلت من كتاب الشيخ -حفظه الله تعالى- وعزوته إليه.

السؤال140 سؤال أخينا في غير النقطة التي تكلمنا فيها سابقًا، أخونا يقصد مثلاً: لو أني أحقق الآن كتابًا والمراجع عندي محدودة، الألباني حفظه الله تعالى عنده من المخطوطات وعنده من القدرة، يعني يده طويلة تستطيع أن تلقى كتبًا كثيرة، مثلا أخونا يحقق في "مسند الشافعي" في مكتبتنا هذه على هيئتها التي تراها، هل له أن يفعل ذلك أم نقول له: هناك طرق أنت لا تطلع عليها فيجب عليك أن تقف؟

الجواب: أنت تحكم على السند بموجب ما عندك، وإذا رأيت كلامًا للشيخ ناصر الدين الألباني، ونقل من مراجع ليست بمتناولك لك أن تنقل من كتابه وتعزو الكلام إليه.

فإذا صبر طالب العلم وإن كانت مكتبته صغيرة وتجلد ونظر إن

ص: 95

كان الحديث يتعلق بالأحكام، رجع إلى كتب الأحكام، وإن كان يتعلق بالعقيدة، رجع إلى كتب العقيدة، وإذا كان يتعلق بالترغيب والترهيب، رجع إلى كتب الترغيب والترهيب الموجودة في مكتبته، فربما يجد هذه الطرق في مكتبته، وإذا كانت المكتبة صغيرة فهي تحتاج إلى جهد أكثر، ومراجعة لمظان الحديث، لكن إذا كانت المكتبة كبيرة، فرب حديث قد استوعب العلماء المتقدمون طرقه، فيسهل بل ربما أفردوه بالتأليف.

السؤال141 هل يمكن للشخص خاصة إذا قرأ في المصطلح "الباعث" و"التدريب" مثلاً، هل له أن يدرب نفسه على تحقيق كتاب، وإذا انتهى من تحقيقه يرسله مثلاً إليكم؟

الجواب: هذا يفعله إخواننا، ويمكن أن تدربوا أنفسكم على هذا فيستشار في أي شيء يكتب، فالكاتب لا بد أن يعرف في أي شيء يكتب. هم يقولون: المؤلف لا بد أن ينظر المسألة التي سيؤلف فيها، فربما تكتب كتابًا وتجد بعد أيام عالمًا من العلماء الكبار قد سبقك وجمع أضعاف ما جمعت، إذًا أتعبت نفسك، ولا يلتفت إلى كتابك إلا أنك تستفيد من التمرين، فلا بد من أن يستشير الشخص إخوانه في أي شيء يكتب، ثم إذا كان قد كتب، وقد أتعب نفسه، يستمر حتى ولو قالوا له: فلان قد كتب في هذا الموضوع ينبغي أن يكون لديه إقدام.

السؤال142 في ترجمة ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي، قالوا في ترجمته:

ص: 96

(ثقة، ثبت، رمي بالقدر)، قال ابن القطان: كان ثور إذا حدثني عن رجل قلت له: أنت أكبر أم هو؟ فإذا قال: هو أكبر كتبت عنه، وإذا قال: أنا أكبر لم أكتب عنه، لم يظهر لي وجه كلام ابن القطان؟

الجواب: الأمر فيه سهل، معناه: أنه إذا روى عن أصغر منه كأنه يستنكف أن يروي عن أصغر منه، فربما يكون بينه وبينه واسطة، فحذف الواسطة، لكن إذا روى عن أكبر منه فهو لا يروي عن أكبر منه إلا إذا قد سمعه منه، وهناك احتمال آخر بالنسبة للأصغر إضافة إلى احتمال أن يكون بينهما واسطة وهو: أنه ما أتقن حديثه.

السؤال143 قولهم في الرجل: فلان (لو لم يحدث لكان خيرًا له) هل هذا فيه تهمة؟

الجواب: مثل قول بعضهم في: أسد بن موسى: لو لم يؤلف لكان خيرًا له، وكذلك أيضًا قولهم: لو لم يحدث لكان خيرًا له، يدل على أنه حصل منه تخليط.

السؤال144 كلمة قالها ابن المديني في خليفة بن خياط الملقب بشباب، قال:(في دار شباب ابن خياط شجر يحمل الحديث)، هل معنى ذلك أنه مغفل لا يدري ما الحديث؟ أم ماذا يعني ابن المديني بذلك؟

الجواب: الله أعلم.

ص: 97

السؤال145 قول البخاري في درست بن زياد العنبري: (حديثه ليس بالقديم)، هل معنى ذلك أنه ألحق في حديثه ما لم يسمعه أم أنّها تصحيف من قولهم: فلان (ليس حديثه بالقائم)؟ وهل معنى قولهم: (حديثه ليس بالقائم) أنه مضطرب غير متماسك؟

الجواب: يحتمل أحد أمرين: إما أن يكون معناه: ليس بالقديم، أي: أنه حدث بما لم يسمع، أو أنه يروي عمن هو أنزل منه، أو أن يلحق في كتبه ما لم يسمع. وقولهم: فلان (حديثه ليس بالقائم) الظاهر، أنّها مثل قولهم: فلان حديثه غير متماسك، والله أعلم.

السؤال146 قول غير الحافظ ابن حجر مثل ما قاله الطحاوي ومثل ما قاله البيهقي في بعض الرواة: فلان (مقبول) هل يكون بمعنى صدوق؟

الجواب: الظاهر أن معناه أنه يحتج به، وهو أعم من الثقة والصدوق.

السؤال147 قولهم في الرجل: (كأن أحاديثه فوائد)، هل ذلك لعزّتها وقلتها، أم لجودتها وقوتها؟

الجواب: الظاهر أنه لجودتها وقوتها، والله أعلم.

السؤال148 ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى: أن العنعنة التي لم تأت لها طرق أخرى مصرحة بالسماع، تكون في الشواهد لا الاحتجاج، فما مدى الصواب في ذلك؟

الجواب: العنعنة في "الصحيحين" محمولة على السماع، لماذا؟ لأن

ص: 98

صاحبي "الصحيح" حافظان كبيران يعرفان ما سمعه المحدث من شيخه وما دلس فيه ولم يسمعه، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، وقال ابن دقيق العيد بعد أن ذكر قولهم هذا -كما في "فتح المغيث"-: وفي النفس منه شيء. وقال الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في ترجمة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس بعد أن ذكر جملةً من الأحاديث وقد عنعن فيها وهي في "صحيح مسلم" قال: وله غير ذلك، وفي النفس منها شيء.

فمن تردد فيما عنعن فيه المدلس -وأعني بالمدلس الذي هو من الطبقة الثالثة، والطبقة الرابعة، وهكذا الطبقة الخامسة، وإن كانت الخامسة اجتمع مع التدليس ضعف، أما الطبقة الأولى والثانية فإن العلماء تسامحوا في عنعنتهما، والذي ينبغي أن يصار إليه أنّها محمولة على السماع، إلا إذا ظهر أو أقام برهانًا حافظ من الحفاظ أنه لم يسمع ذلك الحديث، فيصار إليه. والله أعلم. وكذلك فعنعنة غير المدلس عمن قد سمع منه محمولة على السماع.

السؤال149 "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر، هل يعمل بها؟

الجواب: طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- اجتهاد منه، وفي الغالب أن اجتهادات الحافظ ابن حجر، واجتهادات غيره من الحفاظ أسدّ من اجتهاداتنا، فلست ملزما بها، لكن إذا عجز الشخص ولم يستطع أن يميز بين أقوال أهل العلم، فلا بأس أن يأخذ بها، وقد نوع الحافظ ابن حجر في بعضهم، فالزهري عدّه من الطبقة الثالثة، وهي

ص: 99

من الطبقات التي تضر عنعنتها، ونازعه الصنعاني في "توضيح الأفكار" وقال: ينبغي أن يعدّ من الطبقة الثانية. فهذا اجتهاد من الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-، وإذا رأيت خلاف هذا عن اجتهاد وفهم فلا بأس بذلك.

السؤال150 بقية المسألة التي سألت من أجلها: أن ابن حجر يقول هذا في الشواهد، ويقول: إذا بحثت عن عنعنة ولم تجد لها تصريحًا من طريق أخرى فهذا في الشواهد، لا يوجد في الاحتجاج، أو في الأصول، هل هذا الكلام صحيح؟

الجواب: الظاهر أنه ليس مطردًا، والحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري" يحرص كل الحرص إذا مر الحديث من طريق مدلس أن يلتمس فيه طريقًا أخرى قد صرح فيها بالتحديث، ومما أذكره الآن سبب نزول قوله تعالى:{قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينك قبلةً ترضاها (1)} فإنه من طريق أبي إسحاق عن البراء، وأبوإسحاق مدلس، قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: وقد صرح أبوإسحاق بالتحديث في التفسير فأمنا من تدليسه، فهو يحرص على بيان سماع المدلس وربما لا يجد، فهذا ليس مطردًا والله أعلم.

وقد تقدم أن عنعنة غير المدلس عمن قد سمع منه محمولة على السماع.

السؤال151 قولهم في تعارض الجرح والتعديل: لا بد أن يكون الجرح مفسّرًا كما قال الحافظ ابن حجر، أريد أن أقف على بعض

(1) البقرة، الآية:166.

ص: 100

الألفاظ التي تكون مفسرة، مثلا قولهم:(ليس بقويّ) و (لا يحتج به)، و (صدوق يهم)، و (منكر الحديث)، و (مضطرب)، أهذا جرح مفسر أم يحتاج مثلاً (صدوق يهم) أن يقال: وهم في حديث فلان أو في شيخ فلان، واختلف على فلان واختلف عليه فلان، لا بد من التصريح بهذا أم يكفي مثلاً: صدوق يهم، ويكون هذا الكلام جرحًا مفسرًا؟

الجواب: (صدوق يهم) جرح مفسر، و (ليس بالقوي) جرح غير مفسر، و (ضعيف) جرح ليس مفسرًا، و (سيء الحفظ) جرح مفسر، و (منكر الحديث) جرح مفسر، و (مضطرب الحديث) كذلك جرح مفسر.

السؤال152 قولهم: فلان (عالي الإسناد) تحتمل عندي أن الرجل إذا كان مشهورًا بالعدالة فهو مدح دال على الرحلة والطلب، وإن كان في غير ذلك فهو دال على التدليس أو الكذب أو السرقة، فماذا ترى؟

الجواب: الذي يظهر أنّها بمعنى: أنه عمّر، وأنه أدرك من المتقدمين ما لم يدركه غيره، وبمعنى أنه بكر بالطلب وسمع من مشايخ لم يسمع منهم غيره من معاصريه، ومن أمثلة ذلك أن الدارمي وهو: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد هو معاصر للبخاري، فسمع من يزيد بن هارون يقول الحافظ: ولو بكّر البخاري في الطلب لسمع من يزيد بن هارون،

ص: 101

وإن بعض معاصري الإمام البخاري من مشايخ الإمام البخاري كالإمام أحمد سمع من عبد الرزاق، يقول الإمام الحافظ ابن حجر: ولو بكر الإمام البخاري في الرحلة لسمع من عبد الرزاق، بل يذكر الخطيب البغدادي أن محدثًا سمع منه البخاري عن عبد الرزاق، فأراد البخاري أن يرحل إلى عبد الرزاق فتحايل ذلكم الرجل على البخاري وقال: إن عبد الرزاق قد مات ولم يمت عبد الرزاق، من أجل أن يسمع البخاري منه فإنه يعدّ شرفًا له إذا سمع منه البخاري عن عبد الرزاق وهو أيضًا يعدّ كذّابًا، فمن بكر في الطلب سمع من شيوخ لم يسمع منهم بعض معاصريه. فالذي يظهر أنّهم يتنافسون في العلو ويجعلونه منقبة، بل الإمام أحمد يقول: طلب العلو سنة، ويحيى بن معين عند أن حضرته الوفاة كما في "مختصر مقدمة ابن الصلاح لابن كثير" قيل له: أي شيء أحب إليك؟ قال: بيت خال وسند عال، فهم يتنافسون في العلو.

السؤال153 حول زيادة الثقة جعلوا محل النّزاع من دون الصحابة، لما تكلموا في زيادة الثقة ومتى تكون شاذة ومتى لا تكون؟ قالوا: هذا في التابعي ومن دونه، أما في الصحابي فحتى لو اختلفوا، وقال السخاوي: زياداتهم مقبولة بالاتفاق، وكذا قال الصنعاني -رحمه الله تعالى- ولست أدري ما وجه الفرق، على أن ابن الوزير رحمه الله تعالى لما أراد أن يستدل على شذوذ رواية من خالف الجماعة استدل

ص: 102

بحديث ذي اليدين وهو صحابي، وإن كانوا رضي الله عنهم كلّهم عدولاً إلا أنّهم ليسوا سواء إن لم يكن في العدالة ففي الملازمة وطول الصحبة والفقه، وغير ذلك من المرجّحات، فماذا تقولون؟

الجواب: أما هذا فله مسوغ، قبول زيادة الصحابي لها مسوغ، الدليل على هذا ما جاء من حديث جابر بن سمرة أن النبيصلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنه سيكون اثنا عشرة خليفةً، قال: فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلمة خفيفة لم أسمعها فاستفهمت من أبي، يعني فقد يكون الشخص في المجلس وهذا يسمع الكلام، وذاك لا يسمعه، وهذا أمر معروف حتى في مجالس طلبة العلم وغيرهم، وربما ينقطع به المجلس، فقد جاء في "الصحيح" عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كان الله على العرش ولم يكن قبله شيء)) أو بهذا المعنى، قال: فقيل لي: يا عمران أدرك ناقتك، قال: فنظرت فإذا هي يقطع دونها السراب، قال ووددت أني تركتها، فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديثه وعمران بن حصين قام لحاجته، وما ود أنه تركها إلا من أجل أن لا يفوته بقية حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

حديث ثالث: أن عقبة بن عامر رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من قال: لا إله إلا الله فله من الأجر كذا وكذا)) فقال: فقلت: بخ بخ -أو بهذا المعنى، والحديث في مسلم - فقال عمر: الذى فاتك أعجب،

ص: 103

قال ما هو؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية يدخل من أيّها شاء)).

والأدلة على هذا متكاثرة أن الشخص ربما يسمع الكلمة، وربما يقوم من المجلس، وربما يروي شيئاً مستقلاً، والله المستعان.

السؤال154 هذه الأدلة التي استدل بها الخطيب على قبول زيادة الثقة من التابعي ومن غير التابعي كما في "الكفاية" لكن أنا أسأل: لم خصص الصحابي بأن زيادته مقبولة حتى وإن خالف الجماعة، ومعروف حديث ذي اليدين لما قال: يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت؟ فقال: ((لم تقصر، ولم أنس)) قال: فإنّما صلّيت ركعتين فقال: ((أكما يقول ذو اليدين))؟ فقالوا: نعم. فمن هذا استدل ابن الوزير على أنه حتى الصحابي، هو ما صرح بهذا لكنه نفس دليلي في الصحابي؟

الجواب: ينضم إلى ما ذكر عدالة الصحابة، وأيضًا ممكن أن الصحابي يسمع ما لم يسمع غيره. أما فيما بعد فقد كانوا حريصين، ذاك يكتب وذاك كذا، وإذا لم يفهم الكلمة استفهم غيره، والله المستعان، والذي يظهر لأجل التحري بهذا، ولأجل هذه الأدلة والله المستعان.

السؤال155 في تفصيل زيادة الثقة ذكر ابن حجر -رحمه الله تعالى- وابن الصلاح

ص: 104

وغيرهما أن زيادة الثقة على ثلاث مراتب، وقال: ننظر إذا وقعت ما هي فيه أو أنّها مخالفة لما هي فيه أو أنّها لم تخالف لكن خالفت غير الذي سيقت فيه، ساق على هذا تفصيلاً ذكره الأرناؤوط في تحقيقه "لجامع الأصول"، يقول: إذا كان يمكن الجمع بين الزيادة وبين الأصل عن طريق الجمع المعروف بالأصول: المطلق والمقيد والعموم والخصوص، فلا مانع، وبهذا يمكن أن يجمع بين كثير من الزيادات، ولا يدّعى الشذوذ؟

الجواب: هم يشترطون في رد الزيادة أن تكون منافية، لكن الذي يظهر أن الزيادة نفسها -كون أنّها زيادة- تنافي، من الأمثلة على هذا الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي موسى وفيه زيادة في بيان كيفية الصلاة:((إذا قرأ فأنصتوا)) فالإمام الدارقطني ينتقد هذه الزيادة ويقول: إنه تفرد بها سليمان التيمي، ويوافقه النووي رحمه الله تعالى على هذا ويقول: إن الحفاظ -إشارة إلى جمع، إضافة إلى الدارقطني- ضعفوا هذه الزيادة. فالذي يظهر أن الزيادة بمجردها تعتبر منافاة.

السؤال156 قول ابن معين -رحمه الله تعالى- في سهيل بن عبد العزيز قال: (لا يجوز في الضحايا)، والذي يظهر لي أن ذلك العيب فيه كما أن الأضحية إذا كانت معيبةً لا يضحّى بها، لكن العيوب متفاوتة، فهل يكون قوله هنا بمعنى (ضعيف) أم بمعنى (ليس بشيء)؟ مع العلم أن هذه الأقوال الثلاثة قالها ابن معين نفسه في هذا الرجل؟

ص: 105

الجواب: يحمل (ليس بشيء) على (ضعيف)، و (ضعيف) عند ابن معين معناه: ليس بثقة، وقوله:(لا يجوز في الضحايا) تحمل على أنه ليس بثقة.

السؤال157 بالنسبة لموافقة النووي والبيهقي أيضًا للدارقطني في نقد زيادة أبي موسى، البعض يقول: النووي شافعي المذهب فما وافق الدارقطني إلا لأنّها لا تخالف مذهبه، فهل وجدته أنه كثيرًا ما يغلب عليه التمذهب أو يقول باصطلاح المذهب؟

الجواب: البيهقي والنووي محدثان شافعيان، فإذا رجحا شيئًا يوافق المذهب الشافعي نظرت، هما محدثان لا يتعصبان للمذهب، لكن ربما أن الألفة والعادة والذي استمر عليه الشخص ينْزلق بسببه، فإذا وجدته يدافع عن مذهب شافعي فتثبت منه، ومثال لميلان النووي إلى المذهب: بوّب النووي في "صحيح مسلم": باب وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت الصدر، ثم قال: هذا مذهبنا المشهور، وبه قال الجمهور.

قوله: (تحت الصدر) مخالف لظاهر الحديث، فإن الحديث هو (على الصدر) كما رواه ابن خزيمة. وليس بالمفهوم ولا بالمنطوق في "صحيح مسلم" الذي بوب عليه؛ أنّها تكون تحت الصدر، بل في "صحيح مسلم" عن وائل:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي واضعًا يده اليمنى على يده اليسرى) ولم يحدد محلها، فحددها الإمام النووي.

السؤال158 قال ابن جريج إذا قلت: (قال عطاء)، فهو محمول على

ص: 106

السماع كما في ترجمته، واختلف في قوله:(عن عطاء) وما جرى مجراها، قال: الظاهر عندي أن (عن) تأخذ حكم (قال) بأنّها تحمل على الاتصال. ابن جريج إذا قال: عن عطاء تحمل على الاتصال كما لو قال: (قال عطاء)، هل هذا عليه العمل؟

الجواب: الظاهر هو هذا، أنه إذا حدث عن عطاء بأي صيغة تكون محمولة على السماع. والله أعلم.

السؤال159 الألباني في "السلسلة الصحيحة" في حديث: ((إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)) ذكر له طرقًا وحسن الإسناد، وله طريق حسن الإسناد، وله شاهد مرسل حسن، قال: فالحديث صحيح. فهل القول بصحة ما هذا سبيله صواب؟

الجواب: يحتمل أن يكون صحيحًا لغيره، وأن يكون جيدًا، و (جيد) هي رتبة بين الصحة وبين الحسن.

السؤال160 وأيضًا في حديث آخر قال رجل: (حدثنا أصحاب لنا)، فهل هذا الجمع يجبر الجهالة إلى درجة الحكم بالصحة أم بالحسن؟

الجواب: الذي يظهر أنه لا بد أن يبين، فإذا قال:(أصحاب لنا) فإنه يحتمل أن يكونوا ثقات، وأن يكونوا غير ثقات. والله أعلم.

السؤال161 وإن كانوا غير ثقات بمعنى أنّهم ضعفاء في حفظهم أليس ينجبر بالجمع؟

الجواب: إذا كانوا هكذا، ينجبر، لكن يحتمل أن يكون فيهم

ص: 107

ضعفاء، وأن يكون فيهم كذابون، وأن يكونوا مجاهيل. فيتوقف فيه. وأنا لا أعلم حديثًا في "الصحيحين" فيه:(حدثنا أصحاب لنا) سواء كان في وسط السند أم في أوله، فينظر هذا، اللهم إلا أن يكون معلقاً على أنه قد جاء في البخاري أشعث بن غرقدة قال سمعت الحي يتحدثون عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطاه دينارًا ليشتري له شاةً. الحديث

السؤال162 ذكر الألباني حفظه الله في الحديث رقم (207) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغيّر الاسم القبيح إلى الحسن، وذكر أنه من طريق عمر بن علي المقدمي، وعمر هذا هو في نفسه ثقة، لكنه كان يدلس تدليسًا سيئًا جدًا -ورجعت إلى " التهذيب" فوجدت أن تدليسه تدليس السكوت- قال الشيخ الألباني: لا يعتد بحديثه حتى ولو صرح بالتحديث. ثم ساق للحديث طرقًا أخرى، فهل من يدلس تدليس القطع، أو تدليس السكوت، لا يقبل حديثه وإن صرح بالتحديث؟

الجواب: يتوقف في حديثه إلا أن يقبله الحفاظ (1)، أو صحح حديثه حافظ من الحفاظ، وإلا فيتوقف فيه، هذا مع تصريحه بالتحديث.

السؤال163 ذكر الشيخ الألباني حفظه الله تعالى أن مستوري التابعين الذين روى عنهم جماعة من الثقات يحتج بحديثهم ما لم يظهر

(1) وهو من رجال الصحيح فيكونون قد علموا أنه لم يدلس في هذا -أقصد قبله الحفاظ أي: في "الصحيحين" لأنّهما التزما الصحة-.

ص: 108

خطؤهم، قال هذا في الحديث رقم (253) في "السلسلة"، وسبقه ابن الصلاح فقال: إن الذين تقادم العهد بهم ولم يذكرهم أحد بجرح أو تعديل يجب أن يكون العمل على الاحتجاج بحديثهم. فما صحة ذلك مع مراعاة الشروط التي وضعها العلماء لما يحتج به من الأحاديث؟

الجواب: الظاهر أن هذا اختيار ابن كثير والذهبي، وقد استدلوا بحديث:((خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم)) والحديث لا شاهد فيه، لأنه لو قيل به فالتابعون وتابعو التابعين يشملهم هذا فمن بعدهم، إلى عصر الإمام البخاري رحمه الله تعالى، فهذا كلام لا تطمئن إليه النفس، والله أعلم.

السؤال164 الرجل إذا لم يكن فيه إلا قولهم: (كان أعقل أهل زمانه) كما قال أبوداود في خالد بن عبد الله بن حسين: (كان أعقل أهل زمانه) ففي أي المراتب؟

الجواب: هذه اللفظة بمفردها لا تدل على أنه ثقة، ويستأنس بحديثه، فيحيى بن أكثم كان من أعقل أهل زمانه، وكان داهيةً ومع هذا فهو متكلم فيه، فهي نفسها لا تدل على أنه ثقة.

السؤال165 في "السلسلة الصحيحة" الحديث رقم (401)((إذا قمت إلى صلاتك فصلّ صلاة مودّع)) نقل الشيخ الألباني عن السندي قوله: لكن كون الحديث من أوجز الكلمات، وأجمعها للحكمة،

ص: 109

يدل على قربه للثبوت. فهل كون الكلام بليغًا ومثل هذه الأمور يجعل حافظًا أو عالمًا من علماء الجرح والتعديل أو النقد أو التحقيق يحكم على الحديث بالثبوت أم أن هذه قرينة من قرائن الترجيح في مثل هذه المسائل؟

الجواب: هو لا يدل، هذه الألفاظ ربما تكون حكمًا أو من كلام أهل العلم، والعلماء أنفسهم ربما يشمّون منه رائحة الثبوت، مثل حديث:((ازهد في الدّنيا يحبّك الله، وازهد عمّا في أيدي النّاس يحبّك النّاس)) يقول بعضهم: عليه نور النبوة، مع أنه ضعيف وإن حسّنه الشيخ حفظه الله تعالى، وعلى كل فلا بد من السند المستجمع لشروط القبول.

السؤال166 الحديث رقم (468) أيضًا في "السلسلة الصحيحة": ((أكثروا من شهادة أن لا إله إلاّ الله)) -نسأل الله أن يجعلنا من أهلها- قال الشيخ الألباني: رمز المناوي رحمه الله تعالى لضعفه، وتقدمه العراقي مبيّنًا لعلته، قال: فيه موسى بن وردان مختلف فيه، قال الشيخ الألباني: وفي هذا الكلام نظر من وجوه: أولاً: أن العراقي قال في ابن وردان: مختلف فيه، ليس نصًا في تضعيفه، بل هو إلى تقويته أقرب منه إلى تضعيفه، لأن المعهود في استعمالهم لهذه العبارة:(مختلف فيه) أنّهم لا يريدون به التضعيف، بل يشيرون بذلك إلى أن حديثه حسن، أو على الأقل قريب من الحسن، ولا يريدون تضعيفه مطلقًا، لأن من طبيعة الحديث الحسن أن

ص: 110

يكون في راويه اختلاف وإلا كان صحيحًا. والسؤال مني ليس في نفيه الضعف المطلق، ولكن في جعْل هذه العبارة إشارةً إلى حسن حديثه، وهي مذكورة في مراتب التجريح المعتبرة في الشواهد، وكون رجال الحسن فيهم اختلاف لكن يعبرون عنه بقولهم:(صدوق أو لا بأس به) لا بقولهم: (مختلف فيه) فما هو الصواب؟

الجواب: الأمر كما قلت، فالذي فهمته أنت هو الذي فهمته أنا، أنّ قول المحدث:(مختلف فيه) بمعنى أن منهم من يوثّقه، ومنهم من يضعّفه، ويحتاج إلى نظر في كلام من وثقه أهو أرجح، أم من ضعّفه أرجح، فما يوحي بأنه حسن، ولا بأنه أنزل من حسن، و (مختلف فيه) و (متكلم فيه) محتاج إلى أن يقف الشخص على كلامهم، فينظر الشخص هل الراجح قبوله أم الراجح ضعفه؟ فلا بد من الوقوف على عباراتهم فإن لم يتيسر الوقوف على عباراتهم توقف، والشيخ حفظه الله تعالى يقول في شهر بن حوشب، وأبي جعفر الرازي وغيرهما مختلف فيه والراجح ضعفه.

السؤال167 بالأمس ونحن نسأل قلت: إن هناك فرقًا بين قولهم في الرجل: (تغير في آخره) أو (اختلط)، لكن قلت: إن الذي يقال فيه: (تغير بآخره) أنه يحتج به، وأنه من باب الحسن لذاته، وهذا الشيخ الألباني في الحديث رقم (518) من "السلسلة الصحيحة" قال في حديث: ((إنّ الله عز وجل لم ينْزل داءً إلاّ

ص: 111

أنزل له شفاءً)) الحديث، قال: فيه أبوقلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال عنه الحافظ: صدوق يخطئ، تغير حفظه، فقال الشيخ الألباني فمثله يحتج به إذا وافق غيره، أما إذا خالف أو تفرد، فلا.

الجواب: الذي أعرفه أنه إذا كان مما أخطأ فيه ينظر، لأن الحافظ الذهبي ذكر في "ميزان الاعتدال" في ترجمة هشام بن عروة أنه تغير بآخره قال: أي خفّ حفظه وضبطه، ثم ذكر أن ابن القطان قال:(اختلط)، وأنكر غاية الإنكار على قوله بأنه (اختلط)، فالذي يظهر أنه إذا قالوا:(تغير) ينظر أهذا الحديث مما حدث به في حال تغيره، أو مما وهم فيه بسبب تغيره، وإلا قبل.

السؤال168 قولهم في الرجل: فلان (على شرط الستة)، ماذا يعنون؟

الجواب: إذا كان من المتأخرين فيظهر أنه يعني أصحاب الأمهات الست، وإن كان من المتقدمين فلا أعرف، وشرط أصحاب الأمهات الست مختلف.

السؤال169 عند أن سألتك عن المدلس تدليس السكوت وقلت: نرجع إلى ترجمة عمر بن علي المقدمي، فننظر من الذي قال هذه المقالة، فبعض الأئمة لا يفوت عليهم التدليس مثل القطان وغيره، فنرجو أن توضح هذه الفائدة.

الجواب: بعض الأئمة لا ينفق عليه التدليس، فسفيان الثوري أراد أن

ص: 112

يدلس على يحيى بن سعيد القطان، وقال ذات مرة: حدثني أبوسهل فقال يحيى بن سعيد القطان: محمد بن سالم، فضحك سفيان الثوري وقال: لا يفوتك شيء يا يحيى.

السؤال170 الكلام الذي ذكره الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب رغم العدالة. قال: هم اشترطوا العدالة، ولسائل أن يسأل: إذا كنتم تقبلون حديث الداعية المبتدع فلم اشترطتم في العدالة أن يجتمع كذا وكذا؟ فأنا أسأل هم قالوا العدالة: أن يكون سالماً من أسباب الفسق، وخوارم المروءة، ولا شك أن المبتدع حتى وإن كان عاميًّا أو المبتدع الداعية الذي حتى وإن كان متحرّجًا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أليس هذا من خوارم المروءة؟

الجواب: هو من أسباب الفسق، والذي حملهم على قبول رواية المبتدع أنّها وجدت بدع في كبار المحدثين مثل: الأعمش بالتشيع، وأبي إسحاق بالتشيع، وقتادة بالقدر، فوجد في كبار المحدثين بحيث لو ردّت أحاديثهم لردّت سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحملهم على أن يقبلوا حديثهم، وهو أمر ضروريّ، حتى أبوإسحاق الجوزجاني بعد أن ذكر جماعةً من الشيعة قال: لو رددنا حديث هذا الضرب لرددنا الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال171 في الحديث الشاذ، ذكروا أن من شروط الصحيح أن لا يكون شاذًا، وكنت أعرف من ذلك أن الشاذ من جملة الضعيف

ص: 113

حسب ترتيب ابن الصلاح لأقسام الضعيف، فلما انتهى من الشاذ وذكر هذه الأشياء أنّها من جملة الضعيف قال: هناك فوائد، ولكن الحافظ ابن حجر قال في بعض أقواله: إنه لا يسمي ضعيفًا ولكن مرجوحاً، وكم من صحيح لا يعمل به وهو من جملة الصحيح لمعارض أقوى أو لمرجّح؟

الجواب: الأمر سهل في هذا، فمؤداه مؤدى الضعيف، فإذا قيل فيه: إنه صحيح لأن سنده ثقات، فصحيح باعتبار سنده، ضعيف باعتبار آخر، إما باعتبار سنده الشاذ، وإما بسبب متنه والله أعلم.

السؤال172 في حديث قد صححه إمام من الأئمة: مثل ابن حنبل أو الترمذي، أو مثل أبي داود، أو مثل الحافظ ابن حجر، أو الشيخ الألباني، أو الشيخ مقبل، وأنا أستطيع أن أبحث، ولكن ليس عندي الوقت أو من النشاط ما يجعلني أراجع وأقف على مقال، فأعتقد في حديث وقلت: هذا الحديث صحيح أخذًا ومعتقدًا في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد حثنا على قبول قول أهل العلم، فبعض الإخوة يقول: إن هذا من باب التقليد، لأنك أخذت بقوله دون أن تبحث ما ورائه، فقلت له: إن قول الإمام من الأئمة: هذا حديث صحيح هو كما قال الصنعاني: اختصار لكلام كثير، إن هذا الرجل عدل، أو هذا الحديث رجاله عدول، وحتى لو قال رجاله عدول، فالعدالة أصلاً

ص: 114

مختلف فيها، عدول ينتهون من كذا، ويفعلون كذا، وضابطون ومعنى الضبط، وهذا كلام يطول جدًا. فقوله: صحيح يكفينى، لأنه من أئمة الشأن ويعرف معنى كلمة صحيح وعلى أي شيء تقع، ويعرف الاسم ومسماه، ويقول له الإخوة: إن هذا من باب التقليد لأنك أخذت هذا من غير حجة، وبعض الإخوة يقول: إن هذا من باب الاتباع، فماذ ترون؟

الجواب: هذا ليس من باب التقليد كما ذكره الصنعاني في رسالة "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد"، إذا عرف من الرجل التحري وأنه لا يصحح إلا ما كان صحيحًا، ولا زال أهل العلم يستعملون هذا، فهذا لا يعتبر إن شاء الله من باب التقليد، والله سبحانه وتعالى يقول:

{ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا (1)} مفهومه إذا جاء العدل تقبل.

السؤال173 إذا قالوا في الرجل: (عالي الإسناد)، قلت: يحتمل أن يكون مدلسًا؟

الجواب: الأقرب والمتبادر إلى الذهن أنه بمعنى أنه بكر في الطلب فأدرك شيوخًا لم يدركهم غيره، لكن الأخ أبا الحسن أتى بمعنى أنه يحدث عن أناس لم يدركهم، فيكون محتملاً لهذا، ومحتملاً لهذا. والله أعلم.

السؤال174 الشيخ المعلمي رحمه الله ذكر في مقدمة "الفوائد المجموعة"

(1) سورةالحجرات، الآية:6.

ص: 115

عند أن تكلم على الأحاديث الموضوعة، ذكر عدة فوائد يقف عليها طالب العلم وقال: ينتفع بها، منها: فائدة أردت أن أذكرها ليتضح لي الخوض فيها، قال: إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنّهم يتطلبون له علة، إذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر، فمن ذلك إعلالهم أن راويه لم يصرّح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبرًا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من "التهذيب"، ونحو ذلك كلامه في حديث عمرو بن دينار في القضاء بالشاهد واليمين، ونحوه أيضًا كلام شيخه علي بن المديني في حديث:((خلق الله التّربة يوم السّبت)) إلخ، كما تراه في "الأسماء والصفات" للبيهقي، وكذلك أعلّ أبوحاتم خبرًا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري كما تراه في "علل أبي حاتم "(ج2 ص353) ومن ذلك إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين، بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني، وكان خالد يدخل على الشيوخ، فليراجع هذا في "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص (120)، ومن ذلك الإعلال بالحمل على الخطأ، وإن لم يتبين وجهه، كإعلالهم حديث عبد الملك بن أبي سليمان في الشفعة، ومن ذلك إعلالهم بظن أن الحديث أدخل

ص: 116

على الشيخ كما ترى في "لسان الميزان" في ترجمة الفضل بن الحباب، وغيرها، وحجتهم في هذا، بأن عدم القدح في العلة مطلقًا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنّها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها، وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنّهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر، هذه فائدة قرأتها؟

الجواب: هذه فائدة تساوي الدنيا، وربما أعلوا الحديث ولم يستطيعوا أن يعبروا عن العلة، والفائدة لن أجيب عليها. فلا مزيد عليها.

فالأمر كما قال، بل أعظم من هذا: أنّهم ربما يعلون الحديث ولا يستطيعون إبراز العلة، ويلزم المتأخر أن يأخذ بقولهم، لأنه ما بلغ مبلغهم في الحفظ ومعرفة الرجال، وحفظ كل طرق الحديث، وكل راو وما روى، يعنى كم له من تلاميذ، وكم روى كل تلميذ عنه، فهم يعتبرون آيةً من آيات الله.

السؤال175 ذكر السخاوي -رحمه الله تعالى- في "فتح المغيث"(ج2 ص12) أن البزار في "مسنده" وابن القطان في "الوهم والإيهام" ذهبا أن

ص: 117

العدالة تثبت برواية جماعة من المشاهير عن الراوي، حتى قال الذهبي في ترجمة مالك ابن الخير الزبادي وقد نقل عن ابن القطان أنه ممن لم تثبت عدالته، ويريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة، قال: وفي رواة "الصحيحين" عدد كثير ما علمنا أن أحدًا نص على توثيقهم. والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فقال: ما نسبه للجمهور لم يصرّح به أحد من أئمة النقد إلا ابن حبان، هو حق فيمن كان مشهورًا بالطلب والانتساب إلى الحديث. والسؤال: إذا كان مذهب البزار وابن القطان مرجوحًا فإذا وجدنا راويًا لم يوثقه غيرهما أو أحدهما، أليس من التواضع أن يكون حكمه مقبولاً حيث يتابع كما يفعل الحافظ في كثير من التراجم أم ماذا تقولون؟

الجواب: إذا وثقا فهما معتبران، إذا رأينا حديثًا في كتابيهما أو في كتبهما من طريق راو روى عنه جماعة، لم يوثقه معتبر، وليس مشهورًا بالطلب. أو رأيناهما صححا هذا الحديث فيتوقف فيه، يعني عرفت قاعدتهما بحسب ما قرأته في التصحيح لا في التوثيق نفسه، فإذا وجدناهم قد صححا حديثًا فيه راو روى عنه جماعة ولم يوثقه معتبر ولم يشتهر بالطلب توقفنا في تصحيحه. ثم إنه قد علم تساهل البزار في التوثيق وكذا في التصحيح.

فائدة: قال السخاوي رحمه الله تعالى في "فتح المغيث"(ج2 ص12): وذهب

ص: 118

بعضهم إلى أن مما تثبت به العدالة رواية الجماعة من الجلة عن الراوي وهذه طريقة البراز في "مسنده" وجنح إليها ابن القطان في الكلام على حديث قطع السدر من كتابه الوهم والإيهام.

قلت: ابن القطان ليس له قاعدة مطردة في هذا، فيحتمل أنه حسن حديث السدر لرواية الجماعة عن سعيد بن محمد بن جبير أو أنه ممن عرفت بيته ونسبه أو للأمرين جميعاً.

وهذا نص كلامه: (

وأما ابن عمه سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم فلا تعرف له حال، وإن كان قد روى عنه جماعة منهم: عثمان المذكور، وعبيد الله بن موهب، وابن أبي ذئب، وعبد الله بن جعفر، وغيرهم كلهم أخذ عنه هذا الحديث، ولا أعرف له من العلم غيره وإن كان معروف البيت والنسب.

وله أخ أسمه عمر، وأخ ثان اسمه الحارث، يروي أيضًا عن أبيه، وثالث اسمه جبير بن محمد، يروي أيضًا عن أبيه فهم أربعة: سعيد وعمر والحارث وجبير، فالحديث من أجله حسن.

وإلا فقد حصل بينه وبين الإمام الذهبي خصام في بعض الرواة من هذا الضرب ففي ترجمة حفص بن بغيل من "الميزان": روى عن زائدة وجماعة، وعنه أبوكريب وأحمد بن بديل، قال ابن القطان: لا يعرف له حال، ولا يعرف. قال الذهبي: لم أذكر هذا النوع في كتابي فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته، وهذا شيء كثير، ففي "الصحيحين" من هذا النمط خلق كثير مستورون، ما ضعّفهم أحد ولا هم بمجاهيل.

ص: 119

وزاد صاحب "تهذيب التهذيب" ممن روى عنه عبد الرحمن بن صالح الأزدي، وأبا الوليد الكلبي. قال ابن حزم: مجهول.

وفي ترجمة مالك بن الخير الزبادي نسبه إلى موضع في المغرب يقال: (زباد) بالباء الموحدة قال ابن القطان: وهو ممن لم تثبت عدالته فرد عليه الذهبي قائلاً: (يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة) وفي رواة "الصحيحين" عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم.

وقد قال فيه الذهبي: (محله الصدق) يروي عن أبي قبيل .. روى عنه حيوة بن شريح، وهو من طبقته، وابن وهب، وزيد بن الحباب، ورشدين. اهـ

وفي "تاريخ أبي زرعة الدمشقي"(ج1 ص442) أنه سأل عنه أحمد بن صالح: ما تقول في مالك بن الخير الزبادي؟ قال: ثقة. اهـ

وفي "تهذيب التهذيب" كثير ممن يروي عنه جماعة فيقول: مجهول الحال، فعلى هذا فلا ينبغي أن يعزى توثيق المجاهيل لابن القطان.

السؤال176 ماذا تقولون في قول الذهبي -رحمه الله تعالى-: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، وكثير من التراجم يختلف فيها ابن معين، وأحمد بن حنبل، وأبوحاتم، وأبوزرعة، بعضهم يقول: ضعيف، والآخر يقول: ثقة، فهو قال: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، ذكر هذا السيوطي؟

ص: 120

الجواب: هذه العبارة مفسّرة بتفسير لا أذكره الآن، ولعل المراد لا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف لا يخالفهما أحد، أو على تضعيف ثقة لا يخالفهما أحد، والله أعلم.

السؤال177 في رواية الفرع -وهو ثقة- للحديث ويجحده الأصل ذكروا لذلك تفصيلات كما هو معلوم. وأنا أسأل: إذا جحد الأصل مكذّبًا للفرع وليس شاكًا وقال: أنا ما حدثتك بهذا الحديث. وقال الفرع: أنت حدثتني بهذا الحديث، فهم رجّحوا كلام الأصل قائلين: إنه أعلم بفعل نفسه، والثاني -الفرع- أعلم بسماع نفسه، فهل يترك هذا الحديث من أجل هذا؟

الجواب: هذه المسألة الذي يظهر أن الراجح فيها، والله أعلم هو: إذا كذبه فيتوقف في ذلك الحديث نفسه، ولا يقدح فيهما في هذا ولا هذا، وأما أبومحمد بن حزم -رحمه الله تعالى- فيقول: وإن كذبه فهو ثقة، والنسيان يطرأ على الشخص، هذا إذا كان قد جحده من دون مسوغ، أما إذا وجد مسوغ لجحوده -كأن يكون في الحديث مضرّة عليه وقال: أنا ما حدثت فلانًا بهذا- فيحمل عليه لكن من دون ما يسوغ له الجحود فيتوقف فيه، وإلا فيقبل، فقد جاء في حديث:((ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلاّ بالتّكبير)) جاء في هذا الحديث أن عمرو بن دينار سأل شيخه فأنكر أنه

ص: 121

حدثه بهذا، فالإمام البخاري ذكره ولم يذكر ترددًا، قال فسألته فقال: ما حدثته بهذا -يعنى لا أذكر هذا- ومع هذا فأورده البخاري في "صحيحه" ولم يورد هذا التردد، وأورده الإمام مسلم في "صحيحه" وأورد هذا التردد، فإذا كان مجرد تردد فلا بأس إن شاء الله وإن جحد الأصل فيتوقف فيه، لأنه يكون محل ريبة. وهذه مسألة اجتهادية.

السؤال178 وأيضًا ذكروا فيمن ترد روايته: من خالف ثم أصر ولم يرجع -أي خالف في حديثه وخالف من هو أوثق منه أو أكثر منه، ومع ذلك راجعوه فلم يرجع- وقالوا هذا ترد روايته، لكن معلوم أن الإمام مالكًا رحمه الله له في ذلك قصة في مخالفته للثقات، في روايته عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمر بن عثمان عن أسامة مرفوعًا ((لا يرث المسلم الكافر)) وغيره من أصحاب الزهري، رووه عن عمرو بن عثمان -بفتح العين- ومع ذلك لم يرجع الإمام مالك؟

الجواب: نعم هم جعلوا ذلك من القوادح، لكنه محمول على إذا لم يرجع عنادًا وتكبرًا، أما إذا كان واثقًا بنفسه فلا، والإمام الطبراني رحمه الله تعالى أيضًا وهم في اسم شيخ من شيوخه فقيل له في ذلك، فلم يرجع، وقد ذكروا في ترجمة غير راو أنه لم يرجع لوثوقه بعلمه، والله أعلم.

السؤال179 قولهم في الرجل: (لا نعلم إلا خيرًا)، يترجم له الحافظ رحمه الله تعالى في "التقريب" بقوله:(مقبول) إذا لم يكن في الرجل إلا

ص: 122

كلمة أبي زرعة أو غيره: (فلان لا نعلم إلا خيرًا) قال عنه في "التقريب": (مقبول) إلا أن أبا زرعة سأل دحيمًا: ما تقول في علي بن حوشب الفزاري؟ فقال: لا بأس به. قال أبوزرعة: ولم لا تقول: (ثقة ولا نعلم إلا خيرًا)، قال: قد قلت لك: إنه ثقة. الشاهد في قول أبي زرعة: ولم لا تقول: ثقة ولا نعلم إلا خيرًا، هل هذه العبارة تعني أنه أرفع من أن يترجم له بمقبول؟

الجواب: العلماء تختلف عباراتهم حتى في الألفاظ، قد يكون اللفظ واحدًا وله معنى عند يحيى بن معين، غير معناه عند البخاري، من أجل هذا كما تقدم قد ألف اللكنوي كتابه "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" وكان الحافظ ابن حجر كما ذكره تلميذه السخاوي يقول:(يا حبذا لو جمعت ألفاظ الجرح والتعديل وفسرت) وقد وفق الله اللكنوي فجمعها، فلا بد أن تحمل على المعنى اللائق بها، فقوله -من حيث المعنى اللغوي-:(لا أعلم إلا خيرًا) الظاهر إذا سئل عنه: أهو ثقة، أم ليس بثقة؟ أنه يقبل، هذا من حيث مؤداها، وهو محتمل أيضًا: أنه لا يعلم إلا خيرًا في الصلاح، وبقي الضبط، (لا أعلم إلا خيرًا) ويكون مستور الحال، لا أعلم إلا خيرًا في الصلاح، لكن إذا سئل مثل يحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، وكذا الإمام أحمد وغيره وليس هناك مانع أنه يأتي بكلام فيه معاريض فيحمل على أنه مقبول -وأعني- أنه ثقة يقبل حديثه، وليس مقبولاً على اصطلاح الحافظ.

ص: 123

السؤال180 في قولهم في كثير من الرجال: (فلان طويل اللحية) هل يحمل على أنه يرفع المراسيل، ويصل المنقطعات، وإلا فما وجه قولهم؟

الجواب: عند بعض الأدباء الذين لا خير فيهم أن طول اللحية دليل على خفة العقل، فنحن إن شاء الله ما نحمل كلام المحدثين على هذا النحو السخيف، فالله أعلم بمرادهم، ولعله أيضًا من باب الحيدة عن الجواب الصحيح.

السؤال181 الشيخ الألباني حفظه الله تعالى في حديث: "الأذنان من الرّأس" ساق إسنادًا من "الفوائد المنتقاه" ثم قال: وهذا سند حسن عندي، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير يحيى بن العريان الهروي، وقد ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، غير أنه وصفه بأنه كان محدثًا، فهل هذا يحسن حديثه لذاته؟

الجواب: لا يحسن، ولكن يستأنس به، فلفظة كونه محدثًا لا تدل على أن حديثه مقبول، فيجوز أنه محدث وهو ضعيف، محدث وهو كذاب، محدث وهو ثقة، والله أعلم.

السؤال182 بعضهم يقول: فلان من المحدثين، وفلان من الشيوخ، أيعني أنه من الشيوخ الفقهاء أم ماذا؟

الجواب: يعني أنه من الشيوخ الذين ليسوا بأثبات. والله أعلم.

ص: 124